رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

والحسنة عند بعض (١) قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إن زنى رجل بامرأة أبيه ، أو جارية أبيه ، فإنّ ذلك لا يحرّمها على زوجها ، ولا يحرّم الجارية على سيّدها ، إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي حلال ، فلا تحلّ بذلك الجارية أبداً لابنه ولا لأبيه ، وإذا تزوّج رجل امرأة تزويجاً حلالاً فلا تحلّ تلك المرأة لأبيه ولا لابنه » (٢) والضعف لو كان لانجبر بما تقدّم.

وبالجملة : العدول عن ظواهر هذه الأخبار المعتضدة بالأصل ، والعمومات من الكتاب والسنّة ، وعمل أكثر القدماء الذين هم أساطين العلماء ، والإجماع المنقول ، ومخالفة العامّة بمثل ظواهر الأخبار المتقدّمة مشكل.

مع أنّ تلك الأخبار صحاحها غير ناصٍ على التحريم ، والناصّة منها ليست بصحاح ، عدا واحد منها (٣) ، ولا يكافئ ما قدّمناه من الصحاح وغيرها.

ودعوى الانجبار بالشهرة في الضعاف مدفوعةٌ بما عرفت من أنّ الشهرة عن القدماء في الخلاف ، والشهرة المتأخّرة على تقديرها لا تعارضها.

مع أنّ عمدة من نسب إليه القول الأول هو الشيخ في النهاية والخلاف (٤) ، وقد صرّح ابن إدريس برجوعه عنه في التبيان (٥).

__________________

(١) انظر ضوابط الرضاع للمحقق الداماد ( كلمات المحققين ) : ٥٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٩ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٨١ / ١١٨٩ ، الإستبصار ٣ : ١٥٥ / ٥٦٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤١٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤ ح ١ ؛ بتفاوتٍ يسير.

(٣) تقدمت الإشارة إليه في ص ١٩٥.

(٤) النهاية : ٤٥٢ ، الخلاف ٤ : ٣٠٦.

(٥) انظر السرائر ٢ : ٥٢٣.

٢٠١

هذا ، والعمل على القول الأوّل ؛ احتياطاً في الفروج.

( و ) على المختار يستثني منه ما ( لو زنى بالعمّة والخالة ) له ، فإنّه ( حرمت عليه بناتهما ) في المشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع في التذكرة وعن المرتضى (١) ؛ وهو الحجّة.

لا الخبران ، أحدهما : الحسن : عن رجل نال من خالته في شبابه ، ثم ارتدع ، أيتزوّج ابنتها؟ فقال : « لا » فقال : إنّه لم يكن أفضى إليها شيئاً ، إنّما كان شي‌ءٌ دون شي‌ء ، فقال : « لا يصدّق ، ولا كرامة » (٢) ونحوه الموثّق (٣).

لاختصاصه بالخالة ، وما في متنه من الرداءة ؛ لتصريح السائل بعدم المواقعة ، وردّه عليه‌السلام بأنّه : « لا يصدّق ولا كرامة » ومثله غير لائق بالأئمّة عليهم‌السلام. ولعلّه لذا توقّف فيه في المختلف العلاّمة تبعاً للحلّي (٤) ؛ ولكن استناده إلى عموم أدلّة الإباحة.

( وأمّا اللمس والنظر ) بشهوة ( بما لا يجوز لغير المالك ) لمسه والنظر إليه ، فقد اختلف الأصحاب فيه : ( فمنهم من ينشر به الحرمة على أبي اللامس والناظر وولده ) كالشيخ والقاضي وابن حمزة (٥) وجماعة (٦) ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٣٣ ، المرتضى في الانتصار : ١٠٨.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٧ / ١٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٠ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٧ : ٣١١ / ١٢٩١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٠ ح ٢.

(٤) المختلف : ٥٢٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٢٩.

(٥) الشيخ في النهاية : ٤٥١ ٤٩٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٨٢ و ٢٤٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٣.

(٦) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٢٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ١٨٤ ، صاحب الحدائق ٢٣ : ٥١٠.

٢٠٢

ونسبه في التذكرة إلى الشهرة (١) ؛ استناداً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : عن الرجل تكون له الجارية ، فيقبّلها ، هل تحلّ لولده؟ فقال : « بشهوة؟ » قلت : نعم ، فقال : « ما ترك شيئاً إذا قبّلها بشهوة » ثم قال ابتداءً منه : « إن جرّدها فنظر إليها بشهوة حرمت على ابنه وأبيه » قلت : إذا نظر إلى جسدها ، فقال : « إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه » (٢).

والصحيح : في الرجل تكون عنده الجارية ، يجرّدها وينظر إلى جسدها نظر شهوة ، ونظر منها إلى ما يحرم على غيره ، هل تحلّ لأبيه؟ وإن فعل ذلك أبوه فهل تحلّ لابنه؟ قال : « إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحلّ لأبيه » (٣).

وبهما يقيّد إطلاق المعتبرة ، كالصحيح : عن أدنى ما إذا ما فعله الرجل بالمرأة لم تحلّ لأبيه ولا لابنه ، قال : « الحدّ في ذلك المباشرة ظاهرة أو باطنة ما يشبه مسّ الفرجين » (٤) ونحوه الصحيح الآتي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٣٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٨١ / ١١٩٢ ، عيون الأخبار ٢ : ١٧ / ٤٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤١٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣ ح ١.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٦٠ / ١٢٣٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٢ / ٧٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٢١٢ / ٧٦٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤١٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣ ح ٦ ؛ بتفاوت.

(٤) ما وجدناه في التهذيب ٧ : ٤٦٨ / ١٨٧٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤ ح ٦ مرويٌّ عن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي الاستبصار ٣ : ٢١٢ / ٧٧٠ عن الصفار ، عن محمد ابن عيسى ، عن يونس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، فتأمّل.

٢٠٣

والموثّقان (١) والخبر (٢). مضافاً إلى ظهور إطلاقاتها في القيد ؛ للغلبة.

وبهذه الأخبار يخصّص عموم أدلّة القول الثالث.

( ومنهم من خصّ التحريم بمنظورة الأب ) دون الابن ، كالمفيد وسلاّر والشهيد في اللمعة (٣) ؛ ولا دليل عليه ، بل الأخبار المتقدّمة حجّة عليه.

وليس في الصحيح : « إذا جرّد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحلّ لابنه » (٤) دلالة على الاختصاص ، إلاّ بالمفهوم الضعيف في نفسه أوّلاً ، وغير صالح لمقاومة صريح الأخبار المتقدّمة ثانياً ، فالقول به ضعيف جدّاً.

( والوجه ) عند المصنّف والفاضل في القواعد تبعاً للحلّي (٥) ( الكراهة في ذلك كلّه ) للأصل ، وعموم الكتاب والسنّة ، وخصوص‌

__________________

(١) الأول في : التهذيب ٨ : ٢٠٨ / ٧٤٠ ، الإستبصار ٣ : ٢١١ / ٧٦٦ ، الوسائل ٢١ : ١٩٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٧ ح ٢.

الثاني في : التهذيب ٨ : ٢٠٩ / ٧٤١ ، الإستبصار ٣ : ٢١٢ / ٧٦٨ ، الوسائل ٢١ : ١٩٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٧ ح ٣.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٠٩ / ٧٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٢١٢ / ٧٦٧ ، الوسائل ٢١ : ١٩٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٧ ح ٤.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٠٢ ، ٥٤٣ ، سلاّر في المراسم : ١٤٩ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١٨٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤١٩ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٢٨٢ / ١١٩٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤١٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣ ح ٤.

(٥) القواعد ٢ : ١٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٢٨.

٢٠٤

الموثّقة : عن الرجل يقبّل الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحلّ لابنه أو لأبيه؟ قال : « لا بأس » (١).

والحسنة : عن رجل تكون له جارية ، فيضع أبوه يده عليها من شهوة ، أو ينظر منها إلى محرّم من شهوة ، فكره أن يمسّها ابنه (٢).

وفي الجميع نظر ؛ لتخصيص الأصل كالعمومات والموثّقة على بُعدٍ فيها بما تقدّم (٣) ؛ مضافاً إلى عدم مكافأتها كالحسنة مع عدم ظهور الكراهة فيها في الاصطلاحيّة لما تقدّم من النصوص المستفيضة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، التي هي أقوى المرجّحات المنصوصة والعقليّة.

( و ) على المختار ( لا يتعدّى التحريم إلى أُمّ الملموسة والمنظورة ولا بنيتهما ) من دون فرق بين المملوكة وأُمّ الزوجة ، على المشهور بين الطائفة ، حكاه جماعة (٤).

لعموم أدلّة الإباحة ، وصريح الآية في الثانية (٥) ، واختصاص الأدلّة بما عدا المسألة.

مضافاً إلى الصحيح في الثانية : عن رجل باشر [ امرأة ] وقبّل ، غير أنّه لم يفض إليها ، ثم تزوّج ابنتها ، قال : « إن لم يكن أفضى إلى الأُمّ‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٢٠٩ / ٧٤١ ، الإستبصار ٣ : ٢١٢ / ٧٦٨ ، الوسائل ٢١ : ١٩٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤١٨ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤١٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣ ح ٢.

(٣) أي إذا لم يكن بشهوة. منه رحمه‌الله.

(٤) منهم صاحب الحدائق ٢٣ : ٥١٢.

(٥) النساء : ٢٣.

٢٠٥

فلا بأس » (١).

وبفحواه يستدلّ للجواز إذا باشر أُمّ المملوكة.

خلافاً للخلاف ، مدّعياً فيه الوفاق ، فحرّم الامّ والبنت وإن علت وسفلت (٢) ؛ لذلك ، وللاحتياط ، وأخبار فيها الصحيح وغيره (٣) محمولة على الكراهة جمعاً ؛ مع اختصاص ما عدا النبويّين (٤) منها بحرمة ابنة الزوجة خاصّة كما عن الإسكافي (٥) ، والاحتياط ليس بدليل كدعوى الوفاق ، بعد مصير المعظم إلى الخلاف.

( ويلحق بهذا الفصل مسائل ) سبع :

( الاولى : لو ملك أُختين ، فوطئ واحدة ) منهما ( حرمت ) عليه وطء ( الأُخرى ) بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، إلى أن يخرج الاولى عن ملكه ، ببيع ، أو هبة ، أو نحوهما من نواقل الملك ، فإذا أخرج حلّت‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤١٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٣٠ / ١٣٥٦ ، الإستبصار ٣ : ١٦٦ / ٦٠٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٦ ح ٢ ؛ بدل ما بين المعقوفين في « ص » و « ح » : امرأته ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الخلاف ٤ : ٣٠٨.

(٣) انظر الوسائل ٢٠ : ٤٦٠ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٩.

(٤) الأول في : غوالي اللئلئ ٣ : ٣٣٣ / ٢٢٢ ، المستدرك ١٤ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٨ ح ٨.

الثاني في : عوالي اللئلئ ٣ : ٣٣٣ / ٢٢٣ ، المستدرك ١٤ : ٤٠١ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ٦.

(٥) على ما نقله عنه في المختلف : ٥٢٥.

٢٠٦

إجماعاً ؛ للنصوص :

منها الصحيح : « إذا كانت عند الرجل الأُختان المملوكتان ، فنكح إحداهما ، ثم بدا له في الثانية فنكحها ، فليس ينبغي له أن ينكح الأُخرى حتى يخرج الاولى من ملكه ، يهبها أو يبيعها ، وإن وهبها لولده جاز » (١).

والموثّق : « لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه » (٢).

وهل يكفي مطلق العقد الناقل للملك؟ أم يشترط لزومه ، فلا يكفي البيع بخيارٍ والهبة التي يجوز الرجوع فيها؟ وجهان : من إطلاق النصّ اشتراط الخروج الحاصل بمطلقه ، ومن أنّها مع تسلّطه على فسخه بحكم المملوكة.

وضعّف بأنّ غاية التحريم إذا علّقت على مطلق الخروج لم يشترط معها أمرٌ آخر ؛ لئلاّ يلزم جعل ما جعله الشارع غايةً ليس بغاية. وقدرته على ردّها إلى ملكه لا تصلح للمنع ؛ لأنّه بعد الإخراج اللازم متمكّنٌ منه دائماً على بعض الوجوه بالشراء والاتّهاب وغيرها من العقود (٣).

وهو حسن إن علم جعل مطلق الخروج غايةً [ للتحريم (٤) ] وهو محلّ‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٨٨ / ١٢١٢ ، الإستبصار ٣ : ١٧١ / ٦٢٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ١ ؛ بتفاوتٍ يسير.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٨٨ / ١٢١٣ ، الإستبصار ٣ : ١٧٢ / ٦٢٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٢.

(٣) جامع المقاصد ١٢ : ٣٥١ والروضة ٥ : ١٨٨.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في الأصل : للحلّ ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٠٧

تأمّل ؛ بناءً على تبادر اللازم منه ، فيقتصر في غيره على أصالة بقاء الحرمة ؛ مع أنّ الشكّ في الدخول كافٍ في عدم الجسارة في تخصيص الأصالة المزبورة.

هذا ، مع ما في النقض باللازم من النظر ؛ إذ قدرته على ردّها إلى الملك فيه ليس بنفسه ، دون الجائز ؛ لقدرته بنفسه عليه ، فجعلهما واحداً ضعيفٌ جدّاً. والاحتياط في مراعاة اللزوم.

وفي الاكتفاء بفعل ما يقتضي تحريمها عليه كالتزويج والرهن والكتابة وجهان ، منشؤهما : حصول الغرض وهو تحريم الوطء ، وانتفاء النقل الذي هو مورد النصّ ، وهو الأحوط لو لم يكن أقوى.

ولا فرق في تحريم الثانية بين وطء الاولى في القبل والدبر .. وفي مقدّماته من اللمس والقبلة والنظر بشهوة نظر : من قيامها مقام الوطء كما سلف ومن عدم صدق الوطء بها ، والأول أحوط ، وإن كان الثاني أقوى.

( ولو وطئ الثانية أثِم ) إجماعاً ( ولم تحرم عليه الاولى ) وفقاً للطوسي في المبسوط والحلّي واللمعة (١) ، وأكثر المتأخّرين كما في المسالك (٢) ؛ لأنّ الحرام لا يحرّم الحلال ، والتحريم إنّما تعلّق بوطء الثانية ، فيستصحب ؛ ولأصالة الإباحة. وعلى هذا ، فمتى أخرج إحداهما عن ملكه‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٠٧ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٣٨ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١٩٠.

(٢) المسالك ١ : ٤٨٣.

٢٠٨

حلّت الأُخرى ، سواء أخرجها للعود إليها أم لا ، وإن لم يخرج إحداهما فالثانية محرّمة دون الاولى.

( و ) لكن ( اضطربت الرواية ) في المسألة ، بعد اتّفاقها على تحريم الاولى مع العلم بتحريم الثانية ، وتحليلها بإخراج الثانية من ملكه لا بنيّة العود إلى الأُولى.

( ففي بعضها : تحرم ) عليه ( الاولى حتى تخرج الثانية عن ملكه لا للعود ) إلى الأُولى.

ففي الصحيحين : عن رجل عنده مملوكتان ، فوطئ إحداهما ، ثم وطئ الأُخرى ، قال : « إذا وطئ الأُخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأُخرى » قلت : أرأيت إن باعها ، أتحلّ له الاولى؟ قال : « إن كان باعها لحاجة ولا يخطر على باله منها شي‌ء فلا أرى بذلك بأساً ، وإن كان يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا ، ولا كرامة » (١) ، ونحوهما غيرهما (٢).

( وفي ) رواية ( اخرى : إن كان جاهلاً لم تحرم ) الاولى ( وإن كان عالماً حَرُمَتا معاً ).

‌__________________

(١) الأول في : الفقيه ٣ : ٢٨٤ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٩ ؛ بتفاوت.

الثاني في : الكافي ٥ : ٤٣٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ / ١٢١٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٩ ؛ بتفاوت.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ / ١٢١٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٥ ؛ وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٠٩

هي صحيحة عليّ بن رئاب ، عن الحلبي ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام : قال : قلت له : الرجل يشتري الأُختين ، فيطأ إحداهما ، ثم يطأ الأُخرى ، قال : « إذا وطئ الأُخرى بجهالة لم تحرم عليه الاولى ، وإن وطئ الأخيرة [ وهو ] يعلم أنّها تحرم عليه حرمتا جميعاً » (١) ونحوها الموثّق (٢).

ووجه الاضطراب فيها واضح ؛ وذلك لأنّ ظاهر الأخبار الأوّلة ، تحريم الأُولى خاصّة إلى موت الثانية ، أو إخراجها عن الملك لا للعود إلى الأوّلة ، فإن حملت على صورة وقوع الوطء بجهالة ، حصل المنافاة بينها وبين الأخيرين صريحاً ؛ للتصريح فيهما بعدم حرمة الأولة في هذه الصورة ، وإن حملت على صورة وقوع الوطء مع العلم بالحرمة ، وقع التنافي بينهما أيضاً ؛ إذ المستفاد من الأوّلة : تحريم الأُولى خاصّة ، ومنهما : تحريمهما معاً.

ويمكن الجمع ، بحمل الأوّلة على الصورة الثانية ، وحكمه عليه‌السلام بتحريم الاولى لا يقتضي حلّ الثانية ، وربما كان الوجه في تخصيصها بالذكر وضوح حرمة الثانية بالنظر إلى أصالة الحرمة ، وأمّا الاولى فلمّا كان وطؤها مباحاً احتيج إلى ذكر حكمها بعد وطء الثانية ، وهو الحرمة إلى خروجها عن الملك لا بنيّة العود إلى الأُولى.

والمسألة مشكلة ، لكن تحريم الاولى مع العلم بحرمة الثانية إلى خروجها عن الملك لا بنيّة العود إلى الاولى ليس محلّ ريبة ؛ لدلالة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣٣ / ١٤ ، الفقيه ٣ : ٢٨٤ / ١٣٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ / ١٢١٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٣ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٥ ؛ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٩١ / ١٢٢٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٦.

٢١٠

الأخبار بأسرها على ذلك.

وإنّما الريبة في حلّ الاولى في صورة الجهل بحرمة الثانية ، وتحريم الثانية في صورة العلم مع بقائهما على الملكيّة ، ولا يبعد المصير إليه ؛ لما مرّ ، وفاقاً لجماعة ، منهم : شيخنا في الروضة ، وحكي عن ابن حمزة (١).

ومحصّله : أنّه متى وطئ الثانية عالماً بالحرمة حَرُمَتا عليه معاً ، إلى موت الأخيرة ، أو خروجها عن الملك لا لغرض العود إلى الأُولى ، فإن اتّفق إخراجها لا لذلك حلّت له الاولى ، وإن أخرجها للرجوع إليها فالتحريم باق. وإن وطئ الثانية جاهلاً بالتحريم لم تحرم عليه الاولى ، بقيت الثانية في ملكه أم لا.

وبالأخبار المزبورة تخصّ الأدلّة المتقدّمة ؛ لصحّتها ، ووضوح الجمع بينهما.

وهنا أقوال منتشرة غير واضحة الأدلّة.

نعم ، في الموثّق : في رجل كانت عنده اختان ، فوطئ إحداهما ، ثم أراد أن يطأ الأُخرى ، قال : « يخرجها من ملكه » قلت : إلى من؟ قال : « إلى بعض أهله » قلت : فإن جهل ذلك حتى وطئها؟ قال : « حرمتا عليه كلتاهما » (٢).

وهو ظاهر المنافاة للخبرين الأخيرين ؛ للتصريح فيهما بحلّ الاولى في صورة الجهل ، وحرمتهما معاً مع العلم ، وتصريحه بحرمتها فيها ؛ ولذا أنّ الشيخ في النهاية حكم بحرمتها فيها أيضاً (٣) ، مشترطاً في حلّها إخراج‌

__________________

(١) الروضة ٥ : ١٩٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٩١ / ١٢٢٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٦.

(٣) النهاية : ٤٥٥.

٢١١

الثانية عن الملك مطلقاً (١).

وهو مشكل ، كيف لا؟! ولم يبق حينئذٍ فرق بين صورتي العلم والجهل في حرمة الأُولى ، إلاّ مع إخراج الثانية عن الملك ، والحال أنّه صرّح في الخبرين بالفرق : بحلّ الاولى مع الجهل وحرمتهما مع العلم.

والجمع بينهما وبين الموثّق غير ممكن ؛ إذ غايته حمل حلّ الاولى في صورة الجهل في الخبرين بصورة إخراج الثانية عن الملك ، وحرمتها فيها في الموثّق بخلاف الصورة. ونحوه جارٍ في صورة العلم ، فإنّه تحلّ الاولى فيها أيضاً بالشرط المذكور ، وتحرم بعدمه ، فالفرق على هذا في الخبرين غير واضح.

نعم ، لو لم تحلّ الاولى في صورة العلم بالشرط المتقدّم أمكن الفرق ، ولا يقول به ، فتدبّر.

فلا بُدّ من اطراح أحد الطرفين له ، إمّا الخبرين ، وهو مشكل ؛ لكونهما بالتعدّد وصحّة أحدهما أقوى من الموثّق. وإمّا هو كما هو متعيّن فلا وجه للحكم بحرمة الاولى.

وأمّا الموثّق الآخر : عن رجل كانت عنده جاريتان أُختان ، فوطئ إحداهما ، ثم بدا له في الأُخرى ، قال : « يعتزل هذه ويطأ الأُخرى » قال : قلت : فإنّه تنبعث نفسه إلى الأُولى ، قال : « لا يقربها حتى تخرج تلك عن ملكه » (٢).

ففيه إشكال ؛ لتضمّنه الفرق بين الاولى والثانية بالاكتفاء بالاعتزال‌

__________________

(١) أي ولو بنيّة العود. منه رحمه‌الله.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٨٨ / ١٢١٣ ، الإستبصار ٣ : ١٧٢ / ٦٢٦ ، الوسائل ٢٠ : ٤٨٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٩ ح ٢.

٢١٢

لحل الثانية دون الأُولى. إلاّ أن يحمل الاعتزال على الإخراج عن الملك ، ولكنّه حينئذٍ لا يقاوم ما قدّمناه من الأخبار ، فتدبّر.

( الثانية : يكره أن يعقد الحرّ على الأمة ) مطلقاً ، على الأشهر بين الطائفة كما في الشرائع واللمعة (١) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٢) ، وهو الأظهر في المسألة.

لعموم الكتاب والسنّة ، ك ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٣) و ( لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (٤) وقد صرّح الطوسي والطبرسي في تفسيرهما بدلالتها على الجواز مع الطَّول والسعة ، وحملا الآية الآتية على التنزيه (٥) ، وهو يرجع إلى الكراهة.

والصحيح : يتمتّع الرجل بالأمة بإذن أهلها؟ قال : « نعم ، إنّ الله تعالى يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » (٦). والآخر : عن الرجل يتمتّع بأمة رجل بإذنه ، قال : « نعم » (٧) ولا قائل بالفرق.

وبالكراهة ظاهر المعتبرة المنجبر قصور أسانيدها بالعمومات والشهرة مع أنّ فيها المرسل كالموثّق : « لا ينبغي أن يتزوّج الرجل الحرّ‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٩١ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١٩٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١١.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) البقرة : ٢٢١.

(٥) الطوسي في التبيان ٢ : ٢١٨ ، الطبرسي في مجمع البيان ١ : ٣١٨.

(٦) التهذيب ٧ : ٢٥٧ / ١١١٠ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٣١ ، تفسير العياشي ١ : ٢٣٤ / ٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٤٠ أبواب المتعة ب ١٥ ح ٣.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٥٧ / ١١١١ ، الإستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٣٢ ، الوسائل ٢١ : ٤٠ أبواب المتعة ب ١٥ ح ٤.

٢١٣

المملوكة اليوم ، إنّما كان ذلك حيث قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) (١) والطَّول : المهر ، ومهر الحرّة اليوم مثل مهر الأمة أو أقلّ » (٢).

ويؤيّده النهي عن تزويجها على الحرّة في الصحاح وغيرها الآتية (٣) ؛ لإشعارها بالجواز في غير موردها من وجهين :

أحدهما : تخصيص النهي بتزويجها على الحرّة ، فلو عمّ النهي لخلا التقييد بـ : « على الحرّة » عن الفائدة.

والثاني : دلالتها على جواز تزويجها ولو في الجملة ، وهو ينصرف إلى العموم حيث لا صارف له عنه ، وما نحن فيه منه كما ستعرف.

( وقيل : يحرم ، إلاّ أن يعدم الطَّول ) وهو : القدرة على المهر كما فهم من المرسلة. وزيد : وعلى النفقة ولو بالقوّة (٤) ؛ ولا دليل عليه ، إلاّ ظاهر إطلاق الطَّول ، ولكنّ الرواية المعتبرة فسّرته بذلك.

( ويخشى العنت ) وهو : مشقّة الترك ، وفُسِّر بالزناء وخوف الوقوع فيه. والظاهر أنّ خوف المشقّة الشديدة والضرر العظيم بتركه كذلك ؛ للحرج والضرر المنفيّين ، وأصالة عدم النقل ، فتأمّل.

وهذا القول محكيّ عن الخلاف والمبسوط والقاضي والإسكافي‌

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣٦٠ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٣٤ / ١٣٧٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٥ ح ٥.

(٣) في ص ٢١٨.

(٤) المبسوط ٤ : ٢١٤ ، جامع المقاصد ١٢ : ٣٧١ ، المسالك ١ : ٤٨٤ ، الحدائق ٢٣ : ٥٥٩.

٢١٤

والعماني (١) ؛ لظاهر ( مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ ) الآية (٢) ، لتعليق الجواز فيها على الشرطين.

وفيه نظر ، أمّا أوّلاً : فلاحتمال كون الشرط مبنيّاً على الغالب ، فلا يكون المفهوم معتبراً.

وأمّا ثانياً : فلاحتمال كون المشروط رجحان النكاح لا الجواز ، وبتقديره فظواهر المعتبرة المتقدّمة تخصّه بالخالي عن المرجوحيّة ، والمفاد حينئذٍ نفي الجواز المزبور عند فقد أحد الشرطين ، ولا ينافي ثبوت الجواز المصاحب للمرجوحيّة عند ذلك.

وبتقدير التنزّل ، فغايته الظهور الضعيف دون النصّيّة ، التي هي المناط في صرف العمومات والإطلاقات القطعيّة عن ظواهرها.

ودعوى ورودها في بيان الحلّ والحرمة (٣) محلّ مناقشة ، مع أنّ المستفاد من رواية خصال الآتية (٤) كون تحريمها من جهة السنّة لا من جهة الكتاب ، كما يفهم من سياقها ، حيث ذكر المحرّمات بكلّ منهما على حدة ، وجعل المقام من الأُمور المحرّمة بالسنّة.

وبالجملة : ليست الآية ناصّة على التحريم ، فلا يجسر في تخصيص الأُصول القطعيّة بمثلها ، مع ما في المعتبرة من الظهور التامّ في الكراهة ، ولأجلها يحمل النهي المطلق في بعض الأخبار عليها ، كالرواية : عن الرجل‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣١٣ ، المبسوط ٤ : ٢١٤ ، وحكاه عن القاضي والإسكافي والعماني في المختلف : ٥٦٥.

(٢) النساء : ٢٥.

(٣) المسالك ١ : ٤٨٤.

(٤) في ص ٢١٥.

٢١٥

يتزوّج الأمة؟ قال : « لا ، إلاّ أن يضطرّ إلى ذلك » (١) مع قصور سنده من دون جابر ؛ للشهرة على خلافه.

وأمّا الأخبار النافية للبأس عنه مع الاضطرار ، كالصحيح : عن الرجل يتزوّج المملوكة؟ قال : « إذا اضطرّ إليها فلا بأس » (٢) فليس المستفاد منها إلاّ ثبوت البأس عند عدمه ، وهو أعمّ من الحرمة. ودعوى إرادتها منه يحتاج إلى دلالة واضحة ، هي في المقام مفقودة.

نعم ، لو ظهرت الحرمة من الآية أمكن حمله عليها ، جمعاً بين الأدلّة ، إلاّ أنّك قد عرفت ما فيه من المناقشة ، مع أنّها كيف كانت ليست بنفسها أدلّة ، فالاستدلال بها للحرمة مجازفة.

وليس حمل المعتبرة المتقدّمة على التقيّة بأولى من حمل الأخيرة عليها ؛ لوجود القولين في العامّة.

وليس في كلام العماني ـ : وقد ذهب قوم من العامّة إلى الجواز (٣) دلالة على اتّفاقهم كافّة ، بل ربما أشعر بالعدم ، فتأمّل.

هذا ، ولكنّ الاحتياط في مثل المقام لازم لا يترك ؛ للتصريح بالحرمة لكن من جهة السنّة في المرويّ في الخصال ، بسنده عن إبراهيم بن عبد الرحمن ، عن مولانا الكاظم عليه‌السلام (٤). ولضعفه بجهالة الراوي من دون جابر ؛ لاشتهار خلافه لا يجوز الاعتماد عليه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٦٠ / ٦ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٢١ / ١٦٨٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٤٦ أبواب القسم والنشوز والشقاق ب ٨ ح ١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥٦٥.

(٤) الخصال : ٥٣٢ / ١٠.

٢١٦

ونحوه الجواب عن المرويّ في تفسير العيّاشي ، عن البزنطي : قال : سألت الرضا عليه‌السلام : يتمتّع بالأمة بدون إذن أهلها؟ قال : « إنّ الله تعالى يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (١) » (٢).

وقال محمّد بن صدقة البصري : سألته عن المتعة ، أليس هذا بمنزلة الإماء؟ قال : « نعم ، أما تقرأ قول الله عزّ وجل ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ ) إلى قوله ( وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ )؟! فكما لا يسع الرجل أن يتزوّج الأمة وهو يستطيع أن يتزوّج الحرّة ، فكذلك لا يسع الرجل أن يتمتّع بالأمة وهو يستطيع أن يتزوّج بالحرّة » (٣).

ومحمّد بن صدقة غال.

والقول بأنّ اشتهار الحرمة بين متقدّمي الطائفة أوضح قرينة على صحّة الرواية. لا يخلو عن مناقشة ؛ إذ هو حيث لا تعارضه الشهرة المتأخّرة ، وأمّا مع المعارضة بها فلا ، مضافاً إلى الشكّ في الشهرة.

ولكنّ الإنصاف أنّ القول بالحرمة لا يخلو عن قوّة ؛ لاستفاضة نقل الشهرة بين قدماء الطائفة ، وهي أقوى من الشهرة المتأخّرة ؛ مع تأيّده بأصالة الحرمة السابقة ، والظهور المستفاد من الآية في الجملة.

ثم إنّ ظاهر إطلاق عبائر الأصحاب والآية وصريح المسالك (٤) والخبر الأخير عدم الفرق في المنع على القول به بين الدائم والمنقطع.

خلافاً لبعض المتأخّرين ، فخصّه بالدائم (٥) ؛ لتبادره من التزويج في الأخبار المانعة.

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٣٤ / ٨٩.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٣٤ / ٩٠.

(٤) المسالك ١ : ٤٨٤.

(٥) انظر ملاذ الأخيار ١٢ : ١٩٠.

٢١٧

وفيه : أنّ الأدلّة على المنع غير منحصرة فيها ؛ إذ منها الخبر المتقدّم ، الصريح ، المنجبر ضعفه بإطلاق الفتاوي.

وليس في الصحيح الدالّ على جواز متعة المملوكة بإذن أهلها لمن عنده حرّة بإذنها (١) ، كالصحيح الدالّ على جواز تحليل الزوجة جاريتها لزوجها (٢) ، دلالةٌ على اختصاص المنع بالدائم وجواز التمتّع مطلقاً ، كيف لا؟! وظاهر الأوّل المنع منه بدون الإذن.

مع أنّ في الصحيح : عن الرجل يتزوّج الأمة على الحرّة متعةً؟ قال : « لا » (٣) فتأمّل.

هذا ، مع أنّهم صرّحوا بجوازه كالدائم بالإذن ، بل حكي عليه الإجماع كما يأتي (٤) ، فلا خلاف في مضمون الخبرين ، ولا دخل لهما في محلّ النزاع (٥).

ثم على المنع ، ففي بطلان العقد ، والصحّة مع حصول الإثم ، قولان ، وحكي الأول عن ظاهر الأكثر (٦) ، والثاني عن المفيد وجماعة (٧) ، وهو‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٦٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٥٧ / ١١١٢ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٣٣ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٨٨ / ٢٠٢ ، الوسائل ٢١ : ٤١ أبواب المتعة ب ١٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٨٩ / ١٣٧٦ ، الوسائل ٢١ : ١٢٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٥٧ / ١١١٣ ، الإستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٣٤ ، الوسائل ٢١ : ٤١ أبواب المتعة ب ١٦ ح ٣.

(٤) في ص ٢٢٠.

(٥) وهو تزويج الأمة متعة ابتداءً من دون أن يكون على حرّة. منه رحمه‌الله.

(٦) قال في الحدائق ٢٣ : ٥٦٠ بعد نقل القول بصحة العقد وحصول الإثم عن المفيد وابن البراج ـ : وظاهر الباقين البطلان.

(٧) حكاه في المسالك ١ : ٤٨٤ ، انظر المقنعة : ٥٠٦ والمهذب ٢ : ٢١٥.

٢١٨

الأوفق بالأُصول.

وأمّا التحليل فلا يتعدّى الحكم إليه ؛ لعدم انصراف إطلاق الأدلّة إليه ، مع أنّه في حكم ملك اليمين.

( الثالثة : لا يجوز للعبد أن يتزوّج ) دائماً ( أكثر من الحرّتين ، أو حرّة وأمتين ، أو أربع إماء ) بإجماعنا ، كما حكاه جماعة من أصحابنا (١) ، واستفاض به أخبارنا.

ففي الصحيح : عن المملوك يتزوج أربع حرائر؟ قال : « لا يتزوّج إلاّ حرّتين إن شاء ، أو أربع إماء » (٢) ، ونحوه غيره (٣).

وعليه يحمل إطلاق المعتبرة كالصحيحين (٤) والموثّق (٥) بأنّه : لا يجمع المملوك من النساء أكثر من امرأتين ؛ مع أنّ المتبادر منهما الحرّتان. ويحتمل الحمل على التقيّة ؛ بناءً على مصير بعضهم إلى أنّه‌

__________________

(١) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٣٨٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢٠٦ ، والسبزواري في الكفاية : ١٦٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٩٦ / ١٢٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٢١٣ / ٧٧٥ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٥ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٨ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٩٦ / ١٢٣٩ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٦ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٨ ح ٢.

(٤) الأول في : التهذيب ٨ : ٢١١ / ٧٥١ ، الإستبصار ٣ : ٢١٣ / ٧٧٣ ، الوسائل ٢١ : ١١١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٢ ح ٥.

الثاني في : التهذيب ٧ : ٢٩٦ / ١٢٤٠ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٦ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٨ ح ٤.

(٥) التهذيب ٨ : ٢١١ / ٧٥٢ ، الوسائل ٢١ : ١١٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٢ ح ٦.

٢١٩

لا يتجاوز الاثنتين مطلقاً (١).

( الرابعة : لا يجوز نكاح الأمة على الحرّة إلاّ بإذنها ) بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا ، كالمبسوط والسرائر والغنية والروضة (٢) ، وغيرهم (٣).

والاخبار به مستفيضة ، كالحسن بل الصحيح ـ : « تزوّج الحرّة على الأمة ، ولا تزوّج الأمة على الحرّة ، ومن تزوّج أمة على حرّة فنكاحه باطل » (٤).

ولا فرق فيه بين الدائم والمنقطع ؛ للصحيح (٥) ، وفحوى المانع عن التمتّع بها مع القدرة على الحرّة كما مرّ (٦).

وليس في إطلاقها الدلالة على المنع عن التزويج بها مطلقاً ولو مع الإذن ؛ لانصرافه إلى الغالب ، وليس فيه الإذن ، فيقتصر في تخصيص الأُصول والعمومات القطعيّة على الإباحة على القدر المتيقّن من الإطلاق.

مضافاً إلى التصريح بالجواز مع الإذن في التمتّع في الصحيح‌

__________________

(١) حكاه عن أحمد وعطاء والحسن وغيرهم في المغني ٧ : ٤٣٧ ، وبه قال الشافعي في الأُم ٥ : ٤١.

(٢) المبسوط ٤ : ٢١٤ ، السرائر ٢ : ٥٤٥ ، لم نعثر عليه في الغنية ، الروضة ٥ : ١٩٢.

(٣) انظر التذكرة ٢ : ٦٤١.

(٤) الكافي ٥ : ٣٥٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٤ / ١٤٠٨ ، الوسائل ٢٠ : ٥٠٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٦ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٤٦٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٥٧ / ١١١٣ ، الاستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٣٤ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٨٨ / ٢٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤١ أبواب المتعة ب ١٦ ح ١.

(٦) في ص ٢١٢.

٢٢٠