رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

على وجه يلزم معه المحذور ؛ صيانةً للعقد عن الفساد مهما أمكن.

احتمالات ، أجودها : الأخير ، بناءً على استصحاب الصحة ، وعدم وضوح ما استشكل فيها من أنّ مقتضى التقسيط مقابلة كلّ من الجنسين بما قابلة على النسبة إلاّ على تقدير وجود دليل على لزوم صرف كلّ جنس إلى ما خالفه ، وهو غير واضح ؛ لما عرفت من إطلاق النصوص وأكثر الفتاوي وصريح بعضها في الصحة ، من دون إيماء فيها إلى التقييد بالقصد إلى ذلك أو أنّه المنشأ في الصحة ولا إشارة.

( أو ) يتخلّص منه ( بـ ) أن ( بيع أحدهما سلعته لصاحبه ) بجنس غيرها ( ويشتري الأُخرى بذلك الثمن ) فيسقط اعتبار المساواة ، وكذا لو وهبه سلعته ثم وهبه الآخر ، أو أقرضه وتباريا ، أو تبايعا ووهبه الزيادة ، ولكن من غير شرط في الكلّ ، لأنّ الشرط حينئذٍ زيادة في العوض المصاحب له.

ولا يقدح في ذلك كون هذه الأُمور غير مقصودة بالذات والعقود تابعة للقصود ؛ لأنّ القصد إلى عقد صحيح وغاية صحيحة كافية في الصحة ، ولا يشترط فيه قصد جميع الغايات المترتّبة عليه ، فإنّ من أراد شراء دار مثلاً ليؤاجرها ويتكسّب بها فإنّ ذلك كافٍ في الصحة وإن كان له غايات أُخر أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء كالسكنى وغيره.

وقد ورد في النصوص ما يدلّ على جواز الحيلة على نحو ذلك ، منها زيادة على ما مرّ الصحيح : عن رجل يريد أن أُعينه المال أو يكون لي عليه مال قبل ذلك ، فيطلب منّي مالاً أزيده على مالي الذي عليه ، أيستقيم أن أزيده مالاً وأبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم فأقول له : أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أُؤخّرك بثمنها وبمالي عليك كذا وكذا‌

٤٤١

شهراً؟ قال : « لا بأس » (١).

وفي الموثق : يكون لي على الرجل دراهم فيقول : أخّرني بها وأنا أُربحك ، فأبيعه جبّةً (٢) تقوّم عليّ بألف درهم ، بعشرة آلاف درهم ، أو قال : بعشرين ألفاً وأُؤخّره بالمال ، قال : « لا بأس » (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٦ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٥٢ / ٢٢٦ ، الوسائل ١٨ : ٥٥ أبواب أحكام العقود ب ٩ ح ٥.

(٢) في « ق » و « ت » وبعض المصادر : حبّة.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٥ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٥٢ / ٢٢٧ ، الوسائل ١٨ : ٥٥ أبواب أحكام العقود ب ٩ ح ٤.

٤٤٢

( ومن هذا الباب الكلام في الصرف )

( وهو ) لغة الصوت ، وشرعاً ( بيع الأثمان ) وهي الذهب والفضّة مطلقا ، مسكوكين كانا أم لا ، تبعاً لإطلاق النص والفتوى ( بالأثمان ) وإنّما سمّي بالصرف لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع والشراء.

وسمّي الجنسان بالأثمان لوقوعهما عوضاً عن الأشياء ، ومقارنتهما بباء العوض غالباً ، بل عن الراوندي عن شيخه العلاّمة الحلّي أنّهما ثمن مطلقا وإن اقترنت الباء بغيرهما حتى لو باعه ديناراً بحيوان ثبت الخيار للبائع ، مدّعياً على ذلك الاتفاق (١).

( ويشترط فيه ) صحةً زيادة على ما يشترط في مطلق البيع والربا ( التقابض في المجلس ) المراد به الأعمّ من مجلس العقد ، كما يأتي ، ولذا عبّر بالتقابض ، قبل التفرق ( ويبطل لو افترقا قبله على ) الأظهر ( الأشهر ) بل لعلّه عليه عامة من تقدّم وتأخّر ، عدا من شذّ وندر (٢) ، وفي الغنية والسرائر والمسالك وغيره (٣) الإجماع عليه (٤) ، نصّاً في الأوّلين وظاهراً في الباقي ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح‌

__________________

(١) حكاه عنه في المسالك ١ : ٢٠١ والحدائق ١٩ : ٢٧٧.

(٢) حكاه عن الصدوق في كشف الرموز ١ : ٤٩٧ والتنقيح ٢ : ٩٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، السرائر ٢ : ٢٤٣ ، المسالك : ١٧٧ ؛ وانظر كشف الرموز ١ : ٤٩٧ ، مجمع الفائدة ٨ : ٣٠٤.

(٤) وفي التحرير ( ١ : ١٧١ ) بلا خلاف وفي الدروس ( ٣ : ٣٠٥ ) أن رواية الجواز متروكة ونحوهما في التنقيح ( ٢ : ٩٧ ). ( منه رحمه‌الله ).

٤٤٣

« إذا اشتريت ذهباً بفضّة أو فضّة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وإن نزا حائطاً فانزل معه » (١).

وفيه : « لا يبتاع رجل فضّة بذهب إلاّ يداً بيد ، ولا يبتاع ذهباً بفضة إلاّ يداً بيد » (٢).

وفيه : عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو ديناراً ، ثم يقول : أرسل غلامك معي حتى أُعطيه الدنانير ، فقال : « ما أُحبّ أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير » فقلت : إنّما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض ، وهذا يشقّ عليهم ، فقال : « إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ويدفع إليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق » (٣).

وفي الخبر : عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلاً بمثلين ، قال : « لا بأس به يداً بيد » (٤).

والمناقشة بقصور سنده كغيره (٥) ، ودلالتهما كالصحاح بعدم الدلالة على البطلان ، بل غايتهما ثبوت البأس مع عدم التقابض ، وهو كلا أُحبّ أعمّ من البطلان. وغاية الصحاح الأمر بالتقابض والنهي عن التفرق قبله ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٧ ، الإستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٩ ، الوسائل ١٨ : ١٦٩ أبواب الصرف ب ٢ ح ٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥١ / ٣١ ، التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٦ ، الإستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٨ ، الوسائل ١٨ : ١٦٨ أبواب الصرف ب ٢ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٢ / ٣٢ ، التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٩ ، الإستبصار ٣ : ٩٤ / ٣٢٠ ، الوسائل ١٨ : ١٦٧ أبواب الصرف ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٨ / ٤٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٧ ، الوسائل ١٨ : ١٦٩ أبواب الصرف ب ٢ ح ٧.

(٥) انظر المستدرك ١٣ : ٣٤٨ أبواب الصرف ب ٢.

٤٤٤

اللذين مقتضاهما وجوبها شرعاً ، ولم يقولوا به إلاّ من شذّ منهم ، كالفاضل في التذكرة والشهيد في الدروس (١) ، حيث أطلقا الوجوب عليه ، مع احتمال كلامهما الشرطي دون الشرعي. ومع ذلك فالوجوب غايته الإثم بالمخالفة ، لا بطلان المعاملة ، بناءً على الأظهر الأشهر بين الطائفة من اختصاص اقتضاء النهي للفساد بالعبادة.

مدفوعة بانجبار الجميع بعمل الطائفة ، والإجماعات المحكية (٢) ، وهما أقوى قرينة وأمارة على صحة السند وبيان الدلالة ، مع أنّ حمل الأمر والنهي على حقيقتهما غير ممكن ، بناءً على تبادر الإرشاد منهما دون الوجوب والحرمة في أمثال موارد الأخبار المزبورة ، ولعلّه لذا قال بالوجوب الشرطي دون الشرعي معظم الطائفة ، بل عامّتهم ، كما احتمله جماعة ، ولا وجه للإرشاد في الظاهر سيّما بمعونة ضمّ فهم الطائفة سوى بطلان المعاملة مع عدم التقابض قبل المفارقة ، مع أنّ كلّ مَن أوجب التقابض ومنع من دونه قال بالفساد مع عدم حصوله ، وكلّ من قال بالصحة من دونه لم يوجب التقابض لا شرعاً ولا شرطاً.

وكيف كان فلا ريب في المسألة.

خلافاً للمحكي عن الصدوق خاصّة (٣) ، فلم يشترط الشرط المتقدّم إليه الإشارة ؛ للمستفيضة ، منها الموثق : عن الرجل يحلّ له أن يسلف دنانير كذا بكذا درهماً إلى أجل؟ قال : « نعم ، لا بأس به » وعن الرجل يحلّ له أن يشتري دنانير بالنسيئة؟ قال : « نعم ، إنّما الذهب وغيره في الشراء والبيع‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١١ ، الدروس ٣ : ٢٦٧.

(٢) راجع ص : ٣٩٧٩.

(٣) حكى عنه الآبي في كشف الرموز ١ : ٤٩٧.

٤٤٥

سواء » (١).

وهي مع ضعف أكثرها وقصور سند باقيها ضعيفة التكافؤ لما مضى من وجوه شتّى ، فطرحها أو تأويلها بما ذكره الشيخ رحمه‌الله في الكتابين (٢) وغيره من أصحابنا (٣) متعيّن جدّاً ، وإن خالفت التقيّة ، على ما ذكره بعض الأجلّة (٤) ؛ لعدم بلوغ هذا المرجّح المرجّحات المتقدّمة النصّية والاعتباريّة.

ثم مقتضى الأصل والعمومات واختصاص المثبت للشرط من النص والفتوى بالبيع خاصّة عدمه فيما عداه من مطلق المعاوضة ، وليس كالربا في ظاهر الجماعة.

( و ) ذكر الفاضلان والشهيدان (٥) أنّه ( لو قبض البعض ) خاصّة قبل التفرّق ( صحّ فيما قبض ) وبطل في الباقي ، وتخيّرا معاً في إجازة ما يصحّ فيه وفسخه إذا لم يكن من أحدهما تفريط في تأخير القبض ، ولو كان تأخيره بتفريطهما فلا خيار لهما ، ولو اختصّ به أحدهما سقط خياره خاصّة.

وهو كذلك ؛ استناداً في الأوّل إلى الأصل والعمومات ، ووجود الشرط المصحّح لبيع الصرف فيه.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٠٠ / ٤٣٥ ، الإستبصار ٣ : ٩٤ / ٣٢٥ ، الوسائل ١٨ : ١٧١ أبواب الصرف ب ٢ ح ١٤.

(٢) التهذيب ٧ : ١٠١ ، الاستبصار ٣ : ٩٥.

(٣) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٩٧.

(٤) الحدائق ١٩ : ٢٨٢.

(٥) المحقق في الشرائع ٢ : ٤٨ ، العلاّمة في التحرير ١ : ١٧١ ، الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٢٩٩ الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠١ ، والروضة ٣ : ٣٧٧.

٤٤٦

وفي الثاني إلى فقده فيه الموجب لفساده.

وفي الثالث إلى تبعّض الصفقة الذي هو عيب وموجب للخيار عند الجماعة ، وساعدته قضيّة نفي الضرر المتّفق عليها فتوًى ورواية.

وفي الرابع بقسميه إلى استناد الضر الموجب للخيار إلى المفرّط ، فيكون بالتفريط قادماً عليه ، فلا موجب لخياره ، مع اقتضاء الأصل والعمومات عدمه.

وأمّا ما ربما يستشكل به في الأوّل مما في الصحيح : في رجل يبتاع من رجل بدينار .. هل يصلح له أن يأخذ بنصفه ورقاً أو بيعاً ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذه منه ورقاً أو بيعاً؟ قال : « ما أُحبّ أن أترك شيئاً حتى آخذه جميعاً ، فلا تفعله » (١).

فليس بصحيح ؛ لمنع الدلالة على المنع أوّلاً ، واحتمال انصرافه على تقديره إلى صحة المجموع من حيث المجموع ولا كلام فيه ، ثانياً.

( ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل ) العقد ، بلا خلاف في الظاهر ؛ للأصل ، والعمومات ، وعدم استفادة شي‌ء من أخبار الشرط عدا التقابض قبل التفرّق بالأبدان ، كما في خيار المجلس ، لا المجلس ، ففي بعض الصحاح المتقدّمة : « لا تفارقه حتى تأخذ منه ، وإن نزا حائطاً فانز معه » (٢).

( ولو وكّل أحدهما ) صاحبه أو أجنبياً ( في القبض فافترقا قبله بطل ) العقد ؛ لعدم الشرط ، وهو التقابض قبل تفارق المتعاقدين ، وبه وقع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٧ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٣٠ ، الوسائل ١٨ : ١٦٩ أبواب الصرف ب ٢ ح ٩ ؛ بتفاوت يسير.

(٢) راجع ص : ٣٩٧٩.

٤٤٧

التصريح في بعض الصحاح المتقدّمة (١).

هذا إذا وكّله في القبض دون الصرف. ولو وكّله فيه خاصّة أو مع القبض فالمعتبر مفارقة الوكيل لمن وقع معه العقد دون المالك. والضابط أنّ المعتبر التقابض قبل تفرّق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو وكيلين.

( ولو اشترى منه دراهم ) بدنانير أو بالعكس ( ثم اشترى بها ) أي بتلك النقود المبتاعة ( قبل القبض ) لها من البائع ( دنانير ) أو دراهم ( لم يصحّ ) البيع ( الثاني ) مطلقاً ، وكذا الأوّل إن تفرّقا قبل التقابض أيضاً ، على الأشهر بين أصحابنا.

استناداً في الأوّل إلى أنّه باع ما لا يملك ، بناءً على توقّف ملك العوض في الصرف على التقابض قبل التفرّق ، الغير الحاصل فيه بحكم الغرض.

وفي الثاني إلى عدم التقابض الذي هو شرط في صحّة بيع الصرف.

خلافاً لثاني المحققين والشهيدين (٢) في الأوّل ، فصحّحاه مع التقابض قبل التفرّق ، وألحقاه بالفضولي حينئذٍ.

وللحلّي (٣) ، فالتفصيل بين ما إذا كان النقد المبتاع معيّناً وحصل التقابض في المجلس فالصحة ، وإلاّ ، بأن كان النقد المبتاع في الذمّة ، أو لم يحصل التقابض فيه فضدّها ، لوجود موجبه في الثاني ، ولزوم بيع الدين بالدين في الأوّل.

__________________

(١) في ص : ٣٩٨٠.

(٢) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٨٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠١.

(٣) كما في السرائر ٢ : ٢٦٧.

٤٤٨

ومنع عن الوجه الأخير المحققان المتقدّمان تبعاً للفاضل في المختلف وغيره (١) ، بناءً منهم على منع كون مثل ذلك من بيع الدين بالدين المنهي عنه.

ولعلّه كذلك ، ومختارها لا يخلو عن قوّة ؛ لعموم دليل الفضولي بل فحواه.

( ولو كان له ) أي لزيد مثلاً ( عليه ) أي على عمرو ( دنانير ) أو دراهم ( فأمره أن يحوّلها إلى الدراهم ) أو الدنانير في ذمّته ، ( وساعره ) على ذلك ، بأن عيّن كلاًّ من العوضين بإزاء الآخر ( فقبل ) عمرو ( صحّ ) البيع ( وإن لم يقبض ) النقود المبتاعة ؛ للموثقين ، بل ربّما عُدّا صحيحين ، في أحدهما : عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول : حوّلها دنانير من غير أن أقبض شيئاً؟ قال : « لا بأس به » قلت : ويكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول : حوّلها لي دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئاً؟ قال : « لا بأس » (٢).

ونحوه الثاني (٣) بزيادة التعليل بما يرجع حاصله إلى قوله : ( لأنّ النقدين من ) شخص ( واحد ).

وعمل بهما الإسكافي والطوسي (٤) ، وتبعهما أكثر المتأخّرين ، بل لعلّه‌

__________________

(١) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ١٨٢ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٢٠١ ، المختلف : ٣٨٥ ؛ وانظر الحدائق ١٩ : ٢٨٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٧ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ١٠٣ / ٤٤٢ ، الوسائل ١٨ : ١٧٥ أبواب الصرف ب ٤ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٣٧ ، التهذيب ٧ : ١٠٢ / ٤٤١ ، الوسائل ١٨ : ١٧٤ أبواب الصرف ب ٤ ح ١.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٨٥ ، الطوسي في النهاية : ٣٨٠.

٤٤٩

عليه عامّتهم ، وإن اختلفوا في التعبير بظاهرهما ، كما عن الأوّلين وهنا ، أو بما يوجب إرجاعهما إلى القاعدة ، كما عليه جماعة (١) ، بجعل الأمر بالتحويل فيهما كناية عن التوكيل في طرفي العقد ، وبناؤه على صحته وصحة القبض إذا توقّف البيع عليه بمجرّد التوكيل في البيع ؛ نظراً إلى أنّ التوكيل في شي‌ء إذن في لوازمه التي يتوقّف عليها. ولا ريب فيه على هذا التعبير ، وإن احتاج إلى عناية تطبيق ظاهر الخبرين عليه ؛ لموافقته للقاعدة ، لكن بشرط قبض عين العوضين بعد العقد ، مع احتمال العدم ، إمّا لما سيأتي من كون ما في الذمّة مقبوضاً ، أو للخبرين الظاهرين فيه ، مع اعتضادهما بفتوى الأكثر جدّاً ، فيقيَّد بهما ما دلّ على اشتراط التقابض في النقدين من النصّ والفتوى.

ولا بُعد فيه على الأوّل أيضاً بعد ورود النصّ المعتبر فيه ؛ إذ لا استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره باعتبار اتّحاد مَن عليه الحق ، فكان كالقابض ، كما ذكره الفاضل في المختلف (٢).

فخلاف الحلّي (٣) ومصيره إلى البطلان مطلقاً مع ندرته ، كما في الدروس (٤) ضعيف ، وإن كان الأحوط العمل عليه ، والخروج عن شبهته بالتوكيل في البيع والقبض الراجع الى التعبير الأخير لكن مع الشرط المتقدّم.

بل يكفي التوكيل في القبض خاصّة ظاهراً إن جرت بينهما صيغة‌

__________________

(١) منهم : العلاّمة في التذكرة ١ : ٥١١ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٣٧٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٩٩.

(٢) المختلف : ٣٥٨.

(٣) السرائر ٢ : ٢٦٦.

(٤) الدروس ٣ : ٣٠١.

٤٥٠

المبايعة ، بناءً على أنّ ما في ذمّة المديون من النقود المبتاعة بمنزلة المقبوض بيده ، فإذا جعله وكيلاً في القبض صار كأنّه قابض لما في ذمّته ، فصدق التقابض قبل التفرق ، على إشكال فيه ؛ لمخالفته لظاهر الخبرين ، مع الشك في مقبوضيّة ما في الذمّة ، وعدم مصحّح آخر له في البين.

( ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما ) بشي‌ء منهما أو غيرهما ، إجماعاً ، فإنّه ربا محض استفاض بحرمته الكتاب والسنّة المتقدّم إليهما الإشارة.

مضافاً الى خصوص المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « الفضّة بالفضّة مثلاً بمثل ، ليس فيه زيادة ولا نقصان ، الزائد والمستزيد في النار » (١).

( ويجوز ) التفاضل ( في المختلف ) منهما جنساً ، كذهب بفضّة وبالعكس ، بشرط التقابض قبل التفرّق ، بلا إشكال فيهما ، لما مضى.

مضافاً إلى خصوص النصوص ، منها الصحيحان (٢) : عن الرجل يبتاع الذهب بالفضّة مثلاً بمثلين ، قال : « لا بأس به يداً بيد ».

( ويستوي في اعتبار التماثل ) المشترط في صحّة بيع الربويات مطلقا ( الصحيح والمكسور والمصوغ ) وغيره ، بلا خلاف ، فإنّ جيّد كل جنس ورديئه واحد ، فلا ربا مع التماثل في المقدار.

مضافاً الى خصوص النصوص في المضمار ، منها الصحيح : عن‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٣ / ٨٢٨ ، التهذيب ٧ : ٩٨ / ٤١٩ ، الوسائل ١٨ : ١٦٥ أبواب الصرف ب ١ ح ١.

(٢) الأول : التهذيب ٧ : ٩٨ / ٤٢٤ ، الإستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٧ ، الوسائل ١٨ : ١٦٩ أبواب الصرف ب ٢ ح ٧. الثاني : التهذيب ٧ : ٩٩ / ٤٢٥ ، الوسائل ١٨ : ١٦٩ أبواب الصرف ب ٢ ح ٦.

٤٥١

الرجل يستبدل الكوفيّة بالشاميّة وزناً بوزن فيقول الصيرفي : لا أُبدّل لك حتى تبدّل لي يوسفيّة بغلّة وزناً بوزن ، فقال : « لا بأس » فقلت : إنّ الصيرفي إنّما طلب فضل اليوسفيّة على الغلّة ، قال : « لا بأس به » (١).

( وإذا كان في أحدهما غشّ لم يبع بجنسه ) الخالص ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في بعض العبارات (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى لزوم الربا فيه ، باحتمال مساواة الجنس الصافي للمغشوش في المقدار ، فيلزم زيادة الغشّ فيه على الصافي ، وهو الربا المحرّم ، فلا يباع بالجنس ( إلاّ أن يعلم ) زيادة الصافي ولو على فرض الندرة ، أو ( مقدار ما فيه ) أي في المغشوش من الجوهر الخالص ( فيزاد الثمن عن قدر ) ذلك ( الجوهر ) ولو يسيراً لم يكن بقيمة الغشّ بعد أن يكون متمولاً في العرف والعادة ، فيكون قد زيد حينئذ ( بما يقابل الغشّ ).

وتقييد منع البيع بالجنس يقتضي الجواز بغيره على الإطلاق ، ولو حالة الجهل بمقدار المغشوش. وهو كذلك ؛ للأصل ؛ وفقد المانع من احتمال الربا ، بناءً على اختلاف الجنس.

وللصحيح : عن شراء الفضّة فيها الرصاص بالورق وإذا خلصت نقصت من كلّ عشرة درهمين أو ثلاثة ، قال : « لا يصلح إلاّ بالذهب » وعن شراء الذهب فيه الفضّة والزيبق والتراب بالدنانير والورق ، فقال : « لا تصارفه إلاّ بالورق » (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٧ / ١١ ، التهذيب ٧ : ١٠٤ / ٤٤٨ ، الوسائل ١٨ : ١٨١ أبواب الصرف ب ٧ ح ١.

(٢) الحدائق ١٩ : ٢٩١.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٩ / ٢١ بتفاوت ، التهذيب ٧ : ١٠٩ / ٤٦٨ ، الوسائل ١٨ : ١٨٨ أبواب الصرف ب ١١ ح ١.

٤٥٢

وما فيه من حصر بيع المغشوش بالمخالف مبنيّ على الغالب نقص الخالص عن المغشوش بحسب المقدار ، فإنّ بناء البيع والشراء على المماكسة والمغالبة ، فالمشتري لا يبذل فضّة خالصة أو ذهباً كذلك في مقابل الغشّ وتعسر معرفة مقدار المغشوش ، وإلاّ فلو تحقق خلاف الغالب من زيادة الخالص على الغشّ ، أو حصول معرفة المقدار جاز بلا إشكال ولا خلاف ، كما مضى.

ويجوز بيع أحد المغشوشين المتجانسين بالآخر مطلقا ، ولو كان مقدار الخالص منهما مجهولاً ، بل ولو علم زيادة الخالص في أحدهما على الخالص الذي في الآخر بناءً على ما مضى من الحيلة في دفع الربا بضمّ الضميمة إلى أحدهما أو إليهما (١) ، ولا ريب أنّ الغشّ ضميمة تصلح للربا وعدمه جدّاً ، كما عرفت ممّا ذكره أصحابنا ، وبه صرّح في الدروس شيخنا (٢).

( ولا يباع تراب ) معدن ( الذهب بالذهب ، ولا تراب ) معدن ( الفضّة بالفضّة ) أي ترابهما الخليط بهما بخالصهما مع جهالتهما أو أحدهما ؛ لاحتمال زيادة أحد العوضين عن الآخر فيدخل فيه الربا.

ولو علم زيادة الثمن عمّا في التراب من جنسه لم يصحّ هنا ، وإن صحّ في المغشوش جدّاً ، بناءً على أنّ التراب لا قيمة له لتصلح في مقابل الزائد أصلاً.

ومنه يعلم جواز بيع التراب بالخالص مع مساواة مقدار جوهريهما ؛ لعدم الزيادة أصلاً والتراب لعدم قيمة له وجوده كعدمه.

__________________

(١) راجع ص : ٣٩٧٥.

(٢) الدروس ٣ : ٣٠١.

٤٥٣

( ويباع ) أحد الترابين ( بغيره ) أي بغير جنسه ، نقداً كان أم لا مطلقا.

( ولو جُمعا ) أي الترابان ، بأن خلطا ومزجا ، أو أُريد بيعهما في صفقة واحدة معاً ( جاز بيعه ) أي المجموع ( بهما ) أي بخالصهما معاً ؛ لكونه من الضميمة المصحّحة لذلك قطعاً ، وإن جهل مساواة مقدار الثمن والمثمن منهما للآخر.

وللمعتبرة ، منها الخبر : عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضّة وصفر جميعاً ، كيف نشتريه؟ فقال : « تشتريه بالذهب والفضّة » (١).

ويجوز بيعهما معاً أيضاً بأحدهما مع العلم بزيادة الثمن على مجانسه بما يصلح عوضاً عن الآخر. وأولى منهما بيعهما بغيرهما.

( ويباع جوهر الرَّصاص ) بفتح الراء ( والنُّحاس ) بضم النون ( بالذهب والفضّة وإن كان فيه يسير من ذلك ) مطلقاً ، وإن لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير ، ولم يقبض قبل التفرّق ما يساويه ، بلا خلاف في الظاهر ؛ لأنّه لقلّته مضمحلّ ، وتابع غير مقصود بالبيع.

وللنصوص ، منها الصحيح وغيره : في الأُسرب (٢) يشترى بالفضّة ، فقال : « إن كان الغالب عليه الأُسرب فلا بأس » (٣).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٩ / ٢٢ ، التهذيب ٧ : ١١١ / ٤٧٨ ، الوسائل ١٨ : ١٨٩ أبواب الصرف ب ١١ ح ٥.

(٢) الأُسرُب : كقُنفُذ ، الآنُكُ بالمدِّ ، هو الرّصَاص ، وهو فارسي مُعرب. تاج العروس ٣ : ٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٨ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ١١١٤٨١ ، الوسائل ١٨ : ٢٠٣ أبواب الصرف ب ١٧ ح ١.

٤٥٤

ومثله المنقوش منهما على الجدران والسقوف بحيث لا يحصل منهما شي‌ء يعتدّ به على تقدير نزعه منهما.

( ويجوز إخراج الدراهم ) والدنانير ( المغشوشة ) بنحو من الصفر والرصاص ونحوها ، والمعاملة بها ( إذا كانت معلومة الصرف ) والرواج بين الناس ، بأن يعامل بها مطلقاً وإن جهل مقدار الخالص منهما ، بجنسهما كان أو غيرهما ، لكن بشرط في الأوّل قد مضى (١).

( ولو لم تكن كذلك ) بأن لا يتعامل بها في العادة ، وكانت مهجورة في المعاملة ( لم يجز ) إنفاقها ( إلاّ بعد بيانها ) وإظهار غشّها إذا كان ممّا لا يتساهل به عادةً ، بلا خلاف في المقامين ، بل في المختلف الإجماع عليهما (٢) ؛ هو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات في الأوّل ، ولزوم الغشّ المحرّم بالنصّ والإجماع في الثاني.

وبهما يجمع بين الأخبار المختلفة المجوّزة لإنفاقها مطلقاً ، كالصحاح ، في أحدها : عن الدراهم المحمول عليها ، فقال : « لا بأس بإنفاقها » (٣).

ونحوه الآخران ، لكن بزيادة شرط فيهما وهو زيادة الفضّة عن الثلثين ، كما في أحدهما (٤) ، أو كونها الغالب عليها ، كما في الثاني (٥) ،

__________________

(١) راجع ص : ٣٩٨٨.

(٢) المختلف : ٣٩٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٠٨ / ٤٦٢ ، الإستبصار ٣ : ٩٦ / ٣٢٩ ، الوسائل ١٨ : ١٨٥ أبواب الصرف ب ١٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٧ : ١٠٨ / ٤٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٩٦ / ٣٣٠ ، الوسائل ١٨ : ١٨٦ أبواب الصرف ب ١٠ ح ٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٠٨ / ٤٦٤ ، الإستبصار ٣ : ٩٦ / ٣٣١ ، الوسائل ١٨ : ١٨٦ أبواب

٤٥٥

ولعلّه وارد بتبع العادة في ذلك الزمان من عدم المعاملة بها إلاّ إذا كانت كذلك.

والمانعة له كذلك ، كالخبر المنجبر ضعف سنده بوجود ابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته فيه : قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأُلقي بين يديه دراهم ، فألقى إليّ درهماً منها ، فقال : « أيش هذا؟ » فقلت : ستوق ، فقال : « وما الستوق؟ » فقلت : طبقتين من فضّة وطبقة من نحاس وطبقة من فضّة ، فقال : « اكسر هذا فإنّه لا يحلّ بيع هذا ولا إنفاقه » (١).

بحمل الأدلّة على الصورة الأُولى والثانية على الثانية بشهادة ما مرّ من الأدلّة ، وخصوص الصحيحين ، في أحدهما : عندنا دراهم يقال لها الشاهية يحمل على الدراهم دانقين ، فقال : « لا بأس به إذا كان يجوز بين الناس » (٢).

وفي الثاني المروي في الكافي : الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها ، قال : « إذا كان يجوز بين الناس فلا بأس » (٣).

لكن رواه في التهذيب بإسقاط الناس وتبديله بلفظ ذلك ، وقراءة البيّن بتشديد الياء فعلاً ماضياً لا ظرفاً ، وظاهره حينئذٍ المنع عن الإنفاق إلاّ بعد البيان ، فيكون من روايات المنع ، لكن مقيّداً بعدم البيان ، مصرّحاً بالجواز بعده (٤).

وبه مضافاً إلى الاتّفاق يقيّد إطلاق الرواية المتقدّمة بالمنع ، بحملها‌

__________________

الصرف ب ١٠ ح ٤.

(١) التهذيب ٧ : ١٠٩ / ٤٦٦ ، الإستبصار ٣ : ٩٧ / ٣٣٣ ، الوسائل ١٨ : ١٨٦ أبواب الصرف ب ١٠ ح ٥.

(٢) الفقيه ٣ : ١٨٣ / ٨٣١ ، التهذيب ٧ : ١٠٨ / ٤٦٥ ، الإستبصار ٣ : ٩٦ / ٣٣٢ ، الوسائل ١٨ : ١٨٧ أبواب الصرف ب ١٠ ح ٦ ؛ بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٣ / ٢ ، الوسائل ١٨ : ١٨٥ أبواب الصرف ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٧ : ١٠٩ / ٤٦٧.

٤٥٦

على صورة عدم البيان إن صحّت النسخة.

وهنا‌ ( مسائل ) ستّ.

الأولى : ( إذا ) ابتاع ديناراً مثلاً و ( دفع زيادة عمّا ) يجب عليه ( للبائع ) أو بالعكس ( صحّ ) المعاملة إذا وقعت على العوضين في الذّمة ، ولا كذلك لو كانا معيّنين ، من حيث اشتمال أحد العوضين على زيادة عينية ، وكذلك لو كان الزائد معيّناً والمطلق مخصوصاً بقدر ينقص عن المعيّن بحسب نوعه.

( و ) حيث صحّت المعاملة ( تكون الزيادة أمانة ) في يد مَن وقعت في يده ، بلا خلاف ، إذا كان الدفع بطريق العمد والاستيمان ، بل في المسالك الاتّفاق عليه (١).

( وكذا لو ) هجل الحال ، بأن ( بأن فيه زيادة ) خارجة عن العادة ( لا تكون إلاّ غلطاً أو تعمّداً ) لا مسامحة فشكّ في كونها على سبيل العمد ، أو عرف كونها على نحو السهو على قول الأكثر ؛ لأصالة البراءة من الضمان ، الخالية عن المعارض من نحو القبض بسبب مضمون ، كالسوم والغصب والبيع الفاسد ، فإنّه قبضها هنا بإذن المالك ، فيكون كالودعي.

والقول الآخر أنّها تكون مضمونة ؛ لأنّه قبضة على أنّه أحد العوضين اللذين جرى عليهما عقد المعاوضة ، فيكون مضموناً ؛ نظراً إلى مقتضى العقد ، ولأنّه أقرب الى الضمان من المقبوض بالسوم ، ولعموم : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (٢).

__________________

(١) المسالك ١ : ٢٠٢.

(٢) عوالي اللئلئ ١ : ٢٤٤ / ١٠٦ ؛ وانظر سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، ومسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٢ ، ومستدرك الحاكم ٢ : ٤٧.

٤٥٧

وضعّف بأنّ القبض على نيّة العوض غير قادح مع ظهور العدم ، والعقد لا يقتضي ضمان غير العوض.

وكونه أقرب من المقبوض بالسوم إنّما يجري لو سلّم كون المقبوض بالسوم كذلك ، وهو محلّ النزاع.

وعموم الخبر بحيث يشمل محلّ النزاع في حيّز المنع ، فإنّ الثابت على الآخذ بمقتضى الخبر غير مبيّن ، فجاز كون الواجب على اليد الحفظ أو نحوه إلى الأداء ، ويرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد مع عدم الحكم بضمانها ، وإنّما القدر المتّفق عليه وجوب الحفظ خاصّة.

وفي الأخيرين نظر ، فالأوّل بابتناء الفحوى على ثبوت الحكم في المقيس عليه وأنها على تقديره.

والثاني أوّلاً : باستلزامه القدح في الاستناد الى الخبر لإثبات ضمان المأخوذ باليد على الآخذ ، وعدم جوازه في شي‌ء من مواضع الخلاف ، بناءً على ما زعمه من الإجمال ، وهو خلاف الوفاق.

وثانياً : بأقربيّة الضمان من الحفظ إلى سياق الخبر بعد العرض على العرف ، سيّما بعد ملاحظة فهم الأصحاب ، مع أنّ إرادة الأمرين منه أظهر بالإضافة إلى الإطلاق ، وتقييده بأحدهما سيّما الثاني ؛ لمرجوحيّته كما ظهر لا بدّ له من داعٍ ، وليس ، فاللازم العمل على الإطلاق ، وهو كافٍ في الإثبات في الباب وغيره من الأبواب ، فالقول الثاني أقرب إلى الصواب ، وفاقاً للمحقق الثاني وغيره من الأصحاب (١) ، مع أنّه أحوط بلا ارتياب.

ثم الأمانة حيث قلنا بها هل هي شرعيّة يجب ردّها على الفور وإعلام‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ١٩٨ ؛ وانظر إيضاح الفوائد ١ : ٤٥٣.

٤٥٨

المالك بها ، أم مالكيّة لا يجب ردّها فوراً إلاّ مع طلب المالك لها ، وإن وجب عليه حفظها؟ قولان ، أحوطهما الأوّل.

( ولو كانت الزيادة ) معتادة ( ممّا يتفاوت به الموازين ) ويتسامح بها عادةً ( لم يجب إعادته ) إجماعاً ظاهراً ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً ، منها الصحيحان ، في أحدهما وهو طويل : قلت : فأقول له : اعزل منه خمسين كرّاً أو أقلّ أو أكثر بكيله ، فيزيد وينقص وأكثر ذلك ما يزيد ، لمن هي؟ قال : « هي لك » (١) الحديث.

وفي الثاني : عن فضول الكيل والموازين ، فقال : « إذا لم يكن تعدّياً فلا بأس » (٢).

ولكن يستحب الردّ ؛ لما مرّ من استحباب أخذ الناقص ، وإن استحبّ دفع الزائد للبائع ، بل وربما يتعيّن لو علم من عادته عدم الزيادة بمثلها إلاّ سهواً ، وإن كانت معتادة من غيره جدّاً ، فيرجع إلى حكم المسألة المذكورة سابقاً.

( الثانية : يجوز أن يبدل له درهماً بدرهم ويشترط ) عليه ( صياغة خاتم ) وفاقاً للنهاية وجماعة (٣) ؛ لرواية قاصرة السند بالجهالة ، والمتن عن الدلالة ، إذ فيها : عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وأبدّل لك‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٢ / ٣ ، الوسائل ١٨ : ٨٦ أبواب أحكام العقود ب ٢٧ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣١ / ٥٧٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠ / ١٦٧ ، الوسائل ١٨ : ٨٧ أبواب أحكام العقود ب ٢٧ ح ٣.

(٣) النهاية : ٣٨١ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٥١٥ ، والتحرير ١ : ١٧٢ ، والدروس ٣ : ٣٠٤ ، والحدائق ١٩ : ٣٠٦.

٤٥٩

درهماً طازجياً بدرهم غلّة ، قال : « لا بأس » (١).

وهو كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب أصلاً ، فأوّلاً : بتضمنهما جعل إبدال الدرهم بالدرهم شرطاً في الصياغة ، لا بيعهما بشرطها ، وأحدهما غير الآخر جدّاً.

وثانياً : بتضمّنها إبدال درهم طازج بدرهم غلّة مع شرط الصياغة من جانب الغلّة ، وقد ذكر جماعة من أهل اللغة (٢) أنّ الطازج هو الخالص والغِلّة غيره وهو المغشوش ، وحينئذٍ فالزيادة الحكميّة وهي الصياغة في مقابلة الغشّ ، وهذا لا مانع عنه مطلقا ، لا في هذه المسألة ولا في غيرها ، ولا في الحكميّة ولا في غيرها ، وعلى هذا يصحّ الحكم ويتعدّى لكن لا في مطلق الدرهم ، كما ذكروه ، بل ما شابه موردها ، هذا.

مع مخالفتها الأصل المطّرد من عدم جواز الزيادة من أحد الجانبين مطلقا ، حكميّة كانت أو عينيّة ، فلا يجوز الاستناد فيما خالفه إلى مثلها مع ما هي عليه ممّا قدّمنا.

فلو بيع الدرهمان بل مطلق الربويات كذلك بطل ، وفاقاً لجماعة ، كالشهيدين والفاضل في المختلف والمحقق الثاني في شرح القواعد والصيمري في شرح الشرائع (٣).

( و ) على العمل بها كما فهموه ( لا يتعدّى الحكم ) إلى غير موردها ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل المتقدّم على المتيقّن من النص‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٩ / ٢٠ ، التهذيب ٧ : ١١٠ / ٤٧١ ، الوسائل ١٨ : ١٩٥ أبواب الصرف ب ١٣ ح ١.

(٢) منهم ابن الأثير في نهايته ٣ : ١٢٣ ، ابن منظور في لسان العرب ٢ : ٣١٧.

(٣) الشهيد الأول في الدروس ٣ : ٣٠٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٣٨٢ ، المختلف : ٣٥٨ ، جامع المقاصد ٤ : ٢٠٢.

٤٦٠