رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

( وكذا لو نذر أن يصرف شيئاً إلى المرابطين ) لإعانتهم ، وجب عليه الوفاء به مطلقاً ( وإن لم ينذره ظاهراً ولم يخف الشنعة ) يتركه لعلم المخالف بالنذر ونحوه.

( ولا يجوز صرف ذلك ) أي المنذور ( في غيرها ) أي غير المرابطة ( من وجوه البرّ ) إجماعاً مع ظهور الإمام وبسط يده ، كما في المختلف (١) ، وكذا مع غيبته وخوف الشنعة بتركه اتفاقاً. وفي غيرهما كذلك أيضاً ( على الأشبه ) الأشهر بل عليه عامّة من تأخّر وفاقاً للحلي (٢) ؛ لما مرّ من عموم لزوم الوفاء بالنذر بناءً على صحته هنا كما مرّ.

ويقابل الأشبه قول الشيخ والقاضي بجواز صرفه في وجوه البرّ (٣) حينئذٍ ؛ للخبر : « إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته ، وإلاّ فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البرّ » (٤).

ويضعف أوّلاً : بأنها مكاتبة ، وذلك موجب لضعفها. وثانياً : بجهالة السائل. وثالثاً : بمخالفة الأُصول ؛ لأن النذر إن كان صحيحاً وجب الوفاء به ، وإلاّ كان باطلاً ، لا أنه يصرف في وجوه البرّ.

أقول : ولو لا الشهرة العظيمة بين الأصحاب ، المرجّحة لعموم أدلة النذر لأمكن الجواب عن جميع ذلك.

ولكن بعدها فلتطرح ، أو تحمل على مرابط لا يسوغ صرف النذر إليه ، كما هو الغالب زمن الغيبة ، لا مطلق المرابط. أو على نذر بغير لفظ بل‌

__________________

(١) المختلف : ٣٢٤.

(٢) السرائر ٢ : ٥.

(٣) الشيخ في النهاية : ٢٩١ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٠٣.

(٤) التهذيب ٦ : ١٢٦ / ٢٢١ ، الوسائل ١٥ : ٣٢ أبواب جهاد العدو ب ٧ ح ١.

٢١

بمجرد نية وقصد ، كما هو الغالب في نذر العوام فيما نشاهد في زماننا الآن ، وربما يشير إليه قوله عليه‌السلام : « اصرف ما نويت من ذلك » ولم يقل : ما نذرت ، فتدبّر.

ويحمل الأمر فيه بصرفه في وجوه البرّ على التقديرين على الاستحباب.

( وكذا من أخذ من غيره شيئاً ) على وجه الجعالة أو الإجارة ( ليرابط له لم يجب عليه ) أي على الآخذ ( إعادته ) أي الشي‌ء على ذلك الغير.

( وإن وجده ) أي ذلك الغير ( جاز له المرابطة ) فيما إذا كان الأخذ على جهة الجعالة ( أو وجبت ) فيما إذا كان على جهة الإجارة مطلقاً ولو كان الإمام غائباً على الأشهر الأقوى ؛ لنحو ما مضى في المسألة السابقة.

خلافاً للشيخ والقاضي (١) ، فأوجبا عليه الردّ على باذله إجارة أو جعالة مع إمكانه وإلاّ فليرابط.

ولعلّ مستندهما نحو الصحيح الماضي (٢) هو مع الجواب ، ولا وجه لإعادته.

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٢٩١ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٠٣.

(٢) في ص : ٣٥٦٥.

٢٢

النظر الثاني :

( في ) بيان ( من يجب جهاده )

( وهم ثلاثة ) ‌

( الأول : البغاة ) جمع باغ ، وهو من خرج على المعصوم من الأئمة عليهم‌السلام كما يستفاد من النص وكلمات القوم.

ومنها قوله : ( يجب قتال من خرج على إمام عادل ) (١) بالإجماع الظاهر المصرّح به في عبائر (٢) ، بعد الكتاب والسنة.

قال الله سبحانه ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (٣).

وفي النبوي : « من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنقه » (٤).

__________________

(١) في المختصر المطبوع زيادة ليست في نسخ الرياض وهي : ( إذا دعا إليه هو أو من نصبه ، والتأخر عنه كبيرة ، ويسقط بقيام من فيه غنى ما لم يستنهضه الإمام على التعيين ، والفرار منه في حربهم كالفرار في حرب المشركين ) المختصر : ١١٠.

(٢) انظر الخلاف ٥ : ٣٣٥ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) ٥٨٤.

(٣) الحجرات : ٩.

(٤) مسند أحمد ٢ : ١٦١ ، سنن أبي داود ٤ : ٩٦ / ٤٢٤٨ ، سنن ابن ماجه ٢ : ١٣٠٦ / ٣٩٥٦.

٢٣

وفي الخاصّي الصادقي عليه‌السلام « بعث الله تعالى محمداً بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلاّ أن ( تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) » إلى أن قال : « وسيف منها مكفوف ، وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا » إلى أن قال : « وأما السيف المكفوف على أهل البغي والتأويل ، قال الله تعالى » وذكر الآية ، ثم قال : « فلمّا نزلت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل عليه‌السلام من هو؟ قال : هو خاصف النعل يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فقال عمار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثاً ، وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتّى يبلغونا السعفات من هَجَر لعلمنا أنّا على الحق وأنّهم على الباطل.

وكانت السيرة من أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهل مكّة يوم فتح مكّة ، فإنّه لم يَسْبِ لهم ذرّية وقال : من أغلق بابه وألقى سلاحه أو دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، وكذلك قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فيهم : لا تسبوا لهم ذريّةً ، ولا تتمّوا على جريح ، ولا تتبعوا مدبراً ، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن » (١).

وفي آخر : « القتال قتالان ، قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا ، وقتال الفئة الباغية حتى يفيئوا » (٢).

وفي ثالث : « ذكرت الحرورية عند علي عليه‌السلام ، قال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم ، وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٣٦ / ٢٣٠ ، الخصال : ٢٧٤ / ١٨ ، الوسائل ١٥ : ٢٥ أبواب جهاد العدو ب ٥ ح ٢.

(٢) الخصال : ٦٠ / ٨٣ ، الوسائل ١٥ : ٢٨ أبواب جهاد العدو ب ٥ ح ٥.

٢٤

فإنّ لهم في ذلك مقالاً » (١).

والرواية السابقة ناصّة بإرادة هذه الطائفة من الآية المتقدمة ، ولذا استدلّ بها هنا جماعة كالشهيد في الدروس تبعاً للفاضل في المنتهى (٢).

لكن خطّأه الفاضل المقداد في كنز العرفان ، قال : فإنّ الباغي هو من خرج على الإمام العادل بتأويل باطل وحاربه ، وهو عندنا كافر ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام « يا علي ، حربك حربي وسلمك سلمي » (٣) فكيف يكون الباغي المذكور مؤمناً حتّى يكون داخلاً في الآية؟! ولا يلزم من ذكر لفظ البغي في الآية أن يكون المراد بذلك البغاة المعهودين عند أهل الفقه كما قال الشافعي : ما عرفنا أحكام البغاة إلاّ من فعل علي عليه‌السلام ، يريد فعله في حرب البصرة والشام والخوارج ، من أنّه لم يتبع مدبري أهل البصرة والخوارج ولم يجهز على جريحهم ، لأنهم ليس لهم فئة ، وتبع مدبري أهل الشام وأجهز على جريحهم ، ولذا لم يجعلها الراوندي حجة على قتال البغاة ، بل جعلها في قسم مَن يكون من المسلمين أو المؤمنين ، فيقع بينهم قتال وتعدى بعض إلى بعض ، فيكون البغي بمعنى التعدي فيقاتل المتعدي حتى يرجع عن تعدّيه إلى طاعة الله وامتثال أوامره. انتهى (٤).

وأجاب عنه في المنتهى بعد تخطئة من استفاد مِن الآية أن البغاة مؤمنون لأنّ الله تعالى سمّاهم المؤمنين ، بنحو ممّا ذكره من أنّهم كفّار عندنا فقال : التسمية على سبيل المجاز بناءً على الظاهر ، أو على ما كانوا عليه ،

__________________

(١) علل الشرائع : ٦٠٣ / ٧١ ، الوسائل ١٥ : ٨٠ أبواب جهاد العدو ب ٢٦ ح ٣.

(٢) الدروس ٢ : ٤١ ، المنتهى ٢ : ٩٠٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٨٦ ، كنز الفوائد ٢ : ١٧٩ ، البحار ٢٤ : ٢٦١ / ١٥.

(٤) كنز العرفان ١ : ٣٨٦.

٢٥

أو على ما يعتقدونه ، كما في قوله ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ) (١) وهذه صفة المنافقين إجماعاً (٢). انتهى.

وهو حسن وإن خالف المجاز الأصل ؛ لوجوب المصير إليه بعد قيام الدليل عليه ، وهو الرواية السابقة وإن ضعف سندها ، لاشتهارها فتوًى وروايةً حتى أنه روتها المشايخ الثلاثة بطرق عديدة.

وفي الظاهر الغنية وصريح المنتهى : لا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البغاة (٣). بل صريح الأخير أيضاً الإجماع.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الخارج بين القليل والكثير حتى الواحد كابن ملجم لعنه الله. وبه صرّح في المنتهى والتذكرة كما في المسالك واستحسنه (٤) ، وصرّح به أيضاً في الروضة (٥).

وفيه مناقشة ؛ لاختصاص الأدلّة كتاباً وسنة بالكثير.

وبالجملة : كيفية قتال البغاة مثل قتال المشركين في جميع ما مرّ ، بلا خلاف يظهر فيه ، ( و ) للنهي أنّه ( يجب مصابرتهم ) من الصبر وهو الحبس ، والمراد به حبس النفس في جهادهم بترك ما يشبهه من تركه ، فيخالفها بمصابرتهم ( حتى يفيئوا ) إلى الحق ، ويرجعوا إلى طاعة الإمام ( أو يقتلوا ).

__________________

(١) الأنفال : ٥ ، ٦.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٨٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤ ، المنتهى ٢ : ٩٨٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٩٨٣ ، التذكرة ١ : ٤٥٤ ، المسالك ١ : ١٦٠.

(٥) الروضة ٢ : ٤٠٧.

٢٦

وظاهر المنتهى أنّ عليه إجماع العلماء (١) ؛ للنص زيادة على ما مرّ ، وفيه : « القتال قتالان : قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقتال لأهل الزيغ » (٢).

وفي المنتهى : فإذا فاءوا حرم قتالهم ؛ لقوله تعالى ( حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٣) تعالى ، جعل غاية الإباحة لقتالهم الرّجوع إلى أمر الله تعالى ، فيثبت التحريم بعدها. ولأنّ المقتضي لإباحة القتل هو الخروج عن طاعة الإمام ، فإذا عادوا إلى الطاعة عُدِمَ المقتضي ، ولا نعلم فيه خلافاً. وكذلك إن ألقوا السلاح وتركوا القتال. أما لو انهزموا فإنّه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها (٤).

وإلى هذا أشار الماتن أيضاً وغيره من الأصحاب (٥) من غير خلاف بقوله : ( ومن كان له فئة ) يرجعون إليها كأصحاب معاوية ( يجهز ) من الإجهاز ، وهو الإسراع في القتل أي يسرع ويعجل ( على جريحهم ) في القتل ( وأُتبع مدبرهم ) ومُولّيهم عن الحرب ( وقتل أسيرهم ).

بلا خلاف يظهر فيه أيضاً ( و ) لا في أنّ ( من لا فئة له ) الخوارج ( اقتصر على تفريقهم فلا يذفّف ) بالذال المعجمة وبالمهملة ، وفي اخرى من ذفّ يذفّ من باب قتل : إذا جهز عليه ، أي لا يسرع ( على جريحهم )

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٨٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١١٤ / ٣٣٥ ، الوسائل ١٥ : ٢٨ أبواب جهاد العدو ب ٥ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الحجرات : ٩.

(٤) المنتهى ٢ : ٩٨٤.

(٥) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٥ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٤٥٥ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٤٢.

٢٧

في القتل ( ولا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ).

وفي ظاهر المنتهى الإجماع على هذا التفصيل منّا ، ونفي الخلاف عن الحكم فيمن لا فئة له بين العلماء (١).

والأصل في المقامين بعد الإجماع أخبارنا.

منها : عن طائفتين إحداهما باغية والأُخرى عادلة ، فهزمت العادلة الباغية ، قال : « ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبراً ، ولا يقتلوا أسيراً ، ولا يجهزوا على جريح ، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها فإنّ أسيرهم يقتل ومدبرهم يتبع وجريحهم يُجاز عليه » (٢).

ومنها : عمّن شهد حروب علي عليه‌السلام قال : لمّا هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا تتّبعوا مولِّيا ولا تُجيزوا على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن » فلمّا كان الصفين قتل المقبل والمدبر وأجاز على الجريح ، فقال له أبان بن تغلب : هذه سيرتان مختلفتان [ فقال : ] إنّ أهل الجمل قتل طلحة والزبير ، وإنّ معاوية كان قائماً بعينه وكان قائدهم » (٣).

ونحوه رواية أُخرى مرويّة في الوسائل عن تحف العقول (٤).

وقصور الأسانيد وضعفها مجبور بالشهرة بين أصحابنا ، مضافاً إلى الإجماع عليه كما عرفته من المنتهى.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٨٧.

(٢) الكافي ٥ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٤ / ٢٤٦ ، الوسائل ١٥ : ٧٣ أبواب جهاد العدو ب ٢٤ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٣ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٥٥ / ٢٧٦ ، الوسائل ١٥ : ٧٤ أبواب جهاد العدو ب ٢٤ ح ٣.

(٤) تحف العقول : ٣٥٩ ، الوسائل ١٥ : ٧٥ أبواب جهاد العدو ب ٢٤ ح ٤.

٢٨

واعلم أنّ قوله : ( ولا يسترقّ ذريتهم ولا نساؤهم ) لا تعلّق له بمن لا فئة له خاصة ، بل يعمّ الفريقين كما صرّح به جماعة (١) ، من غير خلاف بينهم أجده ، وفي صريح الشرائع والسرائر الإجماع عليه (٢) ، لكن في الروضة عزاه إلى المشهور (٣) مؤذناً بوجود خلاف فيه ، كما صرّح به أخيراً وفاقاً للدروس (٤) ، لكن عزاه إلى الشذوذ معربين عن الإجماع أيضاً (٥).

والمخالف غير معروف ولا منقول ، إلاّ في المختلف ، فنقل فيه عن العماني بعد اختياره المنع ، قال : وقال بعض الشيعة : إنّ الإمام في أهل البغي بالخيار ، إن شاء منَّ عليهم وإن شاء سباهم.

قال : واحتجّوا بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام للخوارج ، لمّا سألوه عن المسائل التي اعتلّوا بها ، فقال لهم : « أمّا قولكم إنّي يوم الجمل أحللت لكم الدماء والأموال ومنعتكم النساء والذرية ، فإنّي مننت على أهل البصرة ، كما مَنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل مكة » [ قالوا : فأخبر بأنه لم يسبهم ، لأنه منّ عليهم كما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أهل مكّة (٦) ] ولو شاء لسباهم كما لو شاء النبي أن يسبي نساء أهل مكة (٧).

أقول : وظاهر عبارته المزبورة أنّ القائل غير واحد من الشيعة ، وهو‌

__________________

(١) منهم : الشيخ في النهاية : ٢٩٧ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٤٥٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٥٧٤.

(٢) الشرائع ١ : ٣٢٧ ، السرائر ٢ : ١٦.

(٣) الروضة ٢ : ٤٠٨.

(٤) الدورس ٢ : ٤٢.

(٥) الروضة ٢ : ٤٠٩.

(٦) أضفناه من المصدر.

(٧) المختلف : ٣٣٧.

٢٩

أيضاً ظاهر جملة من الأخبار مستفيضة ، غير الرواية المزبورة ، مروية في التهذيب وغيره.

منها : « سيرة علي عليه‌السلام في أهل بصرة كانت خيراً لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس ، إنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته » قلت : فأخبرني عن القائم عليه‌السلام ، أيسير بسيرته قال : « إنّ علياً عليه‌السلام سار فيهم بالمنّ لمّا علم من دولتهم ، وأنّ القائم عليه‌السلام يسير فيهم خلاف تلك السيرة ، لأنّه لا دولة لهم » (١).

ومنها : أيسير القائم عليه‌السلام بخلاف سيرة علي عليه‌السلام؟ قال : « نعم ، وذلك إنّ عليّاً عليه‌السلام [ سار ] بالمنّ والكف ، لأنه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم ، وإنّ القائم عليه‌السلام إذا قام سار فيهم بالسيف والسبى ، وذلك أنه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبداً » (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الّتي سيأتي إلى بعضها الإشارة. ولو لا إعراض الأصحاب عنها ونقلهم الإجماع على خلافها ، مع ضعف أسانيدها جملة ، لكان المصير إليها متّجهاً.

( ولا تؤخذ أموالهم ) أي البغاة مطلقاً كانت لهم فئة أم لا ، بلا خلاف في الأموال ( التي ليست في العسكر ) بل عليه الإجماع في التحرير والمنتهى والمسالك والروضة (٣) وغيرها (٤) ؛ وهو الحجة فيه ، دون عموم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٣ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٥٥ / ٢٧٥ ، الوسائل ١٥ : ٧٦ أبواب جهاد العدو ب ٢٥ ح ١ ، ورواه في علل الشرائع : ١٤٩ / ٩ ، والمحاسن : ٣٢٠ / ٥٥.

(٢) التهذيب ٦ : ١٥٤ / ٢٧١ ، علل الشرائع : ٢١٠ / ١ ، الوسائل ١٥ : ٧٧ أبواب جهاد العدو ب ٢٥ ح ٣.

(٣) التحرير ١ : ١٥٦ ، المنتهى ٢ : ٩٨٨ ، المسالك ١ : ١٦٠ ، الروضة ٢ : ٤٠٨.

(٤) كالخلاف ٥ : ٣٤٦.

٣٠

النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآتي : « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب من نفسه » (١) لابتنائه على القول بإسلام البغاة ، وهو منظور فيه ، فإنّ الإسلام الحقيقي ما يحقن به الدماء ، ويردّ به الأمانات ، ويردّ به الأمانات ، كما في الأخبار المعتبرة ، وهؤلاء غير محقوني الدم إجماعاً ، ولذا وجب قتالهم.

وظاهر جملة من الأخبار العامية والخاصية كفرهم ، كما عليه أصحابنا فيما حكاه الشيخ (٢) وغيره (٣) ، لكن قال : ظاهرهم الإسلام.

وكيف كان ، فبعد الإجماع الظاهر والمحكي لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه.

ومنه يستفاد تحريم أموال سائر فرق الإسلام وإن حكم بكفرهم ، كما صرّح به شيخنا في المسالك ، قال : لأنّ هذا الوصف ثابت في البغاة وزيادة ، مضافاً إلى ما دلّ عليه من الكتاب والسنة (٤).

أقول : وهذه الزيادة ما عرفته ، مضافاً إلى أنّ المستفاد من بعض المعتبرة خلافه ، وفيه : « خذ مال الناصب حيثما وجدته ، وارفع إلينا الخمس » (٥) فالاكتفاء بالاستناد إلى الإجماع وفحواه أولى. ويحتمل أن يكون أراد بالزيادة تأييداً.

( وهل يؤخذ ) من أموالهم ( ما حواه العسكر ممّا ينقل فيه قولان ) مشهوران ( أظهرهما الجواز ) وفاقاً لأكثر الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٦) ، بل في ظاهر الغنية وعن صريح‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٨ ، مسند أحمد ٥ : ٧٢.

(٢) الخلاف ٥ : ٣٣٥ ، المبسوط ٧ : ٢٦٤.

(٣) انظر كنز العرفان ١ : ٣٨٦.

(٤) المسالك ١ : ١٦٠.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٥٠ ، الوسائل ٩ : ٤٨٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٦.

(٦) كالمهذَّب ١ : ٢٩٨ ، والتنقيح الرائع ١ : ٥٧٣.

٣١

الخلاف الإجماع عليه (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الأصل والأخبار والمستفيضة.

منها : زيادة على ما سيأتي إليه الإشارة مرسلة العماني المتقدمة مستنداً لجماعة من الشيعة في المسألة السابقة (٢) ، والمرسلة الأُخرى المروية هي كالسابقة عنه في المختلف ، وفيها : إنّ رجلاً من عبد القيس قام يوم الجمل ، فقال : يا أمير المؤمنين ما عدلت حيث قسمت بيننا أموالهم ، ولا تقسم بيننا نساءهم ولا أبناءهم ، فقال له : « إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيف ، وذلك أنّ دار الهجرة حُرّمت ما فيها ، وأنّ دار الشرك أُحلّت ما فيها ، فأيّكم يأخذ امّه في سهمه؟ » (٣) الحديث.

ونحوهما المرسلة الآتية (٤).

والضعف بالإرسال مجبور بالشهرة بين الأصحاب معتضدة بالأصل ، وفحوى ما مرّ من الأخبار بجواز قتلهم وسبيهم ، فأخذ أموالهم أولى.

خلافاً للمرتضى والحلّي (٥) ، والفاضل في جملة من كتبه (٦) ، لكنّه رجع عنه إلى المختار في المختلف (٧) ، والشهيد في الدروس واللمعة (٨) ، لكن وافق المختار في خمس الدروس (٩) ، فمنعا عنه ؛ للنبوي « المسلم أخو‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤ ، الخلاف ٥ : ٣٤٦.

(٢) راجع ص : ٣٥٧٥.

(٣) المختلف : ٣٣٧ ، المستدرك ١١ : ٦١ أبواب جهاد العدو ب ٢٤ ح ١٠.

(٤) في ص : ٣٥٨٠.

(٥) المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٥ ، الحلي في السرائر ٢ : ١٩.

(٦) كالمنتهى ٢ : ٩٨٨ ، والتحرير ١ : ١٥٦ ، والقواعد ١ : ١١٨.

(٧) المختلف : ٣٣٧.

(٨) الدروس ٢ : ٤٢ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٤٠٨.

(٩) الدروس ١ : ٢٥٨.

٣٢

المسلم لا يحلّ دمه ولا ماله إلاّ بطيبة من نفسه » (١).

وسيرةِ علي عليه‌السلام في أهل البصرة ، فإنّه أمر بردّ أموالهم ، فأُخذت حتى القدر كفاها صاحبها ، ولم يصبر على أربابها.

وفي الأول : ما مرّ. ولو سلّم فيخصص بما سبق.

وفي الثاني : بأنه لنا لا علينا ، إذ لولا جوازه لما فعله أوّلاً. وظاهر الحال وفحوى ما عرفت من الأخبار أنّ ردّها بطريق المنّ لا الاستحقاق ، كما مَنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كثير من المشركين ، كما صرّح به شيخنا في المسالك والروضة (٢).

والمبسوط ، ففصّل بين من لم يرجع إلى الحق وإلى طاعة الإمام فالأول ، ومن رجع إلى طاعة الإمام فالثاني (٣).

واستوجهه في المهذب البارع شرح الكتاب فقال : هو الوجه استناداً إلى فعل علي عليه‌السلام ، فإنه لم يقسّم أموال البصرة حيث يرجعوا إلى طاعته ، وقسّم ما غنموه إلى أهل الشام ، وكل ما ورد من منع القسمة فإنّه في واقعة البصرة (٤). ونحوهما الشهيد في الدروس (٥) ، بل ظاهره انحصار الخلاف في الأول ، حيث أفتى في الثاني بالمنع من غير نقل خلاف ، ثم نقل الخلاف في الأول.

وفيه نظر ، فإنّه ظاهر كلمة الأصحاب المجوّزين والمانعين الإطلاق‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٨ ، مسند أحمد ٥ : ٧٢ بتفاوت يسير.

(٢) المسالك ١ : ١٦٠ ، الروضة ٢ : ٤٠٨.

(٣) المبسوط ٧ : ٢٦٦.

(٤) المهذب البارع ٢ : ٣٠٢.

(٥) الدورس ٢ : ٤٢.

٣٣

من غير تفصيل ، وفي المختلف (١) اختصاصه بالمبسوط.

وكيف كان ، فالمختار الأول ؛ لما مرّ مضافاً إلى مرسل آخر مرويّ في المبسوط فقال : وروى أصحابنا أنّ ما يحويه العسكر من الأموال فإنّه يغنم (٢). وظاهره الإطباق على روايته.

وهو مطلق كسابقيه لا وجه لتقييده بعد روايتها بقوله : هذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام ، وأمّا إن رجعوا إلى طاعته فهو أحقّ بأموالهم (٣).

وعدم قسمة علي عليه‌السلام أموال أهل البصرة لعلّة بطريق المنّ ، كما عرفته.

ويدلّ عليه رواية صريحة ، وفيها : إنّ الناس يروون أنّ عليّاً عليه‌السلام قتل أهل البصرة وترك أموالهم ، فقال : « إنّ دار الشرك يحلّ ما فيها » فقال : « إنّ عليّاً عليه‌السلام إنّما مَنّ عليهم فأراد أن يُفتدى به في شيعته ، فقد رأيتم آثار ذلك ، هو ذا يسار في الناس بسيرة علي عليه‌السلام ، ولو قتل علي عليه‌السلام أهل البصرة جميعاً وأخذ أموالهم [ لكان ذلك له حلالاً (٤) ] لكنّه مَنّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده » (٥).

وقريب منها آخر : « لولا أنّ عليّاً عليه‌السلام سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي والغنيمة ، للَقِيَتْ شيعته من الناس بلاءً عظيماً » قال : « والله لسيرته كانت خيراً لكم ممّا طلعت عليه الشمس » (٦).

__________________

(١) المختلف : ٣٣٧.

(٢) المبسوط ٧ : ٢٦٦.

(٣) المبسوط ٧ : ٢٦٦.

(٤) في النسخ : لكان في ذلك إجلال ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) علل الشرائع : ١٥٤ / ١ ، الوسائل ١٥ : ٧٩ أبواب جهاد العدو ب ٢٥ ح ٦.

(٦) علل الشرائع : ١٥٠ / ١٠ ، الوسائل ١٥ : ٧٩ أبواب جهاد العدو ب ٢٥ ح ٨.

٣٤

وحيث قلنا بالجواز ( تقسم كما تقسم أموال أهل الحرب ) من المشركين بغير خلاف.

( الثاني : أهل الكتاب ) بالكتاب والسنة والإجماع.

وهم اليهود والنصارى ، لهم التوراة والإنجيل. فهو لا يطلب منهم إلاّ أحد الأمرين : إمّا الإسلام ، أو الجزية. فإن أسلموا فلا بحث ، وإن امتنعوا وبذلوا الجزية أُخذت منهم وأقرّوا على دينهم ، بلا خلاف ظاهراً. وصرّح به في المختلف والمنتهى مؤذناً بكونه مجمعاً عليه بين العلماء (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الكتاب والسنة.

قال الله تعالى سبحانه ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٢).

وفي الخبر المتقدّم المتضمن لأنّ الله تعالى بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة سيوف ، وعدّ من الثلاثة الشاهرة منها هذا ، فقال : والثاني يعني من السيوف الثلاثة على أهل الذمة ، قال الله سبحانه ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ساق الآية إلى أن قال : فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل (٣).

وفي آخر : « القتال قتالان ؛ قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتّى يسلموا ويؤدوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون » (٤).

__________________

(١) المختلف : ٣٣٣ ، المنتهى ٢ : ٩٠٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) راجع ص : ٣٥٦٩.

(٤) التهذيب ٤ : ١١٤ / ٣٣٥ ، الوسائل ١٥ : ٢٨ أبواب جهاد العدو ب ٥ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

٣٥

ويلحق بهم المجوس الذين لهم شبهة الكتاب في ذلك بلا خلاف ظاهر من عد العماني (١).

وصرّح به في المنتهى أيضاً مؤذناً بكونه إجماعياً بين العلماء أيضاً ؛ مستدلاً بالنبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سنّوا بهم سنة أهل الكتاب » (٢) وهو مرويّ في الفقيه ومجالس الشيخ كما حكي مرسلاً في الأوّل (٣) وبسند غير نقيّ في الثاني (٤) ، لكنّه مشهور بين الخاصّة والعامة ، بل قيل (٥) : متّفق عليه بينهم.

ويدلّ عليه مضافاً إليه صريح النصوص.

منها : عن المجوس كان لهم نبيّ؟ فقال : « نعم ، أما بلغك كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهل مكة : أسلموا وإلاّ نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن خُذْ منّا الجزية ، ودعنا على عبادة الأوثان. فكتب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب. فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه ـ : زعمتَ أنك لا تأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ، ثم أخذت من مجوس هجر (٦) ، فكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم : إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه ، وكتاب فأحرقوه. أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور » (٧).

__________________

(١) راجع المختلف : ٣٣٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٠٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩ / ١٠٥ ، الوسائل ١٥ : ١٢٧ أبواب جهاد العدو ب ٤٩ ح ٥.

(٤) مجالس الشيخ : ٣٧٥ ، الوسائل ١٥ : ١٢٨ أبواب جهاد العدو ب ٤٩ ح ٩.

(٥) لم نعثر عليه.

(٦) هَجَر : مدينة وهي قاعدة البحرين ، وقيل ناحية البحرين كلها هجرُ وهو الصواب ، وقيل : هجر قرية قرب المدينة. معجم البلدان ٥ : ٣٩٣.

(٧) الكافي ٣ : ٥٦٧ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١١٣ / ٣٣٢ ، الوسائل ١٥ : ١٢٦ أبواب جهاد العدو ب ٤٩ ح ١.

٣٦

ومنها : [ كيف ] يؤخذ الجزية عن المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال : « بلى قد أنزل الله تعالى عليهم كتاباً وبعث إليهم نبيّاً » (١).

ومنها : « إنّما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والدّيات لأنّهم كان لهم فيما مضى كتاب » (٢).

وقريب منها رواية أُخرى : عن المجوس ، فقال : « كان لهم نبيّ قتلوه ، وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيّهم في اثني عشر ألف جلد ثور. وكان يقال له : جاماست » (٣).

وظاهر هذه الأخبار أنّهم من أهل الكتاب ، كما صرّح جملة من الأصحاب (٤) ، لا أنهم ملحقون بهم.

( والبحث ) هنا يقع في أُمور ثلاثة.

( فيمن تؤخذ الجزية منه ، وكمّيتها ، وشرائط الذّمة )

( وهي ) أي الجزية ( تؤخذ من اليهود والنصارى ) اتّفاقاً فتوًى ونصّاً كتاباً وسنةً مستفيضة ، كما عرفتها.

( وممّن له شبهة الكتاب ، وهم المجوس ) كما هو الأشهر الأقوى ، بل لا خلاف فيه صريحاً إلاّ من العماني ، فألحقهم في ظاهر كلامه بسائر‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٨٠ / ١ ، الوسائل ١٥ : ١٢٨ أبواب جهاد العدو ب ٤٩ ح ٧ ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) المقنعة : ٢٧٠ ، الوسائل ١٥ : ١٢٨ أبواب جهاد العدو ب ٤٩ ح ٨.

(٣) التهذيب ٦ : ١٧٥ / ٣٥٠ ، الوسائل ١٥ : ١٢٧ أبواب جهاد العدو ب ٤٩ ح ٣.

(٤) منهم : ابن زهرة في الغنية : ٥٨٤ ، والحلبي في الكافي في الفقه : ٢٤٩ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٢ : ٣٨٨.

٣٧

أصناف الكفار (١). وهو مع عدم صراحة كلامه في المخالفة ضعيف (٢) بلا شبهة.

( و ) يستفاد منها جواز أخذها ، وقد اتّفقت الأدلّة في الدلالة على أن ( يقاتل هؤلاء كما يقاتل أهل الحرب حتى ) يسلموا أو ( ينقادوا لشرائط الذمة ، فهناك ) أي بعد ما انقادوا لشرائطها ( يقرّون على معتقدهم ).

( ولا تؤخذ الجزية من الصبيان والمجانين والنساء والبُله ) بضم الباء الموحدة وسكون اللام : جمع أبله ، أي الذي لا عقل له ، فيدخل في المجانين ، ولذا لم يذكره كثير. أو الذي ضعف عقله ، ولعلّه المراد من المعتوه الوارد في النص. وعبّر بعض (٣) بدله بالسفيه.

كلّ ذلك للنص : عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن؟ قال : فقال : « لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلاّ أن يقاتلن ، فإن قاتلن أيضاً فأمسك عنها مهما أمكنك ولم تخف خللاً. فلمّا نهى عن قتلهنّ في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى. ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها [ فلمّا لم يمكن قتلها ] رفعت الجزية عنها. ولو امتنع الرجال أن يؤدّوا الجزية كانوا ناقضين للعهد ، وحلّت دماؤهم وقتلهم ، لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك. وكذلك المُقعد من أهل الذمة ، والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب ، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية » (٤).

__________________

(١) كما حكاه عنه في المختلف : ٣٣٣.

(٢) في « ق » : شاذّ.

(٣) كابن حمزة في الوسيلة : ٢٠٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٦ / ٢٧٧ ، الوسائل ١٥ :

٣٨

وضعف السند مجبور بفتوى عامّة العلماء ، كما في المنتهى في الصبيان والنساء ، وفيه : الإجماع مطلقاً في المجانين مطبقاً (١). هذا مضافاً إلى نصوص أُخر عامية وخاصيةٍ في بعضها.

ففي الخبر : « لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله » (٢).

( و ) يُستفاد من الرواية الأُولى سقوطها عن ( الهِمّ ) ، أي الكبير الفاني ، والمقعد والأعمى ، كما عن الإسكافي (٣). ووافقه الماتن هنا في الأول بقوله : ( على الأظهر ) وكذا الفاضل في القواعد فيه ، خلافاً له فيه في الأخيرين (٤) ، وفي التحرير والمختلف في الجميع ، فقال بعدم السقوط تبعاً لما حكاه عن الشيخ والقاضي ابن البراج وابن حمزة. قال : لعموم الكتاب ، ولأنّها وضعت للصغار والإهانة ، وهو مناسب للكفر الثابت في هؤلاء ، فيجب وضعها عليهم عملاً بالمقتضي. وأجاب عن الرواية بضعف راويها مع معارضتها لعموم القرآن (٥).

وظاهر الماتن في الشرائع والشهيد في الدروس وغيرهما من المتأخرين التردّد فيه (٦). ولعلّه في محله وإن قوي دليل المنع عن السقوط ؛

__________________

٦٤ أبواب جهاد العدو ب ١٨ ح ١ ، ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(١) المنتهى ٢ : ٩٦٣ ، ٩٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨ / ١٠١ ، التهذيب ٤ : ١١٤ / ٣٣٤ ، الوسائل ١٥ : ١٣١ أبواب جهاد العدو ب ٥١ ح ١.

(٣) على ما حكاه عنه في المختلف : ٣٣٥.

(٤) القواعد ١ : ١١٢.

(٥) التحرير ١ : ١٤٩ ، المختلف : ٣٣٥.

(٦) الشرائع ١ : ٣٢٧ ، الدروس ٢ : ٣٤ ؛ وأُنظر التنقيح الرائع ١ : ٥٧٥.

٣٩

لابتنائه على ضعف سند النص. وربما يجبر بموافقته الأصل وفتوى الأصحاب بمجلة ما فيه ولو في غير ما نحن فيه.

وفي المسالك : وفصّل بعضهم بأنه إن كان ذا رأي وقتال أُخذت منه ، وإلاّ فلا. والأقوى الوجوب مطلقاً للعموم (١).

وفي سقوط الجزية عن المملوك أم العدم قولان :

المشهور كما في المنتهى والمختلف (٢) الأول ؛ للنبوي : « لا جزية على العبد » (٣) وأنّ العبد مال فلا تؤخذ منه كغيره من الحيوان » وبه أفتى في القواعد والمختلف والمسالك ، بناءً على أنه لا يقدر على شي‌ء (٤).

خلافاً لظاهر الصدوق في الفقيه ، وصريحه في المقنع كما حكي ، فالثاني (٥) ، ووافقه في التحرير (٦) ؛ للمرتضوي العامّي (٧) والباقري الخاصّي (٨) ، وفيهما : أنها تؤخذ من سيّده ، كما أفتيا به.

وظاهر المنتهى والدروس وغيرهما التردّد فيه (٩).

ولعلّه في محله ، إلاّ أنّ مقتضي الأصل حينئذٍ المصير إلى الأوّل ، وإن كان الأحوط الأخذ بالثاني.

( ومن بلغ منهم ) أي من الصبيان ( أُمر بالإسلام أو التزام الشرائط ،

__________________

(١) المسالك ١ : ١٥٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٦٥ ، المختلف : ٣٣٤.

(٣) المغني لابن قدامة ١٠ : ٥٨٧.

(٤) القواعد ١ : ١١٢ ، المختلف : ٣٣٤ ، المسالك ١ : ١٥٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٩ ، المقنع : ١٦٠.

(٦) التحرير ١ : ١٤٩.

(٧) المغني لابن قدامة ١٠ : ٥٨٨.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٩ / ١٠٦ ، الوسائل ١٥ : ١٢٨ أبواب جهاد العدو ب ٤٩ ح ٦.

(٩) المنتهى ٢ : ٩٦٥ ، الدروس ٢ : ٣٤ ؛ وأُنظر الشرائع ١ : ٣٢٧.

٤٠