رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

الموجب له سوى الضرر المندفع بخيار الردّ.

ويندفع الإجماع بالوهن ، كيف ولم يوجد بما ادّعاه قائل سواه؟! والأخيران بما مرّ من الدليلين.

ولكن قد يمنعان ، فالأوّل : بمنعه ، بناء على وجود الفارق بين المقيس والمقيس عليه من انتفاء الضرر على البائع في المقيس عليه ؛ لأنّ التلف فيه موجب لبطلان البيع الموجب للتسلّط على استرداد الثمن خاصّة ، وثبوته في الثاني ، لعدم رضاء البائع ببذل العين إلاّ في مقابلة تمام الثمن ، فأخذ المبيع منه ببعضه من غير رضاء منه تجارة عن غير تراضٍ محرّم بالكتاب والسنّة.

ولا ينتقض بأخذ الأرش في العيب السابق على العقد مع ورود دليل المنع فيه أيضاً ؛ لمنع الورود على الإطلاق ، لعدم تسليمه فيما إذا علم البائع بالعيب ، فقد يكون الوجه في أخذ الأرش منه المقابَلَة له بمقتضى التغرير وإقدامه على الضرر ، ولا كذلك محلّ الفرض ، ويسلّم في صورة الجهل ، ولكن يدفع النقض فيها بالإجماع ، وهو كافٍ في ردّ دليل المنع ؛ مضافاً إلى النصوص إن تمّت في الدلالة على جواز أخذ الأرش ، فتأمّل.

والثاني : أوّلاً : بمتروكيّة الظاهر عند المستدلّ من حيث الدلالة على عدم انتقال الملك بمجرّد العقد ، والتوقّف على انقضاء الشرط ، وهو متحاشٍ عنه باليقين.

وثانياً : بضعف الدلالة ، أوّلاً : بشهادة السياق بكون المراد من الحدث ما هو من قبيل الموت المترتّب عليه تلف الجملة.

وثانياً : وهو العُمدة بعدم الدلالة على مشروطيّة تعلّق الضمان على البائع بكون الحدث قبل القبض ، بل غايته الدلالة على تعلّقه عليه قبل‌

٤٠١

انقضاء زمان الخيار ، وهو أعمّ من الأوّل ، فقد ينقضي الخيار قبله. بل مفهومه حينئذٍ كون الضمان على المبتاع في هذه الصورة ، وهو ضدّ المطلب في الجملة ، وإن دلّ عليه المنطوق كذلك. وإتمامه بالإجماع المركّب ليس بأولى من العكس في المفهوم.

فهذا القول لعلّه لا يخلو عن قوة ، سيّما مع اعتضاده بالإجماع المتقدّم ، وإن لم يكن بنفسه لما مرّ حجّة مستقلة ، ولكن مع ذلك لا تخلو المسألة عن شبهة ، فالاحتياط فيه لا يترك البتّة.

( وكذا لو قبض المشتري بعضاً ) من المبيع ( وحدث ) عيب ( في الباقي كان الحكم ) المتقدّم ( ثابتاً فيما لم يقبض ) منه ، فله الخيار بين الردّ والإمضاء مع أخذ الأرش. بلا إشكال في الثاني ؛ للدليل المتقدّم بعد فرض التماميّة.

وكذا في الأوّل إن أراد بالمردود مجموع المبيع ؛ للدليل المتقدّم. وعلى إشكال فيه إن أراد به خصوص المعيب ، كما هو ظاهر سياق العبارة ؛ لاستلزام ردّه خاصّة تبعّض الصفقة ، الموجب للضرر على البائع ، المنفي في الشريعة فتوًى وروايةً.

فإذاً الأقوى عدم جواز ردّه خاصّة ، بل إمّا الجميع ، أو إمساكه بتمام الثمن ، أو مع الأرش على اختلاف القولين.

٤٠٢

( الفصل الخامس : )

( في الربوا )

وقد يقلب واوه ألفاً (١) ، وهو في اللغة : الزيادة ، قال الله سبحانه : (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ) (٢).

وشرعاً : بيع أحد المتماثلين المقدّرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع عليه‌السلام أو في العادة بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكماً ، أو إقراض أحدهما معها مطلقاً وإن لم يكونا مقدّرين بالأمرين ، إذا لم يكن باذل الزيادة حربيّا ، ولم يكن المتعاقدان والداً مع ولده ، ولا زوجاً مع زوجته.

وربما يبدل البيع بمطلق المعاوضة. ولا يخلو عن قوّة ، وفاقاً للطوسي والقاضي وفخر الدّين والشهيدين والمحقّق الشيخ علي وغيرهم (٣) ؛ لإطلاق الكتاب والسنّة ، فمنها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : « الحنطة والشعير رأساً برأس لا يزداد واحد منهما‌

__________________

(١) الربوا كتب بالواو على لغة من يفخم ، كما كتبت الصلاة والزكاة ، وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع ، تفسير الكشاف ١ : ٣١٨.

(٢) الروم : ٣٩.

(٣) الطوسي في المبسوط ٢ : ٨٨ ، القاضي في المهذّب ١ : ٣٦٤ ، فخر الدين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٠٤ ، الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٣٢٨ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٧٨ ، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ٥ : ٤١١ ؛ وانظر الشرائع ٣ : ٢٤٠.

٤٠٣

على الآخر » (١).

وفيه : « الدقيق بالحنطة ، والسويق بالدقيق مثلاً بمثل لا بأس به » (٢). ونحوه آخر (٣).

وفيه : « كان عليّ عليه‌السلام يكره أن يستبدل وَسْقين من تمر المدينة بوَسْق من تمر خيبر » (٤).

وفيه : عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بُسر مطبوخ بقوصرة فيهما مشقّق ، فقال : « هذا مكروه » فقال أبو بصير : لِمَ يكره؟ فقال : « كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، ولم يكن عليه‌السلام يكره الحلال » (٥).

إلى غير ذلك من النصوص المؤيّد إطلاقها بعموم بعضها الناشئ من ترك الاستفصال ، كالأخير ، والموثق كالصحيح على الصحيح ، بل ربما عدّ من الصحيح : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ قال : « لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل » (٦).

وصريح الصحيح : عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام ، فيقاطعه على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٣ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٨ : ١٣٨ أبواب الربا ب ٨ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٤٠١ ، الوسائل ١٨ : ١٤٢ أبواب الربا ب ٩ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١٠ ، الوسائل ١٨ : ١٤١ أبواب الربا ب ٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٤ / ٤٠٠ ، الوسائل ١٨ : ١٥٢ أبواب الربا ب ١٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ذيل حديث ٤١٢ ، الوسائل ١٨ : ١٥١ أبواب الربا ب ١٥ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٥ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤١٠ ، الوسائل ١٨ : ١٣٨ أبواب الربا ب ٨ ح ٢.

٤٠٤

أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثني عشر دقيقاً ، فقال : « لا » فقلت : فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار ويضمن له لكل صاع أرطالاً مسمّاة؟ قال : « لا » (١).

خلافاً للحلّي ، والماتن في الشرائع في هذا الكتاب ، والفاضل في الإرشاد والقواعد فيه (٢) ، فخصّوه بالبيع ؛ اقتصاراً فيما خلاف الأصل على المجمع عليه ، وحملاً للإطلاق على الفرد المتبادر ، وليس إلاّ البيع.

وضعف الجميع بما ذكرناه ظاهر ، مع رجوع الفاضلين عنه إلى المختار في كتاب الصلح (٣) ، ومع ذلك هو أحوط باليقين.

( وتحريمه معلوم من الشرع ) المبين ، قال الله سبحانه ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٤) وقال ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) (٥) وقال ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) (٦).

والنصوص به زيادة على ما مرّ مستفيضة ، وهو من أعظم الكبائر ( حتى أن الدرهم منه أعظم من سبعين زنية ) بذات المحرم ، كما في الصحيح (٧) ، وفيه : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهداه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١١ ، الفقيه ٣ : ١٤٧ / ٦٤٩ بتفاوت ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤١١ ، الوسائل ١٨ : ١٤١ أبواب الربا ب ٩ ح ٣.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٤٨٧ ، الشرائع ٢ : ٤٣ ، الإرشاد ١ : ٣٧٧ ، القواعد ١ : ١٨٤.

(٣) المحقق في الشرائع ٢ : ١٢٢ ، العلامة في الإرشاد ١ : ٤٠٥.

(٤) البقرة : ٢٧٤.

(٥) البقرة : ٢٧٦.

(٦) البقرة : ٢٧٤.

(٧) مجمع البيان ٢ : ٣٩٠ ، تفسير القمي ١ : ٩٣ ، الوسائل ١٨ : ١٢٣ أبواب الربا ب ١ ح ١٩.

٤٠٥

فيه سواء » (١) ونحوه الخبر الآخر اللاعن لهؤلاء وزيادة المشتري والبائع (٢).

وفي الموثق كالصحيح في آكل الربا : « لأن أمكنني الله عزّ وجلّ لأضربنّ عنقه » (٣).

وفي الخبر : « أخبث المكاسب كسب الربا » (٤).

( ويثبت في كلّ مكيل أو موزون ) في زمان صاحب الشريعة إن عُرِفا فيه مطلقاً وإن لم يقدَّر بهما عندنا ، بلا خلاف ، كما في المبسوط (٥).

وإن لم يُعرَفا فيه فالمتّجه دوران الحكم معهما حيث دارا نفياً وإثباتاً مطلقاً ، وفاقاً للمبسوط والقاضي والمختلف (٦) ، بل كافّة المتأخّرين ؛ التفاتاً إلى الأصل في الجملة ، وأنّ كلّ بلد لهم عرف خاصّ ، فينصرف إطلاق الخطاب إليه البتة.

خلافاً للنهاية والديلمي (٧) ، فأدارا الحكم معهما إثباتاً خاصّة ، بحيث لو كانا في بلد كان المقدّر بهما فيه ربويّاً مطلقاً ، حتى في البلدان التي لم يقدّر بهما.

وللمفيد والحلّي (٨) ، فالتفصيل بين تساوي البلدان المقدّرة بهما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٤ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٧٤ / ٧٨٣ ، الوسائل ١٨ : ١٢٦ أبواب الربا ب ٤ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٤ / ٧٨٤ ، التهذيب ٧ : ١٥ / ٦٤ ، الوسائل ١٨ : ١٢٧ أبواب الربا ب ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ / ١١ ، الوسائل ١٨ : ١٢٥ أبواب الربا ب ٢ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ١٤٧ / ١٢ ، الوسائل ١٨ : ١١٨ أبواب الربا ب ١ ح ٢.

(٥) المبسوط ٢ : ٩٠.

(٦) المبسوط ٢ : ٩٠ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٦٣ ، المختلف : ٣٥٦.

(٧) النهاية : ٣٧٨ ، الديلمي في المراسم : ١٧٩.

(٨) المفيد في المقنعة : ٩٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٦٣.

٤٠٦

وغيرها في الغلبة فالثاني ، وتفاوتها بها فالأغلب.

ومستندهما غير واضح سوى الإطلاق في الأوّل. ويضعّف بما مرّ ، مع معارضته بالإطلاق النافي للربا فيما لم يقدّر بهما ، والترجيح لا بدّ له من دليل قطعاً ، وإلاّ فاللازم الرجوع إلى حكم الأصل جدّاً ، والاحتياط لا يصلح دليلاً في نحو المقام أصلاً.

وكيف كان ، فثبوت الحكم في كل مقدّر بهما تقديراً يشترط في بيعه ( مع ) اتّحاد ( الجنسيّة ) مجمع عليه بين أصحابنا ، كما في الغنية والسرائر والقواعد (١) ، وغيرهما من كتب الأصحاب.

مضافاً إلى إطلاقات السنّة والكتاب ، وخصوص المعتبرة المستفيضة الآتية في الباب ، وهي ما بين مثبتة للربا في ذلك من دون تعرّض لنفيه عمّا دونه ، ونافيه له عنه أيضاً ، كالموثق كالصحيح : « لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن » (٢).

والموثق : « كلّ شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد » (٣).

ويستفاد منه اشتراط اتّحاد الجنسية ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه في الجملة. وسيأتي تمام الكلام فيه في بيع العروض المختلفة فيها نسيئة (٤).

والمراد بالجنسيّة هنا الحقيقة النوعيّة باصطلاح أهل المنطق ، فإنّه‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، السرائر ٢ : ٢٥٣ ، القواعد ١ : ١٤٠.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩ / ٨١ ، تفسير العياشي ١ : ١٥٢ / ٥٠٤ ، الوسائل ١٨ : ١٣٢ أبواب الربا ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الإستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١ ، الوسائل ١٨ : ١٥٣ أبواب الربا ب ١٦ ح ٣.

(٤) انظر ص : ٣٩٥١ ٣٩٥٣.

٤٠٧

يسمى جنساً بحسب اللغة.

( وضابط الجنس ) المستفاد من العرف واللغة والشرع بالإجماع ( ما يتناوله اسم خاصّ كالحنطة بالحنطة والأرز بالأرز ) ويستثنى منه الشعير بناءً على اقتضاء الضابط عدم مجانسته مع الحنطة ؛ لعدم تناول اسم أحدهما للآخر ، فيعدّ هنا جنساً واحداً على الأشهر الأظهر ، كما يأتي إليه وإلى الخلاف فيه الإشارة (١).

ومقتضى الضابط عدم دخول السلت (٢) والعَلَس (٣) في الحنطة والشعير ؛ لمغايرة الاسم ، إلاّ إذا ثبت الاتّحاد بنحو من اللغة والعرف أو الشرع ، فيدخل كالشعير.

( و ) ممّا مرّ يظهر أنّه ( يشترط في ) جواز ( بيع المثلين ) المتجانسين المقدّرين بأحد التقديرين ( التساوي في القدر ) والحلول ، ( فلو بيع بزيادة حرم نقداً ونسيئة ) إجماعاً فيه ( و ) في أنّه ( يصحّ متساوياً يداً بيد و ) أنّه ( يحرم نسيئة ) لأنّ للأجل قسطاً من الثمن عرفاً وشرعاً ، إجماعاً ، وفي الصحيح : « لا تبع الحنطة بالشعير إلاّ يداً بيد » (٤). وفي الخبر : « إنّما الربا في النسيئة » (٥).

نعم في المختلف حكى الخلاف عن الخلاف في الأخير ، فقال بالكراهة ، إلاّ أنّه حملها على الحرمة معتذراً بغلبة إطلاقها عليها في كلامه ،

__________________

(١) ص : ٣٩٥٣.

(٢) السلت بالضم : ضرب من الشعير ليس له قشر ، كأنه حنطة. الصحاح ١ : ٢٥٣.

(٣) العَلَسُ أيضاً : ضرب من الحنطة تكون حبّتان في قشر واحد ، وهو طعام أهل صنعاء. الصحاح ٣ : ٩٥٢. وقال في المصباح المنير ٢ : ٤٢٥ : وقيل هو العدس.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٨ ، الوسائل ١٨ : ١٤٠ أبواب الربا ب ٨ ح ٨.

(٥) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٢٠ / ٨٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٨ / ٢٢٥٧.

٤٠٨

ومع ذلك نفي الخلاف في عنوان البحث عن الحرمة عازياً لقول الخلاف إلى الشذوذ (١). وهو مشعر بالإجماع عليها كما ترى.

ولا يضرّ في الزيادة العينية نحو عقد التبن (٢) والزوان (٣) اليسير الذي جرت به العادة في أحد العوضين دون الآخر ، أو زيادة عنه ؛ لأنّ ذلك لا يقدح في إطلاق المثليّة والمساواة قدراً عرفاً وعادةً. ولو خرج عن المعتاد ضرّ بالضرورة.

( ويجب إعادة الربا ) على المالك ( مع العلم بالتحريم ) حين المعارضة بلا خلاف في الظاهر ، وقد حكي (٤) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى نصّ الآية ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) (٥) وغيرها من الآيات الأُخر (٦) الناصّة هي كالروايات (٧) بحرمة الربا التي هي الزيادة لغةً ، الموجبة لعدم الملكيّة ، فيلزم الردّ مع معرفتها قدراً ومعرفة الصاحب بالضرورة ، والنصوص الآتية مصرِّحةً بذلك أيضاً تنفع المقام نصّاً أو فحوًى ، فتأمّل جدّاً.

( فإن جهل صاحبه ) جهلاً أوجب اليأس عنه ( وعرف ) مقدار ( الربا ) مفصّلاً كالربع والثلث كان له حكم المال المجهول المالك المشار إليه بقوله : ( تصدّق به ) عنه.

__________________

(١) المختلف : ٣٥٤.

(٢) التبْن : ساق الزرع بعد دياسه. المصباح المنير : ٧٢.

(٣) الزوان : حبّ يخالط البُرّ فيكسبه الرَّداءَة. المصباح المنير : ٢٦٠.

(٤) انظر الحدائق ١٩ : ٢١٦.

(٥) البقرة : ٢٧٩.

(٦) البقرة : ٢٧٦ ، ٢٧٨.

(٧) الوسائل ١٨ : ١١٧ أبواب الربا ب ١.

٤٠٩

ولو علم قدره جملةً لا تفصيلاً. قيل : فإن علم أنّه يزيد عن الخمس خمّسه وتصدّق بالزائد ولو ظنّاً ، ويحتمل قويّاً كون الجميع صدقة ، ولو علم نقصانه عنه اقتصر على ما تيقّن به البراءة ، صدقةً على الظاهر وخمساً في وجه (١). وهو أحوط.

( وإن ) انعكس فـ ( عرفه ) ولو في جملة قوم منحصرين ( وجهل ) مقدار ( الربا ) أصلاً ( صالح ) الصاحب ( عليه ) ولا خمس هنا.

فإن أبى عن الصلح فعن التذكرة دفع إليه خمسه إن لم يعلم زيادته ، أو ما يغلب على ظنّه إن علم زيادته أو نقصه ؛ لأنّ هذا القدر جعله الله تعالى مطهِّراً للمال (٢).

وفيه نظر ، والأحوط وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة.

قيل : ويحتمل الاكتفاء بدفع ما يتيقّن انتفاؤه عنه (٣). وهو ضعيف.

( وإن مزجه بالحلال وجهل المالك والقدر تصدّق بخمسه ) على السادة ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ؛ للنصوص المتقدّمة هي والبحث في المسألة في كتاب الخمس ، فليطلب التحقيق ثمّة.

إلاّ أنّ النصوص الآتية الواردة في بيان الحاجة خالية عن ذكر الخمس بالمرّة ، بل ظاهرة في حلّ الجميع بالكلية من دون ريبة ، ولكن لم يعمل بها إلاّ نادر من الطائفة (٤) ، ومع ذلك فظاهر سياقها صورة الجهل بالحرمة خاصّة ، فالعمل بالنصوص المتقدّمة في بحث الخمس العامّة لنحو المسألة‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٥٣.

(٣) المدارك ٥ : ٣٨٨.

(٤) حكاه عن الصدوق في المختلف : ٣٥٢.

٤١٠

أقوى البتّة.

( ولو جهل التحريم ) حين المعاوضة ثم علم به وتاب واستغفر ربّه ( كفاه الانتهاء ) عنه والتوبة ، فلا يجب عليه شي‌ء من الأُمور المزبورة في الصورة المذكورة ، وفاقاً لجماعة ، كالمقنع والنهاية (١) ؛ للأصل ، واختصاص أدلّة حرمة الربا والزيادة من الكتاب والسنّة بحكم التبادر وقاعدة التكليف والنصوص الآتية بالصورة السابقة.

مضافاً إلى انسحاب الحكم بعدم الوجوب في حالة الجهل إلى حال الانكشاف والمعرفة ، عملاً باستصحاب الحالة السابقة.

وظاهر قوله سبحانه ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) (٢) المفسّر به في ظاهر كلام الطبرسي بقوله : معناه ما أخذ وأكل من الربا قبل النهي ، ولا يلزمه ردّه (٣). فتأمّل.

وظاهر النصوص ، كالصحيح فيمن أراد الخروج عن الربا : « مخرجك من كتاب الله تعالى ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) والموعظة : التوبة » (٤).

وأظهر منه الصحيح المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، ونحوه الرضوي : إنّ رجلاً أربى دهراً من الدهر ، فخرج قاصداً إلى أبي جعفر عليه‌السلام يعني الجواد فقال له : « مخرجك من كتاب الله تعالى يقول الله ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) والموعظة هي‌

__________________

(١) المقنع : ١٢٥ ، النهاية : ٣٧٦.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) مجمع البيان ١ : ٣٩٠.

(٤) التهذيب ٧ : ١٥ / ٦٨ ، تفسير العياشي ١ : ١٥٢ / ٥٠٦ ، الوسائل ١٨ : ١٣٠ أبواب الربا ب ٥ ح ٧.

٤١١

التوبة ، لجهله بتحريمه ثم معرفته به ، فما مضى فحلال ، وما بقي فليتحفّظ » (١).

خلافاً للحلّي وكثير من المتأخّرين (٢) ، فأوجبوا الردّ ؛ عملاً بآية ( فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ) (٣) وسياقها ظاهر في صورة العلم بالحرمة.

وحملاً للآية السابقة والخبرين في أحدهما : « قد وضع ما مضى من الربا وحرم ما بقي ، فمن جهله وسعه جهله حتى يعرفه » (٤) وقريب منه الثاني (٥) على العود إلى الذنب بمعنى سقوطه بالتوبة ، أو ما كان من الربا في زمن الجاهلية. وهو ضعيف بعد ما مرّ من الأدلّة ، وما سيأتي إليه الإشارة من المعتبرة.

وللإسكافي ، فإن كان معروفاً ردّه على صاحبه وتاب إلى الله تعالى ، وإن اختلط بماله حتى لا يعرفه أو ورث مالاً يعلم أنّ صاحبه كان يربى ولا يعلم الربا بعينه فيعز له جاز له أكله والتصرف إذا لم يعلم الربا (٦).

ولا يخلو عن قوّة ؛ للمعتبرة ، منها الصحيح في الذي قال : « إنّي ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربى ، وقد اعترف أنّ فيه رباً واستيقن ذلك ، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد‌

__________________

(١) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ١٦١ / ٤١٣ ، الوسائل ١٨ : ١٣١ أبواب الربا ب ٥ ح ١٠ ، ولم نعثر عليه في فقه الرضا عليه‌السلام.

(٢) الحلي في السرائر ٢ : ٢٥١ ، المختلف : ٣٥٣ ، وانظر البيان : ٢١٧ ، وكفاية الأحكام : ٤٣.

(٣) البقرة : ٢٧٩.

(٤) الفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٩ ، الوسائل ١٨ : ١٢٩ أبواب الربا ب ٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٦ / ٩ ، مستطرفات السرائر : ٩٠ / ٤٤ ، الوسائل ١٨ : ١٣٠ أبواب الربا ب ٥ ح ٤.

(٦) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٥٢.

٤١٢

سألت الفقهاء من أهل العراق والحجاز فقالوا : لا يحلّ أكله من أجل ما فيه ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : إن كنت تعلم أنّ فيه مالاً معروفاً ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً ، فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من أكل الربا » (١).

ونحوه الصحيح الآخر ، وفيه زيادة على ما مرّ : « وأيّما رجل أفاد مالاً كثيراً فيه الربا فجهل ذلك ثم عرفه فأراد أن ينزعه ، فما مضى فله ، ويدعه فيما يستأنف » (٢) ونحوهما غيرهما (٣).

إلاّ أنّ سياقها كما ترى بالدلالة على المختار أولى ، من حيث تعليل حلّ أكل الربا المختلط بوضع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مضى منه ، وهو كالصريح في أنّ المراد بما مضى نفس الربا في حالة الجهل (٤) ، ومنه يظهر صحة تفسير الآية بما قدّمناه ، كما هو أيضاً ظاهرها.

وبالجملة الدلالة على الحلّ في غاية الوضوح جدّاً ، فحمل الأمر بالردّ مع التمييز والعزل (٥) على الاستحباب غير بعيد.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦ / ٧٠ ، الوسائل ١٨ : ١٢٩ أبواب الربا ب ٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٤ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٧ ، التهذيب ٧ : ١٦ / ٦٩ ، الوسائل ١٨ : ١٢٨ أبواب الربا ب ٥ ح ٢.

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ١٢٨ أبواب الربا ب ٥.

(٤) في « ت » زيادة : لذلك ، وفي « ر » : مطلقاً ، وفي « ق » : مطلقاً لذلك.

(٥) في « ر » زيادة : لذلك ، وفي « ح » : مطلقاً لذلك.

٤١٣

والجمع بجمل الأمر على ظاهره وتقييد الأدلّة المتقدمة الدالّة على إطلاق الإباحة بصورة الخلط وإن أمكن ، إلاّ أنّ عدم التكافؤ بكثرتها ، واعتضادها بفتوى جماعة وظهور سياق المعتبرة المتضمّنة للأمر المزبور في عموم الإباحة حتى لصورة التمييز والمعرفة أوجب أولويّة صرف الأمر عن ظاهره إلى الاستحباب ، وإن كان العمل بظاهره أحوط ، وأحوط منه القول الثاني.

( وإذا اختلفت أجناس العروض ) الربوية أي المكيلة والموزونة فبيعت إحداهما بمخالفها منها في الجنسية ( جاز التفاضل ) إذا بيعت ( نقداً ) إجماعاً ، كما في المختلف والروضة وغيرهما من كتب الجماعة (١) ؛ للأصل ، والأدلّة الآتية.

( وفي النسيئة قولان ، أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين ، بل مطلقاً كما في المسالك (٢) ، بل (٣) لعلّه عليه عامّتهم الجواز مع ( الكراهة ) وفاقاً للمبسوط والحلّي والنهاية وابن حمزة وابن زهرة (٤) مدّعياً على الكراهة إجماع الطائفة.

استناداً في الأوّل الى الأصل ، والعمومات ، والنبوي المشهور (٥) : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (٦) المعتضد بعد الشهرة بعموم كثير من‌

__________________

(١) المختلف : ٣٥٤ ، الروضة ٣ : ٤٤٦ ؛ وانظر كشف الرموز ١ : ٤٨٦ ، وقال في الكفاية : ٩٨ والحدائق ١٩ : ٢٢٤ : بلا خلافٍ.

(٢) المسالك ١ : ١٩٩.

(٣) بل في السرائر ( ٢ : ٢٥٣ ) نفي الخلاف عنه ( منه رحمه‌الله ).

(٤) المبسوط ٢ : ٨٩ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٥٦ ، النهاية : ٣١٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٥) بل المجمع عليه كما في السرائر ( ٢ : ٢٥٣ ). ( منه رحمه‌الله ).

(٦) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٢١ / ٨٦ ، المستدرك ١٣ : ٣٤١ أبواب الربا ب ١٢ ح ٤.

٤١٤

المعتبرة الدالّة عليه منطوقاً في بعض ، كالمعتبرين ، أحدهما الصحيح : « يكره قفيز لوز بقفيزين ، وقفيز تمر بقفيزين ، ولكن صاع من حنطة بصاعين من تمر ، وصاع من تمر بصاعين من زبيب (١).

وثانيهما الموثق ، عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منها اثنان بواحد ، إلاّ أن تصرفه إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر من ذلك » (٢).

ومفهوماً في آخر ، كالموثق الصحيح : « كلّ شي‌ء يكال ويوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد » (٣).

خلافاً للإسكافي والعماني والمفيد والديلمي والقاضي (٤) (٥) ، فمنعوا عنها ؛ للحديث المشهور : « إنّما الربا في النسيئة » (٦).

والصحيح : « ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يداً بيد ، فأمّا نظرة فإنّه لا يصلح » (٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨ ، الوسائل ١٨ : ١٤٦ أبواب الربا ب ١٣ ح ٣.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٦ ، الوسائل ١٨ : ١٤٦ أبواب الربا ب ١٣ ح ٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الإستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١ ، الوسائل ١٨ : ١٥٣ أبواب الربا ب ١٦ ح ٣.

(٤) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٣٥٤ ، المفيد في المقنعة : ٩٣ ، الديلمي في المراسم : ١٧٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٦٥.

(٥) والكيدري ، والفاضل في التحرير ( ١ : ١٧٠ ) منه رحمه‌الله.

(٦) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٢٠ / ٨٤ ، سنن ابن ماجه ٢ : ٧٥٨ / ٢٢٥٧.

(٧) الكافي ٥ : ١٩١ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٧٦ / ٧٩٦ ، التهذيب ٧ : ٩٣ / ٣٩٦ ، الوسائل ١٨ : ١٤٥ أبواب الربا ب ١٣ ح ٢.

٤١٥

ونحوه خبران آخران (١) ، في سندهما كالأوّل ضعف من وجوه ، وكذا في دلالتهما كالصحيح قصور بعدم صراحة ، بل ولا ظهور في المطلوب لو لم تكن بخلافه ، والدلالة على الكراهة ساطعة النور كما هو المشهور.

وتزيد الحجة على الحديث الأوّل زيادة على ما مرّ بمتروكيّة المتن ، من حيث الدلالة على حصر الربا في النسيئة ، ولا قائل به من الطائفة ، وعلى تقديره فليس الربا فيه مطلق الزيادة ، بل بشرائطها المعتبرة ، ومن جملتها عند علمائنا كما في المختلف (٢) اتّحاد الجنس ، وبه صرّحت الصحيحة المتقدّمة ، هذا.

مع احتمال وروده كالروايات الثلاثة الأخيرة مورد التقيّة ؛ لكون المنع مذهب العامّة ، كما يلوح من الغنية (٣) ، ويؤيّده مصير الإسكافي إليه.

وفي الثاني إلى الشبهة الناشئة من أدلّة المنح المزبورة ، سيّما مع صحة بعضها ، وقوّة احتمال دلالة نفي الصلاحية على الحرمة إمّا من حيث الصيغة ، كما ادّعاه بعض المشايخ الأجلّة (٤) ، أو من حيث غلبة التعبير به وبلفظ الكراهة عن الحرمة في أحاديث الربا بلا شبهة ، وقد مضى إلى بعضها الإشارة (٥) ، مع التأيّد بفتوى من تقدّم من عظماء الطائفة.

إلاّ أنّ المستفاد منها ليس سوى المنع عن خصوص الزيادة العينية ، لا‌

__________________

(١) الأول : التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٤ ، الوسائل ١٨ : ١٥٩ أبواب الربا ب ١٧ ح ١٤. الثاني : الكافي ٥ : ١٩١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٩٣ / ٣٩٥ ، الوسائل ١٨ : ١٥٧ أبواب الربا ب ١٧ ح ٩.

(٢) المختلف : ٣٥٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٤) كصاحب الحدائق ١٩ : ٢٢٦.

(٥) راجع ص : ٣٩٤١ و ٣٩٤٢.

٤١٦

الحاصلة بمجرّد النسيئة ونحوها من الزيادات الحكميّة ، فالفتوى بانسحاب المنع فيها لا وجه لها مطلقاً ، حرمة كانت أو كراهة ، إلاّ أنّ المصير إلى الأخير بناءً على المسامحة في مثله غير بعيد.

ثم كلّ ذا إذا كنت الأجناس المختلفة الربوية عروضاً. فلو كانت أثماناً أو ملفّقاً منهما اختلف الحكم فيهما بالمنع عن النسيئة في الأوّل مطلقاً ، كما يأتي ، وبجوازها في الثاني كذلك ، إجماعاً ، كما في الغنية والمختلف والإيضاح والروضة والمهذب وغيرها من كتب الجماعة (١) ؛ لأنّه إمّا سلف أو نسيئة قد قام بجوازهما مطلقاً مضافاً إلى ما مرّ الأدلّة القاطعة.

( والحنطة والشعير جنس واحد في الربا ) وإن اختلفا في غيره ، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً ، نسيئة كان أو عيناً ، على الأشهر الأقوى ، وفاقاً للصدوق والشيخين والديلمي والحلبي وابن حمزة والقاضي وابن زهرة (٢) ، مدّعياً هو كالطوسي الإجماع عليه ؛ وهو الحجة.

مضافاً الى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، المعتضدة بعد الخلوّ عمّا يصلح للمعارضة بالشهرة العظيمة القديمة والمتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها الآن إجماع في الحقيقة.

وهي ما بين صريحةٍ في الحكم واتّحاد الحقيقة ، كالصحاح ، منها :

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، المختلف : ٣٥٤ ، إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٤ ، الروضة ٣ : ٤٤٥ ، المهذب البارع ٢ : ٤٢١ وقال فيه .. فيجوز التفاوت قدراً نقداً قطعاً ونسيئة كذلك.

(٢) الصدوق في الفقيه ٣ : ١٧٨ ، المفيد في المقنعة : ٦٠٤ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ٨٩ ، الديلمي في المراسم : ١٧٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٣ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٦٢ ، ابن زهرة في العتبة ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

٤١٧

عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلاّ شعيراً ، أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال : « لا ، إنّما أصلهما واحد » (١).

ومنها : « لا يصلح ، لأن أصل الشعير من الحنطة » (٢).

ومنها : « لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل ، إنّ الشعير من الحنطة » (٣) ونحوها غيرها (٤).

وفي المرتضوي : « إنّ الله تعالى أمر آدم عليه‌السلام أن ازرع ممّا اخترت لنفسك ، وجاءه جبرئيل بقبضة من الحنطة ، فقبض آدم على قبضة وحوّاء على اخرى ، فقال آدم عليه‌السلام لحوّاء : لا تزرعي أنت ، فلم تقبل أمر آدم ، فكلّ ما زرع آدم جاء حنطة ، وكل ما زرعت حوّاء جاء شعيراً » (٥).

وظاهرةٍ في الحكم خاصّة ، ولكن تدلّ على الاتّحاد في الحقيقة بضميمة القاعدة المتّفق عليها فتوًى وروايةً أنّه لا ربا إلاّ مع اتّحاد الجنسيّة ، مضافاً الى الروايات السابقة ، وهي مستفيضة ، منها الصحيح : « الحنطة والشعير رأساً برأس ، لا يزداد واحد منهما على الآخر » (٦).

خلافاً للإسكافي والعماني والحلّي (٧) ، فجنسان ، التفاتاً الى العرف‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٩ ، الوسائل ١٨ : ١٣٨ أبواب الربا ب ٨ ح ٤.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤٠٩ ، الوسائل ١٨ : ١٣٧ أبواب الربا ب ٨ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤١٠ ، الوسائل ١٨ : ١٣٨ أبواب الربا ب ٨ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٨ : ١٣٧ أبواب الربا ب ٨.

(٥) علل الشرائع : ٥٧٤ / ٢ ، المستدرك ١٣ : ٣٤٤ أبواب الربا ب ١٧ ح ٢.

(٦) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٣ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٨ : ١٣٨ أبواب الربا ب ٨ ح ٣.

(٧) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٣٥٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٥٥.

٤١٨

واللغة ، والرواية العامية : « بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب ، والبرّ بالشعير والشعير بالبرّ كيف شئتم يداً بيد » (١) وفي السند ضعف. وفي الدلالة قصور.

والأوّل حسن لولا الأدلّة المتقدّمة ، ولذا يعدّان جنسين في غير المقام كالزكاة ، فلا يجعلان نصاباً مع نقص كلّ منهما عنه. إجماعاً.

ولا ينافيه الاتّحاد حقيقة ، كما يستفاد من الأخبار المتقدّمة ؛ فإنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسامي اللغوية والعرفية ، دون الحقائق النفس الأمريّة ، وإنّما خرج المقام عن هذه القاعدة تبعاً للآثار الصحيحة المعصومية ، الحاكمة بحصول الربا فيه في الشريعة ، مراعاةً للحقيقة النفس الأمريّة ، ولا يجوز التعدّي إلى غيره بالضرورة.

( وكذا ما يكون منهما ، كالسويق والدقيق والخبز ) والهريسة ونحوها جنس واحد ، إجماعاً ، كما عن التذكرة (٢) ؛ وهو الحجة المؤيّدة بعدم الخلاف بين الطائفة فيه ( و ) في أنّ ( ثمرة النخل ) بأنواعه ( وما يعمل منها ) كالدبس ونحوه ( جنس واحد ) في الربا ، فلا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً ، لا نقداً ولا نسيئة ( وكذا ثمرة الكرم وما يكون منه ) كالدبس والعصير والبختج ونحوها جنس واحد ، لا يجوز فيه ما ذكر.

مضافاً الى المعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح في الحنطة بالدقيق ، كما في أحدها والموثق (٣) ، والسويق بالدقيق ، كما في الثاني (٤) بزيادة ما في‌

__________________

(١) ورد مؤداه في سنن ابن ماجه ٢ : ٧٥٧ / ٢٢٥٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢٨٢.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١٠ ، الوسائل ١٨ : ١٤١ أبواب الربا ب ٩ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٤٠١ ، الوسائل ١٨ : ١٤٢ أبواب الربا ب ٩ ح ٤.

٤١٩

الأوّل أيضاً ، والبرّ بالسويق ، كما في الثالث (١) : « مثلاً بمثل لا بأس به ».

وفي الخبر المنجبر قصور سنده بالشهرة ووجودِ ابن محبوب الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة : « ما ترى في التمر واليسر الأحمر مثلاً بمثل؟ قال : « لا بأس به » قلت : فالبختج والعصير مثلاً بمثل؟ قال : « لا بأس به » (٢).

وهي وإن اختصّت بموارد مخصوصة ، إلاّ أنّ أخبار اتّحاد الحنطة مع الشعير المتقدّمة (٣) ظاهرة في التعدية وتأسيس ما عليه الأصحاب من القاعدة الكلّية ، وهي : اتّحاد كلّ فرع مع أصله ؛ نظراً الى تعليلها مع صحتها واستفاضتها ، كما مضى المنح عن المفاضلة بينهما بأنّ أصل الشعير من الحنطة ، الدالّ على أنّ كلّ فرع له حكم أصله من حرمة المفاضلة ، فإنّ العلّة المنصوصة يتعدّى بها إلى ما عدا موردها وإن اختصّت به بالإضافة ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، كما حُقّق مستقصى في الكتب الأُصولية.

مضافاً الى التصريح بالكلّية في بعض المعتبرة ، المنجبر قصوره بالقطع والإرسال بالشهرة وما مرّ من الأدلّة ، وفيه : « ما كيل أو وزن ممّا أصله واحد فليس لبعضه فضلاً على بعض ، كيلاً بكيل أو وزناً بوزن ، فإذا اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان بواحد ، ويكره نسيئة » إلى أن قال : « وما كان أصله واحداً وكان يكال أو يوزن فخرج منه شي‌ء لا يكال ولا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٩ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٤ ، الوسائل ١٨ : ١٤٠ أبواب الربا ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١٨ ، التهذيب ٧ : ٩٧ / ٤٠٨ ، الوسائل ١٨ : ١٥٠ أبواب الربا ب ١٤ ح ٥.

(٣) في ص : ٣٩٥٤.

٤٢٠