رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

المرجوحية فتوًى ورواية ، كما لا خلاف في المنع التحريمي مع نهي الإمام عنها ، ولا الوجوب العيني مع أمره وإلزامه بها شخصاً معيّناً ، والكفائي مع أمره بها جماعة ليقوم بها واحد منهم ، ولا الاستحباب إذا ندب إليها من غير أمر جازم.

وإنما الخلاف في التحريم في غير الصور المزبورة.

والمشهور بين المتأخرين الكراهة. ولا يخلو عن قوة ؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة عدا رواية ضعيفة : عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام ، فقال : « لا بأس ، ولكن لا يطلب ذلك إلاّ بإذن الإمام » (١).

ولكن الأحوط مراعاتها ، فقد عمل بها الشيخ في النهاية والحلّي وابن حمزة (٢).

ويدلّ على رجحان الاستيذان مضافاً إلى النصّ والوفاق الاعتبار والآثار ، لأنّ الإمام أعلم بفرسانه وفرسان المشركين ، ومن يصلح للمبارزة ومن لا يصلح لها ، وربما حصل ضرر بذلك ، فإنّه إذا انكسر صاحبهم كسر قلوبهم ، فينبغي أن يفوّض النظر إليه ليختار للمبارزة من يرتضيه لها ، فيكون أقرب إلى الظفر وأحفظ لقلوب المسلمين وكسر قلوب المشركين.

قال في المنتهى : ويؤيّده ما رواه الجمهور : إنّ عليّاً عليه‌السلام وحمزة وعبيداً استأذنوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٤ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٦٩ / ٣٢٣ ، الوسائل ١٥ : ٨٩ أبواب جهاد العدو ب ٣١ ح ١.

(٢) النهاية : ٢٩٣ ، الحلي في السرائر ٢ : ٨ ؛ ولم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة.

(٣) المنتهى ٢ : ٩١٢.

٨١

( النظر الثالث : في التوابع )

( وهي أربعة ) ‌

( الأوّل : في قسمة ألفيء ) وهو والغنيمة بمعنى واحد على قول (١) ، وعلى آخر حكاهما في كنز العرفان ـ : أنه ما أُخذ من الكفّار بغير قتال ، والغنيمة : ما أُخذ بقتال.

وفي الكنز : أنّ هذا مذهب أصحابنا والشافعي ، وهو مرويّ عن الباقر والصادق عليهما‌السلام. وعند أصحابنا والشافعي أنّ ألفي للإمام خاصةً ، والغنيمة يخرج منها الخمس والباقي بعد المُؤَن للمقاتلين ومن حضر القتال (٢).

أقول : وعلى هذا فالتعبير بالغنيمة أولى ، كما في جملة من كتب أصحابنا (٣).

وكيفيتها : أنه ( يجب إخراج ما شرطه الإمام ) للمقاتل وغيره ( أوّلاً كالجعائل ) التي يجعلها للمصالح ، كالدليل على عورة أو طريق ، فيبدأ بها ( ثم ما يحتاج إليه الغنيمة ) من المُؤَن ( كأُجرة الحافظ والراعي ) والناقل وأضرابهم ( وبما يرضخ ) والمراد به هنا العطاء اليسير الذي لا يبلغ سهم من يعطاه لو كان مستحقّاً للسهم ، كما يرضخ ( لمن لا قسمة له كالنساء والعبيد والكفّار ).

( ثم يخرج الخمس ) بعد ذلك وفاقاً للمبسوط والأكثر (٤).

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ٢٤٩.

(٢) كنز العرفان ١ : ٢٤٨.

(٣) كالمبسوط ٢ : ٣٥ ، والشرائع ١ : ١٧٩ ، والروضة البهية ٢ : ٤٠٠.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٨ ؛ وأُنظر الجامع للشرائع : ٢٣٩ ، والتحرير ١ : ١٤٦ ، والمنتهى ٢ : ٩٢٢.

٨٢

ولا إشكال في نحو السلب ؛ لتعلّق الحقّ بالعين فلا تدخل في الغنيمة. ونحوه ما يصطفيه الإمام لنفسه ، من فرس أو جارية أو سيف أو درع أو غير ذلك ممّا يشاء ؛ للنصّ المعتبر : « وللإمام صفو المال ، أن يأخذ الجارية الفارهة ، والدابة الفارهة ، والثوب والمتاع ممّا يحب أو يشتهي ، فذلك له قبل قسمة المال وقبل إخراج الخمس ، وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينويه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم وغير ذلك مما ينويه ، فإن بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج منه الخمس فقسّمه في أهله وقسّم الباقي على من ولي ذلك ، وإن لم يبق بعد سدّ النوائب شي‌ء فلا شي‌ء لهم » الحديث (١).

وضعفه بالإرسال مجبور بكونه من حماد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه ، مع الإجماع المستفاد من الغنية في الصفو (٢).

وقريب منهما المُؤَن ؛ لهذا النصّ ، ولما قيل : من أنّ الغنيمة في الحقيقة هو ما حصل واستقرّ ملك الغانمين عليه ، وذلك إنّما هو بعدها (٣).

وبه استدلّ على الرضخ أيضاً.

ويضعّف بأنّه في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة ، غايته أنّه ناقص عن السهام ، وذلك غير مانع ، كما أنّ نقصان سهم الراجل عن سهم الفارس غير مؤثّر في تقدّم الخمس عليه. وإطلاق اسم الغنيمة على المال المدقوع رضخاً واضح.

فوجوب الخمس فيه قويّ ، وفاقاً للشهيدين في الدروس والمسالك‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٠ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٢.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٥٨٤.

٨٣

والروضة (١) ، أخذاً بعموم الآية ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) (٢) الآية ، السليمة هنا عمّا يصلح للمعارضة سوى ما عرفت ضعفه.

ولعلّه لذلك قال الشيخ في الخلاف فيما حكي عنه بتقديم الخمس على الأُمور المزبورة (٣). وهو حسن في الرضخ ، ويوافقه قول الإسكافي بتقدّمه على النفل (٤). قيل : هو بالتحريك ، واصلة الزيادة ، والمراد هنا زيادة الإمام لبعض الغانمين على نصيبه شيئاً من الغنيمة لمصلحة ، كدلالة وإمارة وسرية وتهجّم على قرن أو حصن وتجسيس حال ، وغيرها ممّا فيه نكاية الكفّار (٥).

وضعف فيما عداه ؛ لما مضى من خروج ذلك عن الغنيمة ، فلا يدخل في إطلاق الآية وعمومها.

بل يمكن القول بتقدّم نحو الرضخ على الخمس أيضاً ؛ لعموم النصّ المتقدّم لولا قصور سنده عن الصحة ودلالته عن الصراحة مع عدم جابر له بالإضافة إليه ، كما في الصفر ، لصراحة دلالته فيه وانجبار ضعف سنده بالنسبة إليه بإجماع الغنية (٦).

إلاّ أن يقال بأنّ الظهور كافٍ في الدلالة ، وعمل الأكثر كافٍ في جبر السند.

وفي المختلف قدّم الخمس على الجميع إن لم يشترط الإمام لأرباب‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٥ ، المسالك ١ : ١٥٦ ، الروضة ٢ : ٤٠٣.

(٢) الأنفال : ٤١.

(٣) الخلاف ٤ : ١٩٨.

(٤) على ما نقله عنه في المختلف : ٢٠٣.

(٥) الروضة ٢ : ٤٠٣.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤.

٨٤

الحقوق حقوقهم من غير خمس (١). وهو أحوط ، وأحوط منه ما عن الخلاف مرّ.

( و ) إخراج ما مرّ ( يقسّم الباقي ) من الأربعة الأخماس الباقية ( بين المقاتلة ومن حضر القتال ) ليقاتل ( وإن لم يقاتل حتى الطفل ) الذكر من أولاد المقاتلين ، دون غيرهم ممّن حضر لصنعة أو حرفة ، كالبيطار والنقّال والسائس والحافظ إذا لم يقاتلوا ( ولو ولد بعد الحيازة قبل القسمة ) بلا خلاف فيه أجده بيننا ، بل في ظاهر الغنية والمنتهى : أنّ عليه إجماعنا (٢).

للخبرين : « إذا ولد المولود في أرض الحرب أُسهم له » (٣) كما في أحدهما ، أو : « قسم له ممّا أفاء الله تعالى عليهم » (٤) كما في ثانيهما.

( وكذا من يلتحق بهم من المدد ) الواصل إليهم ليقاتل معهم فلم يدرك القتال ، فيُسهم له حين وصوله بعد الحيازة قبل القسمة ، بغير خلاف أجده هنا أيضاً ، وفي ظاهر الكتابين والتحرير : أنّ عليه إجماعنا (٥).

للنّص : عن الجيش إذا غزوا أهل الحرب فغنموا غنيمة ، ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ، ولم يلقوا عدوّاً حتّى خرجوا إلى دار الإسلام ، هل يشاركونهم فيها؟ قال : « نعم » (٦).

__________________

(١) المختلف : ٣٢٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤ ، المنتهى ٢ : ٩٤٧.

(٣) قرب الإسناد : ١٣٨ / ٤٨٧ ، الوسائل ١٥ : ١١٣ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٩.

(٤) التهذيب ٦ : ١٤٧ / ٢٥٩ ، الوسائل ١٥ : ١١٣ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٨.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤ ، المنتهى ٢ : ٩٥٢ ، التحرير ١ : ١٤٦.

(٦) الكافي ٥ : ٤٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٥ / ٢٥٣ ، الوسائل ١٥ : ١٠٢ أبواب جهاد العدو ب ٣٧ ح ١.

٨٥

وهو وإن شمل صورة الوصول إليهم بعد القسمة ، لكنّها خارجة بإجماع العلماء ، كما في صريح التحرير والمنتهى ، وفيهما إجماعهم على الإسهام له إذا كان الالتحاق بهم قبل تقضّي الحرب (١).

وفي الخبر : الرجل يأتي القوم وقد غنموا ولم يكن ممّن شهد القتال ، قال : « هؤلاء المحرومون » فأمر أن يسهم لهم (٢).

قيل : وذكر الشيخ أنّه يحتمل الحمل على ما لو لحقوهم بعد الخروج إلى دار الإسلام ، وأنّ الأوّل يحتمل التخصيص بحضور القتال (٣). انتهى.

والأقرب حمل الثاني على أنّهم محرومون من ثواب القتال خاصّة لا من الإسهام ، ولذا أمر به لهم ( للراجل سهم ) وهو من ليس معه فرس سواء كان راجلاً أو راكباً غير الفرس ( وللفارس سهمان ).

بلا خلاف في الأوّل بين العلماء كما في المنتهى (٤). وكذا في الثاني بيننا إلاّ من الإسكافي المشار إلى قوله بقوله : ( وقيل : للفارس ثلاثة ) سهم (٥). وهو نادر ، وفي ظاهر الغنية الإجماع على خلافه (٦).

للنصّ (٧) المعمول به عندنا وإن ضعف سنداً ، لانجباره بعمل‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٤٦ ، المنتهى ٢ : ٩٥٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥ / ٦ ، التهذيب ٦ : ١٤٦ / ٢٥٤ ، الوسائل ١٥ : ١٠٣ أبواب جهاد العدو ب ٣٧ ح ٢.

(٣) الاستبصار ٣ : ٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٩٤٩.

(٥) حكاه عنه في المنتهى ٢ : ٩٤٩.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤.

(٧) الكافي ٥ : ٤٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٥ / ٢٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣ / ٣ ، الوسائل ١٥ : ١٠٣ أبواب جهاد العدو ب ٣٨ ح ١.

٨٦

الأصحاب كما في التنقيح (١). وفي المسالك : العمل عليه وإن ضعف السند (٢).

ولعله للأصل ، مع ضعف سند المعارض الدالّ على الثلاثة (٣) ، مع احتماله الحمل على التقية ، لنقله في المنتهى عن أكثر العامة (٤) ، هذا مضافاً إلى الشهرة المقطوع بها المنقولة في كلام جماعة مستفيضاً (٥).

( ولو كان معه أفراس أُسهم لفرسين ) منها ( دون ما زاد ) فله ثلاثة أسهم مطلقاً ، بالنصّ والإجماع.

ففي المرتضوي : « إذا كان مع الرجل أفراس لم يسهم له إلاّ لفرسين منها » (٦).

وعليه يحمل إطلاق ما دلّ على أنّ للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً ، بحمله على ما إذا تعدّدت أفراسه.

ويؤيده الخبر : « إنّ علياً عليه‌السلام كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم ، سهمين لفرسيه وسهماً له ، ويجعل للراجل سهماً » (٧).

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٥٨٥.

(٢) المسالك ١ : ١٥٦.

(٣) قرب الإسناد : ٨٧ / ٢٨٨ ، الوسائل ١٥ : ١٠٤ أبواب جهاد العدو ب ٣٨ ح ٢ ؛ والتهذيب ٦ : ١٤٧ / ٢٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٣ / ٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٦ أبواب جهاد العدو ب ٤٢ ح ٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٩٤٩.

(٥) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٤١٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٤٠٥ ، والمسالك ١ : ١٥٦.

(٦) الكافي ٥ : ٤٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٤٧ / ٢٥٦ ، الإستبصار ٣ : ٤ / ٦ ، الوسائل ١٥ : ١١٥ أبواب جهاد العدو ب ٤٢ ح ١.

(٧) التهذيب ٦ : ١٤٧ / ٢٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٤ / ٥ ، الوسائل ١٥ : ١١٦ أبواب جهاد العدو ب ٤٢ ح ٣.

٨٧

ولكن يحتمل الحمل على التقية كما مضى.

( وكذا يقسّم ) بينهم للراجل سهم وللفارس سهمان ولذوي الأفراس ثلاثة ( لو قاتلوا في السفن ) مطلقاً ( وإن استغنوا عن الخيل ) بلا خلاف فيه ظاهراً ، وصرّح به في المنتهي (١) مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، كما في صريح الغنية (٢).

للنصّ المنجبر بالعمل : عن سريّة كانوا في سفينة ، فقاتلوا وغنموا وفيهم من معه الفرس ، وإنّما قاتلوهم في السفينة ولم يركب صاحب الفرس فرسه ، كيف تقسّم الغنيمة بينهم؟ فقال : « للفارس سهمان ، وللراجل سهم » قلت : ولم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم ، قال : « أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف اقسّم بينهم؟ ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهماً وهم الذين غنموا دون الفرسان؟

» قلت : فهل يجوز للإمام أن ينقل؟ فقال : « له أن ينقل قبل القتال ، فأمّا بعد القتال والغنيمة لا يجوز ذلك ، لأنّ الغنيمة قد أُحرزت » (٣).

( ولا يسهم لغير الخيل ) من سائر الدواب ، كالإبل والبقر والحمير والبغال ( ويكون راكبها في الغنيمة كالراجل ) يكون له سهم واحد ، بلا خلاف كما في السرائر (٤).

وفي المنتهى : قال به علمائنا أجمع ، وهو قول عامّة أهل العلم ومذهب الفقهاء في القديم والحديث. وعن الحسن البصري أنّه يسهم‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٥١.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٤ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٥ / ٢٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٣ / ٣ ، الوسائل ١٥ : ١٠٣ أبواب جهاد العدو ب ٣٨ ح ١.

(٤) السرائر ٢ : ١٠.

٨٨

للإبل خاصة ، وعن أحمد روايتان. لنا : أنّه لم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسهام غير الخيل من البهائم وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيراً ولم ينفك غزواته عليه‌السلام من استصحاب البُخت ، بل كانت هي الغالب على دوابّهم ، ولو أسهم لها لنقل ، وكذلك لم ينقل عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام بعده سهم للإبل ولا غير الخيل من الدّواب. ولأنّ الفرس ينفرد بالكرّ والفرّ والطلب والهرب ، بخلاف الإبل ، فإنّها لا تصلح لذلك فأشبهت البغال والحمير (١).

واعلم أنّ الفارس إنّما يعزل له سهمان إذا كان فارساً عند الحيازة للغنيمة لا قبلها.

وإليه أشار بقوله : ( والاعتبار بكونه فارساً عند الحيازة لا بـ ) كونه فارساً عند ( دخول المعركة ).

فلو ذهب فرسه قبل تقضّي الحرب لم يسهم لفرسه ، ولو دخل راجلاً فأحرز الغنيمة وهو فارس فله سهم فارس ، بلا خلاف ظاهر بيننا في الحكم الأوّل ، وكذلك في الثاني على ما يظهر من المنتهى حيث لم ينقل فيهما خلافاً منّا (٢).

قال في المسالك : لا إشكال في عدم اعتباره عند دخول المعركة ، وإنّما الكلام في اشتراط كونه على الوصف عند الحيازة ، أو يعتبر كونه كذلك عند القسمة ، لأنّه محل اعتبار الفارس والراجل ليدفع إليهما حقّهما. والذي اختاره المصنّف وأكثر الجماعة الأوّل. وهو واضح على القول بأنّه يملك بها ، فلا يتحقق الملك إلاّ بذلك. وينبّه على اعتبار الثاني استحقاق المولود والمدد اللاحق بعد الغنيمة وقبل القسمة ، واختاره المحقق الشيخ‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٥١.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٥١.

٨٩

علي. ولا بأس به.

وقد اختلف نسخ القواعد في هذه المسألة ، ففي بعضها اعتبار الحيازة لا القسمة كما هنا ، وفي بعضها اعتبارها إلى القسمة ، فلا بدّ من وجوده فارساً في الحال بأسرها من الحيازة إلى القسمة ، وفي بعضها اعتبار الحيازة أو القسمة ، وظاهره الاكتفاء بأحدهما ، ويحتمل أن يكون موضع التردّد واختيار ، أو لينبّه على القولين المتقدمين الدالّين على أنّ وقت الملك هل هو الحيازة أو القسمة (١)؟ انتهى.

وما اختاره حسن. ويعضده زيادة على ما ذكر صدق اسم الفارس قبل القسمة إذا كان فارساً عندها ولو كان عند الحيازة راجلاً ، فيدخل في الإطلاقات. ولعلّه يشير إلى هذا قوله : لأنّه محل اعتبار الفارس. لكن يستفاد من قوله : وهو واضح على القول بأنّه يملك بالحيازة ، أنّه لا وجه لقوله حينئذٍ.

والرواية السابقة (٢) الواردة في القتال ظاهرة في التملك بالحيازة ؛ لمنعها عن النفل بعد القتال معلّلة بعلّة ظاهرة في ذلك. وضعف السند مجبور بالعمل كما مرّ ، ومع ذلك فظاهر المنتهى عدم خلاف فيه بيننا. وعليه فلعلّ ما عليه الأكثر أظهر ، سيّما مع عدم ظهور مخالف فيه عداه والمحقق الثاني (٣).

( والجيش يشارك سريّته ) بالفتح وتخفيف الراء وتشديد الياء ، وهي جملة من العسكر الصادرة منه في غنيمتها ، كما هنا وفي الشرائع والسرائر والدروس والتحرير والمسالك (٤) وفيهما : وكذا لو غنم الجيش‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٥٦.

(٢) في ص ٨٨.

(٣) جامع المقاصد ٣ : ٤١٧.

(٤) الشرائع ١ : ٣٢٥ ، السرائر ٢ : ٩ ، الدروس ٢ : ٣٦ ، التحرير ١ : ١٤٧ ، المسالك ١ : ١٥٦.

٩٠

شاركهم السريّة ، وفي الأخير : أنّه موضع وفاق. ثم فيهما وفي الشرائع : وكذا لو تعدّدت السرايا عن جيش واحد فإنّ كلا منها يشارك الآخر ، وفي التحرير : سواء بعثها إلى جهة واحدة أو جهتين. ثم فيهما : ولو بعث الأمير رسولاً لمصلحة الجيش أو دليلاً أو جاسوساً لينظر عددهم وينقل أخبارهم فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم أُسهم له (١).

وظاهرهم عدم الخلاف في شي‌ء من ذلك بيننا ، كما صرّح به في المنتهى في جملة منها (٢) ؛ ولعلّه الحجة المؤيّدة بفحوى ما مرّ في مشاركة المولود إذا ولد قبل قسمة المقاتلة ، وبأنّ الجيش مدد السرية فيشاركهم في الغنيمة. وبه استدل في السرائر (٣).

( ولا يشاركها ) أي السريّة ( عسكر البلد ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير (٤) ، وزاد فيه : ولو بعث سريّتين أو جيشين وهو مقيم فكل واحد منهم يختصّ بما غنمه.

ولا إشكال في هذا الحكم ولا خلاف كما يظهر من المنتهى (٥) ؛ للأصل ، واختصاص ما دلّ على الشركة من النص والفتوى بالمقاتلة ومن في حكمهم من المدد ، ولا يدخل فيهما عسكر البلد.

بل لولا ما قدّمناه في المسألة السابقة من عدم الخلاف فيها المؤيد بما عرفته ، لكان اختصاص السرية بما غنمته دون جيشها مطلقاً في غاية القوة ؛

__________________

(١) التحرير ١ : ١٤٧ المسالك ١ : ١٥٦ ، الشرائع ١ : ٣٢٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٥٣.

(٣) السرائر ٢ : ٩.

(٤) الشرائع ١ : ٣٢٥ ، التحرير ١ : ١٤٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٩٥٣.

٩١

لظهور الأخبار المعتبرة في القسمة (١) في الاختصاص بالمقاتلة ومن يلحقهم من المدد خاصّة ، وليس منهما الجيش وإن خرجت عن البلد حيث لم يلحقهم كما هو فرض المسألة ، وإلاّ فمع فرض اللحوق كانت مسألة أُخرى تقدّمت إليهما الإشارة ولا إشكال في حكمها ، لورود نصّ (٢) فيها بالخصوص معتضد بالفتاوى لولاهما لكانت محل إشكال أيضاً.

واعلم أنّ إطلاق الأدلّة فتوًى ورواية بلزوم القسمة بين المقاتلة يقتضي عموم الحكم فيهم إعراباً كانوا بالمعنى الآتي أو غيرهم.

( و ) لكن في جملة من الأخبار المرويّة من طرق الخاصّة والعامّة أنّه ( صالح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأعراب عن ترك المهاجرة ) والمجي‌ء إلى دار الإسلام ( بأن يساعدوا ) المسلمين على القتال ( إذا استفزّهم ) واستنفرهم ليقاتلوا ( ولا نصيب لهم في الغنيمة ).

ففي الحسن بل الصحيح في حديث طويل أنّه عليه‌السلام قال لعمرو بن عبيد : « أرأيت إن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم ، كيف تصنع بالغنيمة؟ » قال : أُخرج الخمس وأُقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه ، إلى ان قال : « أرأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟ » قال : نعم ، قال : « فقد خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سيرته ، بيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم نسألهم ، فإنّهم لم يختلفوا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على أنّه إن دهمه من عدوّه دَهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب ، وأنت تقول بين جميعهم ، فقد خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سيرته‌

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١١٥ أبواب جهاد العدو ب ٣٧ ، ٣٨ ، ٤٢.

(٢) تقدّم ذكره في ص : ٨٥.

٩٢

في المشركين » (١).

ونحوه المرسل كالصحيح (٢) وفيه بعد قوله نصيب « وسنّته جارية فيهم ».

وهما مع تعدّدهما واعتبارهما سنداً وتأيّدهما برواية أُخرى موافقة لهما من طرق العامّة مرويّة في المنتهى (٣) واضحاً الدلالة ؛ لعدم قبولهما الجواب بأنّهما قضية في واقعة لا عموم لهما ، لتصريحهما معنىً ولفظاً بأنّ ذلك سنّة جارية.

وعمل بهما الشيخ في المبسوط ، والنهاية (٤) ، وتبعه من المتأخرين جماعة كالفاضلين هنا وفي المختلف (٥) والشهيدين في الدروس والمسالك (٦) ، وفيه : أنّه المشهور ، بل لم ينقل فيه خلاف إلاّ عن الحلّي في السرائر (٧) ، حيث شرك بينهم وبين المقاتلة مدّعياً شذوذ الرواية ومخالفتها لأُصول المذهب والإجماع على أنّ من قاتل من المسلمين فهو من جملة المقاتلة وأنّ الغنيمة للمقاتلة.

وردّه في التنقيح بأنّ مع الصلح على ذلك يسقط الاستحقاق (٨).

ولكن ظاهر الفاضلين في الشرائع والتحرير والمنتهى (٩) التردد في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٨ / ٢٦١ ، الوسائل ١٥ : ١١١ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤ / ٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٠ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٢.

(٣) سنن البيهقي ٩ : ٥٣ ، المنتهى ٢ : ٩٤٨.

(٤) المبسوط ٢ : ٧٤ ، النهاية : ٢٩٩.

(٥) المختلف : ٣٢٩.

(٦) الدروس ٢ : ٣٦ ، المسالك ١ : ١٥٧.

(٧) السرائر ٢ : ٢١.

(٨) التنقيح الرائع ١ : ٥٨٦.

(٩) الشرائع ١ : ٣٢٥ ، التحرير ١ : ١٤٦ ، المنتهى ٢ : ٩٤٨.

٩٣

المسألة ؛ ولعلّه إمّا لعدم صحة سند الروايتين عندهما كما يظهر من المنتهى ، أو لضعف دلالتهما على المراد من الأعراب أهم المسلمون أم الكفّار( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ )؟ والثاني ليس محل النزاع ، وإنّما هو الأوّل كما صرّح به جماعة (١).

وحينئذ فيشكل الاعتماد عليهما في تقييد ما مرّ من إطلاق الأدلّة ، مع منافاة ما فيهما من المصالحة بترك المهاجرة عموم ما دلّ على وجوب تحصيل المعرفة ، ولا تحصل مع ترك المهاجرة ، ففي المصالحة إعانة على الإثم والمعصية محرّمة بالكتاب والإجماع والسنة ، مع احتمالهما الحمل على التقية ، لموافقتهما لرواية العامّة كما عرفته ، بل ومذهبهم كما مرّ في الصحيحة من أنّ فقهاء أهل المدينة لا يختلفون في ذلك ، والمراد بهم فقهاء العامّة بلا شبهة.

لكن ظاهر السرائر والمنتهى وغيرهما وضوح الدلالة وأنّ المانع عن العمل بهما إمّا هو الشذوذ ، أو عدم الصحة ؛ ولعلّه لإجماعنا كما في المنتهى (٢) على أنّ الكافر لا سهم له في الغنيمة مطلقاً ، وظاهر الروايتين ثبوته للأعراب لو لم يصالحوا ، وأنّ سقوطه للصلح لا بالأصل ، فظهر أنّ المراد بهم المسلمون من الأعراب الذين يثبت لهم السهم من غير الصلح.

ولا بأس به ، وإن أمكن دفعه بأنّ ليس في الروايتين تصريح بالسهم بالمعنى المعروف ، والنصيب فيهما يحتمل الرضخ الثابت للكافر بلا خلاف. وبالجملة المسألة محل إشكال وشبهة.

( ولو غنم المشركون أموال المسلمين وذراريهم ثم ارتجعوها ) أي‌

__________________

(١) القواعد ١ : ١٠٧ ، جامع المقاصد ٣ : ٤١٥ ، المسالك ١ : ١٥٧ ، مجمع الفائدة ٧ : ٤٦٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٤٧.

٩٤

المسلمون منهم ( لم تدخل في الغنيمة ) بلا خلاف في الذراري الأحرار ، على الظاهر ، المصرّح به في التنقيح والسرائر (١) معربين عن الإجماع عليه كما في صريح الدروس والمنتهى (٢) ؛ للأصل ، والنصّ عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم ، أيردّ عليهم؟ قال : « نعم ، والمسلم أخو المسلم ، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده » (٣).

ونحوه آخر مرسل سيذكر ، وضعفهما بالجهالة والإرسال مجبور هنا بالأصل والإجماع.

وظاهر الأوّل انسحاب الحكم في المماليك وسائر الأموال ، فتردّ على أربابها بعد ثبوتها بالبيّنة ونحوها. ولا خلاف فيه أيضاً إذا كان قبل القسمة كما يستفاد من نحو العبارة حيث خصّ الخلاف بما بعدها ، وعزاه في المنتهى إلى عامة العلماء (٤) ، مؤذناً بدعوى إجماعهم عليه وعلى أنّ الإمام لا يغرم للمقاتلة هنا شيئاً.

ولكن الشيخ في النهاية أطلق أنّها للمقاتلة وأنّ الإمام يعطي أربابها الأثمان من بيت المال (٥) ، ولم يفصّل بين قبل القسمة وبعدها ، ونفى عنه البأس القاضي بعد أن أفتى بالأوّل (٦) ، ووافقهما الإسكافي والحلبي (٧) لكنّه فيما عدا‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٥٨٨ ، السرائر ٢ : ١١.

(٢) الدروس ٢ : ٣٦ ، المنتهى ٢ : ٩٥٥.

(٣) التهذيب ٦ : ١٥٩ / ٢٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٤ / ٧ ، الوسائل ١٥ : ٩٨ أبواب جهاد العدو ب ٣٥ ح ٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٩٥٥.

(٥) النهاية : ٢٩٥.

(٦) انظر المهذب ١ : ٣١٢.

(٧) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٢٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٥٩.

٩٥

المماليك ، وفيهم قال بالأوّل ، والإسكافي في المماليك خاصّة ولم يذكر غيرهم.

وله المرسل : « أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين ، ولكن يردّون إلى أبيهم وأخيهم وإلى وليّهم بشهود ، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين » (١).

وهو مع ضعفه بالإرسال ومخالفة الأصل وما مرّ من النصّ معارض بآخر : في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثمّ أُخذ سبياً إلى دار الإسلام قال : « إن وقع عليه قبل القسمة فهو له ، وإن جرى عليه القسمة فهو أحقّ به بالثمن » (٢).

مضافاً إلى ما سيأتي.

وللنهاية والحلبي الصحيح : عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ، ثم إن المسلمين أصابوا ذلك ، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال : « إذا كانوا أصابوا قبل ان يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه ، وإن كانوا أصابوه بعد ما جازوه فهو في‌ء المسلمين فهو أحقّ : بالشفعة » (٣).

ولكن الحيازة فيه تحتمل القسمة لا الاغتنام ، ومع ذلك فقد حمله الشيخ (٤) وغيره (٥) على التقية ، فلا يعترض به الأدلّة المتقدمة مع اعتضادها‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٥٩ / ٢٨٧ ، الوسائل ١٥ : ٩٧ أبواب جهاد العدو ب ٣٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ١٦٠ / ٢٩٠ ، الإستبصار ٣ : ٥ / ٩ ، الوسائل ١٥ : ٩٨ أبواب جهاد العدو ب ٣٥ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٦٠ / ٢٨٩ ، الوسائل ١٥ : ٩٨ أبواب جهاد العدو ب ٣٥ ح ٢.

(٤) كما في الاستبصار ٣ : ٥.

(٥) انظر المختلف : ٣٢٨.

٩٦

أو انجبارها زيادة على الأصل بالشهرة العظيمة.

فلا إشكال في المسألة من الردّ على أربابها إذا عرفت قبل القسمة بنحو من البيّنة ، من غير أن يغرم الإمام شيئاً للمقاتلة.

( و ) إنّما الإشكال في الخلاف المعروف فيما ( لو عرفت بعد القسمة ) وقد اختلف الأقوال فيه ، والأخبار.

وللشيخ ( فـ ) ـيه ( قولان ) معروفان.

أحدهما في النهاية : أنّها للمقاتلة ويغرم الإمام أثمانها لأربابها ، كما في المسألة السابقة.

وثانيهما في المبسوط والخلاف والاستبصار (١) : أنّها لأربابها ويغرم الإمام أثمانها للمقاتلة من بيت المال. واختار هذا الحلّي والفاضل في التحرير والمنتهى والمختلف ، والشهيد في الدروس (٢) لكنّه لم يذكر الغرامة والماتن في الشرائع (٣) والكتاب لقوله : ( أشبههما ردّها على المالك ويرجع الغانم على الإمام بقيمتها مع التفرّق ) أي تفرّق العسكر وعدم إمكان الجمع فيغرمها من بيت المال ( وإلاّ ) يتفرّق ( فعلى الغنيمة ) فتعاد القسمة أو يرجع الإمام على كلّ بالنسبة.

لكن ليس في كتب الشيخ ومن مرّ هذا التفصيل من التفرق فإلى الإمام وقبله فإلى الغنيمة. ووافق الماتن شيخنا في المسالك ، والفاضل المقداد في‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٦ ، الخلاف ٥ : ٥٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٥.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ١١ ، التحرير ١ : ١٤٧ ، المنتهى ٢ : ٩٥٥ ، المختلف : ٣٢٩ ، الدروس ٢ : ٣٦.

(٣) الشرائع ١ : ٣٢٦.

٩٧

الشرح (١).

ولا بأس به ؛ للنص : عن رجل كان له جارية ، فأغار عليها المشركون فأخذوها ، ثم إن المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم ، فقال : « ان كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه ، فإن كانت اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمتها وأُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جمعيه » قيل له : فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟

قال : « يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البينة ، ويرجع الذي هي في يده على أمير الجيش بالثمن » (٢).

وضعف سنده بالجهالة مجبور بالأصل ، والنصّ ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع كما في الغنية (٣) ولو على أصل الردّ من غير التفصيل المتقدم إليه الإشارة ، مع سلامة جميع ذلك عمّا يصلح للمعارضة سوى الأخبار الثلاثة المتقدّمة (٤) للنهاية في المسألة السابقة ، فإنها تدل على مختاره في هذه المسألة. لكنّها مع ضعف سند أكثرها ومخالفتها الأُصول محمولة على التقية ، فقد حكاه في المنتهى عن الثوري والأوزاعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة (٥).

( الثاني : في ) بيان أحكام ( الأُسارى )

__________________

(١) المسالك ١ : ١٥٧ ، التنقيح الرائع ١ : ٥٨٧.

(٢) التهذيب ٦ : ١٦٠ / ٢٩١ ، الإستبصار ٣ : ٦ / ١١ ، الوسائل ١٥ : ٩٩ أبواب جهاد العدو ب ٣٥ ح ٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥.

(٤) في ص : ٩٦.

(٥) المنتهى ٢ : ٩٥٥.

٩٨

وهم على ضربين : ذكور وإناث ، والذكور بالغون وأطفال. ( والإناث ) مطلقاً ( والأطفال ) كذلك ( يسترقّون ) ويملكون بالسبي ( ولا يقتلون ) إجماعاً ، كما في الغنية (١) ، وفي المنتهى بلا خلاف (٢) لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان وكان يسترقّهم إذا سباهم.

( ولو اشتبه الطفل بالبالغ اعتبر بالإنبات ) لتعذّر العلم بغيره من العلامات غالباً ، وإلاّ فلو اتّفق العلم به بها كفى ؛ لعموم الأدلّة عليها.

قيل : وكذا يقبل إقراره بالاحتلام كغيره من الأقارير. وفيه تأمّل. ولو ادّعى استعجال نباته بالدواء ، فالأقرب القبول ؛ للشبهة الدارئة للقتل (٣). ولا بأس به.

( والذكور البالغون يقتلون حتماً إن أُخذوا والحرب قائمة ما لم يسلموا ) فإن أسلموا سقط قتلهم ، إجماعاً كما في المنتهى (٤) ؛ للنبوي « أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم » (٥).

وفي الخبر : « الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار فيئاً » (٦).

ويتخيّر الإمام حينئذٍ بين استرقاقهم والمنّ عليهم والفداء ، عند جماعة كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، وفاقاً للفاضل في‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٢٦.

(٣) الروضة ٢ : ٤٠٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٩٢٨.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ١٨٢.

(٦) الكافي ٥ : ٣٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٥٣ / ٢٦٧ ، علل الشرائع : ٥٦٥ / ١ ، الوسائل ١٥ : ٧٢ أبواب جهاد العدو ب ٢٣ ح ٢.

٩٩

المنتهى حاكياً له عن الشيخ أيضاً (١).

وحكى في الكتابين تعيّن المنّ هنا قولاً ، قال : لعدم جواز استرقاقهم حال الكفر فمع الإسلام أولى. وفيه : أنّ عدم استرقاقهم حال الكفر إهانة ومصير إلى ما هو أعظم لا إكرام ، فلا يلزم مثله بعد الإسلام. ولأن الإسلام لا ينافي الاسترقاق (٢).

ويمكن الاستدلال عليه بثبوت جوازه حال الكفر فيما إذا أُخذوا بعد تقضّي الحرب ، فمع الإسلام قبله أولى. وأما تعيّنه ؛ فلعدم دليل على جواز الاسترقاق هنا ، وإن جاز مع الإسلام ، لأنّه فرع الدليل وليس هنا.

وكذا أخذ الفداء ، لا دليل عليه إلاّ ما ذكره الشيخ من أنّه فادى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسيراً أسلم برجلين (٣). فإن تمّ ، ثبت التخيير بينه وبين المنّ. وأمّا الاسترقاق فلم يقم عليه دليل. نعم يحتمله ما مرّ من الخبر ، لكنّه ضعيف السند.

وممّا ذكرنا تبيّن انّ الأولى تعيّن المنّ.

وحيث يجوز قتلهم ( فالإمام مخيّر بين ضرب أعناقهم ، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وتركهم حتى ينزفوا ) بضم الياء وفتح الزاء على البناء للمفعول كما في المسالك ، قال : لأنّ الدم هو الفاعل للنزف لغة (٤).

قال الجوهري : يقال نزفت الدم إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف. فهو نزيف ومنزوف (٥).

( وإن أُخذوا بعد انقضائها ، لم يجز أن يقتلوا وكان الإمام مخيّراً بين )

__________________

(١) المسالك ١ : ١٥٣ ، الروضة ٢ : ٤٠٠ ، المنتهى ٢ : ٩٢٨.

(٢) الروضة ٢ : ٤٠٠ ، المسالك ١ : ١٥٣.

(٣) الخلاف ٤ : ١٩٣.

(٤) المسالك ١ : ١٥٣.

(٥) الصحاح ٤ : ١٤٣١.

١٠٠