رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

فيه ، ولا في ثبوتها للعدول من المؤمنين مع فقدهم حسبةً ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، فإنّه إحسان محض و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) مع دعاء الضرورة إليها في بعض الأحيان.

وفي الخبر : عن رجل مات وله بنون صغار وكبار من غير وصيّة ، وله خدم ومماليك وعقار ، كيف يصنعون الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال : « إن قام رجل ثقة فقسّمه وقاسمهم ذلك كلّه فلا بأس » (٢).

وقريب منه كثير من النصوص المعتبرة (٣).

فخلاف الحلّي (٤) كما حكي شاذّ لا يلتفت إليه.

واعلم أنّ الشرائط المتقدّمة عدا الملكية وعدم الكراهة شرط الصحة ، بلا خلاف فيه ، وفي كون الملكية شرط اللزوم ، بل في المختلف وكلام جماعة الإجماع عليه (٥).

( فلو باع الفضولي ) ملك الغير من دون إذنه مطلقاً لم يلزم إجماعاً ، بل لم يصحّ إذا كان البيع لنفسه لا للمالك ، فيمشي إلى المالك فيشتريه منه ، كما صرّح به جماعة ، كالفاضلين : العلاّمة في جملة من كتبه كالمختلف والتذكرة ، مدّعياً فيها عدم الخلاف فيه بين الطائفة (٦) ، والمقداد في شرح الكتاب (٧) وغيرهما (٨) ، منزلين الأخبار المانعة‌

__________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢) الفقيه ٤ : ١٦١ / ٥٦٣ ، التهذيب ٩ : ٣٩٢ / ١٤٠٠ ، الوسائل ٢٦ : ٧٠ أبواب موجبات الإرث ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١٩ : ٤٢١ أبواب أحكام الوصايا ب ٨٨.

(٤) انظر السرائر ٢ : ٢١٢.

(٥) المختلف : ٣٤٨ ؛ وأُنظر الحدائق ١٨ : ٣٧٧.

(٦) المختلف : ٣٤٨ ، التذكرة ١ : ٤٨٦.

(٧) التنقيح الرائع ٢ : ٢٦.

(٨) انظر الخلاف ٣ : ١٦٨.

٢٢١

عن بيع ما لا يملك والناهية عن شراء المغصوب والسرقة كما في المعتبرة المستفيضة (١) على ذلك ، فلا ينبغي الاستشكال فيه وإن شمله عموم بعض أدلّة صحّة الفضولي وفتاويه.

وإذا لم يكن البيع كذلك ( فـ ) في صحّته حينئذٍ ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما بين المتأخّرين ، بل مطلقاً ، كما في الروضة وكلام جماعة (٢) ، بل قيل : كاد أن يكون إجماعاً (٣) الصحة و ( وقوفه على الإجازة ) من المالك ، فإن حَصَلت ، وإلاّ انفسخت المعاملة ؛ لأنّه عقد صدر من أهله من حيث استجماعه لشرائط صحّته عدا الملكية ، وكان في محلّه ، لكون المبيع ممّا يجوز بيعه في حدّ ذاته فيكون صحيحاً ، وبالإجازة يصير لازماً ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقد ، لما تقدّم تحقيقه في صحّة عقد المكره ولزومه بعد الإجازة قريباً.

واشتراط المباشرة للعقد هنا من المالك مدفوع بما دفعنا به اشتراط مقارنة القصد للعقد ثمّة ، مع ثبوت عدم الاشتراط هنا في الجملة ، كيف لا وصحّة المعاملة غير منحصرة في صدرها عن المالك خاصّة ، لما عرفت من ثبوت الولاية للأشخاص الستّة بل السبعة. وما أشبه بالمسألة ثبوت الولاية بالوكالة؟! فإنّ المأمور بالوفاء بالمعاملة فيها إنّما هو الموكّل خاصّة دون الوكيل بالضرورة ، وليس ذلك إلاّ من حيث رضاه بها ووقوع العقد في ملكه ، ولا فرق في ذلك بين تقدّمه عليها أو تأخّره عنها بالبديهة ، فيكون المراد من الآية حينئذٍ وجوب الوفاء بالمعاملة على من وقعت على ملكه مع‌

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٣٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١.

(٢) الروضة ٣ : ٢٢٩ ؛ مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ١٥٧ ، كفاية الأحكام : ٨٩.

(٣) الحدائق ١٨ : ٣٧٧.

٢٢٢

رضاه بها مطلقا ، كان هو مباشراً للعقد أم لا ، والقرينة عليه الإجماع الذي مضى ، فتكون عامّة شاملة لمفروض المسألة.

ودعوى اشتراط المباشرة في خصوصها تقييد لها من غير دلالة ، فلم تكن مسموعة ، هذا.

مضافاً إلى فحوى ثبوت الفضولي في النكاح مطلقاً بالإجماعات المحكية (١) ، والمعتبرة المستفيضة (٢) ، بل المتواترة ، فإنّ ثبوته فيه مع بناء الأمر فيه على الاحتياط التامّ ، كما يستفاد من النصوص وإجماع العلماء الأعلام مستلزم لثبوته هنا بطريق أولى ؛ لأضعفيّته عنه جدّاً.

ولعمري إنّها من أقوى الأدلّة هنا ، ولولاه لأشكل المصير إلى هذا القول ؛ لحكاية الإجماعين الآتية.

وبمثل هذه الفحوى استدلّ جماعة من أصحابنا في مقامات عديدة ، منها : عدم اشتراط تقديم الإيجاب على القبول في الصيغة بناءً على ثبوته ثمّة ، المستلزم لثبوته هنا بالأولويّة المتقدّمة ، وارتضاه المشترطون للتقديم أيضاً ، إلاّ أنّهم أجابوا بإبداء الفرق المختصّ به من احتمال منع حياء المرأة غالباً عن اشتراطه فيه ، ولا مانع عنه هنا بالمرة ، وهو اعتراف منهم بثبوت الأولوية لولا الفارق المتقدّم إليه الإشارة.

مضافاً إلى خبر البارقي العامّي (٣) المشهور ، المجبور ضعفه كقصور‌

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٤٧ ، وأُنظر السرائر ٢ : ٥٦٥ ، وكشف اللثام ٢ : ٢٢.

(٢) الوسائل ٢٠ : ٢٩٢ أبواب عقد النكاح ب ١٢ ، ١٣. وج ٢١ : ١١٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ إلى ٢٧.

(٣) مسند أحمد ٤ : ٣٧٦ ، وهو في ثاقب المناقب : ١١٢ ، المستدرك ١٣ : ٢٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٨ ح ١.

٢٢٣

دلالته لو كان بالشهرة العظيمة ، والأُصول المسلّمة الدافعة للاحتمالات التي يناقش بها في الدلالة ، هذا.

وفي الموثق كالصحيح على الصحيح ، بل روي بطريق آخر صحيح : « قضى عليّ عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ، فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ، ثمّ قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال : خذ ابنه يعني ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع ، فلمّا أخذه البيّع قال أبوه : أرسل ابني ، قال : لا والله لا أُرسل ابنك حتّى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه » (١).

وهو ظاهر الدلالة على المراد ، خالٍ عن وصمة الشبهة والإيراد ، إلاّ ما يتراءى في بادئ النظر من الإشكال فيه من حيث ظهوره في ردّ الأب بيع الابن أوّلاً ، والقائل بالفضولي يقول بصحّته مع عدمه.

ويمكن دفعه بعدم ظهور ما يوجب الظهور فيه ، وإنّما غايته الظهور في عدم الرضا بالإقباض واسترداد الجارية وابنها ، وهو غير صريح بل ولا ظاهر فيه ، لاحتمال كونه للتردّد الغير الملازم له ، فتأمّل.

والقول الثاني وهو فساد الفضولي للطوسي رحمه‌الله في الخلاف والمبسوط ، والحلّي وابن زهرة (٢) مدّعياً هو كالأول الإجماع عليه ، مستندين به ، ثم بالأصل ، وأخبار عاميّة هي ما بين ناهية عن بيع ما ليس‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١١ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٨٨ / ١٩٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٢٠٥ / ٧٣٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٣ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ١ ؛ بتفاوت.

(٢) الخلاف ٣ : ١٦٨ ، المبسوط ٢ : ٣٨١ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٢٧٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥.

٢٢٤

عنده (١) ، ونافية للبيع عمّا لا يملك (٢) ، وزاد الأوّل بأنّه تصرّف في ملك الغير.

وفي الجميع نظر ؛ لاندفاع الأصل بما مرّ ، كاندفاع الإجماع به ، لكونه أكثر وأقوى وأظهر ، مع تطرّق الوهن العظيم إليه بعدم وجود قائل به عداهما والحلّي ، مع تصريح الأوّل بكون الصحة مذهب قوم من أصحابنا (٣) ، وحكي عن عظماء القدماء كالمفيد وابن الجنيد وابن حمزة (٤) ، وهو اختياره في النهاية (٥).

وبالجملة : كيف يقبل دعوى الإجماع فيه محلٍّ لم يظهر القائل بمضمونه عدا مدّعيه (٦) ، فينبغي طرحه أو تأويله إن أمكن.

والأخبار مع ضعفها ، ومعارضتها بأقوى منها سنداً ودلالة غير واضحة الدلالة.

أمّا الثاني : فباحتمال أن يراد بـ « ما لا يملك » ما لا يصح تملّكه كالحرّ ونحوه ، لعدم جواز بيعه كما يأتي ، أو رجوع النفي إلى اللزوم ، فيكون المراد لا لزوم بيع إلاّ فيما يملك. ومع الاحتمالين لا يتمّ الاستدلال في البين.

وأمّا الأوّل : فلاحتماله المنع عن بيع غير المقدور على تسليمه ، كبيع‌

__________________

(١) انظر سنن الترمذي ٢ : ٣٥٠ ، ٣٥١ / ١٢٥٠ ، ١٢٥١ ، ١٢٥٢.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ٢٤٧ / ١٦ ، المستدرك ١٣ : ٢٣٠ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١ ح ٣.

(٣) الخلاف ٣ : ١٦٨.

(٤) حكاه عنهم في المختلف : ٣٤٨ ، وأُنظر المقنعة : ٦٠٦ ، والوسيلة : ٢٤٩.

(٥) النهاية : ٣٨٥.

(٦) في « ح » زيادة : وبعض من تأخّر عنه.

٢٢٥

الطير في الهواء ونحوه ، ولعلّه الظاهر. وليس المقام منه ؛ لإمكان القدرة على تسليمه بإجازة صاحبه ، مع احتماله كالثاني ما قدّمناه عن الفاضلين (١) ، مع معارضته بكثير من النصوص المعتبرة المجوّزة لبيع ما ليس عنده ، المعربة عن كون المنع عنه مذهب العامّة.

ففي الصحيح : عمّ باع ما ليس عنده : « قال : لا بأس » قلت : إنّ من عندنا يفسده ، قال : « ولم؟ » قلت : باع ما ليس عنده ، قال : « ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده » (٢) الخبر.

نعم في الصحيح : في امرأة باعت أرضاً ليست لها ، أتعطى المال أم تمنع؟ قال : « ليمنعها أشدّ المنع ، فإنّها باعت ما لا تملكه » (٣) ونحوه آخر يأتي (٤).

ولهما ظهور في حرمة التصرّف فضولاً ، إلاّ أنّه لعلّها لكون البيع لأنفسهما من غير أن يقصدا مالكها ، ولا كلام فيها حينئذٍ كما مضى ، وصرّح بها جماعة من أصحابنا (٥).

ونحوه الجواب عن المعتبرة المستفيضة الناهية عن شراء الخيانة والسرقة (٦) ، لظهور سياقها في ذلك.

نعم إنّما يكون لها دلالة لو منعت عن الصحة بعد الإجازة من‌

__________________

(١) راجع ص : ٣٧٦٥.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٠ / ٤ ، الوسائل ١٨ : ٤٧ أبواب أحكام العقود ب ٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٣ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٨١ / ٧٩٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١ ح ٢.

(٤) في ص : ٣٧٧٣.

(٥) راجع ص : ٣٧٦٥.

(٦) انظر الوسائل ١٧ : ٣٣٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١.

٢٢٦

المالك ، وليس فيها إليه إشارة فضلاً عن دلالة ، بل ظاهرها عدمها ، لعدم خبرة صاحبها بها ، وعدم إعلام المشتري له بذلك قطعاً.

مع أنّ غاية شمول النهي فيها للمسألة إثبات الحرمة ، وهي غير ملازم لعدم الصحة ، لعدم اقتضائه إيّاه في المعاملة ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، ودعوى كون البيع بمجرّده تصرّفاً ممنوعة مع كون المال عند صاحبه مثلاً.

وبالجملة : لا ريب في ضعف هذه الأدلّة سيّما في مقابلة تلك ، فإذاً المصير إلى الأوّل أقوى ، وإن كان الثاني في الجملة أحوط وأولى.

ثم على المختار هل الإجازة كاشفة عن صحّة العقد من حين وقوعه ، أم ناقلة له من حينها؟ قولان ، الأظهر الأوّل ، وفاقاً للأشهر ؛ عملاً بمقتضى الإجازة ، إذ ليس معناها إلاّ الرضا بمضمون العقد ، وليس إلاّ إنشاء نقل العوضين من حينه.

ووجه الثاني : توقّف التأثير عليه فكان كجزء السبب.

وفيه نظر يظهر وجهه مما مرّ.

وتظهر الفائدة في النماء المتخلّل بين العقد والإجازة الحاصلة من المبيع ، فهو للمشتري على الأوّل ، كما أنّ نماء الثمن المعيّن للبائع ، وللمالك المجيز على الثاني.

ولو لم يجز المالك رجع في عين ماله ونمائه مطلقاً ، وعوض منافعها المستوفاة وغيرها وقيمة التالف من ذلك أو مثله على المشتري ؛ للمعتبر بوجود صفوان المجمع على تصحيح رواياته في سنده فلا يضرّ جهالة راوية وإرساله ، وفيه : عن رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاداً ، ثمّ أتاه مَن يزعم أنّها له وأقام على ذلك‌

٢٢٧

البينة ، قال : « يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها » (١).

ثمّ يرجع بذلك كلّه على البائع إذا لم يحصل له نفع في مقابله ؛ لنفي الضرر ، وللموثق في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي‌ء مستحق الجارية ، فقال : « يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أُخذت منه » (٢).

ومع حصول النفع فيه إشكال.

كلّ ذا إذا لم يكن عالماً أنّه لغير البائع أو ادّعى البائع الإذن ، وإلاّ لم يرجع بما اغترم ، لأنّه غاصب.

ولا ينافيه إطلاق الخبرين المتقدّمين ؛ فإنّ ظاهرهما بحكم التبادر للغلبة الجاهل.

وهل يرجع بالثمن؟ المشهور لا مطلقاً ؛ لأنّه دفعه إليه وسلّطه عليه مع علمه بعدم استحقاقه له ، فيكون بمنزلة الإباحة.

وقيّده الشهيد الثاني بما إذا تلف ، أمّا مع بقائه فله الرجوع ؛ لأنّه ماله وهو متسلّط عليه بمقتضى النص (٣) ، ولم يحصل منه ما يوجب النقل عن ملكه ؛ لأنّه إنّما دفعه عوضاً عن شي‌ء لا يسلم له لا مجّاناً. قال : بل يحتمل‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٣ / ٣٥٧ ، الإستبصار ٣ : ٨٥ / ٢٨٩ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٤ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٨٢ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٣ : ٨٤ / ٢٨٧ ، الوسائل ٢١ : ٢٠٥ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٨٨ ح ٥.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ / ٩٩ ، ٤٥٧ / ١٩٨ ، وج ٢ : ١٣٨ / ٣٨٣.

٢٢٨

الرجوع مطلقاً وفاقاً للمحقق في بعض فتاواه ؛ لتحريم تصرّف البائع فيه ؛ لأنّه أكل مالٍ بالباطل ، فيكون مضموناً عليه ، ولو لا « ادّعاء العلاّمة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف لكان في غاية القوة (١).

وهو حسن ، فتأمّل.

( ولو باع ما لا يملكه مالك ) في العرف والعادة ( كالحرّ وفضلات الإنسان ) من شعره ووسخه ( والخنافس ) والبقّ والبرغوث والقمل ( والديدان ) المتعارفة ( لم ينعقد ) إجماعاً ؛ لكونه سفهاً ولو لوحظ بعض المنافع الموظّفة له في مواضعها ؛ لندرتها الموجبة لإلحاقها بالعدم.

ونحو ذلك ما لو باع نحو حبّة حنطة أو شعير أو غيرهما ممّا لا يعدّ إيقاع العقد عليه بيعاً ، بل يعدّ معاملته سفاهة ؛ لعدم صدق المال على مثله عرفاً وإن كان مثله من الحقوق التي لا يجوز لأحد التصرف فيها إلاّ بإذن صاحبه كحق السبق ونحوه ممّا هو حق ولا يسمّى ملكاً ؛ فإنّ معاملة مثل ذلك كلّه سفه ولو فرض نفع نادر له ؛ لأنّه كالعدم كما تقدّم.

( ولو باع ما يملك وما لم يملك كعبده وعبد غيره ) صفقة و ( في عقد واحد صحّ ) (٢) البيع ولزم ( في عبده ) خاصّة ( ووقف ) في ( الآخر على الإجازة ) على المختار في الثاني ، ولا خلاف في الأوّل ، بل ظاهرهم الإجماع عليه ، وصرّح به في الغنية (٣) ؛ للصحيح : في رجل باع قطاع أرضين .. وعرّف حدود القرية الأربعة .. وإنّما له في هذه القرية‌

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ١٧٢.

(٢) في المطبوع : ولو جمع بين ما يملك وما لا يملك في عقد واحد كعبده وعبد غيره صحّ.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٥.

٢٢٩

قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك وإنّما له بعض هذه القرية وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقّع عليه‌السلام : « لا يجوز بيع ما لا يملك ، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك » (١).

مضافاً إلى أنّ البائع مأمور بالوفاء بالعقد في ماله ، وعدم إجازة المالك بعد ذلك لا يرفع الأمر المستقرّ في ذمّته قبل ظهوره ، فاحتمال بعض من تأخّر البطلان رأساً (٢) ، ليس في محلّه.

وأمّا توهّم إيجاب تبعّض الصفقة الخيار له ، فمع أنّه لا يوجب البطلان ليس في محلّه ؛ لإقدامه على ضرره ، نعم إن جهل أمكن ثبوت الخيار له.

ثم إنّه إن أجاز صحّ البيع ولا خيار ، وإن ردّ تخيّر المشتري مع جهله بكون بعض المبيع غير مملوك للبائع بين الفسخ وإمضائه ؛ لتبعيض الصفقة ، أو الشركة الموجبين للضرر ، المنفي آية ورواية.

وليس في النصّ ما يخالفه كما توهّم (٣) وإن تضمّن لفظ الوجوب ؛ لإضافته إلى البائع ، ولا كلام فيه كما مرّ ، ولكنّه غير الوجوب من المشتري ، فقد يجامع ثبوت الخيار له الوجوب من البائع ، كما في كثير من المواضع.

فإن فسخ رجع كلّ مال إلى مالكه ، وإن رضي صحّ البيع في المملوك للبائع بحصّته من الثمن. ويعلم مقدارها بتقويمهما جميعاً ثم تقويم أحدهما منفرداً ثم نسبه قيمته إلى قيمة المجموع ، فيخصّه من الثمن مثل‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٢ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٥٣ / ٦٧٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٠ / ٦٦٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٣٩ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢ ح ١.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ١٦٢.

(٣) انظر الحدائق ١٨ : ٤٠٠.

٢٣٠

تلك النسبة.

فإذا قُوّما جميعاً بعشرين وأحدهما بعشرة صحّ في المملوك بنصف الثمن كائناً ما كان زائداً أم ناقصاً ، لو كان الثمن في المثال ستّة أُخذ لأحدهما منها نصفها ثلاثة ، هذا في جهة النقيصة ، ويعلم المثال في جهة الزيادة بزيادة الثمن على العشرين ولو بواحدة ، وإنّما أُخذ بنسبة القيمة ولم يخصّه من الثمن قدر ما قُوّم ، لاحتمال زيادتها عنه ونقصانها ، فربما جمع في بعض الصور بين الثمن والمثمن على ذلك التقدير ، كما لو كان قد اشترى المجموع في المثال بعشرة.

ثم إنّه إنّما يعتبر قيمتهما مجتمعين إذا لم يكن لاجتماعهما مدخل في زيادة قيمة كلّ واحد كفرض العبارة. أمّا لو استلزم ذلك كمصراعي باب لم يقوّما مجتمعين ؛ إذ لا يستحق مالك كلّ واحد ماله إلاّ منفرداً ، وحينئذٍ فيقوَّم كلّ منهما منفرداً وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، دون أن ينسب إلى قيمتهما مجتمعين. فلو كان قيمتهما كذلك اثني عشر ومنفردين تسعة والثمن ستّة وقيمة أحدهما ثلاثة يؤخذ لكلّ منهما من الثمن بقدر نسبة قيمتهما إلى التسعة وهو الثلث اثنان ، ولا يؤخذ بقدر نسبة قيمتهما إلى الاثني عشر وهو الربع واحد ونصف ، كذا قيل (١).

وربما يستشكل مع جهل المشتري بالحال وبذله الثمن في مقابلة المجموع من حيث المجموع ، فالأخذ بالنسبة إلى المجموع قيمتهما منفردين ظلم على المشتري وحيف عليه (٢).

__________________

(١) الروضة ٣ : ٢٣٩ ، المسالك ١ : ١٧٢ ، الحدائق ١٨ : ٤٠٢.

(٢) انظر الروضة ٣ : ٢٤٠ ، المسالك ١ : ١٧٣.

٢٣١

وهو حسن ، إلاّ أنّه منقوض بالظلم على البائع لو أُخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين ، مع عدم تقصيرة وإتلافه شيئاً على المشتري ، وإنّما أراد له شيئاً لم يسلم له ، فإلحاقه بالغاصب حينئذٍ في ضمان الصفقة ليس في محلّه مع براءة ذمّته عنه ، والمسألة لا تخلو عن ريبة وإن كان الأوّل لا يخلو عن قوة.

( أما لو باع العبد والحر ، أو الشاة والخنزير ) أو الخلّ والخمر ( صحّ ) البيع ( فيما يملك ) وثبت للمشتري الخيار مع الجهل ؛ لما مرّ ( بطل في الآخر ) لعدم جواز تملّكه والنهي عن بيعه كما مرّ. بل ربّما احتمل البطلان مع العلم في الأوّل لوجه آخر ، وهو إفضاؤه إلى الجهل بثمن المبيع حال البيع ، لأنّه في قوّة أن يقول : بعتك العبد بما يخصّه من الألف إذا وزّعت عليه وعلى شي‌ء آخر لا يعلم مقداره الآن.

( و ) على تقدير الصحة ( يقوّمان ) جميعاً ( ثم يقوّم أحدهما ) منفرداً ، ثم ينسب قيمته إلى قيمة المجموع ( ويسقط من الثمن ) بقدر ( ما قابل الفاسد ) بتلك النسبة ، كما مرّ في المسألة السابقة.

وطريق التقويم في المملوك ظاهر.

وفي الحرّ : بأن يقوّم لو كان عبداً على ما هو عليه من الأوصاف والكيفيات.

والخمر والخنزير : بأن يقوّما بقيمتهما عند مستحلّيهما ، إمّا بإخبار جماعة منهم كثيرة يؤمن اجتماعهم على الكذب ، ويحصل بقولهم العلم أو الظنّ المتاخم له ، أو بإخبار عدلين من المسلمين يطّلعان على حاله عندهم ، لا منهم مطلقاً ، لاشتراط عدالة المقوّم كما قالوه.

الثاني : يشترط فيهما المعلوميّة كلاًّ أو بعضاً على ما يأتي ،

٢٣٢

فلا يصحّ بيع المجهول والمبهم ؛ حذراً من الغرر المنهي عنه إجماعاً ، وقطعاً للنزاع.

ولكن المعلومية لكلّ شي‌ء بحسبه في العادة ، فما بيع بـ ( الكيل أو الوزن أو العدّ ) يكون تعيينه بها ، على الأظهر الأشهر بين أصحابنا.

( فلو بيع ما يكال أو يوزن أو يعدّ لا كذلك ) بل جزافاً ( بطل ) لما تقدّم ؛ وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة التي كادت تكون هي مع الأُولى متواترة ، ففي الصحاح : « ما سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة » (١).

وقرينة السؤال في أحدها مع نفي الصلاح الدالّ على الفساد وفهم الأصحاب قرينة على الدلالة.

وفي الخبرين ، أحدهما الصحيح : « لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر » (٢).

ونحوه الثاني (٣) مع قوّة في الدلالة ؛ لتبديل « لا يصلح » بـ « لا يحلّ » مع المنع فيه عن البيع بصاع البيت الذي يكون أصغر من صاع السوق.

وفيهما الدلالة على اعتبار صاع البلد ومكياله المشهور ، كما هو عن الأصحاب منقول ، فلا يجوز البيع بالكيل النادر ، وعليه ينزّل إطلاق ما مرّ حملاً له على الأغلب والمتعارف.

وفي الموثق كالصحيح : عن شراء الطعام أو ما يكال ويوزن ، هل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٩ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٣١ / ٥٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٤٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠ / ١٦٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٦ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٤ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠ / ١٧٠ ، الوسائل ١٧ : ٣٧٧ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٢٦ ح ٢.

٢٣٣

يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فأجاب عليه‌السلام بنفي البأس إذا كاله البائع وأخبر به المشتري (١).

وظاهر البأس في مفهومه بحكم السياق وفهم الأصحاب التحريم.

وفي المرسل كالصحيح على الصحيح : عن رجل يشتري الجصّ فيكيل بعضه ويأخذ البقية بغير كيل؟ فقال : عليه‌السلام : « إمّا أن يأخذ كلّه بتصديقه ، وإمّا أن يكيل كلّه » (٢).

وفي الخبر خطاباً لقوم شكوا إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرعة نفاد طعامهم لأنّهم لا يكيلون : « كيلوا فإنّه أعظم للبركة » (٣).

ويستفاد من سابقيه جواز الاعتماد في الكيل والوزن على إخبار البائع ، ولا خلاف فيه في الظاهر ، والنصوص به معهما مستفيضة ، منها الموثق : يقول الرجل أعطنيه بكيلك ، قال : « إذا ائتمنك فلا بأس » (٤).

ومنها الخبر المعتبر بوجود جملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم في سنده ، فلا يضرّ اشتراك راويه ، مع قرب احتمال كونه الثقة ، وفيه : اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله ، فصدّقناه وأخذناه بكيله ، فقال : « لا بأس » فقلت : يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : « لا ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ٣٧ / ١٥٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٥ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ١٢٥ / ٥٤٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٤ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٧ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٦٣ / ٧٢٢ ، الوسائل ١٧ : ٤٣٩ أبواب آداب التجارة ب ٣٤ ح ١.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٩ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٣٨ / ١٥٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٦.

٢٣٤

أمّا أنت فلا تبعه حتّى تكيله » (١) ونحوهما غيرهما (٢).

ويستفاد من هذه الأخبار تقريراً ، وذيل الأخير كبعض ما مرّ صريحاً اشتراط الكيل في المكيل كما في أكثرها ، والوزن في الموزون كما في بعضها أيضاً. ويلحق بهما الأخير ؛ لعدم القائل بالفرق أصلاً ، مضافاً إلى ثبوته كالمتقدّمين من القاعدة المتقدمة أيضاً ، مع إمكان الاستدلال عليه بمعونة التقرير المستدل لأجله ببعض الأخبار المتقدمة على الأوّل بالصحيح : عن الجوز لا نستطيع أن نعدّه ، فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه ، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد ، فقال : « لا بأس به » (٣).

( و ) يستفاد منه بمعونة عدم القائل بالفرق بين الجوز وغيره من المعدود وغيره ، كما في المسالك وغيره (٤) ، أنّه ( لو تعذّر الوزن أو العدّ ) أو الكيل ( اعتبر مكيال واحد ) أو ميزان كذلك ، وأُخذ بعد ذلك ( بحسابه ) الباقي.

ولا خلاف في الجواز ، وإن اختلفوا في اشتراطه بالتعذّر ، كما في المتن وغيره (٥) ، بل في الروضة التعبير به عن كثير من الأصحاب (٦) ؛ وقوفاً مع ظاهر النص.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧ / ١٥٧ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٤.

(٢) الفقيه ٣ : ١٣١ / ٥٧١ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٦ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ٨.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ / ٦١٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٨ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٧ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ١٧٥ ؛ وأُنظر السرائر ٢ : ٣٢١.

(٥) كالقواعد ١ : ١٢٦.

(٦) الروضة البهية ٣ : ٢٦٦.

٢٣٥

أو التعسّر ، كما قيل (١) ؛ حملاً له عليه ، جمعاً بينه وبين عموم ما يدل على نفيه.

أو عدم الاشتراط مطلقاً ، كما عليه الشهيد الثاني وغيره (٢) ؛ لزوال الغرر ، وحصول العلم ، واغتفار التفاوت هنا كما في غيره ، وعدم المنافاة له في الصحيح ، فإنّ القيد في كلام الراوي ، ولم يظهر من الجواب اعتباره.

مع إطلاق الخبرين في غير المعدود ، وفيهما : عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو وزن يعيّره (٣) ثم يأخذه على نحو ما فيه ، قال : « لا بأس » (٤).

ونحوهما آخر : فيمن اشترى مائة راوية من زيت ، فاعترض راويه أو اثنتين ووزنهما ، ثم أخذ سائره على قدر ذلك ، قال : « لا بأس » (٥).

وفي زوال الغرر وحصول العلم إشكال ، واغتفار التفاوت هنا غير معلوم ، والقياس على غيره حرام ، والاستقراء لو تمسك به لتصحيحه غير معلوم ، ومنافاة الصحيح له لأجل التقرير الذي هو العمدة في إثبات اعتبار العدّ في المعدود به ثابتة.

والأخبار بحسب الأسانيد قاصرة ، مع احتمال قصورها في الدلالة من حيث إنّها مطلقة ، منصرفة إلى الصور المتعارفة التي ليس فيها العدول عن‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٩٨.

(٢) الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٦٦ ؛ وأُنظر الحدائق ١٨ : ٤٧٤.

(٣) أي : يمتحنه ، وفي « ح » والوسائل : بغيره.

(٤) الأول : الكافي ٥ : ١٩٣ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٣ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٤ ح ٤. الثاني : التهذيب ٧ : ١٢٣ / ٥٣٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٤ ذيل الحديث ٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ / ٦٢٥ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ / ٥٣٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٣ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٥ ح ١.

٢٣٦

الثلاثة إلى الاعتبار بالمكيال الواحد ، كما في العبارة ، إلاّ مع التعذّر أو التعسّر.

مضافاً إلى تشويش في متن الأوّلين بحسب النسخة الموجب لخروجهما عن مفروض المسألة.

مع معارضتها بإطلاق النصوص المتقدّمة المعتبرة للكيل أو الوزن ، وسيّما المرسل المتقدّم في الجصّ ، ونحوه الصحيح : في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلاً بكيل معلوم ، ثم إنّ صاحبه قال للمشتري : ابتع منّي هذا العدل الآخر بغير كيل ، فإنّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت ، قال : « لا يصلح إلاّ أن يكيل » (١) الخبر.

وهما كالباقي وإن شملا صورتي التعذّر والتعسّر أيضاً ، إلاّ أنّ مقتضى الجمع بينهما وبين ما مرّ التخصيص بغيرهما ، مضافاً إلى فتوى الأصحاب.

ثم إنّ المحكي عن الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمان الشارع ولو لم يبع الآن كذلك (٢).

وإثباته من النص مشكل ، إلاّ أنّ الأمر فيه هيّن بناءً على عدم معلوميّة مثله في زمانه لنا الآن إلاّ في نحو الطعام والزيت والجصّ ، وأمثالها الآن تباع كذلك ، وإن غُيّر الكيل بالوزن في بعضها وانعكس في آخر.

ولا بأس بالأوّل في المشهور ؛ لأضبطية الوزن من الكيل. ويحتاط في الثاني ، وإن ألحقه بالأوّل جماعة (٣) ؛ للخبر : « لا بأس بالسلف ما يوزن فيما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٩ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٣١ / ٥٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٤٨ ، الوسائل ١٧ : ٣٤٢ أبواب عقد البيع وشروطه ب ٤ ح ٢.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ١٧٧ ، الحدائق ١٨ : ٤٧١.

(٣) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٥٣ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٤٧٤.

٢٣٧

يكال وما يكال فيما يوزن » (١).

وفيه ضعف سنداً وقصور دلالةً ، مضافاً إلى ما في السرائر من نفي الخلاف عن عدم جوازه (٢).

والأحوط المنع مطلقاً ، فتأمّل جدّاً.

( و ) يتفرّع على اشتراط المعلوميّة بأحد الأُمور الثلاثة فيما يباع بها أنّه ( لا تكفي مشاهدة الصُّبرة ) المجهولة في صحّة المعاملة ( ولا المكيال المجهول ) كقصعة حاضرة إن وتراضيا به ، ولا الوزن المجهول ، كالاعتماد على صخرة معيّنة وإن عرفا قدرها تخميناً ، أو كالاه أو وزناه بعد ذلك ، ولا العدّ المجهول ، بأن عوّلا على مل‌ء اليد ، أو آلة يجهل ما يشتمل عليه ثم اعتبر العدّ به.

خلافاً للإسكافي في الصُّبرة (٣). ويدفعه مضافاً إلى ما مرّ دعوى الإجماع على خلافه في المختلف (٤).

( ويجوز ابتياع جزء مشاع ) معلوم ( بالنسبة ) كالنصف والثلث ( من معلوم ) بالكيل أو الوزن أو المساحة مطلقاً ( وإن اختلف أجزاؤه ) قيمة كالجواهر والحيوان ، إجماعاً ؛ للأصل ، وفقد المانع من الغرر وغيره جدّاً ، فيصحّ بيع نصف الصبرة المعلومة المقدار والوصف ونصف الشاة المعلومة بالمشاهدة أو الوصف.

واعلم أنّ أقسام بيع الصبرة عشرة ، ذكر الماتن بعضها منطوقاً وبعضها‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٦٧ / ٧٣٩ ، التهذيب ٧ : ٤٤ / ١٩٢ ، الإستبصار ٣ : ٧٩ / ٢٦٥ ، الوسائل ١٨ : ٢٩٦ أبواب السلف ب ٧ ح ١.

(٢) السرائر ٢ : ٣٢١.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣٨٦.

(٤) المختلف : ٣٨٦.

٢٣٨

مفهوماً.

وجملتها : أنّها إمّا أن تكون معلومة المقدار أو مجهولته ، فإن كانت معلومة صحّ بيعها أجمع ، وبيع جزء منها معلوم مشاع ، وبيع مقدار معيّن علم اشتمالها عليه كقفيز ، وبيعها كلّ قفيز بكذا ، لا بيع كلّ قفيز منها بكذا.

والمجهول يبطل بيعها في الأقسام الخمسة إلاّ في الثالث ، بشرط العلم باشتمالها على المقدار ، كما عن الأكثر (١) ، أو مطلقاً على قول (٢) ، يجبر نقص المبيع فيه إذا تحقّق بالخيار بين الأخذ للموجود منها بحصّته من الثمن وبين الفسخ لتبعّض الصفقة.

ولا خلاف فيما عداه إلاّ ما يحكى عن الطوسي من الحكم بالصحة في القسم الرابع مطلقاً ولو كان الصبرة مجهولة (٣).

وهو مشكل يدفعه عدم تعيّن العوضين في هذه الصورة.

واحتمل العلاّمة في المختلف فيها الصحة في القفيز الواحد لا الجميع ، كما حكاه عن أبي حنيفة (٤).

والمناقشة فيه واضحة ، بل البطلان مطلقاً في غاية القوّة.

وهل ينزّل القدر المعلوم في الصورتين على الإشاعة ، أو يكون المبيع ذلك المقدار في الجملة؟ وجهان ، أجودهما الثاني عند جماعة (٥).

وتظهر الفائدة فيما لو تلف بعضها فعلى الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة ، وعلى الثاني يبقى المبيع ما بقي قدره.

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٦٨ ، وصاحب الحدائق ١٨ : ٤٧٩.

(٢) كما قال به الشيخ في المبسوط ٢ : ١٥٢.

(٣) الخلاف ٣ : ١٦٣.

(٤) المختلف : ٣٨٦.

(٥) منه : الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٦٨ ، والسبزواري في الكفاية : ٩٠.

٢٣٩

وفي الصحيح : رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طُنّ (١) في أنبار بعضه على بعض من أجَمَة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طُنّ ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طُنّ ، فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت ، فأعطاه من ثمنه ألف درهم ، ووكّل المشتري من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طنّ وبقي عشرة آلاف طن ، فقال : « عشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري ، والعشرون التي احترقت من مال البائع » (٢).

وهو ظاهر في الثاني ، إلاّ أنّ في صحة البيع الذي تضمّنه إشكالاً من حيث جهالة عين المبيع فيه ، الموجبة للغرر المنفي ، الموجب لفساد المعاملة ، وصرّح به الأصحاب فيما لو باع شاة غير معلومة من قطيع ، فقالوا : بطل وإن علم عدد ما اشتمل عليه من الشياه وتساوت أثمانها.

( الثالث : لا تباع العين الحاضرة إلاّ مع ) أحد الأُمور المعيِّنة لها (٣) ، الدافعة عن المعاملة بها ما يعدّ في العرف والعادة مجازفة من الكيل أو‌

__________________

(١) الطنّ بالضم ـ : الحُزمة من الحطب والقَصَب. لسان العرب ١٣ : ٢٦٩.

(٢) التهذيب ٧ : ١٢٦ / ٥٤٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٦٥ أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٩ ح ١.

(٣) واعلم أن تعيين المبيع مثلاً المعتبر في صحّة البيع تارة يكون من جهة المقدار وأُخرى من جهة الجنس والنوع والشخص والصفة ونحو ذلك ، والتعيين المقداري مرَّ ذكره. والمراد يقول الماتن هنا : لا تباع العين الحاضرة .. بيان اعتبار التعيين بالمعنى الثاني ، وحينئذٍ فلا وجه لذكر التعيين المقداري هنا ، كما لا يخفى ، إلاّ أن يكون المراد منه بيان أن التعيين الثاني غير معتبر في المبيع الذي لا يعتبر تعيينه به بل بالتعيين المقداري خاصة ، فيكون تنبيهاً على أن التعيين الثاني لا يعتبر في مطلق بيع العين الحاضرة ، بل قد يعتبر تعيينه به ، وأما ما لا يعتبر تعيينه إلاّ بالتعيين المقداري فهو كافٍ ، وهو حسن ، إلاّ أنه فرع وجود مثل هذه العين التي لا تحتاج إلى التعيين الثاني ، ولا أظنّه ، فتدبّر. ( منه رحمه‌الله ).

٢٤٠