رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

في الغنية إجماعنا (١).

ولأنّ التبرّي الإجمالي يتناول كل عيب فيدخل تحته الجزئيات.

ولتبايعهما على شرط التبرّي من كل عيب ، فيثبت لهما ما شرطاه ؛ لعموم قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

ولإطلاق المعتبرين ، في أحدهما : « أيّما رجل اشترى شيئاً فيه عيب أو عوار ولم يتبرّأ إليه منه ولم يبيّن له ، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً وعلم بذلك العيب وبذلك العوار ، أنه يمضي عليه البيع ويردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به » (٣).

وضعف سنده بموسى بن بكر على الأشهر مجبور بعمل الأكثر ، وبرواية فضالة المجمع على تصحيح ما يصح عنه.

وفي الثاني : « المتاع بياع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي ؛ فإذا نادى عليه تبرّأ من كل عيب فيه ؛ فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلاّ نقده الثمن فربما زهده ، فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوباً أنّه لا يعلم بها ، فيقول له المنادي : قد تبرّأت منها : فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ، أيصدّق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن؟ فكتب : « عليه الثمن » (٤) فتأمّل.

خلافاً للمحكي عن الإسكافي والقاضي (٥) ، فلا يكفي التبرّي إجمالاً ؛

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٢) عوالي اللئلئ ٢ : ٢٥٧ / ٧ ، وفي الوسائل ١٨ : ١٦ أبواب الخيار ب ٦ : المسلمون عند شروطهم.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٦٠ / ٢٥٧ ، الوسائل ١٨ : ٣٠ أبواب الخيار ب ١٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٦٦ / ٢٨٥ ، الوسائل ١٨ : ١١١ أبواب أحكام العيوب ب ٨ ح ١.

(٥) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٧١ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٩٢.

٣٨١

للجهالة. والمناقشة فيها بعد ما عرفت واضحة.

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين علم البائع والمشتري بالعيوب وجهلهما والتفريق ، ولا بين الحيوان وغيره ، ولا بين العيوب الباطنة و [ الظاهرة (١) ] وعليه الإجماع في صريح الخلاف والغنية وظاهر المسالك (٢).

ولا بين الموجودة حالة العقد والمتجدّدة بعده حيث تكون على البائع مضمونة ، وعليه الإجماع في التذكرة (٣) ؛ وهو الحجة أيضاً مضافاً إلى العمومات ، وأنّ الخيار بها ثابت بأصل العقد وإن كان السبب حينئذٍ غير مضمون ، فلا يرد كون البراءة ممّا لا يجب ، مع أنّه لا دليل على المنع عنها كلّية ولو في نحو المسألة ، فتأمّل.

( وبالعلم به ) ممّن لولاه لثبت الخيار له ( قبل العقد )

( وبالرضا ) منه به ( بعده ) وأولى منه التصريح بإسقاطه.

بلا خلاف فيهما وفي السقوط بتأخير الردّ مع العلم بالعيب كما في الغنية (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً في الأوّلين إلى الأصل ، واختصاص المثبت لهذا الخيار من النص والإجماع بغير محلّ الفرض ، ومفهوم أوّل المعتبرين (٥) في الأوّل.

إلاّ أنّ ظاهر أصحابنا المتأخّرين كافّة الخلاف في الثالث ، فنفوا‌

__________________

(١) في النسخ : الحادثة ، وما أثبتناه أنسب.

(٢) الخلاف ٣ : ١٢٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، المسالك ١ : ١٩٣.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٥.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٥) راجع ص : ٣٩١٨.

٣٨٢

الفوريّة عن هذا الخيار من غير خلاف يعرف ، كما صرّح به جماعة (١) ، بل ربما احتمله بعضهم إجماعاً (٢).

وهو أقرب ؛ للاستصحاب ، وإطلاق النصوص ، وخصوص بعضها كما (٣) قيل. وحكاية الإجماع في الغنية (٤) بمصير كافّة المتأخّرين إلى خلافه موهونة.

( وبحدوث عيب عنده ) مضمون عليه ، سواء كان حدوثه من جهته أم لا. واحترزنا بالقيد عمّا لو كان حيواناً وحدث العيب فيه في الثلاثة من غير جهة المشتري ، فإنّه حينئذٍ لا يمنع من الردّ ولا الأرض ؛ لأنّه مضمون على البائع.

ولو رضي البائع بردّه مجبوراً بالأرض أو غير مجبور جاز.

وفي حكمه ما لو اشترى صفقةً متعدّداً فظهر فيه عيب فتلف أحدهما ، أو اشترى اثنان صفقةً وامتنع أحدهما من الردّ فإنّ الآخر يُمنع منه وله الأرش وإن أسقطه الآخر ، سواء اتّحدث العين أم تعدّدت ، اقتسماها أم لا ؛ لما مرّ من الأصل ، واختصاص المثبت لهذا الخيار من الإجماع والنص بغير محلّ الفرض ؛ مضافاً إلى حديث نفي الضرر ، مع أنّه لا خلاف في ذلك سوى الأخير ، كما يأتي (٥).

( وبإحداثه في المبيع حدثاً ) يعدّ في العرف تصرّفاً ( كركوب

__________________

(١) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤٣٦ ، والسبزواري في كفاية الأحكام : ٩٤ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ١١٧.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٩٦.

(٣) كفاية الأحكام : ٩٤.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٥) في ص : ٣٩٢٣.

٣٨٣

الدابة ) ولو في طريق الردّ ، ونعلها ، وحلب ما يحلب ، ولبس الثوب وقصارته ، وسكنى الدار ، ونحو ذلك ممّا يعدّ تصرّفاً.

وينبغي تقييده بعدم قصد الاختبار ونحوه ممّا دلّ على عدم الرضاء بالعقد وإمضائه ، كما مضى في بحث الخيار (١).

والأصل فيه بعد ما مرّ ثمة وعدم الخلاف فيه أوّل المعتبرين المتقدّمين (٢) ، والمرسل كالصحيح المتقدّم (٣) ، لكنّه في الجملة ، كالصحاح المستفيضة الآتية في وطء الأمة (٤).

( و ) إطلاقها يشمل ( التصرّف الناقل ) كالبيع ونحوه وغيره ، والمغيّر للعين وغيره ، عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أم لا.

( و ) لا فرق فيه بين ما ( لو كان قبل العلم بالعيب ) أو بعده.

خلافاً للمحكي عن الطوسي في التصرف قبل العلم ، فلم يسقط به الخيار (٥) ؛ للأصل. ويندفع بما مرّ.

وللخبر الأوّل ، حيث جعل فيه العلم بالعيب قبل الحدث شرطاً لمضيّ البيع عليه به.

وفيه نظر ؛ لتوقّفه على اشتراط سبقه على الحدث في سقوط الخيار به. وليس بمعلوم ، فيحتمل أنّ المراد أنّه لو أحدث فيه شيئاً ثم علم به لم يكن له الخيار ، لا أنّ الحدث إذا كان بعد العلم ينفي الخيار فيستدلّ بمفهومه على أنّ الحدث قبله لا ينفيه ، فتدبّر.

__________________

(١) راجع ص : ٣٨٥٣.

(٢) في ص : ٣٩١٨.

(٣) في ص : ٣٩١٧.

(٤) في ص : ٣٩٢٤.

(٥) حكاه عنه في الدروس ٣ : ٢٨٣.

٣٨٤

ثم كلّ ذا في سقوط الردّ خاصّة بالخمسة ، ( وأمّا الأرش فيسقط بالثلاثة الأُول ) خاصّة ، بلا خلاف ( دون الأخيرين ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في الغنية (١) ؛ استناداً إلى ما مرّ في الأوّل ، وإلى استصحاب بقاء الأرش مع عدم المانع عنه من الرضا بالعيب وغيره في الثاني.

خلافاً لابن حمزة في الثاني من الثاني ، وهو التصرّف إذا كان بعد العلم بالعيب ، فأسقط به الأرش أيضاً ؛ تمسّكاً بدلالته على الرضا بالعيب (٢).

وهو كما ترى ، مع أنّ ما مضى من الأصل حجة عليه قطعاً. مضافاً إلى عموم النصوص بأخذ الأرش بالتصرّف ، مع دون تقييد له بالواقع قبل العلم بالعيب (٣).

( ويجوز بيع المعيب وإن لم يذكر عيبه ) مع عدم الغش ، بلا خلاف في الظاهر ؛ للأصل ، وفقد المانع ، لاندفاع الضرر بالخيار والأرش.

( و ) لكن ( ذكره مفصّلاً أفضل ) تبعيداً عن احتمال الغشّ المنهي عنه ، واحتمال الضرر بغفلة المشتري عن العيب حال البيع أو بعده.

( ولو ابتاع شيئين فصاعداً صفقة ) واحدة ( فظهر العيب في البعض فليس له ردّ المعيب منفرداً و ) لكن ( له ردّ الجميع ، أو ) أخذ ( الأرش ) خاصّة ، بلا خلاف يظهر ، بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية (٤) ؛ لما مرّ ، ومنه حصول الضرر بتبعيض الصفقة الذي يُعدّ ضرراً‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٢) الوسيلة : ٢٥٧.

(٣) الوسائل ١٨ : ١٠٢ أبواب أحكام العيوب ب ٤.

(٤) الخلاف ١ : ٥٦٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٩٠.

٣٨٥

عرفاً وعادةً.

( و ) كذا ( لو اشترى اثنان ) مثلاً ( شيئاً ) مطلقاً من بائع كذلك في عقد واحد و ( صفقة ) واحدة ( فلهما الردّ ) معا ( بالعيب ، أو ) أخذ ( الأرش وليس لأحدهما الانفراد بالردّ ) دون الأرش ( على الأظهر ) الأشهر ، وفاقاً للشيخين والحلبي والقاضي والديلمي وابن حمزة (١) ؛ لما مرّ إليه الإشارة من الأصل ، واختصاص المثبت لهذا الخيار من الإجماع والنص بحكم الخلاف والتبادر بغير محلّ الفرض ، والضرر بتبعيض الصفقة.

مضافاً إلى الضرر بالشركة فيما لو حدث عيب بالبعض بعد الصفقة فإنّه يمنع من الردّ بالإضافة إليه ، فانفراد الآخر بالردّ يوجب الشركة بين البائع والمشتري الآخر.

خلافاً للإسكافي والحلّي والقول الثاني للطوسي والقاضي (٢) ، فجوّزوا التفريق هنا ؛ للعموم ، ولجريانه مجرى عقدين بسبب تعدّد المشتري ، فإنّ التعدّد في البيع يتحقّق تارة بتعدّد البائع ، وأُخرى بتعدّد المشتري ، وثالثاً بتعدّد العقد ؛ ولأنّ عيب التبعّض جاء من قبله حيث باع من اثنين ، وهذا إنّما يتمّ مع علمه بالتعدّد.

وللتحرير وغيره (٣) ، فالتفصيل بين العلم به فالثاني ، وعدمه فالأوّل ؛ جمعاً.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦٠٠ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ١٢٧ ، الحلبي في الكافي : ٣٥٨ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٩٣ ، الديلمي في المراسم : ١٧٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٦.

(٢) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٧٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٣٤٥ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ٣٥١ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٧٤.

(٣) التحرير ١ : ٣٧٤ ؛ وانظر جامع المقاصد ٤ : ٣٣٤ ومجمع الفائدة ٨ : ٤٣٦.

٣٨٦

وفيهما نظر يظهر وجهه ممّا مرّ.

( والوطء يمنع ردّ الأمّة ) المعيبة ، بالإجماع ، والصحاح المستفيضة الآتية ، وغيرها من المعتبرة ؛ مضافاً إلى بعض ما مرّ من الأدلّة.

( إلاّ من عيب الحبل ) فله ردّها ، إمّا مطلقاً ، كما عليه أكثر أصحابنا ، بل في الانتصار والغنية عليه إجماعنا (١). أو بشرط كونه من المولى ، كما عن الإسكافي والنهاية ومحتمل ابن حمزة (٢) ، وبه صرّح في المختلف (٣).

ولا يخلو عن قوّة ؛ استناداً في جواز الردّ بل وجوبه في الصورة المزبورة إلى الإجماع ، والصحاح المستفيضة ، في عدّة منها : لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها ، وله أرش العيب ، وتردّ الحبلى ( ويردّ معها نصف عشر قيمتها ) (٤).

مضافاً إلى أنّها حينئذٍ أُمّ ولد لمولاها فاسد بيعها.

وفي العدم في غيرها إلى أصالة لزوم العقد ، والدليل المتقدّم الدالّ على عدم جواز الردّ مع التصرّف ، وإطلاق الصحاح المتقدّمة بإسقاط الوطء ردّ الأمة المعيبة ، واختصاص النصوص المتقدّمة بحكم التبادر والغلبة بصورة كون الحبل من المولى خاصّة.

ولا ينافي ذلك اشتراط عدم الردّ فيها بالوطء خاصة ؛ لوروده كالحبل مورد الغلبة ، فإنّ أظهر تصرّفات المشتري وأغلبها في الأمة الوطء بالضرورة ، فسقط بذلك حجج الأكثر.

__________________

(١) الانتصار : ٢١١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٧٣ ، النهاية : ٣٩٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٦.

(٣) المختلف : ٣٧٣.

(٤) الوسائل ١٨ : ١٠٥ أبواب أحكام العيوب ب ٥.

٣٨٧

مع منافاة مذهبهم وجوب الردّ كما هو ظاهر النصوص المزبورة ، وإلزام نصف العشر ، كما في أكثرها ، أو العشر ، كما في بعضها ؛ لمنافاتهما القاعدة ، سيّما الثاني ، فإنّ المنافع قبل الفسخ للمشتري ، وليس كذلك على المختار ، فإنّها للبائع ، لفساد البيع ، فيلزمان المشتري ؛ لمكان التصرّف مع عدم المسقط ، وعليه يجب الردّ كما مرّ.

ولا فرق في التصرّف بين الوطء وغيره ، كما صرّح به في النهاية وفي المختلف شيخنا العلاّمة (١).

وتلتئم القواعد والأخبار المختلفة في التقديرين منها ، بعضها مع بعض ، بحمل ما دلّ منها على الأوّل على الأغلب وهو الثيوبة ، والثاني على البكارة. وعليهما يحمل بعض النصوص المجملة في التقدير بشي‌ء ، كما في الخبر (٢) ، أو بكسوتها ، كما في الصحيح (٣) ، بإرادة نصف العشر أو العشر منهما فيما يناسبهما من الصورتين ، فالتأمت القواعد والنصوص ظاهراً ، ولا كذلك على المشهور جدّاً.

( وهنا مسائل : )

( الأُولى : التصرية ) وهي جمع لبن الشاة وما في حكمها في ضرعها ، بتركها بغير حلب ولا رضاع ، فيظنّ الجاهل بحالها كثرة ما يحلبه ، فيرغب في شرائها بزيادة ( تدليس ) محرّم ، وغشّ منهي عنه ، بالإجماع ، والنص المستفيض النقل (٤).

__________________

(١) النهاية : ٣٩٣ ، المختلف : ٣٧٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٥ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٣٩ / ٦٠٨ ، التهذيب ٧ : ٦٢ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٣ : ٨١ / ٢٧٥ ، الوسائل ١٨ : ١٠٦ أبواب أحكام العيوب ب ٥ ح ٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٥ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٣٩ / ٦١٠ ، التهذيب ٧ : ٦٢ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٣ : ٨١ / ٢٧٦ ، الوسائل ١٨ : ١٠٧ أبواب أحكام العيوب ب ٥ ح ٦.

(٤) انظر الوسائل ١٧ : ٢٧٩ أبواب ما يكتسب به ب ٨٦.

٣٨٨

و ( يثبت بها خيار ) للمشتري بين ( الردّ ) والإمضاء بدون أرش ؛ استناداً في الأوّل إلى الإجماعات المحكيّة في كلام جماعة (١) ، البالغة حدّ الاستفاضة ، والنصوص العامية (٢) المنجبرة به وبحديث نفي الضرر (٣). وفي الثاني إلى الأصل ، واندفاع الضرر بخيار الردّ.

وليس عيباً كما عُدّ ، فلا يثبت به أرش.

ويثبت إن لم يعترف بها البائع ولم تقم بها بيّنه باختبارها ثلاثة أيّام ، فإن اتّفقت فيها الحلبات عادةً أو زادت اللاحقة فلا تصرية ، وإن اختلفت في الثلاثة وكان بعضها ناقصاً عن الحلبة الأُولى نقصاناً خارجاً عن العادة وإن زاد بعدها في الثلاثة ثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل ، من غير تأخير ، أو مطلقاً ، على اختلاف الوجهين ، بل القولين.

ولو ثبت بالاعتراف أو البينة جاز الفسخ من حين الثبوت مدّة الثلاثة ما لم يتصرّف بغير الاختبار ، بشرط النقصان ، فلو تساوت أو زادت هبةً من الله سبحانه فالأقوى زواله. خلافاً للخلاف (٤) ، فأثبت الخيار بالتصرية وإن لم ينقص اللبن ؛ لظاهر النص.

والفرق بين مدّة التصرية وخيار الحيوان على الأوّل ظاهر ، فإنّ الخيار في ثلاثة الحيوان فيها وفي ثلاثة التصرية بعدها.

وكذا على الثاني إن قلنا بفوريّة هذا الخيار ، فيسقط بالإخلال بها دون خيار الحيوان ، وكذا إن لم نقل بها ، لجواز تعدّد الأسباب. وتظهر الفائدة‌

__________________

(١) منهم : الشيخ في الخلاف ٣ : ١٠٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٩٤ ، والروضة البهية ٣ : ٥٠١.

(٢) انظر سنن البيهقي ٥ : ٣١٨ ، ٣١٩.

(٣) المتقدم في ص : ٣٩١٧.

(٤) الخلاف ٣ : ١٠٧.

٣٨٩

فيما لو أسقط أحدهما.

( و ) كيف كان ( يردّ معها ) إن اختار ردّها لبنها الذي حلبه منها مع وجوده حين العقد ، أو بدله ، قولاً واحداً ، لأنّه جزء من المبيع. وكذا المتجدّد بعده على قول ، لإطلاق النص بالردّ الشامل له.

ويشكل بأنّه نماء المبيع الذي هو ملكه ، والعقد إنّما ينفسخ من حينه ، فالأقوى عدم لزوم ردّه ، لما ذكر ، مع ضعف النص وعدم جابر له في محلّ الفرض ، مع عدم الصراحة ، فيحتمل الفرض الأوّل. هذا إن عملنا به في الجملة ولو بمعونة العمل ، وإلاّ بأن اقتصرنا في هذا الخيار المخالف للأصل بمورد الإجماع اتّضح الجواب عنه من أصله ، وتعيّن المصير إلى ما ذكر.

ولو لم يتلف اللبن الواجب الردّ ، لكن تغيّر في ذاته أو صفته ، بأن عمل جبناً أو مخيضاً أو نحوهما ففي ردّه بالأرش إن نقص ، أو مجّاناً ، أو الانتقال إلى البدل أوجه ، أجودها وأشهرها الأوّل.

وإن تعذّر ردّه انتقل الضمان إلى ( مثل لبنها ) مع الإمكان ( أو قيمته مع التعذّر ) على الأشهر الأظهر ، وفاقاً للمفيد والقاضي والحلّي وكثير من المتأخّرين (١) ؛ عملاً بقاعدة الضمان.

( وقيل ) كما عن أحد قولي الطوسي (٢) ( ضاع من برّ ) مطلقاً ، وقوله الآخر (٣) التمر كذلك بدل البرّ ، وأفتى بهما في الغنية على التخيير ،

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٩٨ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٩٢ ، الحلي في السرائر ٢ : ٣٠٠ ؛ وانظر الشرائع ٢ : ٣٧ ، والتحرير ١ : ١٨٥ ، واللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٥٠٢.

(٢) الخلاف ٣ : ١٠٥.

(٣) المبسوط ٢ : ١٢٥.

٣٩٠

مدّعياً الإجماع عليه (١) ؛ جمعاً بين النبويين : « من اشترى شاة مصرّاة فهو بالخيار ثلاثة أيّام ، إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها وصاعاً من تمر » كما في أحدهما (٢) ، أو : « بر » كما في الثاني (٣).

وحملهما الأصحاب للضعف ، وعدم الجابر في المحلّ ، والمخالفة للقاعدة على صورة ما إذا ( تعذّر ذلك وكان ) (٤) هو القيمة السوقية. ولا بأس به ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ثم مقتضى الأصل واختصاص النص المشهور والإجماع بالشاة عدم ثبوت التصرية في نحو الناقة والبقرة والأمة.

خلافاً للأشهر ، بل المجمع عليه كما عن الشيخ (٥) في الأوّلين ، فتثبت.

وهو أظهر ؛ للإجماع المحكي ، المعتضد بفتوى الأكثر ، والعامي المروي عن الزمخشري في الفائق : « لا تُصَرِّ الإبل والغنم ، ومن اشترى مصرّاة فهو بآخر النظرين ، إن شاء ردّها وردّ معها صاعاً من تمر » وروى : « صاعاً من طعام » (٦).

ونحوه المروي عن معاني الأخبار ، وفيه زيادة على الحكم التعليل بأنّه خداع (٧).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣١٨.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣١٩.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ق » : كان ذلك.

(٥) الخلاف ٣ : ١٠٥.

(٦) الفائق ٢ : ٢٩٢ ، ٣٩٣.

(٧) معاني الأخبار : ٢٨٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٧ أبواب الخيار ب ١٣ ح ٢.

٣٩١

وهو مضافاً إلى إطلاق المصرّاة كالنص في الشمول للبقرة ، مع عدم القائل بالفرق بين الطائفة ، ومضافاً إلى حديث نفي الضرر (١) ، بناءً على أنّ المقصود الأعظم فيهما هو اللبن في الأغلب ، فتصريتهما يوجب التدليس الموجب للخيار. ولا كذلك الأمة ؛ إذ ليس المقصود الأعظم منها ذلك ، فلا ضرر في الأغلب ، فلا خيار بتصريتها عند الأكثر ، لعدم الموجب له. خلافاً للإسكافي والدروس وغيرهما (٢). والأوّل هو الأظهر.

( الثانية : الثيوبة ) في الإماء ( ليست عيباً ) مطلقاً في المشهور بين الأصحاب ؛ لأنّها فيهنّ بمنزلة الخلقة الأصلية وإن كانت عارضة ، بناءً على غلبتها فيهنّ.

خلافاً لظاهر القاضي ومستوجه الشهيد الثاني (٣) ؛ لأنّ البكارة مقتضى الطبيعة ، وفواتها نقص يحدث على الأمة ، ويؤثّر في نقصان القيمة تأثيراً بيّناً ، فيتخيّر بين الردّ والأرش ، خصوصاً في الصغيرة التي ليست محلّ الوطء ، فإنّ أصل الخلقة والغالب متطابقان في مثلها على البكارة ، فتكون فواتها عيباً.

وهو في الصغيرة لا يخلو عن قوة ، ونفى عنه البأس في التذكرة بعد أن حكاه عن بعض الشافعية (٤). إلاّ أنّ في الخروج عن مقتضى لزوم العقد الثابت بالأدلّة القاطعة فتوًى وآيةً وروايةً ، مع اعتضاده في المسألة بالشهرة‌

__________________

(١) المتقدم في ص : ٣٩١٧.

(٢) نقله عن الإسكافي في التحرير ١ : ١٨٥ ، الدروس ٣ : ٢٧٧ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ٣ : ٧٠.

(٣) القاضي في المهذب ١ : ٣٩٥ ، الشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ٥٠٠.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٩.

٣٩٢

العظيمة ، مع الشك في تسمية مثل ذلك عيباً عرفاً وعادةً (١) ، وقصور سند ما دلّ على أنّ العيب هو كلّ ما نقص عن الخلقة ، مع عدم جابر له في المسألة وعدم وضوح الدلالة نوع مناقشة.

( نعم لو شرط البكارة ) في متن العقد ( فثبت سبق الثيوبة ) بالبيّنة ، أو إقرار البائع ، أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع ، بحيث لا يمكن فيه تجدّد الثيوبة بحسب العادة ( كان له الردّ ) على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، لا لكونه عيباً ، بل لقاعدة الشرطية.

ومنه ينقدح الوجه في القول بعدم الأرش مع الإمضاء ؛ لاختصاصه بالعيب ، والواقع ليس كذلك ، بل فوات أمر زائد ، ويأتي على القول السابق ثبوته ، وربما أشعر به الموثق الآتي.

خلافاً للقاضي في الكامل (٢) ، فنفى الأمرين ، وربما يستدل له بالموثق : عن رجل باع جارية على أنّها بكر فلم يجدها على ذلك ، قال : « لا تردّ عليه ، ولا يجب عليه شي‌ء ، إنّه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها » (٣).

وهو مع الإضمار غير واضح الدلالة على ثبوت الحكم مع سبق الثيوبة ، كما هو مفروض المسألة ، بل ربما كان فيها على الخلاف وموافقة العبارة نظراً إلى التعليل نوع إشارة.

مع معارضته بالخبر : في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم‌

__________________

(١) بل في التحرير ١ : (١٨٢) : الثيوبة ليست عيباً ولا نعلم فيه خلافاً ( منه رحمه‌الله ).

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٣٧٢ والتنقيح ٢ : ٨٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٥ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٦٥ / ٢٧٩ ، الوسائل ١٨ : ١٠٨ أبواب أحكام العيوب ب ٦ ح ٢.

٣٩٣

يجدها عذراء ، قال : « يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق » (١).

لكنّه مقطوع ، وفي سنده جهالة ، وإطلاقه غير معمول به بين الطائفة من حيث إطلاق الحكم فيه بثبوت الأرش الشامل لصورة الجهل بسبق الثيوبة.

مع أنّه على تقدير العلم به لا أرش أيضاً ، كما تقدّمت إليه الإشارة ، وبه قال جماعة (٢) ؛ للأصل المتقدّم ، مع ضعف هذه الرواية بالوجوه المزبورة ، إلاّ أنّ في الدروس (٣) نسب الأرش إلى الشهرة ، وربما أشعرت به الموثقة المتقدّمة ، ولعلّه لذا توقّف فيه بعض الأجلّة (٤).

( ولو لم يثبت التقدّم فلا ردّ ) بلا خلاف ؛ للأصل ، و ( لأنّها قد تذهب بـ ) العلّة و ( النزوة ) كما في الموثقة المتقدّمة ، وهي حجّة أُخرى في المسألة ، بل ربما حكي عن بعض الأصحاب (٥) انسحاب الحكم في الصورة السابقة. ولا مستند له سوى الأصل المندفع بالقاعدة المتقدّمة إليها الإشارة ، وظاهر إطلاق صدر الموثقة المقيّد بما في ذيلها من العلّة المشعرة باختصاص الحكم بصورة الجهل بسبق الثيوبة لا مطلقاً.

( الثالثة : لا يردّ العبد ) ولا الأمة ( بالإباق الحادث عند المشتري ) بلا خلاف ؛ للأصل ، والمعتبرين ، أحدهما الصحيح : « ليس في إباق العبد‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٦ / ١٤ ، التهذيب ٧ : ٦٤ / ٢٧٨ ، الوسائل ١٨ : ١٠٨ أبواب أحكام العيوب ب ٦ ح ١.

(٢) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٧ ، الشهيدان في اللمعة والروضة البهية ٣ : ٤٩٨.

(٣) الدروس ٣ : ٢٧٦.

(٤) كالسبزواري في الكفاية : ٩٤ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٩٩.

(٥) انظر كشف الرموز ١ : ٤٨٠.

٣٩٤

عهدة » (١).

ونحوه الثاني الموثق (٢) ، لكن بزيادة : « إلاّ أن يشترط المبتاع » بحملهما عليه ، جمعاً بينهما وبين الصحيح الصريح في أنّه يردّ بالإباق عند البائع ، وفيه بعد الحكم بردّ المملوك من أحداث السنة : قال له محمد بن علي : فالإباق؟ قال : « ليس الإباق من هذا إلاّ أن يقيم بيّنة أنّه كان آبقاً عنده » (٣).

وهو المستند في قوله : ( ويردّ بـ ) الإباق ( السابق ) مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة.

وإطلاقه كالعبارة وغيرها وصريح جماعة (٤) الاكتفاء بالإباق السابق ولو مرّة.

خلافاً لبعضهم (٥) ، فقيّده بالمعتاد ولو بمرّة ثانية.

ومستنده غير واضح عدا الأصل ، والشك في تسمية الإباق مرّة عيباً عادةً.

ويندفع الأوّل بما مرّ ، والثاني بأنّ الردّ لعلّ المستند فيه هو إطلاق النص ، لا ثبوت كونه من العيب ، فإذاً الإطلاق أظهر ، وفاقاً للأكثر.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣١٢ / ٨٦٤ ، الوسائل ١٨ : ١١٤ أبواب أحكام العيوب ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٧ / ١٠٣٤ ، الوسائل ١٨ : ١١٤ أبواب أحكام العيوب ب ١٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٧ / ١٧ ، التهذيب ٧ : ٦٣ / ٢٧٣ ، الوسائل ١٨ : ٩٨ أبواب أحكام العيوب ب ٢ ح ٢.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ١٣١ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٣٠٣ ، والعلاّمة في التحرير ١ : ١٨٤.

(٥) الروضة البهيّة ٣ : ٤٩٩.

٣٩٥

( الرابعة : لو اشترى أمةً لا تحيض في ستّة أشهر فصاعداً ومثلها تحيض ، فله الردّ ) وفاقاً للنهاية والقاضي وابن حمزة (١) والمتأخّرين كافّة.

للصحيح : عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستّة أشهر وليس بها حبل ، قال : « إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب تردّ منه » (٢).

و ( لأنّ ذلك لا يكون إلاّ لعارض ) غير طبيعي فيكون عيباً خلافاً للحلّي (٣) ، فلا تردّ وهو شاذّ ، والدليلان سيّما الثاني عليه حجّة.

ومقتضاه ـ بل الأوّل أيضاً كما قيل (٤) ، ولعلّه غير بعيد ـ أنّه لا يعتبر في ثبوت عيب الحيض مضيّ ستّة أشهر ، كما في العبارة وعبارة جماعة (٥) ، بل يثبت بمضيّ مدّة تحيض فيها ذوات أسنانها في تلك البلاد.

ومنه ينقدح الوجه فيما ذكره بعض الأصحاب (٦) من أنّ عدم تحيّض الحديثة البلوغ في المدّة المزبورة ليس عيباً يوجب الردّ بالبديهة ، فإنّ أمثالها لم تحضن فيها غالباً في العادة ، ويمكن أن ينزّل على ذلك عبارة المتن والجماعة.

__________________

(١) النهاية : ٣٩٥ ، حكاه عن القاضي في المختلف : ٣٧٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ٢٨٥ / ١٣٥٧ ، التهذيب ٧ : ٦٥ / ٢٨١ ، الوسائل ١٨ : ١٠١ أبواب أحكام العيوب ب ٣ ح ١.

(٣) السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ٨٢.

(٥) منهم : الشيخ في النهاية : ٣٩٥ ، والعلامة في القواعد ١ : ١٤٥ ، والإرشاد ١ : ٣٧٧ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ١٠٣.

(٦) انظر مجمع الفائدة ٨ : ٤٤٥.

٣٩٦

( الخامسة : لا يردّ البزر ) بفتح الباء وكسرها ، حبّ يؤخذ منه دهن يقال له : دهن الكتاب ، كأنّه بتقدير مضاف أي دهن البزر ، ويطلق على الدهن كما عن الصحاح (١) ( والزيت بما يوجد فيه من الثفل المعتاد ) بضم المثلّثة ، هو والثافل ما استقرّ من كدرة تحت المائع.

والأصل في الحكم بعد الإجماع على الظاهر الأصل ، والعمومات السليمة عن المعارض ، إمّا بناءً على أنّ مثله ليس عيباً ، أو لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه غالباً ، فيجري مجرى علم المشتري بالعيب المسقط للردّ ، كما مضى (٢) ويأتي.

( نعم لو خرج ) بالكثرة ( عن ) القدر الذي جرت به ( العادة جاز ردّه ) لكونه حينئذٍ عيباً بالضرورة عرفاً وعادةً ، لكن الردّ مشروط بما ( إذا لم يعلم ) وأمّا معه فلا ردّ ، بلا خلاف فيه وفيما مضى ؛ استناداً فيهما إلى قواعد العيب المتقدّمة نفياً وإثباتاً.

ولا يشكل صحة البيع مع زيادته عن المعتاد بجهالة قدر المبيع المقصود بالذات فيجهل مقدار ثمنه ؛ لأنّ مثل ذلك غير قادح مع معرفة مقدار الجملة ، كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون العلم بالتفصيل.

وعلى التفصيل في العبارة يحمل بعض المعتبرة ، كالحسن كالصحيح ، بل الصحيح على الصحيح : « إن كان المشتري يعلم أنّ الدُّردي (٣) يكون في الزيت فليس عليه ردّه ، وإن لم يكن يعلم فله ردّه » (٤).

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٥٨٩.

(٢) راجع ص : ٣٩٢٠.

(٣) الدُّردي من الزيت وغيره ما يبقى في أسفله مجمع البحرين ٣ : ٤٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٩ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ / ٧٦٧ ، التهذيب ٧ : ٦٦ / ٢٨٣ ، الوسائل ١٨ : ١٠٩ أبواب أحكام العيوب ب ٧ ح ١.

٣٩٧

( السادسة : لو تنازعا في ) شي‌ء من مسقطات الخيار ك ( التبرّي من العيب ) ونحوه ، فقال : بعتك بالتبرّي مثلاً : فقال : لا ( فالقول قول منكره مع يمينه ) بلا خلاف يعرف ؛ للأصل المجمع عليه فتوًى وروايةً : « البيّنة على المدّعى ، واليمين على من أنكر ».

والخبر الوارد بخلافه (١) مع ضعفه بالكتابة ، وعدم وضوح الدلالة ، وقرب احتمال اجتماعه نظراً إلى السياق مع القواعد شاذّ لا يلتفت إليه البتّة.

( السابعة : لو ادّعى المشتري تقدّم العيب ) المتحقق وأنكره البائع ( ولا بيّنة ) للمشتري ( فالقول قول البائع مع يمينه ) على القطع بعدم العيب عنده مع اختباره المبيع قبل المبيع واطّلاعه على خفايا أمره ، قولاً واحداً ، وعلى نفي العلم به مع العدم ، وفاقاً للتذكرة (٢) ، وفاقاً للتذكرة ، فعلى المشتري الإثبات بالبيّنة.

وقيل : على القطع بالعدم كالأوّل (٣) ؛ عملاً بأصالة العدم ، واعتماداً على ظاهر السلامة.

والأصل فيه الأصل المتقدّم.

( ما لم يكن هناك قرينة حال ) قطعيّة ( تشهد لأحدهما ) كزيادة الإصبع واندمال الجرح ، مع قصر زمان البيع بحيث لا يحتمل التأخّر في العادة ، فيحكم للمشتري ، أو طراوة الجرح مع تطاول زمان البيع ، فيحكم للبائع من دون يمينه.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٦٦ / ٢٨٥ ، الوسائل ١٨ : ١١١ أبواب أحكام العيوب ب ٨ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ٥٤١.

(٣) الحدائق ١٩ : ١٠٢.

٣٩٨

( الثامنة : ) في كيفيّة أخذ الأرش ، وهو أن ( يقوَّم المبيع صحيحاً ومعيباً ، ويرجع المشتري على البائع بنسبة ذلك ) التفاوت ( من الثمن ) لا نفس تفاوت المعيب والصحيح ؛ لأنّه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه ، فيلزم أخذ العوض والمعوض ، كما إذا اشتراه بخمسين وقوّم معيباً بها وصحيحاً بمائة أو أزيد ، وعلى اعتبار النسبة يرجع في المثال بخمسة وعشرين ، وعلى هذا القياس.

( ولو ) تعدّد القيم ، بأن ( اختلف أهل الخبرة ) أو اختلفت قيمة أفراد ذلك النوع المساوية للمبيع ، فإنّ ذلك قد يتّفق على الندرة ، والأكثر ومنهم المصنف عبّروا عن ذلك باختلاف أهل الخبرة ( رجع إلى القيمة الوسطى ) المتساوية النسبة إلى الجميع المنتزعة منه ، نسبتها إليه بالسوية ، فمن القيمتين يؤخذ نصفها ، ومن الثلاث ثلثها ، ومن الأربع ربعها ، وهكذا.

وضابطه أخذ قيمة منتزعة من المجموع نسبتها إليه كنسبة الواحد إلى تلك القيم ، وذلك لانتفاء الترجيح.

وطريقه أن تجمع القيم الصحيحة على حدةٍ والمعيبة كذلك ، وتنسب إحداهما إلى الأُخرى ، وتؤخذ بتلك النسبة.

ولا فرق بين اختلاف المقوّمين في قيمته صحيحاً ومعيباً وفي إحداهما.

وقيل : ينسب معيب كل قيمة إلى صحيحها ، ويجمع قدر النسبة ، ويؤخذ من المجتمع بنسبتها (١) وفي الأكثر يتّحد الطريقان ، وقد يختلفان في يسير.

__________________

(١) قد نسب هذا الطريق إلى الشهيد الأول وفخر المحققين ، انظر الروضة البهية ٣ : ٤٧٨ ومفتاح الكرامة ٤ : ٦٣٣.

٣٩٩

( التاسعة : لو حدث العيب بعد العقد وقبل القبض كان للمشتري الردّ ) بلا خلاف فيه ( وفي ) جواز أخذ ( الأرش ) بعد الإمضاء مع التراضي ؛ استناداً في الأوّل إلى حديث نفي الضرر (١) ، وفي الثاني إلى كونه أكل مال بالتراضي.

وفي ثبوت أخذ الأرش مع العدم كما في العيب السابق ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين ، وفاقاً للنهاية والتقي والقاضي (٢) ( الثبوت ) لفحوى ما دلّ على كون تلف المبيع قبل القبض مع البائع (٣) ، فكون تلف الجزء أو الوصف قبله منه بطريق أولى.

ولإطلاق الصحيح ، بل عمومه : في رجل اشترى من رجل عبداً أو دابّة وشرط يوماً أو يومين فمات العبد أو نفقت الدابة أو حدث فيه حدث ، على مَن الضمان؟ قال : « لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع له » (٤). فإنّ إطلاق الحدث فيه بل عمومه الناشئ من ترك الاستفصال يشمل النقص في المبيع بجزء منه أو صفة ، وقد نفى ضمانه عن المبتاع ، وهو يستلزم الضمان على البائع ، إذ لا واسطة.

خلافاً للمبسوط والخلاف (٥) ، مدّعياً عليه الوفاق ، وتبعه الحلّي (٦) ، فنفيا الثبوت ، واقتصرا على الردّ والإمساك ؛ للأصل النافي للأرش مع عدم‌

__________________

(١) المتقدم في ص : ٣٩١٧.

(٢) النهاية : ٣٩٥ ، التقي في الكافي في الفقه : ٣٥٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٩٧.

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ٢٣ أبواب الخيار ب ١٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٢٦ / ٥٥١ ، التهذيب ٧ : ٢٤ / ١٠٣ ، الوسائل ١٨ : ١٤ أبواب الخيار ب ٥ ح ٢ في الجميع عدا الفقيه بتفاوت يسير.

(٥) المبسوط ٢ : ١٣٨ ، الخلاف ٢ : ٥٦١.

(٦) السرائر ٢ : ٢٤٧.

٤٠٠