رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

يؤدّون » (١) الخبر. ونحوه آخر مضمر (٢).

ولكنّهما مع قصور الثاني ليسا نصّين في المراد ممّا يؤدّي أنّه الجزية ، فلعلّ المراد به الخراج المأخوذ من أرض السواد المتعلّقة بجميع المسلمين.

وأرض الذمّي ليس منحصراً في أرض الجزية المشروطة بوقوع الصلح على كونها لهم وعليهم الجزية ؛ إذ لو وقع الصلح معهم على كونها للمسلمين كان حكمها حكم الأراضي المفتوحة عنوةً ، كما سيأتي إليه الإشارة ، ويكون المراد من شرائها المرخّص فيهما نحو الشراء المرخّص فيه فيما مرّ من الأخبار الواردة في شراء أراضي الخراج (٣) ، ومنها : الرواية المتقدّمة المتضمنة للسؤال عن شراء أرض الخراج ، فكرهه وقال : « إنّما أرض الخراج للمسلمين » فقالوا : فإنّه يشتريها الرجل وعليه خراجها ، فقال : « لا بأس إلاّ أن يستحيي من عيب ذلك ».

وقيل في وجه الاستحياء من عيب ذلك : إنّ المراد بأرض الخراج أرض أهل الذمّة ، والعيب لاشتباه خراج أرضهم بالجزية (٤).

أقول : فلعلّ المراد ممّا يؤدّي في الصحيحين هذا ، وإن احتمل فيهما كالخراج في هذه الرواية أيضاً الجزية حقيقة ، كما احتمله أيضاً القائل المتقدم إليه الإشارة.

لكنه بعيد في هذه الرواية ، بل ظاهرها المعنى الأوّل ، فيمكن أن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٣ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٤٩ / ٦٦٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٠ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢١ ح ٨.

(٢) التهذيب ٧ : ١٤٨ / ٦٥٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢١ ح ٧.

(٣) راجع ص : ٣٦٦٥.

(٤) ملاذ الأخيار ١١ : ٢٣٩.

١٢١

ينصرف إليه ما فيهما. وبذلك يضعف الاستناد له إليهما جدّاً ؛ لقصور دلالتهما حينئذ كما ترى.

فإذاً المشهور هو الأقوى.

( ولو أسلم ) الذمّي المالك لها كان حكم أرضه حكم أرض من أسلم طوعاً ابتداءً و ( سقط ما على أرضه ) من الجزية ( أيضاً ، لأنّه جزية ) بدل من جزية رؤوسهم ، ولا جزية على مسلم اتّفاقاً نصّاً وفتوى. هذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم.

( ولو شرطت الأرض ) حين الصلح معهم أنّها ( للمسلمين كانت ك‍ ) الأراضي ( المفتوحة عنوة ) عامرها للمسلمين كافّةً وأمرها إلى الإمام ، ومواتها له عليه‌السلام بلا خلاف.

( والجزية ) حينئذٍ ( على رؤوسهم ) دون أراضيهم ؛ لتعلّقها بالمسلمين ، وللصحيح (١) وغيره (٢) الواردين في خيبر.

( و ) منها : ( كلّ أرض أسلم ) عليها ( أهلها طوعاً ) ورغبةً كالمدينة المشرّفة ( فهي لهم ) على الخصوص يتصرّفون فيها كيف شاؤوا ( وليس عليهم ) فيها ( سوى الزكاة ) المفروضة مع اجتماع الشرائط المعتبرة ( في حاصلها ، ممّا تجب فيه الزكاة ).

للصحيح (٣) وغيره (٤) : ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام الخراج وما‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٨ / ٦٥٥ ، الإستبصار ٣ : ١١٠ / ٣٩٠ ، الوسائل ١٥ : ١٥٦ أبواب جهاد العدو ب ٧١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١١٨ / ٣٤١ ، الوسائل ١٥ : ١٥٧ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١١٩ / ٣٤٢ ، الوسائل ١٥ : ١٥٨ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٨ / ٩٦ ، الوسائل ١٥ : ١٥٧ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ١.

١٢٢

سار به أهل بيته ، فقال : « العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً ، تركت أرضه في يده وأُخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمر منها وما لم يعمر منها ، أخذه الوالي فقبّله ممّن يعمره ، وكان المسلمين ، وليس فيما كان أقلّ من خمسة أو ساق شي‌ء » الخبر.

ولا خلاف فيه إذا قاموا بعمارتها حينئذ ، أمّا لو تركوها فخرجت فإنّها تدخل في عموم قوله :

( وكلّ أرض ) مملوكة ( ترك أهلها ) وملاّكها ( عمارتها فللإمام ) أو نائبه ( تسليمها إلى من يعمرها ) بعد تقبيلها منه بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.

( وعليه ) أي على الإمام ( طَسْقها ) أي أُجرتها ( لأربابها ) الذين تركوا عمارتها ، على المشهور على الظاهر ، المصرّح به في الدروس (١) وغيره (٢).

بل لا خلاف فيه إلاّ من الحلّي ، فمنع من التصرّف فيها بغير إذن أربابها مطلقاً (٣). وهو كما في الدروس متروك (٤) ، وبالخبرين المتقدمين محجوج.

ومن ابن حمزة والقاضي (٥) ، فلم يذكروا الأُجرة بل قالا كالباقين ـ : إنّه يصرف حاصلها في مصالح المسلمين ، كما هو ظاهر الخبرين ، لكنّهما ليسا نصّين في عدم وجوبها ، فلا يخرج بهما عن الأصل المقتضي للزومها.

__________________

(١) الدروس ٢ : ٤٠.

(٢) انظر المنتهى ٢ : ٩٣٨.

(٣) السرائر ١ : ٤٧٧.

(٤) الدروس ٢ : ٤٠.

(٥) ابن حمزة في الوسيلة : ١٣٢ ، القاضي في المهذب ١ : ١٨٢.

١٢٣

وبه يتمّ الحكمة في جواز تصرف الإمام فيها بغير إذنهم نظراً إلى أنّه حينئذٍ إحسان محض وما على المحسنين من سبيل.

وبه يضعف مستند الحلّي من قبح التصرف في ملك الغير بغير إذنه ؛ لاختصاص ما دلّ عليه من العقل والنقل بغير محلّ الفرض.

هذا إذا لم يبلغ حدّ الموات ، وإلاّ فيدخل في عموم قوله :

( وكلّ أرض موات سبق إليها سابق وأحياها ) وأخرجها من عطلتها ( فهو أحقّ بها وإن كان لها مالك ) معروف ( فعليه طَسقها له ).

بلا خلاف في جواز إحيائها مع عدم معروفية صاحبها ، ولا في وجوب الأُجرة له إذا كان معروفاً وملكها بغير الإحياء.

وفي وجوبها له إذا ملكها بالإحياء خلاف مبنيّ على الاختلاف في زوال ملك الأوّل الحاصل له بالإحياء ، بإحياء المحيي الثاني ، أم لا. فقد اختلفوا فيه على أقوال.

فقيل : نعم ولا يستحق شيئاً وبملكه المحيي الثاني (١) ؛ لعموم الصحاح بأنّ من أحيى أرضاً ميتة فهي له (٢) ، وخصوص الصحيح : « أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإنّ عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضاً لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لله عزّ وجلّ ولمن عمرها » (٣).

وقريب منه الخبر : « إن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٥٦.

(٢) انظر الوسائل ٢٥ : ٤١١ أبواب إحياء الموات ب ١ ، ٣ ، ٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ / ٦٧٢ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٤ أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ١.

١٢٤

من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها » (١).

وقيل : لا (٢) ؛ لأصالة بقاء الملك ، والصحيح : عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ، فماذا عليه؟ قال : « الصدقة » قلت : فإن كان يعرف صاحبها ، قال : « فليؤدّ إليه حقّه » (٣).

وهو ظاهر في الدلالة على ما ذكرنا من عدم خروج الموات عن الملك بالإحياء ، كما هو إجماع فيما إذا ملكها الأوّل بنحو الإرث والشراء.

ولا معارض لهما سوى ما مرّ ، وفي جميعه نظر :

أمّا العموم : فإنّه مشترك بين القولين يمكن الاستدلال لكلّ منهما في البين كما فُعل من الطرفين.

وأمّا الرواية الثانية : فبعد الإغماض عن سندها لا دلالة فيها على زوال الملكية عن الأوّل ، وإنّما غايتها الدلالة على أحقيّة الثاني ، ولا تلازم بينها وبين زوال الملك ، فيمكن القول ببقاء الملك وأحقّية الثاني بإحيائه. ويظهر ثمرة الملك بلزوم الأُجرة للمالك على المحيي.

وهذا القول هو ظاهر الماتن وجماعة (٤). ولا يخلو عن قوّة ؛ لما ستعرفه.

وأمّا الصحيحة : فليست صريحة في ملكية الثاني ؛ لأنّ اللام كما تأتي للملك ، كذا تأتي للاختصاص. وبعد تسليم ظهورها في الملك ليست ما نصّ من الصحيحة المعارضة بأنّه يؤدّي حقه ؛ لأنّ المراد به إمّا نفس‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٩ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ / ٦٧٤ ، الوسائل ٢٥ : ٤١٤ أبواب إحياء الموات ب ٣ ح ٢.

(٢) قال به الشيخ في النهاية : ٤٢٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٤٨ / ٦٥٨ ، الوسائل ٢٥ : ٤١١ أبواب إحياء الموات ب ١ ح ٢.

(٤) الماتن في الشرائع ١ : ٣٢٣ ؛ وأُنظر المنتهى ٢ : ٩٣٨ ، والدروس ٢ : ٤٠.

١٢٥

الأرض أو طسقها ، وكلّ منهما يلازم الملكية.

فمقتضى الجمع بينهما صرف ظهور الصحيحة الاولى من الملكية للثاني إلى الأحقيّة ، جمعاً ، وإلاّ لزم طرح الثانية رأساً. ويراد من الحقّ فيها الأُجرة لا الرقبة ؛ لصراحة الاولى في عدم لزوم أدائها وأحقيّة الثاني بها.

والحاصل : أنّ العمل بالروايتين معاً يقتضي صرف ظاهر كل منهما أو مجملة إلى صريح الآخر أو مبيّنة.

وهذا الجمع أولى من الجموع الأُخر ، ويعضده وقوع التعبير في الرواية الثانية بالأحقيّة دون الملكية ، مع أنها كالصحيحة تعمّان ملك الأوّل بالإحياء أو نحو الشراء ، مع أنّ الملك لا يزول في الثاني بالإجماع كما مضى ، وعن التذكرة عليه إجماع العلماء (١) ، فلا بدّ من تقييدهما بما عداه إن لم يجمع بينهما بما ذكرنا.

ومن هنا يظهر ضعف القول ببقاء الملك وعدم الأحقّية للثاني إن كان.

وعلى المختار ففي توقّف الإحياء على استيذان المالك مع الإمكان وإلاّ فالحاكم وإلاّ فيحيي هو حسبة ، كما هو مقتضى الأُصول الشرعية وأفتى به الشهيد في الدروس (٢) ، أم لا كما هو ظاهر الأخبار وأكثر الأصحاب (٣) ، وجهان.

ولا ريب أنّ الأوّل إن لم نقل بكونه أقوى ، فهو أحوط وأولى.

والحمد لله أوّلاً وآخراً.

__________________

(١) حكاه عنه في المسالك ١ : ١٥٦ ، وهو في التذكرة ٢ : ٤٠١.

(٢) الدروس ٣ : ٥٦.

(٣) كالمحقق في الشرائع ٣ : ٢٧٢ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٩٣٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٥٦.

١٢٦

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

١٢٧
١٢٨

( كتاب التجارة )

هي في اللغة : الكسب ، وفي الشرع على تعريف المصنف وجماعة (١) : عقد المعاوضة بقصد الاكتساب عند التملك. والمراد بها هنا الأعم منه ومن الخالي عن القصد المزبور ، كالمعاوضة للقوت والادّخار ، إما إطلاقاً لها عليه مجازاً ، أو إلحاقاً للزائد عن مدلولها به استطراداً.

( وفيه فصول : )

( الأوّل : فيما يكتسب به ) ببيع كان أو غيره. وينقسم إلى محرّم ومكروه ومباح ؛ لأنّه إما أن يتعلّق به نهي أم لا ، والثاني المباح ، والأوّل إما أن يكون النهي عنه مانعاً عن النقيض أم لا ، والأوّل الأوّل ، والثاني الثاني.

وربما قسّم إلى خمسة بزيادة الوجوب والاستحباب. ولعل تركهما‌

__________________

(١) المصنّف في المعتبر ٢ : ٥٤٨ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٤ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣.

١٢٩

أولى ؛ لأنّهما من عوارض التجارة.

( والمحرّم منه أنواع : )

( الأوّل : الأعيان النجسة ، كالخمر ) المتّخذ من العنب.

( والأنبذة ) جمع نبيذ ، وهو الشراب المتّخذ من التمر ، ويلحق بهما غيرهما من الأنبذة كالبِتع والمِزر والجعَة والفضيخ (١) ، وضابطها المسكر وإن لم يكن مائعاً ، كالحشيشة ، مطلقا ، أو إن لم يفرض لها نفع آخر محلّل وقصد ببيعها المنفعة المحلّلة كما قيل (٢). وفيه نظر ؛ لعموم أدلّة المنع.

( والفقاع ) وإن لم يكن مسكراً ؛ لأنه خُميرة استصغرها الناس.

( والميتة ) مطلقاً ( والدم ) كذلك ( والأرواث ، والأبوال مما لا يؤكل لحمه ) شرعاً ولو أُكل عادةً.

فيحرم التكسب بجميع ذلك ، بلا خلاف في شي‌ء منه ، بل عن المنتهى إجماع أهل العلم في الأوّل والرابع والخنزير (٣). وفي السرائر والغنية إجماعنا على الثالث (٤) وفي المسالك وعن التذكرة على الآخرين (٥).

والنصوص مع ذلك بالأوّل مستفيضة ، منها : « لعن رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخمر وعاصرها » إلى أن قال : « وبائعها ومشتريها » (٦) الخبر.

__________________

(١) البتْع هو النبيذ المتّخذ من العسل ، والمِزر يتّخذ من الذرّة ، والجِعَة يتّخذ من الشعير ، والفضيخ يتخذ من البسر. النهاية ١ : ٩٤ ، وج ٤ : ٣٢٤ ، وج ١ : ٢٧٧ ، وج ٣ : ٤٥٣.

(٢) قال به الشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ٢٠٧.

(٣) المنتهى ٢ : ١٠٠٨.

(٤) السرائر ٢ : ٢١٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٨.

(٥) المسالك ١ : ١٦٥ ، التذكرة ١ : ٥٨٢.

(٦) الكافي ٦ : ٣٩٨ / ١٠ ، التهذيب ٩ : ١٠٤ / ٤٥١ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ٥٥ ح ٣.

١٣٠

ومنها : « السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب ، وثمن الخمر » (١).

ومنها : « السحت أنواع » وعدّ منها ثمنها (٢).

وبها يستدل على حكم تالييها ؛ نظراً إلى إطلاق الخمر عليهما في المعتبرة المستلزم لكونهما إمّا منها حقيقة ، أو مشاركين لها في الأحكام التي ما نحن فيه منها.

مضافاً إلى الصحيح في الأوّل : « السحت أنواع كثيرة » وعدّ منها « ثمن الخمر والنبيذ المسكر » (٣).

ومن الخبر الثاني وغيره (٤) يظهر الحكم في الرابع.

ويستدل له وللخامس والبواقي بالخبرين ، أحدهما الرضوي ، وفيه :

« إن كلّ مأمور به ممّا هو صلاح للعباد ، وقوام لهم في أُمورهم ، من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وهبته وعاريته ، وكل أمر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد ، مثل الدم ، والميتة ، ولحم الخنزير ، والربا ، وجميع الفواحش ، ولحوم السباع ، والخمر ، وما أشبه ذلك فحرام ضارٍّ للجسم » (٥) انتهى.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٦ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ / ١٠٦١ ، الوسائل ١٧ : ٩٣ أبواب ما يكتسب ب ٥ ح ٥.

(٢) انظر الوسائل ١٧ : ٩٢ ، ٩٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٦ ، ١٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ / ١٠٦٢ ، الوسائل ١٧ : ٩٢ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ١٠٥ / ٤٣٥ ، الفقيه ٤ : ٢٦٢ / ٨٢٤ ، تفسير العياشي ١ : ٣٢٢ / ١١٧ ، الوسائل ١٧ : ٩٤ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٨ ، ٩.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٠ ، المستدرك ١٣ : ٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ذيل حديث ١.

١٣١

ونحوه الثاني المروي عن تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للمرتضى بزيادة : « أو شي‌ء من وجوه النجس » بعد الخمر ، والتعليل بـ « أنّ ذلك منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام » (١) الحديث ، وهو طويل متضمن لوجوه المكاسب.

وقصور سنده كباقي الروايات ، مع اعتبار سند بعضها غير ضائر بعد العمل بها ، وخلوّها عن المعارض ، سوى الأصل والعمومات المخصَّصين بها.

وبعض الروايات في الميتة ، الدالّ بظاهره على جواز بيع ما يتّخذ من جلودها للسيوف وشرائها (٢) شاذّ ، قاصر السند ، ضعيف الدلالة والتكافؤ لما مرّ من وجوه عديدة ، فالاستشكال في المسألة غفلة واضحة.

ونحوه الاستشكال في المنع عن بيع عذرة غير الإنسان مطلقاً ولو كان غير مأكول اللحم ، بل عذرته أيضاً لو انتفع بها ؛ لنفي البأس عن بيع جميعها في بعض الأخبار (٣).

لاندفاعه كالأصل ، والعمومات بما مرّ ، وزيادة معارضته بصريح الخبر : « ثمن العذرة من السحت » (٤) والمرجحات معه ، أوجهها عدم الخلاف فيه ، بل الوفاق عليه كما مرّ (٥). ولا ينافيه حمل الإستبصار الأوّل‌

__________________

(١) تحف العقول : ٢٤٧ ، المحكم والمتشابه : ٤٦ وليست فيه الزيادة ، الوسائل ١٧ : ٨٣ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٦ / ١١٠٠ ، الوسائل ١٧ : ١٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٣٨ ح ٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨١ ، ١٠٧٩ ، الإستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٣ ، ١٨١ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ٢ ، ٣.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨٠ ، الإستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ١.

(٥) راجع ص : ٣٦٨.

١٣٢

على ما عدا عذرة الإنسان (١) ، الشامل لعذرة ما لا يؤكل لحمه من البهائم ؛ لأن مثل ذلك لا يعدّ فتوى له ، وإلاّ لما انحصر فتاواه في عدٍّ.

مع احتمال أن يريد به عذرة مأكول اللحم خاصة ، فإنه يجوز الاكتساب بها ، كما هو ظاهر العبارة ، وفاقاً للمرتضى والحلّي وأحد قولي الطوسي (٢) ، وأكثر المتأخّرين ، بل لعله عليه عامّتهم ؛ لطهارتها وجواز الانتفاع بها ، فيشملها الأصل والعمومات.

مضافاً إلى الإجماع المحكي عن المرتضى (٣) ، والموثق المجوّز لبيعها ثانياً بعد المنع عنه أوّلاً (٤) ، بحمل الثاني على النجس ، والأول على الطاهر ، جمعاً ، والشاهد ما مرّ من الإجماع وغيره.

خلافاً للمفيد والديلمي (٥) ، فمنعا عنه وعن الأبوال إلاّ ما تضمّنه الاستثناء الآتي ؛ للاستخباث وعدم الانتفاع.

ولا دليل على ملازمة الأوّل للمنع بعد إمكان الانتفاع به وجداناً. وبه يظهر وجه المنع عن الثاني.

( وقيل : ) كما عن النهاية (٦) ، وفي النسبة مناقشة ؛ لتشويش العبارة ( بالمنع من الأبوال ) مطلقا خاصة ( إلاّ بول الإبل ) للاستشفاء مع‌

__________________

(١) الاستبصار ٣ : ٥٦.

(٢) انظر الانتصار : ٢٠١ ٢٠٣ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢١٩ ، الطوسي في التهذيب ٦ : ٣٧٢.

(٣) كما في الانتصار : ٢٠١.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨١ ، الإستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٣ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ح ٢.

(٥) المفيد في المقنعة : ٥٨٧ ، الديلمي في المراسم : ١٧٠.

(٦) النهاية : ٣٦٤.

١٣٣

الضرورة إليه للمنع : ما مرّ ، وللجواز في المستثنى : الإجماع في الظاهر ، وصريح النصوص : منها الموثق : عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال : قال : « إن كان محتاجاً إليه يتداوى بشربه ، وكذلك بول الإبل والغنم » (١) (٢).

والخبر : عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم ، ينعت له من الوجع ، هل يجوز له أن يشرب؟ قال : « نعم لا بأس به » (٣).

( و ) يحرم التكسّب بـ ( الخنزير والكلب ) إجماعاً ، كما حكاه جماعة (٤) ؛ وهو الحجة ؛ مضافاً إلى صريح الرضوي وتاليه (٥) في الأول ، وعموم الثاني من حيث تضمّنه المنع عن التقلّب بمطلق النجس في الثاني ؛ مضافاً إلى النصوص المستفيضة فيه ، منها : ما مرّ (٦).

ومنها : الموثق بأبان المجمع على تصحيح رواياته وروايات فضالة الراوي عنه هنا ، وفيه : « ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت » (٧).

والخبر : « وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار » (٨) وليس في سنده سوى سهل الثقة عند جمع (٩) ، وسهل عند آخرين (١٠).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٢٥ : ١١٣ أبواب الأطعمة المباحة ب ٥٩ ح ١.

(٢) ومنها الموثق الآخر المروي في ( الكافي ٧ : ٢٤٥ / ١ ) و ( التهذيب ١٠ : ١٣٤ / ٥٣٣ ) ، في كتاب الحدود باب حدّ المحارب. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) طب الأئمّة : ٦٣ ، الوسائل ٢٥ : ١١٥ أبواب الأطعمة المباحة ب ٥٩ ح ٧.

(٤) منهم : الشيخ في الخلاف ٣ : ١٨١ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ١٠٠٨ ، ١٠٠٩.

(٥) راجع ص : ٣٦٨١.

(٦) في ص : ٣٦٨.

(٧) التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٧ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٣.

(٨) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٤ ، الوسائل ١٧ : ١١٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٢.

(٩) منهم : الشيخ الطوسي في رجاله : ٤١٦ ، والحرّ العاملي في الوسائل ٣٠ : ٣٨٩ وحكاه أيضاً عن بعض مشايخه المعاصرين.

(١٠) منهم المجلسي في الوجيزة : ٢٢٤ ، وأُنظر تعليق الوحيد على منهج المقال : ١٧٦ ، ومنتهى المقال ٣ : ٤٢٩.

١٣٤

ونحوه آخر : عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، فقال : « سحت ، وأما الصيود فلا بأس » (١).

ويستفاد منه صريحاً ، ومن الموثق تقييداً اختصاص المنع بما ( عدا كلب الصيد ) المعلّم ، وهو إجماع أيضاً ، كما في الغنية والمنتهى والمسالك (٢) ، وبذلك يقيّد ما أُطلق فيه المنع عن ثمن مطلق الكلب ، مع اختصاصه بحكم التبادر والغلبة بما عداه.

وليس في النص والفتوى كما ترى التقييد بالسلوقي ، كما في النهاية (٣) ، مع أنّ الأصل يدفعه ، ولا وجه له أصلاً ، ولذا رجع عنه في المبسوط ، فأطلق (٤).

( وفي كلب الماشية والحائط ) أي البستان ، ونحوه الدار ( والزرع قولان ) للمنع كما في الشرائع والغنية وعن الخلاف والنهاية والمفيد والقاضي (٥) ، واختاره من المتأخّرين جماعة (٦) ظواهر إطلاق المستفيضة المتقدمة ، بل المتضمّنة منها لاستثناء كلب الصيد خاصّة وهي الموثقة وغيرها كالصريحة في العموم.

مضافاً إلى عموم المنع في رواية التحف (٧) عن كل نجس ، وعموم‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٦٠ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، المنتهى ٢ : ١٠٠٩ ، المسالك ١ : ١٦٧.

(٣) النهاية : ٣٦٤.

(٤) المبسوط ٢ : ١٦٦.

(٥) الشرائع ٢ : ١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، الخلاف ٣ : ١٨٣ ، النهاية : ٣٦٤ ، المقنعة : ٥٨٩ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٤١.

(٦) منهم : السبزواري في الكفاية : ٨٨ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٧٩.

(٧) المتقدمة في ص : ١٣٢.

١٣٥

النبوي : « إذا حرّم الله تعالى شيئاً حرم ثمنه » (١) وعن الخلاف الإجماع عليه أيضاً (٢).

وللجواز كما عن الإسكافي والحلّي (٣) ، واختاره كثير ممن تأخّر (٤) الأصل ، والعمومات. ويخصّصان بما مرّ ، وفيه المعتبر السند كما ظهر.

والاشتراك مع كلب الصيد في الانتفاع المسوّغ لبيعه قياس.

وما في المبسوط من الرواية على مماثلة الأوّلين له (٥) لم نقف عليها فهي مرسلة ، ومع ذلك عن إفادة تمام المدّعى قاصرة.

نعم في الصحيح : « لا خير في الكلام إلاّ كلب صيد أو ماشية » (٦) وسياقه يعطي الاتحاد مع الأوّل في الأحكام ، ولا قائل بالفرق في المقام ، لكن في الدلالة نوع كلام.

وكيف كان فلا ريب أن الأحوط الأوّل.

( و ) يحرم التكسّب بـ ( المائعات النجسة ) بالذات ، أو بالعرض مع عدم قبولها التطهير مطلقاً ، ولو حصل لها نفع وأعلم بالنجاسة ، إجماعاً كما في الغنية والمنتهى والمسالك (٧) وغيرها ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٢ : ١١٠ / ٣٠١ ، المستدرك ١٣ : ٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٨ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) الخلاف ٣ : ١٨٢.

(٣) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٤١ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٢٠.

(٤) منهم : العلاّمة في المنتهى ٢ : ١٠٠٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٧ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٠٩.

(٥) المبسوط ٢ : ١٦٦ ، وهي مروية في الوسائل ١٧ : ١٢٠ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٩.

(٦) الكافي ٦ : ٥٥٢ / ٤ ، الوسائل ١١ : ٥٣٠ أبواب أحكام الدواب ب ٤٣ ح ٢.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، المنتهى ٢ : ١٠١٠ ، المسالك ١ : ١٦٤.

١٣٦

العمومات المتقدمة المانعة عن بيع النجس ، والمعربة عن تحريم ثمن ما حرم أصله.

( عدا الدهن ) بجميع أصنافه ، فيجوز بيعه مع الإعلام ( لفائدة الاستصباح ) للإجماع كما في الغنية وغيرها (١) ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

ففي الصحيح : « إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكُلْ ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به ، والزيت مثل ذلك » (٢).

وفيه جُرَذ مات في سمن أو زيت أو عسل ، فقال : « أمّا السمن والعسل فيؤخذ الجُرَذ وما حوله ، وأمّا الزيت فيستصبح به » (٣) وقال في بيع ذلك الزيت : « تبيعه وتبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به » (٤).

وليس فيها مع كثرتها التقييد بالاستصباح تحت السماء ، كما عن الأكثر ، بل في الروضة والمسالك أنّه المشهور (٥) ، وعن الحلّي الإجماع عليه (٦) ؛ ومستنده غير واضح سواه ، فإن تمّ كان هو الحجة ، وإلاّ فالإطلاق كما عليه كثير من المتأخّرين (٧) لا يخلو عن قوة ، للأصل ، وخلوّ‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ؛ وأُنظر الخلاف ٣ : ١٨٧ ، والسرائر ٢ : ٢٢٢.

(٢) الكافي ٦ : ٢٦١ / ١ ، الوسائل ١٧ : ٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٢٦١ / ٢ ، الوسائل ١٧ : ٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ١٢٩ / ٥٦٣ بتفاوت ، الوسائل ١٧ : ٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٤.

(٥) الروضة ٣ : ٢٠٧ ، المسالك ١ : ١٦٤.

(٦) انظر السرائر ٢ : ٢٢٢.

(٧) منهم : العلاّمة في الإرشاد ١ : ٣٥٧ ، والتحرير ١ : ١٦٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٠٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٧.

١٣٧

النصوص عن القيد ، مع ورودها في مقام بيان الحاجة ، وكون أظهر أفرادها بالغلبة خلافه ، لغلبة الإسراج في الشتاء.

لكن الأحوط بل الأولى الأوّل ؛ لاعتضاد الإجماع بالشهرة ؛ وما ادّعاه في المبسوط من رواية الأصحاب (١) الصريحة في التقييد وإن اختار فيه خلافه ، مع موافقته الأصحاب كما حكي في سائر كتبه وفي هذا الكتاب في المكاسب (٢).

وأما ما علّل به من تصاعد شي‌ء من أجزائه مع الدخان قبل إحالة النار له بسبب السخونة إلى أن يلقى الظلال فتتأثّر بنجاسته.

فضعيف ؛ فإنّ فيه بعد تسليمه أوّلاً : عدم جريانه في الأضلّة العالية ، بل والقصيرة مع حصول الشك في الملاقاة ، لأصالة الطهارة.

وثانياً : عدم صلاحيته لإثبات المنع إلاّ بعد ثبوت المنع عن تنجيس المالك ملكه ، ولا دليل عليه ، مع مخالفته الأصل ، وإجماعنا المحكي هنا في الروضة وغيرها على عدم نجاسة دخان الأعيان النجسة (٣).

ثم ظاهر العبارة كالجماعة وظواهر النصوص المتقدمة الواردة في بيان الحاجة الاقتصار في الاستثناء على الاستصباح خاصّة ، خلافاً لمن شذّ (٤) ، فألحق به البيع ليعمل صابوناً ، أو ليدهن به الأجرب ؛ استناداً إلى الأصل ، وصريح الخبر المروي عن نوادر الراوندي (٥) ، وحملاً للنصوص على النفع‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٨٣.

(٢) كالنهاية : ٥٨٨ ، والخلاف ٣ : ١٨٧ ، والمبسوط ٢ : ١٦٧.

(٣) الروضة ٣ : ٢٠٨ ؛ وأُنظر المبسوط ٦ : ٢٨٣ ، والسرائر ٣ : ١٢١ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٨.

(٤) انظر جامع المقاصد ٤ : ١٣.

(٥) نوادر الراوندي : ٥٠ ، المستدرك ١٣ : ٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٧.

١٣٨

الغالب.

والأحوط الأول ؛ لاندفاع الأوّل بعموم ما دلّ على المنع عن التكسّب به ، خرج المجمع عليه وهو البيع والشراء للاستصباح ويبقى الباقي.

والثاني : بقصور السند.

والثالث : بالضعف بالخلوّ عمّا عداه مع الكثرة ، واعتضاده بفهم فقهاء الطائفة.

وأما ما يقال في تعيين الاستصباح بالأمر به المستلزم للمنع عمّا عداه ولو من باب المقدّمة ، فغير مفهوم بعد الإجماع على عدم كون هذا الأمر للوجوب ، مع وروده مورد توهّم الحظر ، وليس مفاده حينئذٍ إلاّ الإباحة كما قرّر في محلّه.

( و ) اعلم أنّ مقتضى الأصل المستفاد من العمومات المتقدّمة واختصاص النصوص المستثنية للاستصباح بالدهن النجس بالمتنجّس منه : أنّه ( لا ) يجوز أن ( يباع ولا يستصبح بما يذاب من شحوم الميتة وألياتها ).

مضافاً إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة المانعة عن الانتفاع بالميتة ، ففي الصحيح : الميتة ينتفع بها بشي‌ء؟ فقال : « لا » (١).

وفي الخبر : « أن ما قطع منها ميّت لا ينتفع به » (٢).

وفي آخر : « لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب » (٣) فتأمل. مع أن‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٩ / ٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٤ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٠٩ / ٩٦٧ ، التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٠ ، الوسائل ٢٤ : ٧١ أبواب الذبائح ب ٣٠ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٣ ، الإستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٧.

١٣٩

ظاهرهم الاتفاق عليه كما قيل (١).

خلافاً للمحكي عن العلاّمة ، فجوّز الاستصباح به (٢) ، وتبعه من متأخّري المتأخّرين جملة (٣) ؛ للأصل المخصّص بما مرّ ؛ والروايات القاصرة الأسانيد الضعيفة هي كالأوّل عن المقاومة له.

( الثاني : الآلات المحرّمة ، كالعود والطبل والزمر ، وهياكل العبادة المبتدعة ، كالصنم والصليب ، وآلات القمار ، كالنرد والشطرنج ) وغيرها ، بإجماعنا المستفيض النقل في كلام جماعة من أصحابنا (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى عمومي الرضوي وتاليه (٥) ، المانعين عن التكسّب بكل ما فيه وجه من وجوه الفساد.

مع استلزام التكسّب بها المعاونة على الإثم المحرّمة كتاباً وسنّة وإجماعاً ، إلاّ أنّ مقتضى ذلك اختصاص التحريم بصورتها ، فلو فرض لها منفعة محلّلة وقصدت ببيعها وشرائها بحيث لا يعدّ في العادة سفاهة أمكن الجواز فيه ، وفيما لو كان لمكسورها قيمة وبيعت ممن يوثق به للكسر ؛ للأصل ، وعدم دليل على المنع يشمل محلّ الفرض ، لندوره ، فلا يشمله العموم المتقدّم ، كإطلاق الأكثر ، والمروي في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي ، عن أبي بصير ، عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : « بيع الشطرنج‌

__________________

(١) الحدائق ١٨ : ٨٤.

(٢) حكاه في جامع المقاصد ٤ : ١٣ عن حواشي الشهيد عن العلاّمة.

(٣) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٣٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٨٥ ؛ وأُنظر مرآة العقول ٢٢ : ٤٩ ، وملاذ الأخيار ١٤ : ٢٧٩.

(٤) منهم : العلاّمة في المنتهى ٢ : ١٠١١ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤١ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٢٠٠.

(٥) المتقدمين في ص : ٣٦٨١.

١٤٠