رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

على المراضاة (١) ، مشكل على إطلاقه ، وإنما يصحّ فيما لو كان الإندار بيد البائع أو مشتركاً بينهما ،

وأما لو كان بيد المشتري كما هو ظاهرهم حتى الملحق فلا ؛ لما مضى.

( الخامس ) من الشرائط في كلّ من الثمن والمثمن : ( القدرة على تسليمه ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية وعن التذكرة (٢) وهو الحجّة ، مضافاً إلى استلزام البيع مع عدمها الغرر والسفاهة.

( فلو باع ) الحمام الطائر أو غيره من الطيور المملوكة لم يصحّ إلاّ أن يقتضي العادة بعوده فيصحّ عند جماعة (٣).

ولا يخلو عن قوّة ، لعموم الأدلة ؛ وانتفاء الموانع من الإجماع ، للخلاف مع شهرة الجواز. والغرر ، ولانتفائه عرفاً بتنزيل اعتياد العود فيه منزلة التحقّق ، فهو كالعبد المنفذ في الحوائج والدابّة المرسلة.

خلافاً للفاضل في النهاية ، فأحتمل بطلانه (٤).

ولو باع المملوك ( الآبق ) المتعذّر تسليمه ( منفرداً لم يصحّ ) إجماعاً ، نصّاً وفتوى ، إلاّ إذا قدر المشتري على تحصيله دون البائع فجائز حينئذٍ عند جماعة (٥) ، بل ربما ظهر من الانتصار أنّه ممّا انفردت به الإمامية (٦).

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ١١٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥ ، التذكرة ١ : ٤٦٦.

(٣) منهم : الشهيدان في اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٢٤٩ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٤٣٤.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ٤٨١.

(٥) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٤٦٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٥ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٤٩.

(٦) الانتصار : ٢٠٩.

٢٦١

وهو كذلك ؛ لعموم الأدلّة ؛ وانتفاء الموانع من الإجماع ، للخلاف. والغرر ، لاندفاعه بالفرض.

خلافاً للشيخ ومن تبعه (١) فكما لا يقدر ؛ لإطلاق ما سيأتي من النص. وفي شموله لمحلّ الفرض نظر.

وعلى المختار لو بيع مع الضميمة لم يلحقها أحكامها الآتية ، فيوزّع الثمن عليهما لو لم يقدر على تحصيله أو تلف قبل القبض ، ولا يتخيّر المشتري لو لم يعلم بإباقه ، ولا يشترط في الضميمة صحة إفرادها بالبيع ، لأنّه حينئذٍ بمنزلة المقبوض ، وغير ذلك من الأحكام (٢).

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٤٠٩ ، والخلاف ٣ : ١٦٨ ، والديلمي في المراسم : ١٧٧ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦.

(٢) أقول وبالله سبحانه التوفيق ـ : إن بيع الآبق الذي لا يقدر البائع على تسلمه على قسمين : الأوّل ما إذا لم يقدر المشتري على ذلك أيضاً ، وحكمه فساد البيع مطلقاً ، إلاّ إذا انضمّ إليه ضميمة يمكن أن تكون طرفاً للمعاوضة منفردةً فيصح حينئذٍ. ولضميمة أحكام :

منها : أنه لو لم يقدر على تسليمها البائع ولا المشتري كان البيع باطلاً من أصليه حتى في الضميمة ، لعدم حصول الشرط الذي هو القدرة على التسليم والتسلم في المنضمّ والمنضمّ إليه ، فلا يوزع الثمن عليهما ، بل يردّ على المشتري كلا ، ولا كذلك في القسم الثاني.

ومنها : أنه لو لم يعلم المشتري بإباقه ثم علم ثبت له الخيار بسبب عدم القدرة على تسلمه في فسخ أصل البيع حتى بالنسبة إلى الضميمة ، إذا لو لم يثبت له الخيار كذلك وكان البيع بالإضافة إلى الضميمة لازماً لزم تبعض الصفقة ، ولا كذلك في القسم الثاني ، فإنّه لم يتّجه مطلقاً حتى في الضميمة من الجهة المزبورة أعني تبعّض الصفقة كما يأتي.

ومنها : أنه يشترط في الضميمة أن يكون مما يقبل المعاوضة منفردة حتى يصحّ ما في النصّ والفتوى من أنه إذا لم يسلم له العبد كان الثمن بإزاء الضميمة ، ولا كذلك الحكم في الضميمة في القسم الثاني.

القسم الثاني : ما إذا قدر المشتري على تسلمه دون البائع ، فإن قلنا بعدم تأثير قدرة

٢٦٢

( ويصحّ ) بيع الآبق الذي لم يقدر عليه كلّ منهما ( لو ضمّ إليه شي‌ء ) يصحّ بيعه منفرداً ، إجماعاً ، كما في الانتصار والغنية والتنقيح (١) ؛ وهو الحجة المخصّصة للقاعدة.

__________________

المشتري في صحة البيع فسد ، كما عليه الشيخ. ولو بيع مع الضميمة ترتّب عليها حكم الضميمة في المسألة السابقة. وإن قلنا بتأثيره في الصحّة كما هو المختار وفاقاً للمرتضى صحّ. وإذا بيع مع الضميمة لم يترتّب على هذه الضميمة الأحكام السابقة على الضميمة في المسألة السابقة.

أما الأول منها وهو عدم توزيع الثمن عليها وعلى العبد إذا لم يقدر على تسليمها فلأنّه لفساد البيع بالإضافة إليهما معاً ، لعدم الشرط من القدرة على التسليم والتسلّم. ولا كذلك الحكم هنا لو لم يدر على تسليم العبد ولا تسليمها ، أو قدر عليها ولكن تلفت قبل القبض ، فإنه يوزّع الثمن على العبد وعلى الضميمة ، ويردّ على المشتري ما قابل الضميمة ويبقى ما قابل العبد لو لم يفسخ بالتبعّض ، لأن العبد المزبور في حكم المقبوض ، فلا وجه لإسقاط بعض ما قابله من الثمن ، بخلاف الضميمة لعدم تبعّضها في كلتا الصورتين من عدم القدرة على تسليمه الضميمة ولا تسلمها وتلفها ، كما هو واضح.

وأما الحكم الثاني وهو خيار المشتري بالتبعّض فلأن الخيار به هناك ثابت لصدق التبعّض لفوات العبد بعد القدرة على تسليمه وتسلّمه. ولا كذلك هنا ، فإن القدرة من المشتري تجعله من قبيل المقبوض ، والضميمة أيضاً مقبوضة بحكم الفرض ، لعدم المانع المزبور من جهتها ، وليس المراد ثبوت الخيار من جهة إباق العبد ، لأنّ الخيار به ليس من الأحكام المترتبة على الضميمة ، فالخيار المنفي وإن كان مطلقاً المراد به ههنا من جهة التبعّض فإنه الذي من أحكام الضميمة.

وأما الحكم الثالث وهو كون الضميمة ممّا يقبل المعاوضة منفردة فإنّ الضميمة هنا ليست ممّا يكون الثمن كلّها بإزائها خاصّة كما في المسألة السابقة ، فلا يشترط فيها القابليّة المزبورة ، بل الضميمة هنا جزء من المبيع المركّب منها ومن العبد الآبق ويكفي قابليّة الثمن للتعويض عنهما ، بناءً على أن العبد في حكم المقبوض نظراً إلى قدرة المشتري على تسليمه ، وذلك واضح.

وممّا أشرنا يظهر أنّ التعليل بقوله : لأنّ ذلك في حكم المقبوض راجع إلى الأحكام الثلاثة. ( منه رحمه الله ).

(١) الانتصار : ٢٠٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٦ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٥.

٢٦٣

مضافاً إلى المعتبرة كالصحيح : أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأُعطيهم الثمن فأطلبها انا؟ قال : « لا يصلح شراؤها إلاّ أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً ، فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا ، فإنّ ذلك جائز » (١).

والموثق : في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله ، قال : « لا يصلح إلاّ أن يشتري معه شيئاً آخر ، ويقول : أشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه » (٢).

ويستفاد منه ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يعرف من أنّه إن وجده المشتري وقدر على إثبات يده عليه ، وإلاّ كان الثمن بإزاء الضميمة ، كان عدم القدرة للتلف أو غيره ؛ مضافاً إلى إقدامه إلى كون الثمن بإزاء الجملة وإيقاعه العقد عليه فيجب عليه الوفاء به ، ونزل الآبق حينئذٍ بالنسبة إلى الثمن منزلة المعدوم ، ولكن لا يخرج بالتعذّر عن ملك المشتري ، فيصحّ عتقه عن الكفارة وبيعه لغيره مع الضميمة ، وأنّه لا خيار للمشتري بعدم القدرة على تسلّمه مع العلم بإباقه ، مضافاً إلى قدومه على النقص فلا تسلّط له على البائع حينئذٍ.

وأما لو جهل جاز الفسخ إن كان البيع صحيحاً ؛ دفعاً للضرر. ولا ينافيه الخبر ؛ لكونه في العلم بالإباق ظاهر بل صريحاً.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤١ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٩ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ / ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١١ ح ٢.

٢٦٤

ثم إنّه يشترط في بيعه ما يشترط في غيره من كونه معلوماً موجوداً عند العقد وغير ذلك سوى القدرة على تسليمه ؛ لعموم الأدلة. فلو ظهر تلفه حين البيع ، أو استحقاقه لغير البائع ، أو مخالفاً للوصف بطل لا بيع فيما يقابله من الثمن في الأوّلين ، وتخيّر المشتري في الثالث على الظاهر.

ولا يلحق بالآبق غيره ممّا في معناه كالبعير الشارد والفرس العائر ، على الأشهر الأقوى ، بل المملوك المتعذّر تسليمه بغير الإباق أيضاً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المنصوص ، فلا يجوز بيعه منفرداً ولا منضماً ؛ إلاّ أن تكون الضميمة بالذات مقصودة ، كما مضي.

وأمّا الضالّ والمجحود من غير إباق فقيل : يصحّ بيعهما ويراعي بإمكان التسليم ، فإن أمكن في وقت قريب لا يفوت به شي‌ء من المنافع يعتدّ به ، أو رضي المشتري بالصبر إلى أن يسلّم ، لزم. وإن تعذّر فسخ المشتري إن شاء ، وإن شاء التزم وبقي على ملكه ينتفع به بالعتق ونحو (١).

ويحتمل قوياً وفاقاً للروضة ـ (٢) بطلان البيع ؛ لفقد شرط الصحّة ، وهو إمكان التسليم المستلزم للغرر والسفاهة عرفاً وعادةً ، اللذين هما المعيار في إثبات هذا الشرط من أصله.

نعم ، لو حصل العلم أو الظنّ المتاخم له بإمكان التسليم أمكن المصير إلى الأوّل.

( وأمّا الآداب : فالمستحب التفقّه فيه ) ولو بالتقليد للعارف الفقيه فيما يتولاّه بنفسه من التكسّب ، ليعرف صحيح العقد من فاسده ، ويسلم من الربا.

__________________

(١) قال به صاحب الحدائق ١٨ : ٤٣٧.

(٢) الروضة ٣ : ٢٥١.

٢٦٥

( والتسوية بين المبتاعين ) بتقديم الباء المنقطة تحتها نقطة على التاء بالنقطتين الفوقانيّتين ، جمع مبتاع ، في الإنصاف وحسن المعاملة ، فلا يفرق بين المماكس وغيره ، ولا بين الشريف والوضيع.

نعم ، لو فاوت بينهم بسبب فضيلة وديانة فلا بأس ، كم ذكره جماعة (١).

قيل : ولكن يكره للآخذ قبول ذلك ، ولقد كان السلف يوكّلون في الشراء من لا يعرف ، هرباً من ذلك (٢).

( والإقالة ) وفسخ المعاملة ( لمن استقاله ) وطلبه إذا كان مؤمناً ، مشترياً كان أو بائعاً.

( والشهادتان ) بالتوحيد والرسالة ( والتكبير عند الابتياع ) أي بعده ، قائلاً بعدهما : « اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فيه فضلاً ، اللهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقاً » كما في الصحيحين (٣) ، وفيهما « ثم أعد كلّ واحدة ثلاث مرّات ».

وظاهر الدعاء اختصاص استحبابه للشراء للتجارة لا مطلقاً ، ومع ذلك ظاهرهما استحباب التكبير خاصة بهذه الكيفيّة لا مطلقاً ، فإلحاق الشهادتين به والحكم باستحبابهما من دونها كما في العبارة وغيرها لم أقف لهما من الأثر على الأدلة ، ولعلّهما للميمنة والبركة

ولا بأس بهما ؛ للمسامحة في أدلّة السنن والكراهة ، مع انه ورد الأمر‌

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ٢٨٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١١٩ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٢٣.

(٢) الروضة ٣ : ٢٨٦.

(٣) الأول : الكافي ٥ : ١٥٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٩ / ٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٤١٠ أبواب آداب التجارة ب ٢٠ ح ١.

الثاني : الفقيه ٣ : ١٢٥ / ٥٤٥ ، الوسائل ١٧ : ٤١١ أبواب آداب التجارة ب ٢٠ ح ١.

٢٦٦

بالشهادتين في خبرين ، لكن مع دعاءين بعدهما مختلفي الكيفية ، إحداهما فيمن دخل سوقاً أو مسجد جماعة (١) ، كما في أحدهما ، وثانيتهما فيما إذا جلس التاجر مجلسه ، كما في الآخر (٢).

( وأن يأخذ ناقصاً ويعطي راجحاً ) نقصاناً ورجحاناً لا يؤدّي إلى الجهالة ، بأن يزيد كثيراً بحيث يجهل مقداره تقريباً.

ولو تنازعا في تحصيل الفضيلة قيل : قدّم من بيده الميزان والمكيال ؛ لأنّه الفاعل المأمور بذلك زيادة على كونه معطياً وآخذاً (٣).

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك ، والنصوص بالجميع سوى ما تقدّمت إليه الإشارة مستفيضة ، منها « الفقه ثم المتجر ، والله للربا في هذه الأُمّة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا » (٤).

ومنها : في المفاوت بين المماكس وغيره بإعطاء الزائد وعدمه : « لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس ، فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه وكايسه ويمنعه ممّن لم يفعل فلا يعجبني إلاّ أن يبيعه بيعاً واحداً » (٥).

ومنها : « أيّما عبد مسلم أقال مسلماً في بيع أقاله الله تعالى عثرته يوم القيامة » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٢٤ / ٥٤١ ، المحاسن : ٤٠ / ٤٨ ، الوسائل ١٧ : ٤٠٨ أبواب آداب التجارة ب ١٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٢٤ / ٥٤٢ ، الوسائل ١٧ : ٤٠٦ أبواب آداب التجارة ب ١٨ ح ١.

(٣) الروضة ٣ : ٢٩١.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٢١ / ٥١٩ ، التهذيب ٧ : ٦ / ١٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٨١ أبواب التجارة ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ١٥٢ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨ / ٢٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٨ أبواب آداب التجارة ب ١١ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٣ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ١٢٢ / ٥٢٦ ، التهذيب ٧ : ٨ / ٢٦ ، الوسائل

٢٦٧

وليس فيه كالعبارة تقييد الإقالة بصورة الندامة ، خلافاً لجماعة ، فقيّدوها بها (١) ؛ حملاً للإطلاق عليه ، لأنّه الغالب في أفراده ؛ والتفاتاً إلى ورود القيد في الخبر : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأذن لحكيم بن حزان في تجارته حتى ضمن له إقالة النادم (٢) ، الحديث.

وفي الموثق المروي عن الخصال : « أربعة ينظر الله تعالى إليهم يوم القيامة » وعدّ منهم « من أقال نادماً » (٣).

والتحقيق : أنّه ليس فيهما كعبارة هؤلاء الجماعة نفي الاستحباب عمّا عدا محلّ القيد ، فالإطلاق أولى ، مع ما فيه من قضاء الحاجة ، وإدخال المسرّة في قلب الأخ المؤمن ، المندوب إليهم مطلقاً في الشريعة.

ومنها : « لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان » (٤) والأخبار بمعناه كثيرة (٥) ، إلاّ أنّ غاية ما يستفاد منها استحباب إعطاء الراجح.

ولم أقف على ما يدلّ على الحكم المقابل صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، وإن كان في آية المطفّفين وبعض النصوص نوع اشعار به ، ففي الخبر : « من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافياً لم يأخذ إلاّ رجحاً ، ومن أعطى‌

__________________

١٧ : ٣٨٦ أبواب آداب التجارة ب ٣ ح ٢.

(١) منهم : الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٢٨٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١١٩ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ١٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٥١ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٥ / ١٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٥ أبواب آداب التجارة ب ٣ ح ١.

(٣) الخصال : ٢٢٤ / ٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٧ أبواب التجارة ب ٣ ح ٥.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٩ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٢٣ / ٥٣٥ ، تهذيب ٧ : ١١ / ٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٢ أبواب آداب التجارة ب ٧ ح ٣.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٩٢ أبواب آداب التجارة ب ٧.

٢٦٨

فنوى أن يعطي سواء لم يعط إلاّ ناقصاً (١) فتأمل جدّاً.

( والمكروه ) أُمور : ( مدح البائع ) سلعته ( وذمّ المشتري ) لها ( والحلف ) على البيع والشراء ؛ للمستفيضة منها : « من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلاّ فلا يشترِ ولا يبع : الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والمدح إذا باع ، والذّم إذا اشترى » (٢).

ومنها : « ثلاثة لا ينظر الله تعالى إليهم : أحدهم رجل اتّخذ الله بضاعة ، لا يشتري إلاّ بيمين ، ولا يبيع إلاّ بيمين » (٣).

ومنها : « ويل للتاجر من لا والله وبلى والله » (٤).

وموضع الأدب الحلف صادقاً ، وأمّا الكاذب فعليه لعنة الله تعالى.

( والبيع في موضع يستتر فيه العيب ) ومن غير قصد إليه ، وإلاّ فيحرم ؛ للصحيح : « إنّ البيع في الظلال غشّ ، والغشّ لا يحلّ » (٥).

( و ) التماس ( الربح على المؤمن ) ففي الخبر : « ربح المؤمن على المؤمن حرام (٦) ، إلاّ أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٩ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٢٣ / ٥٣٤ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٣ أبواب آداب التجارة ب ٧ ح ٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ / ٥١٥ ، تهذيب ٧ : ٦ / ١٨ ، الخصال : ٢٨٥ / ٣٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٨٣ أبواب آداب التجارة ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٢ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٦ ، الوسائل ١٧ : ٤١٩ أبواب آداب التجارة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٩٧ / ٣٧١ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٠ أبواب آداب التجارة ب ٢٥ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ / ٧٧٠ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٦ أبواب آداب التجارة ب ٥٨ ح ١.

(٦) في المصادر : ربا.

٢٦٩

يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم » (١).

وظاهر الحرمة ، إلاّ أنّ الأصل مع ضعف السند ، وعموم أدلّة جواز المرابحة ، وخصوص الخبر : « إن ولّيت أخاك أي بعته بالتولية ورأس المال فحسن ، وإلاّ فبع بيع البصير المداق » (٢) أوجب الحمل على الكراهة ، مع احتمال الإبقاء على الظاهر والتخصيص من وجه آخر ، وهو الحمل على زمان قيام مولانا القائم عليه‌السلام ، كما في الخبر حيث سئل فيه عن تفسيره (٣).

قيل : ويستفاد من آخر وروده مورد التقيّة (٤) وفيه نظر.

وكيف كان ، فلا ريب في الكراهة مسامحة في أدلّتها ، سيّما مع فتوى الأصحاب بها كافّة.

( إلاّ مع الضرورة ) فيأخذ منهم نفقة يوم له ولعياله موزّعة على المعاملين في ذلك اليوم مع انضباطهم ، وإلاّ ترك الربح على المعامل بعد تحصيل قوت يومه.

كلّ ذلك مع شرائهم للقوت ، أمّا للتجارة فلا كراهة مع الرفق ، كما دلّت عليه الرواية.

( و ) التماسه أيضاً ( على من يعده بالإحسان ) بأن يقول له : هلمّ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٤ / ٢٢ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٦ أبواب آداب التجارة ب ١٠ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٣ / ١ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٧ أبواب آداب التجارة ب ١٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٧٨ / ٧٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٧ / ٢٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٧ ، أبواب التجارة ب ١٠ ح ٤.

(٤) الحدائق ١٨ : ٢٦.

٢٧٠

أُحسن إليك ، فيجعل إحسانه الموعود به ترك الربح عليه.

ففي الخبر : « إذا قال الرجل للرجل : هلمّ أُحسن بيعك ، يحرم عليه الربح » (١).

والجواب عن الحرمة بعين ما مرّ في الرواية السابقة.

( والسوم ) وهو الاشتغال بالتجارة ( ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ) لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كما في الخبرين (٢) ، مع أنّه وقت دعاء ومسألة من الله سبحانه لا وقت تجارة ، وفي الخبر : « إنّ الدعاء فيه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » (٣).

( ودخول السوق أوّلاً ) والخروج آخراً ، بل يبادر إلى قضاء حاجته ويخرج منه سريعاً ؛ لأنّه مأوى الشياطين ، كما أنّ المسجد مأوى الملائكة فيكون على العكس ، ففي مرسل الفقيه : « شرّ بقاع الأرض الأسواق ، وهي ميدان إبليس ، يغدو برايته ، ويضع كرسيّه ، ويبثّ ذريّته ، فبين مطفّف في قفيز ، أو طايش في ميزان ، أو سارق في ذرع ، أو كاذب في سلعة ، فيقول : عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حي فلا يزال مع ذلك أوّل داخل وآخر خارج ، وخير البقاع المساجد ، وأحبّ أهلهم إلى الله تعالى أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها » (٤).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ / ٧٧٤ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢١ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٥ أبواب التجارة ب ٩ ح ١.

(٢) الأوّل : الكافي ٥ : ١٥٢ / ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٧ : ٨ / ٢٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٩ أبواب آداب التجارة ب ١٢ ح ٢. الثاني : انظر سنن ابن ماجه ٢ : ٧٤٤ / ٢٢٠٦.

(٣) الخصال : ٦١٦ ، الوسائل ٦ : ٤٦١ أبواب التعقيب ب ١٨ ح ١٠.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٤ / ٥٣٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٨ أبواب آداب التجارة ب ٦٠ ح ١.

٢٧١

ونحوه المروي عن المجالس بزيادة « وأبغض أهل الأسواق أوّلهم دخولاً إليها وآخرهم خروجاً منها » (١).

ولا فرق في ذلك بين التاجر وغيره ، ولا بين أهل السوق عادةً وغيرهم.

( ومبايعة الأدنين ) قيل : وهم الذين يحاسبون على الشي‌ء الدون ، أو من لا يسرّه الإحسان ولا تسوؤه الإساءة ، أو من لا يبالي بما قال ولا ما قيل له (٢). وفي الفقيه نسب التفاسير الثلاثة إلى الأخبار (٣) ، ولكن في تفسير السفلة.

( وذوي العاهات ) والنقص في أبدانهم ، كالجنون والجذام والبرص والعمى والعرج.

( والأكراد ) وهم معروفون.

ولا خلاف في الكراهة في شي‌ء من الثلاثة ، والنصوص بها مستفيضة ، ففي عدّة منها : « لا تخالطوا ولا تعاملوا إلاّ من نشأ في الخير » (٤).

وفي رواية : « إيّاكم ومخالطة السفلة ، فإنّ السفلة لا يؤول إلى خير » (٥).

وفي عدّة منها أيضاً : « لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شي‌ء » (٦).

__________________

(١) مجالس الشيخ : ١٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٦٩ أبواب آداب التجارة ب ٦٠ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ١٧٦.

(٣) الفقيه ٣ : ١٠٠ ، ليس فيه التفسير الأوّل.

(٤) الفقيه ٣ : ١٠٠ / ٣٨٨ ، علل الشرائع : ٥٢٦ / ٢ ، الوسائل ١٧ : ٤١٤ أبواب آداب التجارة ب ٢١ ح ٤ ، ٦.

(٥) الفقيه ٣ : ١٠٠ / ٣٩٢ ، علل الشرائع : ٥٢٧ / ١ ، الوسائل ١٧ : ٤١٧ أبواب آداب التجارة ب ٢٤ ح ٢.

(٦) الوسائل ١٧ : ٤١٥ أبواب آداب التجارة ب ٢٢.

٢٧٢

وفي الخبر : إنّ عندنا قوماً من الأكراد لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم ، فقال : « لا تخالطوهم ، فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف الله تعالى عنهم الغطاء ، فلا تخالطوهم » (١).

( والتعرّض لـ ) مباشرة ( الكيل أو الوزن إذا لم يحسن ) شيئاً منهما ؛ حذراً من الزيادة والنقصان المؤدّيين إلى المحرّم.

وفي الروضة : وقيل : يحرم حينئذٍ ؛ للنهي عنه في الأخبار المقتضي للتحريم ، وحمل على الكراهة (٢). انتهى.

ولم أقف على هذا النهي ، نعم في المرسل قلت له : رجل من نيّته الوفاء وهو إذا كان لم يحسن الكيل ، قال : « فما يقول الذين حوله؟ » قلت : يقولون : لا يوفي قال : « هذا لا ينبغي له أن يكيل » (٣).

وهو مع إرساله واختصاصه بالكيل غير ظاهر في التحريم ، بل مشعر بالكراهة ، كما ذكره الجماعة (٤).

( والاستحطاط ) أي طلب الوضيعة من الثمن ( بعد الصفقة ) للخبرين ، في أحدهما « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاستحطاط بعد الصفقة » (٥) وفي بعض النسخ بدل الصفقة « الضمنة » بالنون ، أي لزوم البيع وضمان كلّ منهما به ما صار إليه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٢ ، العلل : ١٧٨ ، الوسائل ١٧ : ٤١٦ أبواب آداب التجارة ب ٢٣ ح ١.

(٢) الروضة ٣ : ٢٩٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٩ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٢٣ / ٥٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٢ / ٤٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٩٤ أبواب آداب التجارة ب ٨ ح ١.

(٤) في « ح » : جماعة.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨٦ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٤٥ / ٦٤١ ، التهذيب ٧ : ٣٣٣ / ١٠١٧ ، الإستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٣ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٢ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ١.

٢٧٣

وفي الثاني : « الوضيعة بعد الصفقة حرام » (١).

وظاهرهما التحريم ، إلاّ أنّ قصور السند مع الأصل ، وشهرة الكراهة بل الإجماع عليها ، أوجب الحمل على الكراهة ، سيّما مع ورود الرخصة به في المستفيضة ، منها : الرجل يشتري من الرجل البيع فيستوهبه بعد الشراء من غير أن يحمله على الكره ، قال : « لا بأس » (٢).

ومنها : الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع ، قال : « لا بأس » (٣) ، ونحوهما خبران آخران (٤).

لكن الخبرين الأوّلين معتبراً السند ؛ لوجود ابن أبي عمير في سند الأوّل ، الجابر جهالة الراوي بعده ، ووثاقة الرواة في الثاني في التهذيب وإن ضعف في الكافي ، إلاّ أنّ معارضتهما للمستفيضة المنجبرة بالأصل والشهرة غير واضحة ، سيّما مع اعتبار سند بعضها بوجود صفوان الذي أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة ، فمثله يوازي الرواية الأوّلة.

وأما الثانية وإن كانت صحيحة ، إلاّ أنّ ظاهر سياقها الذي تركناه الحرمة في الوضيعة مطلقاً ولو بدون الاستحطاط ، ولم أقف على من قال به حرمة ولا كراهة ، فتشذّ الرواية.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٦ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٦٤٦ ، التهذيب ٧ : ٨٠ / ٣٤٦ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٣ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٦.

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٦ / ٦٤٥ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٤ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٣٣ / ١٠١٨ ، الإستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٣ أبواب التجارة ب ٤٤ ح ٣.

(٤) الأوّل : التهذيب ٧ : ٣٣٣ / ١٠١٩ ، الإستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٥ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٣ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٤.

الثاني : التهذيب ٧ : ٣٨ / ١٥٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٣ أبواب آداب التجارة ب ٤٤ ح ٥.

٢٧٤

( والزيادة ) في السلعة ( وقت النداء ) عليها من الدلاّل ، بل يصبر حتى يسكت ثم يزيد ؛ للدلالة على الحرص على الدنيا المرغوب عنه ، وللخبر : « إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد ، وإنّما يحرّم الزيادة النداء ويحلّها السكوت » (١).

( ودخوله في سوم أخيه ) المؤمن بيعاً أو شراءً ، بأن يطلب ابتياع الذي يريد أن يشتريه ويبذل زيادة عنه ليقدّمه البائع ، أو يبذل للمشتري متاعاً غير ما اتّفق عليه هو والبائع ؛ للنهي عنه في خبر المناهي المروي في الفقيه (٢).

وهو وإن اقتضى التحريم ، إلاّ أنّ الأصل مع ضعف السند وشهرة الكراهة أوجب الحمل عليها ، سيّما مع تضمّنه كثيراً من النواهي التي هي لها بإجماع الطائفة (٣).

فالفتوى بالحرمة كما عن الطوسي وجماعة ضعيفة ، وإن أيّدت بأنّ فيه كسر قلب المؤمن ، وبأحاديث الحقوق المشهورة (٤) ؛ للشك في إفادة الأوّل الحرمة في نحو المسألة ، والأحاديث محمولة على الكراهة ، ولهذا لم يقولوا بوجوب المساواة في الأموال والشبع والجوع.

وما يقال من أنّ العمل بالأحاديث يلزم إلاّ ما خرج بالإجماع ، مدفوع باستلزامه خروج الأكثر عن العام ، المقتضي لخروجه عن الحجية على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٥ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ / ٧٦٩ بتفاوت يسير ، التهذيب ٧ : ٢٢٧ / ٩٩٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٨ أبواب آداب التجارة ب ٤٩ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٨ أبواب آداب التجارة ب ٤٩ ح ٣.

(٣) الطوسي في النهاية : ٣٧٤ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، والسرائر ٢ : ٢٣٤ ، وفقه القرآن ٢ : ٤٥.

(٤) الوسائل ١٥ : ١٧٢ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٣.

٢٧٥

الأظهر الأشهر بين الطائفة ، فلم يبق إلاّ حملها على الكراهة.

وإنّما يكره أو يحرم بعد التراضي أو قريبه خاصّة. فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة ولا تحريم ؛ للأصل ، وعدم صدق الدخول في السوم حينئذٍ عادة ، وادّعى عليه الاتّفاق في المسالك (١).

ولو كان السوم بين اثنين سواء دخل أحدهما على النهي أم لا بأن ابتدءا فيه معاً قبل محلّ النهي لم يجعل نفسه بدلاً عن أحدهما ؛ لصدق الدخول في السوم جدّاً.

ولا كراهة فيما يكون في الدلالة ؛ لأنّها عرفاً موضوعة لطلب الزيادة ما دام الدلاّل يطلبها ، فإذا حصل الاتفاق بين الدلاّل وبين الغريم تعلّقت الكراهة ، لأنّه لا يكون حينئذٍ في الدلالة وإن كان بيد الدلاّل.

ولا كراهة في طلب المشتري من بعض الطالبين الترك ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتبادر ، أو المتيقن من النصّ وهو الدخول في السوم بغير هذا النحو ، إلاّ أن يستلزم لجبر الوجه فيكره ، لعدم الرضا في نفس الأمر ، مع احتمال العدم ، للأصل المتقدّم.

وكيف كان ، لا كراهة في ترك الملتمس منه قطعاً ، بل ربما يستحب ؛ لأنّ فيه قضاء حاجة لأخيه.

قيل : ويحتمل الكراهة لو قلنا بكراهة طلبه ؛ لإعانته له على فعل المكروه (٢).

وفيه نظر ؛ إذا لا دليل على الكلّية بعد تسليم موضوعها ، وإنّما هو لو تمّ في الأمر المحرّم خاصّة ، مع أنّ المكروه إنّما هو طلب الترك وقد حصل‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٧٦.

(٢) الروضة ٣ : ٢٩٦.

٢٧٦

من الطالب من دون توقف على إعانة الملتمس ، فليس في إجابته له إعانة على الكراهة ، فتأمل.

( وأن يتوكّل ) في بيع المال ( حاضر لباد ) وهو الغريب الجالب للبلد وإن كان قروياً ؛ للنصوص منها : « لا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله تعالى بعضهم من بعض » (١) وفي بعض النسخ : « ذروا المسلمين يرزق الله تعالى » (٢). ونحوه المروي عن مجالس الشيخ (٣).

وسئل عن تفسيره في بعضها فقال : « إنّ الفواكه وجميع أصناف الغلاّت إذا حملت من القرى فلا يجوز أن يبيع لهم أهل السوق من الناس ، ينبغي أن يبيعه حاملوه من القرى والسواد ». وظاهره الاختصاص بالنوعين ، لا كلّ ما يجلب كما هو ظاهر الأصحاب ، ولذا اقتصر عليهما بعض المتأخّرين (٤). والعموم أولى ، تبعاً لهم ؛ التفاتاً إلى عموم التعليل ، وحملاً للمفسّر على الغالب.

ومنه مضافاً الى التعليل يظهر الوجه في تعميم البادي للقروي.

وظاهر النهي التحريم ، ( و ) لذا ( قيل : يحرم ) كما عن الخلاف والمبسوط والسرائر والوسيلة (٥) ، إلاّ أنّ الأصل مع ضعف الأسانيد أوجب المصير إلى الأوّل ، وفاقاً للأكثر.

وفي الصحيح : قلت له : الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٧ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٤ أبواب آداب التجارة ب ٣٧ ح ١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٧٤ / ٧٧٨.

(٣) مجالس الشيخ : ٤٠٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٥ أبواب آداب التجارة ب ٣٧ ح ٣.

(٤) مفاتيح الشرائع ٣ : ١٩.

(٥) الخلاف ٣ : ١٧٢ ، المبسوط ٢ : ١٦٠ ، السرائر ٣ : ٢٣٦ ، الوسيلة : ٢٦٠.

٢٧٧

بالأجر ، فيقولون له : أقرضنا دنانير إلى أن قال ـ : « لا بأس به » الحديث (١).

وفيه نوع تأييد للجواز ، مع إمكانه بعموم الأخبار المرخّصة للسمسار في الوكالة لبيع أموال الناس (٢).

وذكر للحكم كراهةً أو تحريماً شروط خمسة لا دليل على شي‌ء منها سوى علم الحضري بالنهي ؛ لإناطة التكليف على الإطلاق به. وجهل الغريب بسعر البلد ، فلو علم لم يكره ؛ لإشعار التعليل باشتراطه.

ولو باع مع النهي انعقد وإن قلنا باقتضائه الفساد على الإطلاق ؛ لتعلّقه هنا بالخارج.

قيل : ولا بأس بشراء البلدي له (٣) ؛ للأصل ، واختصاص النصوص بالبيع.

ويضعّفان بعموم التعليل : « ذروا الناس يرزق الله تعالى بعضهم من بعض » إلاّ أنّي لم أقف على قائل به ، فالتخصيص بالبيع أولى ، وإن كانت الكراهة محتملة ؛ لما مضى ، للتسامح والاكتفاء فيها بمثله جدّاً.

ثم إنّ المحرمين اختلفوا في إطلاق التحريم تبعاً لإطلاق النص كما في الأوّل ، أو تقييده بما يضطرّ إليه كما في الثاني ، أو بما إذا حكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه ، أو أكرهه على البيع بغلبة الرأي كما في الثالث ، أو بيع الحاضر للبادي في البدو لا في الحضر كما في الرابع. ولا دليل على شي‌ء من ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٥٧ / ٦٩٥ ، الوسائل ١٨ : ٣٥٦ أبواب الدين والقرض ب ١٩ ح ١٠.

(٢) الوسائل ١٨ : ٧٤ أبواب أحكام العقود ب ٢٠.

(٣) الروضة ٣ : ٢٩٧.

٢٧٨

( وتلّقي الركبان ) القاصدين إلى بلد البيع والخروج إليهم للبيع عليهم والشراء منهم ؛ للمعتبرة ، ففي الخبر : « لا تلقّ ولا تشتر ما تلقّى ولا تأكل منه » (١).

وفي آخر : « لا تلقّ ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن التلقّي » قلت وما حدّ التلقّي؟ قال : « ما دون غدوة أو روحة » قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : « أربعة فراسخ » (٢).

وظاهر النهي التحريم ، وبه قال الطوسي في المبسوط والخلاف ، والقاضي ، والحلّي في السرائر والعلاّمة في المنتهى ، والمحقق الشيخ علي (٣) وهو ظاهر الدروس وغيره (٤) ؛ لاعتبار سند الخبرين بوجود ابن محبوب في الأوّل وابن أبي عمير في الثاني ، مع صحة السند إليهما ، وهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم.

خلافاً لأكثر من تأخّر ، فالكراهة (٥) ؛ للأصل وضعف السند. ويضعّفان بما مرّ.

فإذاً القول بالتحريم أظهر ، سيّما مع اعتضاد الخبرين بوجه آخر ، وهو‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٦ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٣ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٤ ، التهذيب ١٥٨ / ٦٦٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٢ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ١.

(٣) المبسوط ٢ : ١٦٠ ، الخلاف ٣ : ١٧٢ ، القاضي نقله عنه في المختلف : ٣٤٦ ، السرائر ٢ : ٢٣٨ ، المنتهى ٢ : ١٠٠٥ ، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ٤ : ٣٨.

(٤) الدروس ٣ : ١٧٩ ؛ وانظر الجامع للشرائع : ٢٥٧.

(٥) كالعلامة في التذكرة ١ : ٥٨٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٣٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٩٧.

٢٧٩

عمل الحلّي بهما مع اقتصاره في العمل بأخبار الآحاد على ما احتفّ منها بالقرائن القطعية جدّاً ، مع دعوى الشيخ عليه الإجماع في الخلاف (١).

( وحدّه ) عند الأصحاب بلا خلاف كما عن الخلاف والمنتهى (٢) ( أربعة فراسخ فما دون ).

ولكن النص المتقدّم لا يساعده ؛ لظهوره في التحديد بما دونها ، كما عن ابن حمزة (٣). ولعلّ التحديد إليها في كلامهم بناءً على عدم انضباط الدون مع معارضة هذا النصّ بنصّ آخر مصرّح بالتحديد بالروحة (٤) المفسّرة في النص المتقدّم بالأربعة فراسخ. وليس في سنده سوى منهال القصّاب المنجبر جهالته بوجود ابن محبوب المتقدّم في سنده. وهذا أرحج وإن ماثله الأوّل في السند ؛ لفتوى الأصحاب به دونه.

وكيف كان ، فلا يكره ما زاد ؛ لأنّه سفر للتجارة.

ثم إنّ مقتضى الأصل واختصاص النص بحكم التبادر بصورتي القصد إلى الخروج وجهل الركب القادم بسعر المتاع في البلد : تخصيص الحكم تحريماً أو كراهة بهما. فلو اتّفق مصادفته الركب في خروجه لغرض لم يكن به بأس ، وكذا لو خرج قاصداً مع الندامة والرجوع عنه بعد الخروج على احتمال قوي.

وكذا لو علم الركب بالسعر لم يكره ؛ لما مرّ. مضافاً إلى إشعار التعليل‌

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٧٣.

(٢) الخلاف ٣ : ١٧٢ ، المنتهى ٢ : ١٠٠٦.

(٣) الوسيلة : ٢٦.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٨ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٣ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ٤.

٢٨٠