رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

الوزن أو العدّ فيما يباع بها ، وكانت هي المطلوبة من بيعه عرفاً.

و ( المشاهدة أو الوصف ) الرافع للجهالة من المتبايعين أو أحدهما فيما عداه ، ويكون الوصف في كلّ شي‌ء بحسب ما يطلب في المعاملة به عادة بحيث يكون المعاملة بدونه فيها غرراً ومجازفة.

ففي الفرس بنحو الصغر والكِبر دون مقدار اللحم ، وفي نحو الغنم المطلوب من شرائه مقداره به ، وفي نحو الفيل المطلوب به طوله وعرضه كما عند أهل الهند فيما حكي بمساحته ، وفي الثوب المطلوب به أوصافه التي تتفاوت بتفاوتها القيمة دون نحو الذرع بها دونه ، وبه إن كان هو المطلوب بالمعاملة في العادة ، ونحوه الأرض ، فيجوز بيعهما مشاهدة في الصورة الأُولى كنحوهما ممّا يقصد بمعاملته في العادة الأوصاف المندفعة بمشاهدتها الغرر والجهالة ، لا مساحة في تلك الصورة وإن بيعا بها نادراً ؛ لعدم صدق الغرر والمجازفة فيها مع المشاهدة عرفاً وعادةً.

وعلى هذه الصورة تنزل كلمة الأصحاب المصرّحة بجواز بيعهما مشاهدة من دون مساحة على الإطلاق ، بلا خلاف يظهر منهم صريحاً ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (١). وهو حسن.

ولا يبعد حمل إيجاب الخلاف (٢) المساحة في بيعهما على الصورة الثانية جمعاً بين الفتاوي والأدلّة ، وإلاّ فيشكل الأوّل في هذه الصورة ، لتحقق الغرر به والمجازفة كالثاني ، بانتفائهما في الصورة المقابلة عرفاً وعادةً.

( و ) من هذا التحقيق بتحقق أنّه ( لو كان المراد ) بيعها عادةً‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٤.

(٢) الخلاف ٣ : ١٦٤.

٢٤١

( طعمها ) كالدبس ( أو ريحها ) كالمسك ( فلا بدّ من اختبارها ) بهما ( إذا لم تفسد به ) أي بالاختبار ، أو وصفها ، بلا خلاف ، حتى في جواز البيع بالوصف وإن أهملته العبارة ، بل عليه الإجماع في الغنية (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل ، واندفاع الغرر به ، كاندفاعه برؤية ما يدلّ بعضه على باقيه غالباً ، كظاهر الصبرة وأُنموذج المتماثل.

وينجبر النقص بعد التحقق بالخيار ، مع التأيّد بظواهر ما مرّ من النصوص من جواز الاكتفاء عن الكيل والوزن بإخبار البائع (٢).

( ولو بيع ) مثلها ( ولمّا يختبر ) بالأمرين ، ولم يوصف بهما ، أو وصف وصفاً لم تزل معه الجهالة بناءً على أصالة الصحة عن العيب والآفة فيما هي الأصل فيه ( فقولان ، أشبههما : الجواز ) مع العلم به من غير هذه الجهة كالقوام واللون وغيرهما ممّا يختلف قيمته باختلافه. وعليه الأكثر ، بل لعلّه عليه عامة من تأخّر.

وهو الأظهر ؛ إحالةً على مقتضى الطبع ، فإنّه أمر مضبوط عرفاً لا يتغيّر غالباً إلاّ بعيب ، فيجوز في دفعه الاعتماد على الأصل ، لانتفاء الغرر حينئذٍ كانتفائه برؤية ما يدلّ بعضه على باقيه غالباً ، كما تقدّم.

( و ) ينجبر النقص بأن ( له الخيار لو خرج معيباً ) بين الردّ والأرش إن لم يحدث فيه حدثاً زائداً على اختباره.

( ويتعيّن الأرض بعد الإحداث فيه ) الزائد عنه كما في غيره من أنواع البيوع وإن كان المشتري المتصرّف أعمى ؛ لتناول الأدلّة له. خلافاً لمن شذّ ، فخيّره بين الأمرين وإن تصرّف (٣).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٢) راجع ص : ٣٧٧٨.

(٣) المراسم : ١٨٠.

٢٤٢

والقول الثاني بالعدم إلاّ بالاختبار أو الوصف محكي عن الحلبي والقاضي (١) والديلمي (٢) ، وربما نسب إلى الشيخين وابن حمزة (٣) ؛ للغرر. وفيه ما مرّ.

قيل (٤) : وللخبر : عن رجل يشتري ما يذاق ، أيذوقه قبل أن يشتريه؟

قال : « نعم فليذقه ، ولا يذوق ما لا يشتري » (٥) بناءً على أنّ الأمر بالذوق يقتضي البطلان مع عدمه.

__________________

(١) فيه : أنّ عبارته المحكية ظاهرة بل صريحة في الصحة لكن مع الخيار كما هو المختار ، فإنّه قال : لا يجوز بيعه إلاّ بعد أن يختبر ، فإن بيع شي‌ء منه من غير الاختبار له كان المشتري مخيّراً في ردّه على البائع. ونحوه عبارة الشيخين فإنّهما قالا : لا يجوز بيعه بغير اختيار له ، فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح والمتبايعان فيه بالخيار ، فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس. ولا يبعد أن يكون مراد غيرهم من عدم الصحة إلاّ بالاختبار عدم اللزوم لا عدم الصحة بالمعنى المرادف للفساد ، وذلك فان استعمال الصحة والجواز في اللزوم في عبائر القدماء غير عزيز كما عرفته من كلام الشيخين والقاضي ، ونحو عبائرهم عبارة الحلي ، وهي هكذا : قد روي أنه لا يجوز بيعه بغير اختيار ، فان بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح والمتبايعان فيه بالخيار ، فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس ( السرائر ٢ : ٣٣١ ) وفي عبارته هذه شهادة أُخرى من حيث نقله الرواية التي هي عين مضمون ما ذكره الشيخان والقاضي ، والظاهر استناد غيرهم ممن أطلق عدم الصحة إلاّ بالاختبار إليها ، وعلى هذا فارتفع الخلاف وظهر حجة أُخرى للمختار ، وهي الرواية التي أشار إليها ، لكنّها مرسلة لا يصلح مثلها للحجية ، إلاّ أن يجبر ضعفها بالأُصول والشهرة. منه رحمه‌الله.

(٢) الحلبي في الكافي : ٣٥٤ ، القاضي في المهذّب ١ : ٣٥٢ ، الديلمي في المراسم : ١٨٠.

(٣) المفيد في المقنعة : ٦٠٩ ، الطوسي في النهاية : ٤٠٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤٦.

(٤) قال به صاحب الحدائق ١٨ : ٤٨٣.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٤ ، المحاسن : ٤٥٠ / ٣٦١ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٥ ح ١.

٢٤٣

وفيه نظر ؛ لضعف السند ، وقصور الأمر هنا عن إفادة الوجوب ، لوروده في محل توهّم الحظر ، كما يشعر به سياقه ، فلم يفد سوى الإباحة على الأظهر ، وبه قال من علماء الأُصول جماعة.

( ولو أدّى اختباره إلى إفساده كالجوز والبطيخ ) وشبهه ( جاز شراؤه ) مطلقاً بعد تعيينه بوجه آخر ؛ لما مضى. بل الجواز هنا بطريق أولى ؛ لاستلزام المنع عنه العسر والحرج جدّاً ، مع عدم نقل خلاف هنا.

بل ظاهرهم الاتفاق على الجواز وإن اختلفوا في إطلاقه (١) أو تقييده بشرط الصحة فقط ، كما عن بعض (٢) ، أو البراءة كذلك من العيب والآفة ، كما عن آخر ، أو بشرط أحدهما ، كما عن جماعة (٣).

والأوّل أشهر وأقوى ؛ لعموم الأدلّة ، بل في المختلف أنّ مراد الجماعة جواز البيع بالشرطين لا اشتراطهما في صحته (٤) ، فارتفع الخلاف إلاّ من القاضي حيث لم يجوّزه إلاّ بهما (٥).

__________________

(١) كالحلّي في السرائر ٢ : ٣٣١ ، والعلاّمة في المختلف : ٣٨٩ ، وابن فهد في المقتصر : ١٦٦.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ٦١٠ ، والديلمي في المراسم : ١٨٠.

(٣) كالشيخ في النهاية : ٤٠٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٤٧.

(٤) المختلف : ٣٨٩.

(٥) فإنّه قال : وأما ما لا يمكن اختباره إلاّ بإفساده فلا يجوز بيعه إلاّ بشرط الصحة والبراءة من العيوب ، فإن باع بخلاف ذلك لم يكن البيع صحيحاً. والفرق بين عبارته وعبائر من سبقه كالمفيد والديلمي هو تصريح هذه العبارة بعدم الصحّة مع البيع بخلاف ذلك ، بخلاف عبارتهما ، لتصريحها بالصحة مع الأرش. ويمكن إرجاع هذه العبارة إليها ، بأن يراد بعدم الصحة عدم اللزوم كما في الحاشية السابقة ، ولعلّه لذا لم يستثنه الفاضل في المختلف بل أطلق التوجيه حتى في عبارته ، لكنه هنا محل نظر ؛ لظهور عبارة المفيد والديلمي في الأرش خاصّة دون الخيار ، بل

٢٤٤

( ويثبت ) مع الصحة ( الأرش لو خرج معيباً لا الردّ ) للتصرف فيه ( ويرجع بالثمن ) كلّه ( إن لم تكن لمكسوره قيمة ) تبذل له عادة ، كالبيض الفاسد والجوز الفارغ مطلقاً ، ولو اشترط البائع البراءة من العيب على الأقوى.

خلافاً لجماعة (١) مع الشرط ، فنفوا الرجوع حينئذٍ.

وفيه نظر ؛ لبطلان البيع حيث لا يقابل الثمن مال ، فيكون أكل مال بالباطل ، ويكون الشرط منافياً لمقتضى العقد حينئذٍ.

ودفعه بالتراضي فيكون كدفع مال بغير عوض ، مندفع بمنعه مع هذا الشرط المشعر ببقاء ماليّة في المبيع ، فإنّ العيب فرع بقائها فيه ، ولا يجوز إطلاقه مع انتفائها رأساً. مع عدم تماميّته ؛ للمنع عن الرجوع على تقدير تسليمه فيما لو بقي الثمن وكان البائع ممّن لم يلزم الهبة له ، فإنّ الدفع حينئذٍ كهبة مال بغير عوض ، فيجوز الرجوع فيه حينئذٍ ، فتأمّل.

وهل يكون العقد مفسوخاً من أصله نظراً إلى عدم الماليّة من حين العقد فيقع باطلاً ابتداءً ، أو يطرأ عليه الفسخ بعد الكسر ، فيكون هو المفسد نظراً إلى الصحة قبل ظهور الفساد والأصل بقاؤها؟

وجهان ، بل قولان. ورجحان الأوّل أظهر ، بل وأصحّ ؛ لأنّ ظهور الفساد كشف عن عدم الماليّة حين البيع في نفس الأمر لا أنّه أحدث عدمها‌

__________________

ظاهرهما اللزوم مع الأرش ، وعلى هذا يخالفهما القاضي على أي تقدير سواء حمل عدم الصحة في كلامه على عدم اللزوم أو على الفساد ، أمّا على الثاني فواضح ، وكذا على الأول ، فإنّ عدم اللزوم ليس مذهب المفيد والديلمي ، بل ظاهرهما كما عرفت اللزوم. ( منه رحمه‌الله ).

(١) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١١٣ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ٢٧٨.

٢٤٥

حينه ، والصحة مبتنية على الظاهر وتنتفي بانكشاف الفساد ، فيكون كابتياع الخمر على أنّه خلّ ثم انكشف خمريتها.

ومنه يظهر ما في جزم الشهيد (١) بالثاني ، مضافاً إلى جعله الأوّل ظاهر الجماعة ، المشعر باتّفاق الطائفة.

وتظهر الفائدة في قول في مئونة النقل عن الموضع ، فإنّها على البائع على الأوّل ، وعلى المشتري على الثاني.

وفي آخر فيما لو تبرّأ البائع من عيبه ، فيتّجه كون تلفه على المشتري على الثاني دون الأوّل ، وفيما لو رضي به المشتري بعد الكسر.

وفي ثالث الحنث بمثله على الثاني دون الأوّل لو حلف أن لا يبتاع بيعاً صحيحاً.

وفي الجميع نظر يظهر وجه الثاني ممّا مرّ (٢).

( وكذا يجوز بيع المسك في فأره ) ونافجته ، وهي الجلدة المشتملة عليه ( وإن لم يُفتق ) فيختبر ، بشرط العلم بمقداره. ونحوه ممّا يعتبر معرفته في معاملته ، وتتفاوت قيمته بتفاوته ، بلا خلاف ، بل في بعض العبارات الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى ما مرّ من جواز البناء على أصل السلامة ؛ لاندفاع الغرر به والجهالة. فإن خرج معيباً تخيّر ، دفعاً للضرر. ولكن فتقه بأن يدخل فيه خيط بإبرة ثم يخرج ويشمّ أحوط ، ليرتفع الجهالة رأساً.

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٩٨.

(٢) في تحرير القول الثاني ، فإنّ محصوله طروّ الفسخ بعد الكسر فإذاً يكون بعده مال البائع وإذا تلف حينئذٍ كان على البائع ، فعلى التقديرين التلف على البائع. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) الحدائق ١٨ : ٤٨٥.

٢٤٦

( ولا يجوز بيع السمك في الآجام ) من دون ضميمة إذا لم يكن محصوراً مشاهداً ( لجهالته ) ولو بعضاً ، بلا خلاف فيه ، بل في الروضة الإجماع عليه (١).

قيل : ولا خلاف في الجواز مع الحصر والمشاهدة ؛ لانتفاء الجهالة حينئذٍ (٢). وهو كذلك ، وإطلاق العبارة وغيرها يحمل على عدمهما كما هو الغالب.

( و ) كذلك لم يجز ( إن ضمّ إليه القصب ) ونحوه ( على الأصحّ ) الأشهر.

( وكذلك اللبن في الضرع ) بفتح الضاد ، وهو الثدي لكل ذي خفّ أو ظلف ، فلا يجوز بيعه ( ولو ضمّ إليه ) شي‌ء أو ( ما يحتلب منه ) لأنّ ضميمة المجهول إلى المعلوم تصيّر المجموع مجهولاً.

خلافاً للنهاية وجماعة (٣) ، فالجواز فيهما ، بل عليه في الأوّل الإجماع في الغنية (٤) ؛ لأخبار هي بحسب السند غير نقيّة ، منها : « لا بأس بأن يشتري الأجمة إذا كان فيها قصب » (٥).

ومنها : في شرائها وليس فيها قصب إنّما هي ماء ، قال : « يصيد كفّاً من سمك فيقول : أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ٢٨٢.

(٢) الحدائق ١٨ : ٤٨٧.

(٣) النهاية : ٤٠٠ ، الوسيلة : ٢٨٣ ، الكفاية : ٩١ ، المفاتيح ٣ : ٥٦ ، الحدائق ١٨ : ٤٩٠.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٥) التهذيب ٧ : ١٢٦ / ٥٥٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٢ ح ٥.

٢٤٧

وكذا » (١).

ومنها الموثق : عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال : « لا ، إلاّ أن يحلب إلى سُكُرُّجَة (٢) فيقول : أشتري منك هذا اللبن الذي في السكرّجة وما في ضرعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شي‌ء كان ما في السكرّجة » (٣).

وفي الإجماع وهن ؛ لمصير الأكثر إلى الخلاف ، مع عدم معارضته كبعض الصحاح (٤) مع عدم وضوح دلالته ، والأخبار المزبورة لما دلّ على اشتراط تعيين المبيع ، المعتضد أصله بالإجماع وفرعه هنا بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، مع إرسال الخبرين الأوّلين وإضمار الثالث وإن كان من الموثق ، وعدم ارتباط الخبرين لموضوع المسألة ، لورودهما في بيع الأجمة لا سمكها ، فتأمّل جدّاً.

مع احتمال الجمع بينه وبين ما دلّ على المنع بما فصّل به جماعة (٥) من الحكم بالصحة مع كون المقصود بالذات المعلوم ، والمجهول تابعاً ، والبطلان مع العكس أو تساويهما في القصد الذاتي.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٢٦ / ٥٥١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٢ ح ٦.

(٢) السكُرُّجَة : بضم السين والكاف والراء والتشديد ، إناء صغير يؤكل فيه الشي‌ء القليل من الأدْم ، وهي فارسية .. النهاية ٢ : ٣٨٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٤١ / ٦٢٠ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ / ٥٣٨ ، الإستبصار ٣ : ١٠٤ / ٣٦٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٣ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ / ٥٣٧ ، الإستبصار ٣ : ١٠٣ / ٣٦١ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٨ ح ١.

(٥) منهم : العلاّمة في المختلف : ٣٨٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١١٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٨٢.

٢٤٨

ولا ريب في حسنه ؛ لانتفاء الغرر العرفي حينئذٍ ، وهو الذي عليه المدار في الصحة والفساد دون الجهالة ، فإنّها بمجرّدها غير موجبة لفساد المعاملة بها ، ولذا صحّت في نحو البناء والسكنى مع تحقّق الجهالة في حيطانها وأساسها ، فتأمّل جدّاً.

( وكذا ) القول في كلّ مجهول ضُمّ إلى معلوم ك ( أصواف الغنم ) على ظهرها ( مع ما في بطونها ) خاصّة دونها إن قلنا بمعلوميّتها ، وإلاّ فعدم الجواز فيها مطلقاً ولو كانت الضميمة بالأصالة مقصودة أقوى ، لمجهوليّتها مع المنضمّ إليه على هذا التقدير جزماً.

خلافاً للطوسي والحلبي والقاضي (١) ، فجوّزوا بيعها مع الضميمة ، استناداً إلى رواية ضعيفة : في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهماً ، فقال : « لا بأس إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف » (٢).

ويأتي فيها ما في سابقتها من وجوه الوهن ، واحتمالها الجمع المتقدّم على التقدير الأوّل ، وتكفي الوجوه المزبورة في ردّها على التقدير الثاني ، مع استغرابٍ في مدلولها حينئذٍ من حيث إنّ ضمّ المجهول إلى المجهول لا يصيّر المجموع معلوماً ، بل لا يزيد به إلاّ جهالة وغروراً.

ومن هنا يُقضي العجب من هؤلاء المشايخ المجوّزين لبيعهما منضمّاً مع منعهم عنه منفرداً للجهالة. والرواية بالجواز لا تجعل الأصواف مع‌

__________________

(١) الطوسي في النهاية : ٤٠٠ ، الحلبي في الكافي : ٣٥٦ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٨٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ / ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ٤٥ / ١٩٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٥١ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٠ ح ١.

٢٤٩

الضميمة معلومة ولا دلّت على معلوميّتها معها ، فكيف يقال بالجواز هنا والمنع عنه منفرداً؟!

( وكذا ) لا يجوز بيع ( كل واحد منهما ) أي كل من الصوف والأجنّة ، ويحتمل إرجاعه إلى الضميمتين في المسائل الثلاث ، لكنّه بعيد ( منفرداً ) للجهالة ، وهو حسن إن لم تزل بما يوجب المعلوميّة ، كالمشاهدة في نحو القصب والأصواف والأوبار والشعر ، فإنّها تؤثّر المعلوميّة فيها على الأشهر الأقوى ، وإن كان كلّ من الأصواف وتالياتها موزوناً في الجملة ؛ لاختصاص الوزن فيها بما بعد الجزّ عرفاً دون ما إذا كانت على الظهر جدّاً ، فإنّها حينئذٍ كالثمرة على الشجرة ليست بموزونة. فيصحّ بيعها مع المشاهدة ، وفاقاً للمفيد والحلّي (١) وأكثر المتأخّرين (٢) ؛ للأصل ، وفقد المانع.

خلافاً لظاهر إطلاق العبارة تبعاً للمشايخ الثلاثة. والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

وقيّد الشهيد الجواز بشرط الجزّ أو كونها مستجزّة بالغة أوانه (٣).

قيل : ولا وجه لاعتباره ؛ لأنّ ذلك لا مدخل له في الصحة ، بل غايته مع تأخيره الامتزاج بمال البائع ، وهو لا مقتضي بطلان البيع ، كما لو امتزجت لَقَطة الخُضر بغيرها فيرجع إلى الصلح (٤). وهو حسن.

ولو شرط تأخيرها عن وقت البيع مدّة معلومة وتبعيّة المتجدّد لها في‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٩٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٢٢.

(٢) منهم العلاّمة في المختلف : ٣٨٦ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١١١ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٨٨.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٦.

(٤) الروضة ٣ : ٢٨٣.

٢٥٠

البيع بنى على القاعدة السابقة ، فإنّ كان المقصود بالذات هو الموجود صحّ وإلاّ فلا.

( وكذا ) لا يجوز بيع ( ما يلقح الفحل ) وهو ما تحمله الناقة ، مفرداً إجماعاً ؛ للجهالة ، وللرواية المروية عن معاني الأخبار ، المتضمّنة لنهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الملاقيح والمضامين. وتفسير الأوّل بما في البطون وهي الأجنّة ، والثاني بما في أصلاب الفحول (١).

وفي الصحيح : « لا تبع راحلة عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل » (٢).

( وكذا ما يضرب الصيّاد بشبكته ) منفرداً ؛ لما مرّ ، وللخبر : « نهى أن يشتري شبكة الصيّاد يقول : اضرب بشبكتك فما خرج فهو من مالي بكذا » (٣).

وكذا منضمّاً فيهما ، إلاّ أن تكون الضميمة مقصودة أصالةً فيجوز حينئذٍ ؛ لما مضى.

( الرابع : ) من الشرائط في صحة البيع ( تقدير الثمن ) وتعيينه ( و ) تعيين ( جنسه ) ووصفه ، ( فلو اشتراه بحكم أحدهما ) أو أجنبي ( فالبيع باطل ) إجماعاً ، كما في المختلف والتذكرة الروضة (٤) ؛ للغرر والجهالة المنهي عنهما بالإجماع والرواية المتّفق عليها بين العلماء كافّة ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٧٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٩١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٢١ / ٥٢٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٠ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ / ١٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٢ ح ١.

(٤) المختلف : ٣٨٥ ، التذكرة ١ : ٤٦٨ ، الروضة البهية ٣ : ٢٦٤.

٢٥١

فلا قاومها شي‌ء من النصوص وإن كانت صحيحة ، سيّما مع اعتضادها في المسألة بعدم الخلاف فيها بين الطائفة ، والإجماعات المحكيّة.

وبه يظهر الجواب عما دلّ عليه بعض المعتبرة (١) بعد تسليم كونه صحيحاً (٢) من جواز تحكيم المشتري ولزوم الحكم عليه بالقيمة السوقية فما زاد ، مع أنّه غير صريح في صحة المعاملة ، محتمل لوجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلّة.

ونحوه الكلام فيما لو اشتراه بثمن مجهول القدر وإن شوهد ؛ لبقاء الجهالة وثبوت الغرر المنفي معها.

خلافاً للشيخ (٣) في الموزون مطلقاً ، وللمرتضى في مال السلم خاصّة (٤) ، وللإسكافي في المجهول مطلقاً إذا كان المبيع صبرة مشاهدة مع اختلافهما جنساً ، لزوال الغرر بالمشاهدة والربا بالاختلاف (٥). وهو كسابقيه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٩ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٤٥ / ٦٤٠ ، التهذيب ٧ : ٦٩ / ٢٩٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٤ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٨ ح ١.

(٢) إنّما لم يقطع بصحة السند لتطرق النظر إليها بأنها مروية في باب ابتياع الحيوان من التهذيب عن الحسن بن محبوب عن رفاعة النخاس ، وهما وإن كانا ثقتين إلاّ أن طريق الشيخ إلى الحسن في هذه الرواية غير معلوم ، وإن ذكر في المشيخة أن ما يرويه عنه في كتبه ومصنفاته فطريقه إليه كذا وكذا ، وهو صحيح ، لكن لم يعلم أن هذا الحديث من الكتب والمصنفات ، وما ذكره في الخلاصة من أنه إن كان الحديث مأخوذاً من المصنفات فهو صحيح وإلاّ فهو حسن بإبراهيم بن هاشم لا نعرف مأخذه ، فإن كان من الفهرست فهو صحيح ، كذا قيل ، ولا يخلو عن نظر ، ولذا لم يقدح وسلم ( منه رحمه‌الله ).

(٣) في المبسوط في كتاب الإجارات ( ٣ : ٢٢٣ ) ولكن منع عنه في الخلاف فقال : لا يكفي النظر إلى رأس مال السلم إلاّ بعد العلم بمقداره سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً ، ولا يجوز جزافاً ( ٣ : ١٩٨ ). منه رحمه‌الله.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٧.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٣٨٥.

٢٥٢

شاذّ.

أو الصفة ، كمائة درهم ، وإن كانت مشاهدة لا يعلم وصفها مع تعدّد النقد الموجود.

أو الجنس وإن علم قدره.

لتحقق الجهالة في الجميع ، فيكون الشراء فاسداً وإن اتّصل به القبض. وليس كالمعاطاة ؛ لأنّ شرطها اجتماع شرائط البيع سوى العقد الخاص بلا خلاف.

( و ) حيث بطل البيع ( يضمن المشتري تلف المبيع مع قبضه ونُقصانَه ) بفتح النون ، عطف على التلف ، أي يضمن نقصانه إن تلف البعض عيناً ومنفعة بالمثل إن كان مثليّا ، وإلاّ فبالقيمة يوم التلف ، على الأشهر الأقرب ؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو عند تعذّر دفع العين.

وقيل : يوم القبض (١). وقيل : الأعلى منه إليه (٢).

وهو حسن إن كان التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة ، إما باختلاف السوق فالأول لازم ، فالإطلاق بعيد.

وأبعد منه القول الثاني ؛ لعدم الدليل عليه بعد ما عرفت من أنّه قبل التلف كان مخاطباً بأداء العين خاصّة دون القيمة ، وإنّما الانتقال إليها بعد تعذّر الوصول إلى المأمور به أوّلاً.

نعم في الصحيح الوارد في المكتري بغلة إلى حدّ تجاوز بها عنه بغير إذن الصاحب بعد سؤاله عن عطبها وما يترتّب عليه من ضمانه بقوله : أرأيت لو عطب البغل أو نفق (٣) أليس كان يلزمني؟ قال : « نعم قيمة البغل يوم‌

__________________

(١) كما اختاره المصنّف في الشرائع ٢ : ١٧.

(٢) السرائر ٢ : ٣٢٦.

(٣) نفقت الدابة : هلكت وماتت. مجمع البحرين ٥ : ٢٤١.

٢٥٣

خالفته » (١).

وهو كما ترى ظاهر في نصرة هذا القول ، إلاّ أنّ احتمال رجوع الظرف إلى لزوم القيمة لا إليها قائم ، لكنّه بعيد ، إلاّ أنّ البُعد لا يوجب المصير إليه بعد معارضته بأقوى منه بالاعتبار والاشتهار وأصالة البراءة عن الزائد لو كان في القيمة يوم القبض على يوم التلف ، مع ظهور ذيله في خلافه وإن كان في النقص بالعيب كالكسر والدَبَر والغَمْز (٢) ، ففيه بعد السؤال عن ضمانه : « عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تردّه » فتأمّل.

ثم الدليل على الضمان هنا ( وكذا في كلّ ابتياع فاسد ) ومأخوذ بالسوم الخبر المشهور : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (٣) والقاعدة المشهورة : كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

ومعناها أنّه كما يضمن المشتري مثلاً بصحيحه لو فات في يده ، بمعنى أنّه يذهب من ماله ويلزم عليه إيصال الثمن إلى البائع ، كذلك يضمن بفاسده ويلزم عليه ردّ المبيع وإيصاله إلى البائع مع نمائه.

ولا ريب في صحتها مع علمه بالفساد وعدم جواز التصرّف ووجوب الحفظ والردّ على المالك ؛ لأنه حينئذٍ غاصب أو كالغاصب.

وكذا مع الجهل به ، أو العلم مع عدم العلم بوجوب الردّ في الحال ، بناءً على أنّ القبض تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، مع حيث اختصاصه في محلّ الفرض بزعم صحة المعاملة ، فإذا انتفت انتفى الإذن المترتّب على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢١٥ / ٩٤٣ ، الإستبصار ٣ : ١٣٤ / ٤٨٣ ، الوسائل ١٩ : ١١٩ أبواب أحكام الإجارة ب ١٧ ح ١.

(٢) الدَّبَر بالتحريك : الجرح الذي يكون في ظهر الدابّة. لسان العرب ٤ : ٢٧٤. غَمزَت الدابة : مالت من رجلها. القاموس ٢ : ١٩٢.

(٣) عوالي اللئلئ ٢ : ٣٤٥ / ١٠ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧.

٢٥٤

زعمها ، فيكون التصرّف في العين حينئذٍ وأكلها أكل مال بالباطل ، لانحصار وجه الحلّ في كون المعاملة بيعاً أو تجارة عن تراض أو هبة أو غيرها من وجوه التراضي بأكل المال من غير عوض. وليس الأوّلين بمقتضى الفرض ، وكذا البواقي ، للقطع من جهة الزعم المتقدّم بعدم الرضاء بالتصرّف مع عدم بذل شي‌ء في المقابل ، فالرضاء المتقدّم كالعدم ، وذلك واضح.

واحتمال الإلحاق بالمعاطاة في عدم لزوم قيمة الفائت والاكتفاء عنها بالعوض المبذول بالرضا في المقابل ، كما في عبارة بعض الأصحاب (١) غير جيّد ، بناءً على عدم الدليل على الاكتفاء بالعوض ولزومه بمجرد الرضاء السابق ، بل يترتّب على العقود الناقلة بشرائط الصحة وهي هنا مفقودة.

فإن تراضيا بالبدلين بعد العلم بالفساد واستمرّ رضاهما فلا كلام فيما ذكره ، وإن انتفى فالاكتفاء بالرضاء السابق في لزومه يحتاج إلى التأمّل ، سيما مع العلم بأنّ المنشأ زعم صحة المعاملة ، فبعد كشف الفساد وعدم الرضاء بعده لم يكن هناك رضاء في الحقيقة ، فلكلّ منهما الرجوع إلى المال أو بدله مع التلف ، فإنّ : « الناس مسلّطون على أموالهم » (٢).

ولا فرق في الأموال بين الموجودة والتالفة بمقتضى إطلاق النص وصريح الجماعة.

فالقاعدة على إطلاقها مع اشتهار العمل بها كذلك لا يكاد يختلجها ريبة ولا يدانيها شبهة ، فالمناقشة فيها مطلقاً أو في الجملة فاسدة.

ولو لا الإجماع في مسألة المعاطاة على عدم الرجوع في العين التالفة‌

__________________

(١) الحدائق ١٨ : ٤٦٧.

(٢) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٩.

٢٥٥

لكان اللازم فيها الرجوع إلى هذه القاعدة ، ولكن الإجماع مانع وفارق بينهما وبين المسألة ، فقياسها بها مع بطلانه قياس مع الفارق.

( و ) يجب على البائع أن ( يردّ عليه ) أي على المشتري ( ما زاد ) في المبيع ( بفعله ) مطلقاً ، منفعة كانت الزيادة ( كتعليم الصنعة ) أو عيناً ( و ) هي المشار إليها بـ ( الصبغ ، على الأشبه ) الأشهر ، وفاقاً للنهاية والمقنعة (١) ؛ لأنّها أثر فعله غير متبرّع به فيكون له ، مع استلزام عدم وجوب الردّ الضرر والحيف وإضاعة عمله مع احترامه في الشريعة حيث لم يوجد ما يوجب إبطاله.

خلافاً للمبسوط ، فلا يردّ مطلقاً ، بل هو للبائع ؛ لأنّه نماء ملكه (٢).

وللحلّي : فالتفصيل بين الزيادتين فيجب الردّ في الثانية إن أمكن الفصل ، وإلاّ كان شريكاً بالنسبة من القيمة ، ولا في الأولى ، بل تكون تابعة للعين (٣).

ثم على المختار ينبغي تقييده بجهل القابض بالفساد ، وإلاّ فتفصيل الحلّي عند جماعة مستحسن. ولا بأس به ؛ فإنّه حينئذٍ كالغاصب الذي ليس له الرجوع إلى المنفعة بالإجماع ، كما في المهذّب (٤).

( وإذا أطلق النقد انصرف إلى نقد البلد ) لأنّه في حكم التعيين ؛ إذ ليس معه غرر ولا جهالة عرفاً وعادةً. وذلك واضح مع الوحدة ، وكذا مع التعدّد وأغلبيّة البعض المنصرف إليه الإطلاق كالأوّل بالضرورة. وكذا معه‌

__________________

(١) النهاية : ٣٩٣ ، المقنعة : ٥٩٣.

(٢) المبسوط ٣ : ٩٥.

(٣) السرائر ٢ : ٤٨١.

(٤) المهذب البارع ٢ : ٣٦١.

٢٥٦

والتساوي في القدر والقيمة والماليّة ، وإن اختلف الأفراد بحسب الرغبة على قول لا يخلو عن قوّة إن لم يؤدّ التفاوت فيها إلى الغرر والجهالة أو النزاع والمشاجرة ، وإلاّ فهو محلّ مناقشة ، فالأجود بطلان البيع فيه وإن كان من الفروض النادرة. وكذا في التعدّد وعدم التساوي في الأُمور الثلاثة ، وفاقاً لإطلاق جماعة (١).

( وإن عيّن نقداً لزم ) مطلقاً بلا إشكال ؛ لكونه جزءاً من العقد المأمور بالوفاء به.

( ولو اختلفا في قدر الثمن ) فادّعى البائع الأكثر والمشتري الأقلّ ( فالقول قول البائع مع يمينه إن كان المبيع قائماً ) بعينه ( وقول المشتري مع يمينه إن كان تالفاً ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه في الخلاف الإجماع (٢) ، وهو ظاهر الغنية ، حيث نسبه إلى الأصحاب ، مشعراً (٣) به ، ونسب خلافه في الدروس إلى الندور (٤) ، وفيه نوع إشعار به أيضاً ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المرسل كالموثق بابن أبي نصر الثقة الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة ، مع أنّه لم يرو إلاّ عن الثقة كما في العُدّة (٥) : في الرجل يبيع الشي‌ء فيقول المشتري : هو بكذا وكذا بأقلّ ممّا قال البائع ، قال : قال : « القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشي‌ء قائماً بعينه » (٦).

__________________

(١) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٥٣٤.

(٢) الخلاف ٣ : ١٤٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٠.

(٤) الدروس ٣ : ٢٤٢.

(٥) عدة الأُصول ١ : ٣٨٦.

(٦) الكافي ٥ : ١٧٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧١ / ٧٦٥ ، التهذيب ٧ : ٢٦ / ١٠٩ ، الوسائل

٢٥٧

ويستدلّ بمفهومه على الحكم الثاني ، مع موافقته للأصل المجمع عليه نصّاً وفتوى من أنّ على المنكر اليمين بناءً على كون المشتري خاصّة منكراً وإن توهّم كونه مطلقاً أو في الجملة مدّعياً ، لاندفاع التوهّم برجوع النزاع إلى الزائد عن الثمن لا إلى أصل الانتقال ؛ لكونه بينهما مسّلماً.

وهذا الأصل وإن عمّ منطوق الخبر ولذا قيل به فيه أيضاً ، كما عن التذكرة (١) ، إلاّ أنّ اعتبار السند بما مرّ مضافاً إلى روايته في الكتب الثلاثة واعتضاده بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة ، مع أخصّيته بالإضافة إلى الأصل والقاعدة أوجب تخصيصها به ، سيّما مع تأيّده بإطلاق الصحيح : « إن اختلفا فالقول قول ربّ السلعة أو يتتاركا » (٢).

وظاهر التتارك بقاء السلعة.

وفي المسألة أقوال أُخر نادرة كادت تكون شاذّة ، مع عدم قيام دليل صالح على أكثرها عدا القول المتقدّم ، وهو تقديم قول المشتري مطلقاً.

وفيه زيادةً على ما مضى التأمّل في الإطلاق جدّاً ؛ لرجوع الأمر في بعض الصور إلى التحالف ، كأن يدّعي البائع البيع بألف درهم والمشتري البيع بغنم ، فتأمّل.

وعلى المختار لو كانت العين قائمة لكنّها قد انتقلت عن المشتري انتقالاً لازماً كالبيع والعتق ففي تنزيله منزلة التلف قولان. قيل : أجودهما العدم ، لصدق القيام عليها وهو البقاء ، ومنع مساواته للتلف في العلّة‌

__________________

١٨ : ٥٩ أبواب أحكام العقود ب ١١ ح ١.

(١) التذكرة ١ : ٥٧٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٤ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦ / ١١٠ ، الوسائل ١٨ : ٥٩ أبواب أحكام العقود ب ١١ ح ٢.

٢٥٨

الموجبة للحكم (١).

ويحتمل قويّاً الثاني ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر أو المتيقن من النص ، وليس إلاّ إذا لم ينتقل العين عنه كذلك.

ولو تلف بعضه ففي تنزيله منزلة تلف الجميع ، أو بقاء الجميع ، أو إلحاق كلّ جزء بأصله أوجه. أوجهها الأوّل ؛ لصدق عدم قيامها بعينه ، الذي هو مناط تقديم قول البائع ، مضافاً إلى الوجه المتقدّم في تقوية القول الثاني.

ومنه يظهر الوجه في تقديم قول المشتري لو امتزج العين بغيره امتزاجاً لا يمكن تخليصه ؛ لعدم صدق القيام عرفاً ، فإنّ ظاهره أخصّ من الوجود ، فتأمّل جدّاً.

( و ) يجوز أن ( يوضع لظروف السمن والزيت ) ونحوهما ( ما كان ) وضعه لها ( معتاداً لا زائداً ) عليه.

قال بعض الأفاضل : المراد أنّه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخميناً بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أنقص ولا أزيد ، بل وإن تفاوت لا يكون إلاّ بشي‌ء يتساهل بمثله عادة ؛ ثم يدفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع (٢).

ويظهر من بعض العبارات عدم احتياج الإندار المحتمل للأمرين إلى المراضاة ، وأنّ المحتاج إليها الثاني. وهما ظاهر الأصحاب ، كالمتن وغيره ، فيكون الإندار في الأول قهرياً.

ولعلّه للموثق : إنّا نشتري الزيت في أزقاقه ويحسب لنا فيه نقصان‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ٥٣٧.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ١٩٠.

٢٥٩

لمكان الأزقاق ، فقال عليه‌السلام « إن كان يزيد وينقص يعني يحتملهما ، كما فهمه الأصحاب فلا بأس ، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه » (١).

بناءً على أنّ المراد نفي البأس على الإطلاق حصل المراضاة أم لا ، من حيث اختصاص النهي عن الإندار للزائد بالصورة الثانية ، لكون الجواز في الأول مقطوعاً به بين الأصحاب ، فإن : « الناس مسلّطون على أموالهم » (٢).

فظهر أنّ نفي البأس عن الإندار في الشقّ الأوّل إنّما هو في الصورة الثانية التي وقع النهي فيها عنه في الشق الثاني خاصة أو مطلقاً ، إلاّ أنّ في بعض النصوص القاصرة الأسانيد اشتراط التراضي في الشقّ الأوّل أيضاً.

ففي رواية أنّه يطرح لظروف السمن والزيت لكلّ ظرف كذا وكذا رطلاً فربما زاد وربما نقص ، قال : « إذا كان ذلك عن تراضٍ منكم فلا بأس » (٣) ، ونحوه في أُخرى مرويّة عن قرب الإسناد (٤).

ومراعاتهما أحوط وإن كان في التعيّن نظر.

ويستفاد من الخبر الأوّل كالعبارة ونحوها جواز الإندار للناقص من دون توقّف على التراضي ؛ ولعلّه لما يستفاد من كلمات الأصحاب وغيرها كون الإندار حقّا للمشتري وبيده ، فله إسقاط ما يضرّ به ، وليس للبائع التسلّط عليه في منع عن ذلك ، وهو واضح.

فما ذكره بعض الأصحاب من إلحاق ذلك بإندار الزائد في التوقّف‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٣ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٢٨ / ٥٥٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٠ ح ٤.

(٢) عوالي اللئالئ ١ : ٢٢٢ / ٩٩.

(٣) التهذيب ٧ : ١٢٨ / ٥٥٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٦ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٠ ح ١.

(٤) قرب الإسناد : ٢٦١ / ١٠٣٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٠ ح ٣.

٢٦٠