رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

( المنّ ) عليهم ( والفداء ) لأنفسهم بمال ، أو رجال حسبما يراه من المصلحة ( والاسترقاق ) لهم. كلّ ذا على المشهور على الظاهر ، المصرّح به في المختلف مطلقاً (١).

وفي المسالك في الثاني خاصة (٢).

وفي المنتهى : إنّه ذهب إلى ذلك علماؤنا أجمع (٣). وظاهره الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى بعض المعتبرة : « إنّ للحرب حكمين : إذا كانت قائمةً لم تضع أوزارها ولم يضجر أهلها ، فكلّ أسير أُخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم ، وتركه يتشحّط بدمه حتى يموت ، فهو قول الله عزّ وجلّ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) (٤) إلى أن قال في تفسير النفي : « ذلك الطلب أن تطلبه الخيل حتّى يهرب ، فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك. والحكم الآخر : إذا وضعت( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وأثخن أهلها ، فكلّ أسير أُخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليه ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً » (٥).

وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.

__________________

(١) المختلف ٣٣١.

(٢) المسالك ١ : ١٥٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٩٢٧.

(٤) المائدة : ٣٣.

(٥) الكافي ٥ : ٣٢ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٣ / ٢٤٥ ، الوسائل ١٥ : ٧١ أبواب جهاد العدو ب ٢٣ ح ١.

١٠١

وفيه حجة على القاضي ، حيث خالف فيما لو أُخذ قبل تقضّي الحرب ، فجوّز للإمام قتله بأيّ نوع من أنواع القتل ، وفيما لو أُخذ بعده فخيّره بين الثلاثة المتقدمة والقتل (١).

وعلى الحلبي ، حيث خالف في الأوّل بتخييره له بين ما مرّ والصلب والمفاداة ، إلاّ في الصلب ، لوجوده في النصّ نظراً إلى الآية المذكورة فيه. وفي الثاني خيّره بين المفاداة والمنّ (٢) ، ولم يذكر الاسترقاق.

وعلى ابن حمزة ، حيث خالف في الثاني ، ففصّل فيه بين من يجوز عقد الذمّة له كالذمّي فيتخير بين الأُمور الثلاثة ، وغيره كالوثني فبين المنّ والفداء خاصّة ، ولم يجوّز الاسترقاق له (٣). وحكاه الفاضل عن الشيخ في المختلف واختاره (٤) ، وفي المنتهى وردّه (٥). وهو الوجه ، وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (٦) ؛ لإطلاق النصّ.

وعلى العماني ، فخيّره بين المنّ والفداء والاسترقاق (٧) ، ولم يفصّل بينهما.

ولم أجد لشي‌ء من هذه الأقوال دليلاً ، مضافاً إلى مخالفتها النصّ الذي مضى.

وظاهر التخيير فيه في المقامين كونه تخيير شهوة ، خلافاً لشيخنا في‌

__________________

(١) المهذب ١ : ٣١٦.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٥٧.

(٣) الوسيلة : ٢٠٣.

(٤) المختلف : ٣٣١.

(٥) المنتهى ٢ : ٩٢٧.

(٦) الروضة البهية ٢ : ٤٠١ ، والمسالك ١ : ١٥٣.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٣٣١.

١٠٢

كتابيه في الثاني (١) ، فجعله تخيير اجتهاد في مصلحة لا شهوة إلاّ إذا تساوت الأفراد فيها فشهوة ، وفاقاً للفاضل في التحرير والمنتهى ، قال : لأنّ الإمام وليّ المسلمين فيرى لهم الأصلح من الثلاثة (٢).

قال في المسالك : ويحتمل كون التخيير في الأول كذلك أيضاً ، فإنّ قطع الأيدي والأرجل قد يكون أصلح ، ليعتبر الكفار ويترهّبوا ، ويرغب ضعيف العقيدة في اتّباع المسلمين ، ويمكن كون ضرب العنق أصلح باعتبار آخر (٣).

وهو وإن كان اجتهاداً في مقابلة النص ، لكنّه أولى.

( ولا يسقط هذا الحكم ) المذكور في المقام الثاني من التخيير بين الأُمور الثلاثة ( لو أسلموا ) لإطلاق النصّ والفتوى ، إلاّ ما يحكى في المختلف والدروس عن الشيخ أنّه قال : وقد قيل إنّه إن أسلم سقط عنه الاسترقاق ، لأنّ عقيلاً أسلم بعد الأسر ففداه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يسترقّه (٤).

قال في الدروس : وهي حكاية حال فلا تعمّ.

أقول : مع احتمال كون المفاداة لكونها أحد الأُمور المخيّر بينها ، فاختارها لذلك لا لأجل عدم جواز الاسترقاق ، كما هو واضح.

وحيث يختار الفداء والاسترقاق يدخل ذلك في الغنيمة ، كما يدخل من استرقّ ابتداءً فيها من النساء والأطفال ، على ما ذكره جماعة ومنهم الشهيدان (٥) والفاضل في المنتهى.

__________________

(١) الروضة البهية ٢ : ٤٠١ ، المسالك ١ : ١٥٣.

(٢) التحرير ١ : ١٤٠ ، المنتهى ٢ : ٩٢٨.

(٣) المسالك ١ : ١٥٣.

(٤) المختلف : ٣٣٢ ، الدروس ٢ : ٣٩ ، وأُنظر المبسوط ٢ : ٢٠.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) ٤٠٢.

١٠٣

وفيه : لا يقال : الغانمون لا حقّ لهم في الأسير ، لأنّ الإمام مخيّر فيه ، فكيف يكون لهم حقّ في بدله. لأنّا نقول : لا نسلّم أنّ الغانمين لا حقّ لهم في الأسير ، وتخيير الإمام إنّما يتعلّق بمصلحة المسلمين في الأسير لأنّه لم يصر مالاً ، فإذا صار مالاً تعلّق حق الغانمين به ، لأنّهم أسروه وقهروه ، وهذا كثير النظائر ، فإنّ من عليه الدين إذا قتل عمداً لم يكن لأرباب الدين حقّ على القاتل ، فإن اختار الورثة المال ورضي به القاتل تعلّق حقّهم به (١).

( ولا يقتل الأسير ) الذي يجوز للإمام قتله ( لو عجز عن المشي ) لأنّه لا يُدرى ما حكم الإمام فيه بالنسبة إلى نوع القتل ، ولأن قتله إلى الإمام وإن كان مباح الدم في الجملة كالزاني المحصن.

وحينئذٍ فإن أمكن حمله ، وإلاّ ترك ؛ للخبر « إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله ، فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه » (٢).

وظاهره تحريم القتل ووجوب الإرسال ، كما هو ظاهر المتن وصريح الشهيدين في الدروس واللمعتين (٣) في الأوّل ، وظاهر النهاية والسرائر فيه وفي الثاني (٤). خلافاً للفاضلين في الأوّل ، فعبّرا في الشرائع والتحرير والمنتهى عن الحكم بعدم الوجوب (٥).

وللدورس في الثاني ، فنسب وجوب الإرسال فيه إلى النهاية مشعراً‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٢٨.

(٢) الكافي ٥ : ٣٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٥٣ / ٢٦٧ ، علل الشرائع : ٥٦٥ / ١ ، الوسائل ١٥ : ٧٢ أبواب جهاد العدو ب ٢٣ ح ٢.

(٣) الدروس ٢ : ٣٦ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) ٤٠٢.

(٤) النهاية : ٢٩٦ ، السرائر ٢ : ١٢.

(٥) الشرائع ١ : ٣١٨ ، التحرير ١ : ١٤١ ، المنتهى ٢ : ٩٣٢.

١٠٤

بتردّده فيه (١). ولعلّه لضعف السند ، ولأنّ القتل متعيّن عليه ، فلا يجوز للمسلم أن يتركه وينصرف ، لما فيه من الإخلال بالواجب وتقوية الكفار ، فإنّه يستريح ويذهب إليهم ، ولأنّه يؤدّي إلى جعل ذلك وسيلةً إلى الخلاص بالحيلة.

وفيه : أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر المنجبر بالعمل ، سيّما من نحو الحلّي الذي لا يعمل بالخبر الواحد وإن اعتبر بحسب السند فضلاً عن ضعفه. ولعلّ هذا هو الوجه الآخر للتردّد.

وصرّح جماعة (٢) بأنّه لو بدر إنسان فقتله كان هدراً لا قصاص عليه ولا دية ولا كفّارة ؛ لأنّه كافر لا أمان له. نعم يعزّر قاتله مسلماً كان أو كافراً.

وكذا الحكم لو قتله قاتل من غير عجز. ولا بأس به.

( و ) كذا ( لا ) يقتل الأسير بل مطلق من يجب قتله ( بعد الذِّمام ) والأمان ( له ) بلا خلاف ؛ لما مرّ.

( ويكره أن يصبر ) بدم من يجب قتله ( على القتل ) للصحيح : « لم يقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً صبراً قطّ غير عقبة بن أبي معيط ». (٣) وفسّر : بالحبس للقتل في المشهور.

وفي المسالك : وقيل : المراد به التعذيب حتى الموت. وقيل : قتله جهراً بين الناس. وقيل : أن يهدّد بالقتل ثم يقتل (٤) وفي غيره : فيه ثلاثة أوجه : الأوّل : أن يقتل وينظر إليه آخر. الثاني‌

__________________

(١) الدروس ٢ : ٣٦.

(٢) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٣١٨ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٩٣٢ ، والشهيد في الروضة ٢ : ٤٠٢.

(٣) التهذيب ٦ : ١٧٣ / ٣٤٠ ، الوسائل ١٥ : ١٤٨ أبواب جهاد العدو ب ٦٦ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ١٥٣.

١٠٥

أن لا يطعم ولا يسقى حتى يموت بالعطش والجوع. والثالث : ما هو المشهور.

ولا بأس بكراهة الكل. بل يحتمل ترك الإطعام والسقي التحريم ، كما هو ظاهر الأصحاب حيث أفتوا بوجوبهما مطلقاً ولو أُريد قتله سريعاً ، ومنهم : الشيخ في النهاية والحلّي في السرائر والفاضلان والشهيدان (١) ، وغيرهم (٢) ، بل لا خلاف فيه أجده إلاّ من بعض المتأخّرين فحكم بالاستحباب.

للصحيح : « إطعام الأسير حقّ على من أسره وإن كان يراد قتله من الغد ، فإنّه ينبغي أن يُطعم ويُسقى ويُرفق به ، كافراً كان أو غيره » (٣).

وفي آخر مرويّ عن قرب الإسناد : « إطعام الأسير والإحسان إليه حقّ واجب » (٤) بل صريحه الوجوب كصدر الأوّل ، فهو الأقرب.

( ولا يجوز دفن الحربي ) بل الكافر بأقسامه ، بلا إشكال فيه ( و ) لا في أنّه ( يجب دفن المسلم ) وقد مرّ الكلام فيهما في محلّه.

هذا إذا لم يشتبه أحدهما بالآخر.

( ولو اشتبهوا قيل ) والقائل الشيخ في المبسوط ، وتبعه الفاضل في‌

__________________

(١) النهاية : ٢٩٦ ، السرائر ٢ : ١٢ ، المحقق في الشرائع ١ : ٣١٨ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٩٣٢ ، الشهيد الأول في الدروس ٢ : ٣٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٥٣.

(٢) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٩٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٧ : ٤٦٤ ، والمجلسي في مرآة العقول ١٨ : ٣٦٤.

(٣) الكافي ٥ : ٣٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٥٢ / ٢٦٦ ، الوسائل ١٥ : ٩١ أبواب جهاد العدو ب ٣٢ ح ١.

(٤) قرب الإسناد : ٨٧ / ٢٨٩ ، الوسائل ١٥ : ٩٢ أبواب جهاد العدو ب ٣٢ ح ٣.

١٠٦

المختلف (١) ـ : إنّه ( يوارى ) ويدفن ( من كان كميشاً ) أي صغير الذكر ، وعزاه في النهاية (٢) إلى الرواية ، وهي حسنة بل صحيحة : « لا تواروا إلاّ من كان كميشاً وقال : لا يكون ذلك إلاّ في كرام الناس » (٣).

خلافاً للحلّي ، فأوجب القرعة ، لأنّها لكلّ أمر مشكل (٤).

وهو حسن على أصله ، غير مستحسن على المختار من حجيّة أخبار الآحاد المجتمع فيها شرائط الاعتبار كما في المضمار ، وبعد وروده فلا إشكال.

وللتنقيح ، فقال : ولو قيل يدفن الكلّ احتياطاً كان حسناً ، أمّا مع التأذّي بهم يُدفنوا جميعاً (٥).

وفيه نظر إن أُريد به الاحتياط وجوباً ، وإلاّ فلعلّه محتمل ، وإن كان الأقوى عدم وجوب دفن من لم يكن كميشاً بناءً على ما قدّمنا من العمل بالنصّ.

وعليه فيتّضح أمر الصلاة أيضاً ، فيصلّي على من يدفن منهم دون غيره.

وإليه أشار في المبسوط ، فقال مشيراً إلى مقتضى النص فعلى هذا يصلّى على من هذه صفته. لكن قال : وإن قلنا يصلّى على كلّ واحد منهما منفرداً بنيّته بشرط إسلامه كان احتياطاً ، وإن قلنا يصلّى عليهم صلاة واحدة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٢ ، المختلف : ٣٣٨.

(٢) النهاية : ٢٩٨.

(٣) التهذيب ٦ : ١٧٢ / ٣٣٦ ، الوسائل ١٥ : ١٤٧ أبواب جهاد العدو ب ٦٥ ح ١.

(٤) السرائر ٢ : ٢٠.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٥٨٩.

١٠٧

وينوي الصلاة على المؤمنين منهم كان قويّاً (١).

وإلى ما قوّاه أخيراً جنح الحلّي في السرائر والفاضل في المختلف (٢). وهو لا يتوجّه على أصل كلّ منهما.

أمّا الحلّي ، فلأنّ عموم ما دلّ على القرعة يشمل المقام أيضاً. وكذلك النصّ باعتبار الصفة لكشفها عن إسلام الموصوف بها ، لا لكونها تعبّداً محضاً ، فلا يشمل غيرها بل يختصّ بها ، وبه يشعر ذيل النص ، لقوله : « لا يكون ذلك إلاّ في كرام الناس ».

نعم لو احتيط بذلك كان محتملاً ، كما قدّمنا.

واعلم أنّ قول الماتن ( ( كما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بذلك (في قتلى بدر) مشيراً به إلى ما تضمّنه النصّ المتقدّم يتضمّن الاعتراف بصحّة مضمونه ، ومعه فلا وجه للتردّد المستفاد من النسبة إلى القيل المشعرة بالتمريض ، إلاّ أن يجعل هذا مقول قول القيل ، لا قول الماتن حتّى يستلزم الاعتراف بصحته. أو يكون نظره إلى أنّها قضيّة في واقعة لا عموم لها ، ولذا أعرض عنه في الصلاة كلّ من قال به في الدفن ، فأوجبوا الرجوع فيها إلى الأُصول.

وهو قويّ متين ، سيّما مع عدم وضوح سنده وشبهةٍ ما فيه ، ودعوى الحلّي الشذوذ فيه (٣).

لكن شي‌ء من ذلك لا يبلغ درجة القدح فيه بعد ظهور اعتباره وإن لم يقطع بصحته ، ووهن دعوى شذوذه ، كتخيّل عدم عمومه بأنه في واقعة ، لظهور ذيله في العموم وعدم إناطة الأمر بالخصوص.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٢.

(٢) السرائر ٢ : ٢٠ ، المختلف : ٣٣٨.

(٣) السرائر ٢ : ٢٠.

١٠٨

وبالجملة : فالمتوجّه قول المبسوط ، وإن كان الأحوط ما مرّ.

( وحكم الطفل ) الذي لم يبلغ الحلم مطلقاً ذكراً كان أو أُنثى ( حكم والديه ) في الإسلام والكفر ، وما يتبعهما من الأحكام كالطهارة والنجاسة وغيرهما ، بالإجماع الظاهر والنصّ المستفيض بل المتواتر.

ففي الصحيح المرويّ في الفقيه : عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحِنْث قال : « كفّار » (١).

وفي الخبر المروي فيه : « أولاد المشركين مع آبائهم في النار ، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة » (٢).

وفي المرسل المروي في الكافي : « أطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم ، وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم » (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مواضع متشتّتة ، كمسألة جواز إعطاء أطفال المؤمنين من الزكوات والكفّارات (٤) ، وجواز العقد عليهم مطلقاً (٥) ، مع اشتراط الإسلام في جميع ذلك اتّفاقاً فتوًى ونصاً.

وبالجملة : فالحكم أوضح من أن يحتاج إلى مزيد بيان.

وعليه ( فإن أسلما ) أي الأبوان ( أو أحدهما أُلحق ) الولد ( بحكمه ) أي المسلم منهما. أمّا مع إسلامهما فواضح. وأمّا مع إسلام‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣١٧ / ١٥٤٤ ، بحار الأنوار ٥ : ٢٩٥ / ٢٢ ؛ غلام لم يدرك الحِنث ، أي : لم يجرِ عليه القلم. مجمع البحرين ٢ : ٢٥٠.

(٢) الفقيه ٣ : ٣١٧ / ١٥٤٣ ، بحار الأنوار ٥ : ٢٩٤ / ٢١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٣٨ / ٢ ، بحار الأنوار ٥ : ٢٩٢ / ٩.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦ ، وج ٢٢ : ٣٨٧ أبواب الكفارات ب ١٧.

(٥) الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ ، ٢٩٢ أبواب عقد النكاح ب ١١ ، ١٢.

١٠٩

أحدهما فلأنّ « الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه » (١) مضافاً إلى فحوى ما دلّ على لحوق الولد بأشرف أبويه في الحريّة ، ففي الإسلام أولى.

وذكر جماعة تبعيّته للسابي المسلم إذا سباه منفرداً عنهما ، كالشيخ والقاضي والإسكافي ، فيما حكاه عنهم الفاضل في المختلف (٢) متنظّراً فيه وفيما وقفت عليه من كتبه. وتبعه جماعة ومنهم شيخنا الشهيد الثاني (٣).

ولعلّه في محله ؛ لعدم دليل يعتدّ به عليها كليةً إلاّ في الطهارة خاصةً.

فلا بأس بها وفاقاً لجماعة (٤).

لا لما قيل من ظهور عبائر الجماعة في الإجماع عليها (٥).

لمنعه بظهور عبارة الذكرى في تفرّعها على التبعية مطلقاً (٦). فإن قلنا بها كذلك ثبتت ، وإلاّ فلا.

ولا لما في المعالم من أصالة الطهارة ولزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقن المجمع عليه ، وليس إلاّ النجاسة قبل السبي ، وأمّا بعده فيجب المصير إليها ، لعدم المخصّص لها (٧).

لابتنائه على انحصار دليل النجاسة في الإجماع وعدم حجيّة الاستصحاب. ويمنعان بوجود الإطلاق نصّاً وفتوى كما مضى بالتبعيّة في الكفر المقتضية للنجاسة ، خرج منه ما إذا أسلم أبواه أو أحدهما ويبقى‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٨ ، كنز العمال ١ : ٦٦ / ٢٤٦.

(٢) المختلف : ٣٣١.

(٣) انظر الروضة البهية ١ : ١٢٠.

(٤) منهم : ابن سعيد في الجامع : ٢٣٨ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٩٣٢ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٣٩.

(٥) كما في مجمع الفائدة ٧ : ٤٦٦ ، وشرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( مخلوط ).

(٦) الذكرى : ١٤.

(٧) معالم الفقه : ٢٦٠.

١١٠

الباقي تحته مندرجاً ، وثبوت حجيّة الاستصحاب.

بل لمنع شمول الإطلاق محلَّ البحث ؛ لاختصاصه بحكم التبادر وغيره بغير صورة سبي المسلم.

والاستصحاب إنّما يكون حجّة حيث يسلم عن المعارض ، وفي محلّ البحث ليس بسالم ، لمعارضة استصحاب النجاسة باستصحاب طهارة الملاقي له ، فكما أنّ الأوّل يقتضي بقاء نجاسة المَسبيّ ، فكذا الأخير يقتضي بقاء طهارة ملاقيه.

وهذا أيضاً لا يخلو عن نظر ، فإنّ الأوّل وارد على الثاني فليقطع به إن ثبتت المعارضة بينهما باتّحاد متعلّقهما معنىً ، ولو تغايرا محلاًّ بإجماع ونحوه ، وإلاّ فالواجب العمل عليهما كلّ من محلّه ، ومرجعه حينئذٍ إلى نجاسة المَسبيَّ وطهارة الملاقي. فإن لم يناف الإجماع وأمكن القول بهما لم يثبت المطلب من الحكم بطهارة المَسبيّ ، وإنّما الثابت طهارة ملاقيه ، ولا تلازم بينهما كما فرضنا ، ونظائره كثيرة.

نعم لم يتبيّن حينئذ أثر نجاسة في هذا الفرع ، ولكن قد يتبيّن في فرع آخر ، كمنعه عن دخول المساجد ونحوه ، إذ لا معارض له في هذا الفرع ، فيتوجّه الحكم بنجاسته مطلقاً باستصحابها الخاصّ الوارد على استصحاب طهارة الملاقي كما مضى.

وحيث إنّ الفرع الأعظم هو طهارة الملاقي أو نجاسته مع عدم وجود الإجماع المركب المقطوع به على تعارض الاستصحابين ، تعيّن القول بطهارته في هذا الفرع ، سيّما مع التأيّد بالإجماع المنقول المتقدم. ولا يعارضه عبارة الذكرى المتقدمة ، لكونه راجحاً عليها ، مضافاً إلى استلزام نجاسته العسر والحرج المنفي. ولكن الاحتياط واضح.

١١١

هذا إذا سبي منفرداً.

وأمّا إذا سبي مع أبويه أو أحدهما ، كان كافراً ولم يتبع السابي قولاً واحداً منّا.

( ولو أسلم حربيّ في دار الحرب ) أو دار الإسلام قبل السبي ( حقن دمه ) عن القتل ( وماله ) إذا كان ( ممّا ينقل ) عن الاغتنام ( دون ) ما لا ينقل من ( العقارات والأرضين ، ولحق به ولده الأصاغر ) دون الكبار ، فإنّ حكمهم حكم سائر الكفّار بغير خلاف.

للخبر المنجبر بالعمل : عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك ، فقال : « إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار وهم أحرار [ وماله ومتاعه ورقيقه له ] فأمّا الولد الكبار فهم في‌ء للمسلمين إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل ذلك ، وأمّا الدور والأرضون فهي في‌ء ولا يكون له ، لأنّ الأرض هي أرض جزية لم يجرِ فيها حكم أهل الإسلام وليس بمنزلة ما ذكرناه ، لأنّ ذلك يمكن احتيازه وإخراجه إلى دار الإسلام » (١).

وفيه أيضاً دلالة على ما مرّ من الحكم بتبعية الولد لأبويه في الكفر والإسلام ، كما لا يخفى على من تأمّل فيه التأمّل التامّ.

( ولو أسلم عبد ) الكافر أو أمته ( في دار الحرب قبل مولاه ) وخرج إلينا ( ملك نفسه ) ولا سبيل لمولاه عليه إجماعاً فتوًى ونصّاً (٢) ، وصرّح به في المختلف أيضاً (٣).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٥١ / ٢٦٢ ، الوسائل ١٥ : ١١٦ أبواب جهاد العدو ب ٤٣ ح ١. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٦ : ١٥٢ / ٢٦٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٧ أبواب جهاد العدو ب ٤٤ ح ١.

(٣) المختلف : ٣٢٩.

١١٢

وكذا إذا لم يخرج على قول الشيخ قوّاه في المبسوط بعد أن أفتى فيه بالعدم (١).

والرقيّة أولى كما هو خيرته في النهاية وخيرة الحلّي (٢) وعامّة المتأخرين عنهما ، حتّى الماتن في الشرائع جازماً (٣).

لكنّه تردّد هنا ، لقوله : ( في اشتراط خروجه ) إلينا ( تردّد ) ينشأ : من حيث إسلامه المانع عن استيلاء الكافر عليه ؛ لقوله تعالى ( لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٤) وقوله عليه‌السلام : « الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه » (٥).

ومن الأصل ، ولزوم الاقتصار فيما خالفه على المتيقّن من الفتوى والنصّ ، وليس إلاّ بعد الخروج بناءً على أنّ نفي العلوّ والاستيلاء في الآية والرواية لا ينافي الملكية ، بل السلطنة ونفيها يحصل بالإجبار على البيع من مسلم أو اغتنامه من سيّده بالقهر والغلبة.

ومع ذلك فـ ( المرويّ ) من طريق الخاصّة والعامّة ( الاشتراط ) ففي الموثق أو القوي : « أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ ، وأيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد » (٦).

وبمعناه النبويّ المرويّ في المنتهى (٧).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٧.

(٢) النهاية : ٢٩٥ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٠.

(٣) الشرائع ١ : ٣١٩.

(٤) النساء : ١٤٠.

(٥) راجع ص ٣٦٦٠.

(٦) التهذيب ٦ : ١٥٢ / ٢٦٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٧ أبواب جهاد العدو ب ٤٤ ح ١.

(٧) المنتهى ٢ : ٩٣٠ ، وأُنظر سنن البيهقي ٩ : ٢٢٩.

١١٣

( الثالث : في ) بيان ( أحكام الأرضين ) هي أربعة.

منها : أرض الخراج ، وهي ( وكلّ أرض فتحت عنوةً ) وهي بفتح العين وسكون النون : الخضوع ، ومنه قوله سبحانه ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ) (١) والمراد هنا : ما فتحت بالقهر والغلبة ( وكانت مُحياة ) ومعمورة وقت الفتح.

( فهي للمسلمين كافةً ) إلى يوم القيامة ( و ) لا يختصّ بها ( الغانمون ) ولا يفضلون على غيرهم ، بل يشاركونهم ( في الجملة ) كشركة باقي المسلمين من غير خصوصية ، بإجماعنا الظاهر المستفاد من جماعة (٢) ؛ للمعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح : عن السواد ، قال : « هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يُخلق بعد » فقلنا : الشراء من الدهاقين ، قال : « لا يصلح إلاّ أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين ، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذنا » قلنا : فإن أخذها منه ، قال : « يردّ عليه رأس ماله وما أكل من غلّتها بما عمل » (٣).

وفي الخبر : عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه ، وقال : « إنّما أرض الخراج للمسلمين » فقالوا له : فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها ، فقال : « لا بأس إلاّ أن يستحيي من عيب ذلك » (٤).

__________________

(١) طه ١١١.

(٢) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٤ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٩٣٤ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٧ : ٤٧٠ ، والفاضل السبزواري في الكفاية : ٧٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٤٧ / ٦٥٢ ، الإستبصار ٣ : ١٠٩ / ٣٨٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢١ ح ٤.

(٤) التهذيب ٧ : ١٤٨ / ٦٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٠ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢١ ح ٩.

١١٤

وفي آخر : « لا يشتري من أرض السواد شيئاً إلاّ من كانت له ذمّة ، فإنّما هو في‌ء للمسلمين » (١).

وفي ثالث : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : « ومن يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟ » قلت : يبيعها الذي هي في يده ، قال : « ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ » ثمّ قال : « لا بأس أن يشتري حقّه منها ويحول حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجها منه » (٢).

وهي وإن أوهمت جواز شرائها أو دلّت عليه ، ولكن ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنها ( لا تباع ولا توقف ولا توهب ولا تملك ) بوجه من الوجوه ( على الخصوص ) بل زاد بعضهم كالشيخ في المبسوط ، فمنع عن مطلق التصرف فيها ولو بنجو من البناء (٣) ؛ لما دلّت عليه بعد الإجماع أنّها للمسلمين قاطبة ، فلا يجوز لأحد تملّكها ولا التصرف فيها مطلقاً من غير إذن الإمام قطعاً.

ولذا منعت جملة منها عن الشراء أوّلاً.

وحمل بعضهم الشراء المرخّص فيها ثانياً على الاستنقاذ ، كما يشعر به الرواية الأُولى.

أو على شراء ما فيها من الآثار دونها ، كما عقله شيخنا الشهيد الثاني من الرواية الأخيرة ؛ لقوله : « لا بأس أن يشتري حقّه منها » قال : لأنّها حقّه‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٥٢ / ٦٦٧ ، التهذيب ٧ : ١٤٧ / ٦٥٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢١ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٦ / ٤٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١٠٩ / ٣٨٧ ، الوسائل ١٥ : ١٥٥ أبواب جهاد العدو ب ٧١ ح ١.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٤.

١١٥

منها دون نفس الأرض ، فلا حقّ له فيها بخصوصه بل ولا تصرّف (١).

وفيه بُعد ؛ لأنّ الظاهر من الحقّ فيها إنّما هو حق الأولويّة لا الآثار.

مع أنّ الآثار الموجودة فيها يومئذٍ تعمّ الآثار الموجودة وقت الفتح التي خرجت بها عن الموات وصارت فيئاً للمسلمين كافةً ، وحكمها حكم نفس الأرض للمسلمين بلا خلاف ، لا يجوز التصرف فيها ببيع ونحوه.

وتخصيصه بالآثار المتجدّدة المملوكة للمتصرف فيها بإذن الإمام وإن أمكن ، لكنّه بُعد في بُعد. ومع ذلك فلا بأس به ولا بالأوّل ، جمعاً.

وأمّا حملها على جواز بيعها تبعاً للآثار كما عليه الحلّي (٢) وجماعة من المتأخرين (٣) فمحلّ إشكال ، وفاقاً لشيخنا في المسالك في كتاب الإحياء (٤) وإن وافقهم هنا (٥) ؛ لعدم دليل واضح عليه إلاّ أن يكون إجماعاً ، كما يفهم من بعض العبارات.

( والنظر فيها إلى الإمام عليه‌السلام ) يقبّلها بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخير قبّل أرضها ونخلها ، كما في الصحيح (٦) وغيره (٧) ، ولا خلاف فيه.

و ( يصرف حاصلها في المصالح ) المتعلّقة بالمسلمين من نحو ما‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٨٧.

(٢) السرائر ١ : ٤٧٨.

(٣) اللمعة ( الروضة ) ٣ : ٢٤٧ ، مجمع الفائدة ٧ : ٤٧٢ ، كفاية الأحكام : ٨٠.

(٤) المسالك ٢ : ٢٨٧.

(٥) المسالك ١ : ١٥٥.

(٦) التهذيب ٤ : ١١٩ / ٣٤٢ ، الوسائل ١٥ : ١٥٨ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٥١٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١١٨ / ٣٤١ ، الوسائل ١٥ : ١٥٧ أبواب جهاد العدو ب ٧٢ ح ١.

١١٦

يذكر في المرسل كالصحيح ، وهو جامع لما على الوالي أن يعمل فيه.

ففيه : « والأرضون التي أُخذت عنوة بخيل وركاب (١) ، فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ، ويقوم عليها على قدر ما يصالحهم الوالي على ذلك ، على قدر طاقتهم من النصف والثلث ، وعلى قدر ما يكون لهم صلاحاً ولا يضرّهم. فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً ».

إلى أن قال : « فإن فضل من بعد ذلك أي من الزكاة وما قبله شي‌ء ردّه إلى الوالي ، وإن نقص من ذلك شي‌ء ولم يكتفوا به ، كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا ، ويؤخذ بعد ما بقي من العشر ، فيقسم بين الوالي وشركائه الذين هم عمّال الأرض وأكَرَتها ، فيدفع إليهم أنصباءهم على ما صالحهم ، فيؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله تعالى وفي مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامة » (٢) الخبر.

هذا مع حضوره. أمّا مع غيبته فما كان بيد الجائر يجوز المضيّ معه في حكمه فيها ، فيصحّ تناول الخراج والمقاسمة منه لهبة وشراء وغيرهما ممّا يقتضيه حكمه شرعاً ، كما هو ظاهر الأصحاب والأخبار الواردة بحلّ ما يأخذه الجائر ويؤخذ منه من المقاسمة والخراج.

وما يمكن استقلال نائب الإمام به فهو الحاكم الشرعي ، فأمره إليه يصرفه في مصالح المسلمين كالأصل.

ولا يجوز جحد الخراج والمقاسمة ولا التصرف فيهما إلاّ بإذن الجائر‌

__________________

(١) في الكافي : ورجال.

(٢) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، الوسائل ١٥ : ١١٠ أبواب جهاد العدو ب ٤١ ح ٢.

١١٧

حيث يطلبه أو يتوقف على إذنه مطلقاً ، في ظاهر الأصحاب كما في المسالك (١). وفيه بعد نقل الإجماع عليه أقول : وهو المحقق الثاني في شرح القواعد في كتاب الإحياء (٢) ـ : وعلى هذا فلا يجوز التصرف في هذه الأراضي بغير إذنهم أيضاً حيث يعتبر (٣).

خلافاً لبعض من عاصرناه فجوّزه للشيعة ؛ للأخبار (٤). وفيه نظر.

( وما كان ) منها ( مواتاً وقت الفتح فهي ) من الأنفال ( للإمام ، لا ) يجوز لأحد أن ( يتصرّف فيها إلاّ بإذنه ) بالنّص (٥) والإجماع ، ومع إذنه تملك بالإحياء. وسيأتي الكلام فيه في بحثه إن شاء الله تعالى.

بقي هنا شي‌ء وهو : أنّ الأخبار المتقدمة في أنّ المعمورة منها للمسلمين قاطبةً لا إشعار فيها بالتفصيل بينها وبين الموات منها. ولا وجه لتقييدها بالأُولى إلاّ ما يظهر من الحلّي (٦) وغيره (٧) ، من أنّ المخصّص لها هو ما يأتي من الأخبار في أنّ الموات للإمام ، وعمومها يشمل موات أراضي الخراج أيضاً.

وفيه : أنّ التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تخصيص كلّ بالآخر ، فلا وجه لترجيح تخصيص أخبار الباب بتلك الأخبار كما هو مناط الاستدلال لولا الموافقة لفتوى الأصحاب والإجماع المنقول‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٥٥.

(٢) جامع المقاصد ٧ : ١١.

(٣) المسالك ١ : ١٥٥.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٤٣ أبواب الأنفال ب ٤.

(٥) انظر الوسائل ٩ : ٥٣٥ أبواب الأنفال ب ٢.

(٦) السرائر ١ : ٤٨١.

(٧) انظر المنتهى ٢ : ٩٣٦ ، وجامع المقاصد ٧ : ١٤ ، والمسالك ١ : ١٥٥.

١١٨

عن التذكرة في خصوص هذه الموات أنّها للإمام (١). وحينئذ فلا إشكال.

واحترز بالقيد عمّا لو كانت معمورةً وقت الفتح ثم خربت ، فإنّها للمسلمين دونه عليه‌السلام ؛ وذلك لما سيأتي من اختصاص الموات من الأنفال التي يجوز إحياؤها وتملّكها به بما لم يجرِ عليه ملك مسلم ومَن بحكمه ، أو جرى وباد أهلها ، دون ما عرف صاحبها.

ونفى عنه الخلاف هنا في السرائر ، فقال : وأمّا الذي جرى عليه ملك أي من موات أرض الخراج فإنّه ينظر ، فإن كان صاحبه معيناً فإنّه له ولا يملك بالإحياء بلا خلاف ، وإن لم يكن له صاحب معيّن ولا وارث معيّن فهو للإمام عندنا (٢). انتهى.

ولا ريب أنّ هذه الموات المفروض كونها معمورةً وقت الفتح ثمّ خرجت صاحبها معلوم ، وهو المسلمون كافّةً كما عرفت.

ويعرف المُحيى منها والميّت وقت الفتح بإخبار الثقات والمعروفين من أهل التواريخ مع الإمكان ، وإلاّ فبالقرائن المفيدة للعلم ، أو الظنّ المتاخم له. ومنها ضرب الخراج والمقاسمة ولو من حكّام الجور ، على ما ذكره جماعة (٣) حملاً لأفعال المسلمين على الصحّة.

فإن انتفت فالأصل يقتضي عدم تقدّم العمارة إن كانت الآن معمورةً ، وإلاّ فعدمها بالكلية إن كانت الآن مواتاً ، وحينئذٍ فيحكم لمن بيده منها شي‌ء بالملك لو ادّعاه.

( و ) منها : أرض الجزية ، وهي ( كلّ أرض فتحت صلحاً على

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٢٧.

(٢) السرائر ١ : ٤٨١.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٥٥ ، والسبزواري في الكفاية : ٧٩.

١١٩

أن ) يكون ( الأرض لأهلها والجزية فيها ، فهي ) ملك ( لأربابها ولهم التصرف فيها ) بأنواع التصرّفات المملّكة وغيرها ، بلا خلاف على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (١) ؛ للنصوص المتقدمة جملة منها في بحث الجزية فلا نعيدها.

( ولو باعها المالك ) لها ولو من مسلم ( صحّ ) لما مرّ ( وانتقل ما ) ضرب ( عليها من الجزية إلى ذمّة البائع ) دون المشتري مطلقاً كما هو فرض المتن ، أو المسلم خاصة كما هو فرض الدروس والتحرير والمنتهى (٢) ، والمختلف حاكياً للحكم فيه عن الشيخ والمشهور ووافقهم أيضاً ، قال : لأصالة براءة الذّمة ، ولأنّ المأخوذ جزية وهي منافية للإسلام (٣). فلا بأس به.

خلافاً للمحكي فيه وفي الدروس (٤) عن الحلبي ، فجعلها على المشتري ، واحتجّ له بأنّه حقّ على الأرض فتجب على من انتقلت إليه كالخراج. وأجاب عنه بالمنع ، قال : وإنّما هو حقّ على رقبة الذمّي في نوع من ماله فإذا انتقل عنه سقط الحقّ عن المال.

وهو حسن ، والأصل والجواب يساعدان العموم في المشتري لنحو المسلم والذمّي ، كما في إطلاق المتن.

لكن هنا من الأخبار ما يساعد الحلبي ، كالصحيح : عن شراء أرض أهل الذمّة ، فقال : « لا بأس بها ، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم ، تؤدّي كما‌

__________________

(١) كالسرائر ١ : ٤٧٨ ، والتذكرة ١ : ٤٢٧ ، والمسالك ١ : ١٥٦.

(٢) الدروس ٢ : ٤٠ ، التحرير ٢ : ١٣٠ ، المنتهى ٢ : ٩٣٥.

(٣) المختلف : ٣٣٢.

(٤) المختلف : ٣٣٢ ، الدروس ٢ : ٤٠.

١٢٠