رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

القديمَين (١) ، وجمع من الأصحاب (٢) ، لا لها ؛ للضعف بالإرسال وغيره.

بل لعدم دليل على المنع يشمل المقام ؛ لفقد الإجماع مع الخلاف ، وانصراف المطلق من أدلّته إلى غيره ، بناءً على عدم تبادره ، فالأصل : الإباحة ، مضافاً إلى إشعار تعليله الوارد في الأخبار من خوف الوقوع في الفتنة (٣) ، وأنّه سهم من سهام إبليس (٤) بعدم العموم لمثله.

وللموثّق المتقدّم وإن اختصّ بالمحاسن.

وإلحاق الشعر بها إمّا بناءً على عموم المحاسن ؛ لتفسيرها بمواضع الزينة ، أو ما خلا العورة ، أو الشعر منها بالبديهة. وأمّا بعدم القائل بالفرق.

مضافاً إلى الصحيح فيه (٥) المرويّ في الفقيه (٦) ، مع تأيّدهما بالضعيفين (٧) ، وإطلاق الحسن المتقدّم والموثّق بعده (٨) ، مع عموم التعليل المنصوص المبيح للنظر في الموضعين ، واعتضادهما بخصوص ما دلّ على الوجه والكفين (٩) ؛ بناءً على ندرة تحقّقهما ولا سيّما الأول بدون المحاسن والشعر ، ولزوم الاقتصار عليهما طرح البحث كالأخبار من أصله ، إلاّ في صورة نادرة لا يمكن حمل الإطلاق عليها. إلاّ أنّ مراعاة‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) منهم الحلبي في الكافي : ٢٩٦ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٢ ، الشهيد في الروضة ٥ : ٩٧.

(٣) الكافي ٥ : ٥٢١ / ٥ ، الوسائل ٢٠ : ١٩٢ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٣٥ / ١٧٣٦ ، الوسائل ٢٠ : ٨٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٣٦ ح ٩.

(٥) أي الشعر. منه رحمه‌الله.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٦٠ / ١٢٣٩ ، الوسائل ٢٠ : ٨٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٣٦ ح ٧.

(٧) أي المرسلة والضعيفة المتقدمتين أعلاه.

(٨) راجع ص ٣٨ ٣٩.

(٩) الوسائل ٢٠ : ٢٠٠ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٩.

٤١

المشهور والاحتياط أولى.

( وكذا ) يجوز النظر ( إلى ) وجه ( أمة يريد شراءها ) وكفّيها ، اتّفاقاً كما حكاه جماعة (١).

للمستفيضة المنجبر ضعفها بالشهرة ، منها : عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها ، قال : « لا بأس أن ينظر إلى محاسنها ويمسّها ، ما لم ينظر إلى ما ينبغي النظر إليه » (٢).

وفيه الدلالة على جوازه في الشعر والمحاسن ، بل ما عدا العورة كما عن التذكرة (٣) ؛ له ، وللحاجة ، وتضمّن التعريض للبيع الإذن فيه.

وفيه نظر ؛ لضعف الخبر ، وعدم جابر له في محلّ البحث ، مع طروّ الإجمال له بالاستثناء ؛ بناءً على إجمال المستثنى ، واحتماله ما عدا الوجه والكفّين ، وعدم تعيّنه للعورة ، فتأمّل.

وتندفع الحاجة بالردّ بالعيب أو بالخيار.

والإذن في ضمن التعريض غير معلوم ، ولا كلام معه.

ولعلّه لذا اقتصر المفيد على الوجه والشعر (٤) ، والشيخ ظاهراً عليهما وعلى اليدين (٥) ، وهو المحكيّ عن ظاهر التحرير (٦).

نعم ، في المسالك دعوى الوفاق في الشعر والمحاسن (٧) ؛ وهو‌

__________________

(١) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٨ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٣٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٥ / ٣٢١ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٣ أبواب بيع الحيوان ب ٢٠ ح ١.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٤) المقنعة : ٥٢٠.

(٥) راجع النهاية : ٤٨٤ ، المبسوط ٢ : ١٢٩.

(٦) التحرير ٢ : ٣.

(٧) المسالك ١ : ٤٣٥.

٤٢

الحجّة فيهما ، مع ما مرّ من جواز النظر إليهما في الزوجة (١) ، فهنا بطريق أولى.

والاقتصار عليهما مع الوجه والكفّين أولى ، وإن كان ما في التذكرة من إباحة النظر إلى ما عدا العورة ليس بذلك البعيد ، لا لما مرّ ؛ بل للأصل ، مع انتفاء المُخرِج عنه ؛ لفقد الإجماع ، وانصراف إطلاق أخبار المنع (٢) إلى ما عداهن ، أو إليهنّ في غير محلّ البحث.

بل المستفاد من بعض الأخبار : الجواز مطلقاً (٣) مع الكراهة :

منها : « لا أُحبّ للرجل أن يقلب جارية إلاّ جارية يريد شراءها » (٤).

وفي آخر : إنّي اعترضت جواريَ المدينة ، فأمذيت ، فقال : « أمّا لمن تريد الشراء فلا بأس ، وأمّا لمن لا تريد أن تشتري فإنّي أكرهه » (٥).

ويؤيّد ما اختاره (٦) في المقام : الخبر المرويّ في قرب الإسناد : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها » (٧).

( و ) كذا يجوز النظر ( إلى أهل الذمّة ) وشعورهنّ ، على الأشهر الأظهر ؛ للأصل ، مع فقد الصارف عنه من إجماع وغيره.

__________________

(١) في ص ٤٠.

(٢) المتقدمة في ص ٤١.

(٣) حتى في صورة عدم الشراء. منه رحمه‌الله.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٤ أبواب بيع الحيوان ب ٢٠ ح ٣ وفيه بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٢٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٣ أبواب بيع الحيوان ب ٢٠ ح ٢.

(٦) أي التذكرة. منه رحمه‌الله.

(٧) قرب الإسناد : ١٠٣ / ٣٤٤ ، الوسائل ١٨ : ٢٧٤ أبواب بيع الحيوان ب ٢٠ ح ٤.

٤٣

وخصوص الخبر ، بل الصحيح أو القويّ : « لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ » (١).

ومثله الآخر : « لا بأس بالنظر إلى أهل تِهَامة (٢) والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمّة والعُلُوج (٣) ؛ لأنّهنّ لا ينتهين إذا نُهين » (٤) وضعفه كالأول لو كان منجبرٌ بالأصل والشهرة.

خلافاً للحلّي والمختلف (٥) ؛ لإطلاق الآية ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (٦).

قلت : بل هي مجملة ، وعلى تقدير الإطلاق فهو مقيّد بما تقدّم ، والحسن المتضمّن ( لأنّهنّ ) مماليك الإمام (٧) ، فَيَكنّ ( بمنزلة الإماء ) اللاتي يجوز النظر إليهنّ وإلى شعورهنّ مطلقاً في المشهور كما حكي (٨) ؛ للروايات المتقدّمة. وضعفها بالشهرة المحكيّة مع أصالة الإباحة منجبر.

ولا يخفى عليك منافاة هذا التعليل المقتضي لجواز النظر إليهنّ على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٢٤ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٠٥ أبواب مقدمات النكاح ب ١١٢ ح ١.

(٢) تِهَامة : اسم لكلّ ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز. قيل : هي مشتقة من : تَهمَ الحرُّ ، اشتدّ مع ركود الريح لشدة حرّها. وفي المجمع : هي مشتقة من التهَم وهي الحرّ وسكون الريح ؛ وهي أرض أولها ذات عِرْق من قِبَل نجد إلى مكّة وما وراها بمرحلتين أو أكثر ، وتأخذ إلى البحر مجمع البحرين ٦ : ٢٤.

(٣) العِلج : الرجل من كفّار العجم ، والأُنثى عِلْجة لسان العرب ٢ : ٣٢٦.

(٤) الكافي ٥ : ٥٢٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٠٠ / ١٤٣٨ ، علل الشرائع : ٥٦٥ / ١ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢٠ : ٢٠٦ أبواب مقدمات النكاح ب ١١٣ ح ١.

(٥) الحلي في السرائر ٢ : ٦١٠ ، المختلف : ٥٣٤.

(٦) النور : ٣٠.

(٧) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٤٤٩ / ١٧٩٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٤٥ أبواب ما يحرم بالكفر ب ٨ ح ١.

(٨) حكاه السبزواري في الكفاية : ١٥٣.

٤٤

العموم تقييدَه سابقاً بإرادة الشراء ، ولا بُدّ في دفعها من تكلّف.

وكيف كان ، فالأقوى الجواز مطلقاً ( ما لم يكن لتلذّذ ) ولا ريبة ، ومعهما فلا ؛ حسماً لمادّة الفساد ، وحذراً من وقوع النفس في التهلكة.

( و ) يجوز أن ( ينظر ) الرجل والسيّد ( إلى جسد زوجته ) مطلقاً ، وأمته الغير المزوّجة من الغير مطلقاً كالعكس ( باطناً وظاهراً ) إجماعاً ؛ للأصل ، وفحوى جواز الجماع ، وما تقدّم من الأخبار النافية للبأس عن النظر إلى سَوءة الزوجة (١).

والمرسل كالصحيح : في الرجل ينظر إلى امرأته وهي عريانة ، قال : « لا بأس بذلك ، وهل اللذّة إلاّ ذاك » (٢).

( وإلى محارمه ) وهنّ هنا : اللاتي يحرم نكاحهنّ مؤبّداً ، بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، فيما قطع به الأصحاب ( ما خلا العورة ) التي هنا هي الدبر والقبل.

والحكم بذلك مع عدم التلذّذ والريبة مشهور بين الأصحاب ، بل قيل : مقطوع به بينهم (٣) ، مشعراً بدعوى الوفاق ، بل صرّح به بعض الأصحاب (٤).

والمستند فيه بعده الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ، والآية الكريمة ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) الآية (٥) ، والزينة تعمّ الظاهرة‌

__________________

(١) راجع ص ٣٧.

(٢) الكافي ٥ : ٤٩٧ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٤١٣ / ١٦٥٢ ، الوسائل ٢٠ : ١٢٠ أبواب مقدمات النكاح ب ٥٩ ح ١.

(٣) نهاية المرام ١ : ٥٥.

(٤) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٩.

(٥) النور : ٣١.

٤٥

والباطنة ، ومنها : الذراعان ومستور الخمار كما في الصحيح (١).

وفي صحيحة منصور دلالة على جواز تغسيل المحارم ، كالزوجة دائمة كانت أو منقطعة مجرّدات ، إلاّ أن يلقي على عورتهنّ خرقة (٢).

والأخبار الدالّة على الأمر به من وراء الثياب (٣) محمولٌ على الاستحباب عند جماعة من الأصحاب (٤) ، ويؤيّده ورود مثله في الزوجة (٥) ، مع كونه للاستحباب بالبديهة.

وإذا ثبت جواز النظر حال الموت فكذلك حال الحياة ؛ لعدم الفارق ، مع ما ورد من أنّ حرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً (٦).

وفي الخبر القوي على القوي نفي البأس عن النظر إلى شعورهن (٧).

وقيل بالمنع فيما عدا الوجه والكفّين والقدمين ؛ لكونهنّ عورة ، خرجت الأُمور المتّفق عليها وبقي الباقي (٨).

وفيه : منع كلّية الكبرى ؛ لجواز النظر إليهنّ فيما عدا المتّفق عليه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٢٠ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٠٠ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٥٨ / ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ / ١٤١٨ ، الإستبصار ١ : ١٩٩ / ٦٩٩ ، الوسائل ٢ : ٥١٦ أبواب غسل الميت ب ٢٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٢ : ٥١٦ أبواب غسل الميت ب ٢٠.

(٤) منهم الشهيد في الذكرى : ٣٩ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٦٠ ، السبزواري في الكفاية : ٦.

(٥) الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٣ ، الوسائل ٢ : ٥١٦ أبواب غسل الميت ب ٢٠ ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٤ ، المقنع : ١١ ، الوسائل ٣ : ٢١٩ أبواب غسل الميت ب ٥١ ح ١.

(٧) الفقيه ٣ : ٣٠٤ / ١٤٦١ ، الوسائل ٢٠ : ١٩٣ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٤ ح ٧.

(٨) انظر إيضاح الفوائد ٣ : ٩ ، التنقيح الرائع ٣ : ٢٢.

٤٦

أيضاً ، كإباحة النظر إلى الأُمور المسلّمة ، مع كونها بالإجماع من العورة ، فلا تلازم بين العورة وحرمة النظر لجميع الأشخاص بالكلّية ، بل تلازمها في الجملة. ولا ينافي ذلك صدق العورة عليها ؛ لاحتمال كونه بالنظر إلى غير المحارم.

وربما خُصّت الإباحة بالمحاسن خاصّة ، وهي مواضع الزينة ؛ جمعاً بين الآية المتقدّمة (١) ، والأُخرى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ) الآية (٢).

وهو أحوط ؛ لأخصّية الآية الأُولى عن تمام المدّعى ، مع ما في الخبر المرويّ في تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير الزينة في الآية المزبورة : « فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكفّ والسوار ، والزينة ثلاث : زينة للناس ، وزينة للمَحرَم ، وزينة للزوج ، فأمّا زينة الناس فقد ذكرناه ، وأمّا زينة المَحرَم : فموضع القلادة فما فوقها والدُّمْلُج (٣) وما دونه والخلخال وما أسفل منه ، وأمّا زينة الزوج : فالجسد كلّه » (٤) انتهى.

وفيه دلالة ولو بضميمة (٥) على جواز النظر إلى الوجه والكفّين من الأجنبيّة مطلقاً (٦) كما هو أحد الأقوال في المسألة استناداً إليها ، مع الأصل ، والآية ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ ) (٧).

بناءً على تفسير الزينة الظاهرة بأُمور أربعة لا يمكن إرادة بعضها‌

__________________

(١) في ص ٤٥.

(٢) النور : ٣٠.

(٣) الدُّمْلُج : المِعْضَد من الحُليِّ لسان العرب ٢ : ٢٧٦.

(٤) تفسير القمي ٢ : ١٠١ ، المستدرك ١٤ : ٢٧٥ أبواب مقدمات النكاح ب ٨٥ ح ٣.

(٥) من الإجماع المركب. منه رحمه‌الله.

(٦) أي مرّة أو مراراً. منه رحمه‌الله.

(٧) النور : ٣١.

٤٧

كالثياب لعدم الدليل عليه ، بل وقيام الدليل على خلافة من العموم المستفاد من لفظة : ما الموضوعة له ، فلا وجه لتخصيصها بها ، فتعيَّن إرادة البواقي :

أحدها : الكحل والخاتم والخضاب في الكفّ ، كما قيل (١) ؛ للخبر المتقدّم ، وغيره بنقص الأخير ، كرواية زرارة (٢) ، وليس في سندها مَن يُتوقّف فيه ، سوى قاسم بن عروة ، وقد قيل بحسنه (٣) ، ونحوهما خبر آخر (٤) ، لكن بزيادة : « المَسَكة » (٥) بدل : الكحل والخضاب.

وثانيها : الوجه والكفّان ، وربما أشعر به الخبر المجوّز لرؤيتهما (٦).

وثالثها : الكفّ والأصابع.

وذَكَرَ الأوّلَين قولاً الطبرسيُّ في جامع الجوامع (٧) ، وروى الثالث عنهم عليهم‌السلام (٨).

والأخبار وإن ضعف سندها إلاّ أنّ العرف المحكَّم في الألفاظ يؤيّدها.

__________________

(١) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٩.

(٢) الكافي ٥ : ٥٢١ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٢٠١ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٩ ح ٣.

(٣) حكاه ابن داود عن الكشي في رجاله ١ : ١٥٣.

(٤) الكافي ٥ : ٥٢١ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٠١ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٩ ح ٤.

(٥) المَسَكُ : أسورة من ذَبْلٍ أو عاج ، والذبْل : شي‌ءٌ كالعاج مجمع البحرين ٥ : ٢٨٨.

(٦) الآتي في الهامش (٢) من ص ٤٩.

(٧) قال في الذريعة ٥ : ٤٨ لكن الصحيح : جوامع الجامع ، وكذا ذكره في ص : ٢٤٨.

(٨) جامع الجوامع : ٣١٤ ٣١٥.

٤٨

وعلى هذه التفاسير يثبت المطلوب. أمّا على الثاني فواضح ، وكذا الأول والثالث ، لكن بعد ضمّ الإجماع ، ويدلّ عليه مضافاً إلى المتقدّم الصحيح المرويّ في الكفاية عن قرب الإسناد ، وفيه : عمّا تُظهِر المرأة من زينتها؟ قال : « الوجه والكفّان » (١).

والمرسل : ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن مَحرَماً؟ قال : « الوجه والكفّان والقدمان » (٢).

والإرسال غير قادح ؛ لاعتضاده بالأصل ، وفتوى جماعة به ، كالكليني والشيخ في النهاية والتبيان وكتابي الحديث وظاهر المسالك وسبطه في الشرح (٣) ، وجماعة من متأخّري المتأخّرين (٤) مطلقاً ، والمحقّق الثاني كما حكي ، والمصنّف في الشرائع والعلاّمة في جملة من كتبه ، واللمعة والروضة (٥) في الجملة ، ونسبه الصيمري في شرح الشرائع إلى الأكثر.

فلا يقدح فيه الاشتمال على القدمين ، المجمع على عدم جواز النظر إليهما ، وإن هو إلاّ كالعامّ المخصَّص ، مضافاً إلى عدم ذكر الشارح المزبور لهما ، فيقوى احتمال الزيادة.

والخبر الذي لا تبعد صحّته كما قيل (٦) ـ : عن الرجل ما يصلح له‌

__________________

(١) الكفاية : ١٥٣ ، وهو في قرب الإسناد : ٨٢ / ٢٧٠ ، البحار ١٠١ : ٣٣ / ٧.

(٢) الخصال : ٣٠٢ / ٧٨ ، الوسائل ٢٠ : ٢٠١ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٩ ح ٢.

(٣) الكليني في الكافي ٥ : ٥٢١ ، النهاية : ٤٨٤ ، التبيان ٧ : ٤٢٨ ، التهذيب والاستبصار : لم نعثر عليه فيهما ، المسالك ١ : ٤٣٦ ، نهاية المرام ١ : ٥٥.

(٤) منهم السبزواري في الكفاية : ١٥٣ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٩ ، صاحب الحدائق ٢٣ : ٥٥.

(٥) المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٨ ، الشرائع ٢ : ٢٦٩ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ٣ ، والتذكرة ٢ : ٥٧٣ والتحرير ٢ : ٣ ، الروضة ٥ : ٩٩.

(٦) قال به السبزواري في الكفاية : ١٥٤.

٤٩

أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال : « الوجه والكفّان وموضع السوار » (١).

واحتمال إرادة المَحرَم من المرأة في السؤال بعيد ، مع دلالة حصر المحلَّل منها في الثلاثة على إرادة غيرها من الأجانب ؛ للإجماع على عدم الحصر فيها ، مع أنّ العموم الناشئ عن ترك الاستفصال كافٍ في الاستدلال. ولا تقدح في الحجّية زيادة السوار ؛ لما تقدّم.

وممّا ذُكِر ظهر وجه اندفاع المناقشات في هذه الأدلّة ، سيّما مع اعتضادها بالشهرة في الجملة ، الظاهرة والمحكيّة ، وبحجّةٍ أُخرى في غاية القوّة بحيث كادت تُعدّ من الأدلّة القطعيّة وهي فحاوى كثير من الأخبار الواردة في أبواب النظر إلى النسوة ، المتواترة معنىً ، المتضمّنة لحكمه منعاً وجوازاً ، سؤالاً وجواباً وبياناً ؛ لدلالتها على الجواز من حيث كون محطّ الحكم فيها بطرفيه في كلّ من السؤال والجواب والبيان هو خصوص الشعر واليدين والرأس والذراعين وغيرهما ، وبالجملة : ما عدا الوجه والكفّين ، مع أنّهما أولى بالسؤال عن حكمهما وبيانه بحسب النظر بشدّة الابتلاء به ، وغلبته وسهولته ، من حيث عدم احتياجه إلى كشف ساتر من خمار ومقنعة ، دون الرأس والشعر ؛ لندرة الابتلاء بالنظر إليهما وعسره ؛ للاحتياج إلى كشف الستور عنهما غالباً.

فالسكوت عن حكمهما (٢) مطلقاً سؤالاً وبياناً كاشف عن وضوح حكمهما جوازاً لا عكساً ، وإلاّ لكان حكم النظر إليهما (٣) منعاً أخفى من‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٢٧ / ٨٩٠ ، البحار ١٠١ : ٣٤ / ١١.

(٢) أي : الوجه والكفّين.

(٣) أي الرأس والشعر.

٥٠

حكم النظر إلى الوجه والكفّين كذلك (١) جدّاً ، وهو مخالف للبديهة قطعاً ؛ لاتّفاق المسلمين على ثبوت المنع في النظر إليهما مطلقاً ، وخفاؤه في النظر إلى الوجه والكفّين ، بحيث ذهب الأكثر إلى حِلّه في الجملة أو مطلقاً.

ويدلّ على أوضحيّة حكم النظر منعاً منه كذلك في الوجه والكفّين أيضاً : تجويزهم النظر إليهما لمريد التزويج المتمكّن منه ، واختلافهم في تجويزه إلى الشعر كما مضى (٢) ، وليس هذا إلاّ لما ذكرنا كما لا يخفى.

ولو لم يكن في المسألة دليل على الجواز غير فحاوى هذه الأخبار لكفانا ؛ لحصول الظنّ القويّ القريب من القطع بكون الحكم فيها الجواز ، فلا ينبغي أن يرتاب فيه ، وإن كان الأحوط : الترك مهما أمكن ، من باب التسامح في أدلّة السنن.

هذا ، مضافاً إلى النصوص الواردة في كتاب الحجّ في باب : ما يجوز أن تلبسه المحرمة من الثياب ، وهي كثيرة :

منها الصحيح : « مرّ أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة متنقّبة وهي محرمة ، فقال : أحرمي وأسفري وأرخِ ثوبكِ من فوق رأسك ، فإنّك إن تنقّبتِ لم يتغيّر لونك ، فقال رجل : إلى أين ترخيه؟ فقال : تغطّي عينيها » الحديث (٣).

والصحيح : « تسدل الثوب على وجهها » قلت : حدّ ذلك إلى أين؟ قال : « إلى طرف الأنف قدر ما تبصر » (٤).

__________________

(١) أي منعاً. منه رحمه‌الله.

(٢) راجع ص ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٧٤ / ٢٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٣ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٢.

٥١

والخبر الضعيف بسهل الذي ضعفه سهل ـ : « مرّ أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة محرمة قد استترت بمِرْوَحَة ، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها » (١).

والأمر بالإرخاء في الأوّل والسدل في الثاني للرخصة ؛ لعدم القائل بوجوب ستر قدر ما أُمر فيهما بستره قطعاً.

وهذه النصوص سيّما الأخير ، والأوّل من حيث التعليل ظاهرة في عدم تستّر تلك النسوة بشي‌ء آخر غير ما تستّرن به من كجاوة (٢) ونحوها ، وهذا أيضاً ممّا يدلّ على ما قدّمناه من أشدّية حكم الشعر منعاً من حكم الوجه جدّاً كما لا يخفى.

والاستدلال للجواز بإطباق الناس على خروج النسوة سافرات ، غير موجّه ، كالاستدلال للمنع باتفاقهم من منع خروجهنّ غير متستّرات.

لمخالفتهما الوجدان ؛ لاختلاف الناس في الزمان ، فبين من يجري على الأول ، ومن يحذو حذو الثاني.

وتزيد الحجّة على الثاني باحتمال استناده إلى الغيرة والاحتجاب من الناظر بشهوة ، الغير الحاصل إلاّ به مطلقاً.

ويشاركه في الضعف باقي أدلّته ، كعمومي ( لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) (٣) و ( يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (٤) لتخصيصهما بما ظهر من الأدلّة ؛ مع إجمال الثانية ، مع عدم المبيّن لها ، سوى الإجماع المنحصر بيانه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٦ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١٠ ، قرب الإسناد ٣٦٣ / ١٣٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٤.

(٢) كجاوة : كلمة فارسية تعني : الهَوْدَج ؛ وهو من مراكب النساء مقبّب وغير مقبّب لسان العرب ٢ : ٣٨٩.

(٣) النور : ٣١.

(٤) النور : ٣٠.

٥٢

في القدر المتّفق عليه ، ولا كلام فيه.

وحديث (١) الخَثْعَمية (٢) ؛ إذ لا دلالة فيه عليه ، لو لم يدلّ على الجواز.

وكذا غير ما ذكر من الأدلّة التي أجبنا عنها في رسالة مفردة في المسألة.

مضافاً إلى ندرة القول بالمنع مطلقاً ؛ لعدم نقله إلاّ عن التذكرة وفخر الدين (٣) ، وإن مال إليه بعض من تأخّر عنهما (٤).

وقيل بالجواز مرّة والحرمة ثانية (٥) ؛ لأخبار (٦) أكثرها ضعيفة السند ، قاصرة الدلالة كالمعتبر منها ، وقد أوضحنا جميع ذلك في الرسالة ، من أراد التحقيق فليرجع إليها.

نعم ، هو أحوط ، وأحوط منه الأول.

وتتّحد المرأة مع الرجل ، فتُمنَع في محلّ المنع ولا في غيره إجماعاً ؛ ويشير إليه المقطوع المرويّ في الكافي ، الآمر لعائشة وحفصة بدخولهما البيت بعد دخول الأعمى عليهما (٧).

ويستثنى من الحكم مطلقاً (٨) إجماعاً : محلّ الضرورة ، والقواعد من‌

__________________

(١) البحار ٩٦ : ٣٥١ / ٣ ، المستدرك ١٤ : ٢٦٩ أبواب مقدمات النكاح ب ٨١ ح ٧.

(٢) خَثْعَم : أبو قبيلة ، وهو خثعَم بن أنمار من اليمن ، ويقال : هم من معدّ ، وصاروا باليمن. الصحاح ٥ : ١٩٠٩ ، مجمع البحرين ٦ : ٥٥.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٧٣ ، فخر الدين في إيضاح الفوائد ٣ : ٦.

(٤) كالشهيد الثاني في الروضة ٥ : ٩٩.

(٥) قال به الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ) ٥ : ٩٩.

(٦) الوسائل ٢٠ : ١٩٠ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠٤.

(٧) الكافي ٥ : ٥٣٤ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٣٢ أبواب مقدمات النكاح ب ١٢٩ ح ١.

(٨) أي في الرجل كان أو المرأة ، في محلّ الوفاق أو الخلاف. منه رحمه‌الله.

٥٣

النسوة ، والصغير غير المميّز ، والصغيرة ، فيجوز النظر منهنّ مطلقاً ، وإليهنّ كذلك ، على الأقوى ؛ للأصل ، مع فقد الصارف ، واختصاص أدلّة المنع على تقدير ثبوتها بغيرهم بمقتضى التبادر.

مضافاً إلى الآيتين في القواعد (١) والصغير (٢) بالنسبة إلى المرأة ، مع الصحاح في القواعد (٣).

وفي جواز نظر المميّز إلى المرأة إن لم يكن محلّ ثوران تشوّق وشهوة قولان ، أحوطهما : المنع ، فيمنعه الوليّ له عنه.

وفي جواز نظر المرأة إلى الخصيّ المملوك لها والعكس خلافٌ بين الأصحاب ، ينشأ من الأصل ، وعموم ( وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (٤) الشامل لمحلّ النزاع ، كالمستفيضة (٥) التي فيها الصحيح والموثّق وغيرهما ، المجوّزة لرؤية المملوك مالكته مطلقاً في بعض ، ومخصّصاً بالشعر في آخر. وخروج غيره (٦) منها لشبهة الإجماع غير قادح.

مضافاً إلى عموم ( التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) (٧) المفسّر بما يشمله.

وخصوص الصحيح : عن قناع الحرائر من الخصيان ، قال : « كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن عليه‌السلام ولا يتقنّعن » قلت : فكانوا أحراراً؟

__________________

(١) النور : ٦٠.

(٢) النور : ٣١.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٢٠٢ أبواب مقدمات النكاح ب ١١٠.

(٤) الأحزاب : ٥٥ ، وفي « ح » ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) النور : ٣١.

(٥) الوسائل ٢٠ : ٢٢٣ أبواب مقدمات النكاح ب ١٢٤.

(٦) أي الخصي. منه رحمه‌الله.

(٧) النور : ٣١.

٥٤

قال : « لا » قلت : فالأحرار تتقنّع منهم؟ قال : « لا » (١).

ومن (٢) الاستصحاب ، وما قيل في الجواب عن الآية الاولى من اختصاص ملك اليمين فيها بالإماء (٣) ؛ جمعاً بينه وبين الأمر بغضّ البصر وحفظ الفرج مطلقاً.

ولا يرد دخولهنّ في نسائهن ؛ لاختصاصهنّ بالمسلمات ، وعموم ملك اليمين للكافرات.

وللخبرين ، في أحدهما : قال : قلت : يكون للرجل الخصيُّ يدخل على نسائه فيناولهنّ الوَضوء فيرى شعورهنّ ، فقال : « لا » (٤).

وفي الآخر : عن أُمّ الولد هل يصلح لها أن ينظر إليها خصيُّ مولاها وهي تغتسل؟ قال : « لا يحلّ ذلك » (٥).

وهما أرجح من الصحيح السابق ؛ لموافقته لما عليه سلاطين العامّة ، كما صرّح به شيخ الطائفة (٦) ، فيترجّحان عليه وإن صحّ سنده لمقبولة عمر بن حنظلة (٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٣٢ / ٣ ، الوسائل ٢٠ : ٢٢٥ أبواب مقدمات النكاح ب ١٢٥ ح ٣ ، وفي التهذيب ٧ : ٤٨٠ / ١٩٢٦ ، والاستبصار ٣ : ٢٥٢ / ٩٠٣ ، وعيون الأخبار ٢ : ١٧ / ٤٤ صدر الحديث.

(٢) إشارة إلى المنشإ الآخر للخلاف.

(٣) انظر السرائر ٢ : ٦١٠ ، مجمع البيان ٤ : ١٣٨ ، التبيان ٧ : ٤٣٠.

(٤) الكافي ٥ : ٥٣٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٣٠٠ / ١٤٣٤ ، التهذيب ٧ : ٤٨٠ / ١٩٢٥ ، الإستبصار ٣ : ٢٥٢ / ٩٠٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٢٦ أبواب مقدمات النكاح ب ١٢٥ ح ٢. والوضوء بفتح الواو اسم الماء الذي يُتَوضّأ به مجمع البحرين ١ : ٤٤٠.

(٥) الكافي ٥ : ٥٣٢ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٢٥ أبواب مقدمات النكاح ب ١٢٥ ح ١.

(٦) التهذيب ٧ : ٤٨٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٥٢.

(٧) الكافي ٧ : ٤١٢ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٥ / ١٨ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥ ، الاحتجاج : ٣٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.

٥٥

وهذا هو الأشهر ، بل عن الخلاف : عليه الإجماع (١) ، وهو أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر ؛ للنظر في تخصيص ملك اليمين بالإماء من دون دليل ، ومجرّد الجمع غير كافٍ بلا دليل ، مع حصوله بتقييد الثانية بالأُولى بعد تسليم إطلاقها ووضوح دلالتها.

ومثله تخصيص نسائهنّ بالمسلمات ، مضافاً إلى كونه خلاف المشهور.

والخبران مع قصور إسنادهما خارجان عن محلّ البحث ، فلا ينفعهما الجبر بالشهرة بالنسبة إليه ، كمخالفتهما العامّة ، مضافاً إلى معارضتها (٢) بموافقة الكتاب في مقامين في المستفيضة.

والشهرة في محلّ البحث من غير دليل غير كافية.

مضافاً إلى المرجّحات الأُخر ، كصحّة السند ، والاستفاضة في معاضدها ، وبها تترجّح عليهما.

والتساوي بعد تسليمه يوجب التساقط ، فتعيّن المصير معه إلى الأصل. فالمصير إلى الجواز في غاية القوّة ، لولا الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة ، وإن أمكن الجواب عنه أيضاً ، إلاّ أنّ الأحوط والأولى : المشهور.

ومثله الكلام في نظر المملوك إلى مالكته ، والخصيّ إلى غير مالكته ، إلاّ أنّ المنع في الأول أقوى منه في السابق.

وليس للرجل مطلقاً حتى الأعمى سماع صوت الأجنبيّة بتلذّذ أو خوف فتنة ، إجماعاً ، وبدونهما أيضاً ، كما في القواعد والشرائع ، وعن‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٤٩.

(٢) أي معارضة المخالفة.

٥٦

التحرير والإرشاد والتلخيص (١).

للحسن (٢) وغيره (٣) : « النساء عِيٌّ (٤) ، فاستروا العورات بالبيوت ، والعِيّ بالسكوت ». وهو معارَض بالأصل ومثله : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم على النساء ويرددن عليه ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسلّم على النساء ، وكان يكره أن يسلّم على الشابة منهن ، ويقول : أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر » (٥).

والأخبار المانعة عن ابتدائها بالسلام (٦) قاصرةٌ بحسب الإسناد ، فلا تعارض الحسن المزبور.

مع اعتضاده بما تواتر من سؤالهنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام بمحضر الناس ، مع عدم منعهم لهن ، بل وتقريرهنّ على ذلك.

وما روي من خطبة سيّدة النساء بمحضر من جماعة من الصحابة في نهاية البلاغة والفصاحة ، وهي الآن موجودة مرويّة في الكتب المعروفة ، ككشف الغمّة (٧).

__________________

(١) القواعد ٢ : ٣ ، الشرائع ٢ : ٢٦٩ ، التحرير ٢ : ٣ ، الإرشاد ٢ : ٥ ، نقله عن التلخيص الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٩.

(٢) أمالي الطوسي : ٦٧٤ ، البحار ١٠٠ : ٢٥٢ / ٥٠.

(٣) الكافي ٥ : ٥٣٤ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٣٤ أبواب مقدمات النكاح ب ١٣١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) العِيّ : ضدّ البلاغة جمهرة اللغة ١ : ١٥٨.

(٥) الكافي ٥ : ٥٣٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٠٠ / ١٤٣٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٣٤ أبواب مقدمات النكاح ب ١٣١ ح ٣.

(٦) الوسائل ٢٠ : ٢٣٤ أبواب مقدمات النكاح ب ١٣١.

(٧) كشف الغمة ١ : ٤٨٠.

٥٧

مضافاً إلى لزوم المنع منه العسر والحرج ، المنفيّين عقلاً ونقلاً ، كتاباً وسنّةً.

فالجواز أقوى ، وفاقاً لمقطوع التذكرة (١) ، وظاهر جماعة كشيخنا في المسالك (٢) ونُسب إلى جدّي العلاّمة المجلسي طاب ثراه (٣).

لكن الأحوط ترك ما زاد على خمس كلمات ؛ لنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المرويّ في الفقيه في حديث المناهي ، قال : « ونهى أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها أو غير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات ممّا لا بدّ لها منه » (٤).

وضعف السند مع الاشتمال على كثير من النواهي المستعملة في الكراهة يوهن حمل النهي فيه على الحرمة.

مضافاً إلى مخالفته لما عليه الأُمّة من جواز سماع صوتهنّ مطلقاً ولو زائداً على المقدار المذكور مع الضرورة ، فمنعها عمّا زاد معها مخالفٌ للبديهة.

ولعلّ جميع ذلك أمارة الكراهة ، وأحوط منه الترك بالمرّة ، إلاّ أن تدعو إليه حاجة أو ضرورة.

( الثانية ) في ( الوطء في الدُّبُر ) مطلقاً لزوجة كان أو أمة خلافٌ بين الأصحاب.

و ( فيه روايتان ، أشهرهما ) بل المجمع عليه كما في التذكرة وعن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٣.

(٢) المسالك ١ : ٤٣٨.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢٠ : ٢١١ أبواب مقدمات النكاح ب ١١٧ ح ٥.

٥٨

الانتصار والخلاف والغنية والسرائر (١) ( الجواز على كراهية ) وهي مستفيضة من الطرفين ، وفيها من طرقنا : الصحيح وكالصحيح والموثّقان ، وغيرها من الروايات.

ففي الأول : الرجل يأتي امرأته في دبرها ، قال : « ذلك له » قال : قلت : فأنت تفعل ذلك؟ قال : « أنا لا أفعل » (٢).

وفي الثاني : عن رجل يأتي أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتيّين ، فيه الغسل » (٣).

وفي الثالث ، في أحدهما : عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « لا بأس به » (٤).

وهي مع ذلك معتضدة بالأصل ، والإجماعات المنقولة ، والمخالفة لما عليه جميع العامّة إلاّ مالكاً (٥) ، والعمومات ، منها ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (٦) بناءً على كون الظرف بمعنى : من أين كما قيل ـ (٧) فيعمّ المقام.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٥٧٦ ، الانتصار : ١٢٥ ، الخلاف ٤ : ٣٣٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٢ ، السرائر ٢ : ٦٠٦.

(٢) الكافي ٥ : ٥٤٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤١٥ / ١٦٦٣ ، الوسائل ٢٠ : ١٤٥ أبواب مقدمات النكاح ب ٧٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٤١٤ / ١٦٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٣ / ٨٦٨ ، الوسائل ٢٠ : ١٤٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٧٣ ح ٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٤١٥ / ١٦٦٢ ، الوسائل ٢٠ : ١٤٧ أبواب مقدمات النكاح ب ٧٣ ح ٥.

(٥) كما نقله عنه في التفسير الكبير ٦ : ٧٦.

(٦) البقرة : ٢٢٣.

(٧) قال به المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٤٩٨ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٥٤.

٥٩

ولا ينافيه الصحيح الدالّ على وروده ردّاً على اليهود القائلين : إنّ الرجل إذا أتى أهله من خلفها خرج ولده أحول (١) ؛ لعدم المنافاة بينه وبين ثبوت الحكم على العموم ، مع إشعار سياقه بكون المنع للتقيّة ، فتأمّل.

مضافاً إلى أنّه استدلّ به للجواز في المضمار في بعض الأخبار المنجبر ضعفه بالشهرة بين الأخبار ، وفيه : عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال : « لا بأس إذا رضيت » قلت : فأين قول الله تعالى ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (٢)؟ فقال : « هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم ، إنّ الله تعالى يقول ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) » (٣). ومنه يظهر فساد الاستدلال للمنع بالآيتين ، مع ضعفه من وجوه أُخر ، فتأمّل.

وربّما أُيّد الجواز بقوله سبحانه ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (٤) فإنّهم كانوا يشتهون الأدبار.

وهو حسن ؛ لأصالة البقاء ، وإشعار بعض المعتبرة المنجبرة بالشهرة : عن إتيان الرجل [ المرأة ] من خلفها ، فقال : « أحلّتها آية من كتاب الله تعالى ، قول لوط على نبيّنا وآله وعليه السلام ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) وقد علم أنّهم لا يريدون الفرج » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤١٥ / ١٦٦٠ ، تفسير العياشي ١ : ١١١ / ٣٣٣ ، الوسائل ٢٠ : ١٤١ أبواب مقدمات النكاح ب ٧٢ ح ١.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٤١٤ / ١٦٥٧ ، الوسائل ٢٠ : ١٤٦ أبواب مقدمات النكاح ب ٧٣ ح ٢.

(٤) هود : ٧٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٤١٤ / ١٦٥٩ ، الوسائل ٢٠ : ١٤٦ أبواب مقدمات النكاح ب ٧٣ ح ٣ ؛ وما بين المعقوفين من المصدر.

٦٠