رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

مضافاً إلى قصور أسانيدها ، واحتمالها الحمل على ما مرّ ، بقرينة المرسل في الفقيه ، ولعلّه الرضوي : « لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً » (١).

أو الحمل على الكراهة ، كما يشعر بها الموثق : عن كسب المغنية والنائحة ، فكرهه (٢).

والمروي عن علي بن جعفر في كتاب مسائله ، عن أخيه عليه‌السلام عن النوح على الميت أيصلح؟ قال : « يكره » (٣).

أو على عدم الرضاء بقضائه سبحانه وترك الصبر لأجله ، ففي الخبر : « من أقام النياحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه » (٤) الحديث ، فتأمّل.

وإجماع الشيخ مع معارضته بأقوى منه ، وتطرّق الوهن إليه بمصير الأكثر إلى خلافه مردود كإخباره ، مع ما هي عليه من القصور سنداً ، واحتمال الورود تقيّة إلى القول الأوّل.

نعم ، الكراهة على الإطلاق غير بعيدة ، وفاقاً للتهذيب (٥) ، مسامحة في أدلّة الكراهة. ولا ينافيها وصيّة الباقر عليه‌السلام ؛ لاحتمال الفرق بينهم عليهم‌السلام وبين سائر الأُمّة ، مع أنّه قائم بالضرورة ، لاستحبابه لهم عليهم‌السلام دونهم.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٨ ، الوسائل ١٧ : ١٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ٩ ، وروى في فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٢ ، المستدرك ١٣ : ٩٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٩ / ١٠٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٦٠ / ١٩٨ ، الوسائل ١٧ : ١٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ٨.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ١٥٦ / ٢٢١ ، الوسائل ١٧ : ١٢٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ١٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٢٢ / ١ ، الوسائل ٣ : ٢٧١ أبواب الدفن ب ٨٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٩.

١٦١

( وهِجاء المؤمنين ) بكسر الهاء ، قيل : هو ذكر معايبهم بالشعر (١).

والأصل فيه بعد الإجماع المحكي عن المنتهى (٢) عموم أدلّة حرمة الغيبة من الكتاب والسنّة ، قال الله سبحانه : ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) (٣).

وفي الحسن : « الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله تعالى عليه » (٤) الخبر.

والخبر : عن الغيبة ، قال : « هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل ، وتبثّ أمراً قد ستره الله تعالى عليه لم يقم عليه فيه حدّ » (٥).

وفي المرسل كالصحيح : « من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أُذناه فهو من الذين قال الله عز وجل( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ) (٦) » (٧).

وظاهر العبارة ونحوها وصريح جماعة (٨) اختصاص التحريم بالمؤمن والأخ في الدين ، فيجوز غيبة المخالف. ولا ريب فيه ؛ للأصل ؛ وظاهر النصوص المزبورة الظاهرة في الجواز إمّا من حيث المفهوم كالأخير ، أو‌

__________________

(١) الحدائق ١٨ : ١٤٦.

(٢) المنتهى ٢ : ١٠١٣.

(٣) الحجرات : ١٢.

(٤) الكافي ٢ : ٣٥٨ / ٧ ، الوسائل ١٢ : ٢٨٨ أبواب أحكام العشرة ب ١٥٤ ح ٢.

(٥) الكافي ٢ : ٣٥٧ / ٣ ، الوسائل ١٢ : ٢٨٨ أبواب أحكام العشرة ب ١٥٤ ح ١.

(٦) النور : ١٩.

(٧) الكافي ٢ : ٣٥٧ / ٢ ، أمالي الصدوق : ٢٧٦ / ١٦ ، الوسائل ١٢ : ٢٨٠ أبواب أحكام العشرة ب ١٥٢ ح ٦.

(٨) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٢٦ ؛ وأُنظر الروضة ٣ : ٢١٣ ، والحدائق ١٨ : ١٥٠.

١٦٢

التعريف الظاهر في حصر الغيبة المحرّمة بالكتاب والسنّة فيما دلّت عليه العبارة ، كما في البواقي.

ودعوى الإيمان والأُخوّة للمخالف ممّا يقطع بفساده ، والنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ظاهرة في ردّه ، مضافاً إلى النصوص المتواترة الواردة عنهم عليهم‌السلام بطعنهم ، ولعنهم ، وأنّهم أشرّ من اليهود والنصارى ، وأنجس من الكلاب (١) ؛ لدلالتها على الجواز صريحاً أو فحوًى ، كالنصوص المطلقة للكفر عليهم (٢) ، مع زيادة لها في الدلالة بوجه آخر ، وهو استلزام الإطلاق أمّا كفرهم حقيقة ، أو اشتراكهم مع الكفّار في أحكامهم التي منها ما نحن فيه إجماعاً ، وحكاه بعض الأصحاب صريحاً.

فتأمّلُ بعض من ندر ممّن تأخّر (٣) ضعيف ، كمتمسّكه من إطلاق الكتاب والسنّة ، لورود الأوّل بلفظ الخطاب بصيغة الجمع المتوجّه إمّا إلى جميع المكلّفين ، أو خصوص المسلمين ، والثاني بلفظ الناس أو المسلم ، الشامل جميع ذلك للمخالف ؛ فإنّ التعليل في الذين بما تضمّن الاخوّة في الأوّل وبعض الثاني يقتضي اختصاص الحكم بمن ثبت له الصفة. وليس في باقي السنة ممّا خلا عن ذلك ما ينافي ذلك بعد عدم عموم فيه لغة ؛ فإنّ غايتها الإطلاق المنصرف إلى الفرد الكامل ، هذا.

مع أنّ في التمسّك بإطلاق الآية مناقشة أُخرى ، بناءً على المختار الذي عليه علماؤنا الأبرار من اختصاص مثل الخطاب بالمشافهين ، وأنّ‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ، ج ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤.

(٢) انظر : الكافي ١ : ١٨٧ / ١١ ، ٤١٣ / ٤ ، ٤٣٧ / ٧ ، ٨.

(٣) المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٧٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٨٦.

١٦٣

التعدية منهم إلى الغائبين تحتاج إلى دليل مبين ، وهو في الأغلب الإجماع ، ولا إجماع إلاّ على الشركة مع اتّحاد الوصف ، ولا ريب في تغايره ، فلا شركة لهم معهم. وفيه نظر ، هذا.

مع أنّ الأصحاب في الباب ما بين مصرّحٍ بعدم الاشتراك ، ومفتٍ بعبارة ظاهرة في الاختصاص ، لتضمّنها المؤمن الظاهر في اصطلاحهم في هذه الفرقة الناجية.

ويستفاد ذلك أيضاً من كثير من المعتبرة المستفيضة ، ولا دلالة على التعدية ، وعلى تقديرها فليست الآية بنفسها حجّة مستقلة ، فالاستدلال بها غفلة واضحة عن أُصول الإماميّة.

( وحفظ كتب الضلال ) عن الاندراس ، أو عن ظهر القلب ( ونسخها ) وتعليمها وتعلّمها ( لغير النقض ) لها ، والحجّة على أربابها بما اشتملت عليه ممّا يصلح دليلاً لإثبات الحق ، أو نقض الباطل لمن كان من أهلهما ؛ ويلحق به الحفظ للتقية ، أو لغرض الاطّلاع على المذاهب والآراء ، ليكون على بصيرة في تمييز الصحيح عن الفاسد ، أو لغرض الإعانة على التحقيق ، أو تحصيل ملكةٍ للبحث والاطّلاع على الطرق الفاسدة ليتحرّز عنها ، أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة ، كما ذكره جماعة (١).

وينبغي تقييده بشرط الأمن على نفسه من الميل إلى الباطل بسببها ، وأمّا بدونه فمشكل مطلقاً ، لاحتمال الضرر الواجب الدفع عن النفس ولو من باب المقدّمة إجماعاً.

__________________

(١) منهم : المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٢٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ١٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٦.

١٦٤

ومن هنا يظهر الأصل في المسألة في الجملة ، ويتمّ ذلك بعدم القول بالفرق بين الطائفة ؛ مضافاً إلى عدم الخلاف فيها مطلقاً ، بل وعليه الإجماع عن ظاهر المنتهى (١) ، مع أنّ فيه نوع إعانة على الإثم ، ووجوه الفساد الواجب دفعها من باب النهي عن المنكر.

( وتعلّم السحر ) وعرّف تارة : بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله ، ومنه عقد الرجل عن حليلته ، وإلقاء البغضاء بينهما ، فقد قال الله تعالى ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) (٢).

وفي المروي عن الاحتجاج : « ومن أكبر السحر النميمة يفرّق بها بين المتحابّين ، ويجلب العداوة بين المتصادقين » (٣) الحديث.

وقيل : ومنه استخدام الملائكة والجنّ ، واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المُصاب ، واستحضارهم وتلبّسهم ببدن صبي أو امرأة وكشف الغائبات على ذلك (٤).

وأُخرى : بأنّه عمل يستفاد منه حصول ملكة نفسانيّة يقتدر بها على أفعال غريبة وأسباب خفيّة.

وأُخرى : بوجه يدخل فيه علم الطلسمات والنيرنجات وغير ذلك ، وذلك أن يقال : هو استحداث الخوارق ، إمّا بمجرّد التأثيرات النفسانية وهو السحر ، أو بالاستعانة بالفلكيّات فقط وهو دعوة الكواكب ، أو على تمزيج‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠١٣ ، وحكاه عنه في الحدائق ١٨ : ١٤١.

(٢) البقرة : ١٠٢.

(٣) الاحتجاج : ٣٤٠.

(٤) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٦.

١٦٥

القوى السماوية بالقوى الأرضيّة وهو الطلسمات ، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة وهو العزائم.

قيل : والكلّ حرام في شريعة الإسلام (١) ، وظاهره إجماع المسلمين عليه ؛ وهو الحجة ، كالنصوص المستفيضة ، منها ما ورد في حدّ الساحر ، ففي الخبر : « ساحر المسلمين يقتل » (٢).

وفي آخر : « يضرب الساحر بالسيف ضربة واحدة على أُمّ رأسه » (٣).

وفي ثالث : « حلّ دمه » (٤).

وفي رابع : « من تعلّم من السحر شيئاً كان آخر عهده بربّه ، وحدّه القتل » (٥).

وظاهرها التحريم مطلقاً.

وقد استثني منه السحر للتوقّي ودفع المتنبّي. ولا بأس به ، بل ربما وجب كفايةً ، كما في الدروس والروضة (٦) ، وتبعهما جماعة (٧) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن ، بناءً على ضعف النصوص المثبتة للتحريم على الإطلاق ، ولا جابر لها من إجماع أو غيره ، مع معارضتها بكثير من‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ١٢.

(٢) الكافي ٧ : ٢٦٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٧١ / ١٧٥ ، التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٣ ، علل الشرائع : ٥٤٦ / ١ ، الوسائل ١٧ : ١٤٦ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٧ : ٢٦٠ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٤ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٦ أبواب بقيّة الحدود ب ١ ح ٣.

(٤) التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٧ أبواب بقية الحدود ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٦ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٧ أبواب بقيّة الحدود ب ٣ ح ٢.

(٦) الدروس ٣ : ١٦٤ ، الروضة ٣ : ٢١٥.

(٧) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٢٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٧٩ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٧٢.

١٦٦

النصوص المتضمّنة لجواز تعلّمه للتوقّي والحلّ به ، منها : « حلّ ولا تعقد » (١).

ومنها المروي في العلل : « توبة الساحر أن يحلّ ولا يعقد » (٢).

ومنها المروي عن العيون في قوله عزّ وجلّ( وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) (٣) قال : « كان بعد نوح عليه‌السلام قد كثرت السحرة والمموِّهون ، فبعث الله تعالى مَلَكين إلى نبيّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويردّ به كيدهم ، فتلقّاه النبي من المَلَكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله [ فأمرهم ] أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه ، ونهاهم أن يسحروا به الناس » (٤) الحديث.

وربما خصّت روايات الحلّ بغير السحر ، كالقرآن والذكر والتعويذ ونحوهما ، جمعاً. وهو أحوط.

( والكِهانة ) بكسر الكاف ، قالوا : هي عمل يوجب طاعة بعض الجانّ له فيما يأمره به ، وهو قريب من السحر أو أخصّ منه.

والأصل في تحريمه بعد الإجماع المصرّح به في كلام جماعة من الأصحاب (٥) النصوص المستفيضة ، منها الخبران في تعداد السحت وعدّا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١١٥ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١١٠ / ٤٦٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ / ١٠٤٣ ، قرب الإسناد : ٥٢ / ١٦٩ ، الوسائل ١٧ : ١٤٥ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٥٤٦ ذيل حديث ١ ، الوسائل ١٧ : ١٤٧ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ٣.

(٣) البقرة : ١٠٢.

(٤) عيون الأخبار ١ : ٢٠٨ / ١ ، الوسائل ١٧ : ١٤٧ أبواب ما يكتسب به ب ٢٥ ح ٤. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) انظر الإيضاح ١ : ٤٠٥ ، ومجمع الفائدة ٨ : ٧٩ ، والكفاية : ٨٧.

١٦٧

من أنواعه أجر الكاهن (١).

وفي الثالث المروي عن مستطرفات السرائر ، نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب : « من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله تعالى من كتاب » (٢).

وفي الرابع المروي عن الخصال : « من تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له فقد برئ من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

( والقيافة ) قالوا : هي الاستناد إلى علامات وأمارات يترتّب عليها إلحاق نسب ونحوه ، بلا خلاف ، بل عن المنتهى وفي التنقيح الإجماع عليه (٤) ، وفي الثاني أضافه إلينا ، حاكياً عن بعض من خالفنا الخلاف فيه لبعض رواياتهم.

ومنه ينقدح الوجه في إمكان حمل ما ورد برخصة مولانا الرضا عليه‌السلام في الرجوع إلى القيافة (٥) على التقيّة ، مع قصور سند الرواية ، ومعارضتها بالمروي في الخصال : عن القيافة ، قال : ما أُحبّ أن تأتيهم » (٦) وفيه نظر.

قيل : وإنّما يحرم إذا رتّب عليها محرّماً ، أو جزم بها (٧). ولا بأس به ، وإن كان الأحوط تركه مطلقاً.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٦ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٦٢ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ / ١٠٦١ ، الخصال : ٣٢٩ / ٢٥ ، الوسائل ١٧ : ٩٣ ، ٩٤ أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٥ ، ٩.

(٢) مستطرفات السرائر : ٨٣ / ٢٢ ، الوسائل ١٧ : ١٥٠ أبواب ما يكتسب به ب ٢٦ ح ٣.

(٣) الخصال : ١٩ / ٦٨ ، الوسائل ١٧ : ١٤٩ أبواب ما يكتسب به ب ٢٦ ح ٢.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠١٤ ، التنقيح الرائع ٢ : ١٣.

(٥) انظر الكافي ١ : ٣٢٢ / ١٤.

(٦) الخصال : ١٩ / ٦٨ ، الوسائل ١٧ : ١٤٩ أبواب ما يكتسب به ب ٢٦ ح ٢.

(٧) المسالك ١ : ١٦٦.

١٦٨

( والشعْبَدة ) قيل : هي الأفعال العجيبة المترتّبة على سرعة اليد بالحركة فتلبس على الحسّ (١). ولا خلاف في تحريمه كما عن المنتهى (٢).

( والقمار ) بالآلات المعدّة له ، كالنرد والشطرنج والأربعة عشر ، واللعب بالخاتم والجوز والبيض ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل عن المنتهى وفي غيره الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجّة بعد الكتاب والسنّة المستفيضة ، قال الله سبحانه ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) (٤).

وفسّر الميسر به في المستفيضة ، منها : ما الميسر؟ قال : « كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز » (٥).

ومنها : « الميسر هو القمار » (٦).

ومنها : « الشطرنج ميسر ، والنرد ميسر » (٧) ونحوه آخر (٨).

وفي الصحيح : عن قول الله عزّ وجلّ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (٩) فقال : « كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله تعالى‌

__________________

(١) الحدائق ١٨ : ١٨٥.

(٢) المنتهى ٢ : ١٠١٤.

(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٢ ؛ مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٤١ ؛ وأُنظر المسالك ٢ : ٤٠٣ ، وكشف اللثام ٢ : ٣٧٢.

(٤) المائدة : ٩٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٧ / ٣٧٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ / ١٠٧٥ ، الوسائل ١٧ : ١٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٤.

(٦) الكافي ٥ : ١٢٤ / ٩ ، الوسائل ١٧ : ١٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٣.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣٧ / ١١ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٤ ح ٤.

(٨) تفسير العياشي ١ : ٣٤١ / ١٨٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٥ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٤ ح ٨.

(٩) البقرة : ١٨٨ ، النساء : ٢٩.

١٦٩

عن ذلك » (١).

ولا يملك ما يترتّب عليه من الكسب ، بل هو سحت وإن وقع من غير المكلّف ، فيجب ردّه على مالكه ، ففي الخبر : كان ينهى عن الجوز يجي‌ء به الصبيان من القمار أن يؤكل ، وقال : « هو سحت » (٢).

وفي آخر : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون فقال : « لا تأكل منه فإنّه حرام » (٣).

بل يستفاد من بعض الأخبار الاجتناب بعد الأكل بالتقيّؤ (٤) ومن آخر منها الحضور في المجالس التي يلعب فيها بها والنظر إليها ، وهو مستفيض. منها : « من جلس على اللعب بها فقد تبوّأ مقعده من النار » (٥).

ومنها : « المطّلع في الشطرنج كالمطّلع في النار » (٦).

وفي آخر : « المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير » (٧).

وفي ثالث : « مالك ولمجلس لا ينظر الله تعالى إلى أهله » (٨).

إلاّ أنّ في إثبات التحريم بذلك إشكالاً إلاّ أن يكون إجماعاً.

( والغِشّ ) بكسر الغين ( بما يخفى ) كشوب اللبن بالماء ، بلا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٢ / ١ ، الوسائل ١٧ : ١٦٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٣ / ٦ ، الوسائل ١٧ : ١٦٦ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٤ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٦٩ ، الوسائل ١٧ : ١٦٦ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٣ / ٣ ، الوسائل ١٧ : ١٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٣٥ ح ٢.

(٥) مستطرفات السرائر : ٥٩ / ٢٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ٤.

(٦) الكافي ٦ : ٤٣٧ / ١٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ٢.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣٧ / ١٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ٣.

(٨) الكافي ٦ : ٤٣٧ / ١٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ١.

١٧٠

خلاف في الظاهر ، وعن المنتهى صريحاً (١) ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : « ليس من المسلمين مَن غشّهم » (٢).

وفي آخر : « ليس منّا من غشّنا » (٣).

وفي ثالث : « إنّ البيع في الظلال غشّ ، وإنّ الغشّ لا يحلّ » (٤).

وفي الخبر : « نهى رسول الله عليه‌السلام أن يشاب اللبن بالماء » (٥).

واحترز بالقيد عن مقابله ، كمزج الحنطة بالتراب والتبن ، وجيّدها برديئها ، فيجوز على كراهة في ظاهر الأصحاب ؛ ولعلّه للأصل ، واختصاص ما مرّ من النصّ بحكم التبادر بمحل القيد ، ولظهور العيب في غيره ، فيعلم بالنظر ، فكأنّه يبيع غير الجيّد بثمنه مع علم المشتري وهو يشتري ، فلا حرج فيه.

ولعلّ الكراهة لاحتمال شمول النص ، وإمكان غفلة المشتري عنه.

وفي الصحيح : عن الطعام يخلط بعضه ببعض ، وبعضه أجود من بعض ، قال : « إذا رُئيا جميعاً فلا بأس ما لم يغط الجيّد الردي‌ء » (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٢ / ٤٩ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٩ أبواب ما يكتسب به ب ٨٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٢ / ٤٨ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٩ أبواب ما يكتسب به ب ٨٦ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ / ٧٧٠ ، التهذيب ٦ : ١٣ / ٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٨٠ أبواب ما يكتسب به ب ٨٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ / ٧٧١ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٣ ، الوسائل ١٧ : ٢٨٠ أبواب ما يكتسب به ب ٨٦ ح ٤.

(٦) الكافي ٥ : ١٨٣ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٣ / ١٣٩ ، الوسائل ١٨ : ١١٢ أبواب أحكام العيوب ب ٩ ح ١.

١٧١

وفي آخر : في الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد وسعرهما شتّى ، وأحدهما خير من الآخر ، فيخلطهما جميعاً ثم يبيعهما بسعر واحد؟ قال : « لا يصلح له أن يفعل ذلك يغشّ به المسلمين حتّى يبيّنه » (١) فتأمّل.

ثم لو غشّ لكن لا بقصده بل بقصد إصلاح المال لم يحرم ؛ للأصل ، واختصاص ما مرّ من النص بحكم التبادر بصورة القصد ، وللصحيح : عن الرجل يشتري طعاماً فيكون أحسن له وأنفق له أن يبلّه من غير أن يلتمس منه زيادة ، فقال : « إن كان بيعاً لا يصلحه إلاّ ذلك ولا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس ، وإن كان إنّما يغشّ به المسلمين فلا يصلح » (٢).

( وتدليس الماشطة ) بإظهارها في المرأة محاسن ليست فيها ، من تحمير وجهها ووصل شعرها ونحو ذلك ، إرادة منها ترويج كسادها ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في بعض العبارات (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى عموم المعتبرة المتقدّمة الناهية عن كلّ غشّ ، ومنه يظهر انسحاب الحكم في فعل المرأة ذلك بنفسها.

ولو انتفى التدليس كما لو كانت مزوّجة فلا حرمة ؛ للأصل.

والخبر : « لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها » (٤).

وفي آخر : عن المرأة تحفّ الشعر عن وجهها؟ قال : « لا بأس » (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٣ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٢٩ / ٥٦٣ ، التهذيب ٧ : ٣٤ / ١٤٠ ، الوسائل ١٨ : ١١٢ أبواب أحكام العيوب ب ٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٣٠ / ٥٦٧ ، التهذيب ٧ : ٣٤ / ١٤١ ، الوسائل ١٨ : ١١٣ أبواب أحكام العيوب ب ٩ ح ٣.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ٨٤.

(٤) الكافي ٥ : ١١٩ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ / ١٠٣٢ ، الوسائل ١٧ : ١٣٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٩ ح ٣.

(٥) قرب الإسناد : ٢٢٦ / ٨٨٣ ، الوسائل ١٧ : ١٣٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٩ ح ٨.

١٧٢

بل يستحب كما يستفاد من كثير من المعتبرة (١).

( و ) اعلم أنّه ( لا بأس بكسبها مع عدمه ) للأصل ، وإطلاق المستفيضة ، منها : « لا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط وقبلت ما تعطى ، ولا تصل شعر امرأة بشعر امرأة غيرها ، وأمّا شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة » (٢).

ويستفاد منه البأس مع الأمرين. وليحمل على الكراهة ؛ للأصل ، وقصور الرواية ، وأعميّة البأس من الحرمة ، مع احتمالها في الثاني إذا كان فيه تعريض للشعر إلى غير ذات محرم ، وعليه يحمل النهي عنه في عدّة من النصوص ، أو على الكراهة ، لما مرّ.

( وتزيين الرجل بما يحرم عليه ) كتزيينه بالذهب وإن قلّ ، والحرير إلاّ ما استثني ، ولبسه السوار والخلخال ، والثياب المختصّة بالنسوة في العادة ، وتختلف باختلاف الأصقاع والأزمان. إجماعاً في الأوّلين ، نصّاً وفتوى. وعلى الأظهر الأشهر المحتمل فيه الإجماع في الباقي ؛ لأنّه من لباس الشهرة المنهي عنه المستفيضة ، منها الصحيح : « إنّ الله تعالى يبغض شهرة اللباس » (٣).

وفي المرسل كالموثق : « الشهرة خيرها وشرّها في النار » (٤).

والخبر : « من لبس ثوباً يشهره كساه الله تعالى يوم القيامة ثوباً من‌

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ١٨٧ أبواب مقدمات النكاح ب ١٠١.

(٢) الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٨ ، الوسائل ١٧ : ١٣٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٩ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤٤ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٤ أبواب أحكام الملابس ب ١٢ ح ١.

(٤) الكافي ٦ : ٤٤٥ / ٣ ، الوسائل ٥ : ٢٤ أبواب أحكام الملابس ب ١٢ ح ٣.

١٧٣

النار » (١).

وفي آخر : « كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره » (٢).

مضافاً إلى النصوص المانعة عن تشبّه كلّ من الرجال والنساء بالآخر.

ففي الخبر : « لعن الله تعالى المتشبّهين من الرجال بالنساء ، والمتشبّهات من النساء بالرجال » مروي عن الكافي وعلل الصدوق (٣).

وفي رواية أُخرى فيه : « أخرجوهم من بيوتكم فإنّهم أقذر شي‌ء » (٤).

وقصور الأسانيد بالشهرة والاعتبار منجبر ، مع التأيّد بما فيه من إذلال المؤمن نفسه ، المنهي عنه اتّفاقاً ، نصّاً وفتوى واعتباراً.

ومنه يظهر انسحاب الحكم في تزيين المرأة بلباس الرجل مع عدم القائل بالفرق ، فتأمّل بعض من تأخّر (٥) في حرمة ذلك لهما ليس في محلّه.

( وزَخْرَفَة المساجد ) أي نقشها بالذهب ( و ) تعشير ( المصاحف ) (٦) به.

وعلّل الأوّل بالبدعة ؛ إذ لم يكن في زمن صاحب الشريعة عليه آلاف صلوات وتحية ، ولم يرد به الرخصة.

وبالرواية : عن الصلاة في المساجد المصوّرة ، فقال : « أكره ذلك ،

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٤٥ / ٤ ، الوسائل ٥ : ٢٤ أبواب أحكام الملابس ب ١٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٤٤٥ / ٢ ، الوسائل ٥ : ٢٤ أبواب أحكام الملابس ب ١٢ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٨ : ٦٩ / ٢٧ ، علل الشرائع : ٦٠٢ / ٦٣ ، الوسائل ١٧ : ٢٨٤ أبواب ما يكتسب به ب ٨٧ ح ١ ، ٢.

(٤) علل الشرائع : ٦٠٢ / ٦٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٨٥ أبواب ما يكتسب به ب ٨٧ ح ٣.

(٥) كصاحب الحدائق ١٨ : ١٩٨.

(٦) عَشَّر المصاحف : جعل العواشر فيها. وعواشر القرآن : الآي التي يتمّ بها العَشَر.

١٧٤

ولكن لا يضرّكم اليوم » (١).

والثاني بالموثق : عن رجل يعشِّر المصاحف بالذهب ، فقال : « لا يصلح » (٢).

وفيهما نظر ؛ لمنع البدعة مع عدم قصد التشريع ، فإنّها إدخال ما ليس في الدين فيه عمداً.

وضعف الرواية سنداً ودلالة كالموثق ، لظهورهما في الكراهة ، والرخصة بأصالة الإباحة حاصلة.

وأظهر من الأخير فيها الخبر : عرضت على أبي عبد الله عليه‌السلام كتاباً فيه قرآن معشَّر بالذهب وكتب في آخره سورة بالذهب ، فأريته إيّاه ، فلم يعب منه شيئاً إلاّ كتابة القرآن بالذهب ، فإنّه قال : « لا يعجبني أن يكتب القرآن إلاّ بالسواد كما كتب أوّل مرّة » (٣).

مع أنّ المستفاد من بعض النصوص نفي البأس على الإطلاق ، كالخبر : « ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة بأس » (٤).

فالأصح فيهما الجواز ، للأصل ، مع الكراهة ، للشبهة ، وفاقاً لجماعة (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٩ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ / ٧٢٦ ، الوسائل ٥ : ٢١٥ أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٦ / ١٠٥٥ ، الوسائل ١٧ : ١٦٢ أبواب ما يكتسب به ب ٣٢ ح ١.

(٣) الكافي ٢ : ٦٢٩ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٦ ، الوسائل ١٧ : ١٦٢ أبواب ما يكتسب به ب ٣٢ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٦ : ٤٧٥ / ٧ ، الوسائل ٥ : ١٠٥ أبواب أحكام الملابس ب ٦٤ ح ٣.

(٥) منهم : المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٠ ، والفيض في المفاتيح ٣ : ١٤ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٢٢٠.

١٧٥

( ومعونة الظالم ) بالكتاب ، والسنّة المستفيضة ، بل المتواترة ، والإجماع.

قال سبحانه ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) الآية (١).

وقال تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (٢). وعنهم عليهم‌السلام كما في المجمع : أنّ الركون إليهم هو المودّة والنصيحة والطاعة لهم (٣).

وفي الخبر في تفسيره : « هو الذي يأتي السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه » (٤).

ويستفاد منه ومن كثير من النصوص حرمة إعانة الظالمين ولو في المباحات والطاعات ، ففي الصحيح : عن أعمالهم ، قال : « لا ، ولا مدّة بقلم ، إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه » (٥).

وأظهر منه الموثق : « لا تُعِنْهم على بناء مسجد » (٦).

وقريب منهما القريب من الصحة ، وفيه : إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه ، أو النهر يكريه ، أو المسنّاة (٧) يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال عليه‌السلام : « ما أُحبّ أنّي عقدت‌

__________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) هود : ١١٣.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٢٠٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٨ / ١٢ ، الوسائل ١٧ : ١٨٥ أبواب ما يكتسب به ب ٤٤ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٥ : ١٠٦ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ / ٩١٨ ، الوسائل ١٧ : ١٧٩ أبواب ما يكتسب به ب ٤٢ ح ٥.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٣٨ / ٩٤١ ، الوسائل ١٧ : ١٨٠ أبواب ما يكتسب به ب ٤٢ ح ٨.

(٧) المسنّاة : السدّ مجمع البحرين ١ : ٢٣١.

١٧٦

لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاءً وإنّ لي ما بين لابتيها ، لا ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار حتّى يحكم الله تعالى بين العباد » (١).

ونحوها أخبار أُخر هي كالأوّلة مؤيّدة بإطلاق كثير من النصوص المانعة عن إعانتهم (٢). فالأحوط تركها مطلقاً إلاّ لتقيّة أو ضرورة ، وإن كان ظاهر الأصحاب بغير خلاف يعرف اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم ، ولعلّه لقصور الأخبار المطلقة سنداً والظاهرة دلالة ، لاحتمال المباحات والطاعات فيها ما عرضها التحريم بغصب ونحوه ، كما هو الأغلب في أحوالهم.

وهو وإن نافاه النهي عن حبّ البقاء المجامع للإعانة على المباحات والطاعات ، إلاّ أنّ المشتمل عليه قاصر السند ، فلا يخرج بمثله عن الأصل المقطوع به ، المعتضد بعمل الأصحاب كافّة من غير خلاف يعرف بينهم ، فلا بدّ من حمله على الكراهة ، كما يشعر بها الرواية الأخيرة المعبِّرة عن المنع بلفظه « ما أُحبّ » الظاهرة فيها البتّة ، وإن اقتضى التعليل المذيّلة به الحرمة ، لاحتمال أن يكون المراد من ذكره بيان خوف الاندراج في أفراد مصداقه ، ولكن الإنصاف أن الجواز لا يخلو عن شي‌ء (٣).

ويدخل في إعانتهم المحرّمة اختيار التولية عنهم بلا خلاف ؛ للمستفيضة ، منها : « لأن أسقطَ من حالق (٤) فأتقطّع قطعة أحبّ إليّ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ / ٩١٩ ، الوسائل ١٧ : ١٧٩ أبواب ما يكتسب به ب ٤٢ ح ٦.

(٢) انظر الوسائل ١٧ : ١٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٤٢.

(٣) في « ت » زيادة : لولا اتفاق الأصحاب.

(٤) الحالق : الجبل المرتفع. مجمع البحرين ٥ : ١٥١.

١٧٧

من أن أتولّى لأحد منهم عملاً ، أو أطأ بساط رجل منهم ، إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه ، إنّ أهون ما يصنع الله تعالى بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله تعالى من حساب الخلائق ، فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة » (١) الحديث.

ولا خلاف فيما تضمّنه من الاستثناء وشرطه فتوًى ونصّاً ، وهو مستفيض ، وإن اختلف في الإباحة والرجحان والإثابة ، فبين ما دلّ على الأوّل ، وهو هذا الخبر ، ونحوه المروي مرسلاً في الفقيه : « كفّارة خدمة السلطان قضاء حوائج الإخوان » (٢).

والخبران ، في أحدهما : « إن كنت تعلم أنّك إن ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تصيّر أعوانك وكتّابك أهل ملّتك فإذا صار إليك شي‌ء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم كان ذا بذا ، وإلاّ فلا » (٣).

وفي الثاني : « ما من جبّار إلاّ ومعه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين ، وهو أقلّهم حظّا في الآخرة ، يعني أقلّ المؤمنين حظّا ، لصحبة الجبّار » (٤).

وما دلّ على الثاني ، وهو مستفيض ، أجودها دلالةً المروي عن الكشي (٥)

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٣٣ / ٩٢٤ ، الوسائل ١٧ : ١٩٤ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ٩.

(٢) الفقيه ٣ : ١٠٨ / ٤٥٣ ، الوسائل ١٧ : ١٩٢ أبواب ما يكتسب به ب ٤٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ١١١ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ١٧ : ٢٠١ أبواب ما يكتسب به ب ٤٨ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ١١١ / ٥ ، الوسائل ١٧ : ١٨٦ أبواب ما يكتسب به ب ٤٤ ح ٤.

(٥) الرواية ليست موجودة في رجال الكشي ، بل توجد في رجال النجاشي : ٣٣١ / ٨٩٣.

١٧٨

في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن مولانا الرضا عليه‌السلام : « إنّ لله تعالى بأبواب الظلمة من نوّر الله تعالى به البرهان ، ومكّن له في البلاد ، ليدفع عن أوليائه ، ويصلح الله تعالى به أُمور المسلمين ، لأنّهم صلحاء المؤمنين » إلى أن قال : « أُولئك المؤمنون حقّا ، أُولئك أُمناء الله تعالى في أرضه ، أُولئك نور الله تعالى في رعيّتهم يوم القيامة ، ويزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الزهرية لأهل الأرض ، أُولئك من نورهم نور يوم القيامة يضي‌ء منهم القيامة ، خُلِقوا والله للجنة وخُلِقَت الجنة لهم ، فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه » قال : قلت : بماذا جعلني الله فداك؟ قال : « يكون معهم فيسرّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا ، فكن منهم يا محمّد ». ولقد جمع بينهما بعض الأصحاب بحمل الأوّلة على الداخل معهم لحبّ الدنيا والرياسة ، مازجاً ذلك بفعل الطاعات وقضاء حوائج المؤمنين وفعل الخيرات ، والثانية على الداخل لا لذلك ، بل لمجرّد ما ذكر من الطاعات (١).

وهو جمع حسن ، وإن أبى عنه بعض ما مرّ من الروايات.

ثم لو قلنا باختصاص تحريم الإعانة بالأُمور المحرّمة فلا ريب في انسحاب الحكم في معونة مطلق العصاة الظلمة ، حتّى الظالم لنفسه بعصيانه مع حرمانه عن الرئاسة وخذلانه.

وإن قلنا بالعموم ولو في نحو المباحات فالظاهر من النصوص سياقاً اختصاص الحكم بمعونة الظلمة من أهل السنّة ، فلا يحرم إعانة سلاطين‌

__________________

(١) الحدائق ١٨ : ١٣٢.

١٧٩

الشيعة في الأُمور المباحة ، ويجوز حبّ بقائهم ، لإيمانهم ، ودفع شرور أعدائهم ، إلاّ أنّ عبارات الأصحاب مطلقة ، ولعلّه لتخصيص التحريم فيها بالإعانة في الأُمور المحرّمة ، وذلك ممّا لا يدانيه شبهة.

نعم ، النهي عن الركون إلى الظلمة في الآية مع ما في تفسيرها بما تقدّم في الرواية (١) مطلق ، فالاحتياط الترك على الإطلاق ، وإن أمكن المناقشة في دليله بعدم تبادر مثله من الآية ، وضعف الرواية المفسِّرة.

( وأُجرة الزانية ) فإنّها سحت ، كما في النصوص ، وفيها الصحيح وغيره (٢).

( السادس : أخذ الأُجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات وتكفينهم وحملهم ودفنهم ) ونحوها الواجبات الأُخر التي تجب على الأجير عيناً أو كفايةً ، وجوباً ذاتيّاً ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (٣) ؛ وهو الحجة ، مع منافاته الإخلاص المأمور به كتاباً وسنّةً.

وأُخرج بالذاتي التوصّلي ، كأكثر الصناعات الواجبة كفاية توصّلاً إلى ما هو المقصود من الأمر بها ، وهو انتظام أمر المعاش والمعاد ؛ فإنّه كما يوجب الأمر بها كذا يوجب جواز أخذ الأُجرة عليها ، لظهور عدم انتظام المقصود بدونه ؛ مع أنّه عليه الإجماع نصّاً وفتوى ، وبذلك يندفع ما يورد من الإشكال بهذه الواجبات في هذا المجال.

ويستفاد من العبارة جواز أخذ الأُجرة على الأُمور المندوبة ، كالتغسيل ثلاثاً ، والتكفين بالقِطَع المستحبة ، ونحو ذلك. ولا ريب فيه ، وفاقاً للأكثر ؛

__________________

(١) راجع ص : ٣٧٢١.

(٢) الوسائل ١٧ : ٩٢ أبواب ما يكتسب به ب ٥.

(٣) انظر مجمع الفائدة ٨ : ٨٩ ، والحدائق ١٨ : ٢١٢.

١٨٠