رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

بخلاف هذه ؛ لمرجوحيّتها بالإضافة إليها في كلّ من الأُمور الأربعة ، لشذوذها ، وعدم معاضد لها سوى الأصل المعارض بأصالة براءة الذمّة من المنافع المتلفة عند المشتري مثلاً ، وعدم صراحتها ، واحتمالها الحمل على محامل أجودها التقيّة. هذا.

مع أنّ العمل بها مجمع عليه بين الأصحاب كافّة ، من حيث كون التلف فيها ممّن لا خيار له ، فيكون هذه مستثناة من القاعدة بالنص والإجماع ، كما أنّ التلف قبل القبض من مالكه الأوّل مطلقاً كان الخيار لغيره أم لا مستثنى منها بهما أيضاً.

ومنه يظهر فساد ما مرّ من الذبّ من الأخصّية في هذه المستفيضة ، فتدبّر.

ويكون المراد بنفيها صيرورة المبيع قبل انقضاء الخيار للمشتري نفيها بعنوان اللزوم والاستقرار.

وعلى القول الثاني هل الانقضاء مع عدم الفسخ ناقل كما عن الأوّل ، أو كاشف كما عن الثاني؟ أظهرهما الثاني.

وتظهر ثمرة الخلاف في صور :

منها في النماء المنفصل كاللبن والحمل والثمرة المتجددة في زمن الخيار فللمشتري على الأشهر ، وكذا على الكشف إن لم يفسخ ، وللبائع على القول الآخر.

ومنها في الأخذ بالشفعة في زمن الخيار ، وفي جريانه في حول الزكاة لو كان كلّ منهما زكويّاً.

( و ) غير ذلك من الصور التي منها ما ( إذا كان الخيار للمشتري ) أو البائع ، فـ ( جاز له التصرّف ) في المبيع ، وللبائع في الثمن ( وإن لم

٣٢١

يوجب ) كلّ منهما ( البيع على نفسه ) قبل التصرّف على القول الأوّل ، فإنّ الناس مسلّطون على أموالهم ، وتوقّف على الإيجاب أو انقضاء مدّة الخيار على الثاني ، لعدم حصول الملك الموجب للتسلّط حينئذٍ.

ولا فرق في التصرّفات بين أنواعها إذا كان الخيار للمتصرّف خاصّة. وأمّا إذا كان للآخر دونه ، أو لهما فلا يجوز إذا كانت ناقلة كالبيع والوقف والهبة إلاّ بإذن الآخر ؛ لمنافاتها خياره.

نعم ، له الاستخدام والمنافع والوطء على إشكال فيه ، فإن حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة قيمة الأمة مع فسخ البائع ، وفاقاً للفاضل والحلّي (١) ، وخلافاً للطوسي والقاضي (٢) ، فيرجع بقيمة الولد والعقر على المشتري ، بناءً على عدم الانتقال الموجب لعدم الاستيلاد.

( الخامسة : إذا تلف المبيع ) الشخصي ( قبل قبضه ) بآفة من الله سبحانه لا بجناية جانٍ ( فهو من مال بائعه ) إجماعاً ، كما عن الغنية والروضة (٣) ، وهو ظاهر جماعة (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرين ، أحدهما النبوي : « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » ونحوه الثاني المتقدّم هو كالأوّل في تلف المبيع في خيار التأخير (٥).

وقصورهما سنداً منجبر بعمل الكلّ جدّاً ، فهما بعد الإجماع مخرجان‌

__________________

(١) العلاّمة في التذكرة ١ : ٥٣٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٤٧.

(٢) الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٤ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٥٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، الروضة ٣ : ٤٥٩.

(٤) منهم : المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٠٨ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤١٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٩٣.

(٥) راجع ص : ٣٨٤٨.

٣٢٢

للحكم هنا عن مقتضى القاعدة المتقدّمة ، القائلة بحصول الملكيّة بمجرّد العقد ، المستلزم لكون التلف من المشتري.

لكن ظاهرهما بحكم التبادر وفتوى الجماعة اختصاص الحكم بالتلف بآفة منه سبحانه ، كما قيّدنا بع العبارة ، فلو تلف بغيرها لزم فيه الرجوع إلى مقتضى القاعدة (١).

وقيل : يتخيّر المشتري بين الرجوع بالثمن وبين مطالبة التالف بالمثل أو القيمة لو كان التلف من أجنبي أو من البائع. ولو كان منه ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض ؛ لأنّه ملكه قد أتلفه بنفسه (٢). وفيه نظر.

وهل النماء بعد العقد قبل التلف بالآفة للمشتري أو البائع؟ وجهان مبنيّان على أنّ التلف هل هو أمارة الفسخ للعقد من حينه أو من أصله؟

ظاهر المسالك وغيره الأوّل (٣) ، مشعراً بدعوى الوفاق عليه ، وهو مقتضى القاعدة واستصحاب الحالة السابقة.

لكن ينافيه ظاهر النص والعبارة كعبارات الجماعة ، فيحتاج إلى تقدير دخوله في ملك البائع آناً ما ويكون التلف كاشفاً عنه ، مثل دخول الدية في ملك الميت ، والعبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.

__________________

(١) وهو أن المتلِف إن كان هو المشتري فذاك قبض منه فتلف من ماله ولا ضمان على البائع ، فإن لم يكن له خيار أخذ الثمن ، وإن كان له خيار أو لأجنبي له أو لهما فله الرضا وأخذ الثمن والفسخ وأخذ القيمة أو المثل ، وإن كان أي التلف من البائع أو الأجنبي فإن لم يكن للمشتري ولا الأجنبي له خيار أخذ المشتري من المتلف المثل أو القيمة ، وكذا لو كان له خيار واختار البيع. ولو اختار الفسخ أخذ الثمن من البائع ورجع هو على الأجنبي بالمثل أو القيمة. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الروضة البهية ٣ : ٥٢٦ ، المسالك ١ : ١٨٢.

(٣) المسالك ١ : ١٨١ ؛ والكفاية : ٩٣ ، وانظر الحدائق ١٩ : ٧٥.

٣٢٣

وحكي الثاني في التذكرة وجهاً (١).

ثم إنّ مقتضى الأصل واختصاص ظاهر الفتاوي والنص بالمبيع : كون الحكم في تلف الثمن تلفه من مال البائع ؛ لأنّه صار بالعقد ماله فيجب أن يكون التلف منه. إلاّ أنّ ظاهر بعض الأصحاب إلحاقه بالأوّل (٢) ، مشعراً بدعوى الوفاق عليه وعلى إرادته من المبيع وإرادة المشتري من البائع ، التفاتاً إلى صدقهما عليهما لغةً ، فإن تمّا ، وإلاّ فالمسألة محلّ إشكال.

لكن ظاهر الخبر الثاني (٣) العموم ، فلا بأس به ، فيكون التلف قبل القبض من المشتري ، كما أنّ تلف المبيع من البائع قبل القبض.

( وكذا ) لو تلف المبيع أو الثمن بالآفة الإلهيّة ( بعد قبضه وقبل انقضاء خيار المشتري ) أو البائع ، فإنّ التلف مدّة الخيار ممّن لا خيار له ، بلا خلاف أجده ؛ لما مرّ في كلّ من خياري الشرط والحيوان من المعتبرة المستفيضة (٤). وأخصّيتها من المدّعى مندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.

مع أنّ هذا الحكم غير محتاج إلى دلالة من كتاب أو إجماع أو سنّة على حدةٍ في بعض صور المسألة ، وهو على المشهور ما إذا تلف المبيع بعد القبض والخيار للبائع وبالعكس ؛ لكون المتلَف مال من لا خيار له ، المنتقل إليه بمجرّد العقد ، فيكون الحكم في الصورتين موافقاً للقاعدة مع تأيّد أُولاهما بأخبار خيار الشرط.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٤١٨.

(٣) المتقدم في ص : ٣٨٤٨.

(٤) راجع ص : ٣٨٣٢ ، ٣٨٤٠.

٣٢٤

وإنّما المحتاج إلى الدلالة ما إذا تلف المبيع بعده والخيار للمشتري وبالعكس ؛ لمخالفة الحكم فيهما للقاعدة المتقدّمة جدّاً ، ولا إشكال فيه أصلاً بعد قيام النص والفتوى بإثباته فيهما ، فيكون كلّ منهما بهما عن القاعدة مستثنى.

كما أنّ الحكم في الصورتين الأخيرتين موافق لمقتضى القاعدة على القول بعدم الملكية بمجرّد الصيغة ، مع تأيّد أولاهما بأخبار خيار الحيوان ، فلا يحتاج إلى دلالة ، وإنّما المحتاج إليها عليه الحكم في الصورتين السابقتين ، ولعلّها عند القائل به الإجماع وأخبار خيار الشرط ، دون النصوص الواردة في خيار الحيوان ، لاختصاصها مع الضميمة بالصورتين الأخيرتين اللتين لا يحتاج على هذا القول فيهما إلى دلالة.

ثم كلّ ذا مع التلف في صورة اختصاص الخيار بأحدهما ، وأمّا التلف في الخيار المشترك فهو من المشتري إن كان التالف المبيع ، ومن البائع إن كان الثمن ، على الأشهر ، وبه صرّح جمع (١) ، من دون خلاف يعرف ، وبه صرّح بعض (٢).

وهو كذلك بناءً على الأشهر الأظهر من حصول التملّك بمجرّد العقد ، ويشكل على القول الآخر ؛ فإنّ اللازم عليه كونه بعكس الأوّل ، عملاً بقاعدته ، مضافاً إلى ورود النص به ، كما قيل (٣).

( ولو تلف ) كلّ من المبيع أو الثمن ( بعد ذلك ) أي انقضاء الخيار كان لهما أو لأحدهما ( كان ) التلف ( من المشتري ) في الأوّل ، ومن‌

__________________

(١) منهم : العلاّمة في القواعد ١ : ١٤٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٥٢٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٤٢٠ ، والبحراني في الحدائق ١٩ : ٣٧.

(٢) الكفاية : ٩٣.

(٣) انظر الحدائق ١٩ : ٧٥.

٣٢٥

البائع في الثاني ، إجماعاً ، فتوى ودليلاً.

( السادسة : لو اشترى ضيعة رأى بعضها ووُصِفَ له سائرها ، كان له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف ) الذي وقع عليه العقد ، ولا يجوز له الفسخ في البعض ، بلا خلاف ، بل ربما احتمل الإجماع ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى ما قدّمناه في خيار الرؤية من الأدلّة (١) ، فلا وجه لمناقشة بعض الأجلّة في ثبوت أصل الخيار في المسألة.

وكذا له الخيار لو اشتراها على أنّها جُرْبانٌ معيّنة فظهرت ناقصة ، بلا خلاف ، إلاّ إذا كان للبائع بجنبها ما يتمّها ، فلا خيار حينئذٍ عند الشيخ (٢) ؛ للخبر : في رجل باع أرضاً على أنّها عشرة أجربة ، فاشترى المشتري منه بحدوده ونقد الثمن ووقّع صفقة البيع وافترقا ، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة ، قال : « إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض ، وإن شاء ردّ المبيع وأخذ ماله كلّه ، إلاّ أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فلتؤخذ ويكون البيع لازماً ، وعليه الوفاء بتمام البيع » (٣) الحديث.

خلافاً للأكثر ، فأطلقوا الخيار ؛ للأصل ، وقصور سند الخبر.

ومقتضاه ثبوت الخيار بين الردّ وأخذ تمام الثمن أو الإمضاء والاسترداد منه بقدر الفائت ، وهو أشهر ، خلافاً للمبسوط (٤) ، فنفى الاسترداد وأثبت الخيار بين الردّ والإمضاء بتمام الثمن ، وهو طرح للخبر المعتبر عنده. ولا ريب أنّ ما ذكره في المقامين أحوط للمشتري ، فلا يتركه مهما أمكن.

__________________

(١) راجع ص : ٣٨٥١.

(٢) كما في النهاية : ٤٢٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٥١ / ٦٦٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٣ / ٦٧٥ وفيهما بتفاوت يسير ، الوسائل ١٨ : ٢٧ أبواب الخيار ب ١٤ ح ١.

(٤) المبسوط ٢ : ٧٦.

٣٢٦

( الفصل الرابع : )

( في لواحق البيع ، وهي خمسة ) ‌

( الأوّل : النقد والنسيئة ) أي البيع الحالّ والمؤجّل. يسمّى الأوّل نقداً باعتبار كون ثمنه منقوداً ولو بالقوّة ، والثاني مأخوذ من النسي‌ء وهو تأخير الشي‌ء ، تقول : أنسأت الشي‌ء إنساءً إذا أخّرته ، والنسيئة اسمٌ وضع موضع المصدر.

واعلم أنّ البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق بتعجيل الأوّل وتأخير الثاني وبالعكس أربعة أقسام. فالأوّل : النقد ، والثاني : بيع الكالي بالكالي بالهمزة اسم فاعل أو مفعول بمعنى المراقبة ، لمراقبة كلّ واحد منهما صاحبه لأجل دينه ، والثالث : السلف والسلم ، والرابع : النسيئة.

وكلّها صحيحة عدا الثاني ، فقد ورد النهي عنه وانعقد الإجماع على فساده ، كما في الغنية والروضة وغيرهما (١).

إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ ( من ابتاع ) شيئاً ( مطلقاً ) من دون اشتراط تأجيل في أحد العوضين ( فالثمن ) وكذا المبيع ( حالّ ، كما لو شرط ) فيهما ( تعجيله ) فيجب التسليم في الحال ، بلا خلاف ؛ لانصراف الإطلاق إليه عرفاً.

قيل (٢) : وللموثق : في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثم‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، الروضة ٣ : ٥١٣ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٨٢ ، والحدائق ١٩ : ١١٨.

(٢) الحدائق ١٩ : ١١٩.

٣٢٧

افترقا ، قال : « وجب البيع ، والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد » (١).

ثم اشتراط التعجيل إن كان من دون تعيين زمان أفاد التأكيد خاصّة في المشهور. وإن كان معه بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلاً تخيّر المشروط له لو لم يحصل الشرط في الوقت المعيّن بين الفسخ والإمضاء ، وفاقاً للشهيدين (٢) ، بل استحسن ثانيهما ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضاً لو أخلّ به عن أوّل وقته ؛ للإخلال بالشرط.

( ولو شرط التأجيل ) في الثمن ( مع تعيين المدّة ) في الأجل ( صحّ ) إجماعاً في الظاهر ، وحكي عن التذكرة صريحاً (٣) ، وأخبار الباب به كما سيأتيك إن شاء الله تعالى مستفيضة جدّاً.

ولا فرق فيها بين القصيرة والطويلة حتى مثل ألف سنة ممّا يعلم المتعاقدان عدم بقائهما إليه عادةً ، بلا خلاف يعلم منّا في ذلك ، إلاّ ما حكي عن الإسكافي من منعه التأجيل زيادة على ثلاث سنين (٤). والأصل والعمومات وخصوص إطلاقات أخبار الباب يدفعه ، مع عدم وضوح مستنده.

نعم ، في الخبرين المروي أحدهما في الكافي والثاني عن قرب الإسناد : إنّا إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر للربح ، قال : « بعهم بتأخير سنة » فقلت : فتأخير سنتين؟ قال : « نعم » قلت : بثلاث؟ قال : « لا » (٥).

وقصور سندهما مع عدم مكافأتهما لما مضى يمنع من العمل بهما ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٤ / ١٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٦ أبواب أحكام العقود ب ١ ح ٢.

(٢) الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٢٠٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٥١٣.

(٣) التذكرة ١ : ٥٤٦.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٣٦٤.

(٥) الكافي ٥ : ٢٠٧ / ١ ، قرب الإسناد : ٣٧٢ / ١٣٢٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٥ أبواب أحكام العقود ب ١ ح ١ ، ٣.

٣٢٨

مع احتمال ورودهما مورد التقيّة عن رأي بعض العامّة ، كما يفهم من عبارة بعض الأجلّة (١) ؛ مضافاً إلى عدم انطباقهما على مذهبه بالضرورة.

( و ) ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ، وبه صرّح بعض (٢) أنّه ( لو لم يعيّن ) المدّة ( بطل ) المعاملة ؛ للغرر ، والجهالة فيها ، المستلزم ذلك جريانهما في الثمن جدّاً ، بناءً على أنّ للأجل قسطاً من الثمن عادةً وعرفاً.

( وكذا ) تبطل ( لو عيّن أجلاً محتملاً ) للزيادة والنقيصة ( كقدوم الغزاة ) وإدراك الثمرات ، أو مشتركاً بينهما وإن كان في الجملة معيّناً ، كنفرهم من منى وشهر ربيع أو يوم جمعة أو خمسين مثلاً ؛ لعين ما مرّ سابقاً.

وقيل في الأخير : يصحّ ويحمل على الأوّل ؛ لتعليقه الأجل على اسم معيّن وهو يتحقّق بالأوّل ، لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد ، ليتوجّه قصدهما إلى أجل مضبوط ، فلا يكفي ثبوت ذلك شرعاً مع جهلهما أو أحدهما به ، ومع القصد لا إشكال في الصحة وإن لم يكن الإطلاق محمولاً عليه (٣).

قيل : ويحتمل الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك ، قصداه أم لا ؛ نظراً إلى كون الأجل الذي عيّناه مضبوطاً في نفسه شرعاً ، وإطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعية (٤).

وهو كما ترى ؛ لمنع تنزيل الإطلاق عليها مطلقاً ، بل إنّما ذلك‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٣٢٧.

(٢) السبزواري في الكفاية : ٩٤.

(٣) الروضة ٣ : ٥١٤.

(٤) الروضة ٣ : ٥١٤.

٣٢٩

بالإضافة إلى إطلاق متصدّعها خاصّة ، لعدم دليل عامّ يدلّ على التعدّي أصلاً ، وثبوته في بعض المواضع لا يوجبه كلّياً إلاّ بالقياس المحرّم عندنا ، أو الاستقرار الغير الثابت ظاهراً ، فتأمّل جدّاً.

( وكذا ) تبطل ( لو قال : ) بعتك هذه السلعة ( بكذا ) وكذا ( نقداً وبكذا ) وكذا ( نسيئة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفاقاً للإسكافي والمفيد والسيّد وابن حمزة والمبسوط والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة العلوي والحلي (١) ؛ لعين ما مرّ.

مضافاً إلى النهي عن بيعين في صفقة واحدة ، المروي من طريق الخاصّة والعامّة المفسَّر بذلك في كلام جماعة كالإسكافي وابن زهرة والعلاّمة (٢).

ففي الخبرين أحدهما الموثق : « فانههم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع ، وعن ربح مال يضمن » (٣).

وفي الثاني : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع واحد ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم يضمن » (٤).

وهما مع اعتبار سندهما بالشهرة ، وحجّية الأوّل بالموثقية واضحا‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٦١ ، المفيد في المقنعة : ٥٩٥ ، السيد في المسائل الناصرية : ٢١٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤١ ، المبسوط ٢ : ١٥٩ ، الديلمي في المراسم : ١٧٤ ، الحلبي في الكافي : ٣٥٧ ، نقل عن القاضي في المختلف : ٣٦١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، الحلّي في السرائر ٢ ٢٨٧.

(٢) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٦١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ، العلامة في التحرير ١ : ١٧٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٦ ، الوسائل ١٨ : ٥٨ أبواب أحكام العقود ب ١٠ ح ٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٧ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ٤.

٣٣٠

الدلالة ، إمّا لما مرّ من ظهورهما في ذلك كما فهم الجماعة ، أو لإطلاقهما الشامل له ولما قيل في معناهما أيضاً من أن يقول : بعتك هذا بألف بأن تبيعني دارك هذه بألف مثلاً (١).

مع تأيّدهما بالقاعدة المتقدّمة ، وقاعدة أُخرى هي أنّ مقتضى العقد الانتقال من حينه كما مضى ، ولا يقبله الثمن المتردّد جدّاً.

مع أنّه ليس لهما التخيير بين الثمنين إلى الأجلين إجماعاً ، بل لا بدّ إمّا من البطلان ، أو لزوم أقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين ، والثاني غير منطبق على القواعد القطعية المستفادة من الكتاب والسنة وإجماع الأُمّة من حرمة أكل مال الغير إلاّ برضاء منه بنحو من الهبة والمراضاة والتجارة ، وليس شي‌ء من ذلك هنا بالبديهة ، لوقوع المراضاة على أحد الثمنين بما يناسبه من الأجلين لا بما يضادّه كما في البين.

( و ) بهذا يبطل ما ( في رواية ) النوفلي عن السكوني من أنّ ( له أقلّ الثمنين ) إلى أبعد الأجلين (٢) ، يعني ( نسيئة ) مضافاً إلى قصور سندها ، وعدم مكافأتها لما مضى ، وشذوذ القائل بها وندرته ، وهو الشيخ في نهايته (٣) مع رجوعه عنه في مبسوطه (٤).

ثم على المختار هل لهذا البيع حكم البيع الفاسد ، فيرجع من تلف المبيع إلى المثل أو القيمة ، أم لا ، بل يرجع البائع معه إلى ما في هذه الرواية من أقلّ الثمنين إلى أبعد المدّة؟ قولان. أشهرهما بين المتأخّرين‌

__________________

(١) انظر المبسوط ٢ : ١٥٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٥٣ / ٢٣٠ ، الوسائل ١٨ : ٣٧ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ٢.

(٣) النهاية : ٣٨٨.

(٤) المبسوط ٢ : ١٥٩.

٣٣١

الأوّل ، عملاً بالأصل في البيع الفاسد ، وبين المتقدّمين المتقدّم ذكر جمع منهم ، كالمفيد والإسكافي والقاضي وابن حمزة وابن زهرة في الغنية (١) مدّعياً الإجماع عليه : الثاني ؛ ولعلّه للصحيح : « من باع سلعة فقال : « إنّ ثمنها كذا وكذا يداً بيد ، وكذا وكذا نظرة ، فخذ بأيّ ثمن شئت ، وجعل صفقتهما واحدة ، فليس له إلاّ أقلّهما وإن كان نظرة » (٢).

ولا بأس به ؛ لاعتضاده مع صحّة سنده ( بمصير كثير من القدماء إلى العمل به ) (٣).

وأمّا الاستدلال بهذه الرواية للقول بما في الرواية السابقة فمحلّ مناقشة ؛ لعدم ظهورها في وقوع البيع والصفقة ، بتلك المعاملة ، بل غايتها الدلالة على وقوع الإيجاب بها خاصّة ، ولعلّه يكون الحكم المذكور مترتّباً على فساد المعاملة ، كما فهمه الجماعة.

مع ما في ذيلها من تتمّة مروية في الكافي والتهذيب تنافي الاستدلال المتقدّم بالضرورة ، وهي هذه : « من ساوم بثمنين أحدهما عاجل والآخر نظرة فليبيّن أحدهما قبل الصفقة » (٤) بناءً على أنّ الظاهر منه ما ذكره جماعة (٥) وهو المتبادر بالبديهة أنّه لا يجوز هذا الترديد ، بل لا بدّ من‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٩٥ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٦١ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٣٦١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٦ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٩ / ٨١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٧ / ٢٠١ ، الوسائل ١٨ : ٣٦ أبواب أحكام العقود ب ٢ ح ١.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ح » : ومصير كثير من القدماء إلى العمل به بالإجماع المحكي.

(٤) في الكافي والتهذيب بدل « فليبيّن » : « فليسمِّ ».

(٥) منهم : الطوسي في المبسوط ٢ : ١٥٩ ، والفاضل المقدار في التنقيح ٢ : ٥٤ ،

٣٣٢

تعيين أحدهما قبل العقد ، وأن يوقعه عليه ، لا تعيين مقدار الثمنين أو الثمن والأجل.

( و ) اعلم أنّ ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم صحة وبطلاناً بين ما تقدّم وبين ما ( لو كان ) المبيع المتردّد ثمنه ( إلى أجلين ) كشهر بدينار ، وشهرين بدينارين.

فإن كان إجماع ، وإلاّ كما يقتضيه قوله : ( بطل ) من دون إشارة إلى خلاف من فتوى أو رواية كان المختار هنا أقوى منه فيما مضى ؛ لفقد المعارض فيه ، لاختصاص النصّ مطلقاً بالصورة السابقة ، وعدم ثبوت الإجماع كما هو الفرض.

( ويصحّ أن يبتاع ) البائع ( ما باعه ) من المشتري ( نسيئة قبل الأجل بزيادة ) من الثمن الذي باعه به ( ونقصان ، بجنس الثمن وغيره ، حالاّ ومؤجّلاً ) بلا خلاف فتوى ونصّاً ، عموماً وخصوصاً ، ففي الصحيح : عن الرجل يبيع المتاع نسيئة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه ، قال : « نعم ، لا بأس به » (١) الحديث.

وفي آخر : رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه ، فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له المطلوب : أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي ، فرضي ، قال : « لا بأس بذلك » (٢) ونحوه غيره ممّا سيأتي.

__________________

والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٥١٤.

(١) الكافي ٥ : ٢٠٨ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٣٤ / ٥٨٥ ، التهذيب ٧ : ٤٧ / ٢٠٤ ، الوسائل ١٨ : ٤١ أبواب أحكام العقود ب ٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ١٦٥ / ٧٢٧ ، التهذيب ٧ : ٤٣ / ١٨١ ، الوسائل ١٨ : ٤٠ أبواب أحكام العقود ب ٥ ح ١.

٣٣٣

ويستفاد من بعض الصحاح المنع عن ابتياعه نسيئة ، وفيه : عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك ، فأتى الطالب المطلوب ليبتاع منه شيئاً ، فقال : « لا يبيعه نسيّاً ، وأمّا نقداً فليبعه بما شاء » (١).

إلاّ أنّ فيه إجمالاً ، مع احتماله الحمل على الكراهة جدّاً جمعاً بينه وبين ما تقدّم ؛ لعدم مكافأته له قطعاً.

وكيف كان ، فالجواز عند الأصحاب مطلقاً مشروط بما ( إذا لم يشترط ) البائع في البيع الأوّل ( ذلك ) أي بيعه منه ثانياً ، ولا خلاف فيه.

ويدلّ عليه ظاهر المروي عن قرب الإسناد وعن كتاب علي بن جعفر عنه عن أخيه عليه‌السلام : عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم ، ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحلّ؟ قال : « إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس » (٢).

وربما علّل تارة باستلزامه الدور ؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له المتوقّفة على بيعه.

وأُخرى بعدم حصول القصد إلى نقله عن البائع حقيقة.

وضعّف الأوّل : بأنّ المتوقّف على حصول الشرط هو لزوم البيع لا انتقاله إليه ، غايته أنّ تملّك البائع موقوف على تملّك المشتري ، وأمّا أنّ تملّك المشتري موقوف على تملّك البائع فلا ؛ ولأنّه وارد في باقي الشروط كشرط العتق ، وخصوصاً شرط بيعه للغير ، مع صحّته إجماعاً. وأوضح لملك المشتري ما لو جعل الشرط بيعه من البائع بعد الأجل ؛ لتخلّل ملك‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤٨ / ٢٠٧ ، الوسائل ١٨ : ٤٥ أبواب أحكام العقود ب ٦ ح ٨.

(٢) قرب الإسناد : ٢٦٧ / ١٠٦٢ ، مسائل علي بن جعفر : ١٢٧ / ١٠٠ بتفاوت ، الوسائل ١٨ : ٤٢ أبواب أحكام العقود ب ٥ ح ٦.

٣٣٤

المشتري فيه.

والثاني : بأنّ الفرض حصول القصد إلى ملك المشتري وإنّما رتّب عليه نقله ثانياً ، بل شرط النقل ثانياً يستلزم القصد إلى النقل الأول ، لتوقّفه عليه ، ولاتّفاقهم على أنّهما لو لم يشترطا ذلك في العقد صحّ وإن كان من قصدهما ردّه ، مع أنّ العقد يتبع القصد ، والمصحّح له ما ذكرناه من أنّ قصد ردّه بعد ملك المشتري له غير مناف لقصد البيع بوجه ، وإنّما المانع عدم القصد إلى نقل الملك إلى المشتري أصلاً ، بحيث لا يترتّب عليه حكم الملك وهو حسن.

( ولو حلّ ) الأجل ( فابتاعه من المشتري بغير جنس الثمن أو بجنسه من غير زيادة ولا نقصان صحّ ) بلا خلاف يظهر ؛ لبعض ما مرّ.

( ولو زاد عن الثمن ) الذي باع به أوّلاً ( أو نقص ) عنه ( ففيه ) قولان و ( روايتان ، أشبههما ) وأشهرهما ( الجواز ) وهي : الصحاح المستفيضة المعتضدة بالأصل والعمومات ، منها ما مرّ ، وفي آخر : عن رجل باع طعاماً بمائة درهم إلى أجل ، فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه فقال : ليس لي دراهم خذ منّي طعاماً ، فقال : « لا بأس به ، فإنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء » (١) ونحوه في رابع (٢) وغيره (٣).

والثانية : الخبر : عن رجل بعته طعاماً بتأخير إلى أجل مسمّى ، فلمّا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٦ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٦٦ / ٧٣٤ ، التهذيب ٧ : ٣٣ / ١٣٦ ، الإستبصار ٣ : ٧٧ / ٢٥٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٧ أبواب السلف ب ١١ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٥ / ٤٦٩ ، وج ٧ : ٤٤ / ١٩١ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٨ أبواب السلف ب ١١ ح ١١.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٧ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٣٠ / ١٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٧٥ / ٢٥٣ ، الوسائل ١٨ : ٣٠٦ أبواب السلف ب ١١ ح ٨.

٣٣٥

جاء الأجل أخذته بدراهمي ، فقال : ليس عندي دراهم ، ولكن عندي طعام اشتراه منّي ، فقال : « لا تشتره منه فإنّه لا خير فيه » (١).

وعمل بها الشيخ في النهاية وكتابي الحديث (٢) ، مستدلاً بها فيهما على ما ذكره من البطلان في الصورة المذكورة في العبارة خاصّة.

ولا دلالة لها عليه بالمرّة ، كما لا دلالة لما استدلّ به في الاستبصار (٣) بياناً لما اختاره من رواية أُخرى في المسألة ، وفيها : أبيع الطعام من الرجل إلى أجل ، فأجي‌ء وقد تغيّر الطعام من سعره ، فيقول : ليس لك عندي دراهم ، قال : « خذ منه بسعر يومه » (٤) الحديث.

هذا مع ضعف سندهما ، وقصورهما عن المكافأة لما مضى جدّاً ، فليُحملا على الكراهة.

وربما قيل بهما مخصّصين بموردهما من الطعام (٥). ولا وجه له ، مع أنّه لا شاهد عليه.

( ولا يجب ) على المشتري ( دفع الثمن قبل حلوله وإن طلب ) البائع إجماعاً ؛ تمسّكاً بالأصل ، والتفاتاً إلى لزوم العمل بمقتضى الشرط.

( و ) منهما يظهر الوجه في أنّه ( لو تبرّع ) المشتري ( بالدفع ) حينئذٍ ( لم يجب ) على أن البائع ( القبض ) منه ، مضافاً إلى الإجماع‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٣ / ١٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٧٦ / ٢٥٥ ، الوسائل ١٨ : ٣١١ أبواب السلف ب ١٢ ح ٣.

(٢) النهاية : ٣٨٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٧ ، التهذيب ٧ : ٣٣.

(٣) الاستبصار ٣ : ٧٧.

(٤) الفقيه ٣ : ١٣ / ٥٦٦ ، التهذيب ٧ : ٣٤ / ١٤٥ ، الإستبصار ٣ : ٧٧ / ٢٥٧ ، الوسائل ١٨ : ٣١٢ أبواب السلف ب ١٢ ح ٥.

(٥) الحدائق ١٩ : ١٢٩.

٣٣٦

عليه كالأوّل.

وتخيّل الوجوب هنا بناءً على أنّ فائدة التأجيل الرخصة للمشتري بالتأخير لا عدم وجوب الأخذ على البائع قبله بعد الدفع إليه ضعيف أوّلاً : بمنع استلزام انحصار فائدته في ذلك بعد تسليمه وجوب الأخذ على البائع ، مع مخالفته الأصل الخالي عن المعارض من النصّ والإجماع ، لاختصاصه بغير صورة الفرض.

وثانياً : بمنع الانحصار ؛ لجواز تعلّق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل ، فإن الأغراض لا تنضبط.

( و ) أمّا ( لو حلّ ) الأجل أو كان الثمن غير مؤجّل مطلقاً ، في الذمّة كان أو معيّناً ( فدفع وجب ) على البائع ( القبض ) إجماعاً.

( ولو امتنع البائع ) منه في المقامين ( فهلك من غير تفريط من الباذل ) فيه ( تلف من البائع ) مطلقاً ، وفاقاً للنهاية والمفيد والديلمي والقاضي وابن حمزة (١).

خلافاً للمبسوط والحلّي وجماعة (٢) ، فخصّوه بصورة عدم التمكّن من الحاكم ليدفع إليه ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على عدم تعيين الثمن للبائع حيث كان كلّياً إلاّ بقبضه أو قبض من بحكمه على محلّ الوفاق ، والتفاتاً إلى اندفاع الضرر عن المشتري بالدفع إلى الحاكم ، فلو قصّر كان كالمفرّط في المال من حيث تمكّنه من دفعه إلى مستحقه أو نائبه‌

__________________

(١) النهاية : ٣٨٨ ، المفيد في المقنعة : ٥٩٥ ، الديلمي في المراسم : ١٧٤ ، نقله عن القاضي في المختلف : ٣٦٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٧.

(٢) المبسوط ٢ : ١٩٠ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٨٨ ؛ وانظر اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٥٢٠ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٥٥.

٣٣٧

فيكون من ماله.

ولا يخلو عن قوّة ، بل ادّعى عليه الشهرة بعض الأجلّة (١). لكنّه غير ملازم لوجوب الدفع الى الحاكم بعد امتناع البائع أوّل مرّة ؛ لعدم الدليل عليه من إجماع أو رواية ، لاختصاصه بصورة الدفع إلى المالك خاصّة. وحينئذٍ فله التصرّف فيه والتأخير بدفعه حيث يكون الثمن كليّاً إلى أن يطالبه المالك أو من يقوم مقامه به ، إلاّ أنّ الإيصال إليه مهما أمكن أحوط ، مسارعةً إلى إبراء الذمّة يقيناً ، وتفصّياً عن فتوى جماعة.

( وكذا ) الكلام فيما مرّ من الأحكام ( في طرف البائع لو باع سلماً ) فلا يجب عليه الدفع قبل الأجل ويجب بعده ، وعلى المشتري قبوله ، ومع عدمه فالتلف منه مطلقاً ، أو على التفصيل المتقدّم ، وكذا الحكم في كلّ حق واجب امتنع مستحقه عن قبضه.

واعلم أنّ البيع بالنسبة إلى الخيار بالثمن وعدمه أربعة أقسام ؛ لأنّه إمّا أن يخبر به ، أولا ، والثاني المساومة ، والأوّل إما أن يبيع معه برأس المال ، أو بزيادة عليه ، أو بنقصان عنه ، والأوّل التولية ، والثاني المرابحة ، والثالث المواضعة.

والدليل على جواز الجميع بعد الإجماع عليه كما حكاه بعض الأجلّة (٢) عمومات الكتاب والسنة ، وخصوص المعتبرة ، ويستفاد منها أنّ الأوّل أفضلها (٣) ، ويساعده الاعتبار جدّاً. ويجب فيما عداه ذكر رأس المال من غير زيادة ولا نقيصة ، وإلاّ كان خيانة وخديعة منهيّاً عنهما في الشريعة ،

__________________

(١) الحدائق ١٩ : ١٣٢.

(٢) كالعلامة في التذكرة ١ : ٥٤١.

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ٦١ أبواب أحكام العقود ب ١٤.

٣٣٨

والأجل وإن لم يكن جزءاً من الثمن لكنّه كالجزء ، لاختلاف الأغراض باختلافه في زيادة الثمن ونقصه.

( ومن ابتاع بأجل وباع مرابحةً ) أو مواضعةً أو توليةً ( فليُخْبِر المشتري بالأجل ولو لم يخبر به ) صحّ البيع ، بلا خلاف ظاهراً ، وحكي في الخلاف والغنية (١) صريحاً ؛ لعموم الكتاب والسنّة ، وخصوص ما يأتي من المعتبرة.

ولكن ( كان للمشتري ) الخيار بين ( الردّ والإمساك بالثمن حالاً ) ولم يكن له من الأجل المذكور شي‌ء أصلاً ، وفاقاً للمبسوط والخلاف والسرائر والغنية (٢) ، وهو الأشهر بين الطائفة ، سيّما متأخّريهم ، بل ظاهرهم الاتّفاق عليه كافّة إلاّ مَن تأتي إليه الإشارة.

وكذا الحكم فيما لو ظهر كذبه في الإخبار بقدر الثمن أو جنسه أو وصفه ، أو غلطه فيه ، ببيّنة أو إقرار ؛ لغروره الموجب لخياره.

( و ) لكن ( في رواية ) بل روايات معتبرة الأسانيد ، عمل بها النهاية والقاضي وابن حمزة (٣) أنّ ( للمشتري من الأجل مثله ) ففي الصحيح : في الرجل يشتري المتاع إلى أجل ، فقال : « ليس له أن يبيع مرابحةً إلاّ إلى الأجل الذي اشتراه إليه ، وإن باعه مرابحةً ولم يخبره كان للذي اشتراه مثل ذلك » (٤).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٣٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

(٢) المبسوط ٢ : ١٤٢ ، الخلاف ٢ : ١٣٥ ، السرائر ٢ ك‍ ٢٩١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

(٣) النهاية : ٣٨٩ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٦٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٤٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢٠٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٤٧ / ٢٠٣ ، الوسائل ١٨ : ٨٣ أبواب أحكام العقود ب ٢٥ ح ٢.

٣٣٩

ونحوه خبران آخران ، في سندهما جهالة ، إلاّ أنّ في أحدهما صفوان (١) ، وفي ثانيهما الحسن بن محبوب (٢) ، اللذين قد أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما العصابة ، فالقول بها مع صحّة أُولاها لا يخلو عن قوّة.

إلاّ أنّ في مقاومتها للقاعدة التي استند إليها الأوّلون من أنّه عقد على مبيع بثمن معلوم حالّ مقرون ذلك برضاهما فيكون صحيحاً فيملك البائع جملة الثمن بذلك ، وإخفاء الأجل لا يوجب أن يكون للمشتري مثله ، غاية ما في الباب إيجابه الخيار ، كالعيب إذا لم يعلم به نوع مناقشة ، سيّما مع اعتضاد القاعدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً من متأخّرين الطائفة ، مع رجوع الشيخ عن العمل بهذه المعتبرة في النهاية في كتابيه المتقدّم إلى ذكرهما الإشارة ، ولعلّه لهذا توقّف شيخنا الشهيد رحمه‌الله في النكت (٣) ، وهو في محلّه.

وربّما فصّل بين البيع بشرط النقد والحلول فالأوّل ، وعدمه بل يبيع بمثل ما ابتاعه فالثاني ، وعليه حمل إطلاق الأخبار (٤).

ولا شاهد عليه ، مع منافاته القاعدة المقرّرة من اقتضاء العقد بمجرّده النقد والحلول الموجب عند القائل للمصير إلى الأوّل (٥) ، ولعلّه لذا استشكله المفصّل بعد ذكره ، وهو في محلّة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٨ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٤ / ٥٨٣ ، التهذيب ٧ : ٥٦ / ٢٤٥ وفيه وفي الكافي بتفاوت ، الوسائل ١٨ : ٨٢ أبواب أحكام العقود ب ٢٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٥٩ / ٢٥٤ ، الوسائل ١٨ : ٨٣ أبواب أحكام العقود ب ٢٥ ح ٣.

(٣) غاية المراد ( مخطوط ).

(٤) كما في المختلف : ٣٦٩.

(٥) بل يحتمل البطلان لو قصد المشتري البيع بمثل ما ابتاعه من جميع الوجوه حتى في الحلول والتأجيل ؛ لجهالة الثمن على هذا بناءً على أن الأجل له قسط من الثمن ، ولذا يجب تعيينه في كل من بيعي النسيئة والسلف إجماعاً ، والأجل هنا مجهول الأصل والمقدار جدّاً ( منه رحمه‌الله ).

٣٤٠