رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

يوزن فلا بأس به يداً بيد ، ويكره نسيئة ، وذلك كالقطن والكتاب ، فأصله يوزن وغزله يوزن ، وثيابه لا توزن ، فليس للقطن فضل على الغزل ، واصلة واحد ، فلا يصلح إلاّ مثلاً بمثل ، فإذا صنع منه الثياب صلح يداً بيد ، والثياب لا بأس الثوبان بالثوب » (١) الحديث.

وبما حقّقناه في المقام ينقدح وجه القدح في المناقشة التي أوردها بعض الأجلّة على الأصحاب فيما ذكروه من القاعدة الكلّية ، من حيث عدم انضباطها على القوانين ، من حيث إنّه لا يصدق على الكلّ اسم خاصّ وأنّ له حقيقة واحدة ، ولهذا لو حَلَفَ أحد أن لا يأكل أحدهما لا يحنث بأكل الآخر ، فيحتمل أن يكونا جنسين ، وجواز بيع أحدهما بالآخر يكون كذلك ، ويكون الشرط للكراهة مع عدمه ، كما مرّ في سائر المختلفات ، ويمكن أن يقال : إنّ الضابط أحد الأمرين ، إمّا الاتّفاق في الحقيقة أو الاتّحاد في الاسم ، وهنا الأوّل تحقّق ولم يتحقّق الثاني ، وفيه تأمّل (٢).

وذلك فإنّ مرجع المناقشة إلى الشك في المراد من الجنس المشترط اتّحاده في الربا بين الربوبين هل هو الحقيقة الأصليّة خاصّة وإن اختلفت أسماء أفرادهما ، أو أنّه لا بدّ من الاتّحاد في الاسم ، بناءً على دوران الأحكام مدارها في جملة من المواضع بالضرورة؟ ولا وجه له بعد إمعان النظر فيما قدّمناه من الأدلّة الدالّة على إرادة المعنى الأوّل بلا شبهة ، وتكون هي المستثنية للمسألة من قاعدة دوران الأحكام مدار التسمية ، كما سلّمه هو في المسألة السابقة بتلك النصوص ، الجارية هنا بمقتضى العلّة المنصوصة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٢ / ١ ، الوسائل ١٨ : ١٥٨ أبواب الربا ب ١٧ ح ١٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٤٦٨.

٤٢١

ولذا إنّ الحلّي المصرّ على إرادة المعنى الثاني في المسألة السابقة وافق الأصحاب في المسألة ، مدّعياً في جملة من مواردها إجماع الطائفة (١) ، فلا وجه للمناقشة من هذه الحيثيّة.

وكذا من الحيثية الأُخرى التي ذكرها أيضاً من قوله : إنّه لا شكّ أنّ الحنطة إذا جعلت دقيقاً تزيد ، وهو ظاهر ، ودلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمّل ، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالآخر متساوياً أيضاً ؛ للزيادة ، كما في اليابس من جنس بآخر رطباً ، مثل الرُّطَب بالتمر والعنب بالزبيب ، فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل وتغيير ، مع أنّه معتبر عندهم في الرُّطَب والتمر (٢).

وذلك لاغتفار هذه الزيادة اتفاقاً فتوًى وروايةً ، ولعلّ الوجه فيه ما أُشير إليه وإلى الإشكال الذي ذكره في الصحيحة المشار إليها في كلامه ، فإنّ فيه : ما تقول في البرّ بالسويق؟ فقال : « مثلاً بمثل لا بأس به » قلت : إنّه يكون له رَيع فيه فضل ، فقال : « أليس له مئونة؟ » قلت : بلى ، قال : « هذا بهذا » (٣).

وحاصله أنّ اغتفار الزيادة إنّما هو لأجل مئونة الطحن ، وليس بيع الرُّطَب بالتمر اليابس على تقدير المنع عنه مثله بالبديهة ؛ إذ لا مئونة في يبس التمر ، وهو فرق واضح بينهما لا يشوبه شوب المناقشة أصلاً.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٦١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٤٦٨ ، ٤٦٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٩ / ٩ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٤ ، الوسائل ١٨ : ١٤٠ أبواب الربا ب ٩ ح ١.

٤٢٢

وبالجملة لا وقع لأمثال هذه المناقشات فيما أسّسته النصوص المعتبرة ، واتّفقت عليه كملة الطائفة ، وتعدّدت فيه الإجماعات المحكية.

( واللحوم ) كالألبان ( تابعة للحيوان في الاختلاف ) فحلم الضأن ، والمعز وكذا لبنهما جنس ، لشمول الغنم لهما ، والبقر والجاموس ولبنهما جنس ، وكذا العراب والبخاتيّ ولبنهما جنس واحد ، وهكذا ، بلا خلاف ، بل في الغنية (١) وعن التذكرة الإجماع عليه (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً الى العرف واللغة فيما عدا الثاني ، ولولاه هنا وفي بحث الزكاة لأمكن المناقشة فيه بالضرورة ؛ لتغاير جنسهما عرفاً وإن تجانسا لغةً ، كما حكي (٣).

ومنه يظهر الوجه في عدم تغاير الوحشي للأهلي ، إلاّ أنّ ظاهر الأصحاب ذلك ، وفي الغنية والتذكرة وغيرهما الإجماع عليه (٤).

( و ) ممّا قدّمناه من القاعدة الكلّية يظهر الوجه فيما ذكره من أنّ ( ما يستخرج من اللبن جنس واحد ) كالحليب والكشك والكامخ (٥) والزبد والسمن والجبن ، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر بالتفاضل مع اتّحاد جنس الحيوان ، وعليه بالخصوص الإجماع في الغنية والتذكرة (٦).

__________________

(١) وكذا في شرح القواعد للمحقق الثاني في الكل ( جامع المقاصد ٤ : ٢٦٨ ) وفي المسالك ( ١ : ١٩٩ ) في البقر والجاموس. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، التذكرة ١ : ٤٧٩.

(٣) المسالك ١ : ١٩٩ والحدائق ١٩ : ٢٤٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، التذكرة ١ : ٤٧٨ ؛ وانظر جامع المقاصد ٤ : ٢٦٨.

(٥) الكامخ : الذي يؤتدم به ؛ معرّب. مجمع البحرين ٢ : ٤٤١.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، التذكرة ١ : ٤٧٩.

٤٢٣

( وكذا الأدهان تتبع ما تستخرج منه ) فدهن الغنم مخالف لدهن البقر ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاضل بالنقد والنسيئة ، لكن في الأخير مع الكراهة ، كما مرّت إليه الإشارة (١).

وكذا الخلّ تتبع أُصولها ، فخلّ التمر مخالف لخلّ العنب. والطيور عندهم أجناس ، فالحمام كلّه جنس على قول (٢).

وقيل : ما يختص من أنواعه باسم جنس مغاير (٣).

( وما لا كيل ولا وزن ) ولا عدّ ( فيه فليس بربوي ، كالثوب بالثوبين ، والعبد بالعبدين ) ويمنع من التفاضل فيه نقداً ، إجماعاً ، كما في المختلف وغيره من كتب الجماعة (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات السليمة عن المعارض سوى إطلاقات الكتاب والسنة بحرمة الربا ، وهي ليست باقية على ظواهرها من حرمة مطلق الزيادة ، بل هي مقيّدة ولو في الجملة بإجماع الطائفة ، وبالمقدّر بالتقديرين خاصّة بالمعتبرة الآتية المتّفق عليها في الصورة المفروضة.

( وفي النسيئة خلاف ) وشبهة ( والأشبه ) فيها عند المتأخرين كافّة الجواز مع ( الكراهة ) وفاقاً للصدوقين والمبسوط والحلّي وظاهر الغنية (٥) ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (٦).

__________________

(١) راجع ص : ٣٩٥١.

(٢) كما في التذكرة ١ : ٤٧٨ والدروس ٣ : ٢٩٣.

(٣) الشرائع ٢ : ٤٥.

(٤) المختلف : ٣٥٤ ؛ وانظر الحدائق ١٩ : ٢٢٦.

(٥) الصدوق في المقنع : ١٢٥ ، ونقله عن والد الصدوق في المختلف : ٣٥٤ ، المبسوط ٢ : ٨٩ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٥٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٦) التذكرة ١ : ٤٧٧.

٤٢٤

استناداً في الأوّل إلى ما مرّ ، وإطلاق تلك المعتبرة ، وهي مستفيضة ، فمنها مضافاً الى ما مضى في صدر الفصل من الموثقين النافي ثانيهما للبأس ، قبل المتن منه المتقدّم (١) ، عن البيضة بالبيضتين والثوب بالثوبين والفرس بالفرسين المعتبرة الأُخر المستفيضة : منها الموثق : « لا بأس بالثوب بالثوبين » (٢).

والخبران (٣) ، أحدهما الموثق : عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً ».

ونحوهما الرضوي ، وزيد في آخره : « لو أنّ رجلاً باع ثوباً بثوبين أو حيواناً بحيوانين من أيّ جنس يكون ، لا يكون ذلك من الربا » (٤).

وهي مع اعتبار أسانيدها ، واستفاضتها ، واعتضادها بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، مضافاً إلى إجماع التذكرة (٥) ما بين ظاهرة بحسب الإطلاق ، وكصريحة بحسب حصر الربويّ في المقدّر بالتقديرين.

ومع ذلك مخالفة لما عليه أكثر العامّة ، بل عامّتهم ، كما سيأتي إليه الإشارة ، ومؤيّدة بفحوى الأدلّة المتقدّمة (٦) الدالّة على جواز بيع أحد‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٩٤٤ الهامش (٥).

(٢) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٨ ، الوسائل ١٨ : ١٥٣ أبواب الربا ب ١٦ ح ٤.

(٣) الأول : الكافي ٥ : ١٩١ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٣ ، الوسائل ١٨ : ١٥٢ أبواب الربا ب ١٦ ح ١. الثاني : الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٧ ، الوسائل ١٨ : ١٥٥ أبواب الربا ب ١٧ ح ٢.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٨ ، المستدرك ١٣ : ٣٤٢ أبواب الربا ب ١٤ ح ٢.

(٥) التذكرة ١ : ٤٧٧.

(٦) في ص : ٣٩٤٥.

٤٢٥

الربوبين بالآخر مطلقاً ولو نسيئة مع الاختلاف في الجنسية ، وعليها يحمل استدلال الفاضل في المختلف (١) هنا بحديث : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (٢) وإلاّ فلا ربط له ولا مدخليّة إلاّ على تقدير تعميم المنع فيها لبيع نحو العبد بالثوبين ، ولا تساعده الفتوى والرواية ، لاختصاصهما بالمتجانسين خاصّة ، بل صرّح بعض الصحاح الآتية بنفي البأس مع الاختلاف في الجنسية.

وكيف كان فالأقوى الكراهة.

خلافاً لجماعة ، كالإسكافي والعماني والمفيد والخلاف والنهاية (٣) ؛ لأخبار هي مع موافقتها للعامة ، كما ذكره جماعة ، وأشعر به بعضها ، كما سيأتي إليه الإشارة ليست صريحة في المنع ، بل ولا ظاهرة ؛ لأنّها ما بين مشعرة بالبأس مفهوماً ، كالصحيحين ، في أحدهما : العبد بالعبدين ، والعبد بالعبد والدراهم ، قال : « لا بأس بالحيوان كله يداً بيد » (٤).

وفي الثاني : « البعير بالبعيرين ، والدابّة بالدابّتين يداً بيد لا بأس به » (٥).

ومصرِّحة بلفظ الكراهة ، كالصحيح : عن الثوبين الرديئين بالثوب‌

__________________

(١) المختلف : ٣٥٤.

(٢) عوالي اللئلئ ٣ : ٢٢١ / ٨٦ ، المستدرك ١٣ : ٣٤١ أبواب الربا ب ١٢ ح ٤.

(٣) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٣٥٤ ، المفيد في المقنعة : ٦٠٤ ، الخلاف ١ : ٥٢٥ ، النهاية : ٣٧٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٩١ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٧٧ / ٧٩٩ ، التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٢ ، الإستبصار ٣ : ١٠٠ / ٣٤٨ ، الوسائل ١٨ : ١٥٦ أبواب الربا ب ١٧ ح ٦.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١١ ، الإستبصار ٣ : ١٠٠ / ٣٤٧ ، الوسائل ١٨ : ١٥٥ أبواب الربا ب ١٧ ح ٤.

٤٢٦

المرتفع ، والبعير بالبعيرين ، والدابّة بالدابّتين ، فقال : « كره ذلك علي عليه‌السلام فنحن نكرهه إلاّ أن يختلف الصنفان » (١).

وكلّ من البأس والكراهة أعمّ من الحرمة ، ومع ذلك السكوت عن النسيئة في الأوّلين لعلّه للتقيّة ، وبه يشعر بعض المعتبرة ، كالصحيح : عن البعير بالبعيرين يداً بيد ونسيئة : « لا بأس به » ثم قال : « خطّ على النسيئة » (٢) وفي الفقيه بعد نقله زاد : « لأنّ الناس يقولون : لا ، وإنّما فعل ذلك للتقيّة » (٣).

وهذه الزيادة نصّ في ورود المنع على تقديره مورد التقيّة ، كالسكوت والضرب على النسيئة. ولا يقدح احتمال كونها من الصدوق ؛ لكونه من أهل الاطّلاع والخبرة بمذاهب العامّة ، مسموعاً حكايته لمثله بالبديهة ، سيّما بعد أن وافقه فيها من المتأخّرين جماعة (٤).

والثالث للإطلاق الشامل لصورة البيع نقداً متروك الظاهر جدّاً.

وفي الثاني (٥) إلى الشبهة الناشئة من الخلاف في المسألة ، سيّما من هؤلاء الجماعة الذين هم عظماء الطائفة ، واحتمال الذبّ عن ضعف الدلالة أوّلاً : بثبوت المسامحة في أخبار الربا بالتعبير عن الحرمة بلفظ البأس‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٢ / ٥٢١ ، الإستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥٢ ، الوسائل ١٨ : ١٥٤ أبواب الربا ب ١٦ ح ٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٩١ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١١٧ / ٥١٠ ، الإستبصار ٣ : ١٠٠ / ٣٤٦ ، الوسائل ١٨ : ١٥٦ أبواب الربا ب ١٧ ح ٧ وفيه وفي الكافي بتفاوت.

(٣) الفقيه ٣ : ١٧٧ / ٨٠٠ ، الوسائل ١٨ : ١٥٧ أبواب الربا ب ١٧ ح ٨.

(٤) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٦٢ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٢٢٩.

(٥) أي : استناداً في الثاني وهو كراهة النسيئة في غير المكيل والموزون والمعدود إلى ..

٤٢٧

والكراهة ونفي الصلاحية ، كما مضت إليه الإشارة.

وثانياً : بصراحة الكراهة في الصحيحة الثالثة من حيث نسيتها إلى علي عليه‌السلام في الحرمة ، بعد ملاحظة كثير من المعتبرة الدالّة على أنّه عليه‌السلام ما كان يكره إلاّ الحرام (١).

والأصل والعمومات وإطلاق المعتبرة لا تبلغ قوّة المعارضة لمثل هذه الصحيحة الصريحة ولو بالضميمة ، المعتضدة بسابقتيها من الصحيحتين الظاهرتي الدلالة بمعونة ما مرّ إليه الإشارة ، مع احتمال كون المنع فيها عن النسيئة لأجلها من حيث هي هي كما في الصرف ، لا من حيث الربا ، فلا معارضة بينها وبين ما دلّ من تلك المعتبرة على حصر الربا في المكيل والموزون ، فتأمّل.

فلولا الشهرة العظيمة المتأخرة ، المؤيّدة بإجماع التذكرة (٢) ومخالفة العامّة والفحوى المتقدّمة لكان المصير إلى هذا القول لا يخلو عن قوّة ، ولعلّه لما ذكرناه احتاط به في الغنية (٣) ، وهو في غاية الجودة.

( وفي ثبوت الربا في المعدود ) فيحرم التفاضل فيه مع التجانس مطلقاً نقداً ونسيئةً ( تردّد ) ينشأ من إطلاق الكتاب والسنّة بحرمة الربا ، وهي في اللغة مطلق الزيادة ، والنصوص المتقدّمة المانعة عن بيع العبد بالعبدين والثوب بالثوبين.

وممّا مرّ من الجواب عنهما ، والمعارضة لهما بما هو أقوى منهما من الأصل ، والعمومات ، والإجماعات المحكية الآتية ، والمستفيضة ، ومنها‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٨ : ١٥١ أبواب الربا ب ١٥.

(٢) راجع ص : ٣٩٦١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

٤٢٨

زيادة على ما مرّ الصحيح : « لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلاً أو وزناً » (١).

والرضوي : « الربا الذي لا يؤكل هو ما يكال أو يوزن » (٢).

وصريح الخبر المنجبر إرساله وقطعه بالعمل ، والموافقة لما مرّ ، وفيه : « من عُدّ عدّاً ولم يُكَلْ ولم يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يداً بيد ، ويكره نسيئة » (٣).

ولا مكافأة لشي‌ء من أدلّة المنع لهذه بالضرورة ، سيّما أخبارها ؛ لخروجها عمّا نح فيه ظاهراً ، فإنّ مواردها ممّا لا يقال له في العرف إنّه يباع عدّاً ، ولذا فرضها الأصحاب مسألة أُخرى غير المسألة ، وإن ظهر من جماعة كبعض شرّاح الكتاب اتحادهما (٤). وليس كذلك قطعاً ، مع أنّ جملة منها بل أكثرها مصرّحة بجواز التفاضل يداً بيد ، ولا يقول به المانعون.

وكيف كان ( أشبهه ) أي الخلاف هنا وأشهره ، بل عن الخلاف والسرائر ومجمع البيان الإجماع عليه (٥) ( الانتفاء ) رأساً ، فيجوز بيع أحد المعدودين بالآخر مع التجانس والاختلاف مطلقاً ، وفاقاً للعماني والصدوقين والشيخ والقاضي (٦) وكافة المتأخّرين. خلافاً للمفيد والإسكافي والديلمي (٧).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨ ، الوسائل ١٨ : ١٤٦ أبواب الربا ب ١٣ ح ٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٥٨ ، المستدرك ١٣ : ٣٣٤ أبواب الربا ب ٣ ح ١ ، وفيه صدر الحديث.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٢ / ١ ، الوسائل ١٨ : ١٥٣ أبواب الربا ب ١٦ ح ٢.

(٤) التنقيح ٢ : ٩٠.

(٥) الخلاف ١ : ٥٢٦ ، السرائر ٢ : ٢٦٢ ، مجمع البيان ١ : ٣٩٠.

(٦) حكاه عن العماني ووالد الصدوق في المختلف : ٣٥٣ ، الصدوق في المقنع : ١٢٥ ، الشيخ في النهاية : ٣٧٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٦٢.

(٧) المفيد في المقنعة : ٦٠٥ ، نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٥٣ ، الديلمي في المراسم : ١٧٩.

٤٢٩

( ولو بيع شي‌ء في بلد كيلاً أو وزناً وفي بلد آخر جزافاً فلكلّ بلد ) دون أهله ( حكم نفسه ) من الربا إن بيع بأحدهما ، وعدمه إن بيع بغيرهما مطلقاً ، على الأشهر الأقوى.

( وقيل : يغلب تحريم التفاضل ) إمّا مطلقا ، كما عن النهاية والديلمي (١) ، أو إذا كان البيع بعهما غالباً أو مساوياً دون ما إذا كان نادراً ، كما عن المفيد والحلّي (٢) ، والكلام في المقام في أوّل الفصل قد مضى مفصّلاً (٣).

( وفي بيع الرُّطَب بالتمر ) مع التساوي ( روايتان ، أشهرهما ) المستفيض النقل من طرق الخاصّة والعامّة ( المنع ) بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية (٤) ، ففي النبوي بعد أن سئل عن بيع الرُّطب بالتمر ، فقال : « أينقص إذا جفّ؟ » فقيل له : نعم ، فقال : « لا إذا » (٥).

وفي الصحيح وغيره : « لا يصلح التمر اليابس بالرطَب ، من أجل أنّ التمر يابس والرطَب رَطْب ، فإذا يبس نقص » (٦).

خلافاً للإستبصار وموضع من المبسوط والحلّي (٧) ؛ تمسّكاً بالأصل ،

__________________

(١) النهاية : ٣٧٨ ، الديلمي في المراسم : ١٧٩.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٠٤ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٦٣.

(٣) راجع ص : ٣٩٤٣.

(٤) الخلاف ١ : ٥٣٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

(٥) عوالي اللئلئ ٢ : ٢٥٤ / ٢٨ ، المستدرك ١٣ : ٣٤٢ أبواب الربا ب ١٣ ح ٢.

(٦) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨ ، الإستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٤ ، الوسائل ١٨ : ١٤٨ أبواب الربا ب ١٤ ح ١ والآخر : التهذيب ٧ : ٩٠ / ٣٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٥ ، الوسائل ١٨ : ١٥٠ أبواب الربا ب ١٤ ح ٦.

(٧) الاستبصار ٣ : ٩٣ / ٨٠٥ ، المبسوط ٢ : ٩٣ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٥٩.

٤٣٠

والعمومات السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، لاختصاص أدلّة حرمة الربا والزيادة بالحاصلة وقت المبايعة ، وهي هنا مفقودة ، ولذا لم يتعدّ كثير من المانعين هنا إلى الغير في المسألة الآتية.

وقدحاً في النصوص المتقدّمة ، أوّلاً : بركاكة النبوي متناً ، والصحيح وما بعده دلالةً ، لأعميّة عدم الصلاحية من الحرمة جدّاً ، كما اعترف به المتأخّرون مكرّراً ، مع احتمال حملها على المنع نسيئة ، كما يستفاد من الصحيح تقييداً : « أنّ المؤمنين عليه‌السلام كره أن يباع التمر بالرطَب عاجلاً بمثل كيله إلى أجل ، من أجل أنّ التمر ييبس فينقص من كيله » (١) ولا كلام فيه أصلاً.

وثانياً : بالمعارضة بالموثق المجوّز لذلك ظاهراً : عن العنب الزبيب ، قال : « لا يصلح إلاّ مثلاً بمثل » قلت : والرطَب والتمر؟ قال : « مثلاً بمثل » (٢).

وحمل المماثلة على الوصف أي في الرطوبة واليبوسة ، فيكون كناية عن المنع ، وحصر الجواز في العنب بالعنب والزبيب بالزبيب ، وهكذا في الأخيرين بعيد جدّاً ، سيّما بعد تتبّع موارد استعمالها في أخبار الربا الكاشف عن أنّ المراد بها المماثلة في المقدار فعلاً قطعاً.

مضافاً الى تأيّده كباقي أدلّة الجواز بمفهوم الصحيح المتقدّم.

ولا يخلو عن قوّة لولا الشهرة العظيمة ، وحكاية الإجماع المتقدّمة ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٥ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٨ ، الوسائل ١٨ : ١٤٩ أبواب الربا ب ١٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١٦ ، التهذيب ٧ : ٩٧ / ٤١٧ ، الإستبصار ٣ : ٩٢ / ٣١٣ ، الوسائل ١٨ : ١٣٩ أبواب الربا ب ١٤ ح ٣.

٤٣١

وقوّة احتمال صحة دلالة نفي الصلاحية على الحرمة بمعونة ما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة. وضعف احتمال تقييد أخبار المنع بصورة النسيئة بمفهوم الصحيحة ، بناءً على قصور دلالتها عليه ؛ إذ غايتها الدلالة على منعها خاصّة ، وهو غير ملازم للجواز في الصورة المقابلة ، فإنّ إثبات الشي‌ء لا ينفي ما عداه ، كما اشتهر في الألسنة وقامت عليه الأدلّة ، مع أنّ مفهوم التعليل فيها صريح في العموم لصورتي النقد والنسيئة ، ولو كان المنع مختصّاً بها لكان اللازم التعليل بها دون ما فيها من العلّة.

وركاكة متن النبوي بمثل ما فيه غير معلومة ، سيّما وأن يخرجه عن الحجية ، ودلالته ظاهرة.

والمناقشة فيه وفيما عدا الصحيحة لضعف السند مدفوعة بانجباره بالشهرة العظيمة والإجماع الذي هو حجة أُخرى مستقلّة.

فبجميع ما مرّ يتقوّى أدلّة المنع بالضرورة ، فلا تقاومها أدلّة الجواز المتقدّمة حتى الموثّقة ، لقصور السند ، وعدم الصراحة باحتمالها لما تقدّم إليه الإشارة ، ولو كان بعيداً غايته (١).

( وهل تسري العلّة ) المنصوصة في تلك المعتبرة للحرمة في بيع الرطب بالتمر ( في غيره كالزبيب بالعنب والبُسر بالرطب ) بناءً على نقص العنب بالجفاف والبُسر بالرطب؟

( الأشبه ) عند الماتن ( لا ) وفاقاً لجماعة من أصحابنا ، كالنهاية والخلاف وموضع من المبسوط والغنية (٢).

__________________

(١) مع إمكان حملها على التقية كما يلوح من الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) النهاية : ٣٧٩ ، الخلاف ١ : ٥٣٣ ، المبسوط ٢ : ٩٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩.

٤٣٢

وخلافاً لآخرين ، كالقديمين وابن حمزة (١) ، ومال إليه من المتأخّرين جماعة (٢).

ومبنى الخلاف الاختلاف في التعدية بالعلّة المنصوصة إلى غير موردها بعد وجودها فيه ، وحيث إنّ الأشهر الأقوى ذلك مطلقاً ، كما حقّق في الأُصول مستقصى ، كان القول بالسراية هنا قويّاً جدّاً.

( ولا يثبت الربا بين الوالد والولد ، ولا بين الزوج والزوجة ، ولا بين المملوك ) المختص ، لا مطلقاً كما في الخبر (٣) ( والمالك ولا بين المسلم والحربي ) بلا خلاف إلاّ من الإسكافي (٤) ، حيث خصّ أخذ الزيادة بالوالد دون الولد ، واشترط أن لا يكون للولد وارث ولا عليه دين.

وهو شاذّ ، والإجماع على خلافه على الظاهر منعقد ، بل في الانتصار والغنية وغيرهما (٥) مطلقاً ، وفي السرائر وغيره (٦) في الأخير خاصّة مصرّح ؛ وهو الحجة في جميع ذلك.

مضافاً إلى النصوص المنجبر قصور أسانيد أكثرها بعمل الطائفة والمخالفة لما عليه العامة ، ففي الصحيح : عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدّي العبد كلّ شهر عشرة دراهم ، أيحلّ ذلك؟ قال : « لا‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٣٥٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٣.

(٢) منهم العلاّمة في المختلف : ٣٥٦ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٩٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٤٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٣ ، الوسائل ١٨ : ١٣٥ أبواب الراب ب ٧ ح ٣.

(٤) على ما نقله عنه في المختلف : ٣٥٣.

(٥) الانتصار : ٢١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٩ ؛ وانظر المختلف : ٣٥٣ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٩٤ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ٦٣.

(٦) السرائر ٢ : ٢٥٢ ؛ وانظر المسالك ١ : ٢٠٠ ، والحدائق ١٩ : ٢٥٧.

٤٣٣

بأس به » (١).

وفي الخبرين : « ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين مملوكه ولا بينه وبين أهله ربا » (٢).

وفي آخر : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ، نأخذ منهم ولا نعطيهم » (٣).

ومقتضاه اختصاص النفي بصورة أخذ المسلم الزيادة دون العكس ، وهو الأظهر ، وفاقاً للأكثر ، بل في ظاهر السرائر وصريح الخلاف الإجماع عليه (٤) ؛ لذلك ، وللاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على تحريم الربا على المتيقّن.

خلافاً للنهاية وجماعة ، فأطلقوا الجواز (٥). وهو ضعيف.

وفي شمول الأولين لمن علا ومن سفل ، والزوجة للمنقطعة ، والمملوك للمكاتب بقسميه نظر ، ينشأ من الإطلاق أو العموم ، ومن لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل المتقدّم على الفرد المتيقّن ، بناءً على الشك في دخول ما عداه في الأمرين ؛ لعدم التبادر. وهو أحوط ، بل لعلّه أولى وأظهر.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٦ ، الوسائل ١٨ : ١٣٦ أبواب الربا ب ٧ ح ٦.

(٢) أحدهما تقدم في ص : ٣٩٦٩. والآخر في : التهذيب ٧ : ١٧ : ٧٥ ، الإستبصار ٣ : ٧١ / ٢٣٦ ، الوسائل ١٨ : ١٣٦ أبواب الربا ب ٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٧٦ / ٧٩٠ ، الوسائل ١٨ : ١٣٥ أبواب الربا ب ٧ ح ٢.

(٤) السرائر ٢ : ٢٥٢ ، الخلاف ١ : ٥٣٩.

(٥) النهاية : ٣٧٦ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٤٨٥ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٩٤ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ٦٢.

٤٣٤

خلافاً للأكثر في الثالث ، فعمّموا الزوجة للمنقطع. وفيه مضافاً إلى ما سبق منع صدق الزوجة عليها حقيقة.

( وهل يثبت بينه ) أي المسلم ( وبين الذمّي ) إذا كان بشرائط الذمّة؟ ( فيه روايتان ، أشهرهما ) بين المتأخّرين كافّة ، وفاقاً للإسكافي والقاضي وابن حمزة والحلّي (١) ( أنّه يثبت ).

ولم أقف عليه بالخصوص ، نعم يشمله إطلاق بعض النصوص : قلت : فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال : « نعم » (٢) والعامّ المخصص حجة في الباقي جدّاً ، وضعف السند منجبر بما تقدّم ، وبعموم الكتاب والسنة بتحريم الربا.

خلافاً للصدوقين والمفيد والمرتضى (٣) ، فلا يثبت ، بل ادّعى الأخير عليه الإجماع ؛ للمرسل : « ليس بين المسلم والذمّي ربا » (٤).

وهو قاصر السند ، ضعيف التكافؤ هو كالإجماع المحكي لما مرّ من الدليل القاطع ، المعتضد في خصوص المقام بالشهرة.

فإذاً القول الأوّل مع كونه أحوط في الجملة لا يخلو عن قوة.

وحمل الأصحاب المرسلة على خروج الذمّي عن شرائط الذمّة. ولا بأس به ، جمعاً بين الأدلّة.

( و ) يجوز أن ( يباع الثوب بالغزل ) مطلقاً ( ولو تفاضلاً ) للصحيح : عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة والغزل أكثر وزناً من الثياب ،

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي والقاضي في المختلف : ٣٥٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٥٢.

(٢) راجع ص : ٣٩٧٠ الهامش (٢).

(٣) نقله عن والد الصدوق في المختلف : ٣٥٣ ، الصدوق في المقنع : ١٢٦ حكاه عن المفيد في المختلف : ٣٥٣ ، المرتضى في الانتصار : ٢١٢.

(٤) الفقيه ٣ : ١٧٦ / ٧٩٢ ، الوسائل ١٨ : ١٣٦ أبواب الربا ب ٧ ح ٥.

٤٣٥

قال : « لا بأس » (١).

ونحوه الخبر : « وما كان أصله واحداً وكان يكال أو يوزن فخرج منه شي‌ء لا يكال ولا يوزن فلا بأس به يداً بيد ، ويكره نسيئة ، وذلك كالقطن والكتان فأصله يوزن وغزله يوزن ، وثيابه لا توزن ، فليس للقطن فضل على الغزل ، واصلة واحد فلا يصلح إلاّ مثلاً بمثل ، فإذا صنع منه الثياب صلح يداً بيد ، والثياب لا بأس الثوبان بالثوب » (٢).

ويستفاد منه مضافاً الى عموم الأدلّة فتوًى وروايةً باشتراط الكيل والوزن في تحقق الربا بعد الاتحاد في الجنسيّة المتبادر منهما تحققهما بالفعل في المتعاوضين تعدية الحكم عن مفروض العبارة إلى كلّ فرع لم يوافق الأصل في التقديرين ، وهو واضح بحمد الله سبحانه.

( ويُكره بيع الحيوان باللحم ) المجانس له ، كالشاة بلحمه مثلاً مطلقاً ( ولو تماثلاً ) في المقدار ، نقداً أو نسيئة ، حيّاً كان المبيع أو مذبوحاً ، على ما يقتضيه إطلاق العبارة جدّاً.

ويحتمل أن يريد بالتماثل التجانس ، وإنّما كان أخفى بناءً على اختصاص أكثر فتاوى المنع والإجماع المحكي (٣) به جدّاً ، وكون توهّم الربا فيه أقوى. ووجه الكراهة في غيره إطلاق النص وبعض الفتاوى.

واختيار الماتن الجواز مطلقاً ضعيف جدّاً ، وإن اختاره الحلّي‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ / ٥٩٦ ، التهذيب ٧ : ١٢١ / ٥٢٨ ، الوسائل ١٨ : ١٦١ أبواب الربا ب ١٩ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٢ / ١ ، الوسائل ١٨ : ١٥٨ أبواب الربا ب ١٧ ح ١٢.

(٣) حكاه الشيخ في الخلاف ٣ : ٧٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، والعلاّمة في المختلف : ٣٥٥.

٤٣٦

والفاضل في الإرشاد والتحرير وشيخنا الشهيد الثاني والمحقق الشيخ علي (١) ، إلاّ أنّهما خصّا المسألة بالمجانس والجواز بالحي ، واختارا الحرمة في غيره ، جمعاً بين الأدلّة بحمل ما دلّ منها على الجواز من الأصل والعمومات كتاباً وسنةً على الصورة الأُولى خاصّة ، وما دلّ منها على حرمة الربا على الثانية ، بجامع فقد شرطه من التقدير بالكيل أو الوزن في الأُولى دون الثانية. واعتماداً في الكراهة إلى الشبهة الناشئة من إطلاق القول والرواية بالحرمة.

خلافاً للأكثر ومنهم الشيخان والديلمي والقاضي والإسكافي وابن حمزة وابن زهرة (٢) ، فأطلقوا الحرمة ، وإن اختلفت عبائرهم في اختصاصها بالمجانس ، أو العموم له وللغير. ولا يبعد إرادتهم الاختصاص ، ويستفاد من الأخير والمحكي عن الخلاف (٣) الإجماع عليه وعلى أصل المنع فيه (٤) ، وبه تشعر عبارة المختلف والدروس ، حيث نسبا القول الأوّل إلى الشذوذ والندرة (٥).

وينبغي القطع بها في المجانس في الصورة الثانية ، وأمّا في الأُولى‌

__________________

(١) الحلّي في السرائر ٢ : ٢٥٨ ، الإرشاد ١ : ٣٧٩ ، التحرير ١ : ١٧٠ ، الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٤٦ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٢٧٩.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٠٤ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ١٠٠ ، الديلمي في المراسم : ١٧٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٧٣ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٥٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨.

(٣) وكذا في التنقيح ٢ : ٦٩ ، حيث قال : بيع اللحم الحاضر بالحيوان المخالف له جنساً جائز إجماعاً ، وبيعه بالحيوان المماثل له مختلف فيه ( منه رحمه‌الله ).

(٤) الخلاف ٣ : ٧٥.

(٥) المختلف : ٣٥٥ ، الدروس ٣ : ٢٩٥.

٤٣٧

فلعلّها أيضاً لا يخلو فيها عن قوّة ؛ لإطلاقات الإجماعات المحكيّة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة ، والموثقة : « أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كره اللحم بالحيوان » (١).

وبهما يقيّد إطلاق أدلّة حصر الربا في المقدّر بأحد التقديرين ؛ لكونهما أقوى منها بمراتب.

والمناقشة في الرواية بقصور السند والدلالة مدفوعة أوّلاً : بانجبارها (٢) بالشهرة ، وثانياً : بكون الموثّقة في نفسها حجة ، وأنّ القرينة على إرادة الحرمة من لفظ الكراهة فيها ظاهرة بمعونة ما تقدّم إليه الإشارة غير مرّة ، من دلالة المعتبرة بأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يكره الحلال ، كما في بعض (٣) ، أو إلاّ الحرام ، كما في آخر (٤).

ومقتضى الرواية المنع عن مطلق المعاوضة ، ولا كذلك عبائر الجماعة المحكيّة ، فإنّها في البيع خاصّة ، وإرجاع كلّ منهما إلى الآخر ممكن بحمل الأدلّة على المعاملة الغالبة ، وهي المبايعة خاصّة ، دون نحو الصلح ، لندرته بالإضافة بالضرورة ، والثانية على إرادة التمثيل منها لا الحصر ، إلاّ أنّ مقتضى الأصل ولزوم الاقتصار في المخالف له على القدر المتيقّن منعه من الفتوى والنص هو الاختصاص بصورة البيع.

ولكن هذا إذا كان الحيوان حيّاً ، وإلاّ فالتعميم مطلقاً لعموم أدلّة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩١ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٧٦ / ٧٩٤ ، التهذيب ٧ : ١٢٠ / ٥٢٥ ، الوسائل ١٨ : ١٤٣ أبواب الربا ب ١١ ح ١.

(٢) في « ق » و « ر » و « ت » : انجبارهما.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ / ٤١٢ ، الوسائل ١٨ : ١٥١ أبواب الربا ب ١٥ ح ١.

(٤) لم نعثر عليه في المجامع الحديثيّة.

٤٣٨

حرمة الربا ، بناءً على تحققه في المذبوح بوجود شرطه جدّاً أقوى.

( وقد يتخلّص من الربا ) إن أُريد بيع أحد الربوبين بالآخر متفاضلاً بالضميمة ( بأن يجعل مع الناقص ) منهما ، أو معهما إن اشتبه ناقصهما ( متاع من غير جنسه ) أي الناقص ، فتكون الضميمة في مقابلة الزيادة ( مثل ) بيع ( درهم ومدٍّ من تمر بمدّين ) منه ، أو درهمين ، وأمداد ودراهم (١) ، بلا خلاف بين الطائفة ، بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية والمسالك والتذكرة وغيرهما من كتب الجماعة (٢) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الأصل ، والعمومات ، واختصاص أدلّة الحرمة بحكم التبادر والسياق بغير مفروض المسألة.

ومع ذلك المعتبرة وفيها الصحيح وغيرها به مستفيضة ، بل كادت تكون متواترة ، منها زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في بحث الصرف في بيع السيوف المحلاّة بالذهب والفضّة ـ (٣) المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيحان ، في أحدهما : قلت له : أشتري ألف درهم ودينار بألفي درهم ، فقال : « لا بأس بذلك ، إنّ أبي كان أجرأ على أهل المدينة منّي ، وكان يقول هذا ، فيقولون : إنّما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار ، وكان يقول لهم : نِعْمَ الشي‌ء الفرار من الحرام إلى الحلال » (٤).

__________________

(١) أي بيع درهم ومد من تمر بأمداد ودراهم ، فتكون الأمداد في مقابل الدرهم والدراهم في مقابل المدّ.

(٢) الخلاف ٣ : ٦١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٨ ، المسالك ١ : ٢٠٠ ، التذكرة ١ : ٤٨١ ؛ وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٥٤٨ ، وجامع المقاصد ٤ : ٢٧٥.

(٣) في ص : ٤٠٠٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٤٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٨٥ / ٨٣٤ ، التهذيب ٧ : ١٠٤ / ٤٤٥ ، الوسائل ١٨ : ١٧٨ أبواب الصرف ب ٦ ح ١.

٤٣٩

وفي الثاني : « لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيهما ديناران أو أقلّ أو أكثر فلا بأس به » (١).

والخبر : عن الدراهم بالدراهم وعن فضل ما بينهما ، فقال : « إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس به » (٢).

وإطلاقها ككلام أكثر الأصحاب يقتضي إطلاق الجواز ولو مع عدم قصد صرف كلٍّ إلى ما يخالفه ، وبه صرّح في الدروس (٣) ، وأنّه لا يشترط في الضميمة أن تكون ذات وقع في مقابل الزيادة.

وحصول التفاوت عند المقابلة وتوزيع الثمن عليهما باعتبار القيمة على بعض الوجوه غير قادح ، لحصوله حينئذٍ بالتقسيط لا بالمعاوضة الجديدة ، فإنّه إنّما وقع على المجموع بالمجموع ، فالتقسيط غير معتبر ولا مفتقر إليه.

نعم لو عرض سبب يوجبه ، كما لو تلف الدرهم المعيّن قبل القبض ، أو ظهر مستحقاً وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا ، كما لو باع درهماً معيّناً ومدّاً بمدّين ودرهمين وتلف الدرهم :

ففي بطلان البيع من أصله بناءً على لزوم التفاوت في الجنس الواحد.

أو بالإضافة إلى مخالف التالف خاصّة ، بناءً على أنّ كلاًّ من الجنسين قد قوبل بمخالفه ، فإذا بطل بطل ما قوبل به خاصة.

أو الصحة والتقسيط على وجه لا يلزم منه الرباء ، بناءً على أنّ أجزاء المبيع لمّا قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع لم يجب أن يقع التقسيط‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٠٦ / ٤٥٦ ، الوسائل ١٨ : ١٨٠ أبواب الصرف ب ٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٨ / ٤٢٢ ، الوسائل ١٨ : ١٨١ أبواب الصرف ب ٦ ح ٧.

(٣) الدروس ٣ : ٢٩٨.

٤٤٠