رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

بالشرط ، ولأنّه لم يجعل لنفسه خياراً. فالحاصل أنّ الفسخ يتوقّف على أمره ؛ لأنّه خلاف مقتضى العقد فيرجع إلى الشرط ، وأمّا الالتزام بالعقد فلا يتوقّف على الأمر ، لأنّه مقتضى العقد.

والفرق بين مؤامرة الأجنبي وجعل الخيار له ظاهر ؛ لأنّ الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره لا جعل الخيار له ، بخلاف من جعل الخيار له.

( ولا بدّ أن تكون مدّته ) أي الخيار وكذا الاستيمار ( مضبوطة ) غير محتملة للزيادة والنقيصة ، متّصلة بالعقد كانت أم منفصلة ، ويصير العقد على الثاني جائزاً بعد لزومه مع تأخّره عن المجلس.

فلو شرطا خياراً وأطلقا من دون بيان المدّة بطل الشرط على الأشهر بين من تأخّر ، وفاقاً للمرتضى والمبسوط (١) ؛ للجهالة والغرر المنهي عنهما في الشرع ، الموجبين لجهالة الثمن أو المثمن ، فإنّ للشرط قسطاً من العوض.

خلافاً للمفيد ، فيصحّ وكان الخيار إلى ثلاثة أيّام (٢) ، وتبعه جماعة كالخلاف والانتصار والقاضي والحلبي وابن زهرة العلوي (٣) ، مدّعياً هو في الظاهر كالأوّلين صريحاً عليه الإجماع ، وحجّيته مع اعتضاده بالكثرة والشهرة القديمة تقتضي المصير إليه وتخصيص ما مضى به من الأدلّة ؛ وعلّله السيدان بأن الثلاثة هي المدّة المعهودة في الشريعة لضرب الخيار ، والكلام إذا أُطلق حُمِل على المعهود. وفيه مناقشة.

__________________

(١) حكاه عن المرتضى في المختلف : ٣٥٠ ، المبسوط ٢ : ٧٨.

(٢) المقنعة : ٥٩٢.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٠ ، الانتصار : ٢١٠ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٥٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٣٠١

كلّ ذا إذا شرطاه ولم يذكرا المدّة ( و ) أمّا ( لو ) ذكراها مبهمة بحيث ( كانت ) للزيادة والنقيصة ( محتملة لم يجز ) قولاً واحداً ، وهي ( كقدوم الغزاة وإدراك الثمرات ) ونحو ذلك.

وفي فساد العقد بفساد الشرط قولان ، الأشهر الأظهر ذلك.

( ويجوز اشتراط مدّة ) معينة ( يردّ فيها البائع الثمن ويرتجع المبيع ) لما مرّ ، وإنّما أفرده. بالذكر لامتيازه عن السابق باشتراط الفسخ فيه بردّ الثمن دونه ، ولورود النصوص فيه بالخصوص ، وهي مستفيضة ، منها الموثق : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه ، فقال له : أبيعك داري هذه على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ؟

قال : « لا بأس بهذا ، إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه » قلت : فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلة؟ فقال : « الغلّة للمشتري ، ألا ترى أنها لو احترقت لكانت من ماله » (١) وقريب منه الصحيح (٢) وغيره (٣).

ومنه ـ مضافاً إلى لزوم العمل بالشرط ـ يظهر المستند في قوله : ( فلو انقضت ) المدّة ( ولمّا يردّ ) الثمن ( لزم البيع ، ولو تلف في المدّة كان من المشتري ، وكذا لو حصل له نماء كان له ).

وظاهر النصّ والعبارة انفساخ المعاملة بردّ الثمن خاصّة ، من دون إيماء إلى اشتراط فسخها قبله.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧١ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٢٨ / ٥٥٩ ، التهذيب ٧ : ٢٣ / ٩٦ ، الوسائل ١٨ : ١٩ أبواب الخيار ب ٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٤ / ١٠٣ ، الوسائل ١٨ : ٢٠ أبواب الخيار ب ٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٨٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٠ أبواب الخيار ب ٨ ح ٣.

٣٠٢

خلافاً لظاهر الأصحاب كما ذكره بعض الأجلّة (١) ، فاشترطوا الفسخ قبله ؛ ولعلّه لأصالة بقاء الصحة ، مع عدم دلالة ردّ الثمن بمجرّده على الفساد من دون ضمّ قرينة من عرف أو عادة.

والنصّ كالعبارة وارد مورد الغلبة ؛ فإنّ العادة قاضية بكون مثل هذا الرد فسخاً للمعاملة ، فتكون دلالةً بقرينة ، وهي غير منافية لما ذكره الأصحاب البتة ، ومن المقطوع عدم دخول ردّ الثمن لأجل الأمانة في مورد النص والعبارة ، وعدم إيجابه لفساد المعاملة بالضرورة ، اللهمّ إلاّ أن يريدوا به التصريح بلفظ الفسخ ، فالمنافاة ثابتة ، ولكن لا دليل على اعتباره.

ويسقط هذا الخيار بالإسقاط في المدّة إجماعاً ، كما في الغنية (٢) ؛ وللرواية الآتية (٣) في سقوطه بالتصرّف.

( الرابع : خيار الغبن ) بسكون الباء ، واصلة الخديعة ، والمراد به هنا البيع والشراء بغير القيمة ( ومن ثبوته وقت العقد ) باعتراف الغابن ، أو البيّنة ( بما لا يتغابن ) ولا يتسامح ( فيه غالباً ) والمرجع فيه إلى العادة : لعدم تقديره في الشريعة ( و ) ثبوت ( جهالة المغبون ) بالغبن ، ويكون بأحد الأمرين ، بلا خلاف فيه وفي عدم الثبوت بقوله ولو مع يمينه مع عدم إمكانها في حقّه.

وفي ثبوتها بذلك مع الإمكان قولان ، من أصالة عدم العلم ، وكونه كالجهل من الأُمور التي تخفى غالباً فلا يطّلع عليه إلاّ من قِبَل مَن هي به ، ومن أصالة لزوم العقد ووجوب الوفاء به فيستصحب إلى ثبوت المُزيل.

__________________

(١) الحدائق ١٩ : ٣٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٣) في ص : ٣٨٥٣.

٣٠٣

وكيف كان ، إذا ثبت الأمران ( يثبت له ) أي المغبون كائناً من كان ( الخيار في الفسخ والإمضاء ) في المشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع في الغنية والتذكرة (١) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى نفي الضرر والضرار في الشريعة ، والنهي عن أكل مال الغير إلاّ أن يكون تجارة عن تراضٍ في الكتاب (٢) والسنّة (٣).

وفي النصوص : « غبن المسترسل حرام » كما في أحدها (٤) ، أو المؤمن ، كما في ثانيها (٥). وفي ثالثها : « لا يغبن المسترسل فإنّ غبنه لا يحلّ » (٦).

وفي مجمع البحرين : الاسترسال : الاستيناس والطمأنينة إلى الإنسان والثقة فيما يحدّثه (٧). انتهى.

وبالجملة لا شبهة في المسألة وإن نقل عن الماتن في درسه إنكار هذا الخيار (٨).

وظاهر العبارة كصريح الجماعة أنّه لا أرش مع الإمضاء ، بل عليه‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ١٢٠ أبواب مكان المصلي ب ٣.

(٤) لم نجد رواية بهذا النص. نعم وجدنا روايات تنص على أن غبن المسترسل سحت ، وغبن المسترسل ربا ، كما في الوسائل ١٧ : ٣٩٥ أبواب آداب التجارة ب ٩ الأحاديث ٢ ، ٤ ، ٥.

(٥) الكافي ٥ : ١٥٣ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٥ أبواب آداب التجارة ب ٩ ح ٣.

(٦) فتح الأبواب : ١٦٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٥ أبواب آداب التجارة ب ٢ ح ٧.

(٧) مجمع البحرين ٥ : ٣٨٣.

(٨) الدروس ٣ : ٢٧٥ ، المسالك : ١٧٩.

٣٠٤

الإجماع في التذكرة (١) ، وهو الحجة ، مضافاً إلى أصالة البراءة ، واندفاع الضرر بالخيار بالضرورة ، فلا موجب له بالمرّة.

وفي سقوط الخيار ببذل الغابن التفاوت قولان ، للأول : الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم العقد على المتيقّن المجمع عليه والمتحقق به الضرر ، وليس منهما محلّ الفرض ، أمّا الأوّل فللخلاف ، وأمّا الثاني فلاندفاع الضرر بالبذل.

وللثاني ـ وهو الأشهر ـ : الاستصحاب لما ثبت ، وهو الأظهر إن كان الإجماع في إثبات أصل هذا الخيار هو المستند ، ولا ينافيه وقوع الخلاف في محلّ الفرض ، لأنه غير محلّ الإجماع ، وثبوت الحكم فيه به يقتضي انسحابه في محلّ الخلاف بالاستصحاب. ولا كذلك لو كان المستند للإثبات أدلّة نفي الضرر خاصّة ؛ لدوران الحكم معه حيث دار ، فيندفع بالبذل ، فتأمّل وحيث إنّ الاعتماد فيه على الأوّل أيضاً كان القول الثاني متّجهاً.

والمشهور أنّه لا يسقط بالتصرّف مطلقاً سواء كان المتصرّف الغابن أو المغبون ، وسواء خرج به عن الملك كالبيع ، أو منع مانع من الردّ كالاستيلاد ، أم لا ؛ للأصل. إلاّ أن يكون المغبون المشتري وقد أخرجه عن ملكه ، أو عرض له مانع عن ردّه وإن لم يخرج عن ملكه ، فيسقط خياره ؛ إذ لا يمكنه ردّ العين المنتقلة إليه ليأخذ الثمن.

خلافاً لجماعة (٢) ، فتنظّروا في إطلاق الاستثناء ؛ للضرر على المشتري‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٢) منهم : الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٤٦٥ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤٠٤ ، وانظر الحدائق ١٩ : ٢٤.

٣٠٥

مع تصرّفه فيه على وجه يمنع من ردّه لو قلنا بسقوط خياره به مع الجهل بالغبن أو الخيار ؛ لبقاء الضرر المثبت للخيار ، وحينئذٍ فيمكن الفسخ مع تصرّفه كذلك ، وإلزامه بالقيمة إن كان قيميّاً أو المثل إن كان مثلياً ، جمعاً بين الحقّين.

وكذا لو تلفت العين أو استولد الأمة ، كما يثبت ذلك لو كان المتصرّف المشتري والمغبون البائع ، فإنّه إذا فسخ فلم يجد العين يرجع إلى المثل أو القيمة.

( الخامس : ) خيار التأخير ، أي تأخير إقباض الثمن والمثمن عن ثلاثة أيّام ، فـ ( من باع ولم يقبض الثمن ولا قبّض ) بتشديد الباء ( المبيع ولا اشترط التأخير ) فيهما احترز به عن النسيئة والسلف ـ ( فالبيع لازم ) على المتعين ( إلى ثلاثة أيّام ، ومع انقضائها يثبت الخيار ) بين الفسخ والإمضاء ( للبائع ) خاصّة ، بالإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة ، كالإنتصار والغنية والتنقيح والتذكرة (١) ، وغيرها من كتب الجماعة (٢) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.

ففي الصحيح : عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن ، قال : « الأجل بينهما ثلاثة أيّام ، فإن قبضه بيعه وإلاّ فلا بيع بينهما » (٣).

__________________

(١) الانتصار : ٢١٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، التنقيح الرائع ٢ : ٤٨ ، التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٢) انظر جامع المقاصد ٤ : ٢٩٧ ، والمسالك ١ : ١٨٠ ؛ مجمع الفائدة ٨ : ٤٠٥ ، الحدائق ١٩ : ٤٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٢ ، الإستبصار ٣ : ٧٨ / ٢٥٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٢ أبواب الخيار ب ٩ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

٣٠٦

وفي آخر : الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده ، فيقول : حتى آتيك بثمنه ، قال : « إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام ، وإلاّ فلا بيع له » (١).

وفي الموثق : « من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام ولم يجي‌ء فلا بيع له » (٢).

وليس فيها كغيرها اشتراط عدم إقباض المبيع ، بل إطلاقها يشمل صورتي إقباضه وعدمه. بل ربما كان ظاهراً في الصورة الاولى إن قلنا بأنّ القبض في نحو المتاع هو الأخذ باليد ؛ لغلبة تحقّقه بعد عقد البيع.

نعم ، لو قلنا بأنّ القبض فيه هو النقل لم يكن للإطلاق ظهور في ذلك ، بل ظاهر السياق عدم تحقّقه ، فتدبّر.

ولعلّ استناد الأصحاب إلى هذه الأخبار مع اشتراطهم عدم إقباض المبيع مبنيّ على كون القبض عندهم في نحو المتاع هو النقل لا مجرّد القبض باليد ، وسيأتي الكلام فيه (٣).

إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على الاشتراط ، بل عبارات نقلة الإجماع مصرّحة به ، وربما كان في الصحيح الأوّل إشعار به ، بل دلالة عليه ، فتأمّل ، فلا مندوحة عنه ، مع لزوم الاقتصار في الخيار المخالف للأصل على القدر المتيقّن من الإطلاق ، مع أنّ في الغنية نسب ذلك إلى‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧١ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٢١ / ٨٨ ، الإستبصار ٣ : ٧٧ / ٢٥٨ ، الوسائل ١٨ : ٢١ أبواب الخيار ب ٩ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٢٦ / ٥٥٢ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩١ ، الإستبصار ٣ : ٧٨ / ٢٦٠ ، الوسائل ١٨ : ٢٢ أبواب الخيار ب ٩ ح ٤.

(٣) راجع ص : ٣٨٩٥.

٣٠٧

رواية الأصحاب (١).

نعم ، عن الشيخ القول بجواز الفسخ مع تعذّر قبض الثمن (٢) ، وقوّاه في الدروس (٣) ؛ لخبر نفي الضرر ، لا لما مرّ من النص ، لعدم التقييد فيه بقيد تعذّر قبض الثمن. والرجوع فيه إلى أدلّة لزوم العقد أولى ؛ لاندفاع الضرر بأخذ العين مقاصّة إن أمكنت ، وإلاّ فليس للفسخ فائدة.

وظاهر النصوص كما ترى بطلان البيع بعد الانقضاء لا ثبوت الخيار ، كما عن الإسكافي وأحد قولي الطوسي (٤) ، إلاّ أنّ الشهرة العظيمة والإجماعات المحكية البالغة حدّ الاستفاضة مع أصالة بقاء الصحة أوجبت المصير إلى حمل البيع المنفي بعد تعذّر الحمل على الحقيقة على البيع اللازم خاصّة ، وإن كان أقرب المجازات نفي الصحة.

مع إمكان المناقشة في ظهور الدلالة بورود النفي هنا مورد توهّم لزوم المعاملة ، فلا يفيد سوى نفيه ، وهو يجامع بقاء الصحة المستفاد من الأدلّة المتقدّمة.

مضافاً إلى إشعار ما عدا الخبر الأولّ بذلك ، من حيث تخصيص النفي فيه بالمشتري فقال : « لا بيع له » وهو ظاهر في الثبوت للبائع.

ولا ينافيه نفيه فيما بينهما في الخبر الأوّل ؛ لكون المتعلّق المركّب الصادق نفيه بانتفاء البيع عن أحدهما ، فلا إشكال بحمد الله تعالى.

ثم إنّه لا فرق في المبيع بالإضافة إلى مدّة الخيار بين الجارية وغيرها‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٢) كما في النهاية : ٣٨٥.

(٣) الدروس ٣ : ٢٧٤.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٥١ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ٨٧.

٣٠٨

في إطلاق أكثر النصوص والفتاوى ، خلافاً للمقنع ومحتمل الاستبصار (١) ، فجعلا مدّة الخيار فيها إلى شهر ؛ للصحيح (٢). وهو أحوط ، وإن كان الأوّل أجود ؛ لتعاضد أدلّته بالكثرة والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، والإجماعات المحكية.

واعلم أنّ قبض البعض كلا قبض ؛ لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن مجتمعاً ومنفرداً ، ولظاهر بعض النصوص المثبتة للخيار لمن باع محملاً وقبض بعض الثمن (٣) ، فتأمّل.

وشرط القبض المانع كونه بإذن المالك ، فلا أثر لما يقع بدونه ، كما لو ظهر الثمن مستحقاً أو بعضه.

ولا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة وإن كانت قرينة الرضا بالعقد ؛ عملاً بالاستصحاب ، على إشكال مع القرينة ، لمفهوم بعض ما مرّ من الأخبار في خيار الحيوان (٤).

ولو بذل المشتري الثمن بعدها قبل الفسخ سقوط الخيار وجهان ، منشأهما زوال الضرر والاستصحاب. والثاني أظهر ؛ لكون دليل الأوّل مناطاً مستنبطاً.

وحيث يثبت الخيار بشرائطه ( فإن تلف ) المبيع بعد بانقضاء‌

__________________

(١) لم نجده في نسختنا من المقنع ، وقد نقله عنه في المختلف : ٣٥١ ، الاستبصار ٣ : ٧٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٠ / ٣٤٢ ، الإستبصار ٣ : ٧٨ / ٢٦١ ، الوسائل ١٨ : ٢٣ أبواب الخيار ب ٩ ح ٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٢ / ١٦ ، التهذيب ٧ : ٢١ / ٩٠ ، الوسائل ١٨ : ٢١ أبواب الخيار ب ٩ ح ٢.

(٤) راجع ص : ٣٨٣٦.

٣٠٩

الثلاثة كان من البائع إجماعاً تواتر نقله جدّاً. وإن تلف فيها فـ ( قال المفيد ) وكثير ممّن تبعه (١) ، بل ادّعى عليه الإجماع في الانتصار والغنية (٢) ( يتلف في الثلاثة من المشتري ، وبعدها من البائع ) لأنّ العقد ثبت بينهما عن تراضٍ منهما ، بخلاف ما بعد الثلاثة ، لأنّ البائع أحقّ به.

وفي نكت الإرشاد للشهيد رحمه‌الله : الظاهر أنّ مراده أنّه لمّا ثبت العقد الناقل للملك ولا خيرة للبائع فيه ، بل هو ممنوع منه لحقّ المشتري صار كالمودع عنده ، بخلاف ما بعدها ، فإنّ إمساكه لنفسه لثبوت الخيار له حينئذٍ عند جماعة ، أو لبطلان البيع ، كظاهر كلام ابن الجنيد والشيخ. انتهى.

وهو بملاحظة ردّه الرواية الآتية بعدم الصراحة في المتنازع ، وعدم عموم لها يشمله مشعر ، بل ظاهر في الميل إلى هذا القول.

وهو غير بعيد ؛ للإجماعين المحكيين اللذين هما في حكم خبرين صحيحين ، مع كون النماء له فيكون التلف عليه ، لتلازم الأمرين ، كما يستفاد من بعض أخبار خيار الشرط (٣).

والنقض بالتلف بما بعد الثلاثة كما في السرائر (٤) مدفوع بالإجماع ثمّة دون المسألة ، مضافاً إلى الحجّة المتقدّمة.

( و ) لكن استقرّ رأي المتأخّرين كافّة بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعاً على أنّ ( الوجه تلفه من البائع في الحالين ؛ لأنّ التقدير أنّه لم يقبض ) وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٥٩٢ ، وانظر المراسم : ١٧٢ ، والكافي في الفقه : ٣٥٣.

(٢) الانتصار : ٢١٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٣) راجع ص : ٣٨٤٠.

(٤) السرائر ٢ : ٢٧٧.

٣١٠

بائعه » (١).

وفي الخبر في رجل اشترى متاعاً من رجل وأوجب له غير أنّه ترك المتاع ولم يقبضه ، وقال : آتيك غداً إن شاء الله تعالى ، فسرق المتاع ، من مال مَن يكون؟ قال : « من صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله » (٢).

والمسألة محلّ تردّد ، وإن كان ما صار إليه المتأخّرون لا يخلو عن قوّة ، سيّما مع دعوى الخلاف عليه الإجماع (٣).

وأمّا التفصيل بين التلف بعد عرض السلعة على المشتري فلم يقبله فالأوّل ، وقبله فالثاني كما عن ابن حمزة والحلبي (٤) فلا مستند له ، فهو ضعيف غايته ، وإن مال إليه في المختلف (٥).

( ولو اشترى ما يفسد من يومه ) ولو بنقص الوصف وفوات الرغبة ، كما في الخضروات واللحم والعنب وكثير من الفواكه ( ففي رواية ) مرسلة عمل بها الأصحاب كافّة كما في المهذّب (٦) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٧) أنّه ( يلزم البيع إلى الليل ، فإن لم يأت ) المشتري‌

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٣ : ٢١٢ / ٥٩ ، المستدرك ١٣ : ٣٠٣ أبواب الخيار ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ / ٨٩ ، الوسائل ١٨ : ٢٣ أبواب الخيار ب ١٠ ح ١.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٠.

(٤) ابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٩ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٣.

(٥) المختلف : ٣٥١.

(٦) المهذب البارع ٢ : ٣٨٣.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٣١١

( بالثمن فلا بيع له ) (١).

وفي نسبة الحكم إلى الرواية نوع إشعار بالتردّد في المسألة ، وليس لقصور السند ، للانجبار بالعمل ، ونحوه حجّة عند الماتن ، ولا لقصور الدلالة من حيث ظهورها في بطلان المعاملة لا ثبوت الخيار كما ذكره الجماعة ، لما مرّت إليه الإشارة ، بل لأنّ الظاهر أنّ هذا الخيار شُرّع لدفع الضرر ، وإذا توقّف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل من يومه كما فرض في الخبر لا يندفع الضرر ، وإنّما يندفع بالفسخ قبل الفساد ، ولذا فرضه شيخنا في الدروس خيار ما يفسده المبيت (٢).

وهو حسن ، وإن كان فيه خروج من ظاهر النص ؛ لتلافيه بخبر الضرار ، مع أنّ حمله عليه بإرادة الليلة أيضاً من اليوم ممكن.

والأقرب تعديته إلى كلّ ما يتسارع إليه الفساد عند خوفه ولا يتقيد بالليل ، وفاقاً للدروس والروضة (٣). فعلى هذا لو كان مما يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوفه ، ولا يضرّ خروجه عن مورد النص ، فإنّ خبر الضرار يفيده في الجميع.

وفي إلحاق فوات السوق بخوف الفساد وجهان ، ولكن الأصل مع عدم تيقّن الضرر يقتضي المصير إلى الثاني ، مع كونه في الجملة أحوط.

وظاهر الماتن وغيره (٤) ، وصريح جماعة (٥) كالغنية مدّعياً الإجماع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٢ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ٢٥ / ١٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٧٨ / ٢٦٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٤ أبواب الخيار ب ١١ ح ١.

(٢) الدروس ٣ : ٢٧٤.

(٣) الدروس ٣ : ٢٧٤ ، الروضة ٣ : ٤٦٠.

(٤) انظر التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٥) منهم : المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤٠٨ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٥٤.

٣١٢

عليه (١) : كون هذا الخيار من جملة أفراد خيار التأخير ، فيشترط فيه ما يشترط فيه من الأُمور الثلاثة.

( السادس : خيار الرؤية ، وهو ) إنّما ( يثبت في بيع الأعيان الحاضرة ) أي المشخّصة الموجودة في الخارج إذا كان بالوصف ( من غير مشاهدة ) مع عدم المطابقة.

وكذا لو بيعت برؤية قديمة لو ظهرت بخلاف ما رآه ، إلاّ أنّه ليس من أفراد هذا القسم ، بقرينة قوله : ( ولا يصحّ ) البيع في مثلها ( حتى يذكر الجنس والوصف ) الرافعين للجهالة ، ويشير إلى معيّن ، وذلك لأنّ ما ذكر من الشرط مقصور على ما لم ير أصلاً ؛ إذ لا يشترط وصف ما سبقت رؤيته.

ويتفرّع على الشرط أنّه لو انتفى بطل ، ولو انتفت الإشارة كان البيع كلّياً لا يوجب الخيار لو لم يطابق المدفوع ، بل عليه الإبدال.

وحيث وقع البيع على المشار إليه الموصوف ( فإنّ كان موافقاً ) للوصف من دون زيادة ونقيصة ( لزم ) البيع.

( وإلاّ ) يوافق بأن نقص عنه ( كان للمشتري الردّ ) إذا كان هو الموصوف له دون البائع ، بلا خلاف ؛ للصحيح : عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها أو يخرج منها ، فلمّا أن نقد المال وصار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يُقِله ، فقال عليه‌السلام : « لو أنّه قلب منها أو نظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية » (٢)

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧١ / ٧٦٦ ، التهذيب ٧ : ٢٦ / ١١٢ ، الوسائل ١٨ : ٢٨ أبواب الخيار ب ١٥ ح ١.

٣١٣

مضافاً إلى حديث نفي الضرر (١).

ومنها يظهر المستند في قوله : ( وكذا لو لم يرد البائع ) وباعه ( واشترى ) المشتري منه ( بالوصف ) متعلّق بالبائع ، أي باعه من دون أن يراه ، بل بالوصف ، سواء كان من المشتري أو ثالث ( كان الخيار للبائع ) خاصّة ( لو كان بخلاف الصفة ) إذا كان الوصف من المشتري ، وله أيضاً إذا كان من ثالث وزاد ونقص باعتبارين ، ويقدّم الفاسخ منهما كما مضى (٢).

ولو رأى البعض ووصف الباقي تخيّر في الجميع مع عدم المطابقة ، وليس له الاقتصار على فسخ ما لم يره ؛ لدخول الضرر بتبعّض الصفقة ، ويمكن الاستناد له إلى الصحيحة السابقة إن جعل المشار إليه بذلك تمام الضيعة لا خصوص القطعة الغير المرئيّة. ولا ينافيه لو عكس الإشارة ؛ فإنّ غايتها إثبات الخيار له في تلك القطعة ، وهو لا يدلّ على جواز الاقتصار بفسخها خاصّة.

وهل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟ وجهان.

أشهرهما الأوّل ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على لزوم العقد على أقلّ ما يندفع به الضرر المثبت لأصل هذا الخيار.

وأجودهما الثاني ؛ لإطلاق النص والاستصحاب ، إلاّ إذا استلزام الضرر فيلزم بالاختيار.

( وسيأتي خيار العيب إن شاء الله تعالى ) وهو السابع ، ولم يذكره هنا لكثرة مباحثه وتشعّب مسائله ، فحسن جعله فصلاً برأسه.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٨ : ٣٢ أبواب الخيار ب ١٧ ح ٣ ، ٤ ، ٥.

(٢) راجع ص : ٣٨٣٠.

٣١٤

( وأما الأحكام ) المتعلّقة بالخيار ( فمسائل : )

( الاولى : خيار المجلس يختصّ بالبيع ) ويجري في جميع أنواعه ؛ لعموم الأدلّة ، وعليه الإجماع في الغنية (١) ( دون غيره ) من عقود المعارضات لازمة كانت أم جائزة ، إجماعاً ، كما في الخلاف والمسالك والغنية (٢) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على موارد الأدلّة ، وليست إلاّ البيع خاصّة.

( الثانية : التصرّف ) ممّن له الخيار في العوض المنتقل إليه بالعقد ( يُسقِط خيار الشرط ) بالنسبة إليه ، كما أنّ التصرّف في ماله المنتقل إلى صاحبه يفسخ العقد إذا كان بشرائط الصحة ، كأن يكون بعد ردّ الثمن أو المبيع إذا اشترط استرجاعهما ؛ لأنّ منه في الأوّل إجازة للزوم العقد والتزام به ، وفي الثاني فسخ له وأمارة الرضاء بعدمه ، على الأشهر ، بل بلا خلاف كما في الغنية (٣).

ويدلّ على الأوّل في الجملة بعض المعتبرة : في رجل اشترى ثوباً بشرط إلى نصف النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : « ليشهد أنّه رضيه فاستوجبه ثم ليبعه إن شاء ، وإن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه » (٤).

وليس في سنده سوى السكوني المجمع على قبول رواياته ، كما عن الطوسي (٥).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٢) الخلاف ٣ : ١٣ ، المسالك ١ : ١٨٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٣ / ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ / ٩٨ ، الوسائل ١٨ : ٢٥ أبواب الخيار ب ١٢ ح ١.

(٥) انظر عدة الأُصول ١ : ٣٨٠.

٣١٥

مضافاً إلى ما مرّ من النصّ في بيع الحيوان (١) ، الدالّ بظاهره على أنّ تصرّف المشتري فيه أمارة الالتزام بالعقد والرضاء به ، المشعر بأنّه المعيار في سقوط الخيار على الإطلاق ولو في نحو المضمار.

إلاّ أنّ ظاهرهما الاختصاص بالتصرّف المقصود به التملّك ، وهو ظاهر الغنية حيث علّل سقوط الخيار بالتصرّف بأنّه من المشتري إجازة (٢).

ولا ريب في السقوط بمثله ، أمّا السقوط بمطلق التصرّف حتى الظاهر في عدم قصد التملّك والالتزام بالعقد ، إمّا لوقوعه بعنوان الغفلة والسهو ، أو مراعاة للمبيع بالضبط والحفظ فمحلّ نظر ؛ للزوم الاقتصار فيما خالف ما دلّ على ثبوت الخيار على القدر المتيقّن من النص.

ومنه يظهر الوجه في قوّة احتمال عدم السقوط بالتصرّف الذي ليس مورد النص ، كتصرّف المتبايعين في الثمن ، أو البائع في المبيع مع ثبوت الخيار للمتصرّف ، إلاّ إذا دلّ على إسقاط الخيار أو فسخ البيع ، فيلزمان حينئذٍ ، لما مرّ في الخبر.

وأمّا إذا لم يدلّ عليه ، بل دلّ على الخلاف فالظاهر عدم سقوط الخيار ولا انفساخ البيع ؛ للأصل ، وظاهر ما مرّ من النصّ المثبت لهذا الخيار ، لدلالته في الظاهر على تصرّف البائع ذي الخيار في الثمن ، ومع ذلك حكم بثبوت خياره ، وليس إلاّ لعدم دلالة التصرّف في مثل هذا الخيار على الإسقاط ، وأن ليس المبطل له سوى انقضاء المدّة أو ردّ الثمن إذا كان الخيار للبائع ، أو المبيع إذا كان بالعكس.

وبالجملة المدار في إسقاط التصرّف للخيار وإيجابه البيع هو ما دلّ‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٨٣٦.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٣١٦

منه عليهما ، لا مطلقاً كما في العبارة وغيرها من كلمات أصحابنا (١).

ويمكن أن يكون مرادهم من الإطلاق كون الأصل في التصرّف الدلالة على الرضاء بأحد الأمرين إلاّ أن يظهر من الخارج ما يخالفها ، كأن ينضمّ إليه ما يدلّ على عدم القصد إلى أحد الأمرين.

وهو وإن خالف الأصل إلاّ أنّ استفادته من النص في خيار الحيوان ممكن ، حيث جعل التصرّف فيه بمجرّده أمارة الرضاء ، لكن ليس فيه دلالة على لزوم أحد الأمرين بمطلق التصرّف ، حتى ما اقترن منه بما يدلّ على عدم الرضاء بأحدهما من عادة أو غيرها ، فيجب في مثله الرجوع إلى الأصل ، وهو بقاء الخيار ولزوم البيع.

وبذلك يجمع بين إطلاق الفتاوي بلزوم أحدهما بالتصرّف والنص المثبت لهذا الخيار الظاهر في عدم سقوطه بتصرّف البائع في الثمن ، بحمل الأوّل على ما لم يعلم فيه عدم رضاء المتصرّف بأحد الأمرين ، والثاني على ما علم فيه ذلك ، وغالب ما يقع من التصرّفات في بيع الشرط في أمثال الزمان من هذا القبيل ، فلا يوجب السقوط ولا الفسخ ، فتدبّر.

ثم إنّ ظاهر العبارة اختصاص السقوط بالتصرّف بهذا الخيار ، وقد مرّ ثبوت السقوط به في غيره كخيار المجلس (٢) ، فلا وجه للتخصيص به.

( الثالثة : الخيار ) بأنواعه ( يورث ، مشروطاً كان أو لازماً بالأصل ) أي بأصل الشرع ، بلا خلاف ، بل ظاهرهم الإجماع عليه ، وحكي صريحاً (٣) ؛

__________________

(١) كالحلّي في السرائر ٢ : ٢٤٧ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٥٢٨ ، والشهيد في الدروس ٣ : ٢٧٠.

(٢) راجع ص : ٣٨٢٩.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، التذكرة ١ : ٥٣٦.

٣١٧

للنبوي العام ، المنجبر بعمل العلماء الأعلام : « ما ترك الميت من حقّ فهو لوارثه » (١) والمؤيّد بعمومات الإرث كتاباً وسنّة ، فلا شبهة ولا خلاف في المسألة إلاّ في خيار المجلس ، فوجهان (٢) ، وقولان ، وظاهر السرائر دعوى الإجماع على أنّه يورث (٣) ، كما هو أيضاً مقتضى الأصل.

وكيف كان ، فإن كان الخيار خيار الشرط مثلاً يثبت للوارث بقيّة المدّة المضروبة ، فلو كان غائباً أو حاضراً ولم يبلغه الخبر حتى انقضت المدّة سقط خياره بانقضائها كالمورّث.

ولو تعدّدت الورثة واختلفوا في الفسخ والإجازة قيل : قدّم الفسخ (٤).

وفيه نظر.

وعلى تقديره ففي انفساخ الجميع أو في حصّته ثم يتخيّر الآخر لتبعض الصفقة وجهان.

ولو جُنّ قام وليّه مقامه.

( الرابعة : المبيع يملك بالعقد ) على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، بل ظاهر المحكي عن السرائر الإجماع عليه (٥).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٩١٤ ، ٢٧٣٨ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٣ ؛ بتفاوت.

(٢) من ظهور أدلّته في اختصاصه بالمتبايعين بناءً على جعل غاية مدّته افتراقهما بالأبدان ، وهو حاصل بافتراقهما بالأرواح ، لأولويته على الأول ، ومن عدم صدق التفرق بالأبدان الذي هو المعيار في انقضاء الخيار. والأصل يقتضي بقاء الخيار ، فلو كان الوارث حاضراً في المجلس انتقل إليه ، للعموم ، ولا ينافيه اختصاص الخيار بالمتبايعين وأن ثبوته ابتداءً وبالذات مختص بهما وهو ينافي الانتقال إلى الوارث ثانياً وبالعرض. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) السرائر ٢ : ٢٤٩.

(٤) قال به العلامة في التذكرة ١ : ٥١٨.

(٥) السرائر ٢ : ٢٤٨.

٣١٨

قيل (١) : لتعليق إباحة التصرّف بالتجارة في الكتاب والسنّة على المراضاة والمبايعة ، فلو لم تكن مفيدة للملك لما جاز التعليق عليها.

وأنّ الصحة في المعاملة عبارة عن ترتّب الأثر ، فحال وقوع العقد إن وصف بها ثبت المطلوب ، وإلاّ فلا خيار ، لترتّبه على العقد الصحيح والفرض عدمه.

وأنّ المقتضي للملك وهو العقد موجود ؛ لأنّه السبب الشرعي لنقل العين هنا ، ولذا عرّفوه بأنّه انتقال عين أو تمليك عين. والمانع مفقود ؛ إذ ليس إلاّ ثبوت الخيار ، وهو غير منافٍ للملك كخيار العيب ، فيكون الملك حاصلاً.

وأنّه لو لم ينتقل بالعقد إلى المشتري لكان موقوفاً ، وحينئذٍ لم يكن فرق بين بيع المالك والفضولي ، واستحالة اللازم ظاهرة.

والأجود الاستدلال عليه أوّلاً بإطلاق كثير من النصوص الدالّة على جواز بيع المبتاع قبل القبض مطلقاً ، كما في بعض (٢) ، ومن البائع ، كما في آخر (٣) ، وأنّ مال العبد للمشتري مطلقاً أو مع علم البائع ، كما في ثالث (٤) ، ومفهوم النصوص الدالّة على أنّ كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه (٥) ، من دون تقييد بمضيّ زمان الخيار.

وثانياً : بخصوص ما مرّ من المعتبرة في خيار الشرط الصريحة في أنّ‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ : ٥٠.

(٢) الوسائل ١٨ : ٦٥ أبواب أحكام العقود ب ١٦.

(٣) الوسائل ١٨ : ٤١ أبواب أحكام العقود ب ٥ ح ٣ ، ٤.

(٤) الوسائل ١٨ : ٣٥٣ أبواب بيع الحيوان ب ٧ ح ٢ ، ٣.

(٥) انظر الوسائل ١٨ : ٢٣ أبواب الخيار ب ١٠.

٣١٩

كلاًّ من النماء والتلف في مدّة الخيار من مال المشتري (١) ، وهي وإن اختصّت بنوع من الخيار إلاّ أنّه يتعدّى عنه إلى باقي الأقسام بمعونة عدم القائل بالفرق.

( وقيل ) كما عن الإسكافي والطوسي : يملك ( به وبانقضاء الخيار ) مع عدم الفسخ ، إمّا مطلقاً ، كما عن الأوّل (٢) ، أو بشرط كون الخيار للبائع أو لهما وإلاّ فكالأوّل ، كما عن الثاني في نقل (٣) ، أو يخرج عن ملك البائع خاصّة وإن لم يدخل في ملك المشتري ، كما في آخر (٤).

ولا مستند للثاني ، سيّما على النقل الأخير ، مع اندفاعه بالنصّ الماضي والآتي.

وللإسكافي الأصل ، والنصوص المستفيضة في خيار الحيوان ، الظاهرة في كون التلف من البائع قبل انقضاء مدّته واستمراره إلى أن يصير المبيع بانقضاء الخيار للمشتري ، ومرّ بعضها في بحثه (٥).

ويذبّ عن الإيراد بالأخصّية بما يذبّ به عنه في الأخبار السابقة ، وحينئذٍ فيحصل التدافع بين هذه وتلك.

ومقتضى وجوه التراجيح العدول عن هذه إليها ؛ لأرجحيّتها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ؛ وتأيّدها بما مرّ من الأدلّة السابقة ؛ مضافاً إلى صراحة الدلالة ، والمخالفة لما عليه العامّة كافّة ، كما حكاه بعض الأجلّة.

__________________

(١) راجع ص : ٣٠٢.‌

(٢) حكاه عنه في المهذب البارع ٢ : ٣٨٥.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٣٤٩.

(٤) انظر المختلف ٣٤٩ ، وهو في الخلاف ٣ : ٢٢.

(٥) راجع ص : ٢٩٥.

٣٢٠