رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

جماعة من أصحابنا (١) ، وفيهما بُعدٌ ، سيّما الثاني جدّاً ، لمكان التعليل بالظلم ، فالعمل به أحوط.

( الرابعة : لو دفع إليه مالاً ليصرفه في المحاويج وكان منهم ) وبصفتهم ( فلا يأخذ منه إلاّ بإذنه ) مطلقاً وجدت القرائن على المنع أم لا ، إجماعاً في الأوّل ، كما على الجواز في مقابله.

و ( على الأصح ) في الثاني ، وفاقاً من الماتن هنا للمبسوط ، وأحد قولي الحلّي (٢) ؛ لاستصحاب المنع ، وللصحيح المضمر في الأشهر : عن رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في محاويج أو مساكين وهو محتاج ، أيأخذ منه لنفسه ولا يُعلمه؟ قال : « لا يأخذ منه شيئاً حتّى يأذن له صاحبه » (٣).

خلافاً له في الشرائع ، والفاضل في جملة من كتبه (٤). وهو أظهر ، وفاقاً لهم ولظاهر الكليني وصريح النهاية (٥) ، والقول الثاني للحلّي والمسالك وجماعة (٦) ، بل ادّعى في الدروس عليه الشهرة (٧).

للمعتبرة ، منها الصحيحان ، في أحدهما : عن الرجل يعطى الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن يحلّ له الصدقة ، قال : « لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره » قال : « ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن‌

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ١٨ : ٢٦٠.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٦٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ١٠٠٠ ، الإستبصار ٣ : ٥٤ / ١٧٦ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ٣.

(٤) الشرائع ٢ : ١٢ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ١٠٢١ ، والتحرير ١ : ١٦٢.

(٥) الكليني في الكافي ٣ : ٥٥٥ ، النهاية : ٣٦.

(٦) الحلي في السرائر ٢ : ٢٢٣ ، المسالك ١ : ١٦٧ ؛ وأُنظر الكفاية : ٨٨ ، والحدائق ١٨ : ٢٣٨.

(٧) الدروس ٣ : ١٧١ ، قال : وفي جواز أخذه لنفسه رواية صحيحة وعليها الأكثر.

٢٠١

يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه » (١) ونحوه الثاني (٢).

والموثق (٣) كالصحيح بأبان المجمع على تصحيح رواياته ، بل قال جماعة بوثاقته (٤) ، ولكن ليس فيه اشتراط عدم الأخذ زائداً على ما يعطي الغير ، بل مطلق ، ولكن الأوّلان مقيّدان به فيجب حمله عليهما ، سيّما مع دعوى الإجماع من كلّ من جوّز الأخذ عليه في كلام جماعة من أصحابنا (٥).

وهذه النصوص مع صحة أكثرها بل جميعها ظاهرة الدلالة بل صريحة معتضدة بالشهرة الظاهرة والمحكيّة ، فلا يقاومها شي‌ء مما مرّ من الأدلّة ، فأوّلها يخصّص بها ، ويطرح الصحيح في مقابلها ، لقصوره سنداً ومقاومة لها جدّاً ، أو يؤوّل بالكراهة ، أو يحمل على صورة وجود القرائن المانعة عن الأخذ ، كما ذكره جماعة (٦).

ولا بأس بهما ، سيّما الثاني ؛ لما صرّحت به اولى الروايات بالمنع عن الأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه ، بعد تصريحها أوّلاً بالجواز على الإطلاق ، وراويها بعينه هو راوي تلك الصحيحة ، وذلك قرينة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٥ / ١ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ١.

(٤) منهم : العلاّمة في المختلف : ٢٢٥ ، والشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي في معراج أهل الكمال : ٢٠ ، وأُنظر مرآة العقول ١٦ : ١٠٠.

(٥) منهم : الشهيد في المسالك ١ : ١٦٧ ، وأُنظر مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ١١٥.

(٦) منهم : المجلسي الأوّل كما حكاه عنه في ملاذ الأخيار ١٠ : ٣٢٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ١١٢ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٢٤٠.

٢٠٢

واضحة على اختصاص المنع فيها بما قيّدت المنع به هذه الرواية.

وهنا قولان آخران مفصِّلان تارة بالفرق بين قول الدافع : هو للفقراء مطلقاً ، أو : أعطه لهم ، مع عدم علم المالك بفقره ، فالثاني ، بشرط أن لا يتخصّص بزيادة في الكميّة أو الوصف. وقوله : أعطه لهم ، مع علمه به ، فالأوّل ؛ لأنّ المالك لو أراد لخصّصه بالذكر.

وفيه نظر ، فقد يمنع التخصيص ترفع المدفوع إليه مقابلته بالتصريح له بأخذه.

وأُخرى بالفرق بين قوله : أصرفه وما في معناه ، في الفقراء ، فالثاني ، وإليهم ، فالأوّل.

وفيهما مع عدم وضوح مستندها نظر ، سيّما في مقابلة إطلاق ما مر من النص المعتبر.

( ولو أعطى عياله ) وأقاربه ( جاز ) بلا خلاف ( إذا كانوا بالصفة ) للأصل ، والصحيح : في رجل أعطاه رجل مالاً ليقسّمه في المساكين وله عيال محتاجون ، أيعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال : « نعم » (١).

وليس فيه التقييد بعدم التفاضل ، ولا ريب فيه في نحو الزكاة الجائز فيها ذلك ، ومحتمل في غيره عملاً بالإطلاق ، إلاّ أن يكون العدم هو المتبادر ، فيتعيّن.

ونحوه الكلام في الأخذ لنفسه إن جوّزناه ، لولا الإجماع المتقدّم المحكي ، والخبران المقيّدان (٢).

مع إمكان التأمّل في الإجماع بعدم صراحة كلام الحاكين له فيه ،

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ١٠٠١ ، الوسائل ١٧ : ٢٧٧ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ٢.

(٢) المتقدمان في ص : ٣٧٤٥.

٢٠٣

ومخالفة جماعة ، حيث جوّزوا المفاضلة على الإطلاق.

وفي الخبرين بعدم الصراحة ، واحتمال أن يراد بهما المماثلة في جواز الإعطاء لا المعطى ، مع احتمال اختصاصهما بغير الزكاة الغير اللازم فيها المساواة بالإجماع ، ويشهد له خلوّ الموثق المتقدّم (١) عن اشتراطه ، مع اختصاص مورده بالزكاة.

ولكن الأحوط اشتراطه مطلقاً ، سيّما في غير الزكاة ، وسيّما للمحصورين ، وأحوط منه الكفّ عن الأخذ مطلقاً.

( و ) أمّا ( لو عيّن له ) المصارف دونه أو عيّن له شيئاً مخصوصاً ( لم ) يجز له أن ( يتجاوز ) عما عيّنه إجماعاً ؛ للصحيح المتقدّم (٢) في الأوّل ، وشهادة الحال في الثاني.

( الخامسة : جوائز ) السلطان ، بل مطلق ( الظالم محرّمة إن علمت ) حرمتها ( بعينها ) فإن قبضها حينئذٍ أعادها إلى المالك إن عرفه وأمكنه ، ولا يجوز إلى غيره معه إلاّ أن يأخذه الظالم قهراً.

وهل يضمن حينئذٍ؟ قيل : نعم (٣) ؛ لعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٤).

وربما فصّل (٥) بين القبض بعد العلم بكونها مضمونة ، فالضمان ، وبينه قبله ، فالعدم ، إن لم يقصّر في الإيصال إلى من يجوز الإيصال إليه ؛

__________________

(١) في ص : ٣٧٤٥.

(٢) في ص : ٣٧٤٥.

(٣) انظر جامع المقاصد ٤ : ٤٤.

(٤) عوالي اللئلئ ١ : ٢٢٤ / ١٠٦ ، وج ٢ : ٣٤٥ / ١٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧.

(٥) المسالك ١ : ١٦٨.

٢٠٤

لأنّ اليد على الأوّل عادية وفي الثاني أمانة.

وإن جهل المالك أو تعذّر الإيصال إليه ومن في حكمه لم يجز ردّه إلى الظالم ، بل يتصدّق بها عن المالك مع الضمان إن لم يقبله.

( وإلاّ ) يعلم حرمتها بعينها ( فهي حلال ) مطلقاً وإن علم أنّ في ماله مظالم ، بلا خلاف فيه وفي جواز المعاملة معه حينئذٍ ؛ للأصل ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (١) ، وقد تقدّم ما يتعلّق منها بجواز المعاملة (٢).

ونحوه أخبار أُخر معتبرة ، كالصحيح : « مالك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام ، إنّي أظنّك ضيّقاً » قال : قلت : نعم ، فإن شئت وسعت عليّ ، قال : « فاشتره » (٣).

وفي الصحاح في جوائز العمّال من الدراهم ونحوها أخذها؟ قال : « نعم » (٤).

وفي بعضها : « وحجّ بها » (٥) وفي آخر : « كُل منه وخُذ ، فلك المهنا وعليه الوزر » (٦) وفي غيرهما : « لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه » (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢٢٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٣.

(٢) راجع ص : ٣٧٣٨.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٦ / ٩٣٢ ، الوسائل ١٧ : ٢١٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٢ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ١٠٨ / ٤٥٠ ، التهذيب ٦ : ٣٣٨ / ٩٤٢ ، الوسائل ١٧ : ٢١٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ٢.

(٥) الفقيه ٣ : ١٠٨ / ٤٥٠ ، الوسائل ١٧ : ٢١٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ذيل حديث ٢.

(٦) الفقيه ٣ : ١٠٨ / ٤٤٩ ، التهذيب ٦ : ٣٣٨ / ٩٤٠ ، الوسائل ١٧ : ٢١٣ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١.

(٧) الكافي ٥ : ٢٢٨ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٥ / ١٠٩٤ ، الوسائل ١٧ : ٢١٩ أبواب ما

٢٠٥

والأفضل التورّع عنها بلا خلاف إن لم يخبر المجيز بالإباحة ؛ للشبهة الموجبة للكراهة.

وظاهر الخبرين المرويين عن العيون وغيره ، المتضمّن أحدهما لعدم قبل أبي الحسن موسى عليه‌السلام جوائز الرشيد أوّلاً بعد أن أُهديت إليه (١).

وثانيهما تعليل قبوله منه بقوله : « لولا أنّي أرى من أزوّجه بها من عزاب آل أبي طالب لئلاّ ينقطع نسله ما قبلتها » (٢).

وربما نافاهما ما دلّ على قبول الحسنين عليهما‌السلام جوائز معاوية ، كما في الصحيح (٣) وغيره (٤).

ويمكن الجمع بحمل القبول إمّا على الوجه الذي علّل به في أحدهما ، أو على أنّ المراد منه الإرشاد إلى الإباحة ودفع توهّم الحرمة ، أو على كونه بعد العلم بخلوصها عن الحرام ، ولا ريب في انتفاء الكراهة حينئذٍ ، ولا خلاف فيه ، ولا في انتفائها بإخبار المجيز بذلك ، أو إخراج الخمس ، لكونه مطهّراً للمال المختلط بالحرام علماً فلأن يطهّر المختلط به ظنّاً أو احتمالاً أولى ثم أولى.

وفي الموثق : عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال : « لا ، إلاّ أن لا يقدر ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم‌السلام » (٥).

__________________

يكتسب به ب ٥٢ ح ٥.

(١) عيون الأخبار ١ : ٦٠ / ٤ ، الوسائل ١٧ : ٢١٦ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١٠.

(٢) عيون الأخبار ١ : ٦٢ / ٥ ، الوسائل ١٧ : ٢١٦ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١١.

(٣) قرب الإسناد : ٩٢ / ٣٠٨ ، الوسائل ١٧ : ٢١٦ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١٣.

(٤) الإحتجاج : ٦٢ ، الوسائل ١٧ : ٢١٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١٤.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٣٠ / ٩١٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٨٤ ح ٣.

٢٠٦

ثم إنّ ظاهر إطلاق النص والفتوى يقتضي الحلّية مع عدم العلم بالحرمة مطلقاً ، علم بأن للمجيز مالاً حلالاً أم لا بل اشتبه الحال ، إلاّ أنّ المستفاد من بعض الأخبار الاشتراط بالأوّل ، كالمروي عن الاحتجاج للطبرسي وكتاب الغيبة للطوسي ، وفيهما بعد أن سئل مولانا الصاحب عليه‌السلام عن أكل مال من لا يتورّع المحارم : « إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه وأقبل برّه ، وإلاّ فلا » (١).

وفيه قصور عن المقاومة لما مرّ لوجوه ، فليطرح ، أو يؤوّل إلى ما يؤول إلى الأوّل.

( السادسة : الولاية ) للقضاء والحكم بين الناس وغيره ( عن ) السلطان ( العادل جائزة ) بلا خلاف ؛ للأصل ، وفقد المانع ( وربما وجبت ) في بعض الصور ، كأمره عليه‌السلام له بذلك.

( وعن الجائر محرّمة ) بلا خلاف كما مرّ إليه وإلى أدلّته من المعتبرة الإشارة في المعونة على المظالم (٢) ( إلاّ مع الخوف ) والتقيّة على النفس أو المال أو العرض ، عليه أو على المؤمنين ، كلاًّ أو بعضاً ، على وجه لا ينبغي تحمّله عادة بحسب حال المكره في الرفعة والضعة بالنسبة إلى الإهانة ، فيجوز حينئذٍ ، بل ربما وجب ، بلا خلاف ؛ للأصل ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تبلغ التواتر ، بل هي متواترة في إباحة التقيّة ، بل وجوبها ، ففي الصحيحين :

__________________

(١) الإحتجاج : ٢٧١ ، الغيبة : ٢٤٩ ، الوسائل ١٧ : ٢١٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥١ ح ١٥.

(٢) راجع ص : ٣٧٢١ ٣٧٢٢.

٢٠٧

« التقيّة في كلّ شي‌ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله تعالى له » كما في أحدهما (١).

وفي الثاني : « التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزّل به » (٢).

مضافاً إلى خصوص الصحيح : عن القيام للولاة ، قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « التقيّة من ديني ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له » (٣).

وبالجملة : لا خلاف ولا إشكال في الجواز مع التقيّة ، والحرمة مع عدمها ؛ لما مضى.

( نعم لو تيقّن ) أو ظنّ ( التخلّص من المآثم ، والتمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) جازت ولو اختياراً ، إجماعاً ، بل قال جماعة : ( استحبّت ) لما فيه من الإعانة على البرّ والتقوى (٤).

بل قيل : وجبت لو تمكّن من الأمرين ؛ لوجوبهما (٥).

وردّ بتوقّف ذلك على كون وجوبهما مطلقاً غير مشروط بالقدرة ، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدّمة ، وليس بثابت (٦).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٢٠ / ١٨ ، المحاسن : ٢٥٩ / ٣٠٨ ، الوسائل ١٦ : ٢١٤ أبواب الأمر بالمعروف وما يناسبه ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٢ : ٢١٩ / ١٣ ، الوسائل ١٦ : ٢١٤ أبواب الأمر بالمعروف وما يناسبه ب ٢٥ ح ١.

(٣) الكافي ٢ : ٢١٩ / ١٢ ، الوسائل ١٦ : ٢٠٤ أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٤.

(٤) منهم : الشيخ في النهاية : ٣٥٦ ، والعلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٥٢٥.

(٥) انظر المسالك ١ : ١٦٨ والحدائق ١٨ : ١٢٦.

(٦) كفاية الأحكام : ٨٨.

٢٠٨

وفيه نظر ؛ إذ يكفي في الثبوت إطلاق الأدلّة ، والقدرة الذاتية المشروطة بها التكاليف حاصلة وإن كانت للتأثير غير صالحة ، للتقيّة ، وبعد ارتفاعها فالقدرة باقية وموانعها منتفية ؛ مضافاً إلى صدق القدرة عليهما لمن انتفت في حقّه التقيّة.

وبالجملة : القدرة التي هي شرط التكليف بهما بل مطلق التكاليف هي القدرة الذاتيّة ، وهي هنا حاصلة ، وإنّما غاية التقيّة كونها من الموانع التي ليست التكاليف مشروطة بانتفائها ، بل هي بالنظر إليها مطلقة يجب مهما أمكن التوصّل إلى الواجب بدفعها ، وغاية الأمر مع عدم إمكان الدفع عدم المؤاخذة ، وهو غير ملازم لاشتراط التكاليف بانتفائها ، ألا ترى إلى من اشتغلت ذمّته بحقوق الناس الغير المتمكّن للموانع من دفعها إليهم هل يوجب ذلك سقوطها عن ذمّته ، أو يجب عليه دفعها وإيصال الحقوق إلى أربابها؟ ولا ريب ولا خلاف في بطلان الأوّل ، فتعيّن الثاني ، وما نحن فيه من قبيله ، فتأمّل.

( ولو اكره ) على الولاية وتنفيذ الأحكام والأوامر و ( لا ) يكون للمكرَه ( مع ذلك ) التيقّن بالتخلّص والتمكّن ( أجاب ) إلى الإطاعة وجوباً ( دفعاً للضرر ، و ) يجب عليه أن ( ينفذ أمره ) ونهيه وجميع ما يحكم به ( ولو كان محرّماً ) إجماعاً ، فتوًى ونصّاً ، متحرّياً الأسهل فالأسهل ، ومتدرّجاً من الأدنى إلى الأعلى ، فلو أمكن تنفيذ الأمر بالأوّل وجب عليه الاكتفاء به ، وهكذا ، كمراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ اقتصاراً في فعل المحرّم على أقلّ ما تندفع به الضرورة الموجبة لفعله.

ولو انحصر في الأعلى وجب ( إلاّ في قتل المسلم ) المحقون الدم ،

٢٠٩

فلا يجوز إذا بلغه ، إجماعاً ؛ وللصحيح : « إنّما جعلت التقيّة لتحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة » (١) ونحوه الموثق (٢).

وظاهر الإطلاق يشمل الجراح أيضاً ، كما عن الشيخ (٣) ، إلاّ أنّ لزوم الاقتصار في الخروج عن العمومات المجوّزة لفعل المحرّمات بالتقيّة على المتيقّن المتبادر من الإطلاق وهو القتل فإنّه الفرد الأكمل ، يقتضي المصير إلى جواز الجرح الذي لم يبلغ حدّه ، ولذا اقتصر في الاستثناء عليه جماعة (٤) ، كما في العبارة ، ولعلّه الأشهر.

وينبغي القطع بالجواز إذا كان الخوف على النفس بتركه ، ويحتاط بتركه في غيره.

وهل المسلم يشمل المخالف ، أم يخصّ المؤمن؟ إشكال.

والاحتياط يقتضي المصير إلى الأوّل إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال ، وسيّما القليل منه خاصّة ، وأمّا إذا كان على النفس المؤمنة فإشكال ، ولا يبعد المصير حينئذٍ إلى الثاني ، فليس شي‌ء يوازي دم المؤمن ، كما يستفاد من النصوص المعتبرة (٥).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٢٠ / ١٦ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٤ أبواب الأمر بالمعروف وما يناسبه ب ٣١ ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ١٧٢ / ٣٣٥ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٤ أبواب الأمر بالمعروف وما يناسبه ب ٣١ ح ٢.

(٣) حكاه عنه في المسالك ١ : ١٦٨.

(٤) منهم : العلاّمة في نهاية الأحكام ٢ : ٥٢٥ ، والتذكرة ١ : ٥٨٣ ، والشهيد في الروضة ٢ : ٤٢٠.

(٥) انظر الوسائل ١٧ : ٢٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٩٥ ح ٢.

٢١٠

( الفصل الثاني : )

( في البيع وآدابه ) ‌

( أمّا البيع : فهو الإيجاب والقبول اللذان ينتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعض مقدّر ).

تعريف البيع بالإيجابين كما هنا ، أو اللفظ المطلق ، كما في الشرائع وغيره (١) هو الأشهر ، قيل : لأنّه المتبادر (٢). وفيه نظر.

خلافاً للطوسي والحلّي ، فعرّفاه بمسبَّبهما الذي هو الانتقال (٣).

وهما جنس يشمل العقود ، وباقي القيود خاصّة مركّبة يخرج بها من العقود ما لا نقل فيه كالوديعة والمضاربة والوكالة ، وما تضمّن نقل الملك بغير عوض كالهبة والوصية بالمال ، أو المنفعة خاصّة كالإجارة.

وقوله : من مالك ، يتعلّق بـ « ينتقل » فيعمّ ما كان ملكاً للعاقد وغيره ، فيدخل فيه بيع الوكيل والوليّ.

وبه يندفع الاعتراض عن التعريف بعدم العموم فيه للثاني مع دخوله فيه بالإجماع.

وخرج بالعرض المقدّر الهبة المشروط فيها مطلق الثواب.

وحيث لم يعتبر التراضي وأطلق الإيجابين دخل فيه بيع المكرَه حيث يقع صحيحاً ، وبيع الأخرس وشراؤه بالإشارة ، فإنّه يصدق به الإيجاب والقبول.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ١٣ ؛ وأُنظر الروضة ٣ : ٢٢١.

(٢) الروضة ٣ : ٢٢١.

(٣) الطوسي في المبسوط ٢ : ٧٦ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٤٠.

٢١١

وبقي فيه دخول الهبة المشروط فيها عوض معيّن ، والصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معلوم ، فإنّه ليس بيعاً عند المصنف وسائر المتأخّرين ، فاختلّ التعريف منه كاختلاله منه في غير الكتاب ، ومن غيره ، والأمر فيه سهل بعد وضوح المطلب.

وحيث كان البيع عبارة عن الإيجاب والقبول المذكورين فلا يكفي في اللزوم المعاطاة ، وهي إعطاء كلّ واحد من المتبايعين من المال عوضاً عمّا يأخذه من الآخر باتّفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص ، سواء في ذلك الجليل والحقير ، على المشهور ، بل كان أن يكون إجماعاً ، كما في الروضة والمسالك في موضعين (١) ، بل ظاهر الأخير تحقّقه وانعقاده ، وادّعاه صريحاً في الغنية (٢) ؛ وهو الحجة بعد الأُصول القطعيّة من عدم الانتقال وترتّب أحكام البيع من اللزوم وغيره.

مضافاً إلى ما استدلّ به في الغنية ، قال : ولما ذكرناه نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة وعن بيع الحصاة على التأويل الآخر ، ومعنى ذلك أن يجعل اللمس للشي‌ء أو النبذ له أو إلقاء الحصاة بيعاً موجباً (٣). انتهى ، فتأمّل.

ولم نقف لهم على مخالف لا من الأصحاب عدا ما ربّما يتوهّم من كلام المفيد (٤) من الاكتفاء بمجرد التراضي والتقابض ولو خلاء عن اللفظ‌

__________________

(١) الروضة ٣ : ٢٢٢ ، المسالك ١ : ١٦٩ ، ١٧٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٣) ورد مؤدّاه في معاني الأخبار : ٨٠ ، وعنه في الوسائل ١٧ : ٣٥٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٢ ح ١٣.

(٤) انظر المقنعة : ٥٩١.

٢١٢

طرّاً ، كما ذكره في المختلف (١) ، وصرّح فيه بأنّه ليس بصريح فيه ولا ظاهر ، بل يتوهّم ، فكيف يتّخذ مثله مخالفاً صريحاً أو ظاهراً.

ولا من إطلاق الكتاب والسنّة ؛ فإنّ ما دلّ منهما على الانتقال واللزوم مختص بالعقود ، وليس مجرّد التراضي مع التقابض منها قطعاً ، لغةً وعرفاً ، مع أنّه يكفي الشك في الدخول فهيأ جزماً.

وكذلك ما دلّ منهما على حِلّ البيع ؛ لاحتمال منع تسمية مثل ذلك بيعاً حقيقة ، كما في الغنية مدّعياً عليه الإجماع (٢) ، وهو ظاهر جماعة (٣) ، وغاية العرف استعماله فيه ، وهو أعمّ منها جدّاً.

وعلى تقديرها كما حكاه المحقق الشيخ علي رحمه‌الله في شرح القواعد عن كافّة الأصحاب ، حيث ادّعى أنّ المعاطاة عندهم بيع حقيقة ، مفيد للملكية ، وإنّما غايتهم أنّها ليست بلازمة (٤) فغاية الدليل حينئذٍ ثبوت الحلّية ، وهو غير اللزوم الذي هو مفروض المسألة.

وأمّا الوجوه الأُخر التي ذكرها بعض الأجلّة (٥) انتصاراً لمتوهّم كلام المفيد رحمه‌الله فلم أفهم منها دلالة بل ولا إشارة ، وإنّما غايتها كباقي الأدلّة ثبوت الإباحة في التصرف ، فلا كلام فيها ، كما هو المشهور بين الطائفة ، بل كافّتهم ؛ لرجوع القائل بعدمها وحرمة التصرّف في المعاطاة (٦) عنه إلى‌

__________________

(١) المختلف : ٣٤٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٣) منهم : الشهيد في الروضة ٣ : ٢٢٢ ، والمسالك ١ : ١٦٩.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

(٥) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ١٣٩.

(٦) وهو العلاّمة في نهاية الأحكام ٢ : ٤٤٩.

٢١٣

الإباحة ، كما حكاه جماعة (١) ، وهي غير مفروض المسألة ، بل يستفاد من كثير من المعتبرة عدم الاكتفاء بمجرّد القصد والإشارة ، وأنّه لا بدّ من لفظ البتّة ، كما ذهب إليه بعض من لا يعتدّ به من الأجلّة (٢).

ففي الصحيح وغيره من المعتبرة أنّه إنّما يحرّم ويحلّل الكلام (٣).

وهي وإن اقتضت حرمة التصرف إلاّ أنّها محمولة على اللزوم وعلى ما بعد الرجوع (٤) ؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على الإباحة بالتراضي من الإجماع في الغنية وشرح القواعد (٥) ، مع عدم الخلاف فيه بين الطائفة ، لما عرفت من رجوع القائل بالحرمة كما حكاه جماعة.

نعم هي ليست دالّة على اشتراط كونه الألفاظ المخصوصة المشهورة بكيفياتها ، المعهودة المشترطة ، إلاّ أنّه ليس فيها الدلالة على الاكتفاء بذلك من دونها أيضاً ، وإنّما غايتها في الاكتفاء به وعدمه أنّها مجملة لا يمكن الاستناد إليها نفياً ولا إثباتاً في الكيفيات المزبورة.

وممّا حقّقناه من الأصل وغيره يظهر وجوب الإتيان بكلّ ما اختلف‌

__________________

(١) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٥٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٠ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٣٥٦.

(٢) حكاه في المسالك ١ : ١٦٩ عن بعض مشايخه المعاصرين.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٥٠ / ٢١٦ ، الوسائل ١٨ : ٥٠ أبواب أحكام العقود ب ٨ ح ٤.

(٤) بيان الحمل هو أنه قد ذكر في الحديث لفظ : يحلّل ويحرّم ، فيمكن أن يريد الإمام عليه‌السلام حصر التحليل في الكلام على وجه اللزوم ، أي : لا يحلّل البيع على وجه اللزوم إلاّ الكلام وحصر التحريم في الكلام على ما بعد الرجوع ، أي لا يحرّم إرجاع المبتاع على صاحبه إلاّ إجراء الكلام في البيع ، فإنّه إذا أُجري الكلام في البيع يحرم رجوع كل منهما على الآخر. ( منه رحمه‌الله ).

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

٢١٤

في اعتباره هنا بل العقود مطلقاً ، كالعربيّة والماضوية وتقديم الإيجاب على القبول وغير ذلك ، وفاقاً لجماعة (١).

خلافاً لآخرين (٢) ، فاكتفوا بمجرّد الإيجابين ، إمّا مطلقاً ، أو مع اعتبار بعض ما مرّ لا كلاًّ ، التفاتاً إلى أنّه عقد فيشمله عموم ما دلّ على لزوم الوفاء به ، كقوله سبحانه ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣).

وفيه نظر ؛ إذ بعد تسليم كون مثل ذلك عقداً يحصل الشك في دخوله في الآية جدّاً وإن كانت للعموم لغة ، بناءً على عدم إمكان حملها عليه ، من حيث خروج أكثر العقود منها على هذا التقدير إجماعاً ، فليس مثله حجّة ، فيكون الإجماع حينئذٍ قرينة على كون المراد بالعقود المأمور بالوفاء بها كلاًّ ما تداول في زمان الخطاب لا مطلقاً ، ودخول المفروض فيه غير معلوم جدّاً ولم يصل إلينا ما يدلّ عليه أصلاً.

فالواجب حينئذٍ الرجوع إلى ما قدّمناه من الأصل قطعاً ، هذا.

وقد حكي الإجماع عن التذكرة على عدم الوقوع بالمضارع والاستفهام (٤) ، وعن الخلاف على اعتبار الترتيب (٥) ، إلاّ أنّ في منع العموم نظراً ، ووجهه سيظهر.

فإذاً الجواز فيما عدا ما مرّ من محلّ الإجماع أظهر ، وأمّا فيه فالاشتراط أقرب ، لحجّية الإجماع المحكي ، سيّما مع اعتضاده بعمل‌

__________________

(١) منهم : المحقق الثاني في رسائله ١ : ١٧٧ ، وجامع المقاصد ٤ : ٥٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٤ ، وأُنظر المختلف : ٣٤٨.

(٢) كالمحقق في الشرائع ٢ : ١٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٢٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٨٨.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٥) حكاه عن الخلاف في المسالك ١ : ١٧١.

٢١٥

الأكثر ، وتأيّد الأوّل منه بعدم صدق العقد حقيقة إلاّ بعد صراحة اللفظ الدال عليه ، وهو منحصر في الماضي ، لتداول العادة بإجراء العقد به ، المستلزم لصراحته فيه ، وليس كذلك غيره ، فتدبّر.

( وله ) أي البيع وانعقاد ( شروط : )

( الأوّل : يشترط في المتعاقدين كمال العقل ) والبلوغ ، والرشد ( والاختيار ) والقصد.

فلا يجوز بيع المجنون ولو أدواريّاً إذا كان حال جنونه ، ولا المغمى عليه ولا السكران ، ولا الصبي ، ولا السفيه ، ولا المكرَه بغير حق ، ولا الغافل ، ولا النائم ، ولا الهازل ؛ بلا خلاف أجده إلاّ في الصبي خاصّة ، فعن الشيخ الجواز إذا بلغ عشراً (١).

ولم أقف على مستنده سوى القياس بجواز وصيّته وعتقه وطلاقه.

وفيه : منع القياس أوّلاً ، ثم المقيس عليه ثانياً إلاّ ما قام الدليل المعتدّ به عليه ، وبكونه مع الفارق ثالثاً ، لتضمّن الفرض تكاليف ليس محلّها دون الأُمور المزبورة ، مع معارضته بالأُصول السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، حتّى العمومات الآمرة بالوفاء بالعقود من الكتاب والسنّة ، فإنّه ليس محلّها إن أُريد صرفها إليه.

وإن أُريد صرفها إلى المعاملين معه إذا كان مع الشرائط فكذلك ، إمّا لما عرفت من عدم بقائها على عمومها ، واختصاصها بالعقود المتداولة زمان النزول ، ودخول مثله فيها غير معلوم فيدفع بالأصل.

__________________

(١) حكاه عنه في المفاتيح ٣ : ٤٦ ، وقال في المبسوط ٢ : ١٦٣ : ولا يصحّ بيع الصبي وشراؤه أذن له الولي أو لم يأذن ، وروى أنّه إذا بلغ عشر سنين وكان رشيداً كان جائزاً.

٢١٦

أو لاستلزام الدخول حيث يعقد الصبي على ماله في أوائل المدّة المرخّصة لبيعه عنده من دون الولي إمّا جواز التصرّف في مال اليتيم المتّفق على المنع عنه نصّاً وفتوى ، فتأمّل ، أو الضرر الكثير إن أُمر بالصبر إلى أوان بلوغه وإجازته ، مع أنّه قد لا يجيز ، هذا. مع أنّ الشيخ لا يقول بالأمر بالصبر ، بل يحكم باللزوم حين صدور العقد (١). وفيه ما مرّ.

وإذا ثبت المنع في هذه الصورة ثبت المنع بعدم القائل بالفرق في باقي الصور ، وإن زعم الجواز فيها بل مطلقاً بعض من شذّ ممّن تأخّر (٢) هذا.

مضافاً إلى استفاضة النصوص الصريحة بالمنع عن بيعه وشرائه وأمره إلى أوان بلوغه.

ففي الخبر : « إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها وجاز أمرها في البيع والشراء ، وأُقيمت عليها الحدود التامّة ، وأخذ لها بها ، والغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء ، ولا خرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة » (٣) الخبر.

وأخصيّتها من المدّعى مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين أصحابنا. هذا إن تمّ دعوى اختصاصها بماله بناءً على المتبادر ، وإلاّ فهي عامّة أو مطلقة.

نعم ، الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهليّة ؛ لتداوله في الأعصار والأمصار السابقة واللاحقة من غير نكير بحيث يعدّ مثله إجماعاً من المسلمين كافّة.

__________________

(١) انظر المبسوط ٢ : ٨٣.

(٢) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ١٥١ ، ١٥٣.

(٣) الكافي ٧ : ١٩٧ / ١ ، الوسائل ١٨ : ٤١٠ أبواب أحكام الحجر ب ٢ ح ١.

٢١٧

لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة ، فإنّه الذي يمكن فيه دعوى اتّفاق الأُمّة.

ومقتضى الأُصول اطّراد الحكم وإطلاقه فيه وفي الباقي دون السفيه في جميع الصور ، كان العقد لهم أو لغيرهم ، أذن لهم الوليّ أم لم يأذن ، أجازوا بعد الإكمال أم لا ؛ لمخالفة الفضولي للأصل ، واختصاص الفتوى والنصّ الدالّ على جوازه إن قلنا به بغير محلّ الفرض.

إلاّ أنّ ظاهرهم الاتّفاق في المكرَه خاصّة على الصحّة بعد الإجازة ، معلّلين بأنّه بالغ رشيد قاصد إلى اللفظ دون مدلوله ، وإنّما منع عدم الرضا ، فإذا زال أثّر العقد ، كعقد الفضولي حيث انتفى القصد إليه من مالكه مع تحقق القصد إلى اللفظ في الجملة ، فلمّا لحقته إجازة المالك أثّرت. ولا يعتبر مقارنته للعقد ؛ للأصل. بخلاف العقد المسلوب الأصل كعبارة الصبي ، فلا تجبره إجازة الولي ولا رضاه بعد بلوغه.

وفي الأصل مع الفرق نظر يظهر وجهه في الأوّل ممّا مرّ ، وفي الثاني من اشتراك العقدين في المانع والمقتضي ، فإنّ المانع وهو عدم اعتبار العقد بنفسه وإن اختلف وجهه مشترك كالمقتضي من عموم لزوم الوفاء بالعقد بعد الرضا ، فإنّه إن عمّم بحيث يشمل العقد الغير المعتبر شمل عقد الصبي أيضاً ، وإن خصّ بالمعتبر منه في نظر الشارع لم يشمل عقد المكرَه أيضاً.

ودعوى تأثير إجازته بعد زوال المانع مع معارضته بالمثل غير معقولة ، وأدلّة الفضولي إن سلّمناها لمثله غير شاملة كما مرّت إليه الإشارة ، وأصالة عدم اعتبار مقارنة القصد والنيّة للعقد ممنوعة معارضة بأصالة بقاء عدم الصحّة قبل الإجازة ، مضافاً إلى الأُصول المتقدّمة.

وبالجملة : لا أظنّ استقامة ذلك في التفرقة ، فإن كان عليها إجماع ،

٢١٨

وإلاّ فالمسألة محلّ مناقشة ، هذا.

مع أنّ الهازل والعابث قد اتّفقوا على المنع فيهما دونه ، مع جريان وجه الفرق المتقدّم بين المكرَه والصبي هنا إن تمّ بالضرورة.

ويمكن الجواب عن الوجهين ، فالأوّل وهو الأصل ـ : باندفاعه بعموم الأمر بالوفاء بالعقد. والقدح فيه بخروج الأكثر بالإجماع فيقيّد لأجله بالمتداول زمان الخطاب كما مرّ ، مع عدم معلوميّة كون ما نحن فيه منه محلّ نظر ؛ لاستلزامه إجماله وعدم إمكان التمسّك به في شي‌ء ممّا عدا محلّ الوفاق ، وهو مخالف لسيرة العلماء وطريقتهم المسلوكة بينهم ، بلا خلاف يظهر بينهم في ذلك أصلاً من جهة استنادهم إليه في محلّ النزاع والوفاق.

فالتحقيق أنّ الجمع بين الإجماعين يقتضي المصير إلى جعل الألف واللام في « العقود » للعهد والإشارة إلى جنس العقود المتداولة في ذلك الزمان ، المعهودة والمضبوطة الآن في كتب فقهائنا ، كالبيع والإجازة ونحو ذلك ، لا خصوص أشخاص كلّ عقد متداول فيه مع كيفياتها المخصوصة والمتداولة فيه ، فما عرفت من المحذور.

وحينئذٍ نقول : لا ريب في دخول هذا العقد في جنس تلك العقود وكونه فرداً من أفراده وإن جهل اشتراكه معها في الخصوصيات ، وذلك كما عرفت لا يوجب القدح في دخوله في العموم ، بل هو شامل له فيجب الوفاء به بمقتضاه ، لكن لمّا كان الإكراه مانعاً لم يحكم به ، فإذا زال وجب الحكم ، للعموم.

والثاني : بالإجماع على أنّ المراد بالعقود المأمور بالوفاء بها هو العبائر المعتبرة شرعاً ، الصادرة عمّن يكون لها أهلاً خاصّة دون غيرها‌

٢١٩

جدّاً ، وأنّ عقود الصبي وعبائره غير معتبرة بل وجودها كعدمها ، فالمانع عن دخول عقده فيه وهو سلب العبرة عنه لازم لذاته غير منفكّ عنه مطلقاً ، فلا يتصوّر فيه زوال المانع أبداً ، بخلاف المكرَه ، فإنّ المانع عن دخول عقده فيه أمر خارج عن ذات العقد وحقيقته ، ممكن الزوال ، فإذا زال دخل في العموم.

وغاية ما يتصوّر للمنع حينئذٍ عدم مقارنة القصد للعقد. وهو مدفوع بأصالة عدم اشتراطه.

والمعارضة بأصالة عدم الصحّة حسن لولا العموم المقتضي لها ، فإنّه لا اختصاص له بصورة دون صورة ، وبحالة دون اخرى ، بل شامل لجميع الصور حتّى زمان الإكراه ، إلاّ أنّه لمّا أجمع على كونه مانعاً حصل المنع به ، فإذا زال أثّر العموم في حكمه.

( و ) يشترط ( أن يكون ) كل من ( البائع ) والمشتري ( مالكاً ) للعوضين إجماعاً ؛ للنصوص المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثّقات وغيرها من المعتبرة التي كادت تكون هي مع سابقتها متواترة ، وسيأتي إلى ذكر بعض منها الإشارة في تضاعيف المباحث الآتية.

( أو وليّاً ) لهما مع صغرهما أو جنونهما الأصلي أو الطاري قبل البلوغ ( كالأب والجدّ له ) وإن علا ، دون الامّ وأبيها على الأشهر الأقوى.

( والحاكم ) الشرعي ( وأمينه ) المنصوب من قبله لذلك أو مطلقاً ، ولكن ولايتهما بعد فقد الأبوين ( والوصي ) لهما ، كما أنّ ولاية الوصي لأحدهما بعد فقد الآخر قطعاً.

( أو وكيلاً ) عن المالك ، أو من له الولاية حيث يجوز له التوكيل.

ولا خلاف في ثبوت الولاية لهؤلاء ، بل الظاهر الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة ، كالمعتبرة التي يأتي إلى ذكرها في كتاب الحجر الإشارة. فلا إشكال‌

٢٢٠