رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

وهو ظاهر في أن وجوب إعادة السعي إنما هو مع الحضور وبقاء الوقت ، وأما مع فوات وقته فليس عليه إلاّ الدم ، دون إعادة السعي ، وإلاّ لأمر بهما ، وعليه ففي الرواية دلالة على عدم وجوب الإعادة عكس ما عليه الجماعة ولذا أن الأكثر لم يذكروا قضاء السعي ، كما عن شيخنا الشهيد الثاني (١).

هذا ، والمسألة محل نظر (٢). ولا ريب أن الاحتياط يقتضي إعادة السعي. وإنما يحصل التحلّل مما يتوقف على الطواف والسعي بالإتيان بهما ولا يحصل بدون فعلهما.

ولو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة ، فهل يكتفي بذلك ، أو يتعيّن عليه الإحرام ، ثم يقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟ وجهان.

ولعلّ الأوّل أرجح ؛ تمسكاً بمقتضى الأصل ، والتفاتاً إلى أن من نسي الطواف يصدق عليه أنه محرم في الجملة ، والإحرام لا يقع إلاّ من مُحلّ.

ثم إنّ ما مرّ إنما هو حكم من ترك الطواف عالماً عامداً ، أو ناسياً.

وأما لو تركه جاهلاً فلم يذكر حكمه الماتن هنا صريحاً ، وإنما أشار‌

__________________

(١) حكاه عن حواشي الشهيد الأوّل في جامع المقاصد ٣ : ٢٠٣.

(٢) ينشأ ممّا مرّ ، ومن أن الصحيح بإعادة العي عام بترك الاستفصال ، فيشمل صورة الفوات وعدم بقاء الوقت ، وتقييده أو تخصيصه بصورة [ عدم ] الفوات خاصة لا وجه له بعد ذلك والرواية الأخيرة بعد الإغماض عن سندها غير واضحة الدلالة على عدم وجوب الإعادة مع الفوات ، إذ غايتها السكوت عن الأمر به وإيجاب الدم ، أما إيجاب الدم فلا ينافي وجوبها ويحتمل كونه عقوبة لتقصيره في نسيانه ، والسكوت عن الأمر بها قد يكون وجهه الاكتفاء في الإرشاد إلى وجوبها بإطلاق الأمر في صدرها والتشبيه بالوضوء في ذيلها ، ولا ريب ان الترتيب في الوضوء لا يختص بحال الاختيار دون الاضطرار فتأمّل ( منه رحمه‌الله ).

٨١

إليه بقوله : ( وفي رواية ) بل روايات ( إن كان على وجه جهالة أعاد ) أي الحج ( وعليه بدنة ) ففي الصحيح : عن رجل جهل

أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : « إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة » (١).

والخبر : عن رجل جهل كما في نسخة ، أو سها كما في اخرى أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله ، قال : « إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة » (٢).

وفي نسبة الحكم إلى الرواية إشعار بتردّده فيه. ولا وجه له قطعاً إن تعلّق بوجوب إعادة الحج ؛ لموافقته الأصل المتقدم في العامد ، مضافاً إلى صحة سند الرواية واعتضادها بغيرها ، مع سلامتها عن المعارض.

فتعيّن تعلّقه بما فيها من إيجاب البدنة. ولا وجه له فيه أيضاً إلاّ ما في التنقيح ، من أصالة عدم الوجوب أوّلاً ، ومن هجران الروايتين ثانياً لعدم القائل بهما ، ومن ضعفهما ثالثاً (٣).

وفي هذه الأوجه الثلاثة ما ترى ؛ لوجوب الخروج عن الأصل بالدليل ، وهو الصحيح وتاليه. ودعوى ضعفهما معاً سنداً فاسدة جزماً ؛ لما بيّن في الرجال مستقصًى. وكذا دعوى شذوذهما وعدم قائل بهما ، فإنها غريبة جدّاً ؛ فقد حكي القول بمضمونهما عن الشيخ والأكثر (٤) ، وبه أفتى‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٤ أبواب الطواف ب ٥٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٦ / ١٢٤٠ ، التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٤ أبواب الطواف ب ٥٦ ح ٢.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٥٠٨.

(٤) حكاه عنهم صاحب المدارك ٨ : ١٧٤.

٨٢

صريحاً جمع ممن تأخر (١) ، وهو أظهر. قالوا : وهذه البدنة عقوبة محضة ، لا جبران ؛ لأن النسك باطل من أصله ، فلا يتعلق به الجبران.

( الثاني : من شك في عدده ) أي عدد أشواط الطواف ( بعد الانصراف فلا إعادة ) كسائر العبادات ، بلا خلاف ؛ لاشتراك العلّة أعني الحرج المنفي في الشريعة ، وقوله عليه‌السلام : « كلّ ما شككت فيه ممّا مضى فامضه » (٢).

وللصحاح فيمن طاف طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة (٣) ، قال : « فليعد طوافه » قال : ففاته ، قال : « لا أرى عليه شيئاً » وفي بعضها : « الإعادة أحب إليّ وأفضل ». والتقريب فيها عدم إمكان حملهما على الشك في الأثناء ؛ لوجوب التدارك فيه إما بالاستئناف أو إتيان شوط آخر على ما سيأتي من الخلاف ، ولا قائل بعدم وجوب شي‌ء مطلقاً ولو مع الفوات ، إذ هو إما عن عمد أو جهل أو نسيان ولكلٍّ موجَب مضى تفصيله ، إذ هو كترك الطواف كلا أو بعضاً فتأتي فيه الأحوال الثلاث مع ما يترتب عليها من الأحكام ، وليس منها أنه لا شي‌ء عليه أصلاً ، فالحكم به صريحاً في الروايات بعد مراعاة الإجماع أوضح دليل على إرادة صورة الشك بعد الانصراف.

ولا ينافيها الحكم بالاستئناف بناءً على عدم ظهور قائل به أيضاً مطلقاً ، وذلك لظهورها في استحبابه ، ولا يشترط فيه ظهور قائل به.

__________________

(١) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٢٠١ ، وصاحب المدارك ٨ : ١٧٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٦٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ٣٥٩ أبواب الطواف ب ٣٣.

٨٣

والظاهر أن العبرة في الانصراف بالنية ، فإذا اعتقد أنه أتمّ الطواف فهو منصرف عنه وإن كان في المطاف ولم يفعل المنافي ، خصوصاً إذا تجاوز الحجر ؛ أما قبل اعتقاد الإتمام فهو غير منصرف ، كان عند الحجر أو بعده ، أو خارجاً عن المطاف ، أو فعل المنافي.

( ولو كان ) الشك المزبور ( في أثنائه وكان بين السبعة ) أشواط ( وما زاد ) فقط ، كما إن شك فيها أنه سبعة أو ثمانية ( قطع ) شوطه وصحّ ( ولا إعادة ) عليه بلا خلاف ؛ للأصلين : عدم الزيادة والبراءة من الإعادة ؛ وعموم نحو الصحيح الشامل لما سبق وما نحن فيه : عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أم ثمانية ، فقال عليه‌السلام : « أما السبعة فقد استيقن ، وإنما وقع وهمه على الثامن فليصلّ ركعتين » (١).

ثم إنه إنما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على منتهى الشوط. أما لو كان في الأثناء بطل طوافه ؛ لتردّده بين محذورين : الإكمال المحتمل للزيادة عمداً ، والقطع المحتمل للنقيصة ، صرّح بذلك شيخنا في المسالك والروضة (٢) ، وتبعه جماعة (٣) ، وسبقهم في ذلك ابن زهرة في الغنية (٤).

( ولو كان ) الشك في الأثناء ( في النقيصة ) كأن شك فيما طافه أنه سبعة أو ستّة مثلاً ( أعاد ) الطواف وجوباً ( في الفريضة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع في الغنية ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة منها : ـ زيادةً على ما يأتي ـ الصحيح‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٤ / ٣٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٨ أبواب الطواف ب ٣٥ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ١٢٣ ، الروضة ٢ : ٢٥٢.

(٣) كصاحب الحدائق ١٦ : ٢٣١.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩.

٨٤

المروي في الكافي : عن رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة ، قال : « يستقبل » (١).

ونحوه الخبر المروي في التهذيب بسند فيه اشتراك (٢) ، وربما وصف أيضاً بالصّحة.

والخبر المروي في التهذيب في أواخر باب الزيادات من فقه الحج ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن صفوان ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ثلاثة نفر دخلوا في الطواف فقال كلّ منهم لصاحبه : تحفّظ الطواف ، فلمّا ظنّوا أنهم فرغوا قال واحد : معي سبعة أشواط ، وقال الآخر : معي ستة أشواط ، وقال الثالث : معي خمسة أشواط ، قال : « إن شكّوا كلّهم فلستأنفوا ، وإن لم يشكّوا واستيقن كلّ واحد منهم على ما في يده فليبنوا » (٣) وعُدّ هذا الحديث حسناً (٤).

والخبر : رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية ، قال : « يعيد طوافه حتى يحفظ » (٥) وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل.

وقال المفيد : من طاف بالبيت فلم يدر أستّاً طاف أم سبعاً ، فليطف طوافاً آخر ليستيقن أنه طاف سبعاً (٦).

وفهم منه الفاضل البناء على الأقل على أن مراده بطواف آخر شوط‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٦ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٦١ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٩.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٠ / ٣٥٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٩ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٩ / ١٦٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٤١٩ أبواب الطواف ب ٦٦ ح ٢.

(٤) كما في الذخيرة : ٦٤٠.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١١٤ / ٣٧١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٢ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١١.

(٦) المقنعة : ٤٤٠.

٨٥

آخر ، وتبعه من المتأخرين جماعة (١) وعزوه إلى واد الصدوق والإسكافي والحلبي.

واستدَلّ له بأصل البراءة وعدم الزيادة وبالصحيح : إني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة ، فطفت طوافاً آخر ، فقال : « هلاّ استأنفت؟ » قال : قلت : قد طفت وذهبت ، قال : « ليس عليك شي‌ء » (٢) فلو كان الشك موجباً للإعادة لأوجبها عليه.

وأجاب عن الأولين بالأخبار والاحتياط وعن الصحيح باحتماله النافلة ، وكون الشك بعد الانصراف ، واحتمال قوله : « قد طفت » الإعادة ، أي فعلت الأمرين : الإكمال والإعادة (٣).

وزاد غيره الاستدلال بما مرّ من الصحاح في حكم الشك بعد الفراغ.

وهي محمولة على موضوع تلك المسألة كما عرفته ، فلا دخل له بالمسألة.

وبالصحيح : في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة ، قال : « يبني على يقينه » (٤).

وهو ليس بصريح ؛ لاحتماله النفل ، وكون الشك بعد الانصراف ، والبناء على اليقين بمعنى أنه حين انصرف أقرب القين ممّا بعده ، فلا يلتفت إلى الشك بعده ؛ وإرادةِ الإعادة أي يأتي بطواف يتيقن عدده.

( وبنى على الأقلّ في النافلة ) بلا خلاف ؛ للمستفيضة‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٧٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٤٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١١ / ٣٥٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٩ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٣.

(٣) انظر المختلف : ٢٨٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٥.

٨٦

منها الموثق : فيمن طاف فأوهم فقال : طفت أربعة أو طفت ثلاثة : « إن كان طواف فريضة فليُلقِ ما في يديه وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة وهو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له » (١).

والخبر : عن رجل شك في طوافه فلم يدر ستة طاف أم سبعة ، فقال : « إن كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه ، وإن كان نافلة بنى على ما هو أقلّ » (٢) ونحوه اخرى (٣).

وفي التذكرة والمنتهى والتحرير وغيرها (٤) : جواز بنائه على الأكثر إذا لم يستلزم الزيادة على سبعة ؛ للمرسل في الفقيه والمقنع : عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة ، قال : « طواف فريضة أو نافلة؟ » قيل : أجبني فيهما جميعاً ، فقال عليه‌السلام : « إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت ، وإن كان طواف فريضة فأعد » (٥).

وفي التذكرة والمنتهى : إنه من تتمة بعض الصحاح المروي في الفقيه فيكون صحيحاً ، ولكنه غير معلوم ، كما نبّه عليه جمع (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١١١ / ٣٦٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٠ / ٣٥٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١١٣ / ٣٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢١٩ / ٧٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٢ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١٢.

(٤) التذكرة ١ : ٣٦٥ ، المنتهى ٢ : ٦٩٩ ، التحرير ١ : ٩٩ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٢٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٦ ، المقنع : ٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٦.

(٦) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٦٤٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٧.

٨٧

( ولو ) زاد على السبع ناسياً ( تجاوز الحجر ) ودخل ( في ) الشوط ( الثامن وذكر قبل بلوغ الركن ) أنه زاد ( قطع ) الشوط ( ولم يعد ) الطواف.

هذه المسألة كالمقيّدة لقوله فيما سبق : ومن زاد على السبعة سهواً أكمل أُسبوعين. فإنّ الزيادة عليها تتحقق ولو بخطوة ، مع عدم ثبوت ذلك الحكم على الأظهر كما مرّ.

( الثالث : لو ) طاف و ( ذكر أنه لم يتطهر أعاد ) ه‍ وجوباً إن كان ( طواف الفريضة ، و ) كذا يعيد ( صلاته ، ولا يعيد ) إن كان ( طواف النافلة و ) لكن ( يعيد صلاته استحباباً ) كلّ ذلك للنصوص المتقدم إليها الإشارة في بحث اشتراط الطواف ، ومنها الصحيح : عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر ، قال : « يتوضأ ويعيد طوافه ، فإن كان تطوعاً توضّأ وصلّى ركعتين » (١).

( ولو نسي طواف الزيارة ) أي طواف الحج ( حتى رجع إلى أهله وواقع عاد وأتى به ، ومع التعذّر يستنيب فيه ) كما مرّ (٢) ، وإنما أعاد هنا لبيان حكم الكفارة المشار إليه بقوله : ( وفي ) وجوب ( الكفارة تردّد ) واختلاف بين الأصحاب :

فبين موجبٍ لها ، كالشيخ في النهاية والمبسوط (٣) ، وعن المهذّب والجامع (٤) ؛ للصحاح‌ :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠٢ ، التهذيب ٥ : ١١٦ / ٣٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٣.

(٢) في ص ٣١٧٨.

(٣) النهاية : ٢٤٠ ، المبسوط ١ : ٣٥٩.

(٤) المهذب ١ : ٢٢٣ ، الجامع للشرائع : ١٩٩.

٨٨

منها : ـ زيادةً على ما مرّ في أوّل بحث وجوب الاستنابة مع التعذر ـ عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت ، قال : « يهريق دماً » (١).

ومنها : عن متمتع وقع على أهله ولم يزر ، قال : « ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا بأس عليه » (٢).

ومانعٍ عن وجوبها ، كالحلّي في السرائر (٣) ، وجماعة وعزي إلى الأكثر (٤) ومنهم : الفاضل في التذكرة والمختلف والمنتهى والشهيدان وغيرهم (٥) ، واختاره في الشرائع (٦) وهنا أيضاً لقوله :

( أشبهه أنه لا يجب إلاّ مع المواقعة بعد الذكر ) ولعلّه الأقوى ؛ للأصل ، ورفع النسيان ، مع عدم صراحة تلك الصحاح ، واحتمالها الحمل على المواقعة بعد الذكر ، أو الاستحباب ، جمعاً بينها وبين ما دلّ على عدم الكفارة على المحرم الواطئ ناسياً أو جاهلاً من النص والفتوى :

ففي الصحيح المروي في العلل : في المحرم يأتي أهله ناسياً ، قال : « لا شي‌ء عليه ، إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناسٍ » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ / ١١٠٥ ، الوسائل ١٣ : ١٢٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ / ١١٠٤ ، الوسائل ١٣ : ١٢١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ١.

(٣) السرائر ١ : ٥٧٤.

(٤) المدارك ٨ : ١٨٣.

(٥) التذكرة ١ : ٣٦٤ ، المختلف : ٢٩٢ ، المنتهى ٢ : ٦٩٩ ، الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٤٠٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٣ ؛ وانظر المدارك ٨ : ١٨٣.

(٦) الشرائع ١ : ٢٧٠.

(٧) علل الشرائع : ٤٥٥ / ١٤ ، الوسائل ١٣ : ١٠٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٢ ح ٧.

٨٩

والمرسل المروي في الفقيه : « ان جامعت وأنت محرم » إلى أن قال : « وإن كنت ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً فلا شي‌ء عليك » (١).

والأخبار بنفيها عن الجاهل مستفيضة ، بل متواترة (٢) ، فإن عمّمنا الجهل للنسيان شملت المسألة.

والجمع بين الأخبار بتقييد هذه على ما عدا المسألة كما اتّفق لجماعة (٣) لا وجه له بعد رجحان أخبارنا بالأُصول والشهرة ، مع أن من تلك الصحاح ما يعمّ طواف العمرة ولم يذكره أكثر الجماعة ، بل اقتصروا على طواف الزيارة كما في العبارة ، نعم عن الجامع الإطلاق (٤).

والصحيحة الأخيرة قد جعلها للمختار بعض الأصحاب حجة ، بتعميم البأس المنفي للكفارة ، لا خصوص الثلم والإثم والمؤاخذة ، وجَعْلِه العلم المشترط شرطاً لجميع ما تقدّمه ، ومنه إيجاب الكفارة (٥).

ولكنّه بعيد في الغاية ؛ لظهور كون العلم قيداً لثلم الحج خاصة ، والبأس المنفي هو الإثم والثلم لا الكفارة ، كما صرّح به جماعة.

نعم لا بأس بما ذكره ، دفعاً للصراحة التي هي المناط في تخصيص الأدلّة.

هذا ، ولا ريب أن الإيجاب أحوط وإن كان العدم أظهر.

( ولو نسي طواف النساء ) إلى أن رجع إلى أهله ( استناب ) مطلقاً‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٣ / ٩٦٩ ، الوسائل ١٣ : ١٠٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٢ ح ٥.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ١٠٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٢.

(٣) منهم : الشيخ في التهذيب ٥ : ١٢٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٣ ، وصاحب المدارك ٨ : ١٧٤.

(٤) الجامع للشرائع : ١٩٩.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٤٣.

٩٠

ولو مع القدرة على المباشرة كما في ظاهر إطلاق العبارة ، بل صريح سياقها ، وعليه الأكثر ، وجعله في الدروس أشهر (١) ، بل لا خلاف فيه بين القدماء والمتأخرين يظهر ، إلاّ عن الشيخ في التهذيب والفاضل في المنتهى (٢) ، فاشترطا فيه التعذر ، وقد رجع الأوّل عنه في النهاية (٣) ، وقال الثاني في أكثر كتبه بما في العبارة كالتحرير والإرشاد والتلخيص والتذكرة (٤).

للصحاح المروي أحدها في مستطرفات السرائر : عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : « يرسل فيطاف عنه » (٥).

وزيد في اثنين منها : « فإن مات قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه » (٦).

وإطلاقها بل عمومها بترك الاستفصال يعمّ محل النزاع.

وقريب منها الصحيح : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت » وقال : « يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره » (٧).

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٠٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٥٥ ، المنتهى ٢ : ٧٦٩.

(٣) النهاية : ٢٤٠.

(٤) التحرير ١ : ١٠٠ ، الإرشاد ١ : ٣٢٦ ، التذكرة ١ : ٣٦٦ ، نقله عن التلخيص في كشف اللثام ١ : ٣٤٣.

(٥) مستطرفات السرائر : ٣٥ / ٤٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٩ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ١١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٥٥ / ٨٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٧ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٣.

(٧) الكافي ٤ : ٥١٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٧ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٦.

٩١

والتقريب أن الظاهر أن المراد بقوله : « يأمر من يقضي عنه إن لم يحج » والله يعلم أنه يستنيب إن لم يرد العود بنفسه ، وهو أعم من صوره التعذّر وغيره ، بل لعلّه ظاهر في الثاني ، وإلا لقيل : يأمر من يقضي عنه إن لم يقدر على الحج ، وحينئذٍ فيكون هذا قرينة على أن المراد بقوله في صدره : « لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت » لا تحلّ له حتى يحصل زيارة بنفسه أو بغيره.

وأظهر منه في ذلك ما سيأتي من رواية صحيحة ، بل لعلّها فيه صريحة كما ستعرفه.

ومنه يظهر الجواب عن الصحيح المستدل به للقول الثاني المتضمّن لقوله عليه‌السلام : « لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره » (١) بحمله على ما ذكرنا.

ولا ينافيه ما في ذيله من قوله عليه‌السلام : « فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه » الحديث ؛ إذ غايته نفي الصلاحيّة الذي هو أعم من الكراهة والحرمة ، فلعلّ المراد به الكراهة إن لم نقل بظهوره فيها ، كما عليه المتأخّرون كافة ، تبعاً لما صرّح به الشيخ في مواضع عديدة ، ومنها ما في الاستبصار في بحث صلاة الفريضة في جوف الكعبة حيث صرّح ثمة بأنّ لا يصلح صريح في الكراهة (٢) ، ونحن نقول بها في المسألة ، وعلى هذا فتكون هذه الصحيحة دليلاً آخر على الإطلاق ، لا على خلافه حجّة وإن توهّمه جماعة (٣).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٥ / ٨٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٦ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٢.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٩٩.

(٣) منهم : الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٤٣ ، منهم : وصاحب الحدائق ١٦ : ١٨١.

٩٢

وأما الصحيح المتضمن لنحو ما مرّ في صدر الصحيح الأخير وقول الراوي بعده : قلت : فإن لم يقدر ، قال : « يأمر من يطوف عنه » (١) فليس فيه دلالة على التقييد ؛ إذ الشرط إنما هو في كلام الراوي ، فلا يفيد التقييد ، وإنما يستفاد من قوله عليه‌السلام : « حتى يطوف بالبيت » الظاهر في وجوب طوافه عليه ومباشرته له بنفسه. لكن قد عرفت بما مرّ أن المراد منه المعنى الأعم الشامل له ولنائبه.

وعلى هذا فلم يبق حجّة على القول الثاني عدا أصالتي بقاء حرمة النساء وعدمِ الانتقال إلى الغير ، وهما مخصَّصان بما مرّ.

فإذاً القول الأوّل أظهر ، سيّما مع كونه أشهر وأوفق بما دلّ على نفي العسر والحرج.

ولكن الثاني أحوط ، بل لا يترك ؛ لإمكان المناقشة في إطلاق الصحاح بقوة احتمال ورودها مورد الغالب ، وهو صورة التعذّر أو التعسّر في العود ؛ وعدم صراحة قوله عليه‌السلام في الحديث الذي [ يقر بها (٢) ] : « يأمر من يقضي عنه إن لم يحج » فيما مرّ ، بل هو مطلق أيضاً ، يحتمل الحمل على الغالب من صورة التعذّر ، فلعلّه الباعث على عدم إرادة الحج.

وعلى هذا فيبقى الأوامر بطوافه بنفسه المستفادة من قوله : « لا حتى يطوف بالبيت » وغيره باقية على ظاهرها من لزوم المباشرة ، خرج منه صورة التعذّر خاصة اتّفاقاً فتوًى وروايةً وبقي الباقي ، وحينئذٍ فلا مخصّص يطمئن إليه للأصلين المتقدم إليهما الإشارة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٦ / ٨٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٧ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٤.

(٢) في النسخ : يفيدها ، ولعلّ الصحيح ما أثبتناه وقد مرّ الحديث في ص ٣١٩٠.

٩٣

وبالجملة : فالمسألة محلّ إشكال وريبة ؛ لإمكان الجمع بين الروايات بما يوافق كلا القولين ، مع عدم وضوح دليل صالح للترجيح في البين سوى الشهرة للأوّل ، لكنّها معارضة بالأُصول للثاني ، فالمصير إلى الاحتياط أجود وإن كان في تعيّنه نظر ، لقوّة الشهرة على الأُصول ، سيّما مثل هذه الشهرة القريبة من الإجماع ، المعتضدة بلفظ « لا يصلح » الظاهر في الكراهة إن لم نقل بصراحته فيها.

مضافاً إلى ظهور بعض الصحاح في أنّ المراد بالأوامر المستفادة من قوله : « لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت » وغيره ما قدّمن ، من تحصيل الطواف ولو بالاستنابة ، لا المباشرة خاصة.

ففيه : قلت : رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : « يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإنه لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت » (١).

فإنّ تعليل الأمر بالاستنابة بهذه العلّة أوضح قرينة على أن المراد بها ما عرفته ، لا طوافه بنفسه خاصة ، وإلاّ لما ارتبط العلّة بمعلولها وما كان بينهما مناسبة.

وحينئذٍ فترتفع الأوامر بالمباشرة ، ولا موجب لاعتبارها بالكليّة ، وحينئذٍ فتنعكس الأُصول في المسألة.

وعلى القولين (٢) يشترط عدم العود بنفسه في الاستنابة ؛ لما عرفته من الأخبار الصحيحة.

( ولو مات ) ولم يطف ولو استنابة ( قضاه ) عنه ( الوليّ ) أو‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٥ / ١١٧٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٨ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٨.

(٢) في « ح » و « ك‍ » : القول.

٩٤

غيره ؛ لما عرفته من الروايات المتقدّمة.

( الرابع : من طاف فالأفضل له تعجيل السعي ) في يوم الطواف ؛ لآيتي المسارعة والاستباق (١).

( ولا يجوز تأخيره إلى غده ) للصحيحين (٢) : رجل طاف بالبيت فأعيى ، أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : « لا ».

ولا خلاف فيه إلاّ من الماتن في الشرائع فجوّزه إليه (٣) ، وهو مع رجوعه عنه في الكتاب نادر ، ومستنده مع ذلك غير واضح ، عدا الأصل ، وإطلاق الصحيح : عن رجل طاف بالبيت فأعيى ، أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ قال : « نعم » (٤) وهما مقيّدان بما مرّ.

هذا ، مع أن عبارته في الشرائع غير صريحة في المخالفة ، كما فهمها الجماعة ، فإنّها هكذا :

من طاف كان بالخيار في تأخير السعي إلى الغد ، ثم لا يجوز مع القدرة.

والنزاع في دخول الغاية في المغيّا وعدمه معروف ، والمخالفة تظهر من هذه العبارة على التقدير الأوّل ، دون الثاني ، بل هي عليه ظاهرة في‌

__________________

(١) آل عمران : ١٣٣ ، المائدة : ٤٨.

(٢) الأوّل هو صحيح العلاء بن رزين : الكافي ٤ : ٤٢٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٤١١ أبواب الطواف ب ٦٠ ح ٣. والثاني هو صحيح محمّد بن مسلم : الفقيه ٢ : ٢٥٣ / ١٢٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٤١١ أبواب الطواف ب ٦٠ ذيل الحديث ٣.

(٣) الشرائع ١ : ٢٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩١ ، الوسائل ١٣ : ٤١١ أبواب الطواف ب ٦٠ ح ٢.

٩٥

الموافقة.

ومستند جواز التأخير أولى الغد بهذا التقدير زيادةً على الأصل وإطلاق الصحيحة المتقدمة رواية أُخرى صحيحة : عن الرجل يقدم مكة وقد اشتدّ عليه الحرّ ، فيطوف بالكعبة ويؤخر السعي إلى أن يبرد ، فقال : « لا بأس به » قال : وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل (١) وكيف كان فلا ريب في المنع إلاّ لعذر ، فيجوز التأخير حينئذٍ بلا خلاف ؛ لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

ويجزئ مع التأخير الجائز والمحرّم ما كان في الوقت ؛ للأصل من غير معارض.

( الخامس : لا يجوز للمتمتّع تقديم طواف حجّه وسعيه على الوقوفين وقضاء المناسك ) في منى يوم النحر ، بإجماع العلماء كافة ، كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة (٢) ، وفي الغنية الإجماع (٣) ؛ للمعتبرة :

منها : زيادةً على ما سيأتي الخبر المنجبر ضعف سنده بالعمل : رجل كان متمتعاً وأهلّ بالحج ، قال : « لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف » (٤).

وهذا الحكم ثابت مطلقاً ( إلاّ لـ ) معذور كـ ( امرأة تخاف الحيض ) المتأخر ( أو مريض ) يضعف عن العود ( أو هِمّ ) وشيخ عاجز يخاف‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٢ / ١٢١٨ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٠ ، الوسائل ١٣ : ٤١٠ أبواب الطواف ب ٦٠ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٩٤ ، المنتهى ٢ : ٧٠٨ ، التذكرة ١ : ٣٦٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٨ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٠ / ٤٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٩ / ٧٩٣ ، الوسائل ١١ : ٢٨١ أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٥.

٩٦

على نفسه الزحام ، فيجوز لهم التقديم حينئذٍ بلا خلاف.

إلاّ من الحلي فمنع عنه أيضاً ؛ للأصل ، واندفاع الحرج بحكم الإحصار (١).

وهو نادر ، بل في الغنية على خلافه الإجماع (٢) ، وهو الحجّة المخصِّصة لما مرّ من الأدلّة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، وهي ما بين مطلقة لجواز التقديم وهي صحاح مستفيضة (٣) ، ومقيّدةٍ له بالضرورة وهي أيضاً مستفيضة :

منها الموثّق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (٤) ـ : عن المتمتّع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض ، يعجّل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟

فقال : « نعم من كان هكذا يعجّل » (٥).

ومنها الخبر كالصحيح : عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ، ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر ، يصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال : « إذا خافت أن تضطر إلى [ ذلك ] فعلت » (٦).

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٧٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

(٣) انظر الوسائل ١١ : ٢٨٠ أبواب أقسام الحج ب ١٣ الأحاديث ١ ، ٢ ، ٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٠٨.

(٥) الكافي ٤ : ٤٥٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٣١ / ٤٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٠ / ٧٩٦ ، الوسائل ١١ : ٢٨١ أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٩٨ / ١٣٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٤١٥ أبواب الطواف ب ٦٤ ح ٢ بدل ما بين المعقوفين في النسخ : منى ، وما أثبتناه من المصدر.

٩٧

وقريب منها الصحيح : لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى » (١).

والجمع بين هذه الأخبار بحمل مطلقها على مقيّدها أولى من إبقاء المطلقة بحالها وحمل المقيدة على الندب ؛ لرجحان التخصيص على المجاز حيثما تعارضا ، مع حصول شرائط التكافؤ هنا ، لحجيّة نحو الموثّق وغيره بعد الانجبار بعمل الأصحاب ، فإنه أقوى من الصحيح المخالف له جدّاً.

فما يوجد في كلمات جملة من متأخري المتأخرين من الميل إلى الجواز مطلقاً لولا الإجماع (٢) ، عملاً بالصحاح ، وحملاً للمفصّلة على الاستحباب ليس بصواب وإن هر الميل إليه من الفاضل في التحرير والتذكرة (٣).

وأظهر منه الشيخ في الخلاف حيث قال : وروى أصحابنا رخصة في تقديم الطواف والسعي قبل الخروج إلى منى وعرفات ، والأفضل أن لا يطوف طواف الحج إلى يوم النحر إن كان متمتّعاً (٤).

لندورهما جدّاً ، مع عدم ظهور فتواهما بذلك ظهوراً كاملاً ، إذ ليس في التحرير إلاّ روي ساكتاً عليها.

وفي التذكرة بعد نقل الرخصة في ذلك وأنه رأي الشافعي وذكر رواية‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٣١ / ٤٣١ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٠ / ٧٩٥ ، الوسائل ١١ : ٢٨١ أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٦.

(٢) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٨٨ والشيخ حسن في المنتقى ٣ : ٢٨٤ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٦.

(٣) التحرير ١ : ١٠٩ ، التذكرة ١ : ٣٩١.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٥٠.

٩٨

عامية مرخّصة (١) وخاصية مفصّلة (٢) : الأولى التقييد للجواز بالعذر. والسكوت ليس علامة الرضا ، ويأتي الأولى مرادفاً للأقوى كثيراً.

وما في الخلاف وإن كان ظاهراً لكن يحتمل الاختصاص بالضرورة ، قيل : كما يفهمه الحلّي ، أي الأفضل مع العذر التأخير (٣).

( وفي جواز تقديم طواف النساء ) على الوقوفين ( مع الضرورة روايتان ، أشهرهما ) كما في الكتاب وغيره ( الجواز ) وفيها : « لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيّأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت ، ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً » (٤).

وقصور السند إن كان مجبور بالعمل مع أنه قيل صحيح (٥) ، وإطلاقه الشامل لحال الاختيار مقيّد بما سيأتي من النص والإجماع على عدم الجواز فيها.

والرواية الثانية لم أر عاملاً بها عدا الحلّي خاصة (٦). وهو نادر جدّاً ، ولا يمكنه التمسك بها ، لأنها من الآحاد التي لا تفيد عنده علماً ولا عملاً ؛ ومع ذلك فضعيفة الإسناد ، متضمنة لما لا يقول به من جواز تقديم طواف الحج وسعيه مع الضرورة إن كان المراد بها رواية عليّ بن حمزة كما يظهر‌

__________________

(١) انظر كنز العمال ٥ : ٢٨٠ / ١٢٨٨٧.

(٢) تقدمت في ص : ٣١٩٥.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٤٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٣ / ٤٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٠ / ٧٩٨ ، الوسائل ١ : ٤١٥ أبواب الطواف ب ٦٤ ح ١.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٤٤.

(٦) السرائر ١ : ٥٧٥.

٩٩

من جماعة.

وفيها : عن رجل يدخل مكّة ومعه نساء وقد أمرهنّ فتمتّعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن من الحيض ، فقال : « إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحج من مكانها ، ثم تطوف بالبيت وبالصف والمروة ، فإن حدث بها شي‌ء قضت بقية المناسك وهي طامث » قال : فقلت : أليس قد بقي طواف النساء؟ » قال : « بلى » قلت : فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال : « نعم » قلت : فلِمَ لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال : « يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن يبقى عليها المناسك كلّها مخافة الحدثان » قلت : أبى الجمّال أن يقيم عليها والرفقة؟ قال : « ليس لهم ذلك ، تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها » (١).

وإن كان المراد بها الرواية الآتية في المنع عن تقديمه اختياراً (٢) كما يفهم من التنقيح وغيره (٣) فهي وإن كانت موثقة إلاّ أنها أيضاً عنده ضعيفة ، ومع ذلك ليس فيها تصريح لحال الضرورة ، بل هي مطلقة تقبل التقييد بحال الاختيار ، والمنع فيها محل وفاق.

وكما لا يمكنه العمل بهما كذا لا يمكننا ؛ لقصورهما عن مقاومة الرواية الأُولى ؛ لشهرتها.

مضافاً إلى ضعف الاولى منهما سنداً كما مضى. بل ومتناً ؛ لظهورها‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٣٢ / ٤٣٦ ، الوسائل ١٣ : ٤١٦ أبواب الطواف ب ٦٤ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٢ / ٤٣٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٠ / ٧٩٧ ، الوسائل ١١ : ٢٨٣ أبواب أقسام الحج ب ١٤ ح ٤.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٥١١ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٤٤.

١٠٠