السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦
حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتّخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير » (١) الخبر.
ونحوه فيما دلّ عليه من كون الشطرنج بمنزلة لحم الخنزير يثبت له أحكامه التي منها حرمة التكسّب به كما مضى المروي في الكافي : « المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير » (٢).
لعدم انصراف إطلاقهما ككلام الأكثر إلى محلّ الفرض ، وإن كان الإطلاق أحوط لو أمكن ، وإلاّ فيكسر كسراً لا يحتمل التصحيح ثم يباع.
ومما ذكرنا يظهر انسحاب الحكم في التكسّب بأواني الذهب والفضة منعاً وجوازاً.
( الثالث : ما يقصد به المساعدة على المحرّم ، كبيع السلاح ) مثل السيف والرمح ( لأعداء الدين ) مسلمين كانوا أم مشركين ، إذا كان ( في حال الحرب ) مع أهله ، إجماعاً ؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى عموم المتقدّم ، واستلزامه الإعانة على الإثم المحرّمة بالكتاب والسنّة ، وخصوص المستفيضة.
منها : الحسن ، بل الصحيح : ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج وأداتها؟ فقال : « لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج » (٣).
__________________
(١) مستطرفات السرائر : ٥٩ / ٢٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ٤.
(٢) الكافي ٦ : ٤٣٧ / ١٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٠٣ ح ٣.
(٣) الكافي ٥ : ١١٢ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٥ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٧ ، الوسائل ١٧ : ١٠١ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ١.
والخبر : عن حمل السلام إلى أهل الشام ، فقال : « احمل إليهم ، فإن الله عزّ وجلّ يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم » يعني الروم « فإذا كان الحرب بيننا فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك » (١).
والمرسل المنجبر ضعفه كما تقدّمه بالعمل ، ووجود ابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سندهما : « قلت : إنّي أبيع السلاح ، قال : « لا تبعه في فتنة » (٢).
ومقتضى هذه النصوص كالعبارة وأصالة الإباحة الجواز فيما إذا لم يكن بيننا وبينهم حرب ولا مباينة ، وبه صرّح الحلّي (٣) وجماعة (٤).
( وقيل : ) كما عن الشيخين والديلمي والحلبي (٥) يحرم ( مطلقاً ) تبعاً لإطلاق بعض النصوص ، كالصحيح المروي عن كتاب عليّ بن جعفر ، وقرب الإسناد : عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ، قال : « إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس » (٦).
__________________
(١) الكافي ٥ : ١١٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٧ / ٤٤٨ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٥٨ / ١٨٩ ، الوسائل ١٧ : ١٠١ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٢ ؛ بتفاوت.
(٢) الكافي ٥ : ١١٣ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٦ ، الوسائل ١٧ : ١٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٤. والرواية مسندة في غير الاستبصار.
(٣) انظر السرائر ٢ : ٢١٦.
(٤) منهم : الشهيد الأول في الدروس ٣ : ١٦٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٥ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٢٠٨.
(٥) المفيد في المقنعة : ٥٨٨ ، الطوسي في النهاية : ٣٦٥ ، حكاه عن الديلمي في كشف الرموز ١ : ٤٣٩ ، الحلبي في الكافي : ٢٨٢.
(٦) مسائل علي بن جعفر : ١٧٦ / ٣٢٠ ، قرب الإسناد : ٢٦٤ / ١٠٤٧ ، الوسائل ١٧ : ١٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٦.
والمروي في الفقيه في وصيّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام : كفر بالله العلي العظيم من هذه الأُمّة عشرة أصناف ، وعدّ منهم بائع السلاح لأهل الحرب (١).
وفيهما مع قصور سند الثاني ، ودلالة الأوّل ، لأعميّة البأس المفهوم منه من الحرمة أنّهما مطلقان يجب تقييدهما بما مرّ ، مع معارضتهما لإطلاق الجواز في ظاهر الخبر : إنّي رجل صيقل اشترى السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها؟ فكتب عليهالسلام : « لا بأس به » (٢).
فإذا الأوّل أظهر ، وإن كان الإطلاق أحوط.
ثم ظاهر الأُصول المتقدّمة وفحوى الصحيح الأوّل وظاهر تاليه تحريم بيع ما يعدّ جُنّة لهم أيضاً ، كالدرع والبيضة ولباس الفرس المسمّى بالتجْفاف (٣).
وربما قيل بعدمه (٤) ؛ للصحيح : عن الفئتين يلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال : « بعهما ما يكنّهما : الدرع والخفّين ونحو هذا » (٥).
وهو كما ترى ؛ فإنّه ليس من محل البحث جدّاً ، مع قصوره عن المقاومة لما مرّ ، سيّما الأُصول قطعاً. فهو ضعيف؟ كالمستفاد من العبارة
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٢٥٤ / ٨٢١ ، الوسائل ١٧ : ١٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٧.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٢ / ١١٢٨ ، الوسائل ١٧ : ١٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٥.
(٣) التجفاف : تفعال بالكسر ، شيء تلبسه الفَرَس عند الحرب كأنه درع. الجمع تجافيف. المصباح المنير : ١٠٣.
(٤) الحدائق ١٨ : ٢٠٩.
(٥) الكافي ٥ : ١١٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٨ ، الوسائل ١٧ : ١٠٢ أبواب ما يكتسب به ب ٨ ح ٣.
ونحوها من اختصاص التحريم بقصد الإعانة ، وعدمه مع عدمه ، ولو كان رايات الحرب قائمة أوله متهيّأة ؛ لإطلاق النصوص المتقدّمة بالحرمة في هذه الصورة.
نعم ، لو صحب عدم القصد الجهل بالحال والجدال انتفى الحرمة بلا إشكال. وألحق جماعة (١) بأعداء الدين قطّاع طريق المسلمين ؛ للأُصول المتقدّمة ، وخصوص عموم الرواية الأخيرة ، لتعميمها المنع عن بيع السلاح في كلّ فتنة. وهو حسن.
( وإجارة المساكن والحَمولات ) بفتح الحاء ، وهي الحيوان الذي يصلح للحمل ، كالإبل والبغال والحمير ، والسفن داخلة فيها ( للمحرّمات ) كالخمر وركوب الظلمة وإسكانهم لأجله ونحوه.
وفي معنى الإجارة بيعها.
( وبيع العنب ) والتمر وغيرهما ممّا يعمل منه المسكر ( لَيُعْمَل خمراً ) ومسكراً.
( والخشب لَيُعْمَل صنماً ) سواء شرطه في العقد أم حصل الاتفاق عليه ، إجماعاً ظاهراً ، وحكي عن المنتهى صريحاً (٢) ؛ وهو الحجة فيه بعد ما مرّ من الأُصول ، وسيّما الدالّ منها على حرمة الإعانة على الإثم ، المؤيّد بالعقول.
مضافاً إلى الخبر في الأوّل : عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال : « حرام أجره » (٣).
__________________
(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢١١ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٩ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٢٠٩.
(٢) المنتهى ٢ : ١٠١١.
(٣) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ / ١٠٧٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٩ ، الوسائل ١٧ : ١٧٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٩ ح ١.
ولا ينافيه الصحيح : عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابّته ممّن يحمل عليها أو فيها الخمر والخنازير ، فقال : « لا بأس » (١).
لاحتمال اختصاصه بصورة عدم الشرط والاتفاق ، بل عدم العلم والظن أيضاً ؛ لانتفاء التحريم معه إجماعاً ، مع قصوره عن المقاومة لما مرّ وإن قصر بحسب السند ، لانجباره بالإجماع والأُصول من جهة النقل والعقول.
هذا مع أنّ حمل الخمر فيه غير منحصر الوجه في التحريم ، فيحتمل ارتكابه للتخليل. ولا ينافيه حمل الخنازير ؛ لأعميّة وجهه كالأوّل من الحرام ، فيحتمل الحمل لوجه محلّل ، كحصول جبر فيه ونحوه.
وخصوص الصحيح في الأخير : عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلباناً ، قال : « لا » (٢).
ونحوه الخبر المعتبر (٣) بالعمل ، ووجود ابن محبوب وأبان المجمع على تصحيح رواياتهما في سنده ، فلا يضرّ جهالة رواية.
مع خلوّهما عن المعارض ، واعتضادهما بما مرّ من الأُصول والإجماع المحقّق أو المنقول.
وظاهرهما كالخبر الأوّل انسحاب التحريم إلى صورة العلم بالشراء
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٨ ، الإستبصار ٣ : ٥٥ / ١٨٠ ، الوسائل ١٧ : ١٧٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٩ ح ٢.
(٢) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧٦ أبواب ما يكتسب به ب ٤١ ح ١.
(٣) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٤ ، الوسائل ١٧ : ١٧٦ أبواب ما يكتسب به ب ٤١ ح ٢.
لذلك وإن لم يشترط أو يتّفق عليه. وبه أفتى في المختلف والمسالك وغيرهما (١) ، وهو مقتضى الأُصول المتقدّمة أيضاً ، مع أصل آخر ، وهو : لزوم النهي عن المنكر. فإذا علمنا بعمله وجب علينا نقضه وزجره عنه ، فكيف يجوز لنا إعانته عليه؟! ما هذا إلاّ أمر عجيب.
( و ) إن خالف فيه الأكثر ، فقالوا : ( يكره بيعه ممّن يعمله ) مع عدم الشرط والاتّفاق مطلقاً ، علم بعمله أو ظنّ.
ولا بُعد في الثاني ، وإن كان الأحوط فيه أيضاً العدم ، إلاّ أنّ الأوّل مع ما عرفت من الأدلّة على خلافه غير ظاهر الوجه ، إلاّ ما يستفاد من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة في الأوّل ، المبيحة لبيعه ممّن يخمره على الإطلاق ، خرج منها المجمع على تحريمه من البيع في صورتي الاشتراط والاتفاق ، ويبقى الباقي تحت الإطلاق.
منها الصحيح : عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراماً ، فقال : « لا بأس به ، يبيعه حلالاً فيجعله حراماً ، فأبعده الله تعالى وأسحقه » (٢).
والصحيح : عن بيع العصير ممّن يخمره ، فقال : « حلال ، ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً » (٣).
والصحيح : « لو باع ثمرته ممّن يعلم أنه يجعله خمراً حراماً لم يكن بذلك بأس » (٤) الخبر.
__________________
(١) المختلف : ٣٤٣ ، المسالك ١ : ١٦٥ ؛ وانظر الحدائق ١٨ : ٢٠٢.
(٢) الكافي ٥ : ٢٣١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٣٦ / ٦٠٤ ، الإستبصار ٣ : ١٠٥ / ٣٧١ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٤ ؛ بتفاوت.
(٣) التهذيب ٧ : ١٣٦ / ٦٠٣ ، الإستبصار ٣ : ١٠٥ / ٣٧٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٣١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٨ ؛ بتفاوت.
(٤) الكافي ٥ : ٢٣٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٣٨ / ٦١١ ، الإستبصار ٣ : ١٠٦ / ٣٧٤ ،
والصحيح : عن بيع العصير ممّن يصنعه خمراً ، فقال : « بِعه ممن يطبخه أو يصنعه خلاًّ أحبّ إليّ ، ولا أرى بالأوّل بأساً » (١).
ومنه يستفاد الكراهة ، مع كونها مقتضى الجمع بين ما مرّ من الأدلّة وهذه النصوص ، وهي وإن اختصّت بالأوّل إلاّ أنّ عدم القول بالفصل كراهةً وتحريماً بينه وبين البواقي يوجب التعدية إليها ، مع ما في بعضها من التعليل المشعر بها.
فيخصّ بذلك مع الإجماع المتقدّم النصوص المتقدّمة كالأُصول بصورتي الاشتراط والاتفاق ، لكن في مقاومة هذه النصوص وإن كثرت واشتهرت ، وظهرت دلالتها ، بل وربما كان في المطلب صريحاً بعضها لما مرّ من الأُصول والنصوص المعتضدة بالعقول إشكال ، والمسألة لذلك محل إعضال ، فالاحتياط فيها لا يترك على حال.
الرابع : ( ما لا ينتفع به ) أصلاً ، أو ينتفع لكن نادراً يعدّ بذل الثمن لأجله سفاهة عرفاً ، إجماعاً ؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى عموم أدلّة منع المعاملة مع السفيه ، وحرمة تصرفاته لسفهه المستلزم للإعانة على الإثم لو عومل معه.
وهو ( كالمسوخ ) مطلقاً ( بريّة كانت ، كالدبّ والقِرْد ، أو بحرية ، كالجِرّيّ والسلاحف ، وكذا الضفادع والطافي ) (٢).
وقد أطلق المنع عن جميع ذلك أكثر المتقدّمين. ووجهه غير واضح
__________________
الوسائل ١٧ : ٢٢٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.
(١) التهذيب ٧ : ١٣٧ / ٦٠٥ ، الإستبصار ٣ : ١٠٦ / ٣٧٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٣١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٩.
(٢) الطافي : سمك ، وهو الذي يموت في الماء ثم يعلو فوق وجهه. مجمع البحرين ١ : ٢٧٦.
فيما ينتفع به نفعاً بيّناً ، كالفيل ونحوه ؛ للانتفاع بعظمه والحمل عليه ، فيشمله الأصل والعمومات.
مضافاً إلى الخبر في الأول : عن عظام الفيل يحلّ بيعه أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : « لا بأس ، قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط » (١).
والخبرين في العاج ، في أحدهما : رأيت أبا الحسن عليهالسلام يتمشّط بمشط عاج واشتريته له (٢).
وفي الثاني : عن العاج ، فقال : « لا بأس به ، وإنّ لي منه لمشطاً » (٣).
مضافاً إلى دعوى الخلاف الإجماع على جواز التمشّط به ، وجواز استعماله (٤) ، والحلّي ذلك في الأوّل (٥).
فمع ذلك لا وجه لإطلاق المنع عن المسوخ ، بل ينبغي تقييده بما عداهما ، بل بما لا نفع له يعتدّ به عند العقلاء ، إلاّ أن يقال بنجاسة المسوخ. وما هنا يدفعه ، مضافاً إلى ما تقدّم في كتاب الطهارة.
فالقول بجواز التكسّب بها مع الانتفاع المعتدّ به قويّ جدّاً ، وفاقاً لأكثر متأخّري أصحابنا.
والخبر الوارد بالمنع عن البيع والشراء بالقرد مطلقاً (٦) ضعيف جدّاً ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٣ ، الوسائل ١٧ : ١٧١ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٢.
(٢) الكافي ٦ : ٤٨٩ / ٤ ، الوسائل ١٧ : ١٧١ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٣ ؛ بتفاوت في السند.
(٣) الكافي ٦ : ٣٨٩ / ٥ ، الوسائل ٢ : ١٢٣ أبواب آداب الحمام ب ٧٢ ح ٤.
(٤) الخلاف ١ : ٦٨.
(٥) السرائر ٢ : ٢٢٠.
(٦) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣٤ / ٥٩٤ ، الوسائل ١٧ : ١٧١ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٤.
لا بأس بتقييده بعدم الانتفاع المعتدّ به ، أو المحرّم كالإطافة به للّعب ، كما هو الغالب في نفعه ، أو حمله على الكراهة جمعاً بينه وبين ما مرّ الذي هو أقوى منه بمراتب شتّى.
( ولا بأس بسباع الطير ) كالصقر ( والهرة ، والفهد ) وفاقاً لأكثر المتأخّرين ، تبعاً للحلّي والقاضي في الثلاثة (١) ، والمفيد فيما عدا الهرة (٢) ، وللنهاية فيها وفي الفهد خاصّة (٣) ؛ لطهارتها ، والانتفاع بها نفعاً معتدّاً به ، فيشمله الأُصول المتقدّمة.
مضافاً إلى الصحيحين فيما عدا الثاني : عن الفهود وسباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال : « نعم » (٤) والصحيح فيه : « لا بأس بثمن الهرّ » (٥).
ولا معارض لهذه النصوص مع صحتها ، واعتضادها بالأُصول والشهرة العظيمة ، بل الاتّفاق ، كما يشعر به العبارة ، وحكي عن ظاهر التذكرة في الهرة (٦).
( وفي بقية السباع ) كالأسد والذئب والنمر ونحوها ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين ، وفاقاً للقاضي والحلّي (٧) ( الجواز ) تمسّكاً بما مرّ ؛ مضافاً إلى النصوص : منها : عن بيع جلود النمر ، فقال
__________________
(١) الحلّي في السرائر ٢ : ٢٢١ ، حكاه عنه في المختلف : ٣٤١.
(٢) انظر المقنعة : ٥٨٩.
(٣) النهاية : ٣٦٤.
(٤) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٦ / ١١٤٨ ، الوسائل ١٧ : ١٧٠ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ١.
(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٧ ، تفسير العياشي ١ : ٣٢١ / ١١٤ ، الوسائل ١٧ : ١١٩ أبواب ما يكتسب به ب ١٤ ح ٣.
(٦) التذكرة ١ : ٥٨٢.
(٧) المهذب ٢ : ٤٤٢ ، السرائر ٢ : ٢٢١.
« مدبوغة هي؟ » قلت : نعم ، قال : « ليس به بأس » (١).
ومنها الخبر المروي عن قرب الإسناد : عن جلود السباع وبيعها وركوبها أيصلح ذلك؟ قال : « لا بأس ما لم يسجد عليها » (٢).
وقريب منهما النصوص الدالّة على جواز اتّخاذ جلودها وركوبها (٣) ؛ لدلالتها على كونها قابلة للتذكية ، لإفادتها جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها ، فيجوز بيعها وشراؤها.
خلافاً لمن تقدّم ، فخصّوا الجواز بما مرّ ، وإن اختلفوا في المختصّ به ، فبين من جعله الفهد خاصّة ، وهو الخلاف والنهاية (٤) ، لكن بزيادة الهرّة ، ومن ألحق به سباع الطير ، وهو المفيد (٥).
وهنا قولان آخران ، أحدهما المنع عن السباع مطلقاً ، كما عن العماني والديلمي (٦).
والآخر إباحة الجميع إلاّ ما لا ينتفع به ، كالسبع والذئب ، كما عن المبسوط (٧).
ومستند كلّ ذلك غير واضح ، وعلى تقديره فلما مرّ غير مكافئ ، ودعوى عدم الانتفاع بنحو السبع والذئب مطلقاً ممنوعة.
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٧ ، الوسائل ١٧ : ١٧٢ أبواب ما يكتسب به ب ٣٨ ح ١ ؛ بتفاوت.
(٢) قرب الإسناد : ٢٦١ / ١٠٣٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧٢ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٥ عن مسائل علي بن جعفر : ١٨٩ / ٣٨٢.
(٣) منها : ما ورد في الوسائل ٢٤ : ١١٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣ ح ٤.
(٤) لم نجده في الخلاف وحكاه عنه في المهذب البارع ٢ : ٣٥١ ، النهاية : ٣٦٤.
(٥) المقنعة : ٥٨٩.
(٦) حكاه عن العماني في المختلف : ٣٤٠ ، الديلمي في المراسم : ١٧٠.
(٧) المبسوط ٢ : ١٦٦.
( الخامس : الأعمال المحرّمة ) في نفسها. ( كعمل الصور المجسمة ) ذوات الأرواح ، إجماعاً في الظاهر ، وصرّح به بعض الأجلّة (١) ؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى مفهوم الرضوي والمروي عن تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للمرتضى ، وفيهما : « وأمّا تفسير الصناعات فكل ما يتعلّم العباد أو يعلّمون غيرهم من أصناف الصناعات ، مثل الكتابة والحساب » إلى أن قال : « وصنعه صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني ، فحلال تعلّمه وتعليمه » (٢).
والمرسل كالصحيح على الصحيح : « من مثّل مثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح » (٣).
والحسن كالموثق بأبان المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : « ثلاثة يعذّبون يوم القيامة » وعدّ منهم : « رجلاً صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ » (٤).
ونحوهما المروي في الفقيه في حديث المناهي (٥) ، والمروي عن ابن
__________________
(١) جامع المقاصد ٤ : ٢٣ ، مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٥٤.
(٢) فقه الرضا عليهالسلام : ٣٠١ ، المستدرك ١٣ : ٦٥ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١ ، تحف العقول : ٢٤٩ ، المحكم والمتشابه : ٤٧ ، الوسائل ١٧ : ٨٣ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١.
(٣) الكافي ٦ : ٥٢٧ / ٤ ، المحاسن : ٦١٥ / ٤٢ ، الوسائل ٥ : ٣٠٤ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.
(٤) الكافي ٦ : ٥٢٨ / ١٠ ، المحاسن : ٦١٦ / ٤٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.
(٥) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٦.
عباس والخصال (١) ، لكن أُضيفت الصورة إلى الحيوان.
وظاهرها سيّما الأخير والأوّلين اختصاص التحريم بصورة ذوات الأرواح ، كما قيّدنا به العبارة ، وفاقاً لجماعة ، كالشيخين والمتأخّرين كافّة ، كما حكاه بعض الأجلّة (٢). ولعلّه فهم القيد من العبارة ونحوها من الخارج ، وإلاّ فلا إشعار فيها به ، بل ظاهرها التعميم له ولغيره ، كصورة النخلة والشجرة ، ولكن لا تساعده الأدلّة ، بل الروايات مفهوماً وسياقاً كما عرفت على خلافه واضحة المقالة.
مضافاً إلى أصالة الإباحة ، وصريح الصحيحين المرويين عن المحاسن ، في أحدهما : « لا بأس بتماثيل الشجر » (٣) وفي الثاني : عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال : « لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان » (٤).
وقريب منهما المرويان في الكافي ، أحدهما الموثق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (٥) في قوله تعالى ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) (٦) الآية قال : « والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ، ولكنّها تماثيل الشجر وشبهه » (٧). ونحوه الثاني (٨) ، وليس في سنده سوى سهل الثقة عند
__________________
(١) الخصال : ١٠٨ / ٧٦ ، ١٠٩ / ٧٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٧ ، ٩.
(٢) الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ١١.
(٣) المحاسن : ٦١٩ / ٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٢.
(٤) المحاسن : ٦١٩ / ٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٣.
(٥) الحدائق ١٨ : ٩٩.
(٦) سبأ : ١٣.
(٧) الكافي ٦ : ٥٢٧ / ٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٥ أبواب ما يكتسب به ٩٤ ح ١.
(٨) الكافي ٦ : ٤٧٦ / ٣ ، الوسائل ٥ : ٣٠٥ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ٦.
جمع وسهل عند آخرين (١).
واحترز بالمجسمة عن الصور المنقوشة على نحو الورق والوسادة فلا تحترم ، وفاقاً للأكثر ، بل كافّة من تأخّر كما في التنقيح (٢) ؛ للأصل ، وظاهر الرخصة في الجلوس عليها في الأخبار فعلاً ، في أحدهما : « كانت لعلي بن الحسين عليهماالسلام وسائد وأنماط فيها تماثيل يجلس عليها » (٣).
وفي الباقي قولاً : ففي الموثق : عن الوسادة والبساط يكون فيه التماثيل؟ قال : « لا بأس به يكون في البيت » قلت : التماثيل؟ قال : « كلّ شيء يوطأ فلا بأس به » (٤). ونحوه الخبر (٥).
وقريب منهما الصحيح : « لا بأس أن يكون التماثيل في البيوت إذا غيّرت رؤوسها وترك ما سوى ذلك » (٦).
والأصل يندفع بما مرّ من الإطلاقات.
والخبر الثاني بقصور السند ؛ مضافاً إلى ضعف الدلالة فيه وفي سابقه ، لعدم ظهور التماثيل فيهما في تماثيل الحيوانات ، فيحتمل نحو الشجر ؛ مضافاً إلى عدم الملازمة بين رخصة الجلوس وجواز الفعل إلاّ بالإجماع عليها ، وهو غير ثابت.
مع أنّها معارضة بالموثق كالصحيح : يجلس الرجل على بساط فيه
__________________
(١) راجع ص : ٣٦٨٤.
(٢) التنقيح الرائع ٢ : ١١.
(٣) الكافي ٦ : ٤٧٧ / ٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٩ أبواب أحكام المساكن ب ٤ ح ٤.
(٤) الكافي ٦ : ٥٢٧ / ٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب أحكام المساكن ب ٤ ح ٢.
(٥) التهذيب ٦ : ٣٨١ / ١١٢٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٤.
(٦) الكافي ٦ : ٥٢٧ / ٨ ، المحاسن : ٦١٩ / ٥٦ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب أحكام المساكن ب ٤ ح ٣.
تماثيل؟ فقال : الأعاجم تعظّمه وإنّا لنمقته » (١).
ونحوه الأخبار الآتية الناهية عن التماثيل على الإطلاق.
فالأصح تحريمه مطلقاً ، وفاقاً للقاضي والحلّي وشيخنا الشهيد الثاني (٢) (٣) ، ويمكن حمل العبارة ومضاهيها عليه ، بحمل الصفة على الممثّل دون المثال.
إلاّ أن يجاب عن معارض الأصل من إطلاق النصوص بقصور سند الظاهر منها ، وعدم ظهور المنع من صحيحها ، فإنّ غايته ثبوت البأس في مفهومه وهو أعمّ من الحرمة.
إلاّ أنّ كثرة الأخبار الظاهرة واعتبار سند بعضها كالرضوي والمعتبرين بعده يمكن أن يدفع بهما الأصل ، وإن كان في تعيّنه نوع نظر ، لاعتضاد الأصل بعمل الأكثر ، بل كافّة من تأخّر ، كما مرّ.
ولا ريب أنّ الاجتناب عن مطلق ذي الروح أحوط ، بل أولى وأظهر. وأحوط منه الاجتناب عن مطلق المثال ، كما عن الحلبي (٤) ؛ لإطلاق الخبرين في أحدهما : « وينهى عن تزويق البيوت » قلت : وما تزويق البيوت؟ فقال : « تصاوير التماثيل » (٥).
__________________
(١) الكافي ٦ : ٤٧٧ / ٧ ، الوسائل ٥ : ٣٠٨ أبواب أحكام المساكن ب ٤ ح ١. وفيهما بدل « لنمقته » : « لنمتهنه ».
(٢) القاضي في المهذب ١ : ٣٤٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢١٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٦٥.
(٣) سيّما وقد ادّعى الفاضل في المنتهى فيما حكي عنه الإجماع هنا. فقال : يحرم سائر التماثيل والصور ذوات الأرواح مجسّمة كانت أو غير مجسمة ، إجماعاً منّا. ( منه رحمهالله ). ولكنّا لم نعثر عليه في المنتهى ، ولا على من حكى عنه.
(٤) انظر الكافي في الفقه : ٢٨١.
(٥) الكافي ٦ : ٥٢٦ / ١ ، المحاسن : ٦١٤ / ٣٧ ، الوسائل ٥ : ٣٠٣ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ١.
وفي الثاني خطاباً للأمير عليهالسلام حين وجّه إلى المدينة : « لا تدع صورة إلاّ محوتها ، ولا قبراً إلاّ سوّيته ، ولا كلباً إلاّ قتلته » (١).
وضعفهما بالجوهري وصاحبه في الأوّل ، والنوفلي والسكوني في الثاني يمنع من العمل بهما ، وإن تأيّدا بالمستفيضة المعرِبة عن عدم نزول الملائكة بيتاً تكون فيه التماثيل والصورة ، كالخبر : « إنّ جبرئيل عليهالسلام قال : إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة يعني صورة إنسان ولا بيتاً فيه تماثيل » (٢) لظهورها كسياق الثاني في الكراهة.
ومع ذلك هما غير صريحي الدلالة ، فيحتملان التقييد بمفاهيم ما قدّمناه من المعتبرة ، أو إبقاءهما على ظاهرهما مع الحمل على الكراهة.
( والغناء ) وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيح المطرب ، أو ما يسمّى في العُرف غناء وإن لم يطرب ، سواء كان في شعر أو قرآن أو غيرهما ، على الأصح الأقوى ، بل عليه إجماع العلماء ، كما حكاه بعض الأجلاّء (٣) ؛ وهو الحجة.
مضافاً إلى الصحيح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، المروية جملة منها في الكافي في بابه في كتاب الأشربة (٤) ، وجملة اخرى منها في باب كسب المغنيّة من كتاب المعيشة (٥).
__________________
(١) الكافي ٦ : ٥٢٨ / ١٤ ، المحاسن : ٦١٣ / ٣٤ ، الوسائل ٥ : ٣٠٦ أبواب أحكام المساكن ب ٣ ح ٨.
(٢) الكافي ٦ : ٥٢٧ / ٣ ، الوسائل ٥ : ١٧٥ أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ٢.
(٣) انظر مجمع الفائدة ٨ : ٥٩ و ٦١ ، والحدائق ١٨ : ١٠١.
(٤) الكافي ٦ : ٤٣١.
(٥) الكافي ٥ : ١١٩.
فمن الأوّل الصحاح المستفيضة ، اثنان منها في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) (١) قال : « هو الغناء » (٢).
ومنها : « بيت الغناء لا يؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة » (٣).
ومن الثانية النصوص المستفيضة ، منها : « المغنيّة ملعونة ، ملعون من أكل كسبها » (٤).
ومنها : عن بيع الجوار المغنيّات ، فقال : « شراؤهنّ وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق » (٥).
وبالجملة : النصوص في ذلك كادت تبلغ التواتر ، وهي مع ذلك مطلقة ، ولا ريب فيه.
( عدا ) ما استثني ، كغناء ( المغنيّة لزفّ العرائس ) خاصّة ( إذا لم تتغنّ بالباطل ، ولم يدخل عليها الرجال ) ولم تلعب بالملاهي ، وفاقاً للنهاية وجماعة (٦) ؛ للصحيح : « أجر المغنيّة التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، ليست بالتي يدخل عليها الرجال » (٧).
ونحوه الخبر : « المغنيّة التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها » (٨).
__________________
(١) الفرقان : ٧٢.
(٢) الكافي ٦ : ٤٣١ / ٦ ، ٤٣٣ / ١٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٤ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ٣ ، ٥.
(٣) الكافي ٦ : ٤٣٣ / ١٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٣ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩ ح ١.
(٤) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠٣ ، الوسائل ١٧ : ١٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٤.
(٥) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٨ ، الإستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠١ ، الوسائل ١٧ : ١٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ١٦ ح ٧.
(٦) النهاية : ٣٦٧ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٦٥ ، والكفاية : ٨٦ ، والحدائق ١٨ : ١١٦.
(٧) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٦ ، الوسائل ١٧ : ١٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٣.
(٨) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢٣ ، الإستبصار ٣ : ٦٢ / ٢٠٦ ، الوسائل ١٧ : ١٢١ أبواب ما يكتسب به ب ١٥ ح ٢.
خلافاً لظاهر المفيد والحلبي والديلمي ، وصريح التذكرة والحلّي (١) ، فالحرمة مطلقاً ؛ ولعلّه لقصور الخبرين عن المقاومة لما مرّ سنداً وعدداً ودلالةً ؛ إذ غايتهما نفي البأس عن الأُجرة ، وهو غير ملازم لنفي الحرمة ، إلاّ أن يثبت الملازمة بعدم القول بالفرق في المسألة ، والاستقراء الحاصل من تتبّع الأخبار الدالّة على الملازمة بينهما في كثير من الأُمور المحرّمة ، والأحوط الترك البتة.
وينبغي القطع بعدم استثناء شيء آخر ، كالحداء ، وهو سوق الإبل بالغناء ، والغناء في مراثي الحسين عليهالسلام ، وقراءة القرآن ، وغير ذلك ، وإن اشتهر استثناء الأوّل ، وحكي الثاني عن قائل مجهول (٢) ، واستثنى الثالث بعض فضلاء متأخّري المتأخّرين (٣) ؛ لإطلاق أدلّة المنع ، مع عدم ما يخرج به عنها سوى النصوص في الثالث.
وهي مع عدم مكافأتها للإطلاقات المجمع عليها هنا في الظاهر المصرّح به في كلام بعض المشايخ (٤) قاصرة الأسانيد ، ضعيفات الدلالة ، فإنّها ما بين آمرة بقراءة القرآن بالحزن ، كالمرسل كالصحيح : « إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرؤوه بالحزن » (٥).
وآمرة بقراءته بالصوت الحسن ، كالخبر : « لكلّ شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن » (٦).
__________________
(١) المفيد في المقنعة : ٥٨٨ ، الحلبي في الكافي : ٢٨١ ، الديلمي في المراسم : ١٧٠ التذكرة ١ : ٥٨٢ ، السرائر ٢ : ٢٢٢.
(٢) انظر جامع المقاصد ٤ : ٢٣.
(٣) السبزواري في الكفاية : ٨٥.
(٤) مجمع الفائدة ٨ : ٥٩.
(٥) الكافي ٢ : ٦١٤ / ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب قراءة القرآن ب ٢٢ ح ١.
(٦) الكافي ٢ : ٦١٥ / ٩ ، الوسائل ٦ : ٢١١ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ٣.
ولا ريب أن الأمرين غير الغناء ، سيّما على المختار في تعريفه ، من كونه ما يسمّى به عرفاً ، ولا يسمّيان به فيه مطلقاً.
ولذا ورد أن الصوت الحسن من شعار الأنبياء وأئمّة الهدى وشيعتهم.
ففي الخبر : « ما بعث الله نبيّاً إلاّ حسن الصوت » (١).
وفي آخر : « كان علي بن الحسين عليهماالسلام أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، وكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته » (٢) ونحو غيره (٣).
وفي ثالث : « لم تعط أُمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال ، والصوت الحسن ، والحفظ » (٤).
نعم في العامي المروي في مجمع البيان : « فإذا قرأتموه أي القرآن فابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، وتغنّوا به ، فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّا » (٥).
وهو مع ضعف سنده ، واحتماله التقيّة ، كما ذكره بعض الأجلّة (٦) معارض برواية خاصيّة ، وفيها : « اقرءوا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسوق وأهل الكبائر ، فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم
__________________
(١) الكافي ٢ : ٦١٦ / ١٠.
(٢) الكافي ٢ : ٦١٦ / ١١ ، الوسائل ٦ : ٢١١ أبواب قراءة القرآن ب ٢٤ ح ٤.
(٣) مستطرفات السرائر : ٩٧ / ١٧ ، الوسائل ٦ : ٢٠٩ أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٢.
(٤) الكافي ٢ : ٦١٥ / ٧.
(٥) مجمع البيان ١ : ١٦.
(٦) انظر عين الحياة للمحدّث المجلسي : ٢٣٧ ، والاثني عشرية للمحدّث الحرّ العاملي : ١٤٧.
مقلوبة ، وقلوب من يعجبه شأنهم » (١).
مضافاً إلى الإجماع على عدم إبقائه على ظاهره ، فقد ذكر الطبرسي بعد نقله أنّه تأوّله بعضهم بمعنى : استغنوا به ، وأكثر العلماء على أنّه تزيين الصوت وتحزينه (٢).
( والنوح بالباطل ) بأن تصفه بما ليس فيه ، إجماعاً ظاهراً ، وحكي عن المنتهى صريحاً (٣).
وهو الحجة فيه ، مع ما دلّ على حرمة الباطل ، وربما يحمل عليه إطلاق المستفيضة المانعة ، كحديث المناهي المروي في الفقيه « نهى عن النياحة والاستماع إليها » (٤).
ونحوه المروي عن معاني الأخبار في وصيّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة عليهاالسلام : « إذا أنا متُّ فلا تقيمنّ عليّ نياحة » (٥).
وعن الخصال : « إنّ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سِربال من قَطِران ودِرع من جَرَب » (٦).
وبظاهرها أخذ المبسوط وابن حمزة (٧) ، مدّعياً الأوّل الإجماع عليه.
و ( أمّا ) الأكثر فقالوا : إذا كان ( بالحق فجائز ) عن المنتهى الإجماع
__________________
(١) انظر مجمع البيان ١ : ١٦.
(٢) انظر مجمع البيان ١ : ١٦.
(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٢.
(٤) الفقيه ٤ : ٣ ، الوسائل ١٧ : ١٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ١١.
(٥) معاني الأخبار : ٣٩٠ / ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٢٧٢ أبواب الدفن ب ٨٣ ح ٥.
(٦) الخصال : ٢٢٦ / ٦٠ ، الوسائل ١٧ : ١٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ١٢.
(٧) المبسوط ١ : ١٨٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٦٩.
عليه (١) ؛ وهو الحجة ، بعد الأصل ، والمعتبرة المستفيضة :
منها الصحيح : « لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت » (٢).
وأظهر منه الصحيح المشهور في تجويز النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقرير نياحة أُمّ سلمة على ابن عمّها بحضرته (٣).
وقريب منهما الموثق ، المتضمّن لوصيّة مولانا الباقر عليهالسلام إلى الصادق عليهالسلام بوقف مال مخصوص لنوادب تندبه عشر سنين بمنى أيّام منى (٤).
ونحوه الموثق الآخر ، إلاّ أنّ فيه النهي عن اشتراط الأُجرة (٥) ، وحمل معه على الكراهة.
والمرسل : عن أجر النائحة ، فقال : « لا بأس به ، قد نيح على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٦).
إلى غير ذلك من الأخبار المعتضدة بالأصل ، والشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المتقدّمة ، والمخالفة للعامّة كما قاله بعض الأجلّة حاملاً للأخبار السابقة على التقيّة (٧). وهو حسن.
__________________
(١) المنتهى ١ : ٤٦٦.
(٢) الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٩ / ١٠٢٨ ، الإستبصار ٣ : ٦٠ / ١٩٩ ، الوسائل ١٧ : ١٢٧ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ٧.
(٣) الكافي ٥ : ١١٧ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٧ ، الوسائل ١٧ : ١٢٥ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ١.
(٤) الكافي ٥ : ١١٧ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٥ ، الوسائل ١٧ : ١٢٥ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ١.
(٥) الكافي ٥ : ١١٧ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٦٠ / ٢٠٠ ، الوسائل ١٧ : ١٢٦ أبواب ما يكتسب به ب ١٧ ح ٣.
(٦) الفقيه ١ : ١١٦ / ٥٥١ ، الوسائل ٣ : ٢٤٢ أبواب الدفن ب ٧١ ح ٢.
(٧) الحدائق ٤ : ١٦٨.