رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

ومع ذلك ردّه جمع من الأصحاب كالشيخ في المبسوط والقاضي (١) تمسّكاً بأصالة الإباحة ، وعملاً بالقاعدة المتقدّمة.

وهو قوي ، لولا هذه الأخبار الصحيحة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ومراعاة الاحتياط المطلوبة في الشريعة ، سيّما في أمثال المسألة. وتعارض أصالة الإباحة بأصالة الحرمة السابقة.

والقاعدة المتقدّمة النافية للحرمة عن أمثال هذه المسألة إنّما هو بضميمة أصالة الإباحة ، وإلاّ فلا يثبت من المعتبرة سوى حرمة ما يحرم من النسب في الرضاع ، وهو لا ينافي ثبوتها به في غيره (٢).

فليس بين هذه الصحاح وتلك المعتبرة معارضة. نعم ، تعارض أصالة الإباحة ، ومراعاتها في مقابلة الصحاح المعتضدة بالشهرة غير خالصة عن شوب المناقشة. وكيف كان ، الاحتياط لا يترك في المسألة.

ويتفرّع على الخلاف في هذه المسألة ما لو أرضعت ولد إنسان جدّته لُامّه ، سواء كان بلبن جدّه أو غيره ، أو أرضعته إحدى نسوة جدّه بلبن جدّه الرضاع المعتبر ، فإنّ أُمّ الرضيع تحرم على زوجها أبي المرتضع على القول بالتحريم ؛ لأنّها من جملة أولاد المرضعة على التقدير الأول ، ومن جملة أولاد صاحب اللبن على التقدير الثاني.

ثم من القاعدة يعلم أيضاً عدم حرمة المرضعة على أبي المرتضع ؛ إذا‌

__________________

الثاني في : الكافي ٥ : ٤٤٧ / ١٨ ، الفقيه ٣ : ٣٠٦ / ١٤٧١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٦ ح ٢.

(١) المبسوط ٥ : ٣٠٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٩١.

(٢) أي لا ينافي ثبوت الحرمة بالرضاع في غير ما يحرم من النسب.

١٦١

لا مقتضي له ، فإنّ أُمّ الولد من النسب ليست حراماً ، فالأولى أن لا تحرم من الرضاع.

وكذا لا تحرم على أخي المرتضع ؛ لأنّ أُمّ الأخ من النسب إنّما حرمت على الأخ لكونها أُمّا أو منكوحة الأب ، وانتفاء هذين المانعين هنا ظاهر.

( وهل تنكح أولاده ) أي أولاد أبي المرتضع ( الذين لم يرتضعوا ) من لبن الفحل ( في أولاد هذا ) الفحل مطلقاً ، نسباً ورضاعاً ، وأولاد المرضعة نسباً ، إذا لم يرتضعوا من لبنها أصلاً؟

( قال ) الشيخ ( في ) النهاية و ( الخلاف : لا ) يجوز (١) ؛ لدلالة تعليل التحريم على أبي المرتضع في المسألة السابقة بأنّهنّ بمنزلة ولده عليه (٢). ولأنّ أُخت الأخ من النسب محرّم ، فكذا من الرضاع.

ويضعّف الأول : بمنع وجود العلّة هنا ؛ لأنّ كونهنّ بمنزلة أولاد أبي المرتضع غير موجود هنا ، وإن وجد ما يجري مجراها ، وهو أنّها أُخت الأخ.

والثاني : بأنّ أُخت الأخ من حيث كونها أُختاً للأخ لا تحرم على الأخ ، وإنّما تحرم من حيث كونها أُختاً له ؛ لأنّ الإنسان لو كان له أخ من أبيه وأُخت من امّه جاز لأخيه المذكور نكاح أُخته ؛ إذ لا نسب بينهما يحرّم ، وإنّما تحرم أُخت الأخ إذا كانت أُختاً لمن يحرم من الأب أو من الامّ.

وهو حسن ، إلاّ أنّه في الأول كلام ، فإنّه متى ثبت كون أولاد صاحب‌

__________________

(١) النهاية : ٤٦٢ ، الخلاف ٥ : ٩٣.

(٢) راجع ص ١٦٠.

١٦٢

اللبن بمنزلة أولاد أبي المرتضع صاروا بمنزلة الإخوة لأولاده ، إلاّ أن تمنع الملازمة بين الأمرين ، ولا بُدَّ من التأمّل ؛ مع أنّ كونهم بمنزلة الولد يقتضي أن يثبت لهم جميع الأحكام الثابتة للولد من حيث الولديّة ؛ لعدم تخصيص في المنزلة ، ومن جملة أحكام الولد : تحريم أولاد الأب عليه.

( والوجه : الجواز ) عند الأكثر ، ومنهم : الحلّي والقاضي والفاضلان والشهيدان (١) ، وهو الأظهر ؛ للأصل المستفاد من عمومات الحلّ ، وإنّما المحرّم طارٍ لا بدّ من ثبوته ، فحيث لم يثبت لم تحرم.

مضافاً إلى القاعدة السابقة من أنّه لا يحرم من الرضاع إلاّ ما يحرم من النسب ، وليس أُخت الأخ منه بحرام كما عرفت ، فعدمه هنا أولى.

مضافاً إلى الموثّق : في رجل تزوج أُخت أخيه من الرضاعة ، فقال : « ما أُحبّ أن أتزوّج أُخت أخي من الرضاعة » (٢).

وهو ظاهر في الكراهة ؛ لعدم تأدية الحرمة بمثل هذه العبارة ، مع ورودها في أُخت الأخ النسبيّة (٣) ، والمراد بها بالإضافة إليها الكراهة بإجماع الطائفة ، والراوي للخبرين واحد ، وقصور السند لو كان منجبر بالشهرة بين الأصحاب.

وبذلك يُخَصّ عموم المنزلة المتقدّمة ، ويقال : إنّ المراد كونهنّ بمنزلة أولاده في خصوص الحرمة عليه ، لا انتشارها إلى الإخوة.

بل لا يبعد الإبقاء على العموم والحمل على الكراهة مطلقاً ؛ لهذه‌

__________________

(١) الحلّي في السرائر ٢ : ٥٥٧ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٩١ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٥ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١١ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٥ : ١٧١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٤ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٦٨ أبواب ما يحرم بالنسب ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٧٢ / ١٨٩٣ ، الوسائل ٢٠ : ٣٦٩ أبواب ما يحرم بالنسب ب ٦ ح ٤.

١٦٣

الموثّقة الظاهرة فيها في بعض أفراد عموم المنزلة ، ولا يبعد الحمل عليها في الباقي ؛ لاتّحاد العبارة.

فظهر نوع من التأمّل في الحرمة في المسألة السابقة ، ولكن الاحتياط لا يترك هنا وثمّة ، وإن كان الأظهر الجواز هنا وفي تزويج أبي المرتضع بأُمّ المرضعة نسباً فضلاً أن يكون رضاعاً ، فإنّ غايتها أن تنزل منزلة أُمّ الزوجة ، وهي لا تحرم إلاّ بالمصاهرة ، وعن المبسوط التصريح به (١) ، ووافقه ابن حمزة (٢) وأكثر المتأخّرين (٣).

خلافاً للحلّي ، فحرّم (٤) ؛ لزعمه أنّه من التحريم بالنسب ؛ نظراً إلى الأُمومة ، ووافقه في المختلف (٥) ؛ لما تقدّم من التعليل لتحريم أُخت الولد الرضاعيّة بأنّها في منزلة الولد ، ولا ريب أنّها تحرم بالمصاهرة ، فدلّ على إفادة الرضاع الحرمة بالمصاهرة.

وفيه نظر (٦) ، والأولى الاقتصار في الحرمة على ما تضمّنته الرواية المعلّلة (٧).

ونحوه الكلام في تزويج الفحل في أخوات المرتضع ، فلا بأس به على الأشهر الأظهر ؛ تمسّكاً بالأصل والقاعدة. وتحريم أولاده على‌

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٣٠٥.

(٢) الوسيلة : ٣٠٢.

(٣) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٥ ، والقواعد ٢ : ١٢ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٤٣ ، والسبزواري في الكفاية : ١٦١.

(٤) السرائر ٢ : ٥٥٥.

(٥) المختلف : ٥٢٠.

(٦) لاحتمال كون المصاهرة المحرّمة المصاهرة الخاصة التي تضمّنها التعليل لا مطلقاً. منه رحمه‌الله.

(٧) المتقدمة في ص ١٦٠.

١٦٤

أبي المرتضع بناءً على كونهم بمنزلة أولاده لا يستلزم العكس ، وهو أنّ أولاد أبي المرتضع بمنزلة أولاد الفحل ، فظهر ضعف القول بالمنع هنا ومستندِه ، وإن حكي عن الخلاف والنهاية والحلّي (١).

وبالجملة : فهذه المسائل الثلاث ، الأظهر فيها الجواز ، وفاقاً للأشهر بين الأصحاب ، بل لا يبعد في الأُولى أيضاً وإن كان الاحتياط فيها لازماً.

وأمّا ما عدا هذه المسائل الأربع ، فلا خلاف يعتدّ به بين الأصحاب في لزوم الاقتصار فيها على القاعدة ، وعدم الحكم بالحرمة إلاّ بصدق نحو الأُمومة والبنتيّة والأُختيّة ، ونحو ذلك من العنوانات المذكورة في الآية (٢).

وأمّا عموم المنزلة الذي تقدّم إليه الإشارة (٣) فلم نقف على ما يدلّ عليه بشي‌ء من الكتاب والسنّة ، بل هي مع الأصل في ردّه واضحة الدلالة ، وقد مرّ الموهم له مع جوابه في صدر المسألة (٤).

( الثالثة ) : لا خلاف في أنّه كما يمنع الرضاع [ النكاح (٥) ] سابقاً كذلك يبطله لاحقاً ؛ للعمومات ، وخصوص المعتبرة المستفيضة الآتية (٦) ، وفيهما الدلالة مضافاً إلى اتّفاق الطائفة على تعلّق المصاهرة بالرضاع كتعلّقها بالنسب ، بمعنى : أنّ كلّ من حرم من جهة النسب في المصاهرة حرم من جهة الرضاع أيضاً ، فكما تحرم بها أُمّ الزوجة النسبية وابن الزوج النسبي ، كذا يحرم بها نظيرهما من جهة الرضاع.

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣٠٢ ، النهاية : ٤٦٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٥٥.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) في ص ١٥٩.

(٤) راجع ص ١٥٩.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء المعنى.

(٦) في ص ١٧١.

١٦٥

وأمّا ما ذكروه من المصاهرة التي لا يتعدّى إليها التحريم بالرضاع ، فهي المصاهرة الحاصلة بالرضاع نظير المصاهرة الحاصلة بالنكاح ، كما إذا حصل بجعل مرضعة الولد بمنزلة الزوجة لأبي المرتضع ، وأُمّها بمنزلة أُمّ الزوجة ، وأُختها بمنزلة أُختها ، وهكذا ، فمثلها لا يتعدّى إليه التحريم.

بخلاف المصاهرة في الأول ، فإنّها ليست ناشئة عن الرضاع ، بل عن النكاح الصحيح ، وإنّما الناشئ عن الرضاع هو البنوّة مثلاً ، فلمّا تحقّقت لزم حكم الناشئ عن النكاح ، وهو كون منكوحته حليلة الابن ، وهكذا.

والضابط : تنزيل المنتسب بالرضاع منزلة المنتسب بالنسب ، فيلحقه أحكامه. ولا يتعدّى الحكم إلى ما يناسبها ، بل يراعى نفس الوصف الموجب للتحريم.

إذا تمهّد هذا فاعلم : أنّه ( لو تزوّج رضيعة ، فأرضعتها امرأته ) بلبنه ( حرمتا ) عليه مؤبّداً مطلقاً. وكذا لو أرضعتها بلبن غيره ، كانت في حبالته كما إذا استمرّ لبن الأول إلى أن تزوّجت به أم لا ( إن كان دخل بالمرضِعة ) على الأشهر الأظهر فيهما من تحريم الامّ بمجرّد العقد على البنت ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

وعلى القول الآخر يختصّ التحريم بالرضيعة ؛ لكونها إمّا بنته كما في الأول أو بنت الزوجة المدخول بها ، كما في الثاني.

قيل (١) : وفي بعض المعتبرة دلالة عليه ، كالحسن : في رجل تزوّج جارية صغيرة ، فأرضعتها امرأته وأُمّ ولده ، قال : « تحرم عليه » (٢) ونحوه في‌

__________________

(١) انظر الكفاية : ١٦٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٥ / ٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ٢.

١٦٦

آخر (١) كالموثّق (٢) ، إلاّ أنّ فيهما بدل « تحرم عليه » : « فسد نكاحه ». وفيه نظر.

وكيف كان ، فلا ريب في دلالتها على الحرمة في الجملة.

( وإلاّ ) يكن دخل بها ( حرمت المرضعة حَسْبُ ) فلا تحرم الرضيعة ؛ لأنّها ربيبة لم يدخل بأُمّها ، بل ولا الأُمّ أيضاً على القول الآخر ، من اعتبار الدخول بالبنت في حرمة الأُمّ. ولكنّه ضعيف.

وكيف كان ، ينفسخ نكاح الجميع مطلقاً هنا وفي الصورتين السابقتين ، أمّا فيهما فواضح ؛ لحرمة كلتيهما جمعاً وانفراداً ، وأمّا هنا فلامتناع الجمع بينهما ، فكالعقدين المتقارنين زماناً ، فيبطلان ؛ لعدم إمكان الترجيح ، فيجدّد نكاح الرضيعة لو أراد. ولا خلاف في الظاهر بينهم في ذلك ، وعليه الإجماع في الإيضاح (٣).

ويشكل بأنّ أصالة بقاء صحّة نكاح الصغيرة يقتضي ترجيحها ، والمانع إنّما طرأ في نكاح المرضعة ، وفساده بطروّ المانع بالنسبة إليها لا يستلزم فساد ما خلا عنه ، وقياسهما على العقدين المتقارنين قياسٌ مع الفارق ، فتأمّل جدّاً.

وربما احتمل القرعة مطلقاً (٤) ، فمن أخرجتها القرعة صحّ نكاحها وفسد نكاح الأُخرى.

وما قيل في توجيه الفسخ مطلقاً من امتناع الاجتماع بين الامّ والبنت‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٤ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٩٣ / ١٢٣١ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ١.

(٣) إيضاح الفوائد ٣ : ٥١.

(٤) أي حتى في الصورتين السابقتين. منه رحمه‌الله.

١٦٧

في النكاح (١) لا يساعد عليه ؛ إذ ذلك لا يقتضي إلاّ تحريم أحدهما ، وهو وإن جهل ولا يمكن الترجيح إلاّ بمرجّح إلاّ أنّه يستخرج بالقرعة ، فتكون هي المرجّحة.

ويدفعها المعتبرة المتقدّمة ، الدالّة على الحرمة وفساد النكاح ولو في الجملة ، من دون أمر فيها بالقرعة.

مضافاً إلى أنّ الرضاع فاسخ للنكاح من حينه ، لا كاشف عن فساد العقد من أصله ، ومعه يثبت لكلّ من النكاحين حكمه ، من تحريم الربيبة وأُمّ الزوجة مطلقاً ، سبقا أم لحقا ، فإذا حصل الرضاع حرم الجمع بينهما والانفراد بأحدهما ؛ لكونها إمّا بنت زوجة صحّ زوجيّتها ، أو أُمّ زوجة صحّت زوجيّتها ، ويثبت الحرمة على كلّ تقدير.

نعم ، لو كان الرضاع كاشفاً عن الفساد أمكن احتمال القرعة. ولكنّه ضعيف.

( ولو كان له زوجتان ) كبيرتان ( فأرضعتها ) أي الزوجة الصغيرة ـ ( واحدة ) من الكبيرتين ( حرمتا ) أي الرضيعة والمرضعة بالتفصيل المتقدّم ، ولا كلام فيه ، بل عليه الإجماع في الإيضاح (٢).

( و ) إنّما الإشكال فيما ( لو أرضعتها ) الكبيرة ( الأُخرى ) بعد حصول التحريم بإرضاع الاولى ، ( فـ ) فيه ( قولان ، أشبههما ) عند المصنّف هنا صريحاً وفي الشرائع ظاهراً (٣) ، والحلّي وأكثر المتأخّرين كما‌

__________________

(١) انظر الكفاية : ١٦٢.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٥٢.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٨٦.

١٦٨

حكي (١) ( أنّها تحرم أيضاً ) لصيرورتها أُمّ من كانت زوجته ، فيصدق عليها أُمّ الزوجة ؛ بناءً على عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق.

وفيه ضعف ؛ لضعف المبنيّ عليه ؛ للتوقّف فيه أوّلاً.

وعدم صدق الزوجة بعد الفسخ لغة وعرفاً كما إذا طلّقت ، ثانياً.

وعدم وجود لفظ الزوجة في الأدلّة المحرِّمة لُامّ الزوجة ، وإنّما الموجود فيها لفظ النساء ونحوه ممّا هو جامد لا اشتقاق فيه ، ثالثاً.

فلا مخرج قطعيّاً عمّا دلّ على أصالة الإباحة واستصحاب الحلّية السابقة.

مضافاً إلى اعتضادها بالرواية : « حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولاً ، أمّا الأخيرة لم تحرم عليه ؛ لأنّها أرضعت ابنته » (٢) وفيها تخطئة ابن شبرمة في فتواه بالخلاف.

وليس في سندها من يتوقّف فيه ، عدا صالح بن أبي حمّاد ، وهو وإن ضعف في المشهور ، إلاّ أنّ القرائن على مدحه كثيرة. وتوهّم الإرسال فيها ضعيف.

فإذاً القول بالحلّ أقوى ، وفاقاً لظاهر الكليني والشيخ والإسكافي والسيّد في شرح الكتاب (٣) ، وجماعة من الأصحاب (٤).

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ٤٧٥ ومرآة العقول ٢٠ : ٢٢٢ والحدائق ٢٣ : ٤٢١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٦ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ٢٩٣ / ١٢٣٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٢ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكليني في الكافي ٥ : ٤٤٦ ، الشيخ في النهاية : ٤٥٦ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٢١ ، السيّد صاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ١٢٩.

(٤) منهم المجلسي في مرآة العقول ٢٠ : ٢٢٢ ، وصاحب الحدائق ٢٣ : ٤٢١.

١٦٩

( ولو تزوّج رضيعتين ، فأرضعتهما امرأته ) بلبنه ( حرمن كلّهن ) مطلقاً ، اجتمعتا في الارتضاع أم تعاقبتا ، دخل بالمرضعة أم لا ؛ لانتسابهما بالبنوّة إليه ، وصيرورة المرضِعة أُمّ زوجةٍ تحرم مطلقاً ، على الأظهر الأشهر كما مرّ ، ويأتي عدم حرمتها على القول الآخر ، وكذا لو أرضعتهما بلبن الغير.

( إن ) كان ( دخل بالمرضعة ) واجتمع الرضعتان ، بلا كلام ؛ لصيرورتهما بنتي الزوجة المدخول بها ، وصيرورتها أُمّهما ، فتحرم على ما مرّ ، ولا على القول الآخر.

( وإلاّ ) يكن دخل بها ( حرمت المرضعة ) خاصّة دونهما ؛ لما مرّ.

ولو دخل بها ، وتعاقب الرضعتان ، حرمن كلّهنّ أيضاً على اختيار المصنّف سابقاً ، ويقتضيه إطلاق عبارته هنا أيضاً ، ويأتي على المختار حرمة المرضعة والرضيعة السابقة ، وبقاء الثانية على أصالة الإباحة.

( السبب الثالث : في المصاهرة ).

وهي : علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كلّ منهما بسبب النكاح ، توجب الحرمة.

( و ) يلحق بالنكاح : ( النظر في الوطء والنظر واللمس ) على وجه مخصوص.

هذا هو المعنى المعروف من معناها لغة وعرفاً ، فلا يحتاج إلى إضافة وطء الأمة والشبهة والزناء ونحوه إليها وإن أوجب حرمةً على بعض الوجوه ؛ إذ ذاك ليس من حيث المصاهرة ، بل من جهة ذلك الوطء ، وإن جرت العادة بإلحاقه بها في بابها.

١٧٠

والكلام هنا يقع في مقامين :

( أمّا الأول : فـ ) في العقد والوطء.

( من وطئ امرأة بالعقد ) مطلقاً (١) ( أو الملك ، حرمت عليه أُمّ الموطوءة وإن علت ) من الطرفين ( وبناتها وإن سفلن ) مطلقاً ( سواء كنّ قبل الوطء أو ) وجدن ( بعده ) كنّ في حجره وحضانته أم لا ، والتقييد في الآية (٢) خرج مخرج الغلبة ، وصرّح بالتعميم وعدم اعتباره بعض المعتبرة (٣).

( وحرمت الموطوءة ) كالمعقود عليها ( على أبي الواطئ وإن علا ، وأولاده وإن نزلوا ) كلّ ذلك بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع من المسلمين كافّة ، حكاه جماعة (٤) ، وهو العمدة في إثبات أكثر الأحكام المتقدّمة ؛ لقصور الأوّلَين عن إفادتها طرّاً ؛ لعدم اشتمالهما المرتفعين والمرتفعات والسافلين والسافلات ، مع أنّ السنّة في ملك اليمين مختلفة.

ففي الخبر : رجل كانت له جارية ، فوطئها ، فباعها أو ماتت ، ثم وجد ابنتها ، أيطؤها؟ قال : « نعم ، إنّما حرّم الله تعالى هذا من الحرائر ، فأمّا الإماء‌

__________________

(١) دائماً كان أم متعة. منه رحمه‌الله.

(٢) المراد بها قوله تعالى : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) النساء : ٢٣.

(٣) انظر الوسائل ٢٠ : ٤٥٨ ، ٤٥٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٨ الأحاديث ٣ ، ٤ ، ٦.

(٤) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد ١٢ : ٢٨٣ ، وصاحب المدارك في نهاية المرام ١ : ١٣٠.

١٧١

فلا بأس » (١).

ونحوه خبران آخران (٢) ، مشتركان له في ضعف السند ، والشذوذ ، ومخالفة القرآن الكريم. وخصوص المعتبرة المستفيضة ، كالصحيح : عن رجل كانت له جارية ، فأُعتقت وتزوّجت ، فولدت ، أيصلح لمولاها الأول أن يتزوّج ابنتها؟ قال : « لا ، هي عليه حرام ، وهي ابنته ، والحرّة والمملوكة في هذا سواء » (٣) ونحوه الموثّقات (٤).

وبالجملة : الإجماع كفانا مئونة الاشتغال بالاستدلال لهذه الأحكام في المجال.

( ولو تجرّد العقد ) على البنت ( عن الوطء ، حرمت أُمّها عليه عيناً ) فلا يجدي فراقها لاستحلال الام جدّاً ( على الأصحّ ) الأشهر ، بل كاد أن‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٧٨ / ١١٨١ ، الإستبصار ٣ : ١٦١ / ٥٨٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢١ ح ١٦ وفيه بتفاوت.

(٢) الأول في : التهذيب ٧ : ٢٧٩ / ١١٨٤ ، الإستبصار ٣ : ١٦١ / ٥٨٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢١ ح ١٥.

الثاني في : التهذيب ٧ : ٢٧٨ / ١١٨٢ ، الإستبصار ٣ : ١٦١ / ٥٨٥ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢١ ح ١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٧٧ / ١١٧٦ ، الإستبصار ٣ : ١٦٠ / ٥٧٩ ، الوسائل ٢٠ : ٣٦٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢١ ذ. ح ٦.

(٤) الاولى في : التهذيب ٧ : ٢٧٧ / ١١٧٧ ، الإستبصار ٣ : ١٦٠ / ٥٨٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢١ ح ١٢.

الثانية في : التهذيب ٧ : ٢٧٧ / ١١٧٨ ، الإستبصار ٣ : ١٦٠ / ٥٨١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢١ ح ١٣.

الثالثة في : التهذيب ٧ : ٢٧٨ / ١١٧٩ ، الإستبصار ٣ : ١٦٠ / ٥٨٢ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٧ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢١ ح ٦.

١٧٢

يكون إجماعاً كما في الروضة (١) ، بل إجماع في الحقيقة كما عن الناصريّات والغنية (٢) ، وصرّحت به الصحيحة الآتية (٣).

لعموم الآية الكريمة (٤) ، المستفاد من إضافة الجمع إلى الضمير من دون تقدّم معهودة ، وتعيّن تعلّق الاستثناء بالجملة الأخيرة ؛ لأصالة بقاء الاولى على الحقيقة.

وهي وإن كانت محلّ مناقشة في نحو الآية لبعض علماء الطائفة (٥) لعدم الدليل عليها بالكلّية. ودعوى الإجماع عليها مع وقوع النزاع في أمثال الآية ممنوعة ، كيف لا؟! وهي فيها محلّ نزاع ومشاجرة ، فمقتضى الأصل الرجوع فيها إلى القاعدة ، بأن ترجع القيود إلى الجملة الأوّلة ، إذا كان إطلاق الحكم أو عمومه فيها منافياً لنحو أصالة البراءة ، لا لأصالة الحقيقة في الرجوع إليها كما عن الشافعيّة (٦) بل لأصالة البراءة ، والشكّ في ( الاختصاص بالأخيرة ) (٧).

وينعكس الحكم بعكس القضيّة ، فترجع القيود إلى الأخيرة خاصّة ، وتبقى الأوّلة على عمومها ، لا لأصالة الرجوع إليها كما عن أبي حنيفة (٨) بل لموافقتها أصالة البراءة ، كما هو مفروض القضيّة ، واحتمال الرجوع إليها في التخصيص غير كافٍ بالبديهة.

__________________

(١) الروضة ٥ : ١٧٧.

(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٩.

(٣) في ص ١٧٧.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) انظر الحدائق ٢٣ : ٤٤٩.

(٦) الإبهاج في شرح المنهاج ٢ : ١٥٣.

(٧) بدل ما بين القوسين في حاشية الأصل : التخصيص باحتمال الرجوع إلى الأوّلة.

(٨) أُصول السرخسي ٢ : ٤٤.

١٧٣

وهو وإن كان في غاية القوّة. إلاّ أنّه غير آتٍ في هذه الآية ؛ لتعيّن الرجوع فيها إلى الأخيرة ؛ من جهة كون : « من » مع الأُولى بيانيّة ، ومع الثانية ابتدائيّة ، والمشترك لا يستعمل في معنييه معاً ، كما صرّح به من أرباب الأُصول جماعة (١).

مع أنّ الخبرين إذا اختلفا لم يتّحد نعتهما ، وصرّح به أيضاً طائفة ، كالزّجاج (٢) وغيره (٣) من أهل العربية ، مع نقلهم ذلك عن النحاة كافّة.

مضافاً إلى دلالة المعتبرة هنا على الرجوع إلى الأخيرة ، وظاهرها كونه قاعدة كلّية جارية في مضاهيات الآية.

فروى العيّاشي في تفسيره عن أبي حمزة ، عن مولانا الباقر عليه‌السلام : أنّه سأله عن رجل تزوّج امرأة وطلّقها قبل أن يدخل بها ، أتحلّ له ابنتها؟ قال : فقال : « قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لا بأس به ، إنّ الله تعالى يقول ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٤) ولكنّه لو تزوّج الابنة ثم طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أُمّها » قال : قلت : أليس هما سواء؟ قال : فقال : « لا ، ليس هذه مثل هذه ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٥) لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هنا مبهمة ، ليس فيها شرط ، وتلك فيها شرط » (٦).

__________________

(١) منهم العلاّمة الحلّي في مبادئ الوصول إلى علم الأُصول : ٧٦ ، وصاحب المعالم : ٣٨.

(٢) معاني القرآن وإعرابه ٢ : ٣٤.

(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن ٥ : ١٠٧.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) النساء : ٢٣.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٢٣٠ / ٧٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ٧.

١٧٤

وناهيك هذه الرواية المعتضدة بالشهرة العظيمة في إثبات القاعدة الكلّية ، فضلاً عن خصوص المسألة. ونحوها في إثبات المسألة والإشعار بثبوت القاعدة الكلّية غيرها من المعتبرة :

كالموثّق : عن رجل تزوّج امرأة ، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ، فقال : « تحلّ له ابنتها ، ولا تحلّ له أُمّها » (١) ونحوه غيره (٢).

وأظهر منهما الخبر الآخر : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأُمّهات اللاّتي قد دخلتم بهن ، في الحجور وغير الحجور سواء ، والأُمّهات مبهمات ، دخل بالبنات أم لم يدخل ، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله تعالى » (٣).

وقصور الأسانيد مع اعتبار بعضها منجبرٌ بالشهرة العظيمة والإجماع المحكيّ في المسألة (٤) ؛ مع إشعار بعض الصحاح الآتية (٥) بل ودلالته باشتهار الحكم بين الشيعة وافتخارهم به ؛ لصدوره عن مولاهم أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذه القضيّة ، وبورود خلافه مورد التقيّة ، فلا شبهة في المسألة.

خلافاً للعماني ، فجعل البنت للُامّ متساوية في اشتراط الدخول بها‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٧٣ / ١١٦٧ ، الإستبصار ٣ : ١٥٧ / ٥٧١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٨ ج ٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٧٣ / ١١٦٦ ، الإستبصار ٣ : ١٥٧ / ٥٧٠ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٩ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٧٣ / ١١٦٥ ، الإستبصار ٣ : ١٥٦ / ٥٦٩ ، الوسائل ٢٠ : ٤٥٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٨ ح ٣ ، وأورد ذيله في ص : ٤٦٣ ب ٢٠ ح ٢.

(٤) مرت إليه الإشارة في ص ١٧٢.

(٥) في ص ١٧٧.

١٧٥

للحرمة العينيّة (١).

استناداً إلى أصالة الإباحة ، المردودة بما قدّمناه من الأدلّة.

والتفاتاً إلى الآية الشريفة ؛ بناءً على قول الشافعيّة من تعيّن الرجوع إلى مجموع الجمل السابقة واللاحقة (٢). والمناقشة فيه بعد ما تقدّم ، سيّما في مثل هذه الآية واضحة.

وتمسّكاً بالصحاح :

منها : قال : قلت له : رجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها ، تحلّ له أُمّها؟ قال : « وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها » (٣)؟!

وهو مقطوع لا يصلح الاستناد إليه.

ومنها : قال : « الامّ والابنة سواء إذا لم يدخل بها » يعني : إذا تزوّج المرأة ، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ، فإنّه إن شاء تزوّج أُمّها ، وإن شاء تزوّج ابنتها (٤).

ولا دلالة فيه إلاّ بمعونة التفسير المذكور ؛ لاحتمال أن يكون المعنى فيه : أنّه إذا تزوّج الامّ ولم يدخل بها فالامّ والبنت سواء في أصل الإباحة ، فإن شاء دخل بالأُمّ ، وإن شاء فارقها وتزوّج البنت ؛ ويؤيّده إفراد الضمير الراجع إلى الأُمّ في ظاهر السياق.

__________________

(١) نقله عن العماني في المختلف : ٥٢٢.

(٢) راجع ص ١٧٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٧٥ / ١١٧٠ ، الإستبصار ٣ : ١٥٨ / ٥٧٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ٥.

(٤) الكافي ٥ : ٤٢١ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٧٣ / ١١٦٨ ، الاستبصار ٣ : ١٥٧ / ٥٧٢ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٩٩ / ٢٣٩ وفيه : « الامّ والإبنة سواء إذا لم يدخل بها ، فإنّه إن شاء تزوّج ابنتها وإن شاء أُمّها » ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٣ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ٣.

١٧٦

أو أن يكون المعنى : إذا تزوّج الأُمّ أو البنت ولم يدخل بهما فهما سواء في التحريم جمعاً لا عيناً.

نعم ، الاحتمالان منتفيان بالتفسير المذكور ، إلاّ أنّه من الإمام غير معلوم ؛ لاحتمال كونه من الراوي ، ويؤيّده نقل بعض المشايخ له عن بعض الأُصول عارياً من التفسير المزبور (١).

نعم ، رواه في الفقيه كذلك ، لكن بتبديل العبارة المفسّرة بقوله بعد « سواء » : « إذا لم يدخل بأحدهما حلّت له الأُخرى » (٢) ، ويحتمل قريباً كونه منه.

ومنه يظهر اضطراب متنه ؛ لروايته تارةً من التفسير خالية ، وأُخرى بالعبارة الاولى مفسّرة ، وأُخرى بالثانية.

مع أنّ الأصل فيه جميل وحمّاد ، وهما يرويان تارةً عن مولانا الصادق عليه‌السلام بلا واسطة ، وأُخرى بواسطة الحلبي عنه ، وثالثةً بواسطة بعض الأصحاب عن أحدهما عليهما‌السلام ، وما هذا شأنه لا يجوز التعويل عليه.

والصحيح لمنصور بن حازم : قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها ، أيتزوّج بأُمّها؟ فقال عليه‌السلام : « قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً » فقلت : جعلت فداك ، ما يفخر الشيعة إلاّ بقضاء عليّ عليه‌السلام في هذه الشمخيّة (٣) التي أفتى بها ابن‌

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٤٦٤ ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٤٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ٦.

(٣) في نسخة من التهذيب : السجية ، وفي المطبوع : السمجية. وقد ورد في هامش الوسائل المحظوظ ما نصّه : السجية : الخلق والطبيعة. والشمخصية : أي المسألة العالية ، تدبّر. وورد أيضاً : الشمخية : نقل أنّه بخط الشيخ. وفي القاموس المحيط ( ١ : ٢٦٢ ) : شمخ بن فَزارَة بطن ، وصحّف الجوهري ( الصحاح ١ : ٣٢٥ ) فذكره

١٧٧

مسعود : أنّه لا بأس بذلك ، ثم أتى عليّاً عليه‌السلام ، فقال له عليّ عليه‌السلام : « من أين أخدتها »؟ فقال : من قول الله عزّ وجلّ ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (١) قال عليّ عليه‌السلام : « إنّ هذه مستثناة ، وهذه مرسلة : وأُمّهات نسائكم فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أما تسمع ما يروي هذا عن عليّ عليه‌السلام؟! » فلمّا قمت ندمت وقلت : أيّ شي‌ء صنعت؟! يقول هو : « قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً » وأقول أنا : قضى عليّ عليه‌السلام ، ولقيته بعد ذلك فقلت : جعلت فداك ، مسألة الرجل إنّما كان الذي كنت تقول ، كان زلّة منّي ، فما تقول؟ فقال : « يا شيخ ، تخبرني : أنّ عليّاً عليه‌السلام قضى فيها ، وتسألني : فما تقول فيها؟! » (٢).

وهو بالدلالة على الخلاف أشبه ؛ فإنّ عدوله عليه‌السلام عن الجواب الصريح بالجواز إلى قوله : « قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً » مشعرٌ بعدم الرضاء به واقعاً.

ولعلّ عدم رؤيتهم البأس كان لنوع من التقيّة عن رأي ابن مسعود ،

__________________

بالجيم ، فلعلّها قضية في امرأة من تلك القبيلة. منه قدس‌سره. راجع الوسائل ٢٠ : ٤٦٢. قال العلاّمة المجلسي قدس‌سره في ملاذ الأخيار ( ١٢ : ٧٧ ) : وقال الوالد العلاّمة نوّر الله ضريحه : كذا في الكافي والاستبصار بالخاء المعجمة ؛ وإنّما صارت موسومة بالشمخية : إمّا بالنسبة إلى عبد الله بن مسعود بنسبته إلى الجد ، فإنه ابن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ ؛ أو لتكبّر ابن مسعود فيها عن متابعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يقال : شمخ بأنفه أي تكبّر وارتفع ، والتقية ظاهرة من الخبر. انتهى. ويحتمل أن يكون التسمية بالشمخية لافتخار الشيعة بها من قضاياه عليه‌السلام.

(١) النساء : ٢٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٢٢ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٧٤ / ١١٦٩ ، الإستبصار ٣ : ١٥٧ / ٥٧٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ١ ؛ بتفاوت.

١٧٨

كما صرّحت به الرواية.

ويؤيّده نقل الراوي قضيّة عليّ عليه‌السلام ودعواه مع ذلك افتخار الشيعة بها ، مع عدم تكذيبه عليه‌السلام له ، بل وتقريره له بذلك ورضائه به ، كما يظهر من ذيل الرواية.

فنظم هذه الرواية في أدلّة المشهور أولى.

ومنها ينقدح وجه حمل الخبرين السابقين لو تمّ دلالتهما على التقيّة عن رأي ابن مسعود ، وحكاه في التذكرة عن مجاهد وأنس بن مالك وبشر المريسي وداود الأصفهاني (١).

( و ) تحرم ( بنتها ) أي المعقود عليها من دون وطء عليه ( جمعاً ) بينهما ( لا عيناً ) إجماعاً ، ( فلو فارق الامّ حلّت البنت ) ؛ وقد ظهر مستنده من الكتاب والسنّة المستفيضة في المسألة المتقدّمة.

( ولا تحرم مملوكة الابن على الأب ب ) مجرّد ( الملك ) بالإجماع ؛ للأصل والنصوص المستفيضة ، بل المتواترة الآتي بعضها.

( وتحرم بالوطء ) إجماعاً ؛ لعموم ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (٢).

والنصوص ، كالخبر : « إذا أتى الجارية وهي حلال ، فلا تحلّ بذلك الجارية أبداً لابنه ولا لأبيه » الحديث (٣).

بل مقتضى الصحاح الآتية التحريم بمجرّد المباشرة (٤) ، فثبوته بالوطء أولى.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٣٠ وفيه : .. ومالك بن أنس و ..

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤١٩ / ٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤١٨ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٣ ح ٥ ؛ بتفاوت.

(٤) في ص ٢٠٢ ٢٠٣.

١٧٩

( وكذلك مملوكة الأب ) إجماعاً ؛ لعين ما تقدّم من الأدلّة.

( ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر ما لم يكن عقدٌ أو تحليل ) إجماعاً ؛ لقبح التصرّف في ملك الغير ، ولفحوى النصوص الآتية قريباً.

( نعم ، يجوز أن يقوّم الأب مملوكة ابنه الصغير ) وابنته الصغيرة ( على نفسه ) بقيمة عادلة ( ثم يطؤها ) بلا خلاف في الظاهر.

للنصوص ، منها الصحيح : في الرجل يكون لبعض ولده جارية ، وولده صغار ، هل يصلح أن يطأها؟ فقال : « يقوّمها قيمة عدل ، ثم يأخذها ، ويكون لولده عليه ثمنها » (١).

وإطلاقه كغيره يقتضي عدم الفرق في وجود مصلحة أم لا ، كما ذهب إليه جماعة (٢) ، خلافاً لآخرين ، فاشترطوها (٣). والأوّل أقوى ؛ تمسّكاً بالإطلاق.

نعم ، يشترط عدم المفسدة إجماعاً.

وفي تعدية الحكم إلى الجدّ إشكال : من اختصاص النصوص بالأب ، ومن اتّحاد المعنى ، وهو أقوى ؛ لاشتراكهما في أغلب الأحكام ، بل يستفاد في بعض المواضع أولويّته عليه.

( ومن توابع هذا الفصل : تحريم أُخت الزوجة ) لأب ، أم لُامّ ، أم لهما ( جمعاً لا عيناً ) بإجماع علماء الإسلام كافّة ، وصريح الآية ( وَأَنْ

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧١ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٧١ / ١١٦٣ ، الإستبصار ٣ : ١٥٤ / ٥٦٣ ، الوسائل ٢١ : ١٤٠ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٤٠ ح ١.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٧٨ ، صاحب الحدائق ٢٣ : ٤٦٣ وحكاه في ملاذ الأخيار ١٢ : ٧١ عن والده.

(٣) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٧.

١٨٠