رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

احتاج إلى مضيّ زمان يفوت فيه شي‌ء من النفع المعتدّ به ، دفعاً للضرر.

ولو كان فيه ما لا يخرج إلاّ بهدم وجب أرشه على البائع.

ثم إنّ التفريغ وإن كان واجباً إلاّ أنّ الظاهر عدم توقّف القبض عليه ، بل لو رضي المشتري بتسلّمه مشغولاً تمّ ووجب التفريغ بعده.

( ولا بأس ببيع ) المشتري ( ما لم يقبض ) إذا لم يكن مكيلاً ولا موزوناً ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في بعض العبارات (١) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى أدلّة الجواز في المسألة الآتية ، عموماً في بعض وفحوى في الباقي.

وصريح الصحيحين في أحدهما : « فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه » (٢).

وفي الثاني : عن قوم اشتروا بزاً (٣) فاشتركوا فيه جميعاً ولم يقسّموه ، أيصلح لأحد منهم أن يبيع بزّه قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال : « لا بأس به ، لأنّ هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال » (٤).

ومفهوم الآخر : عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه ، فقال : « ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلاّ أن تولّيه » (٥) ونحوه غيره ممّا يأتي.

( ويكره فيما يكال أو يوزن ، وتتأكّد الكراهة في الطعام ) وفاقاً‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٧٦.

(٢) الفقيه ٣ : ١٢٩ / ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ / ١٤٧ ، الوسائل ١٨ : ٦٨ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٢.

(٣) البَزّ : الثياب وبائعه بزّاز. مجمع البحرين ٤ : ٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٣٦ / ٥٩٤ ، التهذيب ٧ : ٥٥ / ٢٤٠ ، الوسائل ١٨ : ٦٧ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٠.

(٥) تقدّم مصدره في ص : ٣٥٧.

٣٦١

للمفيد والنهاية والقاضي في الكامل (١) ، واختاره من المتأخّرين جماعة ، كالشهيد في الدروس اللمعة ، والمختلف ، والفاضل المقداد والصيمري والماتن هنا وفي الشرائع (٢) ، وغيرهم (٣) ، بل ادّعى عليه بعض الأجلّة الشهرة المتأخّرة (٤).

ولا يخلو عن قوّة ؛ جمعاً بين ما دلّ على الجواز من الأصل ، والعمومات ، وظاهر عموم التعليل في الصحيحين ، في أحدهما : في رجل أمر رجلاً يشتري متاعاً فيشتريه منه ، قال : « لا بأس بذلك إنّما البيع بعد ما يشتريه » (٥) ونحوه الثاني : « لا بأس ، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه » (٦).

وظاهر عموم الصحيحين (٧) الناشئ من ترك الاستفصال ، في أحدهما : عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها ، قال : « لا بأس به ، إن وجد ربحاً فليبع » ولا ريب أنّ الثمرة مكيل في الجملة ، بل طعام في بعض الإطلاقات.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٩٦ ، النهاية : ٣٩٨ ، وحكاه عن كامل القاضي في المختلف : ٣٩٣.

(٢) الدروس ٣ : ٢١١ ، اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٥٢٨ ، المختلف : ٣٩٣ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٦٨ ، الشرائع ٢ : ٣١.

(٣) انظر كشف الرموز ١ : ٤٧٣ وكفاية الأحكام : ٩٦.

(٤) الحدائق ١٩ : ١٦٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٥٠ / ٢١٨ ، الوسائل ١٨ : ٥٠ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.

(٦) التهذيب ٧ : ٥١ / ٢٢٠ ، الوسائل ١٨ : ٥١ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ٨ ؛ بتفاوت يسير.

(٧) الأول : الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٨ / ٣٧٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٧ أبواب أحكام العقود ب ٧ ح ٢. الثاني : التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٧٧ ، الوسائل ١٨ : ٤٧ أبواب أحكام العقود ب ٧ ح ٣.

٣٦٢

وخصوص الخبر الذي قصور سنده بالشهرة المحكية وما قدّمناه من أدلّة الإباحة منجبر : في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه ، قال : « لا بأس » (١).

وبين ما دلّ على النهي عنه ، ونفي الصلاحية ، وثبوت البأس به من الصحاح المستفيضة ، منها مضافاً إلى ما مرّ : « إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلاّ أن تولّيه » (٢).

ومنها : « من احتكر طعاماً .. وأراد أن يبيعه فلا يبعه حتى يقبضه ويكتاله » (٣).

ومنها : في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتاله ، قال : « لا يصلح له ذلك » (٤) ونحوه آخر (٥).

ونحوها غيرها من المعتبرة كالموثقين كالصحيح ، في أحدهما : عن رجل اشترى بيعاً ليس فيه كيل ولا وزن ، إله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ فقال : « لا بأس بذلك ما لم يكن فيه كيل ولا وزن » (٦) الخبر.

وفي الثاني : اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله فصدّقناه وأخذنا بكيله ، فقال : « لا بأس » فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٥١ ، الوسائل ١٨ : ٦٥ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٥ / ١٤٧ ، الوسائل ١٨ : ٦٨ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧ / ١٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٦٩ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٤٩ ، الوسائل ١٨ : ٦٨ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٣.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٥٠ ، الوسائل ١٨ : ٦٨ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٤.

(٦) الفقيه ٣ : ١٣٦ / ٥٩٣ ، التهذيب ٧ : ٥٦ / ٢٤١ ، الوسائل ١٨ : ٦٩ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٨.

٣٦٣

قال : « لا ، أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله » (١).

والموثق : عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها ، قال : « لا حتى يقبضها » (٢).

وهذه النصوص وإن ترجّحت على أدلّة الإباحة بالكثرة والصحة ، ( و ) لعلّه لذا ( قيل : يحرم ) إمّا مطلقاً ، طعاماً أو غيره ، بتولية أو غيرها ، كما عن العماني (٣) ، أو طعاماً خاصّة مطلقاً ، كما عن الصدوق والقاضي في المهذب ، والمبسوط والغنية (٤) ، مدّعين فيهما الإجماع.

إلاّ أنّها ما بين قاصرة بحسب الدلالة ، وهي ما تضمّن ثبوت البأس أو نفي الصلاحية ، لأعميّة الأوّل من الحرمة ، وظهور الثاني في الكراهة ، سيّما بملاحظة الخبر : عن رجل اشترى طعاماً ثم باعه قبل أن يكيله ، قال : « لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه ، إلاّ أن يولّيه كما اشتراه » (٥).

وشاذّةٍ ، وهي ما استثنت من المنع صورة التولية ، فإنّه لا قائل بهذا التفصيل من القائلين بالحرمة المتقدّم إلى ذكرهم الإشارة.

نعم ، قد يوجد القول بها من بعض متأخّرين الطائفة ، كما سيأتي في ذيل الرواية إلى ذكره الإشارة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧ / ١٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٥٢ ، الوسائل ١٨ : ٦٨ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٩٣.

(٤) الصدوق في المقنع : ١٢٣ ، المهذب ١ : ٣٨٥ ، المبسوط ٢ : ١١٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧ / ١٥٤ ، الوسائل ١٨ : ٦٩ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١٦.

٣٦٤

وبعدم مصير أحد إلى هذا القول صرّح بعض الأجلّة (١) ، ومع ذلك فالقائل بهذه النصوص ليس إلاّ العماني ، حيث أطلق فيها المبيع ولم يخصّ بالطعام ، والتخصيص إنّما هو في كلام الرواة ومع ذلك فليس قابلاً لتقييد الإطلاق ، وحينئذٍ فتكون متروكة عن القائلين بالإباحة كافّة ، وأكثر القائلين بالحرمة ، وهذا من أكبر الشواهد على تعيين حملها على الكراهة.

نعم ، يبقى الكلام فيما دلّ منها على المنع عن خصوص الطعام ؛ لاعتضادها بفتوى جماعة ، وبالإجماعات المحكية. إلاّ أنّها ما بين ضعيفةٍ دلالةً بالتضمّن لنفي الصلاحيّة أو ثبوت البأس ، المتقدّم إلى ما في دلالتها على الحرمة من المناقشة ، ومتضمّنةٍ لما لا يقول به هؤلاء الجماعة ، من اعتبار الحكرة واستثناء التولية.

والإجماعات المحكية هنا موهونة ؛ إذ لم يوجد القائل بها إلاّ هؤلاء الجماعة القليلة بالإضافة إلى القائلين بالحرمة على الإطلاق أو الكراهة كذلك.

ولكن شبهة القول بالحرمة هنا قويّة أقوى منها في المسألة السابقة ، ولذا حكم في العبارة بتأكّد الكراهة هنا.

وتخفّ لو باع توليةً ؛ لما تقدّم من المعتبرة. ( و ) نحوها ما ( في رواية ) أُخرى صحيحة حاصلة قوله : ( لا تبعه حتى تقبضه إلاّ أن تولّيه ) (٢).

وسياق العبارة يشعر بعدم القائل بها. وهو كذلك قبل زمانه رحمه‌الله كما مضى ، وأمّا بعده فقد اختاره الفاضل في التحرير والإرشاد ، والشهيد‌

__________________

(١) المهذّب البارع ٢ : ٤٠١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٢٩ / ٥٦٠ ، الوسائل ١٨ : ٦٥ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ١.

٣٦٥

الثاني في المسالك والروضة (١) ، وبها جَمَعا بين الأخبار المختلفة. والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.

وعليه فهل يخصّ الحكم بالتولية أم يعمّ الوضيعة؟ وجهان ، من لزوم الاقتصار فيما خالف إطلاقات المنع على ما تضمّنته الرواية ، ومن مفهوم الصحيحة : « إذا ربح لم يصلح حتى يقبض » (٢) واحتمال ورود الإطلاقات واستثناء التولية خاصّة مورد الغلبة ، لكون المعاملة بالوضيعة نادرة ، إلاّ أنّه وارد في مفهوم الصحيحة ، ومع ذلك يؤيّد الأوّل الخبر : « لا بأس أن يولّيه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع » (٣).

( ولو قبض ) المشتري ( المكيل فادّعى نقصانه فإن حضر الاعتبار ) وشهده ( فالقول قول البائع مع يمينه ) بلا خلاف أجده ؛ وهو الحجة ، دون ما علّل به جماعة من العمل بالظاهر من أنّ صاحب الحق إذا حضر اعتباره يحتاط لنفسه ويأخذ مقدار حقّه. مع إمكان موافقة الأصل للظاهر باعتبار آخر ، وهو أنّ المشتري لمّا قبض حقّه كان في قوّة المعترف بوصول حقّه إليه كملاً ، فإذا ادّعى بعد ذلك نقصانه كان مدّعياً لما يخالف الأصل.

فإنّ فيه مناقشة ؛ لمنع الظهور أوّلاً ، باحتمال الاعتماد على البائع ، أو الغفلة والسهر ، أو حضور الاعتبار للغير ، فتأمّل.

ومنع معارضته للأصل ورحجانه عليه بعد تسليمه لولا الإجماع ثانياً.

وكذا دعوى الموافقة للأصل ، فإنّ إقامة أخذ الحق مع حضور الاعتبار مقام الاعتراف ممنوعة ، وإن هو إلاّ قياس فاسد في الشريعة ، فإذا العمدة‌

__________________

(١) التحرير ١ : ١٧٦ ، الإرشاد ١ : ٣٨٢ ، المسالك ١ : ١٨٦ ، ١٨٧ ، الروضة ٣ : ٥٢٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٥٣ ، مسائل علي بن جعفر : ١٢٤ / ٨٤ ، ١٢٣ / ٨٣ ، قرب الإسناد : ٢٦٥ / ١٠٥٢ ، الوسائل ١٨ : ٦٧ أبواب أحكام العقود ب ١٦ ح ٩.

(٣) تقدّم مصدره في ص : ٣٩٠٣.

٣٦٦

فتوى الجماعة.

هذا إذا ادّعى الغلط ، وأمّا إذا ادّعى عدم وصول الحق فالحكم فيه كما في الصورة الثانية ، المشار إليها بقوله : ( وإن لم يحضره فالقول قوله ) أي المشتري ( مع يمينه ) قولاً واحداً ؛ تمسّكاً بالأصل السليم عن المعارض جدّاً.

( وكذا القول ) بالتفصيل بين صورتي الحضور فالأوّل ، وعدمه فالثاني ( في الموزون والمعدود والمذروع ) وإن خالف الأصل في الصورة الأُولى ؛ لعين ما مرّ في المسألة السابقة.

( الرابع : في الشرائط ) المرسومة في متن العقد التي لم يعلّق عليها العقد ، كأن يقول : بعتك هذا المتاع وشرطت عليك صباغة هذا الثوب ، دون المذكورة في طرفيه والمعلّق عليها ، كأن يقول : بعتك هذا المتاع إن جاء زيد ؛ إذا لا أثر للأوّلة (١) في صحة العقد ولزومه أصلاً ، والثانية لا يصحّ‌

__________________

(١) المذكورة في طرفيه ، ويصح العقد ويلزم من دونها ؛ لفحوى ما دل على ذلك في عقد المتعة من النص والفتوى بأنّ الشروط قبله وبعده لا تلزم أصلاً ، ولا يؤثر فقدها في العقد فساداً ولا تزلزلاً ، ويفسد العقد في المعلّق عليها من أصله ؛ لمنافاة التعليق القصد إلى إيقاع مضمون البيع الذي هو الانتقال من حين العقد ، مع أنه شرط في صحته إجماعاً ، ووجه المنافاة واضح ؛ إذ تعليق النقل على الشرط ليس عبارة إلاّ عن عدمه إلاّ بعد حصوله ، وهو بعدُ لم يحصل كما هو مقتضى التعليق ، إذ تعليق العقد على أمر حاصل شي‌ء ليس له حاصل. وليس كذلك الشروط المرسومة في متن العقد لا على جهة التعليق ولو بلفظ : أبيعك بشرط كذا ، مع قيام القرينة على عدم قصدها التعليق كما هو الغالب ، وذلك لحصول القصد إلى النقل من الحين من دون توقف له على الشرط ، وإنما فائدته انتفاء اللزوم بانتفائه ، ونحن نقول به. وإنما جعل غايته ذلك دون عدم صحة العقد وفساده لأن ذلك من فوائد التعليق وقد فرض عدمه ، مع أن العقد مطلق فلا يتقيد بالشرط المذكور في متنه.

٣٦٧

معها العقد جدّاً.

( ويصحّ منها ما كان سائغاً ) لم يمنع عنه كتاب ولا سنّة. ويدخل فيه اشتراط أن لا تؤدّي إلى الجهالة ؛ لاستلزامها حينئذٍ الغرر المنهي عنه في الشريعة ، و ( داخلاً تحت القدرة ) للمشروط عليه ( كقصارة الثوب ) ونحوها ، وغير منافٍ لمقتضى العقد مما اجمع على فساده ، كاشتراط عدم انتقال أحد العوضين إلى المتبايعين.

والأصل في الصحة بعد الإجماع الكتاب والسنّة المستفيضة ، منها الصحيح : « المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز » (١).

والصحيح : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله تعالى فلا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم فيما يوافق كتاب الله عز وجل » (٢) ونحوهما في الجملة الصحيحة الآتية (٣) وغيرها من المعتبرة (٤).

__________________

وتحصيل فائدة الشرط لتصحيح معناه يمكن بإرجاعها إلى اللزوم الذي هو من فوائد العقد ولوازمه ، ومعه فلا وجه لإرجاعها إلى نفس العقد والحكم بانتفائه عند انتفائه ، بل هو زيادة في التجوّز لا داعي لها ، بل الأصل يردّها ، فتأمّل جدّاً. ثم إنّ الفارق بين الشرط العليقي وغيره ممّا يرسم في العقد ومتنه مع اشتراكهما في التعبير عنهما بما يؤدّي الشرطية ومعناها وقوع الأول بلفظ : بعتك بشرط كذا أو ما أدى مؤدّاه ، مع عدم قرينة تدل على عدم قصد التعليق ، ووقوع الثاني بلفظ : بعتك وشرطت عليك كذا ، أو بشرط كذا ، مع القرينة على عدم قصد التعليق أصلاً كما يكون غالباً. ( منه رحمه‌الله ).

(١) الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٣ ، الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٤ ، الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ ح ١.

(٣) في ص : ٣٩١٤.

(٤) انظر الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦.

٣٦٨

والمتبادر منها ومن ظاهر الأمر بالوفاء بالعقود الشاملة لما الشرائط جزؤها وجوب الوفاء بها مطلقاً ، سيّما بملاحظة الخبر : « من شرط لامرأته شرطاً فليَفِ به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حرّم حلالاً أو حلّل حراماً » (١) وهو أقوى ، وفاقاً لجماعة من أصحابنا (٢) ، وفي الغنية والسرائر الإجماع عليه (٣).

وقيل : لا يجب ، وإنّما فائدته جعل البيع عرضة للزوال بالفسخ عند عدم سلامة الشرط ، ولزومه عند الإتيان به ؛ تمسّكاً بالأصل ، وضعف النصوص عن إفادة الوجوب (٤).

ويضعّفان بما مرّ ؛ مضافاً إلى عموم الأمر في الكتاب كما ظهر.

وقيل بالتفصيل وهو : أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به ، كشرط الوكالة في العقد ، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم ، بل يقلّب العقد اللازم جائزاً ، وجعل السرّ فيه أنّ اشتراط ما العقد كافٍ في تحقّقه كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في الجواز واللزوم ، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد وقد علّق عليه العقد ، والمعلّق على الممكن ممكن ، وهو معنى قبل اللازم جائزاً (٥).

وهو كسابقه في الضعف ، وإن كان أجود منه.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٧٢ ، الوسائل ١٨ : ١٧ أبواب الخيار ب ٦ ح ٥.

(٢) منهم : العلامة في الإرشاد ١ : ٣٥٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٩٠ والروضة البهية ٣ : ٥٠٨ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، السرائر ٢ : ٣٢٦.

(٤) قال به الشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة البهيّة ٣ ) : ٥٠٦.

(٥) حكاه في الروضة ٣ : ٥٠٧.

٣٦٩

وكيف كان ، يستفاد من النصوص مضافاً إلى الإجماع أنّه لا يجوز اشتراط غير السائع ممّا منعت عنه الكتاب والسنّة ، كأن يحرّم حلالاً أو بالعكس ، كما أفصحت عنه الرواية الأخيرة.

ولكن فيه إجمال فلا يدري هل المراد بالحلال والحرام ما هو كذلك بأصل الشرع من دون توسّط العقد ، أو ما يعمّ ذلك؟

ولكن الذي يقتضيه النظر من تتبّع الفتاوي والنصّ هو الأوّل ؛ لاتّفاقهم على صحّة شرائط خاصة تكون منافيات لمقتضى العقد ، كاشتراط عدم الانتفاع مدّة معينة ، وسقوط خيار المجلس والحيوان وما شاكله ، ولا ريب أنّ قبل الشرط بمقتضى العقد يحلّ الانتفاع مطلقاً والردّ في زمان الخيار ، ويحرم بعده جدّاً ، فقد حرّمت الشروط ما كان حلالاً بتوسّط العقد.

وللنصوص الآتية (١) في بيع الأمة بشرط عدم البيع والهبة ، المجوّزة لذلك ، المستلزمة لحرمتها بعد الشرط ، مع أنّهما حلال بواسطة العقد قبله ، وفي استثناء اشتراط نفي الميراث من الجواز فيها إشعار بما ذكرنا (٢).

وحينئذٍ فالضابط في الشروط التي لم تحرّم الحلال بأصل الشرع وبالعكس هو الجواز ، إلاّ أن يمنع عنه مانع من نصّ أو إجماع.

( و ) يتفرّع على اشتراط الدخول تحت القدرة أنّه ( لا يجوز اشتراط غير المقدور ، كبيع الزرع على أن يصيّره سنبلاً ) والدابّة على أن‌

__________________

(١) في ص : ٣٩١٤.

(٢) وإن كان يتوهّم منه خلافه ، من حيث إن الإرث المستثنى من الجواز اشتراط نفيه شي‌ء يحلّ بنفس العقد لا بأصل الشرع ، وذلك لمنع إباحته بنفس العقد ، بل إنما هو بالولاء المسبّب عن العقد ، ولا دخل للعقد فيه إلاّ بالسببية البعيدة ، فيصدق معها كون إباحة الإرث بأصل الشريعة لا بأصل المبايعة ؛ إذ الظاهر من الإباحة بأصلها حصولها منها من دون واسطة. ( منه رحمه‌الله ).

٣٧٠

تصير حاملاً ، ونحو ذلك ، سواء شط أن يبلغ ذلك بفعله أم بفعل الله تعالى ، لاشتراكهما في عدم المقدورية.

( ولا بأس باشتراط تبقيته ) أي الزرع في الأرض إذا بيع أحدهما دون الآخر إلى أوان السنبل ؛ لأنّ ذلك مقدور له. ولا يعتبر تعيين مدّة البقاء ، بل يحمل على المتعارف من البلوغ ؛ لأنّه منضبط ( و ) يلزم البائع حينئذٍ التبقية إلى الغاية ، كما أنّ ( مع إطلاق الابتياع ) من دون اشتراط التبقية ( يلزم البائع إبقاؤه إلى إدراكه ، وكذا ) لو اشترى ( الثمرة ) عن الأُصول منفردة ، مطلقاً ، أو بشرط التبقية ؛ عملاً في صورة الشرط بمقتضاه ، وفي غيرها بمقتضى العادة ، فإنّه إن قطع الزرع والثمرة قبل أوانهما لم يكن لهما قيمة في الأغلب ، خصوصاً ثمرة النخل ، فالعادة تقتضي إبقاءهما للمشتري في مفروض المسألة ، وللبائع فيما إذا باع أصل الشجرة وكانت الثمرة مؤبّرة.

مضافاً إلى ظواهر النصوص المعتبرة الواردة في بيع الزرع ، منها الصحيح : « لا بأس بأن تشتري زرعاً أخضر ثم تتركه حتى تحصده إن شئت أو تعلفه من قبل أن يسنبل وهو حشيش » (١) ونحوه غيره من الصحيح وغيره (٢).

فلا إشكال في الحكم ( ما لم يشترط الإزالة ) كما لا إشكال فيه مع اشتراطها ، عملاً بوجوب الوفاء بالشروط ، كما تقدّمت إليه الإشارة.

( ويصحّ ) بيع الرقيق مع ( اشتراط العتق ) مطلقاً ، أو عن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٤٢ / ٦٢٩ ، الإستبصار ٣ : ١١٢ / ٣٩٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٣٤ أبواب بيع الثمار ب ١١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٨ : ٢٣٤ أبواب بيع الثمار ب ١١.

٣٧١

المشتري ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في المسالك (١) ، أو عن البائع أيضاً كما عن التذكرة ، وعزاه إلينا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه (٢).

خلافاً للشهيدين فيه ، فأبطلاه ؛ استناداً إلى أنّه لا عتق إلاّ في ملك (٣).

ولقائل أن يقول بوقوعه في الملك في محلّ الفرض ؛ لكون المعتِق وهو المشتري مالكاً له. نعم ، المعتق عنه وهو البائع غير مالك ، ولا دليل على اشتراط ملكيّة المعتق عنه في صحّته ، فتأمّل.

وكيف كان ، فالأصل في صحة هذا الشرط مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة في الكتابين والمهذب (٤) عموم ما قدّمناه من المستفيضة بلزوم الوفاء بالشروط التي لم يمنع عنها كتاب أو سنة.

وما ربما يستشكل في الصحة بمنافاته لمقتضى العقد فتردّه القاعدة الكلّية المشهورة من فساد الشروط المنافية له.

مردود أوّلاً : بعدم ثبوتها كلّية ؛ إذ لا دليل عليها من كتاب أو إجماع أو سنّة ، لاختصاصها كما عرفت بشرائط خاصّة ليس محلّ الفرض منها بالضرورة ، كيف لا ولا مانع عنه من الأمرين ، بل هو أمر مرغّب إليه في الشريعة. ودعوى الإجماع على الكلّية ممنوعة ؛ لاتّفاقهم على صحّة شروط تنافي مقتضاه ، كما تقدّم إليه الإشارة (٥).

وثانياً : على تقدير تسليم الإجماع عليها فهي هنا بعدم الخلاف ودعوى الإجماع مخصّصة.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٩١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٣) الدروس ٣ : ٢١٦ ، المسالك ١ : ١٩١.

(٤) المهذّب البارع ٢ : ٤٠١.

(٥) راجع ص : ٣٩٠٨.

٣٧٢

( و ) ممّا ذكرنا يظهر صحّة شرط ( التدبير والكتابة ) فإن وفى بالشروط ، وإلاّ تخيّر البائع بين فسخ البيع وإمضائه ، فإن فسخ استردّه وإن انتقل قبله عن ملك المشتري.

وكذا يتخيّر لو مات قبل العتق ، فإن فسخ رجع بقيمته يوم التلف على الأصح ؛ لأنه وقت الانتقال إليها ، وكذا لو انعتق قهراً.

ولو اختار الإمضاء فهل يرجع على المشتري بما يقتضيه شرط العتق من القيمة ، فإنّه يقتضي نقصاناً من الثمن ، أم يلزم ما عيّن منه خاصة؟ قولان.

للأوّل كما عن العلامة وجماعة (١) اقتضاء الشرط نقصاناً من الثمن ، ولم يحصل.

وللثاني كما في الدروس (٢) أنّ الشروط لا يوزّع عليها الأثمان.

وردّ (٣) بأنّ الثمن لا يوزّع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلاً له ، وإنّما الشرط محسوب من الثمن ، وقد حصل باعتباره نقص في القيمة ، فطريق تداركه ما ذكر.

وطريق معرفة الشرط أن يقوّم العبد بدونه ويقوّم معه ، وينظر التفاوت بين القيمتين ، وينسب إلى القيمة التي هي مع الشرط ، وتؤخذ من المشتري مضافاً إلى الثمن بمقدار تلك النسبة منه.

وكذا كلّ شرط لم يسلم لمشترطه ، فإنّه يفيد تخييره بين فسخ العقد المشروط فيه وإمضائه.

__________________

(١) العلامة في القواعد ١ : ١٥٣ ، والتحرير ١ : ١٨٠ ؛ وانظر جامع المقاصد ٤ : ٤٢٣ والمسالك ١ : ١٩٢.

(٢) الدروس ٣ : ٢١٦.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٤٢٣ ، والمسالك ١ : ١٩٢.

٣٧٣

( ولو اشترط أن لا يعتق أو لا يطأ الأمة ) بطل الشرط في المشهور ، بناءً منهم على منافاته لمقتضى العقد فيبطل. وفيه ما مرّ.

وربما علّل بمنافاته للكتاب والسنّة ؛ لمنعه ما أباحاه (١).

وهو كما ترى ، فإن كان إجماع ، وإلاّ فالأظهر الصحة ، كما عن بعض الأصحاب (٢) ، تمسّكاً بعموم المعتبرة المتقدّمة ، وليس هو محرِّماً لما أباحه الكتاب والسنة من دون توسّط المعاملة ، وإن حرّم ما أباحاه بتوسّطها ، فإنّه لا حجر فيه ، كما تقدّمت إليه الإشارة.

وعلى المشهور ( قيل : يبطل الشرط ) خاصّة ( دون البيع ) كما عن الإسكافي والطوسي والقاضي والحلّي وابن زهرة العلوي (٣) ، مدعياً عليه الإجماع ؛ لأصالة الصحة. ولا دليل عليها ، بل أصالة عدم الانتقال تقتضي المصير إلى خلافها ، وعلى تقديرها فتمنع بالأدلّة الآتية المقتضية خلافها.

ولعموم ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٤) وليس بشامل للمقام ، أمّا أوّلاً : فلتقييده بالقصد المنفي فيه ، بناءً على تعلّقه بمقارن الشرط لوقوع التراضي عليه دون غيره ، فإذا انتفى انتفى ، مع أنّه شرط في الصحة اتّفاقاً.

وثانياً : بحصول المانع عن الصحة بالجهالة ؛ لما ذكره جماعة (٥) من‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٥٧ ، التنقيح الرائع ٢ : ٧٣.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٧٣.

(٣) حكاه عن الإسكافي المختلف : ٣٩٦ ، الطوسي في الخلاف ٣ : ١٥٧ ، والمبسوط ٢ : ١٤٩ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٩٦ ، قال في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٣٢ وربّما حكي عن الحلّي ولم أجده في السرائر. ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) منهم العلاّمة في المختلف : ٣٩٦ ، ابن فهد الحلّي في المهذب البارع ٢ : ٤٠٦.

٣٧٤

أنّ الشرط له قسط من الثمن ، فإنّه قد يزيد باعتباره وينقص ، فإذا بطل بطل ما بإزائه من الثمن ، وهو غير معلوم ، فتطرّق الجهالة إلى الثمن ، فيبطل البيع.

ولأنّ لزوم الشرط فرع على صحة البيع ، فلو كانت موقوفة على صحته لزم الدور. وهو كما ترى.

ولأنّ عائشة اشترت بريرة بشرط أن تعتقها ويكون ولاؤها لمولاها ، فأجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيع وأبطل الشرط (١). وضعف سنده يمنع العمل به.

فإذاً الأقوى فساد البيع أيضاً ، وفاقاً لأكثر أصحابنا ، كالفاضلين والشهيدين وشارحي الكتاب وغيرهم (٢). ولكنّه بعد محلّ نظر ، بل لعلّ الصحة أظهر (٣).

__________________

(١) عوالي اللئالي ٣ : ٢١٧ / ٧٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٢ / ٢٥٢١.

(٢) المحقق في الشرائع ٢ : ٣٤ ، العلامة في التحرير ١ : ١٨٠ ، والقواعد ١ : ١٥٢ ، الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٢١٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٩١ ؛ وانظر المهذب البارع ٢ : ٤٠٧ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٧٣ ، وجامع المقاصد ٤ : ٤١٥ ، والكفاية : ٩٧.

(٣) وذلك لأن في جميع هذه الأجوبة ما عدا الثالث نظراً ، للمنع من عدم دليل على أصالة الصحة التي ليست عبارة إلاّ عن مجرّد الانتقال دون اللزوم ، وهو عبارة عن البيع المحلّل في قوله سبحانه ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) فكأنّه تعالى قال : أحلّ الله الانتقال ، وتحليله ليس عبارة إلاّ عن الرضاء به ، وإمضائه ، وهذا عين معنى الصحة. ومنعها على تقدير تسليمها بالأدلّة الآتية يتوقف على تماميّتها وستعرف ما فيها.

ومنع شمول عموم أحلّ الله البيع للمقام بفقد التراضي المشترط في صحّته يتوقف على تسليم فقد التراضي ، وهو ممنوع ، لتوقفه على كون الشرط شرطاً تعليقياً يتوقّف نفس الانتقال عليه لا شرطاً ضمنياً لا يتوقف عليه الانتقال أصلاً بل اللزوم خاصة ، وهو خلاف المفروض في أصل بحث الشروط ، لأنها كما عرفت من القسم

٣٧٥

( ولو اشترط في الأمة ) المبتاعة ( أن لا تباع ولا توهب فالمروي ) في المستفيضة ( الجواز ).

ففي الصحيحين : عن الشرط في الإماء أن لا تباع ولا تورث ولا توهب ، قال : « يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورّث ، وكلّ شرط خالف كتاب الله تعالى فهو مردود » كما في أحدهما (١) : أو : « باطل » كما في الثاني (٢) ، ونحوهما خبران آخران (٣) ، إلاّ أنّ في سندهما ضعفاً ، لكنّهما‌

__________________

الثاني ويشير إليه هنا أيضاً أنه لو كان المراد من الشرط فيه ما يكون من القسم الأول لما كان للشرط من حيث فساده مدخل في فساد العقد ، بل فساده ناشٍ من أصل تعليقه عليه ، ولذا لو كان الشرط صحيحاً كان العقد فاسداً أيضاً. فتخصيص مفسد العقد سببه بفساد الشرط أوضح شاهد على عدم سبب آخر غيره ، وليس ذلك إلاّ من حيث فرضهم الشرط من القسم الثاني أي الضمني دون التعليقي. وعلى هذا فالرضاء بمضمون العقد حاصل من دون توقف على الشرط المذكور في ضمنه ، وإنّما غايته تزلزل اللزوم وانتفاؤه حيث لا يحصل شرطه ، وهو لا يستلزم انتفاء صحّة العقد.

ودعوى حصول الجهالة لما ذكره الجماعة ممنوعة ، لمنع ما ذكروه بما عرفته من الدروس من عدم توزّع الأثمان على الشروط. وما قيل في ردّه سابقاً غير جارٍ هنا بحيث يثبت فساد العقد ، إذ غايته إثبات نقص من الثمن في مقابلة الشرط بعد ثبوت الخيار المتفرّع على صحّة البيع ، وثبوته هنا بذلك لا ينافيها بل يؤكّدها.

وردّ الرواية بضعف السند حسن إن لم يحصل له جابر ، وهو فيه حاصل ، لموافقتها الأصل الدالّ على الصحّة ممّا عرفته ، مع أنها مرويّة في الفقيه ( ٣ : ٧٩ / ٢٨٤ ) بطريق صحيح وإن لم تكن بهذه الصراحة لكنّها في غاية الظهور ، مضافاً إلى الإجماع المنقول في الغنية ، كما سبق آنفاً. ( منه رحمه‌الله ).

(١) الكافي ٥ : ٢١٢ / ١٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٧ أبواب بيع الحيوان ب ١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٦٧ / ٢٨٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٧ أبواب بيع الحيوان ب ١٥ ح ١.

(٣) أحدهما في التهذيب ٧ : ٢٥ / ١٠٦ ، الوسائل ١٨ : ٢٦٧ أبواب بيع الحيوان ب ١٥ ح ٢.

والآخر في التهذيب ٧ : ٣٧٣ / ١٥٠٩.

٣٧٦

كالأوّلين معتضدان بالأصل.

والمعتبرة المتقدّمة (١) الناصّة على صحة الشروط التي لم يمنع عنها الكتاب والسنّة ومنها الشرط في محلّ الفرض ، كما مضت إليه الإشارة ، فتردّد الماتن كما تشعر به العبارة ، كفتوى جماعة بفساد الشرط والبيع (٢) ، أو الأوّل خاصّة كما عن المبسوط (٣) ، لا وجه له سوى ما مرّ ، وضعفه قد ظهر.

( ولو باع أرضاً ) مشاهدة أو موصوفة على كونها ( جرباناً معيّنة فنقصت فللمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء بـ ) تمام ( الثمن ) وفاقاً للمبسوط والقاضي والقواعد وولده (٤) ؛ لأنّ العقد وقع على جميع الثمن فلا يتبعّض عليه ، بل يكون له الخيار بين الأمرين.

( و ) هو قوي لولا ما ( في رواية ) معتبرة الإسناد في الجملة ، عمل بها النهاية والحلّي والمختلف وجماعة (٥) ، بل ادّعى عليه جماعة الشهرة ، من أنّ ( له أن يفسخ أو يمضي البيع بحصّتها من الثمن ) فهي الحجة في هذا القول ، لا ما يقال من التعليل من أنّه وجده ناقصاً فكان له أخذه بقسطه من الثمن ، كما لو اشترى الصبرة على أنّها عشرة أقفزة فبانت‌

__________________

(١) في ص : ٣٩٠٦.

(٢) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٧٤ ، والعلامة في المختلف : ٣٩٦ ، والشهيد الأوّل في الدروس ٣ : ٢١٤.

(٣) المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٤) المبسوط ٢ : ١٥٤ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٩٠ ، القواعد ١ : ١٥٤ ، الإيضاح ١ : ٥١٥.

(٥) النهاية : ٤٢٠ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٣٧٥ ، المختلف : ٣٩٠ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ٣٥ ، والتبصرة : ٩٣.

٣٧٧

تسعة ، وكذا المعيب ، له إمساكه وأخذ أرشه ؛ فإنّه لا يخلو عن مناقشة. وكيف كان فالأوّل أحوط.

( وفي ) هذه ( الرواية ) أنّه ( إن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع أن يوفيه منها ) وبه أفتى في النهاية (١). خلافاً للأكثر ؛ لقصور السند ، ومخالفة الأصل ، لعدم تناول العقد لذلك.

وقد مضت الإشارة إلى الرواية مع المسألة في أحكام الخيار (٢).

( ويجوز أن يبيع مختلفين ) كثوب وحيوان وصبرة مكيلة أو موزونة في ( صفقة ) واحدة ( وأن يجمع بين سلف وبيع ) ونكاح وإجازة ، كأن يقول : بعتك هذا الثوب وطغاراً من حنطة إلى سنة ، وآجرتك هذه الدار إلى شهر وزوّجتك ابنتي بمائة ، فقال : قبلت ، صحّ عندنا ، كما في المسالك وغيره (٣) ؛ للأصل ، والعمومات السليمة عن المعارض ، عدا ما يتوهّم من الجهالة ، وهي مدفوعة بأنّ الجميع بمنزلة عقد واحد ، والعوض فيه معلوم بالإضافة إلى الجملة ، وهو كافٍ في انتفاء الغرر والجهالة ، وإن كان عوض كلّ منهما بخصوصه غير معلوم حال العقد.

وكون كل واحد بخصوصه بيعاً في المعنى ، أو بعضه إجارة أو غيرها ، الموجب لعوض معلوم لا يقدح ؛ لأنّ لهذا العقد جهتين ، فبحسب الصورة هو عقد واحد ، فيكفي العلم بالنسبة إليه.

ثم إن احتيج إلى التقسيط قسّط الثمن على قيمة المبيع وأُجرة المثل‌

__________________

(١) النهاية : ٤٢٠.

(٢) راجع ص : ٣٨٦٣.

(٣) المسالك ١ : ١٩٢ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ٣٥ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٧٧ ، وانظر الدروس ٣ : ٢١٨.

٣٧٨

وثمن المثل.

( الخامس : في العيوب ) المجوّزة للردّ.

( وضابطها ما كان زائداً عن الخلقة الأصلية ) وهي خلقة أكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك ذاتاً وصفة ( أو ناقصاً ) عنها ، عيناً كان الزائد والناقص كالإصبع زائدة على الخمس أو ناقصة عنها ، أو صفة كالحمى ولو يوماً ، بأن يشتريه فيجده محموماً أو يحمّ قبل القبض وإن برئ ليومه ، كما قيل (١).

والأصل في هذا الضابط بعد الاتّفاق عليه في الظاهر حكم العرف بذلك.

مضافاً إلى الخبر : « كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب » (٢).

وهل يعتبر مع ذلك كون الزيادة والنقصان موجبين لنقص المالية أم لا؟ قولان ، من إطلاق النص ، والاتفاق على أن الخصاء عيب مع إيجابه زيادة المالية ، وكذا عدم الشعر على الركب والعانة ، كما يدلّ عليه بعض المعتبرة ، المنجبر قصور سنده بعمل الطائفة.

ومن وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن ، مع الشك في تسمية مثل ذلك عيباً عرفاً ، فلا يدخل في إطلاق النصوص.

وعلى تقدير الدخول بها فالدليل فيها على العدم موجود ، وهو الحكم فيها بالرجوع إلى الأرض الملازم لنقص القيمة في الأغلب.

والاتّفاق على ما مرّ مع ما ظهر من ظاهر الخبر لم ينقدح به ضرر.

( وإطلاق العقد يقتضي السلامة ) من العيوب في العوضين ( فلو ظهر عيب ) في المبيع ( سابق ) على العقد ( تخيّر المشتري بين الردّ )

__________________

(١) الروضة ٣ : ٤٧٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٥ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٦٥ / ٢٨٢ ، الوسائل ١٨ : ٩٧ أبواب أحكام العيوب ب ١ ح ١.

٣٧٩

واسترداد الثمن ( و ) الإمضاء مع أخذ ( الأرش ).

وهذا هو السابع من أقسام الخيار المطوي ذكره مفصّلاً سابقاً ، والأصل فيه بعد خبر نفي الضرر (١) والإجماع القطعي ، والمحكي في الغنية (٢) النصوص المعتبرة الآتي إلى جملة منها الإشارة ، ففي المرسل كالصحيح بجميل : في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً ، قال : « إن كان الثوب قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب » (٣).

وليس فيه كالباقي ذكر الإمضاء مع الأرض ، بل ظاهرها الردّ خاصّة ، ولكن الإجماع ولو في الجملة كافٍ في التعدية.

مضافاً إلى الرضوي : « إن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري فالخيار إليه إن شاء ردّ وإن شاء أخذ أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب » (٤) والظاهر كون همزة أو زائدة ، كما صرّح به بعض الأجلة (٥).

( ولا خير للبائع ) في هذه الصورة ، وإن كان له الخيار لو انعكست ، كما لو خرج الثمن معيباً ؛ استناداً في الأوّل إلى الأصل ، واختصاص العيب الموجب للخيار بغيره ، وفي الثاني ببعض ما مرّ من خبر نفي الضرر.

( ويسقط الردّ ) بأُمور خمسة : ( بالبراءة من العيب ) مطلقاً ( ولو إجمالاً ) كأن يقول : بعتك هذا بكل عيب ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٣ / ٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٢ أبواب الخيار ب ١٧ ح ٤.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٦ / ٥٩٢ ، التهذيب ٧ : ٦٠ / ٢٥٨ ، الوسائل ١٨ : ٣٠ أبواب الخيار ب ١٦ ح ٣.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٣ ، المستدرك ١٣ : ٣٠٦ أبواب الخيار ١٢ ذيل حديث ٣.

(٥) الحدائق ١٩ : ٦٤.

٣٨٠