رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-273-3
الصفحات: ٥٠٤

أو أحدهما ، والإجماع في صورة فقدهما ، إلاّ أنّه المختار في الصورة الأُولى كما تقدّم سابقاً (١).

( ويلحق بهذا الباب مسائل ) :

( الاولى ) : لكلّ من الأب والجدّ له كغيرهما من الأولياء والوكلاء ، إلاّ من سيأتي على الأشهر الأظهر ـ تولّي طرفي العقد ، ولا بُدَّ في الأب لأحد الطرفين أن يكون وكيلاً للآخر أو وليّه ؛ لعموم أدلّتي الولاية والوكالة ، وكفاية المغايرة الاعتباريّة ؛ لعدم الدليل على اعتبار الحقيقيّة ، بل عن الخلاف الاتّفاق على عدمها عندنا (٢).

إلاّ ( الوكيل في النكاح ) عنها أو عن وليّها فـ ( لا يزوّجها من نفسه ) مع تنصيصها أو من في حكمها بتعيين الزوج ، إجماعاً.

وللصحيح : في امرأة ولّت أمرها رجلاً ، فقالت : زوّجني فلاناً ، فزوّجها من نفسه ، وكرهته المرأة ، فقالت : لا ولا كرامة ، وما أمري إلاّ بيدي ، وما ولّيتك أمري إلاّ حياءً من الكلام ، قال : « تنزع منه ويوجّع رأسه » (٣).

وكذا مع الإطلاق على الأشهر الأظهر ؛ للأصل ، وعدم انصرافه إليه ، خلافاً للتذكرة (٤).

وكذا مع العموم ك‍ : زوّجني ممّن شئت على الأحوط ، بل الأظهر ؛

__________________

(١) في ص ٨٢.

(٢) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٢٢.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٧ / ١ ، الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٧ : ٣٩١ / ١٥٦٥ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٧ أبواب عقد النكاح ب ١٠ ح ١ بتفاوت.

(٤) التذكرة ٢ : ٦٠٣.

١٠١

لظهور العموم بالإضافة إلى غيره لا إليه ، ولا أقلّ من الشكّ ، فالمصير إلى مقتضى الأصل متعيّن ، ونحوه الظنّ ؛ لعدم دليل معتدّ به على اعتباره في مثله ؛ لانحصار ما دلّ على حجّيته في غيره ، وعدم اعتباره في أمثاله غير عزيز ، وهو المطابق للأصل. فالقول بالجواز حينئذٍ مشكل.

مضافاً إلى عدم الفرق بينه وبين الإطلاق في الشمول وإن كان فيه أقوى ، والقوّة غير فارقة بينهما بالنظر إلى أصل الشمول ، الذي هو المناط في الإذن ، فتأمّل.

( ولو أذنت ) له ( في ذلك ) أي التزويج منه بالخصوص ، أو الإطلاق والعموم المحفوفين بما يدلّ على دخوله قطعاً ( فالأشبه ) الأشهر كما عن الإسكافي وفي الشرائع والقواعد والمختلف والتذكرة واللمعة والروضة والمسالك وشرح الكتاب لسبطه (١) وغيرهم (٢) ( الجواز ) ولو لزم تولية طرفي العقد ؛ للأصل المستفاد من عمومات التوكيل المتيقّنة ، المعتضدة في المقام أيضاً بالشهرة.

( وقيل : لا ) لرواية قاصرة السند ( وهي رواية عمّار ) بن موسى الساباطي الموثّقة : سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة تكون في أهل بيت ، فتكره أن يعلم بها أهلها ، يحلّ لها أن توكّل رجلاً يريد أن يتزوّجها ، تقول له : قد وكّلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : « لا » قال : قلت : وإن كانت أيّماً؟ قال : « وإن كانت أيّماً » قلت : فإن وكّلت غيره بتزويجها منه ، قال‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٤١ ، الشرائع ٢ : ٢٧٧ ، القواعد ٢ : ٧ ، المختلف : ٥٤١ ، التذكرة ٢ : ٦٠١ ، ٦٠٣ ، الروضة ٥ : ١٢٢ ، المسالك ١ : ٤٥٤ ، نهاية المرام ١ : ٨٢.

(٢) كفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٤٦.

١٠٢

« نعم » (١).

فالقول بالمنع ضعيف ، ولكنّ الأحوط مراعاتها ؛ لاعتبار سندها ، وظهور دلالتها ، واعتضادها بأصالة بقاء الحرمة بحالها ، ولو لا الشهرة لتعيّن المصير إليها.

وكيف كان ، ينبغي تخصيص المنع بموردها ؛ لانتفاء المانع في غيره من جهتها ، فيجوز الوكالة من الطرفين لشخص واحد ، فيتولّى طرفي العقد بنفسه ؛ لعموم أدلّة التوكيل ، وانتفاء المانع هنا من جهة غيرها ؛ لكفاية المغايرة الاعتباريّة ؛ لعدم دليل على اعتبار الحقيقيّة ، مع الإجماع المحكيّ كما تقدّم (٢) على عدم اعتبارها عندنا.

( الثانية : ) ( النكاح ) الفضولي صحيح ، ولكن ( يقف على الإجازة ) من وليّ العقد ، فإن أجاز لزم ، وإلاّ بطل على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن المرتضى مطلقاً (٣) ( في الحرّ والعبد ) وعن الحلّي في الأول خاصة (٤) ، وعن الخلاف في الثاني كذلك (٥).

للنصوص المستفيضة ، التي كادت تكون متواترة ، يقف عليها المتتبّع لأخبار النكاح في غير مسألة.

منها : النبويّ المتقدّم في البكر التي زوّجها أبوها فأتته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تستعدي ـ : « أجيزي ما صنع أبوك » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧٨ / ١٥٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٣ / ٨٤١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٨ أبواب عقد النكاح ب ١٠ ح ٤.

(٢) في ص ١٠١.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١١.

(٤) السرائر ٢ : ٥٦٤.

(٥) الخلاف ٤ : ٢٦٦.

(٦) في ص ٨٧.

١٠٣

والصحيح المتقدّم أيضاً في تزويج غير الأبوين الصغيرين ، المصرّح بالصحّة والوقوف على الإجازة (١).

ونحوه الخبر المتقدّم في أول الفصل في تزويج الامّ ولدها (٢).

والحسن : عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده ، فقال : « ذاك إلى سيّده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما » ، قال : فقلت : أصلحك الله ، إنّ الحكم ابن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ، فلا تحلّ إجازة السيّد له ، فقال عليه‌السلام : « إنّه لم يعص الله تعالى ، إنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (٣).

والخبر المرويّ بعدّة طرق فيها الصحيح ، وفيه : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : إنّي كنت مملوكاً لقوم ، وإنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مولاي ، ثم أعتقوني بعد ذلك ، فأجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟

فقال له : « أكانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ » فقال : نعم وسكتوا عنّي ولم يعيّروا عليّ ، فقال : « سكوتهم عنك بعد علمهم إقرارهم ، اثبت على نكاحك الأول » (٤).

ومن هذه الأخبار وإن اختصّ مواردها بالنكاح يستفاد جواز الفضولي في سائر العقود بفحوى الخطاب ؛ للاتّفاق فتوًى وروايةً على شدّة أمر النكاح ، وعدم جواز المسامحة فيه بما ربما يتسامح في غيره ، فإذا جاز‌

__________________

(١) راجع ص ٩٦.

(٢) في ص ٧٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٨ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٥٠ / ١٦٧٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣٢ ، الوسائل ٢١ : ١١٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٨ / ٤ ، وفي التهذيب ٨ : ٢٠٤ / ٧١٩ ، والوسائل ٢١ : ١١٧ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٦ ح ١ ، وفيه : يغيّروا بالغين المعجمة بدل : يعيّروا.

١٠٤

الفضولي في مثله جاز في غيره بطريق أولى ، كما لا يخفى على أولي البصيرة والنهى.

خلافاً لأحد قولي الشيخ في الخلاف والمبسوط ، فأفسد الفضولي هنا من أصله (١) ، ولفخر الدين ، فأطلق الفساد (٢).

للأصل ، وتوقيفيّة العقود الناقلة ، فلا تصحّ إلاّ بدليل ، والأخبار الناطقة بفساد النكاح بغير إذن الوليّ أو المولى :

منها : الأخبار العاميّة النافية للولاية عن البكر البالغة ، المرويّة عن أبي هريرة وعائشة (٣).

ومنها : الرواية الخاصّية الحاكمة بفساد تزويج الأمة بدون إذن سيّدها (٤).

وفي الجميع نظر ؛ لتخصيص الأصل بما تقدّم ، ومعه لا يصلح دعوى عدم الدليل.

والأخبار العاميّة المناقشة فيها واضحة ؛ حيث إنّ راويها عائشة وأبو هريرة ، اللذان هما أكذب البريّة ؛ مع أنّه أنكرها المحقّقون من العامّة ، كما في المسالك والتذكرة (٥).

والخاصّية مع ضعفها سنداً غير صريحة الدلالة ، فيحتمل أنّ الفساد بدوام عدم الإذن الغير المنافي ذلك للصحّة مع الإذن في الجملة ، ومع ذلك غير صالحة هي كما تقدّمها من الأدلّة للمعارضة لما مرّ من الأدلّة بالمرّة‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٥٧ ، المبسوط ٤ : ١٦٣.

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٧.

(٣) سنن البيهقي ٧ : ١٢٥ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٢١ / ١٠ وفيهما : عن عائشة.

(٤) الوسائل ٢١ : ١١٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٩.

(٥) المسالك ١ : ٤٥٠ ، التذكرة ٢ : ٥٨٥.

١٠٥

من وجوهٍ عديدة.

ودعوى الشيخ الإجماع على الفساد في الخلاف موهونة بمصير معظم الأصحاب بل عداه كافّة ، سوى فخر الدين إلى المخالفة له في المسألة.

( ويكفي في الإجازة سكوت البكر ) عند عرضه عليها ، إن كانت هي المعقود عليها ، كما يكفي في الإذن ابتداءً ، على الأشهر الأظهر ، بل لم يُنقل فيه خلاف إلاّ عن الحلّي (١) ، وهو محجوج بالنصّ الجلي ، كالصحيح : « في المرأة البكر إذنها صُماتها ، الثيّب أمرها إليها » (٢).

ونحوه : في الرجل يريد أن يُزوّج أخته ، قال : « يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت فلا يزوّجها » (٣) ونحوه الخبر (٤).

وفي النبويّ : « لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر ، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن ، وأنّ سكوتها إذنها » (٥).

ولعلّ الحكمة فيه : أنّها تستحيي من الجواب باللفظ في ذلك ، فاكتفي منها بالسكوت.

( و ) مقتضاها كالأصل والصحيح الأوّل أنّه ( يعتبر في ) إجازة‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٧٤.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩٤ / ٨ ، قرب الإسناد : ١٥٩ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٤ أبواب عقد النكاح ب ٥ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٣ / ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٣ أبواب عقد النكاح ب ٤ ح ٤.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٨٦ / ١٥٥٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٩ / ٨٥٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٤ أبواب عقد النكاح ب ٥ ح ٢.

(٥) غوالي اللآلي ٣ : ٣٢١ / ١٨٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٠١ / ١٨٧١ وفيه : وإذنها الصموت.

١٠٦

( الثيّب ) وإذنها كغير الباكرة مطلقاً ( النطق ) به.

ولا ريب في ذلك مع حصول الثيبوبة بالوطء مطلقاً (١) ، وأمّا مع حصولها بغيره من أسباب زوال البكارة فإشكال ، والأصحّ أنّه كالأوّل ، لا لإطلاق النصّ في الثيّب ؛ لعدم تبادر مثلها منه ، بل للشكّ في صدق كلّ من البكارة والثيبوبة عليها ؛ لكونها غير متبادرة منهما عند الإطلاق ، فلا يمكن دعوى دخولها في أحدهما ، فيتعيّن المصير في مثلها إلى حكم الأصل ، وهو يقتضي إلحاقها بالثيّب في اعتبار النطق بالإذن.

ومنه يظهر حكم الموطوءة دبراً وإنْ لم تصدق عليها الثيّب ؛ للشكّ في دخولها في البكر المطلق ، فتلحق بالثيّب ؛ للأصل.

وبالجملة : حيث كان الاكتفاء بالسكوت عن التصريح بالإذن مخالفاً للأُصول ولذا أنكره الحلّي رأساً يجب الاقتصار فيه على القدر المجمع عليه والمتيقّن دخوله في النصّ ، والرجوع في غيره إلى الإذن الصريح ، وليس ما ذكر منه.

ثم إنّ الاكتفاء بالسكوت حيث يكتفى به مشروط بالتجرّد عن القرينة المعربة عن عدم الرضاء ، وأنّ محلّه إنّما هو صورة الشكّ في رضاها وعدمه ، لا مطلقاً. هذا ما يقتضيه القواعد المرعية.

ولكن المستفاد من بعض المعتبرة الاكتفاء في الإجازة بالسكوت ولو في غير الباكرة ، كالصحيح المتقدّم في الفضولي (٢) ، المتضمّن لصحّة عقد العبد بدون إذن مواليه بسكوتهم ، وأنّ سكوتهم إقرارهم.

ونحوه خبر آخر قريب منه في عدم اعتبار النطق بالإجازة فيه : « أنّه‌

__________________

(١) أي صحيحاً كان الوطء أو شبهةً أو زناءً. منه رحمه‌الله.

(٢) راجع ص ١٠٤.

١٠٧

أتاه رجل بعبده ، فقال : إنّ عبدي تزوّج بغير إذني ، فقال عليّ عليه‌السلام لسيّده : فرّق بينهما ، فقال السيّد لعبده : يا عدوّ الله طلّق ، فقال عليه‌السلام : كيف قلت له؟ فقال : قلت له : طلّق ، فقال عليّ عليه‌السلام للعبد : أمّا الآن فإن شئت فطلّق ، وإن شئت فأمسك ، فقال السيّد : يا أمير المؤمنين ، أمرٌ كان بيدي فجعلته بيد غيري!! قال : ذلك لأنّك حيث قلت له : طلّق ، أقررت بالنكاح » (١).

وحيث إنّهما لم يُرَ مفتياً بمضمونهما ، يشكل التعويل على ظاهرهما في تخصيص الأصل المتيقّن ، مع إمكان حملهما على وجود قرينة دالّة على الرضاء سوى السكوت والأمر بالطلاق.

( الثالثة : لا تُنكح الأمة إلاّ بإذن المولى ، رجلاً كان المولى أو امرأة ) دائماً كان النكاح أو متعةً ، إجماعاً في الأول ، وعلى الأشهر الأظهر في الثاني مطلقاً ، بل عن الحلّي بلا خلاف (٢) ؛ لرجوع الشيخ المفتي بالرواية الآتية في النهاية (٣) عنها في غيرها.

للأدلّة القطعيّة ، كالعقل ، والكتاب (٤) ، والسنّة المستفيضة ، بل المتواترة.

منها الصحيح : هل يجوز للرجل أن يتمتّع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرّة؟ قال : « نعم ، إذا كان بإذن أهلها » الحديث (٥).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥٢ / ١٤٣٣ ، الوسائل ٢١ : ١١٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٧ ح ١.

(٢) السرائر ٢ : ٥٦٥.

(٣) النهاية : ٤٩٠.

(٤) النحل : ٧٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٧ / ١١١٢ ، الإستبصار ٣ : ١٤٦ / ٥٣٣ ، الوسائل ٢١ : ٤١ أبواب المتعة ب ١٦ ح ١.

١٠٨

ونحوه آخر : في رجل تزوّج امرأة حرّة ، فوجدها أمة دلّست نفسها له ، قال : « إن كان الذي زوّجها إيّاه من غير مواليها فالنكاح باطل » (١) فتأمّل.

والموثّق : الرجل يتزوّج الأمة بغير إذن أهلها ، قال : « هو زناء ، إنّ الله تعالى يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٢) » (٣).

( و ) خلاف الشيخ في النهاية ، بمصيره إلى العمل بما ( في رواية سيف ) بن عميرة الصحيحة ، المتضمّنة لـ : أنّه ( يجوز نكاح أمة المرأة من غير إذنها متعةً ).

ضعيف ؛ لأنّها مع اضطرابها سنداً ؛ لروايتها عن مولانا الصادق عليه‌السلام بلا واسطة تارة (٤) ، وبواسطة عليّ بن المغيرة تارة (٥) ، وداود بن فرقد اخرى (٦) ، مع عدم الوفاق على وثاقة الراوي ، واشتراك عليّ بن الحكم في سندها ، وإن كان الظاهر الوثاقة وعدم الاشتراك ، إلاّ أنّ مثل ذلك لا يقاوم ما خلا عنه.

مضافاً إلى عدم توافق متنها المرويّ في الطرق الثلاثة ، فذكر في الأخير : « يتزوّج » ولا قائل بعمومه إجماعاً ، سيّما مع ظهور التزويج في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٤٩ / ١٤٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٢١٦ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢١ : ١٨٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٦٧ ح ١.

(٢) النساء : ٢٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٤٨ / ١٤٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٢١٩ / ٧٩٤ ، تفسير العياشي ١ : ٢٣٤ / ٩١ ، الوسائل ٢١ : ١١٩ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٥٨ / ١١١٦ ، الإستبصار ٣ : ٢١٩ / ٧٩٧ ، الوسائل ٢١ : ٣٩ أبواب المتعة ب ١٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٥٧ / ١١١٤ ، الوسائل ٢١ : ٣٩ أبواب المتعة ب ١٤ ح ٢.

(٦) التهذيب ٧ : ٢٥٨ / ١١١٥ ، الإستبصار ٣ : ٢١٩ / ٨٩٦ ، الوسائل ٢١ : ٣٩ أبواب المتعة ب ١٤ ح ٣.

١٠٩

الدائم. وحمله على التمتّع بقرينة الطريقين الآخرين ، حمل المطلق على المقيّد فرع استفادة نفي جواز الدوام منهما ، وهو كما ترى ، فتأمّل.

وفي الآخرين : « يتمتّع » وهو يحتمل بالبيع وغيره ، ويكون الغرض جوازه من دون استبراء في أمة المرأة دون الرجل ، فيحتاج فيه إليه ، أو إلى إخباره ، وهو غير بعيد ، ولا سيّما في مقام الجمع ، وأولى من طرحها بناءً على شذوذها ؛ لرجوع الشيخ كما مرّ (١) عن مضمونها.

( و ) مع ذلك ( هي منافية للأصل ) المتيقّن بالأدلّة السابقة ، من تحريم التصرّف في ملك الغير مطلقاً بدون إذنه.

( الرابعة : إذا زوّج الأبوان ) أي الأب والجدّ ( الصغيرين ، صحّ ) التزويج ؛ لما مرّ (٢) ( وتوارثا ) قيل : بلا خلاف يعرف ، حتى ممّن خيّر الصبيّ عند الإدراك ؛ لتصريحه به مع ذلك (٣).

وعن الماتن في النكت : أنّ الخيار عند البلوغ لا ينافي التوارث (٤).

ووجهه : أنّه عقد صحيح شرعاً ، يصيران به زوجة وزوجاً ، فيثبت لهما التوارث ؛ لإطلاق الأدلّة بتوارث المتزاوجين (٥) ، والأصل بقاء الصحّة إلى طروّ المعارض ، وهو اختيار الفسخ عند البلوغ ، وهو هنا ممتنع.

ويدلّ عليه مع ذلك الصحيحان : في الصبي يزوّج الصبيّة ،

__________________

(١) في ص ١٠٨.

(٢) في ص ٧٦.

(٣) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٢.

(٤) نكت النهاية ٢ : ٣١٥.

(٥) الوسائل ٢٦ : ٢١٩ أبواب ميراث الأزواج ب ١١.

١١٠

يتوارثان؟ قال : « إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم » (١).

( ولا خيار لهما عند البلوغ ) كما مرّ (٢).

( ولو زوّجهما غير الأبوين ) مطلقاً (٣) ، كان فضوليّاً ، و ( وقف على إجازتهما ) بعد الإدراك.

( فلو ماتا أو مات أحدهما ) قبل الإجازة ( بطل العقد ) مطلقاً ، أجاز الثاني أم لا. ( ولو بلغ أحدهما فأجاز ) لزم العقد من جهته من تحريم المصاهرة ، فيحرم عليه إن كان زوجاً ـ : الأُخت ، والخامسة ، وكلّ من الامّ والبنت ، إلاّ إذا فسخت ، فلا حرمة ، على إشكال في الأُمّ ، من أنّ الفسخ كاشف عن الفساد ، أو رافع له من حينه ، والأصحّ : الأوّل ؛ فإنّ الإجازة إمّا جزء أو شرط ، وأيّهما كان فلا يصحّ النكاح بدونها. مضافاً إلى عدم تبادر هذه الصورة ممّا دلّ على حرمة الأُمّ بمجرّد العقد على البنت.

وإنْ كان زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره مطلقاً ، إلاّ إذا فسخ.

وهل لها حينئذٍ نكاح أبيه أو ابنه؟ فيه الوجهان في إباحة الامّ بالفسخ.

كلّ هذا إذا كان المجيز حيّاً.

وأمّا إن أجاز ( ثم مات ، عزل من تركته نصيب ) الآخر ( الباقي )

__________________

(١) الأول : التهذيب ٧ : ٣٨٢ / ١٥٤٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٦ / ٨٥٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٧٧ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٨. الثاني التهذيب : ٧ : ٣٨٨ / ١٥٥٦ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٢ أبواب عقد النكاح ب ١٢ ح ١.

(٢) في ص ٧٨ ٧٩.

(٣) وليّاً كان لهما في المال أم لا. منه رحمه‌الله.

١١١

إلى أن يبلغ ، ( فإذا بلغ ) ولم يجز بطل العقد ، ( و ) إنْ ( أجاز أُحلف أنّه لم يجز للرغبة ) في استيراث التركة ( وأُعطي نصيبه ) منها.

واعتبر الحلف رفعاً للتهمة في أكثر موارد المسألة ، وأمّا الباقي المنتفية فيه ككون الباقي الزوج ، والمهر بقدر الميراث أو أزيد فالأجود وفاقاً للروضة (١) عدم الحلف إن لم يتعلّق غرض بإثبات أعيان التركة بحيث يترجّح على ما ثبت عليه من الدين ، أو يخاف امتناعه من أدائه ، أو هربه ، ونحو ذلك ممّا يوجب التهمة.

ومع ذلك فالموجود في الرواية : موت الزوج وإجازة الزوجة خاصّة ، وأنّها تحلف بالله تعالى ما دعاها إلى أخذ التركة سوى الرضاء بالتزويج.

فهي لما ذكرنا غير منافية ، ولكن فتوى الأصحاب مطلقة في إثبات الحلف لأخذ التركة ، فإن كان إجماع ، وإلاّ فالمسألة محلّ مناقشة.

والمستند في هذا التفصيل : صحيحة أبي عبيدة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين ، فقال : « النكاح جائز ، وأيّهما أدرك كان على الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلاّ أن يكونا قد أدركا ورضيا » قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : « يجوز ذلك عليه إن هو رضي » قلت : فإن كان الرجل أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ، ثم مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : « نعم ، يعزل ميراثها منه حتى تدرك ، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلاّ رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر » قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال : « يجوز عليها‌

__________________

(١) الروضة ٥ : ١٤٨.

١١٢

تزويج الأب ، ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية » (١).

والمراد بالوليّين في الصدر بقرينة الذيل من عدا الأبوين ، كالوصيّ الوليّ في المال ، ونحوه.

ويستفاد منه بفحوى الخطاب حكم ما لو زوّج أحدَ الصغيرين الوليّ ، أو كان أحدهما بالغاً رشيداً وزوّج الآخر الفضولي ، فمات الأوّل ، فإنّه يعزل للثاني نصيبه ، ويحلف بعد بلوغه كذلك (٢) ، وإن مات بطل العقد ؛ للزوم (٣) العقد هنا من الطرف الآخر ، فهو أقرب إلى الثبوت ممّا هو جائز من الطرفين كما في الصغيرين وفاقاً للقواعد والمسالك والروضة (٤) وغيرهم (٥).

نعم ، لو كانا كبيرين وزوّجهما الفضولي ، ففي تعدية الحكم إليهما إشكال :

من مساواته للمنصوص في كونه فضوليّاً من الجانبين ، ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك.

ومن ثبوت الحكم في الصغيرين على خلاف الأصل ، من حيث توقّف الإرث على الحلف ، وظهور التهمة في الإجازة ، فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٣١ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٨ / ١٥٥٥ ، الوسائل ٢٦ : ٢١٩ أبواب ميراث الأزواج ب ١١ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) أي على أنّه لم يحلف للرغبة في التركة. منه رحمه‌الله.

(٣) بيان لفحوى الخطاب. منه رحمه‌الله.

(٤) القواعد ٢ : ٧ ، المسالك ١ : ٤٥٩ ، الروضة ٥ : ١٤٥.

(٥) كفاية الأحكام : ١٥٧ ، كشف اللثام ٢ : ٢٢.

١١٣

وقبل إجازة الآخر. وهو أوجه ، وفاقاً للقواعد (١) وجماعة (٢).

والأولويّة المدّعاة لتصحيح الأول للفقير غير مفهومة.

وفي ثبوت المهر على الزوج إذا كان هو الباقي خاصّة بمجرّد الإجازة من دون الحلف ، وجهان :

من أنّه حقّ مترتّب على ثبوت النكاح ، ولم يثبت بدونهما (٣).

ومن أنّ الإجازة كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به ، كالمهر ؛ وإنّما يتوقّف الإرث على اليمين لقيام التهمة وعود النفع إليه محضاً ، فيثبت ما يعود عليه دون ماله ، ولا بُعدَ في تبعّض الحكم وإن تنافي الأصلان الموجبان لهذين الحكمين أي الزوجيّة وعدمها وله نظائر كثيرة في الشريعة ، منها : ما لو اختلفا في تحقّق النكاح ، فإنّ مدّعيه يحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر ، ولا يثبت النكاح ظاهراً ، وإطلاق النصّ بتوقّف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر.

وهذا هو الأقوى ، وعليه ففي إرثه منه (٤) إشكال : من توقّف الإرث على اليمين ، ومن أنّ الإقرار لا يوجب المؤاخذة إلاّ بنصف المهر ، فإنّ غاية ما يلزم : تحقّق الزوجيّة في طرفه ، وهو لا يستلزم إلاّ ثبوت نصف المهر ، ولا دليل على الزائد. وهذا أوجه ، وفاقاً لفخر الإسلام (٥) وجماعة (٦).

__________________

(١) القواعد ٢ : ٧.

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ١٤٦ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٣ : ٢٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٣.

(٣) أي الإجازة واليمين. منه رحمه‌الله.

(٤) أي المهر. منه رحمه‌الله.

(٥) راجع إيضاح الفوائد ٣ : ٢٩.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٥٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٣.

١١٤

ثم إن مات الباقي بعد الإجازة وقبل اليمين ، ففي استحقاقه التركة إشكال : من تمام الزوجيّة ، ومن توقّف الإرث على اليمين. وهو الوجه ، وفاقاً لفخر الإسلام (١) ؛ لمنع تمام الزوجيّة ، فإنّه بالإجازة الخالية عن التهمة.

وأمّا لو جنّ قبل الأمرين أو أحدهما ، عزل نصيبه من العين إن أمكن ، وإلاّ فمن المثل أو القيمة إلى الإفاقة مطلقاً ، أو مع عدم خوف الضرر على الوارث أو المال ، فيدفع إليه معه (٢) ، ويضمن للمجنون إن أفاق وأجاز وحلف ؛ لعدم معلوميّة استحقاقه الآن ، والأصل عدمه ؛ مضافاً إلى انتفاء الضرر والإضرار في الشريعة.

( الخامسة : إذا زوّجها الأخوان ) مطلقاً (٣) أو أجنبيّان ( برجلين ، فإن تبرّعا ) ولم يوكَّلا فالعقدان فضوليّان ( اختارت أيّهما شاءت ) وفسخت الآخر ، أو فسختهما مطلقاً ، اقترنا زماناً أو اختلفا ، ولكن ينبغي لها اختيار من عقد عليه أكبر الأخوين مع تساوي المعقود عليهما في الرجحان ، وإلاّ فمن ترجّح ولو كان من عقد عليه الأصغر.

كلّ ذا إذا لم تَدْخل بأحدهما ، ومعه قبل الإجازة بلفظ ونحوه ثبت عقد من دخلت به وبطل الآخر ؛ لأنّه أقوى الإجازات.

وإن اختصّ التبرّع بأحدهما كان العقد للوكيل مطلقاً ، مع الاقتران أو الاختلاف ، كان المتبرّع أو الوكيل الأخ الأكبر أم الأصغر أم غيرهما.

( وإن كانا ) معاً ( وكيلين وسبق أحدهما ) بالنكاح ( فالعقد له ) مطلقاً على الأشهر الأظهر خلافاً للشيخ في بعض الصور كما سيظهر ـ

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٨ ٢٩.

(٢) أي مع خوف الضرر. منه رحمه‌الله.

(٣) أي سواء اتّحدا سنّاً أم تغايرا بالكبر والصغر. منه رحمه‌الله.

١١٥

وبطل المتأخّر مطلقاً ، دخل بها من عقد عليه أم لا ؛ لوقوع الأول صحيحاً ؛ لاستجماعه الشرائط ، والثاني باطلاً ؛ لوقوعه عليها وهي في عصمة الأول ، وتسلَّم إليه مع عدم الدخول.

( ولو دخلت بالأخير ) فهو زناء منهما إن علما بالحال ، فلا مهر ولا لحوق ولد ، ومنها خاصّة إن علمت هي دونه ، فينتفي الأول دون الثاني فـ ( لحق به الولد ) ومنه إن علم ، فينعكس ، فلها المهر ولا لحوق به.

ووطء شبهة إن جهلا ، فيلحق به الولد ( وأُعيدت إلى الأوّل بعد انقضاء العدّة ) من الثاني ، عدّة الطلاق لوطء الشبهة هنا ، وفي الصورة الثانية (١) للشبهة الموجبة للعدّة ، ( ولها المهر ) هنا دونها ( للشبهة ) وهل المراد به المثل؟ كما عن المبسوط والتحرير (٢) وغيرهما (٣) ؛ بناءً على فساد العقد الموجب لفساد التسمية.

أو المسمّى؟ كما عن محتمل التذكرة (٤) ؛ لإقدامهما بالرضاء به.

وجهان ، أوجههما : الأول ؛ لإناطة الرضاء بالصحّة لا مطلقاً.

نعم ، في الحسن أو الصحيح : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلاً ، ثم أنكحتها أمّها رجلاً بعد ذلك ، فدخل بها ، فحبلت ، فاحتقّا فيها ، فأقام الأول الشهود ، فألحقها بالأول ، وجعل لها الصداقين جميعاً ، ومنع زوجها الذي حقّت له أن يدخل بها حتى تضع حملها ، ثم ألحق الولد [ بأبيه ] » (٥).

__________________

(١) أي جهل الواطئ خاصّة. منه رحمه‌الله.

(٢) المبسوط ٤ : ١٨٢ ، التحرير ٢ : ٨.

(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ٢٤.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٩٧.

(٥) الكافي ٥ : ٣٩٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٦ / ١٥٥٢ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٠ / ٨٥٩ ،

١١٦

وظاهره : الثاني ، بعد حمله على ثبوت وكالة العاقدين فيه ، ولكن ليس نصّاً ، وهو أحوط.

( وإن اتّفقا ) زماناً باقترانهما في القبول ( بطلا ) معاً ، إجماعاً فيما عدا الأخوين ، وفيهما أيضاً على الأشهر الأظهر ؛ لامتناع الحكم بصحّتهما ؛ للتباين (١) ، وبصحّة أحدهما دون الآخر ؛ لأنّه ترجيح من غير مرجّح.

( وقيل : العقد عقد الأكبر ) مطلقاً (٢) ، إلاّ مع دخول من عقد عليه الأصغر ، فيكون له حينئذ ، إلاّ مع سبق عقد الأكبر ، كما عن النهاية والقاضي (٣) ؛ أو مع الاتّفاق زماناً خاصّة (٤) ، بشرط أن لا يدخل من عقد عليه الأصغر ، كما عن التهذيبين والمختلف وابن سعيد وابن حمزة (٥) ، إلاّ أنّه لم يذكر الشرط.

للخبر : عن جارية كان لها أخَوان ، زوّجها الأكبر بالكوفة ، وزوّجها الأصغر بأرض أُخرى ، قال : « الأول بها أولى ، إلاّ أن يكون الأخير قد دخل بها ، فهي امرأته ، ونكاحه جائز » (٦).

__________________

الوسائل ٢٠ : ٢٨٠ أبواب عقد النكاح ب ٧ ح ٢ ؛ بتفاوت ، وبدل ما بين المعقوفين في « ص » و « ح » : به ، وما أثبتناه من المصدر.

(١) في هامش الأصل زيادة : بعبارة أُخرى : لاستلزام الحكم بصحتهما الجمع بين المتباينين ، وبأحدهما الترجيح من غير مرجّح.

(٢) اقترن العقدان أم اختلفا. منه رحمه‌الله.

(٣) النهاية : ٤٦٦ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٩٥.

(٤) فلو سبق الأصغر على الأكبر قدّم عقده على عقده وإن لم يكن دخول ، بخلاف القول الأول ، فإنّه يقدّم فيه الأكبر على الأصغر مطلقاً ، حتى هنا. منه رحمه‌الله.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٠ ، المختلف : ٥٣٧ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٠.

(٦) الكافي ٥ : ٣٩٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٧ / ١٥٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٩ / ٨٥٨ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨١ أبواب عقد النكاح ب ٧ ح ٤.

١١٧

وهو مع قصور سنده بجهالة الراوي وإن اعتضد برواية صفوان عنه لا دلالة فيه على شي‌ء من القولين ؛ لإطلاق تقديم عقد من دخل من دون اشتراط فيه لعدم سبق عقد الأكبر ، كما في الأول (١) ؛ وعدم تصريح فيه بالاقتران فضلاً عن اشتراطه لتقديم الأكبر ، كما في الثاني ، مضافاً إلى ظهوره بالغلبة في مورده في خلافه.

ومع ذلك كلّه ، فمبنى الاستدلال فيه شيئان :

أحدهما : كون المراد من : « الأول » فيه : الأخ الأكبر ، ولا نصّ بل ولا ظهور فيه عليه ، فيحتمل كون المراد منه : السابق في العقد ، وهو الأوفق بالأُصول ، وإن خالفها مع ذلك بترجيح التالي عليه بمجرّد الدخول الغير الصالح هنا لذلك ، ولكن مع ذلك أولى من إرادة الأخ الأكبر منه ؛ لمخالفته لها حينئذٍ من وجهين.

والثاني : كون الأخوين فيه وكيلين ، ولا إشعار فيه بذلك ، فيحتمل كونهما فضوليّين كما يقتضيه إطلاقه (٢) ، مع أنّ الأصل وظاهر الحال يقتضي عدم التوكيل ، ويصحّ حينئذٍ الحكم بتقديم من حصل في حقّه دخول ؛ لكونه إجازةً لعقده كما مرّ (٣).

ويرفع الإشكال في تقديم الأكبر أو السابق مع عدم الدخول حينئذٍ بالحمل على الاستحباب ، بمعنى : أنّه يستحبّ لها تقديم عقد الأكبر أو السابق ما لم يكن دخول ، وإلاّ تعيّن تقديم الداخل ؛ لتحقّق الإجازة به كما مرّ ، فيزول معنى التخيير.

__________________

(١) أي القول الأول. منه رحمه‌الله.

(٢) أي الخبر. منه رحمه‌الله.

(٣) في ص ١١٥.

١١٨

وهذا أولى ما ينزّل عليه الرواية ، وأوفق بأُصول المذهب. وبهذا التنزيل صرّح جماعة (١) ، فسقط كلام الشيخ ومن تبعه في القولين.

ثم إنّ جميع ما ذكر مع معلوميّة السبق والاقتران ، وأمّا مع جهلهما مطلقاً ولو كان طارئاً ففي إيقاف النكاح إلى الاستبانة كما عن المبسوط والتحرير (٢) بناءً على أنّه إشكالٌ يرجى زواله ، نظر ؛ لاستلزامه الإضرار بالمرأة ، المنفيّ بالأدلّة القطعيّة ، فالأجود عدمه وفاقاً لجماعة (٣).

وهل يصار حينئذٍ إلى القرعة ؛ بناءً على أنّها لكلّ أمر مشكل ، مع أمر من وقعت له بتجديد النكاح ، ومن لم تقع له بالطلاق ؛ احتياطاً في الفروج ؛ لعدم إفادة القرعة العلم بالزوجيّة ، مع أصالة عدمها؟

أو إجبار كلّ منهما بالطلاق ؛ لرفع الضرر عن المرأة ، وهو إجبارٌ بحقّ ، فلا ينافي صحّته؟

أو فسخ الحاكم النكاح بالنسبة إلى كلّ منهما ؛ لما فيه من اندفاع الضرر ، مع السلامة من ارتكاب الإجبار على الطلاق والقرعة التي لا مجال لها في الأُمور التي هي مناط الاحتياط التامّ وهي الأنكحة التي يترتّب عليها الأنساب والتوارث والمحرميّة؟

احتمالات ، أقواها : الأول ؛ لعموم أدلّته (٤). وعزله عن المقام لكونه مناطاً للاحتياط التام ، ولا مجال له فيه اجتهادٌ في مقابلة الدليل العامّ.

__________________

(١) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٨ ، الشهيد الأول في اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١٥١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٦٥.

(٢) المبسوط ٤ : ١٨٠ ، التحرير ٢ : ٨.

(٣) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥ ، والبحراني في الحدائق ٢٣ : ٣٠٣.

(٤) الوسائل ٢٧ : ٢٥٧ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٣.

١١٩

( السادسة ) : تقدّم في أوّل الفصل أنّه : ( لا ولاية للأُمّ ) وأبيها على الولد مطلقاً ( فلو زوّجت الولد فأجاز صحّ ) مطلقاً ، ذكراً كان أو أُنثى ، وقع التزويج في الصغر أو الكبر ؛ لكونه فضوليّاً ، فيشمله عموم أدلّته.

( ولو أنكر بطل ) العقد مطلقاً إجماعاً ، وتبعه المهر كذلك (١) فيما لو كان المعقود عليه فضولاً أُنثى ، وعلى الأشهر الأظهر فيما عداه أيضاً.

( وقيل ) وهو الشيخ في النهاية : ( يلزمها ) أي الأُمّ ( المهر ) للمعقود عليها تماماً (٢).

للخبر : عن رجل زوّجته امّه وهو غائب ، قال : « النكاح جائز ، إن شاء المتزوّج قبل ، وإن شاء ترك ، فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأُمّه » (٣).

وليس فيه مع ضعفه كما ترى دلالة عليه ، بل يدلّ على خلافه ؛ للتصريح فيه بأنّ المهر لازم لُامّه ، وهو غير لزومه عليها ، فالمعنى حينئذٍ : أنّه لا مهر عليها ، بل لها استعادته مع الدفع ، والامتناع منه مع عدمه ، فعلى أيّ تقديرٍ هو لها لا عليها.

ويفهم منه عدم لزومه لها مع الإجازة ، بل عليها ؛ ولعلّه لبذلها إيّاه لها من نفسها ، فتكون كمن ضمنه عن الزوج لها.

ولا يحتاج حينئذٍ إلى حمله على ادّعاء الوكالة الموجب للمهر ؛ لتضمّنه التغرير الموجب للضمان ، مع عدم إشعار الخبر به.

مضافاً إلى التأمّل في صحّته ، بناءً على أنّ البضع إنّما يضمن‌

__________________

(١) أي إجماعاً. منه رحمه‌الله.

(٢) النهاية : ٤٦٨.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠١ / ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨١ أبواب عقد النكاح ب ٧ ح ٣.

١٢٠