رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٨

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-110-9
الصفحات: ٤٨٦

به في الخبر : « لا يتلقى أحدكم تجارة خارجاً عن المصر ، والمسلمون يرزق الله تعالى بعضهم من بعض » (١).

ومنه يستفاد انتفاء الحكم في الشراء أو البيع منه بعد وصوله إلى حدود البلد ؛ لعدم صدق الخروج عن المصر حينئذٍ إلاّ أنّ عموم التعليل فيه ربما يدل على المنع فيه أيضاً.

وعلى القولين يصحّ البيع ؛ لتعلّق النهي بالخارج ، إلاّ أنّ النهي عن أكل ما تلقّى وشرائه في الخبر الأوّل ربّما أشعر بالفساد ، كما عن الإسكافي (٢).

( و ) على الصحة ( يثبت الخيار ) للركب ( إن ثبت الغبن ) الفاحش على الأشهر الأظهر ؛ إذا لا ضرر ولا ضرار في الشرع.

وهل هو على التراخي أم الفور؟ قولان ، والاستصحاب يقتضي المصير إلى الأوّل ، كما عن التحرير وفاقاً للطوسي (٣) ، إلاّ أنّه قيّده بثلاثة أيّام ، كما عن التحرير (٤) أيضاً.

خلافاً للأكثر فالثاني ، اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم البيع على أقلّ ما يندفع به الضرر الموجب لهذا الخيار من أصله.

( والزيادة في السلعة مواطاةً للبائع ) يعني لا يقدم على شي‌ء لا يريده بما فوق ثمنه ترغيباً للمشتري ؛ للمروي عن معاني الأخبار : « قال : لا تناجشوا ولا تدابروا » قال : ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٧ ، الوسائل ١٧ : ٤٤٣ أبواب آداب التجارة ب ٣٦ ح ٥.

(٢) على ما نقله عنه في المختلف : ٣٤٦.

(٣) التحرير ١ : ١٦٠ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ١٦٠.

(٤) التحرير ١ : ١٦٠ ، ١٦٦.

٢٨١

شراء ليسمعه غيره فيزيد بزيادته ، والناجش خائن ، والتدابر الهجران (١).

والأصح التحريم وفاقاً للأكثر ، كما حكي (٢) ، بل نفي عنه في المهذّب الخلاف (٣) ، وعن المنتهى والمحقق الثاني الإجماع عليه (٤) وهو الحجة.

مضافاً إلى أنّه غشّ ( وهو ) المسمى ( النجش ) ولا يبطل به البيع وإن تخيّر المشتري مع الغبن ، لنفي الضرر ، وفاقاً للأكثر في الأول ، بل نفي عنه الخلاف في الخلاف (٥) ، وللفاضل وغيره (٦) في الثاني. خلافاً للإسكافي في الأوّل ، فأبطله إن كان من فعل البائع (٧).

وللخلاف في الثاني ، ففي الخيار على الإطلاق ؛ للأصل ، وانحصار العيب الموجب له فيما كان في المبيع خاصّة (٨) ويضعّفان بما مرّ.

وللقاضي ، فأثبت الخيار مطلقاً ؛ للتدليس (٩) وليس بشي‌ء.

( والاحتكار ) وهو افتعال من الحُكرة بالضم ( وهو حبس ) الطعام ، كما عن الجوهري (١٠) ، أو مطلق ( الأقوات ) يتربّص به الغلاء ؛ للنهي عنه في المستفيضة ، منها الصحيح : « إياك أن تحتكر » (١١).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٨٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٥٩ أبواب آداب التجارة ب ٤٩ ح ٤.

(٢) انظر المسالك ١ : ١٧٧ ، ومفاتيح الشرائع ٣ : ١٩ ، والحدائق ١٨ : ٤٦.

(٣) المهذّب البارع ٢ : ٣٦٦.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠٠٤ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٩.

(٥) الخلاف ٣ : ١٧١.

(٦) الفاضل في التحرير ١ : ١٥٩ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٧٧.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٣٤٦.

(٨) الخلاف ٣ : ١٧١.

(٩) حكاه عنه في المختلف : ٣٤٦.

(١٠) الصحاح ٢ : ٦٣٥.

(١١) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ / ٧٤٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٧ ، الإستبصار ٣ : ١١٥ / ٤١٠ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٨ أبواب آداب التجارة ب ٢٨ ح ٣.

٢٨٢

والمعتبر بوجود فضالة المجمع على تصحيح رواياته في سنده ، فلا يضرّ اشتراك راويه (١) بين الثقة والضعيف ، وعلى تقدير تعيّنه فقد ادّعى الطوسي الإجماع على قبول روايته (٢) ولذا عد : موثّقاً ، وربما قيل بوثاقته (٣) وفيه : « لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ » (٤).

( و ) لذا ( قيل يحرم ) كما عن المقنع والقاضي والحلّي وأحد قولي الحلبي والمنتهى (٥) ، وبه قال في المسالك والروضة (٦).

ولا يخلو عن قوّة ، سيّما بملاحظة عمل الحلّي ، والأخبار الأُخر الصريحة في الحرمة ، منها : « الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون » (٧). ونحوه في لعنة غيره (٨).

ومنها الخبران المروي أحدهما عن المجالس : « أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع » (٩).

__________________

(١) وهو إسماعيل بن أبي زياد.

(٢) عدّة الأُصول ١ : ٣٨٠.

(٣) نقله الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل ٣٠ : ٣١٨ عن المحقق في المسائل العزّية.

(٤) التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠١ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٣ ، الوسائل ٧ : ٤٢٦ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ١٢.

(٥) المقنع : ١٢٥ ، القاضي في المهذّب ١ : ٣٤٦ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٣٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦٠ ، المنتهى ٢ : ١٠٠٦.

(٦) المسالك ١ : ١٧٧ ، الروضة ٣ : ٢٩٨.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ / ٧٥١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٢ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٤ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٤ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ٣.

(٨) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ / ٧٥٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٣ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٥ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٣ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ١.

(٩) المجالس : ٦٨٧ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٥ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ٦.

٢٨٣

وثانيهما عن قرب الإسناد : « إنّ علياً عليه‌السلام كان ينهى عن الحكرة في الأمصار وقال : ليس الحكرة إلاّ في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن » (١).

ونحوهما في المنع خاصّة المروي عن نهج البلاغة عنه عليه‌السلام (٢).

وعن كتاب ورام بن أبي فراس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عليه‌السلام قال : « اطّلعت في النار فرأيت وادياً في جهنّم يغلي ، فقلت : يا مالك لمن هذا؟

قال : لثلاثة : المحتكرين ، والمدمنين للخمر ، والقوّادين » (٣).

مضافاً إلى التأيّد باستلزامه الضرر على المسلمين المنفي ، وبإجبار المحتكر على البيع بالإجماع كما يأتي (٤).

خلافاً للشيخين (٥) ، فيكره ، وتبعهما المصنف والفاضل في قوله الآخر (٦) ؛ للأصل ، وعموم السلطنة على المال ، وقصور الروايات الأخيرة سنداً والأوّلة دلالة. أمّا الصحيح فلاحتمال اختصاص المنع بالمخاطب ، وأمّا تاليه فلعدم معلوميّة استلزام الخطأ التحريم.

مضافاً إلى إشعار بعض الصحاح بالجواز على كراهية ، وفيه : عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به هل يجوز ذلك؟ فقال : « إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس ، وإن كان قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن‌

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٣٥ / ٤٧٢ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٦ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ٧.

(٢) نهج البلاغة ٣ : ١١٠ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٧ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ١٣.

(٣) انظر الوسائل ١٧ : ٤٢٦ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ١١.

(٤) في ص : ٣٨٢.

(٥) المفيد في المقنعة : ٦١٦ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ١٩٥.

(٦) المختلف : ٣٤٥.

٢٨٤

يحتكر ويترك الناس ليس لهم طعام » (١).

ووجه الإشعار واضح إن قلنا بثبوت كون الكراهة حقيقة في المعنى المصطلح في ذلك الزمان ، وكذا إن قلنا بالعدم وكونها فيه منه ومن التحريم أعمّ ، بناءً على وجود القرينة بإرادة الأوّل من حيث العدول عن « لا يجوز » الذي سل عنه الراوي إلى « يكره ». والمسألة محلّ تردّد.

( وإنّما يكون ) الاحتكار الممنوع منه ( في ) خمسة : ( الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن ) على الأشهر ؛ للموثق (٢) ، ونحوه الخبر الذي عن قرب الإسناد مرّ (٣).

خلافاً للصدوق في المقنع والخصال (٤) ، فزاد الزيت ؛ لما رواه في الأخير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الحكرة في ستّة أشياء » وعدّ الخمسة المتقدّمة معه.

ولا يخلو عن قوة ، لا للرواية ، لقصور السند ، بل للموثّق المتقدّم ، فإنّه كالرواية في الفقيه مروي (٥) ، مضافاً إلى مفهوم الصحيح : عن الزيت فقال : « إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٨ ، الإستبصار ٣ : ١١٥ / ٤١١ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٤ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ / ٧٤٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٤ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٦ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٥ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ٤.

(٣) راجع ص : ٢٨٤.

(٤) المقنع : ١٢٥ ، الخصال : ٣٢٩.

(٥) انظر الفقيه ٣ : ١٦٨ / ٧٤٤.

(٦) الكافي ٥ : ١٦٤ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١١٥ / ٤٠٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٨ أبواب آداب التجارة ب ٢٨ ح ٢.

٢٨٥

( وقيل : ) كما عن المبسوط وابن حمزة (١) ، إنّه يكون ( في الملح ) أيضاً ، وقوّاه في المسالك (٢) ، وأفتى به صريحاً في الروضة تبعاً للّمعة والقواعد (٣).

ولعلّه لفحوى الأخبار المتقدّمة ، لأنّ احتياج الناس إليه أشدّ ، مع توقّف أغلب المآكل عليه.

وفيه مناقشة ، مع استلزامه الزيادة على السبعة ، فإنّ الأشياء المحتاج إليها الناس فيها غير منحصرة. ولكن لا بأس به على القول بالكراهة.

( و ) إنّما ( يتحقق الكراهة إذا ) اشتراه و ( استبقاه لزيادة الثمن ) مع فقده في البلد واحتياج الناس إليه ( ولم يوجد بائع ) ولا باذل مطلقاً ( غيره ) فلو لم يشتره بل كان من غلّته لم يكره ، كما عن العلاّمة (٤) ؛ للصحيح : « الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره » (٥). ونحوه الخبر المتقدّم عن المجالس (٦).

لكنّه ضعيف السند ، ومع ذلك الشرط فيه كالأوّل يحتمل الورود مورد الغالب : فالتعميم أجود ، وفاقاً للمسالك (٧) ؛ عملاً بالإطلاق ، والتفاتاً إلى مفهوم التعليل في الصحيح المتقدّم « يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس‌

__________________

(١) قال به في الحدائق ١٨ : ٦٢ ، وهو في المبسوط ٢ : ١٩٥ ، والموسيلة : ٢٦٠.

(٢) المسالك ١ : ١٧٧.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ) ٣ : ٢٩٩ ، القواعد ١ : ١٢٢.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠٠٧.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٤ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ / ٧٤٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٦ ، الإستبصار ٣ : ١١٥ / ٤٠٩ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٧ أبواب آداب التجارة ب ٢٨ ح ١.

(٦) في ص : ٣٨٢١.

(٧) المسالك ١ : ١٧٧.

٢٨٦

لهم طعام ».

ومنه ومن الصحيح هنا يظهر وجه التقييد بالفقد وعدم وجود الباذل.

وأمّا اشتراط استبقائه لزيادة الثمن فواضح إن أُريد نفي الحكرة إن استبقاه للقوت ، ومحل إشكال إن أُريد الظاهر والإطلاق ولو لغير القوت. بل المنع فيه مع عدم احتياجه إليه محتمل ؛ للإطلاقات ، وإشعار التعليل المتقدّم به.

ثم إنّه ليس له حدّ وغاية غير ما قدّمناه من احتياج الناس إليه وعدم باذل لهم ، وحيثما حصل ثبت الحكرة من دون اشتراط زمان آخر ومدّة ، كما في الصحيحين ، وفاقاً للمفيد والفاضلين وجماعة (١) ، بل ادّعي عليه الشهرة (٢).

( وقيل ) كما عن الطوسي والقاضي خاصّة (٣) : ويشترط زيادةً على ما مرّ من الشرائط ( إن يستبقيه في زمان الرخص أربعين يوماً وفي الغلاء ثلاثة ) أيّام ، فلا حكرة قبل الزمانين في الموضعين ؛ لرواية ضعيفة (٤) وعن المقاومة لما مرّ وتقييده قاصرة.

( ويُجبر المحتكر على البيع ) مع الحاجة إجماعاً ، كما في المهذب والتنقيح وكلام جماعة (٥) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الخبرين ، في أحدهما‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٦١٦ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢١ ، العلاّمة في التحرير ١ : ١٦٠ ؛ وانظر التنقيح الرائع ٢ : ٤٢ ، والروضة البهية ٣ : ٢٩٩.

(٢) كما في الحدائق ١٨ : ٦٣.

(٣) نقله عنهما الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ١٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ / ٧٥٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٣ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٥ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٣ أبواب آداب التجارة ب ٢٧ ح ١.

(٥) المهذب البارع ٢ : ٣٧٠ ، والتنقيح ٢ : ٤٢ ؛ وانظر السرائر ٢ : ٢٣٩ ، والحدائق ١٨ : ٤٦.

٢٨٧

أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن تخرج في بطون الأسواق وحيث ينطلق الناس إليها » (١).

( وهل يسعّر ) الحاكم السعر ( عليه ) حينئذٍ؟ ( الأصحّ ) الأشهر ( لا ) مطلقاً ، وفاقاً للطوسي والقاضي والحلّي والشهيد الثاني (٢) ؛ للأصل ، وعموم السلطنة في المال ، وخصوص الخبر : « لو قوّمتَ عليهم ، فغضب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ، فقال : أنا أُقوّم عليهم؟! إنّما السعر إلى الله تعالى ، يرفعه إذا شاء ويضعه إذا شاء » (٣).

خلافاً للمفيد والديلمي (٤) ، فيسعّر عليه بما يراه الحاكم من المصلحة ؛ لانتفاء فائدة الإجبار لا معه ، لجواز الإجحاف في القيمة.

وفيه : منع انحصار الفائدة فيما ذكره ، مع اندفاع الإجحاف بما يأتي.

ولابن حمزة والفاضل واللمعة (٥) ، فالتفصيل بين إجحاف المالك فالثاني ، وعدمه فالأوّل ؛ تحصيلاً لفائدة الإجبار ، ودفعاً لضرر الإجحاف.

وفيهما نظر ، فقد يحصلان بالأمر بالنزول عن المجحف ، وهو وإن كان في معنى التسعير إلاّ أنّه لا يُحصَر في قدر خاصّ.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٦٨ / ٧٤٥ ، التهذيب ٧ : ١٦١ / ٧١٣ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٨ ، الوسائل ١٧ : ٤٠٣ أبواب آداب التجارة ب ٣٠ ح ١. بتفاوت يسير. الخبر الثاني : الكافي ٥ : ١٦٤ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٥ ، الإستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٧ ، الوسائل ١٧ : ٤٢٩ أبواب آداب التجارة ب ٢٩ ح ١.

(٢) الطوسي في المبسوط ٢ : ١٩٥ ، القاضي حكاه عنه في المختلف : ٣٤٦ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٣٩ ، الشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ٢٩٩.

(٣) تقدّم مصدره في الهامش (٦).

(٤) المفيد في المقنعة : ٦١٦ ، الديلمي في المراسم : ١٨٢.

(٥) ابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٠ ، الفاضل في المختلف : ٣٤٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٢٩٩.

٢٨٨

( الفصل الثالث )

( في الخيار )

هو والخبرة بمعنى المشيّة في ترجيح أحد الطرفين الجائزين ، وشرعاً عبارة عن ملك إقرار العقد وإزالته بعد وقوع مدّة معلومة.

( والنظر في أقسامه وأحكامه )

( وأقسامه ) على ما في الكتاب ( سبعة ) وفي بعض العبارات خمسة (١) ، وفي آخر ثمانية (٢) ، وأنهاها في اللمعة أربعة عشر (٣).

( الأوّل : خيار المجلس ) إضافة إلى الموضع مع كونه غير معتبر في ثبوته بالإجماع وإنّما المعتبر عدم التفرّق بالأبدان إمّا تجوّزاً في إطلاق بعض أفراد الحقيقة ، أو حقيقة عرفية.

( وهو ثابت ) بعد العقد ( للمتبايعين ) أي طرفيه مطلقاً ، كان العقد لهما أو لغيرهما أو على التفريق ، على بعض الوجوه في الأخيرين ، بالإجماع القطعي ، والمستفيض الحكاية في كلام جماعة (٤) ؛ لقوله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » (٥) المستفيض النقل في الصحاح وغيرها من‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢١.

(٢) الكفاية : ٩١ ، انظر الحدائق ١٩ : ٣.

(٣) اللمعة ( الروضة البهية ٣ ) : ٤٤٧.

(٤) منهم : الشيخ في الخلاف ٣ : ٨ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٥١٥ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٥.

(٥) الوسائل ١٨ : ٥ أبواب الخيار ب ١ ، عوالي اللئلئ ١ : ١٣٣ / ٢١ ، وانظر مسند أحمد ٢ : ٩ ، ٧٣ وفيه بتفاوت يسير ، وكذا في سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٦ / ٢١٨٢ ، ٢١٨٣.

٢٨٩

المعتبرة الخاصيّة والعاميّة.

وما في شواذّ أخبارنا مما دلّ على اللزوم على الإطلاق بعد الصفقة (١) وإن كان معتبر السند بالموثّقية مطروح ، أو محمول على التقيّة عن رأي أبي حنيفة (٢) ، فإنّه القائل بمضمونه ، والرادّ بقوله هذا لقول سيّد البرية باعترافه وفتواه المنحوسة ، وهو أحد مطاعنه المشهورة.

وبما ذكر من الأدلّة تخصّص عمومات الكتاب والسنة في لزوم المعاملة بإجراء الصيغة بشرائطها المعتبرة ، فلا شبهة في المسألة.

فلهما الخيار ( في كل بيع ) ما ( لم يشترطا فيه ) أي في العقد ( سقوطه ) فلو اشترطاه أو أحدهما سقط بحسب الشرط ، بلا خلاف يعرف ، كما في كلام جماعة (٣) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٤) ؛ وهو الحجة المقيِّدة لإطلاق ما مرّ من المستفيضة ، مع أنّ شمولها لمحلّ الفرض محلّ مناقشة ، بل ظاهرها بحكم التبادر الاختصاص بغيره.

وما ربما يتوهّم من مخالفة هذا الشرط لمقتضى العقد بناءً على اقتضائه ثبوت الخيار على الإطلاق فيفسد مدفوع أولاً : بعدم تسليم الاقتضاء في المقام ، وثانياً : باستلزامه عدم صحة شي‌ء من الشروط في العقود ، لأنّ مقتضاها لزوم الوفاء بها مطلقاً ، فتخصيصها بالشروط مخالَفَة لمقتضاها.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٠ / ٨٧ ، الإستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٢ ، الوسائل ١٨ : ٧ أبواب الخيار ب ١ ح ٧.

(٢) انظر المغني والشرح الكبير ٤ : ٦٩ ، المجموع ٩ : ١٨٤.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٤٤٨ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٣٨٦ ، وصاحب الحدائق ١٩ : ٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٢٩٠

فالتحقيق أنّ ثبوت الخيار مقتضى العقد المطلق لا المشروط بإسقاطه ، فإنّ مقتضاه حينئذٍ السقوط ، فيلزم ؛ لأنّ الشرط على هذا جزء من العقد.

ثم ظاهر العبارة وغيرها اختصاص الشرط المسقط بالمذكور في متن العقد ، فلو اشترط قبله لم يلزم ؛ ولعلّه لإطلاق النصّ المثبت للخيار ، والنصوص المستفيضة الواردة في النكاح ، الدالّة على هدمه الشروط قبله (١) ، الشاملة للمقام عموماً أو فحوًى. ولا يخلو عن قوة إلاّ إذا أوقعا العقد على الشرط المتقدّم ؛ فإنّه حينئذٍ كالجزء.

خلافاً للشيخ ، فأسقط به الخيار على الإطلاق (٢). وهو غير بعيد لولا نصوص النكاح ؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد ، واختصاص النصّ المثبت للخيار بحكم التبادر بغير محلّ الفرض.

ونحو الاشتراط في إسقاط الخيار عند الأصحاب أمران ، أحدهما إسقاطهما أو أحدهما إيّاه بعد العقد بقولهما : أسقطنا الخيار ، أو أوجبنا البيع ، أو اخترناه ، أو ما أدّى ذلك ، إجماعاً ، كما في الغنية وعن التذكرة (٣) ؛ وهو الحجة المقيِّدة لإطلاق ما مرّ من المستفيضة المثبتة للخيار في المسألة.

مضافاً إلى مفهوم بعض المعتبرة الواردة في خيار الحيوان ، وفيه : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة فذلك رضا منه فلا شرط له » (٤).

__________________

(١) انظر الوسائل ٢١ : ٢٧٥ أبواب المهور ب ٢٠.

(٢) كما في الخلاف ٣ : ٢٢.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، التذكرة ١ : ٥١٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٤ / ١٠٢ ، الوسائل ١٨ : ١٣ أبواب الخيار ب ٤ ح ١.

٢٩١

ومنه يظهر الوجه فيما ذكروه من المسقط الثاني ، وهو التصرف. ولا ريب فيه إن تحقّق من كلّ من المتبايعين في مال الآخر ، كما يستفاد من مفهوم الخبر بل منطوقه.

وأمّا السقوط بتصرّف كلّ في ماله كما ذكروه فوجهه بعد لم يظهر ، سوى ما قيل من دلالته على الفسخ (١).

ولا ريب فيه إن تمّت الدلالة ولو بمعونة قرينة ، وإلاّ فهو محلّ مناقشة ؛ لمنع الدلالة مع أعمّية التصرّف من الفسخ وغيره ، فيحتمل السهو والغفلة ، فإن تمّ إجماع على الإطلاق ، وإلاّ فالمسألة محلّ ريبة ، لأصالة بقاء صحّة المعاملة ولزومها والخيار فيها بالضرورة.

وجملة ما ذكر من المسقطات ثلاثة ، ومع عدم شي‌ء منها يثبت الخيار ( ما لم يفترقا ) بأبدانهما ، فلو افترقا أو أحدهما عن صاحبه ولو بخطوة لزم البيع بلا خلاف ، كما يستفاد من المعتبرة ، منها الصحيح قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « بايعت رجلاً ، فلمّا بعته قمت فمشيت خُطىً ، ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا » (٢) ونحوه غيره (٣).

ولولاها لا شكل إثبات اللزوم وسقوط الخيار بالافتراق بنحو من الخطوة بإطلاق مفهوم الأخبار المتقدّمة ؛ لاختصاصها بحكم التبادر بالافتراق المعتدّ به ، الغير الصادق على الافتراق بنحو الخطوة عرفاً وعادةً.

ثم إنّ ظاهر العبارة كالجماعة ونصوص المسألة اعتبار المباشرة وارتفاع الكراهة في الفرقة وعدم اختيار الفسخ ، فلو أُكرها أو أحدهما عليها‌

__________________

(١) الحدائق ١٩ : ١٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ / ٨ ، الوسائل ١٨ : ٨ أبواب الخيار ب ٢ ح ٣.

(٣) الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٧ ، التهذيب ٧ : ٢٠ / ٨٤ ، الإستبصار ٣ : ٧٢ / ٢٣٩ ، الوسائل ١٨ : ٨ أبواب الخيار ب ٢ ح ٢.

٢٩٢

لم يسقط مع منعهما من التخاير ، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال ، ولو لم يمنعا من التخاير لزم العقد.

واعلم أنّه لو التزم بالعقد أحدهما بموجب الالتزام كائناً ما كان من الثلاثة سقط خياره خاصّة ؛ إذ لا ارتباط لحقّ أحدهما بالآخر. ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قدّم الفاسخ وإن كان فسخه عن الإجازة تأخّر ؛ لأنّ إثبات الخيار إنّما قُصِد به التمكّن من الفسخ دون الإجازة ؛ لأنّها ثابتة بالأصالة ، فإنّ العقد اقتضى الوقوع والأصل بقاؤه إلى تحقق الرافع ، فالحاصل في العقد عين ما تضمّنته الإجازة.

ومنه يظهر الوجه في تعميم ذلك في كلّ خيار مشترك.

ولو خيّره فسكت بقي خيار الساكت إجماعاً ؛ إذ لم يحصل منه ما يدلّ على إسقاطه. وكذا الخيِّر على الأصحّ الأشهر ؛ للأصل ، والإطلاق ، وانتفاء المانع ، لأعمّية التخيير من الإسقاط.

خلافاً للشيخ (١) ، فأسقطه ؛ للخبر : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، أو يقل أحدهما لصاحبه : اختر » (٢).

وظاهر الجماعة كونه من طريق العامة فليس فيه حجّة ، سيّما في مقابلة ما مرّ من الأدلّة.

( الثاني : خيار الحيوان ، وهو ثلاثة أيّام ) مطلقاً رقيقاً كان أو غيره ، مبدؤها من حين العقد ( للمشتري خاصّة ) دون البائع ( على الأصح ) الأشهر ، بل في الغنية الإجماع عليه (٣) ، وعليه عامة من تأخّر ، وفاقاً‌

__________________

(١) كما في الخلاف ٣ : ٢١.

(٢) درر اللئلئ ١ : ٣٣٦ ، المستدرك ١٣ : ٢٩٩ أبواب الخيار ب ٢ ح ٣.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٢٩٣

للإسكافي والصدوق والشيخين والديلمي والقاضي والحلي (١) ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل وعمومات الكتاب والسنّة الدالّة على لزوم المعاملة بإجراء الصيغة بشرائطها المعتبرة على المجمع عليه بين الطائفة ، وهو في المشتري خاصّة ، كما حكاه جماعة (٢).

والتفاتاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، وهي ما بين ظاهره في النفي عن البائع وصريحه ، فمن الأوّل الصحاح وغيرها : « الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام للمشتري » (٣) لظهور اللام في الاختصاص ، مع كون مثل هذا المفهوم للقيد.

ألا ترى إلى الصحيح : قلت له : ما الشرط في الحيوان؟ فقال : « ثلاثة أيّام للمشتري » قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » (٤).

فإنّه كالنص في الاختصاص ، وإلاّ لاتّجه للراوي سؤال الفرق بين الشرطين المخصّص كلّ منهما فيه بكلّ من الشقّين ، وأخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض.

ونحو هذه النصوص في الظهور الصحيحان : « البيّعان بالخيار حتى‌

__________________

(١) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٥٠ ، الصدوق في المقنع : ١٢٢ ، المفيد في المقنعة : ٥٩٩ ، الطوسي في المبسوط ٢ : ٧٨ ، الديلمي في المراسم : ١٧٣ ، القاضي في المهذب ١ : ٣٥٣ ، الحلي في السرائر ٢ : ٢٤١.

(٢) منهم : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٤٤ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٤٥٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٤٤.

(٣) الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٠ / ٨٥ ، الإستبصار ٣ : ٧٢ / ٢٤٠ ، الوسائل ١٨ : ١١ أبواب الخيار ب ٣ ح ٥.

٢٩٤

يفترقا ، وصاحب الحيوان ثلاثة أيام » (١) وهما بحسب السياق ظاهران في حصر خيار الحيوان في أحدهما ، وهو مخالف للإجماع إن أُريد به البائع ، لعدم الانحصار فيه ، فتعيّن مَن هو الصاحب الآن أي بعد العقد وهو المشتري ، مضافاً إلى تقييده به في الموثق كالصحيح : « صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام » (٢).

وقريب منها في ذلك كثير من النصوص ، منها الصحيح : على مَن ضمان الحدث في الحيوان؟ قال : « على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري » (٣).

والمرسل كالصحيح : « إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع » (٤) بناءً على أنّ التلف إنّما هو ممّن لا خيار له ، فتأمّل.

ومن الثاني : الصحيح المروي في قرب الإسناد عن رجل اشترى جارية لمن الخيار ، للمشتري أو للبائع أو لهما كليهما؟ فقال : « الخيار لمن اشترى نظره ثلاثة أيام ، فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء » (٥).

خلافاً للمرتضى (٦) خاصّة ، فأثبته للبائع أيضاً ؛ للصحيح : « المتبايعان‌

__________________

(١) الأول ٥ : ١٧٠ / ٥ ، الوسائل ١٨ : ٥ أبواب الخيار ب ١ ح ١. الثاني : ٥ : ١٧٠ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٤ / ١٠٠ ، الوسائل ١٨ : ١١ أبواب الخيار ب ٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٦٧ / ٢٨٧ ، الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٤ / ١٠٣ ، الوسائل ١٨ : ١٤ أبواب الخيار ب ٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٥ ، التهذيب ٧ : ٦٧ / ٢٨٨ ، الوسائل ١٨ : ١٥ أبواب الخيار ب ٥ ح ٥.

(٥) قرب الإسناد : ١٦٧ / ٦١١ ، الوسائل ١٨ : ١٢ أبواب الخيار ب ٣ ح ٩.

(٦) انظر الانتصار : ٢١٠.

٢٩٥

بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا » (١).

وهو لقصوره عدداً واشتهاراً لا يقاوم ما مرّ جدّاً ؛ لصحتها ، واستفاضتها ، ووضوح دلالتها ظهوراً في بعض وصراحةً في آخر ، مع اشتهار العمل بها بين أصحابنا بحيث كاد أن يكون العمل به الآن مجمعاً عليه بيننا ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا (٢).

والعجب منه رضي‌الله‌عنه الركون إلى العمل به مع أنّه من الآحاد الغير المعمول بها عنده ، بل وعندنا أيضاً ؛ لما مضى. فيحتمل ككلامه الحمل على أنّ الخيار للمشتري وعلى البائع ، فهو بالنسبة إليهما مدّة ثلاثة أيّام ، أو على أنّ الخيار للمجموع من حيث المجموع فلا يدلّ على ثبوته في الأفراد ، أو على ما لو باع حيواناً بحيوان.

وهذه الوجوه وإن بَعُدت ، إلاّ أنّها للجمع بين النصوص والفتاوى قد حسنت.

وظاهر الوجه الأخير الموافقة للمرتضى فيما إذا كان كلّ من العوضين حيواناً ، وبه صرّح جماعة (٣) ؛ جمعاً بين النصوص المختلفة ، والتفاتاً إلى اتّحاد وجه الحكمة في ثبوت هذا الخيار للمشتري خاصّة ، وهو خفاء حال الحيوان المحتاج إلى ضرب هذا الخيار.

وفيه إشكال ، فإنّ الجمع على تقدير تكافؤ المتعارضين المفقود في البين لا حجّة فيه بمجرّده إن لم يقم شاهد منهما أو من الخارج على‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣ / ٩٩ ، الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣ ح ٣.

(٢) راجع ص ٢٨٣١.

(٣) منهم : العلاّمة في التذكرة ١ : ٥١٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٧٨ ، والمحقّق الأردبيلي ٨ : ٣٩٥.

٢٩٦

صحّته ، كما فيما نحن فيه.

والحكمة مستنبطة ، فيشكل التعلّق بها وإن حصل الظنّ القويّ غاية القوّة بصحّتها ، لإطلاق المنع عن العمل بها في شريعتنا.

نعم ، إذا كانت منصوصة أو معلومة علماً قطعيّاً لا يختلجه شائبة شكّ وريبة كانت حجة ، وليست في المقام إحداهما بالضرورة.

نعم ، يمكن الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحين المثبتين للخيار ثلاثة أيّام لصاحب الحيوان (١) ، بناءً على أنّ المراد به من انتقل إليه لا صاحبه الأصلي ، فيشمل المقام وعكس الأوّل كما إذا باع الدراهم مثلاً بالحيوان.

وهو غير بعيد ، إلاّ أنّ تقييده بالمشتري في الموثّق المتقدّم (٢) كإطلاق النصوص باختصاص الخيار بالمشتري له يوهن الإطلاق.

والذبّ عنه باحتمال ورود القيد والإطلاق مورد الغالب مشترك الورود ، فإنّ الغالب في صاحب الحيوان هو المشتري له خاصّة ، إلاّ أن عمومه اللغوي من حيث الإضافة مع عدم سبق معهود مع اعتضاده بالحكمة العامة المشار إليها ينافي الحمل على الغالب ، فلا يخلو القول بذلك عن قوّة ، وإن كان بعدُ في قالب الشبهة من حيث إمكان دعوى سبق المعهود الخارجي وهو الغالب ، فلا يفيد الإضافة العموم اللغوي ، مع اختصاصه بإضافة المصدر لا مطلق المضاف.

والحكمة يرد على التمسك بها الإيراد الماضي

وللحلبي وابن زهرة العلوي (٣) في المدّة : فجعلاها في الأمة مدّة‌

__________________

(١) المتقدمين في ص : ٢٩٥.

(٢) في ص : ٢٩٥.

(٣) الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٥٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧.

٢٩٧

استبرائها دون الثلاثة ، مدّعياً الثاني عليه إجماع الطائفة.

وهو مع عدم وضوح مستنده عدا الإجماع المزبور الموهون بمصير الأكثر إلى خلافه يدفعه إطلاق النصوص ، بل عموم بعضها المتضمّن للفظ الكل (١) ، وخصوص الصحيح المتقدّم عن قرب الإسناد (٢) ، وقريب منه الصحيح الآخر : « عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيّام إن كان بها [ خَبل (٣) ] أو برص أو نحو هذه » (٤) الحديث ، ونحوهما الصحيح الآتي : فتدبّر.

وللطوسي (٥) في مبدئها ، فجعله من حين التفرّق ، بناءً على حصول الملك به عنده. وظواهر النصوص بحكم التبادر والسياق في بعض تدفعه.

( ويسقط ) هذا الخيار ( لو شرط ) البائع في العقد ( سقوطه أو أسقطه المشتري بعد العقد ) لما مضى (٦) ( أو تصرف فيه المشتري ) بعده ( سواء كان تصرّفاً ) ناقلاً مطلقاً ( لازماً ) كان ( كالبيع ) ونحوه ( أو غير لازم ، كالوصيّة والهبة قبل القبض ) أو غير ناقل ممّا يسمّى تصرّفاً وحدثاً عرفاً. والأصل في السقوط به وإن خالف الأصل الإجماع في الظاهر ، والمحكي عن التذكرة (٧) ، والصحاح ، منها : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيّام فذلك رضاً منه ولا شرط له » قيل له : وما‌

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٠ أبواب الخيار ب ٣.

(٢) في ص : ٣٨٣٣.

(٣) أثبتناه من الكافي والتهذيب ، وفي النسخ والوسائل : الحبل. والخَبل : فساد الأعضاء والفالج. ( القاموس ٣ : ٣٧٦ ).

(٤) الكافي ٥ : ١٧٢ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ٢٥ / ١٠٥ ، الوسائل ١٨ : ١٢ أبواب الخيار ب ٣ ح ٧.

(٥) كما في النهاية : ٣٨٥.

(٦) راجع ص : ٣٨٢٧.

(٧) التذكرة ١ : ٥١٩.

٢٩٨

الحدث؟ قال : « أن لامس أو نظر منها إلى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء » (١) ونحوه الصحيح المروي عن قرب الإسناد (٢).

ولا إجمال في الحدث بعد وضوح معناه بالرجوع إلى العرف ، وهو عامّ لما مثّل به فيهما من اللمس والنظر وغيرهما ، والظاهر كونهما بعنوان المَثَل لا إرادة الحصر ، لعدم تقييد اللفظ بخصوصيّة المحلّ ، فيشمل الحدثين وغيرهما في الجارية وغيرها.

مع استفادة العموم في كلّ من الأمرين من الصحيح الثالث : في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ له أن يردّها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء الله تعالى » (٣).

وبما ذكرنا اندفع أوهام بعض الأعلام في المقام (٤).

نعم ، الظاهر من الصحيح الأوّل المفرّع على الحكم بسقوط الخيار بالحدث قوله : « فذلك رضاً منه » الذي هو بمكان التعليل للحكم المفرّع عليه كون المناط في السقوط بالحدث حصول الرضا بسببه بلزوم العقد ، فلو علم انتفاءه وأنّ قصده بالحدث في المبيع اختياره أو غيره بقي خياره.

ولعلّه إلى هذا نظر بعض المحققين في تقييد التصرّف المسقط بما إذا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٤ / ١٠٢ ، الوسائل ١٨ : ١٣ أبواب الخيار ب ٤ ح ١.

(٢) قرب الإسناد : ١٦٨ / ٦١١ ، الوسائل ١٨ : ١٣ أبواب الخيار ب ٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٧٥ / ٣٢٠ ، الوسائل ١٨ ك‍ ١٣ أبواب الخيار ب ٤ ح ٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٣٩٧ ، ٣٩٨.

٢٩٩

لم يكن للاختبار ونحوه (١).

ويؤيّده الأصل والإطلاقات ، وبعض النصوص ، كالخبرين (٢) ، أحدهما الصحيح : عن رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثم ردّها؟ قال : « إن كان تلك الثلاثة أيّام شرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء » فتأمّل.

( الثالث : خيار الشرط ) الثابت به ( وهو بحسب ما يشترط ) لأحدهما ، أو لكلّ منهما ، أو لأجنبيٍّ عنهما ، أو عن أحدهما ، أو له مع أحدهما عنه وعن الآخر ، أو له معهما ، بلا خلاف كما في كلام جماعة (٣) ، بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية وعن التذكرة (٤) ؛ وهو الحجة بعد عموم الأدلّة بلزوم الوفاء بالعقود بسيطة كان أو مركّبة ، وكذا الشروط ، واشتراط الأجنبي تحكيم لا توكيل عمن جعل عنه ، فلا خيار له معه.

وكما يجوز اشتراط الخيار له كذا يجوز اشتراط مؤامرته والرجوع إلى أمره ، ويلزم العقد من جهة المتبايعين في المقامين ويتوقّف على خياره في الأوّل ، وأمره في الثاني. فإن أمَر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخ ، ولا يتعيّن عليه ؛ لأنّ الشرط مجرّد استئماره لا التزام قوله. وليس كذلك لو أمرّ بالالتزام ، فإنّه ليس له الفسخ حينئذٍ وإن كان الفسخ أصلح ؛ عملاً‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٢٩١.

(٢) الأول : الكافي ٥ : ١٧٤ سطر ١ ، الوسائل ١٨ : ٢٦ أبواب الخيار ب ١٣ ذيل الحديث ١. الثاني : الكافي ٥ : ١٧٣ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٥ / ١٠٧ ، الوسائل ١٧ : ٢٦ أبواب الخيار ب ١٣ ح ١.

(٣) منهم : السبزواري في الكفاية : ٩١ ، والبحراني في الحدائق ١٩ : ٣٨.

(٤) الخلاف ٣ : ٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٧ ، التذكرة ١ : ٥٢١.

٣٠٠