رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

« لا يحلّ لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر » (١) ، ونحوه مرسلاً في مجمع البيان (٢).

مضافاً إلى الآية الكريمة (٣) ؛ بناءً على كون الواو فيها بمعنى : « أو » هنا ؛ بإجماع الأُمّة ، وهو القرينة على استفادة تحريم ما زاد على الأربع منها ، وإلاّ ففي دلالتها على المنع بنفسها مناقشة.

هذا في الحرائر.

( و ) أمّا غيرهن فـ ( يحرم عليه من الإماء ما زاد على اثنتين ) مطلقاً ، كنّ معهما حرائر أم لا ، بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا (٤).

للصحيح : عن رجل له امرأة نصرانيّة ، له أن يتزوّج عليها يهوديّة؟

فقال : « إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسّع منّا عليكم خاصّة ، فلا بأس أن يتزوّج » قلت : فإنّه يتزوّج عليها أمة ، قال : « لا يصلح أن يتزوّج ثلاث إماء » الخبر (٥).

وفي دلالته على التحريم نظرٌ لولا الإجماع.

وتُحسَبان من الأربع ، فتحلّ له معهما حرّتان خاصّة ، أو ثلاث مع‌

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢١٨ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٩ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٢ ح ٤.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٦ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٨ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ١ ح ٣.

(٣) النساء : ٣.

(٤) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٤٦ ، والبحراني في الحدائق ٢٣ : ٦١٩.

(٥) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٤٤٩ / ١٧٩٧ ، الوسائل ٢٠ : أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٢ ح ٢ بتفاوت.

٢٤١

إحداهما دونهما ، وظاهرهم الإجماع عليه ؛ ولعلّه لإطلاق المانع عن الزائد على الأربع من الكتاب والسنّة. وتقييدها في بعضها بالحرائر مع وروده مورد الغالب إنّما هو بالإضافة إلى ملك اليمين لا مطلقاً.

( وإذا استكمل العبد حرّتين ، أو أربعاً من الإماء ) خاصّة ، أو حرّة وأمتين ( حرم عليه ما زاد ) على ذلك مطلقاً (١) ؛ بإجماعنا وأخبارنا كما مرّ.

قيل : والمُعتَق بعضه كالحرّ في حقّ الإماء فلا يتجاوز اثنتين وكالعبد في حقّ الحرائر فلا يتجاوز حرّتين كما أنّ المُعتَق بعضها كالحرّة في حقّ العبد فلا ينكح أكثر من اثنتين وكالأمة في حقّ الحرّ ، فلا يتجاوزهما (٢).

ولعلّ ذلك تغليباً للحرمة ، كما يستفاد من بعض المعتبرة : « ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ وقد غلب الحرام الحلال » (٣) فتأمّل.

( ولكلّ منهما أن يضيف إلى ذلك ) تزويج النسوة ووطأهنّ ( بالعقد المنقطع وملك اليمين ما شاء ) إجماعاً ونصّاً ، كتاباً (٤) وسنّة (٥) ، في الثاني. إلاّ أنّه في العبد مبنيّ على القول بتملّكه ، أو جواز تحليل السيّد له إماءه ؛ وفي المعتبرة دلالة على جواز وطئه لإماء سيّده بإذنه.

ففي الصحيح : عن المملوك كم تحلّ له من النساء؟ فقال : « لا تحلّ له‌

__________________

(١) أي من الإماء والحرائر. منه رحمه‌الله.

(٢) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢٠٦.

(٣) غوالي اللئلئ ٣ : ٤٦٦ / ١٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٦٩.

(٤) النساء : ٢٤.

(٥) الوسائل ٢٠ : ٥٢٧ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٩.

٢٤٢

إلاّ اثنتان ، ويتسرّى (١) ما شاء إذا أذن له مولاه » (٢).

ونحوه في الخبرين (٣) ، في أحدهما : « لا بأس أن يأذن له مولاه ، فيتسرّى من ماله إن كان له مال جاريةً أو جواري يطأهن ، ورقيقه له حلال ».

وسنده معتبر ؛ لوجود صفوان فيه ، فلا يضرّ جهالة راويه.

وعلى الأظهر الأشهر في الأوّل ، بل عليه الإجماع عن الانتصار والطبريّات والسرائر (٤) ، وفي التذكرة : إنّه قول كلّ من أباح نكاح التمتّع (٥) ؛ والنصوص به مع ذلك وعموم الآية (٦) مستفيضة.

ففي الصحيح : عن المتعة أهي من الأربع؟ فقال : « لا » (٧).

وفي آخرَين : « هي بمنزلة الإماء » (٨) كما في أحدهما.

__________________

(١) قال ابن منظور في لسان العرب ( ٤ : ٣٥٨ ) : وقال بعضهم : استسرَّ الرجل جاريته بمعنى تسرّاها ، أي اتخذها سُرِّيَّة. والسرِّيَّة : الأمة التي بَوَّأتَها بيتاً ، وهي فُعْلِيَّة ، منسوبة إلى السرّ ، وهو الجماع والإخفاء.

(٢) التهذيب ٨ : ٢١١ / ٧٤٩ ، الإستبصار ٣ : ٢١٣ / ٧٧١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٨ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٩ ح ٤.

(٣) الأول في : التهذيب ٨ : ٢١١ / ٧٥٥ ، الإستبصار ٣ : ٢١٤ / ٧٧٨ ، الوسائل ٢١ : ١١٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٢ ح ٨ ؛ بتفاوت يسير.

الثاني في : الكافي ٥ : ٤٧٧ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٧ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الانتصار : ١٢٥ ، السرائر ٢ : ٥٣٩.

(٥) التذكرة ٢ : ٦٣٩.

(٦) النساء : ٢٤.

(٧) الكافي ٥ : ٤٥١ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ / ١١١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٣٥ ، قرب الإسناد : ٢١ ، الوسائل ٢١ : ١٨ أبواب المتعة ب ٤ ح ١.

(٨) الكافي ٥ : ٤٥١ / ١ ، الوسائل ٢١ : ١٩ أبواب المتعة ب ٤ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.

٢٤٣

وفي الثاني : ما يحلّ من المتعة؟ قال : « كم شئت » (١).

وفي الخبر : عن المتعة أهي من الأربع؟ قال : « لا ، ولا من السبعين » (٢) وفي آخر : « تزوّج منهنّ ألفاً ، فإنّهنّ مستأجرات » (٣).

وعلّل في بعضها بـ : « أنّها لا تطلّق ولا ترث » (٤).

وضعف هذه الأخبار غير قادح بعد الانجبار بما مرّ ، فيقيّد به إطلاق الأدلّة المانعة عن الزيادة عن الأربع ، مع عدم تبادر الانقطاع منها.

وربما نسب إلى ابن حمزة المنع عنها هنا أيضاً (٥) ، تمسّكاً بالإطلاق المزبور. وقد عرفت ضعفه.

والمعتبرة ، كالصحيح : « هي من الأربع » (٦) والموثّق : « هي أحد الأربعة » (٧).

وهما مع قصورهما عن المقاومة لما مرّ من وجوه عديدة محمولان على الاستحباب ، أو الاتّقاء على الشيعة ، ليتأتّى لهم الاحتيال‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٥١ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٥٨ / ١١٨ ، الإستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٣٦ ، الوسائل ٢١ : ١٨ أبواب المتعة ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥١ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٩٤ / ١٣٩٥ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ / ١١١٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٣٧ ، الوسائل ٢١ : ١٩ أبواب المتعة ب ٤ ح ٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٥٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٥٨ / ١١٢٠ ، الإستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٣٨ ، الوسائل ٢١ : ١٨ أبواب المتعة ب ٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٥١ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ١٨ أبواب المتعة ب ٤ ح ٤.

(٥) الوسيلة : ٢٩٥.

(٦) قرب الإسناد : ٣٦٦ / ١٣١٣ ، الوسائل ٢١ : ٢١ أبواب المتعة ب ٤ ح ١٣.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٥٩ / ١١٢٢ ، الإستبصار ٣ : ١٤٧ / ٥٤٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٠ أبواب المتعة ب ٤ ح ١٠.

٢٤٤

بالاقتصار على الأربع على التفصّي عن شنعة العامّة ، ولو زيد عليها لما أمكن هذه الحيلة.

ولعلّه المراد من الاحتياط في الصحيح : « اجعلوهنّ من الأربع ، فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط؟ قال : نعم » (١).

فالقول بذلك في غاية الضعف ، ومع ذلك عبارة القائل به غير صريحة في المنع ، فلا احتياط يعتدّ به في المسألة كما توهّم.

( وإذا طلّق واحدة من الأربع حرم عليه ما زاد غبطةً ) ودواماً ( حتى تخرج ) المطلّقة ( من العدّة ) الرجعيّة ، بلا خلاف ، وصرّح به في التذكرة (٢) ؛ لكونها بحكم الزوجة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة :

منها الصحيح : « إذا جمع الرجل أربعاً فطلّق إحداهنّ فلا يتزوّج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة التي طلّق » وقال : « لا يجمع ماءه في خمس » (٣).

وباقيها مشتركة في قصور السند المنجبر بالعمل.

( أو تكون المطلّقة بائنة ) فيتزوّج وإن لم تنقض عدّتها إن كانت ذات عدّة كالمختلعة مثلاً على الأشهر.

لخروجها مع البينونة عن عصمة النكاح ، فصارت كالأجنبيّة.

مع استفاضة الروايات بجواز نكاح الأُخت مع بينونة الأُخت الأُخرى‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٥٩ / ١١٢٤ ، الإستبصار ٣ : ١٤٨ / ٥٤٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٠ أبواب المتعة ب ٤ ح ٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٣٩.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٤ / ١٢٣٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٨ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٢ ح ١.

٢٤٥

قبل انقضاء عدّتها (١) ، فالخامسة أولى.

وفيهما نظر.

لكن المستفاد من التذكرة عدم القول بالفرق بين المسألتين (٢) ، وبه صرّح بعض الأصحاب (٣).

وفيه منع ؛ لإطلاق المفيد في المقنعة المنع هنا (٤) ، مع تصريحه باختصاصه بالعدّة الرجعيّة ثمّة (٥) ، فلا يصحّ دعوى عدم الخلاف مع مصيره إليه ، وظاهر النصوص في المقامين إطلاقاً هنا وتقييداً ثمّة معه ، فقوله لا يخلو عن قوّة.

ويمكن الاستدلال للمشهور بأصالة الجواز ، مع عدم ما ينافيها ، سوى الأخبار المانعة عن الجمع بين ما زاد على الأربع ، وليست البائنة منها ؛ لصيرورتها أجنبيّة ، فلا يصدق الجمع.

وإطلاق المستفيضة وإن منع عن الخامسة في العدّة البائنة ، إلاّ أنّ ما عدا الصحيح المتقدّم منها قاصرُ السند ، من دون جابر له فيه ، سيّما مع اشتهار خلافة.

والصحيح وإن أُطلق فيه أيضاً ، إلاّ أنّ إردافه بجملة : « لا يجمع ماءه في خمس » كالتعليل للحكم المتقدّم ، المشعر باختصاصه بالعدّة الرجعيّة ؛ إذ هي التي يتصوّر فيها مقتضاه دون البائنة ، ولكن بعْدُ لا يخلو عن شبهة‌

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٢٧٠ أبواب العدد ب ٤٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٦٣٩.

(٣) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٢٩٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٦٦ ، وصاحب الحدائق ٢٣ : ٦٢٧.

(٤) المقنعة : ٥٣٦ ، إلاّ أنّه لم يطلق المنع بل فصّل كغيره بين الرجعية وغيرها.

(٥) أي في الجمع بين الأُختين ( المقنعة : ٥٣٦ ). منه رحمه‌الله.

٢٤٦

قويّة ؛ ولعلّه لأجلها حكم بالكراهة الشديدة جماعة (١).

فالاجتناب مهما أمكن أولى ، سيّما مع اعتبار بعض تلك الأخبار ، الذي لا يحتاج معه إلى جابر ، كالمرويّ في الفقيه (٢) عن الحسن بن محبوب وهو ثقة ، وممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه عن سعد بن أبي خلف وهو ثقة عن سنان بن ظريف وهو ممدوح كما ذكره جماعة (٣) فالحديث حسن ، وعلى تقدير الجهالة فرواية الحسن لها جابرة.

ونحو المروي (٤) بطريق فيه سهل الثقة عند بعض (٥) ، وضعفه سهل عند جمع (٦).

فيقوى الإشكال في المسألة غاية القوّة ، إلاّ أن يقيّد إطلاق المعتبرة بإشعار الصحيحة المتقدّمة (٧) باختصاص الحكم بالعدّة الرجعيّة ؛ بناءً على أنّ أخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض.

وكيف كان ، فالتجنّب مهما أمكن أحوط وأولى.

وفي صدر هذه الرواية (٨) تصريح بالجواز في البائن مع عدم العدّة ،

__________________

(١) منهم الشهيد في اللمعة والروضة ٥ : ٢١٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٣ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٤٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٥ / ١٢٦٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢١ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٣ ح ٦.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٧١٠ ، نقد الرجال : ١٦٣ ، رجال ابن داود : ١٠٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٣٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٩٤ / ١٢٣٥ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٢٦ / ٣٢٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥١٩ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٣ ح ١.

(٥) كالشيخ في رجاله : ٤١٦.

(٦) منهم الشيخ في الفهرست : ٨٠ ، النجاشي في رجاله : ١٨٥.

(٧) في ص ٢٤٣.

(٨) أي : المروية في الفقيه.

٢٤٧

كغير المدخول بها ، وليس محلّ خلاف.

( وكذا لو طلّق امرأة وأراد نكاح أُختها ) ليس له ذلك حتى تخرج المطلّقة من العدّة ، أو تكون طلقتها بائنة مطلقاً (١) هنا ؛ إجماعاً منّا ، كما في كلام جماعة من أصحابنا (٢).

وبه استفاض نصوصنا ، كالصحيحين : في رجل طلّق امرأته أو اختلعت عنه أو بارأت ، أيجوز أن يتزوّج بأُختها؟ قال : فقال : « إذا برئت عصمتها ، ولم يكن له عليها رجعة ، فله أن يخطب أُختها » (٣).

ونحوه المرويّ في كتاب الحسين بن سعيد في الصحيح (٤).

وبها يقيّد ما أُطلق فيها المنع بحيث يشمل ذات العدّة البائنة كالخبرين : عن رجل طلّق امرأته ، أيتزوّج أُختها؟ قال : « لا ، حتى تنقضي عدّتها » (٥).

__________________

(١) كانت ذات عدّة أم لا. منه رحمه‌الله.

(٢) منهم ابن فهد في المهذب البارع ٣ : ٢٩٠ ، البحراني في الحدائق ٢٣ : ٦٢٩ ، العلاّمة في المختلف : ٥٢٦.

(٣) الأول في : الكافي ٥ : ٤٣٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٨٦ / ١٢٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١٦٩ / ٦١٩ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٠ أبواب العدد ب ٤٨ ح ٢.

الثاني في : الكافي ٦ : ١٤٤ / ٩ ، التهذيب ٨ : ١٣٧ / ٤٧٧ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٠ أبواب العدد ب ٤٨ ح ١.

(٤) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٢٢ / ٣١١ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧١ أبواب العدد ب ٤٨ ح ٥.

(٥) الأول في : الكافي ٥ : ٤٣٢ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٨٧ / ١٢١٠ ، الإستبصار ٣ : ١٧١ / ٦٢٣ ، الوسائل ٢٢ : ٢٧٠ أبواب العدد ب ٤٨ ح ٣.

الثاني في : الكافي ٥ : ٤٣٢ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٦ / ١٢٠٨ ، الإستبصار ٣ : ١٧٠ / ٦٢١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٨ ح ٢.

٢٤٨

مضافاً إلى قصور سندهما.

ولإطلاقهما قيل بالكراهة في العدّة البائنة. (١) ولو لا المسامحة في أدلّة الكراهة لكان محلّ مناقشة.

ثم إنّ فتوى الأكثر إلحاق عدّة المتعة بالعدّة البائنة ؛ لفحوى الصحاح المتقدّمة ، مضافاً إلى تعليل الجواز فيها في بعضها بانقطاع العصمة الحاصل هنا.

خلافاً للمقنع ، فألحقها بالرجعيّة (٢) ؛ لروايات قاصرة الأسناد ، عدا واحد منها صحيح ، وفيه : قرأت في كتاب رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جُعِلتُ فداك ، الرجل يتزوّج المرأة متعةً إلى أجل مسمّى ، فينقضي الأجل بينهما ، هل يحلّ له أن ينكح أُختها قبل أن تنقضي عدّتها؟ فكتب : « لا يحلّ له أن يتزوّجها حتى تنقضي عدّتها » (٣).

وهو مع عدم مكافأته لما تقدّم يتطرّق إليه القدح بعدم القطع بكون الحكم عنه عليه‌السلام ؛ إذ غايته وجدانه في الكتاب عنه عليه‌السلام ، وليس كلّما يوجد في الكتب يكون صحيحاً ، كما صرّح به الشيخ (٤) ، فتأمّل. والاحتياط لا يترك.

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٨.

(٢) المقنع : ١١٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣١ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٩٥ / ١٤٠٤ ، التهذيب ٧ : ٢٨٧ / ١٢٠٩ ، الإستبصار ٣ : ١٧٠ / ٦٢٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٧ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) انظر الاستبصار ٣ : ١٧١.

٢٤٩

( ولو تزوّجهما ) أي الأُختين ( في ) ال ( عقد ) الواحد أو المتعدّد مع التقارن ( بطل ) من أصله على الأشهر ؛ لاستصحاب الحرمة ، وللنهي عنه من حيث تضمّنه الجمع بينهما المقتضي للفساد هنا إجماعاً ، واستحالة الترجيح.

مضافاً إلى فقد المقتضي لصحّة المتّحد ؛ إذا ليس إلاّ الأمر بالوفاء ، ولا يمكن توجّهه إليه إجماعاً ؛ لاشتماله على الفاسد بالاتّفاق ، وليس إلاّ شيئاً واحداً وإن تعدّد متعلّقه ، وهو لا يوجب تعدّده (١) ليتوجّه توجّه الأمر بالوفاء إلى أحدهما دون الآخر ، والوفاء به بالإضافة إلى بعض متعلّقه ليس وفاءً به بنفسه ، والذي توجّه إليه الأمر بالوفاء الذي هو المقتضي للصحّة هو الثاني لا الأوّل.

( و ) ظهر بذلك ضعف ما ( قيل ) به من الصحّة في الجملة ، فـ ( يتخيّر ) إحداهما ويخلّي سبيل الأُخرى ، كما عن النهاية والإسكافي والقاضي (٢) ؛ ( الرواية ) به ( مقطوعة ) أي مرسلة في التهذيب والكافي (٣).

نعم ، مرويّة في الفقيه في الصحيح : في رجل تزوّج أُختين في عقد واحد ، قال : « هو بالخيار ، يمسك أيّتهما شاء ، ويخلّي سبيل الأُخرى » (٤).

__________________

(١) أي العقد. منه رحمه‌الله.

(٢) النهاية : ٤٥٤ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٥٢٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٨٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣١ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ / ١٢٠٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٧٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦٥ / ١٢٦٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٧٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

٢٥٠

إلاّ أنّها مع مخالفتها الأُصول المعتضدة بالشهرة غير واضحة الدلالة ؛ لإمكان إرادة الإمساك بعقد جديد.

ويقوّيه ورود مثله في العقد عليهما مرتّباً في الصحيح (١) ، مع ورود النصّ الصحيح ببطلان المتأخّر (٢) ، المعمول به عند الأكثر بل عليه الوفاق في شرح الكتاب للسيّد (٣) ، والإجماع في التذكرة (٤) ومنهم أكثر القائلين هنا ، والموافق للأُصول القطعيّة ، وهو قرينة واضحة على إرادة ما ذكر منه ؛ لبعد شذوذه وفساده من أصله.

فيتقوّى بهذا احتمال إرادة مثله في الصحيح هنا ، مع احتمالهما (٥) التقيّة بمصير الإسكافي إليهما ؛ بناءً على غلبة توافق رأيه لرأي العامّة وإن نسب الأول هنا إليهم كافّة في التذكرة (٦) لاحتمال وجود قائل بذلك منهم في سابق الزمان ، وإن اتّفقت آراؤهم في هذه الأزمان.

( ولو كان معه ثلاث ) نسوة دائمات ( فتزوّج اثنتين في عقد ، فإن سبق بأحدهما صحّ دون ) عقد ( اللاحقة ) اتّفاقاً.

( وإن قرن بينهما بطلا ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، كما عن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣١ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ / ١٢٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١٦٩ / ٦١٨ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٢٤ / ٣١٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٧٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣١ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٤ / ١٢٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢٨٥ / ١٢٠٤ ، الإستبصار ٣ : ١٦٩ / ٦١٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٧٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٦ ح ١.

(٣) نهاية المرام ١ : ١٨٢.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٣٥.

(٥) أي الصحيح هنا وثمّة. منه رحمه‌الله.

(٦) التذكرة ٢ : ٦٣٥.

٢٥١

السرائر والإرشاد والتحرير (١) ؛ للأُصول المتقدّمة ، السليمة عن المعارض هنا ؛ لما ستعرف.

( وقيل ) هو النهاية والمهذّب والجامع والوسيلة (٢) : ( يتخيّر أيّتهما شاء ).

( و ) لا شاهد له سوى القياس بما ( في رواية جميل ) الحسنة ، المتضمّنة لـ : أنّه ( لو تزوّج خمساً في عقد ، يتخيّر أربعاً ، ويخلّي باقيهن ) (٣).

لكن الظاهر عدم القول بالفرق بين المسألتين ، وبه صرّح بعض شرّاح الشرائع (٤).

لكن يردّ بضعف الدلالة بما مرّ ، وباحتمال عدم وقوع التزويج حال الإسلام ، ولا كلام في التخيير فيه.

نعم ، في الشرائع نسبه إلى الرواية ، ولم نقف عليها ، ومع ذلك صرّح بضعفها (٥) ، فلا حجّة فيها ، مع معارضتها ببعض المعتبرة : عن رجل كنّ له ثلاث نسوة ، فيتزوّج عليهنّ امرأتين في عقد واحد ، فدخل بواحدة منهما ، ثم مات ، قال : « إن كان دخل بالتي بدأ باسمها وذكرها عند عقدة النكاح فإنّ نكاحه جائز ، وعليها العدّة ، ولها الميراث ، وإن كان دخل بالمرأة التي سُمّيَتْ وذُكِرَت بعد ذكر المرأة الأُولى فإنّ نكاحه باطل ، ولا ميراث لها ،

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٣٩ ، الإرشاد ٢ : ٢٦ ، التحرير ٢ : ١٥.

(٢) النهاية : ٤٥٥ ، المهذب ٢ : ١٨٤ ، الجامع للشرائع : ٤٣٠ ، الوسيلة : ٢٩٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٣٠ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ / ١٢٣٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٢ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٤ ح ١.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٨.

(٥) الشرائع ٢ : ٢٩٣.

٢٥٢

وعليها العدّة » (١).

وهو ظاهر في بطلان العقد مع الدخول بالمتأخّر ذكرها ، فمع العدم أولى. إلاّ أنّه لا قائل به مع قصور سنده عن الصحّة ؛ لوجود عنبسة في السند ، وإن جبر ضعفه برواية ابن أبي عمير عنه ، لكن مع ذلك لا تبلغ درجة الصحّة.

ولا يترك الاحتياط هنا وفي السابق بالعقد مجدّداً على المختارة ، أو الاختيار ثم الطلاق وإعطاء مهر المختارة ، إن بدا له في نكاحهما.

ثم المتبادر من إطلاق النصوص وكلام الأصحاب في المقامين اختصاص الحكم نفياً وإثباتاً بالجاهل بحرمة الجمع ، دون العالم ، ووجهه واضح ؛ لعدم القصد المعتبر ، مع العلم بالفساد ، فتأمّل.

( وإذا استكملت الحرّة طلقات ثلاثاً ) يتخلّلها رجعتان بأيّ أنواع الطلاق كان ( حرمت ) على زوجها ( حتى تنكح زوجاً غيره ) نكاحاً محلّلاً مطلقاً ( ولو كانت تحت عبد ) بالكتاب (٢) ، والسنّة (٣) ، والإجماع.

( وإذا استكملت الأمة طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ) كذلك ( ولو كانت تحت حرّ ) لأنّ الاعتبار في عدد الطلقات بالزوجة ؛ بإجماعنا المستفيض نقله في كلام جماعة من أصحابنا (٤) ، وقد استفاض به أخبارنا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٦٦ / ١٢٦٣ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ / ١٢٣٦ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٣ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) البقرة : ٢٢٩ ، ٢٣٠.

(٣) الوسائل ٢٢ : ١١٨ أبواب أقسام الطلاق ب ٤.

(٤) منهم العلاّمة في التذكرة ٢ : ٦٤٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٤٦ ، والبحراني في الحدائق ٢٣ : ٦٣٣.

٢٥٣

منها الصحاح المستفيضة : « طلاق المرأة إذا كانت عند مملوك ثلاث تطليقات ، وإن كانت مملوكة تحت حرّ تطليقتان » (١).

خلافاً للعامّة ، فعكسوا القضيّة ، فجعلوا الاعتبار في عددها بالزوج (٢).

( والمطلّقة تسعاً للعدّة ) ينكحها بينها رجلان ، بأن طُلِّقت بالشرائط ، ثم ارتُجِعَت في العدّة فوطئِت ، ثم طُلِّقت كذلك ، ثم ارتُجِعت فوُطِئت ، ثم طُلِّقت فنكحت زوجاً غيره بعد انقضاء العدّة فوطِئت ، ثم طُلِّقت فتزوّجها الأول بعد انقضاء العدّة ، ثم طُلِّقت كذلك حتى استكملت تسعاً ( تحرم على المطلِّق أبداً ) إجماعاً منّا خلافاً للعامّة والنصوص به مستفيضة :

كالموثّق في تعداد المحرّمات بالأبد ـ : قال : « والذي يطلِّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرّات ، وتزوّج ثلاث مرّات ، لا تحلّ له أبداً » (٣).

وإطلاقه كغيره وإن شمل المطلّقة ثلاثاً بالسنّة بالمعنى الأخصّ ، وهي التي تزوّجها المطلِّق بعد انقضاء العدّة ، إلاّ أنّه مقيّد بالإجماع كما حكاه جماعة (٤) ومفهومِ القيد المعتبر في المرويّ في الخصال في تعداد المحرّمات بالسنّة ، قال : « وتزويج الرجل امرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات » (٥).

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٢ : ١٥٩ و ١٦١ أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٢٤ ، ٢٥.

(٢) انظر بداية المجتهد ٢ : ٦٢ ، المغني لابن قدامة ٨ : ٤٤٤ ، المجموع ١٧ : ٢٧٨.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ / ١٢٧٢ ، الإستبصار ٣ : ١٨٥ / ٦٧٤ ، الوسائل ٢٢ : ١٢٠ أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٤ ح ٤.

(٤) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٩٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٩ ، وصاحب الحدائق ٢٣ : ٦٣٤.

(٥) الخصال : ٥٣٢ / ١٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١ ح ١.

٢٥٤

ومفهومِ الشرط في الرضوي ، حيث قال : « وأمّا طلاق العدّة : فهو أن يطلّق الرجل امرأته على طهر من غير جماع ، ثم يراجعها من يوم أو غد أو متى ما يريد من قبل أن تستوفي قرءها ، وأدنى المراجعة أن يقبّلها ، أو ينكر الطلاق ، فيكون إنكار الطلاق مراجعة ، فإذا أراد أن يطلّقها ثانيةً لم يجز ذلك إلاّ بعد الدخول بها ، وإذا أراد طلاقها تربّص بها حتى تحيض وتطهر ، فيطلّقها ، فإذا أراد راجعها ، فإن طلّقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلّقها ، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، فإذا انقضت عدّتها منه ، فتزوّجها رجل آخر ، وطلّقها أو مات عنها ، فإذا أراد الأول أن يتزوّجها فعل ، فإن طلّقها ثلاثاً ، واحدة بعد واحدة على ما وصفناه لك فقد بانت منه (١) ، ولا تحلّ له بعد تسع تطليقات أبداً. واعلم أنّ كلّ من طلّق تسع تطليقات على ما وصفت لم تحلّ له أبداً » (٢).

مضافاً إلى دلالته بوجه آخر ، وهو ذكر السنّة فيه أيضاً ، مع عدم الإشارة فيها إلى تحريم التسع للمطلقّة بها بالأبد ، بل خصّ بالعدّة.

ويدلّ عليه أيضاً صريحاً خصوص المعتبرين بوجود ابن أبي عمير وعبد الله بن مغيرة اللذين هما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما من الرواية في سندهما ، فلا يضرّ ضعف الراوي لو كان.

ففي أحدهما : عن رجل طلّق امرأته ، ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوّجها ، ثم طلّقها ، فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ،

__________________

(١) هنا زيادة في الأصل لم توجد في المصدر ، ولعلّها تكرار ، وهي : ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإذا طلقها أو مات عنها فأراد الأوّل أن يتزوّجها فعل ، فإن طلّقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه ..

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٤٢ ، المستدرك ١٥ : ٣٢٠ أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٢ ح ٣ ؛ بتفاوت.

٢٥٥

ثم تزوّجها ، ثم طلّقها ، فتركها حتى حاضت ثلاث حيض من غير أن يراجعها يعني : يمسّها قال : « له أن يتزوّجها أبداً ما لم يراجع ويمسّ » (١).

ولفظ التأبيد صريح في العموم لما لو طُلِّقت كذلك طلقات عديدة ولو تجاوزت التسع ، وأنّها لا تحرم بذلك إلى حصول الأمرين من الرجوع والوقاع.

وليس نصّاً في مختار ابن بكير (٢) ، فيطرح ؛ لقبوله التقييد بحصول التحليل بعد كلّ ثلاث ، ومقتضاه حينئذٍ : أنّه يتزوّجها أبداً بعد حصول المحلِّل ، لا مطلقاً.

وأصرح منهما الموثّق عن مولانا الصادق عليه‌السلام : « فإن فعل هذا بها » مشيراً إلى المطلّقة بالسنّة « مائة مرّة هدم ما قبله ، وحلّت بلا زوج » (٣).

وخروج الذيل عن الحجّية بالإجماع والمعتبرة غير ملازم لخروج الجميع عنها ، فقد يكون من إلحاق ابن بكير الذي في سنده به وكلامه ؛ لاجتهاده. ويؤيّده تصريحه بعدم سماعه عدم اعتبار المحلّل من أحد ، كما في الموثّق (٤) ‌:

__________________

(١) الأول في : الكافي ٦ : ٧٧ / ١ بتفاوت ، التهذيب ٨ : ٢٩ / ٨٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٠ / ٩٦٢ ، الوسائل ٢٢ : ١١٥ أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٣ ح ١٣.

الثاني في : الكافي ٦ : ٧٧ / ٢ ، الوسائل ٢٢ : ١١٥ أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ب ٣ ح ١٣.

(٢) وهو العدم بمحض انقضاء العدّة بدون محلّل. مرآة العقول ٢١ : ١٣٠.

(٣) التهذيب ٨ : ٣٥ / ١٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٧٦ / ٩٨٢ ، الوسائل ٢٢ : ١١٦ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ١٦.

(٤) الكافي ٦ : ٧٧ / ٣ ، التهذيب ٨ : ٣٠ / ٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٧١ / ٩٦٣ ، الوسائل ٢٢ : ١١٤ أبواب أقسام الطلاق ب ٣ ح ١١.

٢٥٦

ويعضد حقّيّة الصدر تصريح ابن بكير به ، مع أنّه لم يردّه ابن سماعة وغيره ممّن وقع فيه (١) برأيه في عدم اعتبار المحلّل في طلاق السنّة في ذلك ، وإنّما اقتصروا في الردّ على رأيه الفاسد.

هذا ، مضافاً إلى دلالة الأخبار كفتوى الأخيار على الفرق بين العدّة والسنّة ، ولا يُتصور إجماعاً إلاّ بأمرين لا يمكن المصير إلى أحدهما : من عدم احتياج الثلاث من الثانية إلى المحلّل دونها من الأُولى ؛ للإجماع كالأخبار باحتياجهما إليه ، فانحصر الفارق في حصول التحريم بالتسع في الأولى دون الثانية.

ويؤيّده إطلاق الأخبار الدالّة على هدم التزويج للطلاق (٢) كائناً ما كان (٣) ، سنّيةً أم عدّيةً ، خرجت منه الثانية على التسع ، بقيت الاولى.

نعم ، في بعض المعتبرة تصريح بالتحريم المؤبّد بالتسع في السنّة ، كالصحيح : « إذا طلّق الرجل المرأة ، فتزوّجت ، ثم طلّقها زوجها الأول ، ثم طلّقها ، فتزوّجت رجلاً ، ثم طلّقها ، فتزوّجها الأول ، ثم طلّقها هكذا ثلاثاً ، لم تحلّ له أبداً » (٤).

لكنّه شاذّ غير معارض لما تقدّم ، فاستشكال بعض متأخّري الأصحاب في اختصاص تأبّد التحريم بالتسع الطلقات العدّية ؛ بناءً على عدم الدليل عليه (٥) ، لا وجه له ، والصحيح المتقدّم قد اعترف بشذوذه ،

__________________

(١) أي في سند الموثق الثاني.

(٢) انظر الوسائل ٢٢ : ١٢٥ أبواب أقسام الطلاق ب ٦.

(٣) واحداً أم متعدّداً. منه رحمه‌الله.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣١١ / ١٢٩٠ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٩ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ١١ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٨٨.

٢٥٧

فلا يصلح وجهاً للاستشكال.

ثم إنّ إطلاق العدّة على التسع المرتّبة مجاز ؛ لأنّ الثالثة من كلّ ثلاث ليست للعدّة ، فإطلاقه عليها إمّا إطلاق لاسم الأكثر على الأقلّ ، أو باعتبار المجاورة.

قيل : وحيث كانت النصوص والفتاوي مطلقة في اعتبار التسع للعدّة في التحريم المؤبّد ، كان أعمّ من كونها متوالية ومتفرّقة ، فلو اتّفق في كلّ ثلاث واحدة للعدّة اعتبر فيه إكمال التسع كذلك (١). انتهى.

وللنظر فيه مجال :

أمّا في الأول : فلتعليق التحريم المؤبّد فيه على وقوعها بحيث يحتاج كلّ ثلاث منها إلى محلّل ، ألا ترى إلى الموثّق المصرّح بـ : أنّ « الذي يطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ثلاث مرات ويزوّج ثلاث مرات ، لا تحلّ له أبداً » (٢)!؟ ولا شي‌ء من الطلقات الثلاث العدّيّات المتفرّق كلّ منها في ثلاث يحتاج إلى محلّل.

وقد اعترف به (٣) في توجيهه احتمال اغتفار الثالثة من كلّ ثلاث وقع فيها عدّية واحدة ، بـ : أنّه المعتبر عند التوالي ، وأنّ الثالثة لم يتحقّق اعتبار كونها للعدّة ، وإنّما استفيد من النصّ التحريم بالستّ الواقعة لها ، فيستصحب الحكم مع عدم التوالي (٤).

فبعد الاعتراف بكون المستفاد من النصّ : التحريم بالستّ الواقعة لها‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢١٣.

(٢) تقدّم ذكره في ص ٢٥٢.

(٣) أي باختصاص النص. منه رحمه‌الله.

(٤) الروضة البهية ٥ : ٢١٦.

٢٥٨

المنحصرة هي في التوالي ، كيف يمكن دعوى شموله للتسع المتفرّقة؟!

واعترف به أيضاً في توجيه احتمال عدم الاغتفار ، الذي قوّاه بثبوته مع التوالي على خلاف الأصل ، وإذا لم يحصل اعتبرت الحقيقة ، خصوصاً مع كون طلقة العدّة هي الأُولى خاصّة ، فإنّ علاقتي المجاز منتفيتان عن الثالثة ؛ إذ لا مجاورة للعدّيّة ولا أكثريّة لها ، بخلاف ما لو كانت العدّيّة هي الثانية ، فإنّ علاقة المجاورة موجودة (١).

أقول : ولا ريب أنّ ثبوت الاغتفار مع التوالي إنّما هو من النصّ ، ولو صحّ إطلاقه كما ادّعاه لثبت في غيره.

وأمّا في الثاني : فلتصريح عليّ بن إبراهيم في المحكي عنه بعين ما في الرضوي (٢) ، مصرّحاً في آخره بـ : أنّ هذه هي التي لا تحلّ لزوجها الأول أبداً (٣) ، الظاهر في الحصر الحقيقي ، والمجازي خلاف الأصل.

ونحوه الصدوق في الفقيه (٤) ، بل ظاهرهما كالرضوي اشتراط الترتيب في تأبّد التحريم ؛ لتصريحه كالفقيه بأنّه الطلاقات التسع ، التي كلّ ثلاث منها لا بُدّ أن يكون كلّ واحد منها واحداً بعد واحد ، المتبادر منه ذلك.

وبالجملة : فالحكم بالتحريم بالتسع المتفرّقة محلّ إشكال إن لم يكن إجماع ، وعلى تقديره يقتصر على مورده ؛ وقوفاً عليه في الخروج عن مقتضى الأصل.

__________________

(١) الروضة البهية ٥ : ٢١٧.

(٢) المتقدم في ص ٢٥٢.

(٣) حكاه عنه في الحدائق ٢٣ : ٦٤٠ ، وهو في تفسيره ١ : ٧٩.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٢٢ ٣٢٣.

٢٥٩

والظاهر عدمه في الأمة طرّاً ، حتى لو طُلِّقت للعدّة تسعاً يتخلّلها أربعة رجال ، كما يستفاد من المتعرّضين لحكمها هنا ، حيث احتملوا العدم فيها مطلقاً ، ولو ثبت الإجماع لم يحتمل كما لا يحتمل (١) في الحرّة ، فالاقتصار فيها على الأصل أقوى.

ويشكل الحكم بتأبّد التحريم مع التفريق مطلقاً أيضاً مضافاً الى ما تقدّم بأنّ طلاق العدّة حينئذٍ (٢) لا يتحقّق إلاّ بالرجعة بعده والوطء ، فإذا توقّف التحريم على تحقّق التسع كذلك لزم تحريمها بعد الدخول في الخامسة والعشرين إن كان العدّية هي الاولى من كلّ ثلاث ، أو السادسة والعشرين إن كان الثانية منها ، بغير طلاق. وهو بعيد.

ولو توقّف على طلاق آخر بعده ولم يكن ثالثاً كما في الأول لزم جعل ما ليس بمحرّم محرّماً ، والحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل ، وكلاهما بعيد.

وذلك أمارة لزوم الاقتصار على مورد النصّ ، إلاّ أنّ الاحتياط سبيله واضح.

( السبب الخامس ) من أسباب التحريم : ( اللعان )

( ويثبت به التحريم المؤبّد ) بالنصّ (٣) والإجماع ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في تحقيق حكمها وشرائطها.

( وكذا ) يحرم بالأبد لو ( قذف الزوج امرأته الصمّاء أو الخرساء بما يوجب اللعان ) لولا الآفة. برميها بالزناء ، مع دعوى المشاهدة وعدم‌

__________________

(١) العدم مطلقاً. منه رحمه‌الله.

(٢) أي اعتبار التسع طلقات الحقيقية. منه رحمه‌الله.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٤٠٧ أبواب اللعان ب ١.

٢٦٠