رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

كيف يصنع؟ قال : « يمسك أربعاً ويطلق ثلاثاً » (١).

وضعف الدلالة مع الأخصّية غير قادح في الحجّيّة بعد انجبارهما بفتوى الطائفة ، كعدم القدح فيها ب « يطلق ثلاثاً » نظراً إلى مخالفته المتّفق عليه بينهم من حصول الفسخ بالاختيار خاصّة بلا طلاق ؛ لاحتماله الإطلاق دون التطليق ، ومعه ينتفي المناقشة كانتفائها مع عدمه ؛ بناءً على أنّ خروج بعض الحديث عن الحجيّة لا ينافيها بالإضافة إلى الباقي.

ونحوه النبوي (٢) ، بل وأظهر منه ، من حيث عمومه للمسلمات وغيرهن ، بل ظهوره في الأخيرة خاصّة.

والمستند في القيود المتقدّمة عموم ما تقدّم فيها من الأدلّة ، وإن احتمل بعضها نوعاً من المناقشة ، لكن كفانا مئونة الاشتغال بدفعها إجماع الطائفة ، كما عن ظاهر المبسوط والتذكرة (٣).

( وروى عمّار ) في الموثّق ( عن ) مولانا ( أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّ إباق العبد بمنزلة الارتداد ، فإن رجع والزوجة في العدّة فهو أحقّ بها ، وإن خرجت من العدّة فلا سبيل له عليها ) (٤).

( و ) ليس ( في ) هذه ( الرواية ضعف ) بالمعنى المصطلح ؛ لوثاقة عمّار وإن كان فطحيّاً ، مضافاً إلى أنّ قبله مَن أجمع العصابة على تصحيح‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٣٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٩٥ / ١٢٣٨ ، الوسائل ٢٠ : ٥٢٤ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٦ ح ١.

(٢) غوالي اللئلئ ١ : ٢٢٨ / ١٢٣ ، المستدرك ١٤ : ٤٢٨ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ٤ ح ٣ ؛ وانظر مسند أحمد ٢ : ٨٣.

(٣) المبسوط ٤ : ٢٣٠ ، التذكرة ٢ : ٦٥٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٨٨ / ١٣٧٢ ، التهذيب ٨ : ٢٠٧ / ٧٣١ ، الوسائل ٢١ : ١٩٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٣ ح ١.

٢٨١

ما يصحّ عنه ، ولعلّه لذا عمل به جماعة ، كالصدوق والشيخ في النهاية (١) ، وابن حمزة ، إلاّ أنّه خصّ الحكم بتزويج العبد أمة غير سيّده (٢) ، والرواية مطلقة.

خلافاً للأكثر ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، وهو الأظهر ؛ للأصل ، وظاهر عموم ما دلّ على اعتبار الطلاق في تحقّق الفراق. ولاعتضادهما بالشهرة لا تقاومهما الموثّقة المزبورة ، وإن كانت بحسب السند معتبرة ، مع إمكان تطرّق القدح إليه من جهته ، من حيث ابتناء اعتباره بالأمرين على حصول المظنّة منهما بصدق الرواية ، ومع اشتهار الخلاف ترتفع المظنّة.

أمّا من الأول : فلأنّ الظنّ الحاصل من توثيقه أضعف هنا من الظنّ الحاصل من شهرة خلافه.

وأمّا من الثاني : فلابتناء حصول المظنّة منه على الإجماع (٣) ، وهو منفيّ مع شهرة الخلاف.

فإذاً الأجود : بقاء الزوجيّة إلى وقوع البينونة بطلاقٍ ونحوه من الأُمور المسلّمة.

هنا ( مسائل سبع ) :

( الاولى : التساوي ) بين الزوجين ، المعبّر عنه بالكفاءة ( في الإسلام ) بالمعنى العام ، وهو الإقرار بالشهادتين من دون إنكار ما يلحق منكره بالكفّار ( شرط في صحّة العقد ).

فلا يجوز للمسلمة التزويج بالكافر مطلقاً ، نصّاً (٤) وإجماعاً ،

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٣ : ٢٨٨ ، الشيخ في النهاية : ٤٧٩.

(٢) الوسيلة : ٣٠٧.

(٣) أي إجماع العصابة. منه رحمه‌الله.

(٤) انظر الوسائل ٢٠ : ٥٤٩ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١٠.

٢٨٢

ولا للمسلم التزويج بالوثنيّة مطلقاً (١) ، والكتابيّة دائماً ابتداءً ، على الأصحّ كما مرّ (٢) ؛ ويجوز له تزويجها متعةً وبملك اليمين واستدامةً مطلقاً ، إجماعاً في الأخير ، وعلى الأقرب في الأوّلَين.

( وهل يشترط التساوي في الإيمان ) الخاصّ؟ المراد منه : الإقرار بالأئمّة الاثني عشر بالشرط المتقدّم (٣).

فيه أقوال ، ثالثها : اختصاصه بالزوج دون الزوجة ، وهو المشهور بين الطائفة ، بل حكي على الأول الإجماعات المستفيضة عن الخلاف والمبسوط والسرائر وسلاّر والغنية (٤) ؛ وهي الحجّة فيه ، كالنصوص المستفيضة :

منها الصحيح : « تزوّجوا في الشكّاك ولا تزوّجوهم ؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ويقرّها على دينه » (٥).

وفي معناه المعتبرة (٦) المنجبر قصور أسانيدها بالشهرة والإجماعات المستفيضة.

والدلالة واضحة ؛ لاستلزام المنع من تزويج الشكّاك منع التزويج من غيرهم من المعتقدين لخلاف ما عليه الفرقة المحقّة بالأولويّة المؤكّدة بالعلة‌

__________________

(١) أي ابتداءً واستدامةً ، دائماً ومنقطعاً. منه رحمه‌الله.

(٢) وهو عدم إنكار ضروريّ المُلِحق له بالكفار. منه رحمه‌الله.

(٣) في ص ٢٦٢.

(٤) الخلاف ٤ : ٢٧١ ، المبسوط ٤ : ١٧٨ ، السرائر ٢ : ٥٥٧ ، سلاّر في المراسم : ١٤٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٥) الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٥٨ / ١٢٢٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٤ / ١٢٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٨٤ / ٦٧٠ ، علل الشرائع : ٥٠٢ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٥ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١ ح ٢.

(٦) انظر الوسائل ٢٠ : ٥٥٤ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١.

٢٨٣

المذكورة ، وهي الوجه في دلالة الصحيح : « ولا يتزوّج المستضعف مؤمنة » (١).

ومنها : المستفيضة المشترطة للدين المرضيّ في الأمر بالمناكحة (٢) ، الظاهر في الإباحة ، دون الندبيّة ، حتى يقال : غاية الشرطيّة انتفاؤها بانتفاء الشرط ، لا الإباحة.

وليس في إدراج الخلق مع الدين في بعضها كالصحيح : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، ( إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ ) (٣) قرينةٌ على الندبيّة بالإضافة إلى الدين ، بناءً على اتحاد سياق العبارة مع الإجماع عليها بالنسبة إليه ؛ لتوقّفه على كون المراد منه السجيّة والطبيعة ، وليس بمتعيّن ؛ لاستعماله في الملّة كما عن أهل اللغة (٤) ، فيحتمل إرادتها منه هنا ، فلا قرينة فيه بالمرّة.

ومنها المرسل كالموثّق بل الموثّق ؛ لإرساله عن غير واحد ، الملحق مثله عند جماعة بالمسند (٥) ، مع كون المرسِل من المجمع على تصحيح رواياته ـ : « إنّ العارفة لا توضع إلاّ عند العارف » (٦).

ومنها المعتبر بوجود المجمع على تصحيح رواياته في سنده : إنّ لامرأتي أُختا عارفة على رأينا ، وليس على رأينا بالبصرة إلاّ قليل ، فأزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟ قال : « لا ، ولا نعمة ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ / ١٢٦١ ، الإستبصار ٣ : ١٨٣ / ٦٦٥ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٧ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١ ح ٦.

(٢) انظر الوسائل ٢٠ : ٧٦ أبواب مقدمات النكاح ب ٢٨.

(٣) الكافي ٥ : ٣٤٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٦ / ١٥٨٤ ، الوسائل ٢٠ : ٧٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٢٨ ح ٢.

(٤) انظر القاموس المحيط ٣ : ٢٣٦ ، ومجمع البحرين ٥ : ١٥٦.

(٥) منهم البحراني في الحدائق ٢٤ : ٥٩ ، السبزواري في الكفاية : ١٦٨.

(٦) الكافي ٥ : ٣٥٠ / ١١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٠ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١٠ ح ٥.

٢٨٤

( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) (١) » (٢).

وما يقال : بأنّ قصاراها الدلالة على النهي (٣) الغير الملازم للفساد المترتّب عليه الشرطيّة.

مدفوعٌ بالإجماع على التلازم هنا ؛ بناءً على عدم القول بالتحريم المجرّد عن الفساد ، بل كلّ من حرّم أفسد ، وكلّ من أحلّ صحّح.

هذا ، مضافاً إلى إشعار التعليل في ذيل الأخير بالكفريّة ؛ من حيث إطلاق الكفر عليهم ، المستلزم إمّا لكفرهم حقيقةً كما عليه جماعة (٤) أو اشتراكهم مع المتّصف به في الأحكام ، التي منها حرمة النكاح وفساده ، إن قلنا بالمجازيّة كما عليه جمهور الطائفة ، واستفيد من النصوص الآتية لوجوب الحمل على أقرب المجازات إذا تعذّر الحقيقة.

ومن هنا ينقدح وجه الاستدلال بالنصوص المطلقة عليهم الكفر (٥) ، وهي كادت تكون متواترة.

وهذه الأخبار عدا ما ابتني فيه وجه الدلالة على إطلاق الكفر عليهم مشتركة في اختصاص المنع فيها بتزويج المخالف بالمؤمنة ، بل صرّح بعضها بتزويج المؤمن بالشكّاك (٦) ، وأشعر تعليل المنع في بعضها بأخذ المرأة من أدب زوجها (٧) ، بالجواز هنا ؛ لمطلوبيّته فيه قطعاً ، وقريب منه‌

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.

(٢) الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٦ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٠ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١٠ ح ٤.

(٣) انظر نهاية المرام ١ : ٢٠٢.

(٤) منهم البحراني في الحدائق ٢٤ : ٥٤ ، ٦١.

(٥) انظر الوسائل ٢٠ : ٥٣٣ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١.

(٦) الوسائل ٢٠ : ٥٥٤ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١.

(٧) الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٥٨ / ١٢٢٦ ، التهذيب ٧ : ٣٠٤ / ١٢٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٨٤ / ٦٧٠ ، علل الشرائع : ٥٠٢ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٥ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١ ح ٢.

٢٨٥

إشعار تخصيص المنع بالزوج ؛ فتدبّر.

مع أنّ النصوص بجواز تزويجه بالبله منهنّ والمستضعفات مستفيضة.

ففي الصحيح : « عليك بالبله من النساء اللاتي لا تنصب ، والمستضعفات » (١).

والصحيح : « ما يمنعك من البله من النساء؟! قلت : وما البله؟ قال : « هنّ المستضعفات اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه » (٢) ، ونحوهما الموثّقان (٣) وغيرهما (٤).

ولا خلاف في مواردها بين الطائفة ، وكذلك ما عداه على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن التذكرة (٥) ، وصرّح بعدم الخلاف بعض الأجلّة (٦) ؛ وهو الحجّة فيه بعد ما تقدّم (٧) ، وعموم النصوص الآتية المصرّحة بـ : أنّ بالإسلام تحلّ المناكحة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠٤ / ١٢٦٨ ، الإستبصار ٣ : ١٨٥ / ٦٧٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٩ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١ ح ١٠.

(٢) الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٠٥ / ١٢٦٩ ، الإستبصار ٣ : ١٨٥ / ٦٧٣ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٦ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١ ح ٣ ؛ بتفاوت في السند.

(٣) أحدهما في : الكافي ٥ : ٣٤٩ / ٩ ، الفقيه ٣ : ٢٥٨ / ١٢٢٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٧ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١ ح ٧ ، ٨. الآخر في : الكافي ٥ : ٣٥٠ / ١٢ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٧ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١ ح ٩.

(٤) انظر الوسائل ٢٠ : ٥٥٤ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١١.

(٥) التذكرة ٢ : ٦٠٥.

(٦) كصاحب الحدائق ٢٤ : ٥٢.

(٧) من الإشعارات. منه رحمه‌الله.

٢٨٦

خلافاً لسلاّر ، فمنع عمّا عدا البله والمستضعفات (١) ، بل ظاهره الإجماع عليه. ولا ريب في ضعفه جدّاً.

وبهذه الأدلّة يقيّد ما أطلق فيه عليهم الكفر.

و ( الأظهر ) عند المصنّف تبعاً للمفيد وابن سعيد (٢) أنّه ( لا ) يشترط الإيمان في الزوج أيضاً ( لكنّه يستحبّ ) مطلقاً ( ويتأكّد ) الاستحباب ( في المؤمنة ) أمّا الاستحباب فلشبهة أدلّة المنع ؛ وأمّا الجواز فللأصل ، والعمومات ، وخصوص النصوص المستفيضة :

منها الصحيح : عن جمهور الناس ، فقال : « هم اليوم أهل هدنة ، تُردّ ضالّتهم ، وتؤدّى أماناتهم ، وتُحقَن دماؤهم ، وتجوز مناكحتهم وموارثتهم » (٣).

ومنها الحسن : « الإسلام : ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء » (٤).

والخبران ، في أحدهما : « الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، والتصديق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكحة والمواريث ، وعلى ظاهره عامّة الناس » (٥) ونحوه الثاني (٦).

وليس فيها كما ترى مع قصور أسانيد أكثرها صريحٌ بجواز تزويج المؤمنة بالمخالف ، وغايتها العموم القابل للتخصيص بالعكس ؛ لتصريح‌

__________________

(١) انظر المراسم : ١٤٨.

(٢) المفيد في المقنعة : ٥١٢ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٩.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٠٢ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٢٠ : ٥٦١ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١٢ ح ١.

(٤) الكافي ٢ : ٢٦ / ٣.

(٥) الكافي ٢ : ٢٥ / ١.

(٦) الكافي ٢ : ٢٦ / ٥.

٢٨٧

الأخبار المتقدّمة بالمنع من الأول ، فتعارض الأخبار تعارض العموم والخصوص ، واللازم حمل الأول على الثاني.

نعم ، في الصحيح : بِمَ يكون الرجل مسلماً تحلّ مناكحته وموارثته؟

وبِمَ يحرم دمه؟ فقال : « يحرم دمه بالإسلام إذا أظهر ، وتحلّ مناكحته وموارثته » (١).

وهو غير قابل للتخصيص من هذا الوجه ، إلاّ أنّ « الإسلام » فيه وفي الحسن السابق يحتمل المعنى الأخصّ ، المرادف للإيمان بالمعنى المصطلح.

ويحتملان كباقي الروايات الضرورة من تقيّة وغيره ، كما أشعر بها الصحيح السابق.

أو أنّ المراد بـ : « جواز مناكحتهم » مناكحة بعضهم في بعض.

ومع جريان هذه الاحتمالات فيها ، كيف يمكن صرف ظواهر المستفيضة المتقدّمة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، والإجماعات المنقولة ، وقوّة الدلالة من وجوه عديدة ، الناشئ بعضها عن التعليلات الواردة فيها ، الموافقة للاعتبارات العقليّة؟!

وحيث إنّ المصنّف اكتفى بالإسلام ، الذي هو الإقرار بالشهادتين ، وربما كان يتوهّم شموله لمطلق من صدر عنه الإقرار بهما ، أراد إخراج من أجمع على كفره وإن صدر عنه ذلك ، فقال : ( نعم ، لا يصحّ نكاح الناصب ولا الناصبة لعداوة أهل البيت عليهم‌السلام ) لكفرهم إجماعاً ؛ لإنكارهم الضروريّ من الدين ، فيشملهما عموم أدلّة المنع من مناكحة الكفّار.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٠٣ / ١٢٦٥ ، الإستبصار ٣ : ١٨٤ / ٦٦٩ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٤ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١٠ ح ١٧.

٢٨٨

مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، كالصحيح : « لا يتزوّج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك » (١) ونحوه الصحيح في منع المؤمنة عن التزويج بالناصب (٢).

( ولا يشترط ) في صحّة النكاح ( تمكّن الزوج ) من المهر بالفعل بإجماعنا حكاه جماعة من أصحابنا (٣) وكذا ( من النفقة ) فعلاً أو قوّةً على الأشهر الأظهر ، وإليه ذهب الفاضلان والشهيدان وابن حمزة وابن البرّاج والإسكافي والفاضل الصيمري والهندي (٤) ، وكافّة المتأخّرين.

للأصل ، وعموم الكتاب والسنّة ، وخصوص الآية الكريمة ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٥). والنصوص المستفيضة الآمرة لذوي الحاجة بالمناكحة :

منها الصحيح : « جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشكا إليه الحاجة ، فقال : تزوّج ، فتزوّج فوُسِّع عليه » (٦).

وعُلِّل في بعضها بأنّ : « الرزق مع النساء والعيال » (٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٢ / ١٢٦٠ ، الإستبصار ٣ : ١٨٣ / ٦٦٤ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٩ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٠٢ / ١٢٦١ ، الإستبصار ٣ : ١٨٣ / ٦٦٥ ، الوسائل ٢٠ : ٥٥٠ أبواب ما يحرم بالكفر ب ١٠ ح ٣.

(٣) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٧٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٩٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٥٤.

(٤) العلاّمة في المختلف : ٥٧٦ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٩٩ ، الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٥ : ٢٣٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٠ ، ابن البراج في المهذّب ٢ : ١٧٩ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٧٦ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٠.

(٥) النور : ٣٢.

(٦) الكافي ٥ : ٣٣٠ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣ أبواب مقدمات النكاح ب ١١ ح ١.

(٧) الكافي ٥ : ٣٣٠ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٤ أبواب مقدمات النكاح ب ١١ ح ٤.

٢٨٩

وفي الخبرين : « من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء بالله الظنّ » (١).

وفي المرسل : في قول الله عزّ وجلّ ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ) (٢) قال : « يتزوّجوا حتى يغنيهم الله من فضله » (٣).

مضافاً إلى عموم أكثر الأخبار المتقدّمة ، المكتفية بالإيمان خاصّة في الكفاءة ، مع ورود بعضها في بيانها.

والأخبار الآمرة بالتزويج بالفقراء وذوي المسكنة :

منها الصحيح الطويل ، المتضمّن لأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زيادَ بن لبيد تزويج ابنته الذَّلفاء (٤) من جويبر ، وكان رجلاً قصيراً ، دميماً ، محتاجاً ، عارياً ، وكان من قباح السودان ، فضمّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحال غربته وعُريه ، وكان يجري عليه طعامه صاعاً من تمر بالصاع الأول ، وكساه شَمْلَتين (٥) (٦).

ومنها الرضوي : « إن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه ولا يمنعك فقره وفاقته ، قال الله تعالى ( وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ

__________________

(١) أحدهما في : الكافي ٥ : ٣٣٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٤٣ / ١١٥٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠ ح ١. والآخر في : الكافي ٥ : ٣٣٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٤٣ / ١١٥٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٢ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠ ح ٢.

(٢) النور : ٣٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٣١ / ٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٣ أبواب مقدمات النكاح ب ١١ ح ٢.

(٤) الذَّلفُ بالتحريك : صِغر الأنف واستواء الأرنبة الصحاح ٤ : ١٣٦٢.

(٥) الشَّمْلَةُ : كساءٌ صغير يؤتزر به المصباح المنير : ٣٢٣.

(٦) الكافي ٥ : ٣٣٩ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٦٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٢٥ ح ١.

٢٩٠

سَعَتِهِ ) (١) وقال ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) » (٢).

ويؤيّده ما في المعتبرة الآتية من تعليل تزويج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنة عمّه من مقداد بن الأسود باتّضاع النكاح (٣) ، فافهم.

واستلزام التزامه العسر والحرج المنفيّين بالإجماع والكتاب والسنّة ، مضافاً إلى الإجماع المحكيّ في كلام جماعة (٤) على الصحّة مع علم المرأة المنافي لذلك (٥).

خلافاً للمقنعة والمبسوط والخلاف وابن زهرة والتذكرة (٦) ، وظاهره كالشيخ في الكتابين وسلاّر (٧) كونه الأشهر ، بل ظاهر الشيخ وسلاّر والغنية الإجماع عليه.

للمرسل : « الكفو : أن يكون عفيفاً وعنده يسار » (٨).

وللخبر : إنّ معاوية خطب فاطمة بنت قيس ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّه صُعلوك (٩) لا مال له » (١٠).

__________________

(١) النساء : ١٣٠.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣٧ ، المستدرك ١٤ : ١٨٨ أبواب مقدّمات النكاح ب ٢٤ ح ٣.

(٣) انظر الوسائل ٢٠ : ٦٩ ٧١ أبواب مقدّمات النكاح ب ٢٦ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٥.

(٤) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٧٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٠.

(٥) أي الاشتراط المطلق. منه رحمه‌الله.

(٦) المقنعة : ٥١٢ ، المبسوط ٤ : ١٧٨ ، الخلاف ٤ : ٢٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١١ ، التذكرة ٢ : ٦٠٤.

(٧) سلاّر في المراسم : ١٥٤.

(٨) الكافي ٥ : ٣٤٧ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٤٩ / ١١٨٦ ، الوسائل ٢٠ : ٧٨ أبواب مقدمات النكاح ب ٢٨ ح ٤.

(٩) الصعلوك : الفقير الذي لا مال له. مجمع البحرين ٥ : ٢٧٩.

(١٠) صحيح مسلم ٢ : ١١١٤ / ٣٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٣٥ ؛ بتفاوت.

٢٩١

ولأنّ الإعسار مضرّ بها جدّاً.

ولعدّه نقصاً عرفاً ؛ لتفاضل الناس في اليسار تفاضلهم في النسب.

ولأنّ بالنفقة قوام النكاح ودوام الازدواج.

وفي الجميع نظر ؛ لقصور الخبرين سنداً : بالإرسال في الأول ، والعاميّة في الثاني ؛ ودلالةً : باشتمال الأول على المستحبّ إجماعاً ، والثاني بعدم التصريح بالاشتراط.

وضعف الوجوه الاعتباريّة ، مع أخصّية الأُولى عن المدّعى الشامل لصورة الرضاء ، وعدم الدليل على الكلّية (١) في الثاني.

ومع ذلك ، فهي اجتهادات صرفة في مقابلة ما قدّمناه من الأدلّة القويّة ، بل القطعيّة.

ودعوى الشهرة كالإجماع مع عدم الصراحة في الثاني (٢) معارضةٌ بمثلهما.

وعلى المختار ، فهل للجاهلة بالفقر المعقود عليها الخيار بعد العلم؟

وجهان ، من لزوم التضرّر ببقائها معه كذلك المنفي آيةً وروايةً.

ومن أنّ النكاح عقد لازم ، والأصل البقاء ؛ ولقوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (٣) وهو عامّ ، والضرر يندفع بالإجبار على الطلاق. وهو الأجود ، وفاقاً لجماعة ، منهم : شيخنا في الروضة (٤) ، بل قيل : إنّه الأشهر (٥).

__________________

(١) وهو أنّ كلّ ما يعدّ نقصاً عرفاً مانعٌ من التزويج. منه رحمه‌الله.

(٢) أي الدعوى الثانية. منه رحمه‌الله.

(٣) البقرة : ٢٨٠.

(٤) الروضة ٥ : ٢٣٨ ، كشف اللثام ٢ : ٢٠ ، الكفاية : ١٦٨.

(٥) كما قال به الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٢ : ٢٥٤.

٢٩٢

خلافاً للحلّي وابن سعيد والعلاّمة في المختلف (١) ؛ وربما نزّل عليه القول بالاشتراط المطلق ، وظاهر جماعة الإجماع على أنّه المراد منه ، كالعلاّمة في المختلف والتذكرة والشيخ المفلح الصيمري في شرح الشرائع (٢).

فيقوى المصير إلى الاشتراط حينئذ ؛ لما تقدّم من الشهرة المحكيّة في التذكرة ، والإجماعات في كتابي الشيخ وكلام سلاّر وابن زهرة ، بعد التنزيل المزبور.

إلاّ أنّ اشتهار إطلاق العدم بين المتأخّرين مضافاً إلى دعوى الشهرة على عدم الاشتراط بهذا المعنى أيضاً بخصوصه ربما أوهن الإجماعات المنقولة عليه كالشهرة المحكيّة في التذكرة.

مضافاً إلى وهن آخر فيهما ، من حيث عدم إرادة ظاهرهما ، بل ظاهر جماعة بقاؤهما على ظاهرهما ، وإرادة الاشتراط المطلق منهما (٣) ؛ ولذا عُدَّ قولاً في المسألة في مقابلة الاشتراط بالمعنى المنزّل عليه ، فلا اعتماد حينئذٍ عليهما جدّاً ، ودليله معارَض بأقوى منه كما عرفت.

( ولا تتخيّر الزوجة لو تجدّد العجز ) من الزوج ( عن الإنفاق ) عليها في فسخ العقد إن دخلت عليه وهو معسر ، إجماعاً ؛ لإدخالها الضرر على نفسها.

__________________

(١) الحلّي في السرائر ٢ : ٥٥٧ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٩ ، المختلف : ٥٧٦.

(٢) المختلف : ٥٧٦ ، التذكرة ٢ : ٦٠٤.

(٣) راجع ص ٢٨٩.

٢٩٣

وكذا لو تزوّجت به وهو غني ، على الأشهر الأظهر ؛ تمسّكاً بالأصل ، وظاهر الخبر : « إنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها ، وكان زوجها معسراً ، فأبى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يحبسه ، وقال : إنّ مع العسر يسرا » (١) ولو كان لها الفسخ لفرّقها به.

واحتمال اختصاصه برضائها بالإعسار ثم الاستعداء مدفوعٌ بالأصل ، وظاهر العموم الناشئ عن ترك الاستفصال ، المؤيّد بعموم التعليل فيه. وضعف السند بالشهرة مجبور.

خلافاً للإسكافي ، فخيّرها (٢) ؛ لقوله سبحانه ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٣) والإمساك بدون النفقة إمساكٌ بغير معروف. وفيه منع ، ولو سلّم لم يثبت التسلّط على الفسخ.

وللضرورة. وتندفع بالإجبار بالطلاق ، مع أعمّيتها من المدّعى ؛ لاشتمالها صورة الليّ عن الإنفاق مع الغناء ، ولا قائل بالفسخ هنا.

وللصحيحين ، في أحدهما : « من كانت عنده امرأة ، فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها ، كان حقّا على الإمام أن يفرّق بينهما » (٤).

وفي الثاني : « إن أنفق عليها ما يقيم على ظهرها مع كسوة ، وإلاّ فرّق بينهما » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٩٩ / ٨٣٧ ، الوسائل ١٨ : ٤١٨ أبواب كتاب الحجر ب ٧ ح ٢.

(٢) كما نقله عنه في المختلف : ٥٨٢.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١ ح ٢.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ١٣٣١ ، التهذيب ٧ : ٤٦٢ / ١٨٥٣ ، الوسائل ٢١ : ٥٠٩ أبواب النفقات ب ١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

٢٩٤

وليس فيهما الدلالة على تسلّطها على الفسخ بخصوصه قبل التفريق ، بل ظاهرهما العدم ، وتوقّف التفريق على مفرّق دونها (١) ، إمّا الحاكم كما في الأول أو مطلقاً كما في الثاني ولا يقول به ؛ مع احتمال التفريق فيهما للطلاق ، أو حبس الزوجة عنه إلى الإنفاق.

ويؤيّد الأول صحيحة ابن أبي عمير وجميل ، اللذين حكي إجماع العصابة على تصحيح رواياتهما (٢) ، وفيها : روى عنبسة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه ، وإلاّ طلّقها » (٣).

وربما حكي القول باختيار الفسخ للحاكم عن بعض (٤) ، وصار إليه بعض (٥) ؛ عملاً بظاهر الأول ، وحملاً للثاني عليه ؛ لصحّة السند.

ولكنّهما قاصران عن المكافأة لما مرّ ؛ للشهرة ، والاعتضاد بالأصل والآية ؛ ومع ذلك فلا قائل بعمومهما الشامل لتجدّد الإعسار مع الرضاء به وعدمه ، ولعدم التجدّد العام لصورتي سبق الفقر والغناء والرضاء بالفقر إن كان وعدم الرضاء ، وليس محلّ النزاع إلاّ الثاني (٦) ، وأمّا البواقي فلا قائل بثبوت الفسخ لها أو للحاكم.

وارتكاب التخصيص إلى أن يبقى المتنازع فيه مبنيٌّ على جوازه إلى‌

__________________

(١) أي الزوجة. منه رحمه‌الله.

(٢) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٣) الكافي ٥ : ٥١٢ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٩٤ / ٨١٦ ، الإستبصار ٣ : ٤٤ / ١٤٦ ، الوسائل ٢١ : ٥١٠ أبواب النفقات ب ١ ح ٤.

(٤) راجع إيضاح الفوائد ٣ : ٢٤.

(٥) كشف اللثام ٢ : ٢٠.

(٦) أي تجدّد الإعسار مع عدم الرضاء به.

٢٩٥

هذا الحدّ ، وهو قول مرغوب عنه ، خلاف التحقيق.

وظاهر إطلاق العبارة كغيرها انفرد المسألة عن سابقتها ، وربما بُني الخلاف فيها على المختار ثمّة ، وادّعي عدم الخلاف فيها والاتّفاق على الخيار لها على غيره ، فإن كان إجماع وإلاّ فلا تلازم ؛ لاحتمال الشرطيّة للابتداء دون الاستدامة ، كسائر العيوب الموجبة للفسخ ابتداءً ، والساقط حكمها مع التجدّد ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

( ويجوز نكاح الحرّة بالعبد ، والهاشميّة بغير الهاشمي ، والعربية بالعجميّ ، وبالعكس ) اتّفاقاً ، إلاّ من الإسكافي ، فاعتبر فيمن يحرم عليهم الصدقة ألاّ يتزوّج فيهم إلاّ منهم (١) ؛ لرواية (٢) قاصرة السند ، ضعيفة الدلالة ، بل هي على خلافه واضحة المقالة ، ومع ذلك معارضة للنصوص الكثيرة العامّة والخاصّة.

ففي الصحيح : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب » ثم قال : « إنّما زوّجها المقداد لتّتضع المناكح ، وليتأسّوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليعلموا أنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ، وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأُمّهما » (٣).

( وإذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجب ) على من بيده عقدة‌

__________________

(١) حكاه عنه في التنقيح الرائع ٣ : ١٠٩ ، المختلف : ٥٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ٣٤٥ / ٥ ، وأورد صدرها في الوسائل ٢٠ : ٧٠ أبواب مقدمات النكاح ب ٢٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٤٤ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٧٠ أبواب مقدمات النكاح ب ٢٦ ح ٢ ، ولكنه مرسل ، لأنّه مروي عن هشام بن سالم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ولعلّ المراد ما ذكره في نهاية المرام ١ : ٢٠٦ من أنه رواه الكليني في الصحيح ، عن هشام ابن سالم ، عن رجل .. أي أنّه صحيح في نفسه مع قطع النظر عن الإرسال.

٢٩٦

النكاح ( إجابته وإن كان أخفض نسباً ، وإن منعه الوليّ كان عاصياً ) في ظاهر الأصحاب.

عملاً بظاهر الأمر بالتزويج ممّن ارتُضي دينه وخلقه في النصوص ، كالصحيح : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ، ( إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ ) (١).

وهو أعمّ من المدّعى ؛ إذ ليس فيه التقييد بالقدرة على النفقة. ولعلّ المستند فيه ما قيل من أنّ الصبر على الفقر ضرر عظيم في الجملة ، فينبغي جبره بعدم وجوب إجابته (٢).

وهو حسن لولا المعارضة بالفتنة والفساد الكبير المترتّب على ترك مطلق التزويج ، كما أفصح عنه التعليل في الخبر.

نعم ، روى الحلّي في سرائره أنّه : « إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته ، وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممّن ترضى فعاله وأمانته ، ولا يكون مرتكباً لشي‌ء يدخل [ به ] في جملة الفسّاق ، وإن كان حقيراً في نسبه ، قليلاً في ماله ، فلا يزوّجه إيّاها ، كان عاصياً لله سبحانه ، مخالفاً لسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

وإرساله غير قادح ، بعد انجباره بموافقة الفتاوي له ، ويقيَّد به ما تقدّمه ، وبه يتقوى دلالة الأمر على الوجوب في النصوص المتقدّمة ، مع اعتضاده بالتعليل المصرّح به فيها ، وبفتوى الأصحاب الذين على فهمهم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٦ / ١٥٨٤ ، الوسائل ٢٠ : ٧٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٢٨ ح ٢.

(٢) قال به الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٢٣٩.

(٣) السرائر ٢ : ٥٥٨ ، ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٢٩٧

المدار في جميع الأبواب.

فلا وجه لتأمّل بعض من تأخّر في أصل الحكم ، ولا لتقييده وحصر المعصية بالترك تبعاً للحلّي (١) فيما إذا لم يزوّجه لما هو عليه من الفقر ، والأنفة منه لذلك ، واعتقاده أنّ ذلك ليس بكف‌ء في الشرع. وأمّا إن ردّه ولم يزوّجه لا لذلك ، بل لأمر آخر أو غرض غير ذلك من مصالح دنياه ، فلا حرج عليه ، ولا يكون عاصياً (٢).

وإن هو إلاّ تقييد للنصّ من غير دليل ، كتقييد بعض الأصحاب ذلك بعدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوّة (٣).

نعم ، إنّما يكون عاصياً مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ وإن كان أدون منه ، وإلاّ جاز العدول إليه ، وكان وجوب الإجابة حينئذٍ تخييريّاً.

ويدخل فيمن بيده عقدة النكاح كما قدّمناه المخطوبة الثيّبة ، أو البكر البالغة الرشيدة على المختار ، أو التي ليس لها أب ، فيجب عليها الإجابة على الأصحّ ، وإن اختصّ الأخبار بالوليّ ، تبعاً للتعليل العامّ الشامل للمقام. فلا وجه للتردّد واحتمال اختصاص الحكم بالأب.

وهل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة ، أم يجب الإجابة على الولي وإن كانت صغيرة؟ وجهان ، من إطلاق الأمر ؛ وانتفاء الحاجة ، وهو الأصحّ ؛ للأصل ، وعدم تبادر المقام من إطلاق النصوص. والتعليل مع ذلك غير معلوم الشمول.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٥٨.

(٢) المختلف : ٥٧٦.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٩٨.

٢٩٨

( ويكره أن تتزوّج ) المؤمنة ( الفاسق ) مطلقاً ؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ومفهوم النصوص المتقدّمة : تزويج من ارتُضي خلقه ودينه (١) ، فتأمّل.

بل ربما قيل بالمنع (٢) ؛ لظاهر ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (٣). وفيه نظر.

( وتتأكّد ) الكراهة ( في ) تزويج ( شارب الخمر ) للنصوص ، منها : « من زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها » (٤).

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

( وأن تتزوّج المؤمنة بالمخالف ) عند المصنّف ، ويحرم كما مرّ.

( ولا بأس بالمستضعف والمستضعفة ومن لا يُعرَف بعناد ) على كراهة غير مؤكّدة وبالغة حدّ تلك الكراهة.

كلّ ذلك للنصوص المتقدّمة في اعتبار الإيمان في الكفاءة (٥).

( الثانية : إذا انتسب ) الزوج ( إلى قبيلة ، فبان من غيرها فـ ) هل العقد باطل من أصله مطلقاً ، كما عن الإسكافي والطوسي في النهاية وابن حمزة (٦)؟ أم لا كذلك ، كما عن المبسوط والأكثر (٧)؟ أم الأول إذا بان أدنى‌

__________________

(١) راجع ص ٢٩٥.

(٢) كما قاله به البحراني في الحدائق ٢٤ : ٨٣.

(٣) السجدة : ١٨.

(٤) الكافي ٥ : ٣٤٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٩٨ / ١٥٩٠ ، الوسائل ٢٠ : ٧٩ أبواب مقدّمات النكاح ب ٢٩ ح ١.

(٥) راجع ص ٢٨١.

(٦) حكاه عن الإسكافي في التنقيح الرائع ٣ : ١١١ ، والمختلف : ٥٥٥ ، النهاية : ٤٨٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣١١.

(٧) المبسوط ٤ : ١٨٨ ؛ وانظر القواعد ٢ : ٧ ، والمسالك ١ : ٤٩٨.

٢٩٩

من القبيلة التي انتسب إليها بحيث لا يلائم شرفها شرفه؟ أقوال.

وما ( في رواية الحلبي ) الصحيحة ـ : في رجل يتزوّج المرأة ، فيقول لها : أنا من بني فلان ، فلا يكون كذلك من أنّه ( ينفسخ النكاح ) (١) كما حكاه المصنّف وفي نسخ التهذيب : « تفسخ » أو : « تردّ » يساعد الأول.

لكن الأصل ، والعمومات الآمرة بالوفاء ، وخصوص العمومات المستفادة من مفاهيم الأخبار الحاصرة لردّ النكاح فيما عدا المقام كالصحيح : « إنّما يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعَفَل » (٢) يساعد الثاني.

مضافاً الى الشهرة المحكيّة (٣) ، وفحوى الأخبار المتقدّمة الآمرة بالتزويج من المرضيّ خلقه ودينه (٤) ، الموجبة له ، الشاملة لما لو كان من أدنى القبائل ، فإذا وجب التزويج منه مع عدم الدخول تحت شي‌ء من العمومات الآمرة بالوفاء ، وجب معه بطريق أولى.

فلا يعارض الروايةُ شيئاً من ذلك ، مع كونها مقطوعة ، ونُسخها مختلفة ، أشهرها لا يلائم القول بإطلاق البطلان ؛ لظهوره في ثبوت الخيار ، لا البطلان المطلق كما ادّعاه هؤلاء الأخيار.

ومع ذلك ، محتملة للتقيّة ، كما يظهر من المبسوط ، حيث نسب القول بذلك إلى بعض العامّة ، ويؤيّده مصير الإسكافي إليه.

ويضعّفها رجوع من هو العمدة في المصير إليها وهو الشيخ في‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٣٢ / ١٧٢٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٣٥ أبواب العيوب والتدليس ب ١٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٢٤ / ١٦٩٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٦ / ٨٨٠ ، الوسائل ٢١ : ٢١٠ أبواب العيوب والتدليس ب ١ ح ١٠.

(٣) كما في الحدائق ٢٤ : ٨٨.

(٤) راجع ص ٢٩٥.

٣٠٠