رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

وإمّا (١) في الأمة خاصّة ، كما عن ابن حمزة ، فخصّ الإجازة بعقد العبد دون الأمة (٢) ؛ عملاً بظواهر النصوص المتقدّمة المثبتة للإجازة فيه خاصّة ، ورجوعاً في غيره (٣) إلى النهي المفيد للبطلان.

والثاني ممنوع ، والنصوص وإن اختصّ أكثرها به ، إلاّ أنّ الصحيح الأول منها ظاهره العموم لها ، إمّا لإطلاق لفظ المملوك فيه الصالح لهما ، أو لما في ذيله من تعليل الحكم بالصحّة مع الإجازة ردّاً لجمع من العامّة الحاكمين بالبطلان بالمرّة (٤) بـ : « إنّه لم يعص الله ، بل عصى سيّده » وهو آتٍ هنا.

نعم ، في الخبر : « إن كان الذي يزوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد » (٥).

وهو مع عدم وضوح سنده غير صريح في الدلالة على البطلان ولو مع الإجازة ، فيحتمل الاختصاص بصورة عدمها. ولا ينافيه الحكم بالفساد ابتداءً على الإطلاق ، ألا ترى إلى الصحيح الحاكم بفساد تزويج المكاتب بدون إذن سيّده بقوله : « ونكاحه فاسد مردود » ومع ذلك حكم بالصحّة مع الإجازة ، فقال بعد ذلك بعد أن قيل له : فإنّ سيّده علم بنكاحه ولم يقل شيئاً ، قال : « إذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقرّ » إلى آخره (٦) ،

__________________

(١) عطف على قوله : مطلقاً ، بعد قوله : حكموا بالبطلان. منه رحمه‌الله.

(٢) الوسيلة : ٣٠٣.

(٣) وهو الأمة. منه رحمه‌الله.

(٤) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٧ : ٤١٠.

(٥) الكافي ٥ : ٤٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٩ / ١٤٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٢١٦ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢١ : ١٨٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ٤٧٨ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٧٦ / ٢٧١ ، التهذيب ٨ : ٢٦٩ / ٩٧٨ ، الوسائل ٢١ : ١١٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٦ ح ٢.

٣٦١

فتأمّل.

هذا ، مضافاً إلى إجماعي الانتصار والخلاف كما مضى (١).

فإذاً القول بالتفصيل ضعيف جدّاً.

ويستفاد من الأخير كالصحيح الثاني (٢) وغيرهما (٣) الاكتفاء في الإجازة بالسكوت ، كما عن الإسكافي (٤) ، وصرّح به جماعة (٥) ، ولا بأس به ، إلاّ أنّ مراعاة الألفاظ الصريحة فيها أولى.

( ولو أذن المولى ) ابتداءً أو أخيراً ( يثبت في ذمّة مولى العبد المهر والنفقة ) على الأشهر الأظهر.

للخبر المعتبر دلالةً وسنداً ؛ لأنّ فيه من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ـ : في رجل يزوّج مملوكاً له امرأة حرّة على مائة درهم ، ثم إنّه باعه قبل أن يدخل عليها ، فقال : « يعطيها سيّده من ثمنه نصف ما فرض لها ؛ إنّما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيّده » (٦).

وعدم القول بالفرق بين النفقة والمهر ، والإذن السابق واللاحق ، والتعليل العامّ لهما يوجبان العموم ، سيّما الأخير ؛ لظهوره في أنّ الإذن صار‌

__________________

(١) في ص ٣٥٧.

(٢) المتقدّم في ص ٣٥٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٤٣ / ١٤٠٦ ، الوسائل ٢١ : ١١٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٦ ح ٣.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٥٦٩.

(٥) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٦٩ ، والسبزواري في الكفاية : ١٧٢ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢٠٥.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٨٩ / ١٣٧٥ ، التهذيب ٨ : ٢١٠ / ٧٤٥ ، الوسائل ٢١ : ٣٣٦ أبواب المهور ب ٦٠ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

٣٦٢

منشأ لتعلّق دين العبد مطلقاً بذمّة المولى ، وهو حاصل هنا.

قيل : وقريب منه آخر : عن رجل تزوّج عبده بغير إذنه ، فدخل بها ، ثم اطّلع على ذلك مولاه ، قال : « ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرّق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما ، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلاّ أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً » الخبر (١) ؛ لظهوره في تعلّق الصداق بذمّة المولى ؛ إذ لولاه لما كان لاشتراط عدم الزيادة والكثرة وجه (٢). وفيه نظر ظاهر ، فتأمّل.

وعُلِّل الحكم أيضاً بـ : أنّ الإذن في النكاح إذنٌ في توابعه ولوازمه (٣) ، كما لو أذن له في الإحرام بالحجّ ، فإنّه يكون إذناً في توابعه من الأفعال وإن لم يذكر ، وحيث كان المهر والنفقة لازمين للنكاح ، والعبد لا يملك شيئاً ، وكسبه من جملة أموال المولى ، كان الإذن فيه موجباً لالتزام ذلك ، من غير أن يتقيّد بنوع خاصّ من ماله ، كباقي ديونه فيتخيّر بين بذله من ماله ومن كسب العبد إن وفى به ، وإلاّ وجب عليه الإكمال.

خلافاً لأحد قولي الشيخ ، فعلّقه بكسب العبد (٤).

وعن العلاّمة احتمال تعلّقه برقبته (٥).

وهما ضعيفان كضعف عللهما ؛ مع أنّهما اجتهاد في مقابلة الخبر‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٨٣ / ١٣٤٩ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣١ ، الوسائل ٢١ : ١١٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ٢.

(٢) انظر الحدائق ٢٤ : ٢٠٦ ٢٠٧.

(٣) جامع المقاصد ١٣ : ٦١.

(٤) المبسوط ٤ : ١٦٧.

(٥) القواعد ٢ : ٢٧.

٣٦٣

المنجبر قصوره بالشهرة بين الأصحاب ، مع اعتباره في نفسه ؛ لما مرّ.

ويعضده الموثّق : عن رجل أذن لغلامه في امرأة حرّة فتزوّجها ، ثم إنّ العبد أبق من مواليه ، فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد ، فقال : « ليس لها على مولى العبد نفقة وقد بانت عصمتها ؛ لأنّ إباق العبد طلاق امرأته » الخبر (١).

بناءً على أنّ قوله عليه‌السلام : « وقد بانت » إلى آخره ، في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى ، المشعر بثبوتها مع عدم حصول مقتضاه ، مع إشعاره من وجه آخر ، وهو ظهوره في شيوع مطالبة الموالي بنفقة زوجات العبيد ، فتدبّر.

( ويثبت لمولى الأمة المهر ) لأنّها ومنافعها له ، ولا خلاف فيه.

( ولو ) تزوّج عبد بأمة غير مولاه و ( لم يأذنا ) أو إذنا معاً فوطئها جاهلين بالفساد وحصل ولد ( فالولد لهما ) بينهما نصفين ؛ لأنّه نماء ملكهما ، ولا مزيّة لأحدهما على الآخر ، والنسب لاحق بهما ، بخلاف باقي الحيوانات ، فإنّ النسب غير معتبر ، والنموّ والتبعيّة فيه لاحق بالأُمّ خاصّة ؛ كذا فُرِّق. وفيه خفاء.

وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب.

خلافاً للمحكيّ عن الحلبي ، فألحقه بمولى الامّ (٢) ؛ قياساً بالحيوانات. وفيه نظر ؛ لمخالفته الأصل ، وعدم دليل على الترجيح ، والقياس بمجرّده غير كاف.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨٨ / ١٣٧٢ ، التهذيب ٨ : ٢٠٧ / ٧٣١ ، الوسائل ٢١ : ١٩٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٧٣ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٩٦.

٣٦٤

( ولو أذن أحدهما كان للآخر ) الذي لم يأذن في ظاهر الأصحاب ، بل في المسالك ظاهرهم الاتّفاق عليه (١) ؛ وهو الحجّة فيه لو تمّ. دون النصّ المدّعى ؛ لعدم الوقوف عليه. ولا التعليل بأنّ الآذِن قد أقدم على فوات الولد منه فإنّ المأذون قد يتزوّج مَن ليس برقّ فينعقد الولد حرّا ، بخلاف مَن لم يأذن ، فيكون الولد له خاصّة ؛ لما في الفَرق من الإشكال فيما لو انحصر إذن الآذِن في وطء المملوكة ، فإنّه لم يضيّع الولد حينئذ.

ويشكل الحكم فيما لو اشترك أحد الزوجين بين اثنين ، فأذِنَ مولى المختصّ وأحدُ الشريكين دون الآخر ، أو تعدّد مولى كلّ منهما ، فإنّه خارج عن موضع النصّ المدّعى والفتوى ، فيحتمل كونه كذلك ، فيُخَصّ الولد بمن لم يأذن ، اتّحد أم تعدّد ؛ واشتراكه بين الجميع على الأصل حيث لا نصّ ، وهو أقوى هنا قطعاً ، بل لا بأس به فيما مضى ؛ لعدم القطع بالنصّ والإجماع.

ودعوى ظهور الوفاق مع عدم الجزم عليها غير صالحة للخروج عن مقتضى الأصل المتيقّن ، إلاّ أنّ الاحتياط لا يترك ؛ فإنّ المسألة محلّ إشكال ، ولذا تردّد بعض متأخّري الأصحاب في هذا المجال (٢).

( وولد المملوكين رقّ لمولاهما ) لما مضى.

( ولو كانا لاثنين فـ ) قد عرفت أنّ ( الولد بينهما بالسويّة ) لكن لا مطلقاً ، بل ( ما ) دام ( لم يشترط أحدهما ) الانفراد بالولد أو بأكثره ؛ إذ‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥١٢.

(٢) كصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٢٦٥ ، والسبزواري في الكفاية : ١٧٢ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢٤١.

٣٦٥

لو اشترطه صحّ ولزم ؛ لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١) مع عدم منافاته النكاح.

( وإذا كان أحد الأبوين ) الزوج أو الزوجة ( حرّا فالولد حرّ ) مطلقاً (٢) على الأشهر الأظهر ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، مع كونه من السرائر ظاهراً (٣).

للنصوص المستفيضة :

منها الصحيح : عن رجل تزوّج بأمة فجاءت بولد ، قال : « يلحق الولد بأبيه » قلت : فعبدٌ تزوّج حرّة؟ قال : « يلحق الولد بامّه » (٤).

والصحيح : في العبد تكون تحته الحرّة ، قال : « ولده أحرار ، فإن أُعتق المملوك لحق بأبيه » (٥).

والمرسل كالصحيح : عن الرجل الحرّ يتزوّج بأمة قوم ، الولد مماليك أو أحرار؟ قال : « إذا كان أحد أبويه حرّا فالولد أحرار » (٦).

والنصوص به كادت تبلغ التواتر (٧) ، ومع ذلك فسند بعضها معتبر ، والباقي بالشهرة منجبر ، والجميع معتضد بالأُصول منها : النافي لتكاليف العبيد وثبوت الحجر والعمومات الدالّة على صحّة المعاملات ووجوب‌

__________________

(١) غوالي اللئلئ ١ : ٢١٨ / ٨٤.

(٢) أي في العقد والتحليل. منه رحمه‌الله.

(٣) السرائر ٢ : ٥٩٥.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٩١ / ١٣٨٢ ، الوسائل ٢١ : ١٢١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٥ : ٤٩٣ / ٦ ، الوسائل ٢١ : ١٢١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ٣.

(٦) الكافي ٥ : ٤٩٣ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٣٦ / ١٣٧٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٣ / ٧٣٣ ، الوسائل ٢١ : ١٢٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ٥.

(٧) انظر الوسائل ٢١ : ١٢١ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠.

٣٦٦

الوفاء بها ، والدالّة على جواز العقد على أربع حرائر وأنّه نماء الحرّ في الجملة (١) ، وحقّ الحريّة مقدّم ؛ لأنّها أقوى ، ولذا بُني العتق على التغليب والسراية.

ومقتضى إطلاق المرسل كالصحيح وغيره مع عموم الأُصول عدم الفرق بين ولد المعقودة والمحلَّلة ، مضافاً إلى خصوص المعتبرة في الثاني (٢) ، وسيأتي الكلام فيه في باب التحليل.

خلافاً للمحكيّ عن الإسكافي فيما إذا كان الزوج خاصّة حرّا أو مطلقاً (٣) ، على اختلاف الحكايتين.

للمستفيضة الأُخر ، منها الخبران :

في أحدهما : « لو أنّ رجلاً دبّر جارية ، ثم يزوّجها من رجل ، فوطئها ، كانت جاريته وولده منه مدبّرين ، كما لو أنّ رجلاً أتى قوماً فتزوّج إليهم مملوكتهم كان ما أولد لهم مماليك » (٤).

وفي الثاني : أمة كان مولاها يقع عليها ، ثم بدا له فزوّجها ، ما منزلة ولدها؟ قال : « منزلتها ، إلاّ أن يشترط زوجها » (٥).

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٥١٧ أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب ١.

(٢) انظر الوسائل ٢١ : ١٣٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٧.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٥٦٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٣٦ / ١٣٧٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٣ / ٧٣٥ ، الوسائل ٢١ : ١٢٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ١٠ ؛ بتفاوت.

(٥) التهذيب ٨ : ٢١٤ / ٧٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٣ / ٧٣٦ ، الوسائل ٢١ : ١٢٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ١٢.

٣٦٧

وهما قاصران سنداً ، فلا يعارضان ما مرّ جدّاً.

نعم ، في الصحيحين (١) ما يوافقهما ، إلاّ أنّهما كالأول ليسا نصّين في حريّة الزوج ، وإنّما غايتهما الإطلاق ، فليُحمَل على العبد وإن بَعُدَ جمعاً ، والأولى حملهما على التقيّة كما فعله جماعة (٢) ، فقد صرّح الشيخ في الاستبصار بأنّ ذلك مذهب بعض العامّة (٣) ، ويؤيّده مصير الإسكافي إليه ، مع انفراده به كما تقدّم غير مرّة.

وبالجملة : كثرة النصوص الأُوَل واعتضادها بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدّمة والأُصول المقرّرة توجب المصير إلى حذف الروايتين ، أو تأويلهما وإن صحّ سندهما إلى ما يؤول إليها.

ولا ينبغي أن يستراب في المسألة بمجرّدهما كما وقع لبعض أصحابنا (٤) بل الأجود الحكم صريحاً بلحوق الولد بالحرّ من الأبوين ( إلاّ أن يشترط المولى ) على الحرّ ( رقّيّته ) فيجوز ويصير رقّاً ( على ) قول مشهور بين الأصحاب ، ضعيف المأخذ ؛ لأنّه رواية (٥) متزلزلة بحسب السند ، فتارة مسندة وأُخرى مقطوعة مرويّة ، ومع ذلك ففيه أبو سعيد‌

__________________

(١) الأول في : التهذيب ٨ : ٢١٢ / ٧٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٤ / ٧٣٧ ، الوسائل ١ : ١٢٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ١١. الثاني في : الفقيه ٣ : ٦٨ / ٢٣١ ، التهذيب ٨ : ٢٢٥ / ٨٠٩ ، الوسائل ٢١ : ١٢٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ١٣.

(٢) منهم صاحب الحدائق ٢٤ : ٢١٢.

(٣) الاستبصار ٣ : ٢٠٣.

(٤) كالسبزواري في الكفاية : ١٧٢ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢١٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٣٦ / ١٣٧٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٣ / ٧٣٥ ، الوسائل ٢١ : ١٢٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ١٠.

٣٦٨

المكاري ، وهو ضعيف البتّة ، ومع ذلك فليس فيها دلالة ؛ إذ غايتها الدلالة على أنّ ولد الحرّ مملوك لمولى المملوكة من دون تصريح فيها بالشرط ولا إشارة ، وإنّما حملوها على ما إذا شرط المولى الرقّية ؛ مضافاً إلى ما مرّ فيها من المناقشة (١).

ومثل هذه الرواية لا تصلح مؤسِّسة لهذا الحكم المخالف للأصل ؛ فإنّ الولد إذا كان مع الإطلاق ينعقد حرّا فلا تأثير في رقّيّته للشرط ؛ لأنّه ليس ملكاً لأبيه حتى يؤثّر شرطه فيه ، كما لا يصحّ اشتراط رقّيّة مَن وُلِدَ حرّا ، سيّما مع ورود الأخبار الكثيرة المتقدّمة (٢) الحاكمة بحريّة مَن أحد أبويه حرّ ، من دون استفصال عن وقوع اشتراط الرقّية أم لا بالمرّة ؛ مع ورودها في مقام جواب السؤال ، وذلك كما قُرِّر في الأُصول يقتضي العموم في المقال.

مع أنّ في بعضها : « ليس يسترقّ الولد إذا كان أحد أبويه حرّا » الخبر (٣) ، وليس في سنده سوى الحكم بن مسكين ، وقد روى عنه ابن أبي نصر ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

ولعلّه لذا ( تردّد ) المصنّف في الشرائع كاللمعة ظاهراً (٤) ، وهنا صريحاً.

ثم على تقدير اشتراط رقّيّته في العقد أو التحليل ، وقلنا بعدم صحّة الشرط ، هل يحكم بفساد العقد لعدم وقوع التراضي بدون الشرط الفاسد ،

__________________

(١) من عدم الدلالة على حرّية الزوج. منه رحمه‌الله.

(٢) في ص ٣٦٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٢ / ٤ ، الوسائل ٢١ : ١٢٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٠ ح ٨.

(٤) الشرائع ٢ : ٣٠٩ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ٣١٣.

٣٦٩

كما في غيره من العقود المشتملة على الشروط الفاسدة أم يصحّ ويبطل الشرط خاصّة؟

يُحتمَل الأول ؛ لأنّ العقد يتبع القصد ، ولم يحصل إلاّ بالشرط ، ولم يحصل.

والثاني ؛ لأنّ عقد النكاح كثيراً ما يصحّ بدون الشرط الفاسد وإن لم يصحّ غيره من العقود.

وفي الأول قوّة ، وصحّته في بعض الموارد لدليلٍ خارج لا يقتضي عمومها في جميع الموارد.

وأولى بعدم الصحّة لو كان تحليلاً ؛ لتردّده بين العقد والإذن كما سيأتي ، ولا يلزم من ثبوت الحكم في العقد ثبوته في الإذن المجرّد ، بل يبقى على الأصل.

وعلى هذا ، لو دخل مع فساد الشرط ، وحكمنا بفساد العقد ، كان زانياً مع علمه بالفساد ، وانعقد الولد رقّاً كنظائره. نعم ، لو جهل الفساد كان حرّا ؛ للشبهة.

وإن قلنا بصحّة الشرط لزم العقد به ولم يسقط بالإسقاط بعد العقد ؛ لأنّ ذلك (١) مقتضى الوفاء به (٢) ، مع احتماله (٣) ؛ تغليباً للحرّية ، وكما لو أسقط حقّ التحجير ونحوه ، ولا يخلو عن قوّة.

( ولو تزوّج الحرّ أمة من غير إذن مالكها ، فإن وطئها قبل الإجازة عالماً ) بالحرمة ولا شبهة ( فهو زانٍ ) بالضرورة ؛ وعليه دلّت المعتبرة : عن‌

__________________

(١) أي عدم السقوط. منه رحمه‌الله.

(٢) أي الشرط. منه رحمه‌الله.

(٣) أي السقوط. منه رحمه‌الله.

٣٧٠

الأمة تتزوّج بغير إذن مواليها؟ قال : « يحرم ذلك عليها ، وهو زناء » (١) فتأمّل.

( والولد رقّ للمولى ) مطلقاً ، جهلت الأمة أم لا ؛ لأنّه نماء ملكه فيتبعه.

وللصحيح : في رجل أقرّ على نفسه أنّه غصب جارية ، فولدت الجارية من الغاصب ، قال : « تُرَدّ الجارية والولد على المغصوب إذا أقرّ بذلك الغاصب أو كانت عليه بيّنة » (٢).

مضافاً إلى فحوى النصوص الدالّة عليه في صورة جهله بأنّها أمة الغير ، كما يأتي.

( وعليه الحدّ ) بموجب الزناء ، كما أنّ عليها ذلك لو علمت بالحرمة من دون شبهة.

( و ) كذا عليه ( المهر ) اتّفاقاً في الظاهر إن كانت جاهلة بالحكم أو موضوعه ، وعلى إطلاق العبارة وظاهر جماعة مطلقاً ولو كانت عالمة (٣) ؛ لأنّه عوض البضع ، ولا مدخل للعلم والجهل.

وربما استُدِلّ (٤) عليه بفحوى الصحيح : قلت : أرأيت إن أحلّ له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فاقتضّها؟ قال : « لا ينبغي له ذلك » قلت : فإن فعل أيكون زانياً؟ قال : « لا ، ويكون خائناً ، ويغرم لصاحبها عُشْر قيمتها إن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٩ / ٢ ، الوسائل ٢١ : ١٢٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٧ : ٤٨٢ / ١٩٣٦ ، الوسائل ٢١ : ١٧٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦١ ح ١.

(٣) انظر المسالك ١ : ٥٠٩ ، نهاية المرام ١ : ٢٦٩.

(٤) نهاية المرام ١ : ٢٦٩.

٣٧١

كانت بكراً ، وإن لم تكن فنصف عُشْر قيمتها » (١).

فإنّ ثبوت العوض هنا يقتضي ثبوته في الزناء المحض بطريق أولى ، وهو حسن لو كان نصّاً في زناء الأمة ، وليس فيه على ذلك دلالة. وفيه نظر.

والأجود الاستدلال عليه بفحوى الصحيح الآخر الآتي (٢) في الأمة المدلّسة نفسه بدعوى الحرّية ، لتصريحه بـ : أنّ عليه لمواليها العُشْر ونصف العُشْر.

ولكن الأولويّة لا تقتضي أزيد من ثبوت نصف العُشْر مع الثيبوبة والعُشْر مع البكارة ، وهو غير ثبوت مهر المثل أو المسمّى ، فليس فيهما دلالة عليهما ، كالتعليل السابق ؛ لعدم الدليل على الكلّية (٣) فيه ، مع ما على العدم من أصالة البراءة القطعيّة ، ولذا اختاره جماعة (٤).

وربما علّله بعضهم بأنّها حينئذٍ بغيّ ، ولا مهر لبغيّ (٥) ؛ وظاهر لفظ المهر كاللام المفيدة للملكيّة أو الاختصاص أو الاستحقاق المنفيّ جميع ذلك عن الأمة قرينة واضحة على اختصاص النصّ المتضمّن لذلك (٦) بالحرّة.

والأجود القول بمضمون الصحيحين والحكم بالعُشْر مع البكارة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٦٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٨٩ / ١٣٧٧ ، التهذيب ٧ : ٢٤٤ / ١٠٦٤ ، الوسائل ٢١ : ١٣٢ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٣٥ ح ١.

(٢) في ص ٣٧٣.

(٣) أي كلّ عوض بضع لا بُدّ له من مهر. منه رحمه‌الله.

(٤) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٣١٠ وفخر المحققين في الإيضاح ٣ : ١٤١ ؛ والسيوري في التنقيح ٣ : ١٤٠.

(٥) انظر جامع المقاصد ١٣ : ٧٥ ونهاية المرام ١ : ٢٦٩.

(٦) أي لـ : « أنّه لا مهر لبغيّ » سنن البيهقي ٦ : ٦. منه رحمه‌الله.

٣٧٢

ونصفه مع عدمها ، لا مهر المثل أو المسمّى ، تبعاً للمحكيّ عن بن حمزة (١) ؛ لصحّتهما ، وعدم تعقّل الفرق بين المقام وموردهما ؛ مع ما فيه من استلزام الثبوت فيه الثبوت هنا بطريق أولى.

( ويسقط الحدّ ) عنه ( لو كان جاهلاً ) بالحكم أو الموضوع ؛ للشبهة الدارئة. ولا تُحَدّ الأمة لو كانت كذلك ؛ لذلك.

( دون المهر ) فيثبت مع جهلها اتّفاقاً في الظاهر ، وبه صرّح بعضهم (٢).

وهل هو المسمّى ، أو المثل ، أو العُشْر ونصف العُشْر؟ أقوال.

والأول ضعيف جدّاً ، والثاني قويّ لولا النصوص المثبتة للثالث وإن اختصّت بمدّعية الحرّية والجارية المحلَّلة ؛ لعدم تعقّل الفرق بالضرورة.

وكذا يثبت المهر مع علمها في المشهور ظاهراً ؛ وربما قيل بالعدم هنا (٣) كما تقدّم ، والكلام كما سبق.

( ويلحقه الولد ) إجماعاً في الظاهر ؛ عملاً بإطلاق النصوص الماضية (٤) بلحوق الولد الحرّ من الأبوين ، مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة ثمة (٥) ، والنصوص الآتية (٦) الحاكمة بحرّية الولد في تزويج الحرّ الأمة المدّعية للحرّية إن قلنا بها ، ويشكل إن لم نقل بها ؛ للنصوص الأُخر (٧) ، مع‌

__________________

(١) الوسيلة : ٣٠٣.

(٢) كالسبزواري في الكفاية : ١٧٢.

(٣) الشرائع ٢ : ٣١٠.

(٤) في ص ٣٦٤.

(٥) في ص ٣٦٥.

(٦) في ص ٣٧٥.

(٧) الآتية في ص ٣٧٤.

٣٧٣

عدم تعقّل الفرق ، فتأمّل.

( و ) لكن ( عليه قيمته يوم سقط حيّاً ) للمولى ؛ لأنّه نماء ملكه ، وللنصّ الآتي (١) في المسألة الآتية.

هذا كلّه مع عدم إجازة المولى العقد ، أو معها وقلنا بأنّها مصحّحة للعقد من حينها.

أمّا لو قلنا بأنّها كاشفة عن الصحّة من حين العقد كما هو الأصحّ الأشهر فيلحق به الولد مطلقاً ويسقط عنه الحدّ وإن كان قد وطئ محرّماً في صورة العلم فيلزم التعزير ويلزمه المهر المسمّى.

( وكذا ) يسقط عنه الحدّ ، ولزمه المهر ، ولحق به الولد مع قيمته يوم سقط حيّاً ، ( لو ادّعت الحرّية فتزوّجها على ذلك ) مع جهله بالحال ؛ إمّا لدعواها الحرّية الأصلية بانياً على الظاهر ، أو لحصول المظنّة بصدقها وتوهّم جواز التعويل على مجرّدها مع علمه بكونها مملوكة فيما مضى.

ولا ريب في سقوط الحدّ عنه وكذا عنها إن كانت جاهلة ؛ للشبهة الدارئة.

وأمّا لزوم المهر فهو ظاهر إطلاق الأصحاب ، بل ادّعى بعضهم إجماع المسلمين (٢) ، وصرّح بالإجماع ابن المفلح الصيمري ، ولم يفرّقوا بين كونها عالمة أو جاهلة.

واختلفوا في تقديره على أقوال :

أحدها : المسمّى ، كما عن الأكثر (٣) ، وهو ظاهر المتن.

__________________

(١) في ص ٣٧٧.

(٢) الإيضاح ٣ : ١٤٢.

(٣) المسالك ١ : ٥١٠ ، الكفاية : ١٧٢.

٣٧٤

وثانيها : المثل ، كما عن المبسوط (١) ، وهو الأقوى لولا النصّ بالعُشْر ونصف العُشْر.

وثالثها : القول بمضمونه ، وهو مختار جماعة (٢) ، وفاقاً للمقنع والنهاية والقاضي وابن حمزة (٣).

ففي الصحيح : في رجل تزوّج امرأة فوجدها أمة دلّست نفسها ، قال : « إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد » قلت : كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال : « إن وجد ممّا أعطاها شيئاً فليأخذه ، وإن لم يجد شيئاً فلا شي‌ء له عليها ، وإن كان زوّجها إيّاه وليّ لها ارتجع على وليّها بما أخذته منه ، ولمواليها عُشْر قيمتها إن كانت بكراً ، وإن كانت غير بكر فنصف عُشْر قيمتها ، بما استحلّ من فرجها » قلت : فإن جاءت منه بولد؟ قال : « أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الوليّ » (٤) ونحوه الصحيح السابق (٥) ، إلاّ أنّه في الجارية المحلَّلة.

وهو الأجود ؛ لصحّة الرواية ، وخلوّها عن المعارض ، وإليها أشار بقوله :

( وفي رواية : يلزمه بالوطء عُشْر القيمة إن كانت بكراً ، ونصف

__________________

(١) حكاه عنه في الإيضاح ٣ : ١٤٢.

(٢) منهم الشهيد في المسالك ١ : ٥١٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٧٢ ، وصاحب الحدائق ٢٤ : ٢٢٢.

(٣) المقنع : ١٠٤ ، النهاية : ٤٧٧ ، القاضي في المهذب ٢ : ٢١٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٩ / ١٤٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٢١٦ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢١ : ١٨٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ١ ؛ بتفاوت.

(٥) راجع ص ٣٦٩.

٣٧٥

العُشْر إن كانت ثيّباً ).

وحملها على ما إذا طابق أحد الأمرين (١) المثل بعيد جدّاً ، لا داعي إليه قطعاً سوى القاعدة ، والرواية بالإضافة إليها خاصّة ، ينبغي العمل عليها وتخصيصها بها البتّة.

وظاهر التشبيه في العبارة : حرّية الولد تبعاً لأبيه كما في المسألة السابقة ، لكنّه في الشرائع وافق الصدوق في المقنع والشيخ في النهاية (٢) وجماعة (٣) ، بل حُكي عليه الشهرة (٤) فحكم برقّيّة الولد (٥) ؛ للمعتبرة المستفيضة :

منها الصحيح : في رجل ظنّ أهله أنّه قد مات أو قُتِل ، فنكحت امرأته وتزوّجت سريّته ، فولدت كلّ واحدة منهما من زوجها ، ثم جاء الزوج الأول وجاء مولى السريّة ، فقضى في ذلك أن يأخذ الأول امرأته فهو أحقّ بها ، ويأخذ السيّد سريّته وولدها ، إلاّ أن يأخذ رضاءً من الثمن ثمن الولد (٦).

ومنها الموثّق : « قضى عليّ عليه‌السلام في امرأة أتت قوماً فخبّرتهم أنّها حرّة ، فتزوّجها أحدهم وأصدقها صداق الحرّة ، ثم جاء سيّدها ، فقال : تردّ إليه ، وولدها عبيد » (٧).

__________________

(١) أي العشر ونصف العشر. منه رحمه‌الله.

(٢) المقنع : ١٠٤ ، النهاية : ٤٧٧.

(٣) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٨ ؛ والسبزواري في الكفاية : ١٧٢.

(٤) الحدائق ٢٤ : ٢٢٤.

(٥) الشرائع ٢ : ٣١٠.

(٦) التهذيب ٧ : ٣٥٠ / ١٤٣٠ ، الإستبصار ٣ : ٢١٨ / ٧٩١ ، الوسائل ٢١ : ١٨٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ٦ ، بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٧ : ٣٤٩ / ١٤٢٥ ، الإستبصار ٣ : ٢١٦ / ٧٨٦ ، الوسائل ٢١ : ١٨٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ٤.

٣٧٦

ونحوه الموثّق : « قضى عليّ عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ، فاشتراها رجل ، فولدت منه غلاماً ، ثم قدم سيّدها الأول ، فخاصم سيدها الآخر فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها » الحديث (١) ، وغير ذلك ممّا سيأتي.

لكنّها معارضة بما مضى من الأُصول وإطلاق بعض النصوص في تبعيّة الولد للحرّ من الأبوين أباً كان أو امّاً ، وخصوص الصحيح المتقدّم في تقدير المهر بالعُشر ونصف العُشر ، والمعتبرين :

أحدهما الموثّق : عن مملوكة قوم أتت غير قبيلتها ، فأخبرتهم أنّها حرّة ، فتزوّجها رجل منهم ، فولدت له ، قال : « ولده مملوكون ، إلاّ أن يقيم لهم البيّنة أنّها شهد لها شاهدان أنّها حرة ، فلا يملك ولده ويكونون أحراراً » (٢).

ونحوه الثاني المرويّ حسناً (٣) تارةً وضعيفاً (٤) اخرى.

وفيهما كما ترى تصريح بالحرّية مع قيام البيّنة عليها حين المناكحة ، وهما وإن دلاّ على الرقّية مع عدمها لكنّهما ليسا نصّين في تحقّق الشبهة حينئذ ، فيحتملان كباقي الروايات المتقدّمة الحمل على صورة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١١ / ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ / ٦١٥ ، التهذيب ٧ : ٤٨٨ / ١٩٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٥ / ٧٣٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ١ ؛ بتفاوت.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٤٩ / ١٤٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٢١٧ / ٧٨٨ ، الوسائل ٢١ : ١٨٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٥٠ / ١٤٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٢١٧ / ٧٨٩ ، الوسائل ٢١ : ١٨٧ أبواب نكاح البعيد والإماء ب ٦٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٥ / ٣ ، الوسائل ٢١ : ١٨٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ٣.

٣٧٧

عدمها.

ومنه يظهر فساد الاستدلال بهما للقول الأول ، فلا بأس بالمصير إلى الحرّية وفاقاً لجماعة (١) ، منهم ظاهر الماتن هنا. إلاّ أنّ المسألة بعد لا تخلو عن ريبة ، لكن الذي يقتضيه الجمع بين الروايات هو حرّية الولد مع قيام البيّنة على حرّية الأمة وصحّة دعواها ، ورقّيته مع عدمها ، وبذلك صرّح الشيخ في النهاية وابن البرّاج وابن حمزة (٢) ، وبه صرّحت الروايتان الأخيرتان ، ويجمع بهما بين إطلاق كلّ من الروايات الحاكمة بالحرّية والرقّية على الإطلاق.

ومرجع هذا القول إلى رقّية الولد لو تزوّج بمجرّد دعواها كما هو فرض المسألة ، ولذا نسب إلى الشيخ والجماعة القول به على الإطلاق (٣) بناءً على فرض المسألة ؛ إذ التزويج بدعواها مع البيّنة على صدقها خارج عن فرض المسألة.

( و ) كيف كان ، فلا خلاف في الظاهر بل عليه الوفاق في المسالك (٤) ، والإجماع في شرح ابن المفلح أنّه ( لو أولدها ) أولاداً وجب عليه ( فكّهم بالقيمة ) يوم سقوطهم حيّاً ، ووجب على مولى الجارية قبول القيمة ودفع الولد بها.

للصحيح : في رجل تزوّج جارية رجل على أنّها حرّة ، ثم جاء رجل‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١٠ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٢٧٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٦١.

(٢) النهاية : ٤٧٧ ، ابن البراج في المهذب ٢ : ٢١٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٣.

(٣) نسبه إليهم في المسالك ١ : ٥١٠.

(٤) المسالك ١ : ٥١٠.

٣٧٨

فأقام البيّنة على أنّها جاريته ، قال : « يأخذها ويأخذ قيمة ولدها » (١).

وفي الصحيح السابق (٢) دلالة بجواز الفكّ بالقيمة ، ونحوه الموثّق الآتي.

ولا تظهر ثمرة الخلاف في ذلك ، بل فيما لو لم يدفع القيمة لفقر وغيره ، فعلى القول بالحرّية تبقى ديناً في ذمّته والولد حرّ ، وعلى القول الآخر تتوقّف الحرّية على دفع القيمة.

( ولو عجز ) عن القيمة ( استسعى في قيمتهم ) وجوباً ، بلا خلاف بين القائلين بالرقّية كما قيل (٣) ، وكذا عند بعض ما قال بالحرّية.

لموثّقة سماعة : عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنّها حرّة ، فتزوّجها رجل منهم وأولدها ولداً ، ثم إنّ مولاها أتاهم فأقام البيّنة أنّها مملوكة ، وأقرّت الجارية بذلك ، فقال : « تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه » قلت : فإن لم يكن لأبيه مال يأخذ ابنه؟ قال : « يستسعى أبوه في ثمنه حتى يوفيه ويأخذ ولده » قلت : فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟ قال « فعلى الإمام أن يفتديه ولا يُملك ولدٌ حرّ » (٤).

والعمل بها متّجه على القول بالرقّية ، ومشكل على القول الآخر ؛

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٤٦ ، الوسائل ٢١ : ١٨٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ٨.

(٢) المتقدم في ص ٣٧٦.

(٣) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٦١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٥٠ / ١٤٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٢١٧ / ٧٩٠ ، الوسائل ٢١ : ١٨٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.

٣٧٩

لتضمّنها ما لا يوافقه ، بل وعلى الأول أيضاً ؛ لمعارضتها لإطلاق الآية ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) مع أصالة براءة الذمّة. إلاّ أنّ التقييد متّجه على القول الأول ؛ لاعتبار سند الرواية بالموثّقيّة وعمل جماعة (٢) ، مضافاً إلى الشهرة المحكيّة. والحمل على الاستحباب بعيد ، غير مطابق للأُصول المرعيّة.

( و ) يستفاد منها فيما ( لو أبى ) الأب عن الاستسعاء ما ( قيل ) من أنّه ( يفتديهم الإمام ) كما عن النهاية وابن حمزة (٣).

( و ) أجاب عنها المصنّف تبعاً لجماعة (٤) بأنّه ( في المستند ضعف ) بسماعة.

وليس كذلك ، بل هو موثّق على المشهور ، وقيل : ثقة (٥) ، فالعمل بها متّجه ؛ مع أنّ ضعفها كما يمنع من العمل بها هنا ، كذا يمنع من العمل بها في وجوب الاستسعاء ؛ إذ لا دليل عليه سواها لا من إجماع ولا سنّة غيرها ، فالحكم هناك قطعاً والتردّد هنا مع اتّحاد المستند لا وجه له جدّاً.

وليس فيها الدلالة على ما يفكّ به الإمام هل هو من سهام الرقاب؟ كما عن الشيخ وابن حمزة (٦) ، أو من بيت المال؟ كما اختاره العلاّمة (٧) ،

__________________

(١) البقرة : ٢٨٠.

(٢) منهم الشيخ في النهاية : ٤٧٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢١٦ ، وابن برّاج في الوسيلة : ٣٠٣ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٢٨.

(٣) النهاية : ٤٧٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٣.

(٤) منهم الشهيد في المسالك ١ : ٥١١ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ٢٧٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٦١.

(٥) رجال النجاشي : ١٩٣.

(٦) الشيخ في النهاية : ٤٧٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٣.

(٧) المختلف : ٥٦٦.

٣٨٠