رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

خلافاً للفقيه والطوسي (١) وجماعة (٢) ، فقالوا بالرقّية إلاّ مع الفكّ بالقيمة ؛ للصحيح : الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته ، قال : « هو له حلال » قلت : فإن جاءت بولد منه؟ قال : « هو لمولى الجارية ، إلاّ أن يكون اشترط على مولى الجارية حين أحلّها إن جاءت بولد فهو حرّ » (٣).

ونحوه خبران آخران (٤) قاصرا السند ، هما كالصحيح ضعيفا التكافؤ ، فلا يعترض بمثلها الأخبار المتقدّمة المعتضدة بالأُمور المزبورة ، وكذا لا تؤول إليها بما في الفقيه وإن تبعه جماعة من حملها على الحرّية بعد أداء القيمة ، وإن هو إلاّ تقييد لها من غير مقيّد صالح له ، فيجب طرحه ، أو تأويله إلى ما يؤول إليها ، سيّما مع إباء التعليل في بعضها كالصحيح الأولين عن قبول هذا القيد.

( فإن شرط ) الأب ( في العقد الحرّية ، فلا سبيل ) لمولى الجارية ( على الأب ) من جهة القيمة بإجماع الطائفة.

( وإن لم يشترط ) ذلك ( ففي إلزامه قيمة الولد روايتان ، أشبههما )

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٩٠ ، الطوسي في النهاية : ٤٩٤.

(٢) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٣١٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٣٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٧٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٤٦ / ١٠٦٨ ، الإستبصار ٣ : ١٣٨ / ٤٩٧ ، الوسائل ٢١ : ١٣٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٧ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الأول في : التهذيب ٧ : ٢٤٦ / ١٠٦٩ ، الإستبصار ٣ : ١٣٨ / ٤٩٨ ، الوسائل ٢١ : ١٣٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٧ ح ٢.

الثاني في : التهذيب ٧ : ٢٤٨ / ١٠٧٥ ، الإستبصار ٣ : ١٤٠ / ٥٠٤ ، الوسائل ٢١ : ١٣٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٧ ح ٥.

٤٤١

وأشهرهما : ( أنّها لا تلزم ) كما عرفت من المستفيضة الواردة في مقام الحاجة (١) ، الخالية عن ذكر القيمة بالمرّة ، مع اشتمال الصحيحين منها على التعليل الذي هو كالصريح في عدم لزومها ، وقد عرفت عدم مقاومة شي‌ء ممّا عارضها لها بالمرّة ، ولكن العمل به أحوط.

ومقتضى العبارة هنا ظاهراً وفي الشرائع صريحاً عدم الخلاف في حرّية الولد هنا (٢) ، وانحصاره في لزوم القيمة (٣). وليس كذلك ؛ لاتّفاق القائلين بالحرّية بعدم لزوم القيمة ، واختصاص القول به بالقائل بالرقّية.

( ولا بأس بأن يطأ الأمة وفي البيت غيره ) للصحيح : في الرجل ينكح الجارية من جواريه وفي البيت من يرى ذلك ويسمع ، قال : « لا بأس » (٤).

وربما قيل بالكراهة هنا في الجملة أو مطلقاً (٥). ولا بأس به ؛ للمسامحة ، وللخبر : « لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي » (٦) وهو وإن قصر بقصور السند عن المكافأة لما مرّ ، إلاّ أنّه أوفق بالحياء ، فليحمل ذلك على نفي الحرمة.

( و ) لا بأس أيضاً ( أن ينام بين أمتين ) للخبر فعلاً : كان أبو الحسن عليه‌السلام ينام بين جاريتين (٧).

__________________

(١) المتقدمة في ص ٤٣٧.

(٢) أي في التحليل. منه رحمه‌الله.

(٣) الشرائع ٢ : ٣١٧.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٠٨ / ٧٣٥ ، الوسائل ٢١ : ١٩٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٥ ح ١.

(٥) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٦٩.

(٦) الكافي ٥ : ٤٩٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤١٤ / ١٦٥٥ ، الوسائل ٢٠ : ١٣٢ أبواب مقدمات النكاح ب ٦٧ ح ١.

(٧) التهذيب ٧ : ٤٥٩ / ١٨٣٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٠١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٤ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

٤٤٢

ونحوه آخر قولاً : « لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرّتين » (١).

( ويكره ) كلّ من الأمرين ( في الحرائر ) أمّا الأول : فلما مضى وغيره.

وأمّا الثاني : فقد عُلِّل بتضمّنه الامتهان الغير اللائق بالحرائر (٢).

وهو كما ترى ، مضافاً إلى ما مرّ من الخبر الظاهر في عدم البأس.

والعمدة في الكراهة : فتوى الأصحاب ، مع المسامحة في أدلّة السنن ، كما مرّ غير مرّة.

( ويكره وطء ) الأمة ( الفاجرة ) الزانية ؛ لما فيه من العار ، وخوف اختلاط الأنساب.

وفي الخبر : عن الخبيثة يتزوّجها الرجل؟ قال : « لا » وقال : « إن كان له أمة فإن شاء وطئها ولا يتّخذها أُمّ ولد » (٣).

( و ) يكره وطء ( مَن ولدت من الزناء ) للحسن : عن الرجل يكون له الخادم ولد زناء ، عليه جناح أن يطأها؟ قال : « لا ، وإن تنزّه عن ذلك فهو أحبّ » (٤).

ويأتي على مختار الحلّي من كفرها الحرمة (٥) ، وقد حكيت عنه صريحاً (٦) ؛ والنصّ حجّة عليه ، كالصحيح : ولد الزناء ينكح؟ قال : « نعم ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٦٠ / ١٦ ، التهذيب ٧ : ٤٨٦ / ١٩٥٣ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٤ ح ١.

(٢) انظر المسالك ١ : ٥٢٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٥٣ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٠٧ / ٧٣٣ ، الوسائل ٢١ : ١٧٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٠ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٣٥٣ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ١٧٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٠ ح ٣.

(٥) السرائر ٢ : ٥٢٦.

(٦) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٦٨.

٤٤٣

ولا يطلب ولدها » (١).

( ويلحق بالنكاح النظر في أُمور خمسة ) :

( الأول : في العيوب ) المجوّزة للفسخ لأحد الزوجين إذا حصل منها في الآخر.

( والبحث ) يقع ( في أقسامها وأحكامها ) :

أمّا الأول : فهي على قسمين : مشترك بينهما ، ومختصّ بأحدهما .. ويعرف كلّ منهما بالكلام فيها ، فنقول :

( عيوب الرجل ) المسلّطة لزوجته على فسخ نكاحه ( أربعة ) : الأول : ( الجنون ) المطبق مطلقاً ، أو الأدواري الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة إجماعاً ، كما يظهر من جماعة (٢).

وكذا الذي يعقلها معه مطلقاً ، كان قبل العقد أو تجدّد بعده مطلقاً.

على الأشهر الأظهر في الأول ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل صرّح به بعض الأجلّة (٣).

خلافاً لابن حمزة ، فأطلق اشتراط عدم التعقّل (٤) ؛ للمرسل : « إن بلغ بالجنون مبلغاً لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما ، وإن عرف أوقات الصلاة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٥٣ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٤ ح ١.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ١٨٢ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ١٧٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٢١٩.

(٣) انظر المهذب البارع ٣ : ٣٦٥ ، نهاية المرام ١ : ٣٣٦.

(٤) الوسيلة : ٣١١.

٤٤٤

فلتصبر المرأة ، فقد ابتُليت » (١). وضعف سنده يمنع من العمل به ، مع معارضته بالخبر الآتي ، المعتضد بالشهرة ومفهوم الرضوي ، وبهما يخُصّ المرسل والأصل لو تمسّك به.

وعلى قولٍ في الأخير (٢). خلافاً لأكثر القدماء ، وهو الأصحّ ؛ للرضوي : « إذا تزوّج رجل ، فأصابه بعد ذلك جنون ، فبلغ منه مبلغاً حتى لا يعرف أوقات الصلاة ، فرّق بينهما ، فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة ، فقد ابتُليت » (٣).

وقصور السند منجبر بالشهرة ، مع اعتباره وحجّيته في نفسه ، مضافاً إلى موافقته الأصل ، فلا يعارض شيئاً ممّا ذكر إطلاقُ الخبر أو عمومه : عن المرأة يكون لها زوج وقد أُصيب في عقله بعد ما تزوّجها أو عرض له جنون ، فقال : « لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت » (٤) ؛ لقصور سنده أولاً ، مع عدم الجابر له في المقام جدّاً ؛ وضعف دلالته ثانياً ، فليقيّد أو يخصّص ، فسقط حجّة القول الأول.

ويظهر من بعض المتأخّرين المناقشة في أصل الحكم ؛ لعدم ما يدلّ عليه ممّا يعتمد عليه ؛ لضعف الأخبار ، وأخصّية أكثرها عن المدّعى ؛ لاختصاصه بالمتجدّد (٥).

ويجبر الأول الشهرة ، بل والإجماع في الجملة ، والثاني عدم القول بالفرق بين الطائفة ، مع إطلاق المرسلة المنجبر قصورها في أصل الحكم‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٣٨ / ١٦٢٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٦ أبواب العيوب والتدليس ب ١٢ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) قاله في المختلف : ٥٥٤.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣٧ ، المستدرك ١٥ : ٥٣ أبواب العيوب والتدليس ب ١١ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٣٨ / ١٦٢٨ ، التهذيب ٧ : ٤٢٨ / ١٧٠٨ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٥ أبواب العيوب والتدليس ب ١٢ ح ١.

(٥) انظر الحدائق ٢٤ : ٣٣٨.

٤٤٥

بالشهرة ، وفحوى ما دلّ على أنّه عيب في المرأة من النصوص المستفيضة (١) ؛ بناءً على أنّ الرجل له التخلّص بالطلاق لو وجد فيها ، فثبوت الخيار له مع ذلك ملازم لثبوته لها لو وجد فيه بطريق أولى ؛ لعدم إمكان تخلّصها بدونه أصلاً.

وتوقّفه (٢) على ثبوت التعليل في الأصل ليستحقّ الأولويّة ، وليس بثابت ؛ المناقشة فيه واضحة ؛ إذ المستند في اعتباره فهم العرف لا ثبوت التعليل ، كيف لا؟! وقد دلّ آية حرمة التأفيف (٣) على حرمة الأقوى من أنواع الأذى ، ومسلّم الدلالة عند العلماء ؛ مع أنّه لا إشعار فيها بالتعليل فضلاً عن الظهور ، وهو هنا ثابت ، فمتابعته واجب.

ويومئ إلى ما ذكرنا من استناد حجّية الفحوى إلى فهم العرف لا إلى ثبوت التعليل تقسيم العلماء القياس الحجّة إلى : الأولوية ، والمنصوص العلّة ؛ فلو توقّف حجّية الأول على ثبوت العلّة لكان من الثاني ، فلا وجه للتقسيم وجعل قسم الشي‌ء قسيمه ، فتأمّل جدّاً.

وبالجملة : لا ريب في فساد ما ذكر قطعاً.

( و ) الثاني : ( الخِصاء ) بكسر الخاء مع المدّ ، وهو : سلّ الأُنثيين وإخراجهما وإن أمكن الوطء ، على الأظهر الأشهر بين الأصحاب ؛ للمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة دخل بها فوجدته خصيّاً ، قال : « يفرّق بينهما ، ويوجّع ظهره ، ويكون لها المهر بدخوله‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٢٠٧ أبواب العيوب والتدليس ب ١.

(٢) أي الفحوى المشار إليه.

(٣) الإسراء : ٢٣.

٤٤٦

عليها » (١) ، ونحوه الموثّقان (٢).

خلافاً للمبسوط والخلاف ؛ محتجّاً بأنّه يولج ويبالغ أكثر من الفحل وإن لم ينزل ، وعدم الإنزال ليس بعيب (٣).

وهو اجتهاد صرف في مقابلة النصّ المعتضد بالشهرة ، مع حجّيته في نفسه ، فيخصّ به الأصل لو تمسّك به ، ويقتصر فيه بمورده ، وهو سبق العيب العقد ؛ لظاهر لفظ التدليس فيه ، وهو أصحّ الأقوال.

وربما قيل بإطلاق ثبوت الخيار ولو تجدّد بعد الدخول (٤).

وربما فُصِّل ، فاثبت في المتجدّد قبله ، ونُفي في المتجدّد بعده (٥).

ولا يساعدهما النصوص ، مع معارضتهما بالأصل السالم عن المعارض.

وفي حكم الخصاء : الوِجاء ، بالكسر والمدّ ، وهو : رضّ الأُنثيين ، بل قيل : إنّه من أفراده ، وحكي عن بعض أهل اللغة (٦). وهو حسن إن تمّ‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٣٢ / ١٧٢٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٧ أبواب العيوب والتدليس ب ١٣ ح ٣.

(٢) ورد أحدهما في : الكافي ٥ : ٤١٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٣٢ / ١٧٢٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٦ أبواب العيوب والتدليس ب ١٣ ح ١.

والآخر في : الكافي ٥ : ٤١١ / ٦ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٧٦ / ١٦٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٧ أبواب العيوب والتدليس ب ١٣ ح ٢.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٥٠ ، الخلاف ٤ : ٣٤٨.

(٤) قاله في المهذب ٢ : ٢٣٥.

(٥) الحلّي في السرائر ٢ : ٦١٢.

(٦) الكفاية : ١٧٦.

٤٤٧

القول (١) ، وإلاّ فللنظر فيه مجال ، والاقتصار على الأصل لازم.

( و ) الثالث : ( العنن ) وهو على ما عرّفه الأصحاب كما حكي ـ : مرض يعجز معه عن الإيلاج ؛ لضعف الذكر عن الانتشار. من دون تقييد بعدم إرادة النساء ، وربما يوجد في كلام بعض أهل اللغة (٢) اعتباره.

وثبوت الفسخ به في الجملة محلّ وفاق بين الطائفة ، حكاه جماعة (٣) ؛ للمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : « العنّين يتربّص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوّجت ، وإن شاءت أقامت » (٤).

والصحيح : عن امرأة ابتلى زوجها ، فلم يقدر على الجماع ، أتفارقه؟ قال : « نعم ، إن شاءت » (٥) ونحوه بعينه غيره (٦).

ومقتضاهما كغيرهما من حيث العموم الناشئ عن ترك الاستفصال تعليق الحكم على غير القادر على الجماع مطلقاً ، أراد النساء أم لا ، فيكون هو المراد بالعنّين المطلق في الصحيح الأول وغيره حقيقةً كان فيه كما هو ظاهر الأصحاب ، أو مجازاً إن اعتبرنا القيد الماضي فيه وذلك لأنّ أخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض.

__________________

(١) بأنه من أفراد الخصاء. منه رحمه‌الله.

(٢) كالقاموس ( ٤ : ٢٥١ ) والمصباح المنير (٤٣٣). منه رحمه‌الله.

(٣) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٢٢٩ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٣٢٧ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٣٤٣.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٣١ / ١٧١٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٩ / ٨٩١ ، الوسائل ٢١ : ٢٣١ أبواب العيوب والتدليس ب ١٤ ح ٥.

(٥) الكافي ٥ : ٤١١ / ٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٩ أبواب العيوب والتدليس ب ١٤ ح ١.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٣١ / ١٧١٧ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٩ / ٨٩٢ ، الوسائل ٢١ : ٢٣١ أبواب العيوب والتدليس ب ١٤ ح ٦.

٤٤٨

ثم المستفاد ممّا مضى من النصوص وغيرها : إطلاق الخيار ، الشامل لصور تقدّم العيب قبل العقد وتجدّده بعده ، كان قبل الدخول أو بعده ، وعلى الاولى الإجماع ، وعلى الثانية والثالثة الشهرة بين الطائفة ، ويأتي تمام التحقيق في المسألة السادسة.

( و ) الرابع : ( الجَبّ ) ، وهو : قطع الذكر كلاًّ ، أو بعضاً لا يبقى معه قدر الحشفة ، ولو بقي فلا خيار إجماعاً. وثبوت الخيار به مشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، وعن المبسوط والخلاف نفي الخلاف عنه (١) ؛ وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى فحوى ما دلّ على ثبوته بالخصاء والعنن ، فإنّه أقوى عيباً منهما ؛ لقدرة الخصي على الجماع في الجملة ، وإمكان برء العنن ، بخلاف المجبوب الذي لم يبق له ما يمكنه الوطء ، فثبوت الخيار فيهما ملازم له فيه بطريق أولى.

ويعضده عموم ما مرّ من الصحيح وغيره : عن امرأة ابتلى زوجها ، فلم يقدر على الجماع ، أتفارقه؟ قال : « نعم ، إن شاءت » (٢).

فتردّد الماتن في الشرائع (٣) لا وجه له ، والنصّ بالخصوص غير لازم ، والأصل بما مضى مخصَّص.

وحيث كان من المتمسَّك به في إثبات الحكم هنا عموم الصحيح وغيره ، وجب القول بثبوت الخيار على الإطلاق ، سبق العيب العقد أو تأخّر‌

__________________

(١) حكاه عنهما كشف اللثام ٢ : ٧٠.

(٢) المتقدم في ص ٤٤٥.

(٣) الشرائع ٢ : ٣١٩.

٤٤٩

عنه ، لحق الوطء أو تقدّمه ، كما عن الطوسي والقاضي (١) وجماعة (٢) ، ولعلّه الأشهر ، بل حكي عن الأول الإجماع عليه صريحاً (٣) ، وإن حكي عنه في موضع آخر ما أشعر بانعقاد الإجماع على اختصاصه بالأول (٤) ؛ لعدم معارضة الظاهر الصريح.

وربما قيل باختصاصه بالأول (٥) ؛ تمسّكاً بالأصل ، وعدم المخرج عنه ؛ لفقد الإجماع بالتعارض (٦) ، وانتفاء الفحوى فيما عداه ؛ لاختصاص الخيار في الخصاء بسبقه العقد كما مرّ (٧).

ويضعّف بثبوت المخرج ؛ لكون الإجماع على العموم أقوى كما مضى ، وعدم انحصار الفحوى في الخصاء ؛ لثبوته في العنن الثابت به الخيار مع التجدّد بعد العقد ، مع عدم انحصار المخرج فيما ذكر بعد إطلاق النصّ الدافع لذلك (٨) ، وللقول باختصاصه بغير المتجدّد بعد الوطء (٩) ؛ المستند إلى ثبوت الحكم هنا بفحوى ثبوته في العنن ، المقتضي للاشتراك معه في عدم الخيار بعد الوطء كاشتراكه معه في ثبوته قبله ؛ المضعّف بضعف المستند ؛ إذ غايته إثبات الشركة في الثبوت لا العدم ، فلا ينافي ثبوت الخيار‌

__________________

(١) الطوسي في المبسوط ٤ : ٢٦٣ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢٣٣.

(٢) الإيضاح ٣ : ١٧٥ ، التنقيح ٣ : ١٨٠ ، المهذب البارع ٣ : ٣٦٨ ، مفاتيح الشرائع ٣ : ٣٠٦ ، كشف اللثام ٢ : ٧٠.

(٣) حكاه عنه في الإيضاح ٣ : ١٧٥ ، وهو في المبسوط ٤ : ٢٦٤.

(٤) حكاه عنه في المسالك ١ : ٥٢٥ ، وهو في المبسوط ٤ : ٢٥٢.

(٥) انظر كشف اللثام ٢ : ٧٠.

(٦) أي بتعارض الإجماعين في كلامي الشيخ. منه رحمه‌الله.

(٧) في ص ٤٤٤.

(٨) أي هذا القول. منه رحمه‌الله.

(٩) انظر السرائر ٢ : ٦١٢ ، الشرائع ٢ : ٣١٩ ، المختلف : ٥٥٤.

٤٥٠

في الفرع (١) بالنصّ في محلٍّ ينتفي فيه في الأصل (٢) ، وهو ما بعد الوطء.

وبالجملة : القول الأول أجود ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي أن يترك ؛ لاحتمال حصول الشكّ في النصّ بعدم تبادر محلّ الفرض منه ، والإجماع بما مضى (٣) ، وإن كان بالإضافة إلى ما قابلة أقوى ؛ بناءً على ضعف هذه القوّة الزائدة عن تخصيص الأصالة القطعيّة.

وكيف كان ، فاتّحاده مع العنن ممّا لا ينبغي أن يستراب فيه ، ويبقى الكلام في زيادته عليه ، والاحتياط لازم في مثله.

ثم إنّ حصر العيوب في الأربعة هو الأشهر بين الطائفة ؛ للأصل ، والخبر المعتبر بوجود جمع مجمع على تصحيح رواياتهم في سنده كصفوان وأبان فلا يضرّ جهالة راويه ، وفيه : « والرجل لا يردّ من عيب » (٤).

خلافاً للقاضي ، فردّ بالجذام والبرص والعمى (٥) ، وللإسكافي ، فردّ بها وبالعرج والزناء (٦).

ووافقهما شيخنا الشهيد الثاني في الأولين (٧) ؛ لعموم الصحيح : « إنّما يردّ النكاح من البرص والجنون والجذام والعفل » (٨) فإنّه عامّ في الرجل‌

__________________

(١) وهو الجبّ. منه رحمه‌الله.

(٢) وهو العنن. منه رحمه‌الله.

(٣) من التعارض. منه رحمه‌الله.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٣٥٧ / ١٧٠٧ ، التهذيب ٧ : ٤٣٠ / ١٧١٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٠ / ٨٩٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٢٩ أبواب العيوب والتدليس ب ١٤ ح ٢.

(٥) المهذب ٢ : ٢٣١.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٥٥٢.

(٧) المسالك ١ : ٥٢٤.

(٨) الكافي ٥ : ٤٠٦ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ / ١٢٩٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٦ / ١٧٠١ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٧ / ٨٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٩ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ٦.

٤٥١

والمرأة إلاّ ما أخرجه الدليل.

ولأدائه إلى الضرر المنفيّ ، فإنّه من الأمراض المعدّية باتّفاق الأطبّاء ، وقد روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « فرّ من المجذوم فرارك من الأسد » (١) فلا بُدّ من طريق إلى التخلّص ، ولا طريق للمرأة إلاّ الخيار.

والنصّ والفتوى الدالاّن على كونهما عيباً في المرأة مع وجود وسيلة الرجل إلى الفرقة بالطلاق قد يقتضيه في الرجل بطريق أولى.

وفي الجميع نظر ؛ لمنع العموم في الصحيح ؛ لاختصاصه بحكم التبادر والسياق بعيوب المرأة ، فلا تعدية.

ومنع حصر طريق التخلّص في الخيار ، فقد يمكن بإجبار الحاكم بالطلاق ، أو انتزاعها منه إلى حصول العلاج. وفيه مع ذلك استلزامه طرد الحكم في كلّ مرض معدّ ، ولا أراه يلتزمه ، مع مخالفته الإجماع.

والأولويّة جيّدة ، لولا الرواية المعتبرة في نفسها ، المنجبرة هنا بالشهرة ، وعدم القول بعمومها غير قادح في حجّيتها ، كيف لا؟! والعامّ المخصَّص ولو بإجماع العلماء حجّة في الباقي حيث يبقى الأكثر كما هنا عند أصحابنا.

فالقول الأول لذلك ، مع اعتضاده بالأصل المقطوع به أقوى.

وأمّا ما عدا الأمرين ، فحجّة القائلين بالفسخ فيه غير واضح في البين ، إلاّ على القول بثبوت الخيار به في المرأة ؛ للأولويّة المتقدّمة ، ولكن يأتي فيها ما في سابقتها ، ومع ذلك يتوقّف استناد القائلين إليها على قولهم بذلك.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٥٨ / ٨٢٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٩ أبواب أحكام العشرة ب ٢٨ ح ٢.

٤٥٢

هذا ، مع ما في الأولويّة هنا من المناقشة الواضحة.

نعم ، وردت الأخبار المستفيضة بالأمر بالتفريق بين الرجل والمرأة بزناه بعد العقد.

ففي الصحيح : عن رجل تزوّج بامرأة ، فلم يدخل بها فزنى ، ما عليه؟ قال : « عليه الحدّ ، ويحلق رأسه ، ويفرّق بينه وبين أهله » (١).

وهي مع عدم ظهورها في الخيار وإنّما ظاهرها لزوم التفريق ولا قائل به معارضة بالأصل ، والصحيح : عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله ، أيرجم؟ قال : « لا » قلت : يفرّق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال : « لا » (٢) وهما معتضدان بعمل الأصحاب ، فلا يعارضهما شي‌ء ممّا مضى.

( و ) أمّا ( عيوب المرأة ) فهي ( سبعة ) وفاقيّة وخلافيّة.

فمن الأول : ( الجنون ) وهو : فساد العقل المستقرّ الغير المستند إلى السهو السريع الزوال أو الإغماء العارض مع غلبة المِرّة ؛ لعدم صدق الإطلاق (٣) مع الاستناد إلى أحد الأمرين عرفاً ، وعلى تقديره فليس بمتبادر من إطلاق النصوص جدّاً ، فلا يُخصّ الأصل باحتمال إرادة نحوه منها قطعاً.

( والجُذام ) بضمّ الجيم ، وهو : مرض يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم ، بشرط التحقّق بظهوره على البدن ، أو شهادة عدلين ، أو‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٥١ ، التهذيب ٧ : ٤٨٩ / ١٩٦٦ ، قرب الإسناد : ٢٤٧ / ٩٧٥ ، الوسائل ٢١ : ٢٣٦ أبواب العيوب والتدليس ب ١٧ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٧ : ١٧٩ / ٨ ، الفقيه ٤ : ٢٩ / ٧٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٣٦ أبواب العيوب والتدليس ب ١٧ ح ١.

(٣) أي إطلاق الجنون. منه رحمه‌الله.

٤٥٣

تصادقهما عليه. لا مجرّد ظهور أماراته ، من تعجّر (١) الوجه وإحمراره أو اسوداده ، واستدارة العين وكمودتها إلى حمرة ، وضيق النفس ، وبحّة الصوت ، ونتن العرق ، وتساقط الشعر. فإنّها قد تعرض من غيره ، فلا يُخصّ بها الأصل المقطوع به.

نعم ، مجموع هذه العلامات قد يفيد أهل الخبرة به حصوله ، والعمدة على تحقّقه كيف كان.

( والبرص ) وهو : البياض أو السواد الظاهران على صفحة البدن لغلبة البلغم أو السوداء ، ويعتبر منه المتحقّق دون المشتبه بالبَهَق (٢) وغيره ؛ لما مرّ.

( والقرن ) بسكون الراء وفتحها ، قيل : هو عظم كالسنّ في الفرج يمنع الوطء ، ولو كان لحماً فهو العَفَل (٣) بالتحريك وفي اتّحادهما أو تغايرهما خلاف بين اللغويين والفقهاء ، وأكثر الفريقين على الاتّحاد ، وهو المرويّ في الخبرين :

أحدهما الصحيح : « المرأة تردّ من أربعة أشياء : من البرص ، والجذام ، والجنون ، والقرن وهو العفل ، ما لم يقع ، فإذا وقع عليها فلا » (٤) ونحوه الثاني (٥).

__________________

(١) تعجّر بطنه أي تعكّن ، والعُكنة : الطيّ الذي في البطن من السمن. راجع الصحاح ٢ : ٧٣٧ و ٥ : ٢١٦٥.

(٢) البَهَق : بياض يعتري الجلد يخالف لونه ، ليس من البرص. الصحاح ٤ : ١٤٥٣.

(٣) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٣٩٠.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٩ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ / ١٢٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ / ١٧٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٨ / ٨٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٧ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٧ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ / ١٧٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٨ / ٨٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٢١٥ أبواب العيوب والتدليس ب ٣ ح ٢.

٤٥٤

ويشهد له المعتبرة المكتفية بأحدهما عن الآخر ، وهي مستفيضة في الاكتفاء بالعفل عن القرن.

منها الصحيحان : « يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » (١).

وممّا اكتفي فيه بالقرن عنه الصحيح : عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرناً ، قال : « هذه لا تحبل ، ولا يقدر زوجها على مجامعتها ، يردّها إلى أهلها صاغرة ولا مهر لها » قلت : فإن كان دخل بها؟ قال : « إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي ، وإن لم يعلم بها إلاّ بعد ما جامعها فإن شاء أمسكها ، وإن شاء سرّحها إلى أهلها ، ولها ما أخذت منه بما استحلّ من فرجها » (٢).

والرضوي : « وإن تزوّج بامرأة فوجدها قرناء أو مجنونة إذا كان بها ظاهراً كان له أن يردّها على أهلها بغير طلاق » (٣) ونحوه غيره (٤).

ويستفاد من الصحيح السابق عليهما بمقتضى تعليل الردّ بعدم إمكان الوطء ، أو عسره كما يظهر من ذيله دوران الحكم مدارهما حيث تحقّقا ، في قرن أو عفل أو رتق ، فلا ثمرة للاتّحاد والتغاير في الباب ، وبه صرّح بعض الأصحاب (٥).

__________________

(١) تقدم أحدهما في ص : ٤٤٨ ، والآخر في : التهذيب ٧ : ٤٢٤ / ١٦٩٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٦ / ٨٨٠ ، الوسائل ٢١ : ٢١٠ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ١٠.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٩ / ١٨ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ / ١٧٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٩ / ٨٩٠ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٨ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ٤ ، بتفاوت يسير ينشأ ظاهراً من الخلط بين هذه الرواية ورواية حسن بن صالح.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣٧ ، المستدرك ١٥ : ٤٦ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ٨.

(٤) المقنع : ١٠٣ ، المستدرك ١٥ : ٤٦ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ٩.

(٥) نهاية المرام ١ : ٣٣١.

٤٥٥

ثم المستفاد منه أيضاً كغيره (١) صريحاً مضافاً إلى إطلاق النصوص ثبوت الخيار بعسر الوطء أيضاً من دون اشتراط عدم الإمكان ، وإليه مال جماعة (٢) ، تبعاً للماتن في الشرائع (٣).

خلافاً للأكثر ، بل لم ينقل فيه خلاف ، وربما احتمل كونه إجماعاً (٤) ، فإن صحّ وعلمناه من غير جهة النقل أمكن المصير إليه ، وإلاّ فالمصير إلى الأول أولى ؛ إمّا لعدم حجّية عدم ظهور الخلاف أصلاً ، أو لأنّه لا يستفاد منه مع الحجّية سوى المظنّة المعارضة بمضاهيها ، الحاصل من الأخبار المعتبرة المعمول بها عند جميع الطائفة ، وهي أقوى قطعاً ، فيُخصّ به الأصل ، ويطرح المعارض (٥).

هذا ، مع ظهور الخلاف لنا من الماتن وجماعة من أصحابنا.

وكيف كان ، فلا ريب أنّ مراعاتهم أحوط وأولى.

( والإفضاء ) وقد مضى تفسيره والاختلاف فيه (٦).

والنصوص بثبوت الخيار بهذه العيوب الخمسة مستفيضة ، وقد مرّ ما يتعلّق بالأربعة الأُوَل ، بقي المتعلّق بالأخير ؛ ويدلّ عليه الصحيح : في الرجل تزوّج امرأة من وليّها ، فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها ، قال : فقال : « إذا دلّست العفلاء نفسها والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٢١٤ أبواب العيوب والتدليس ب ٣.

(٢) نهاية المرام ١ : ٣٣٢ ، الكفاية : ١٧٦ ، الحدائق ٢٤ : ٣٦٢.

(٣) الشرائع ٢ : ٣٢٠.

(٤) الكفاية : ١٧٦ ، المسالك ١ : ٥٢٦.

(٥) وهو الظن الحاصل من عدم ظهور الخلاف. منه رحمه‌الله.

(٦) راجع ص ٦٨.

٤٥٦

ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق » (١).

وصريحه كالخبرين المتقدّمين في الاكتفاء بالقرن عن العفل في التعبير جواز الفسخ ولو علم بالعيوب بعد الدخول ، مع أنّه لا خلاف فيه يعتدّ به ، وبه صرّح بعض (٢) ، واستفيد من إطلاق النصوص الأُخر والفتاوى.

نعم ، ربما أشعر بعضها باختصاص الجواز بقبل الدخول ، كالصحيح الدالّ على اتّحاد القرن والعفل ، وقريب منه خبران آخران : أحدهما : في الرجل إذا تزوّج المرأة فوجد بها قرناً وهو العفل أو بياضاً أو جذاماً « أنّه يردّها ما لم يدخل بها » (٣) ونحوه الثاني (٤).

ولكن ظاهرهما مع قصور السند العلم بالعيب قبل الدخول ، ولا كلام فيه.

والصحيح لا يعارض ما مرّ ، مع احتمال حمل إطلاقه على صورة العلم بالعيب قبل الدخول.

ثم مقتضى الأصل وانتفاء المخرج عنه بالإضافة إلى حدوث هذه العيوب وما سيأتي بعد العقد أو الدخول اختصاص الخيار بما عداهما ، مع عدم الخلاف في نفيه في الثاني كما حكي (٥) ، وإن حكي عن المبسوط‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٨ / ١٤ ، التهذيب ٧ : ٤٢٥ / ١٦٩٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٧ / ٨٨٥ ، الوسائل ٢١ : ٢١١ أبواب العيوب والتدليس ب ٢ ح ١.

(٢) كالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٣٠٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٧ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ / ١٧٠٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٨ / ٨٨٨ ، الوسائل ٢١ : ٢١٥ أبواب العيوب والتدليس ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٩ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ / ١٢٩٦ ، التهذيب ٧ : ٤٢٧ / ١٧٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٨ / ٨٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٧ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ١.

(٥) قاله في الحدائق ٢٤ : ٣٦٩.

٤٥٧

وظاهر الخلاف طرد الحكم فيه وفي الأول (١) ؛ تبعاً لإطلاق النصوص .. ولكن الأشهر خلافه ؛ تمسّكاً بما مضى ، واستضعافاً له باختصاصه بحكم التبادر والفرض في أكثرها بغير محلّ البحث ، ولا كلام فيه.

( و ) من الثاني (٢) : ( العمى والإقعاد ) وثبوت الخيار ولو بعد الدخول بتقدّمهما العقد مشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع عن المرتضى وابن زهرة في الأول (٣) ؛ وهو الحجّة فيه ، كالصحيح : الرجل يتزوّج المرأة ، فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء ، قال : « تردّ على وليّها ، ويكون له المهر على وليّها ، وإن كان بها زمانة لا يراها الرجل أُجيز شهادة النساء عليها » (٤).

والموثّق : « تردّ البرصاء والعمياء والعرجاء » (٥).

ويستفاد منه (٦) ومن الصحيح المتقدّم في الإفضاء الحكم في الثاني ؛ لتضمّنهما الفسخ بالزمانة الظاهرة ، وهو منها وإن كانت مطلق العاهة ، كما عن بعض أهل اللغة (٧).

__________________

(١) حكاه عنهما في المسالك ١ : ٥٢٨ ، وهو في المبسوط ٤ : ٢٥٢ ، الخلاف ٤ : ٣٤٩.

(٢) أي العيوب الخلافية. منه رحمه‌الله.

(٣) المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١١.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٢٤ / ١٦٩٤ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٦ / ٨٨٤ ، الوسائل ٢١ : ٢١٣ أبواب العيوب والتدليس ب ٢ ح ٦ ، وفي الجمع : ويكون لها المهر ..

(٥) التهذيب ٧ : ٤٢٤ / ١٦٩٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٦ / ٨٨٣ ، الوسائل ٢١ : ٢١٠ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ١٢.

(٦) أي من هذا الصحيح ، لا الموثق.

(٧) القاموس ٤ : ٢٣٣ ، مجمع البحرين ٦ : ٢٦٠.

٤٥٨

هذا ، مضافاً إلى فحوى الخبرين هنا ، لاستلزام الفسخ بالعرج الذي دلاّ عليه ، وهو أشهر وأقوى كما يأتي إيّاه هنا بطريق أولى كما لا يخفى.

ويُخصّ بالنصوص هنا وفي الإفضاء الأصل ومفهوما الحصر والعدد فيما مرّ من المعتبرة.

فخلاف الشيخ في الخلاف والمبسوط (١) في الأول (٢) ضعيف جدّاً ، كخلاف غيره كما حكي (٣) في الثاني (٤).

( وفي ) ثبوت الخيار بـ ( الرتق ) بالتحريك ، وهو كما حكي عن أهل اللغة (٥) وبه صرّح العلاّمة في القواعد (٦) وجماعة (٧) : التحام الفرج بحيث لم يكن للذكر فيه مدخل. وعرّفه في التحرير : باللحم النابت في الفرج المانع عن الوطء (٨) ، فيرادف حينئذٍ العفل ـ ( تردّد ) ينشأ :

من الأصل ومفهومي الحصر والعدد فيما مرّ من الأخبار ، مع عدم النصّ فيه.

ومن تعليل الردّ بالقرن بمنعه الوطء في الصحيح وغيره كما مضى (٩) الظاهر في دوران الحكم مداره حيث ما تحقّق وفحوى ما دلّ على‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣٤٦ ، المبسوط ٤ : ٢٤٩.

(٢) أي العمى. منه رحمه‌الله.

(٣) حكاه في المختلف عن الحلّي : ٥٥٣ ، وهو في السرائر ٢ : ٦١٣.

(٤) أي الإقعاد. منه رحمه‌الله.

(٥) قاله الجوهري في الصحاح ٤ : ١٤٨٠ ، حكاه عنه في الكفاية : ١٧٧.

(٦) القواعد ٢ : ٣٣.

(٧) جامع المقاصد ١٣ : ٢٤٤ ، المسالك ١ : ٥٢٧ ، نهاية المرام ١ : ٣٣٣ ، التنقيح ٣ : ١٨١ ، الكفاية : ١٧٧ ، الحدائق ٢٤ : ٣٦٦.

(٨) التحرير ٢ : ٢٨.

(٩) راجع ص ٤٥٢.

٤٥٩

الحكم في القرن والعفل مع إمكان الوطء معهما ، فثبوت الحكم هنا بطريق أولى. هذا إن قلنا بتغايره لهما ، وإلاّ فهو داخل في مستندهما.

وهذا هو الأقوى كما حكي عن أكثر أصحابنا (١) ، وادّعى الإجماع عليه جماعة (٢) ، واختاره المصنّف هنا وفي الشرائع (٣) بقوله : ( أشبهه : ثبوته عيباً ؛ لأنّه يمنع الوطء ) فيعمّه التعليل المثبت للحكم في القرن والعفل ، وبأدلّته يُخصّ ما مضى من أدلّة المنع.

ويمنع دعوى عدم النصّ إن أراد ما يعمّ ذلك ، ويجاب بعدم لزوم النصّ بالخصوص إن أراده منه ، بل يكتفى بكلّ ما دلّ خصوصاً أو عموماً.

( ولا تُرَدّ ) المرأة ولا الرجل ( بالعور ) مطلقاً (٤) ، بلا خلاف في الظاهر ؛ للأصل ، ومفهومي الحصر والعدد الماضيين ، وخصوص الصحيح : في الرجل يتزوّج إلى قوم وإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ، قال : « لا تردّ » (٥) مع عدم المعارض.

( ولا بالزناء ) مطلقاً ( ولو حُدَّت فيه ).

خلافاً للإسكافي ، فردّ به مطلقاً ، في الرجل والمرأة ، سبق العقد أم لحق ، حصل معه الحد أم لا (٦).

__________________

(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٧٢.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١١ ، جامع المقاصد ١٣ : ٢٤٤ ، نهاية المرام ١ : ٣٣٤.

(٣) الشرائع ٢ : ٣٢٠.

(٤) سبق العقد أم لحقه. منه رحمه‌الله.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٦ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٧٣ / ١٢٩٩ ، التهذيب ٧ : ٤٢٦ / ١٧٠١ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٧ / ٨٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٩ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ٦.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٥٥٣.

٤٦٠