رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

خلافاً للمحكي عن القاضي ، فأطلق أن من وجب عليه شاة فلم يقدر عليها أطعم عشرة مساكين ، كل مسكين نصف صاع (١). ومستنده غير واضح.

وحكى الحلّي (٢) عن المقنعة أن على من عجز عن الإرسال أطعم عن كل بيض ستين مسكيناً ، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً.

وقد صرّح الفاضل في المختلف وغيره (٣) بأنهم لم يجدوه في نسخها ، ولا حكاه الشيخ في التهذيب.

( الخامس : في بيض القطاة والقبج إذا تحرك الفرخ ) فيه ( من صغار الغنم ) كما هنا وفي الشرائع وعن الجامع (٤) ، لكن بزيادة الدرّاج كما في القواعد (٥).

قيل : وبمعناه ما في الخلاف من أن في القطاة بكارة من الغنم ، وذلك للمماثلة المنصوصة في الآية وما مرّ من الصحيح (٦) وإن اختص ببيض القطاة ؛ لتشابه الثلاثة ، وما يأتي من أن فيها أنفسها حَمَلاً ، ففي بيضها أولى ؛ وعن المهذّب والإصباح أن في بيضة الحَجَلة شاة (٧).

( وفي رواية ) ضعيفة بالإضمار وغيره : ( في البيضة ) من القطاة ( مخاض من الغنم ) أي ما من شأنه أن يكون حاملاً ، كما عن الحلي (٨) ،

__________________

(١) المهذب ١ : ٢٢٧.

(٢) السرائر ١ : ٥٦٥.

(٣) المختلف : ٢٧٥ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٤) الشرائع ١ : ٢٨٥ ، الجامع للشرائع : ١٩٢.

(٥) القواعد ١ : ٩٤.

(٦) في ص : ٣٣٩١.

(٧) كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٨) السرائر ١ : ٥٦٥.

٣٠١

ففيها : عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل ، ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم » (١).

وعمل بها في النهاية والمبسوط والوسيلة (٢) في بيض القبج والقطاة.

قيل : ويوافقها التذكرة والمنتهى والتحرير والمختلف والدروس والإرشاد (٣).

وقال الماتن في النكت : إنه شي‌ء انفرد به الشيخ لهذه الرواية وتأويلها بما تحرّك فيه الفرخ. قال : وفي التأويل ضعف ؛ لأنه بعيد أن يكون في القطاة حَمَل ، وفي الفرخ عند تحرّكه مخاض ، فيجب اطراحه لوجوه :

أحدها : أن الخبر مرسل ؛ لأنا لا ندري المسئول من هو.

وثانيها : أنه ذكر في البيضة ، ولعلّه لا يريد بيض القطاة ، بل بيضة النعام ، لأن الكلام مطلق ، ثم يعارضه رواية سليمان بن خالد أيضاً ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) ، وذكر ما أشرنا إليه من الصحيحة (٥).

أقول : التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص المطلق إن قلنا بشمول البكار من الغنم للصغير منه ، وإلاّ كما في الذخيرة ـ (٦) فلا تعارض بينهما ، وعلى التقدير الأول يجب حمل العام على الخاص ، والمطلق على‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٩٢ ، الوسائل ١٣ : ٥٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ٤.

(٢) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط ١ : ٣٤٥ ، الوسيلة : ١٦٩.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٤) نكت النهاية ونكتها ١ : ٤٨٩.

(٥) المتقدمة في ص : ٣٣٩١.

(٦) الذخيرة : ٦٠٦.

٣٠٢

المقيد ، لكن لما ضعف الخاص سنداً ومخالفة لما مرّ من القياس بالطريق الأولى عيّن طرحه أو حمله على الاستحباب جمعاً.

( وإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم ) أو فحلاً منها ( في إناثها بعدد ) ما كسر من ( البيض ، فما نتج كان هدياً ) للبيت ، بلا خلاف في هذا الإرسال على الظاهر ، المصرَّح به في عبائر (١) ؛ للمستفيضة ، وفيها الصحاح ، منها : عن محرم وطئ بيض قطاة فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من النعام في الإبل » (٢).

ولكنها كغيرها خلت عن كون الهدي لبيت الله ، وقد ذكره الشيخ وغيره (٣). وعن التقييد بعدم التحرك ، بل هي مطلقة له ولغيره ، ولذا أطلق الإرسال جماعة من قدماء الأصحاب كالمفيد والديلمي والحلبيّين (٤).

ولكن التفصيل جامع بينها وبين ما مرّ ، مضافاً إلى عموم التشبيه ببيض النعام في الصحيح : « في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام من الإبل » (٥).

وقريب منه الصحيح المتقدم وغيره (٦).

__________________

(١) المدارك ٨ : ٣٣٦ ، المفاتيح ١ : ٣٢٣ ، كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٥٧ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ١.

(٣) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٤٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٢٤ ، الحلّي في السرائر ١ : ٥٦٥.

(٤) المفيد في المقنعة : ٤٣٦ ، الديلمي في المراسم : ١٢٠ ، أبو الصلاح في الكافي : ٢٠٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٧ / ١٢٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٤ / ٦٩٣ ، الوسائل ١٣ : ٥٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٩٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ٣.

٣٠٣

قيل : وقيّده علي بن بابويه بتحرك الفرخ ، وأوجب القيمة إن لم يتحرك (١) ؛ للرضوي (٢). وهو كمستنده مع قصوره شاذّ.

( ولو عجز ) عن الإرسال ( كان فيه ما في بيض النعام ) كما هنا وفي الشرائع وعن النهاية والمبسوط (٣).

وظاهر العبارة كما صرّح به الحلّي في السرائر ، والماتن في النكت كما حكي ـ (٤) : أنه يجب عن كل بيضة شاة ، ثم إطعام عشرة مساكين ، ثم صيام ثلاثة أيام.

قال الحلّي : ولا يمتنع ذلك إذا قام الدليل عليه.

وظاهره الفتوى به ، كما هو نصّ المفيد ، كما حكاه عنه جماعة ، منهم الماتن فيما حكي ، فإنه قال : إن وجوب الشاة عن كل بيضة إذا تعذّر الإرسال شي‌ء ذكره المفيد ، وتابعه عليه الشيخ ، ولم انقَل به رواية على الصورة ، بل رواية سليمان بن خالد : « في كتاب علي عليه‌السلام : في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام » (٥) وهذا فيه احتمال (٦).

أقول : وكذا المرسل : « يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل » (٧) ولكنه فيه أبعد.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٨ ، المستدرك ٩ : ٢٧٢ أبواب كفارات الصيد ب ١٩ ح ٢.

(٣) الشرائع ١ : ٢٨٦ ، النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر ١ : ٥٦٦ ، وحكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٧ / ١٢٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٤ / ٦٩٣ ، الوسائل ١٣ : ٥٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢٥ ح ٢.

(٦) نكت النهاية ١ : ٤٨٩.

(٧) تقدم مصدره في ص : ٣٣٩٨ الهامش (٦).

٣٠٤

وعن المنتهى عندي في ذلك تردّد ؛ فإنّ الشاة تجب مع تحرّك الفرخ ، لا غير ، بل ولا يجب شاة كاملة بل صغيرة على ما بيّنّاه ، فكيف يجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك وإمكان فسادة وعدم خروج الفرخ منه ، قال : والأقرب أن مقصود الشيخ مساواته لبيض النعام في وجوب الصدقة على عشرة مساكين ، والصيام ثلاثة أيام إذا لم يتمكن من الإطعام (١).

ونحوه التحرير والتذكرة والمختلف (٢) ، وفيه القطع بأنه لا يجوز المصير إلى ما ذكره الحلّي ، قال : وكيف يتوهّم إيجاب الأقوى وهو الشاة التي لا تجب مع المكنة حالة العجز ، فإنّ ذلك غير معقول.

ثم لمّا كان ظاهر كلام الحلّي أن الأخبار وردت به ردّه بأنها لم ترد بما قاله ، نعم روى سليمان بن خالد ، وذكر ما في النكت ، قال : ولكن إيجاب الكفارة كما تجب في النعام لا يقتضي المساواة في القدر.

أقول : وعلى منهاجه سلك المتأخرون ، ومرجعه إلى الاستبعاد ، ومنع دلالة رواية سليمان.

ولا حجة في الأول بعد قيام الدليل الظاهر ، سيّما مع ضعفه في نفسه بمنع كون الشاة أقوى وأشقّ من الإرسال ، بل هي أسهل على أكثر الناس ، لتوقفه على تحصيل الإناث والذكور ، وتحرّي زمن الحمل ، ومراجعتها إلى حين النتاج ، وصرفه إلى الكعبة.

وهذه أُمور تعسر على الحاج غالباً أَضعاف الشاة ، كما نبّه عليه شيخنا في الروضة ، فمنَعَ تفسير المتأخرين من هذه الجهة. لكن وافقهم في المذهب ، قال : لا لذلك ، بل لأن الشاة تجب أن تكون مجزئة هنا بطريق‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٢٤.

(٢) التحرير ١ : ١١٦ ، التذكرة ١ : ٣٤٦ ، المختلف : ٢٧٦.

٣٠٥

أولى ؛ لأنها أعلى قيمةً وأكثر منفعةً من النتاج ، فيكون كبعض أفراد الواجب ، والإرسال أقلّه ، ومتى تعذّر الواجب انتقل إلى بدله ، وهو هنا الأمران الأخيران يعني الإطعام ثم الصيام من حيث البدل العام ، لا الخاص ، لقصوره عن الدلالة ، لأن بدليتهما عن الشاة تقتضي بدليتهما عمّا هو دونها قيمةً بطريق أولى (١).

وفيه : أنه مبني على جواز الشاة مع التمكن عن الإرسال ، وفيه منع ، مع مخالفته في الظاهر الإجماع فتوًى ونصّاً.

ومع ذلك فبدلية الأخيرين عن الإرسال بالبدل العام تتوقف على العجز عن أفراد الواجب كلّها حتى الشاة كما فرضه ، والفرض خلافه ، وهو التمكن منها ، وحينئذ فلا يتبدل الأخيران عن الإرسال أيضاً ولو بالبدل العام.

وبالجملة : المفروض بدليتهما عن الإرسال مع التمكن من الشاة ، وما ذكره على فرض تماميته إنما تفيد بدليتهما عنه مع العجز عنها ، وهو غير محل النزاع.

ثم ما ذكره من قصور دلالة الخاص يعني رواية سليمان تبعاً للمتأخرين إن أراد به القصور عن الصراحة فمسلّم ، لكن الظهور كاف ، وإن أراد به القصور عنه أيضاً فممنوع ، ولذا اعترف بالظهور في صدر عبارته التي لم ننقله هنا ، فقال بعد نقل نحو عبارة الماتن من اللمعة : كذا أطلق الشيخ تبعاً لظاهر الرواية ، وتبعه الجماعة ، وظاهره أن في كل بيضة شاة ، فإن عجز أطعم عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام ، ثم استشكل باستبعاد المتأخرين.

__________________

(١) الروضة البهية ٢ : ٣٤١.

٣٠٦

وفيه ما عرفته من ضعفه في نفسه مضافاً إلى ما قاله ، مضافاً إلى ابتنائه على ضعف دلالة الرواية وتوقفها على إرادة المشابهة في المقدار والكيفية ، دون ثبوت أصل الكفارة خاصة ، وهو قد اعترف بظهورها في ما عدا الثاني ، وهو كاف ، إذ لا يشترط في الدلالة الصراحة.

ويعضده فهمُ الجماعة ، ولذا أفتوا بإطلاقها كما ذكره ، مشعراً بوفاقهم ، واتفاقُهم إلاّ النادر على ثبوت البدلين الأخيرين مع أنه لا حجة لهم سوى الرواية.

والحكم ببدليتهما هنا تبعاً للرواية العامة ببدليتهما عن الشاة حيث تعذّرت موقوف أوّلاً على كون المبدل منه الشاة ، وليس كذلك ، بل هو الإرسال. وثانياً على تعذرها ، والفرض إمكانها كما عرفته.

وممّا ذكرنا تبيّن أن الحقّ ما عليه المفيد والحلّي وسائر الجماعة ، وأنّ قول المتأخرين ضعيف في الغاية ، كالمحكي عن ابن حمزة ، حيث أوجب بعد العجز عن الإرسال التصدق بدرهم عن كل بيضة (١) ؛ لعدم وضوح دليل عليه ولا حجة ، كما صرّح به جماعة (٢).

نعم قيل : قد يكون مستنده خبر سليمان مع ما يأتي من الصحيح في مُحلّ اشترى لمحرم بيض نعام فأكله ، أنّ على المحلّ قيمة البيض ، لكل بيضة درهماً (٣) ، أو حمله على بيض الحمام ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن فيه درهماً (٤). انتهى. وهو كما ترى.

__________________

(١) نقله عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩٩.

(٢) منهم : صاحب المدارك ١ : ٣٣٦ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٢٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٨ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ / ١٦٢٨ ، الوسائل ١٣ : ٥٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ٥.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

٣٠٧

القسم ( الثاني : ما لا بدل لفديته ) على الخصوص ( وهو ) أيضاً ( خمسة : )

( الحمام ، وهو كل طائر يَهْدِر ) قيل : أي يرجّع صوته ويواصله مردّداً (١) ( ويعبّ الماء ) قيل : أي يشرب الماء كرعاً أي يضع منقاره في الماء ويشرب وهو واضع له فيه ، لا بان يأخذ الماء بمنقاره قطرة قطرة ويبلعها بعد إخراجه كالدجاج (٢).

وتفسير الحمام بذلك قد وقع في الشرائع والتحرير والتذكرة والمنتهى والمبسوط (٣) ، كما حكي.

ولعلّه يوافقه ما عن الأزهري أنه قال : أخبرني عبد الملك ، عن الربيع عن الشافعي أنه قال : كلّ ما عبّ وهدر فهو حمام ، يدخل فيه القماري والدباسي والفواخت ، سواء كانت مطوقة أو غيرها ، آلفة أو وحشية (٤) ، ثم قال : والعرب تسمّي كلّ مطوّق حماماً (٥).

وجعله المحقّق الثاني أعرف بين أهل اللغة (٦) ، مع أن المحكي عن أكثرهم كالصحاح وفقه اللغة للثعالبي وشمس العلوم والسامي وغيرها (٧) ما‌

__________________

(١) انظر كشف اللثام ١ : ٣٩٤.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٣٩٤.

(٣) الشرائع ١ : ٢٨٦ ، التحرير ١ : ١١٦ ، التذكرة ١ : ٣٤٦ ، المنتهى ٢ : ٨٢٤ ، المبسوط ١ : ٣٤٦.

(٤) تهذيب اللغة ٤ : ١٦.

(٥) هذا من كلام الشيخ في المبسوط ، نقله في كشف اللثام ، وليس من كلام الأزهري كما توهمه العبارة.

(٦) جامع المقاصد ٣ : ٣١٠.

(٧) انظر كشف اللثام ١ : ٣٩٤.

٣٠٨

أشار إليه بقوله : ( وقيل : كلّ مطوّق ).

قيل : وحكاه الأزهري عن أبي عبيدة ، عن الأصمعي ، قال : مثل القمري والفاختة وأشباههما (١). وقال الجوهري : من نحو الفواخت والقماري وساقُ‌حُرّ والقطا والوراشين وأشباه ذلك ، قال : وعند العامة أنها الدواجن فقط (٢).

وعن بعضهم : المراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة (٣).

نعم التفسير الأول أعرف بين الفقهاء ؛ إذ لم أر مفسِّراً بهذا قبل الماتن أصلاً ، وبعده أيضاً إلاّ الشهيد في الدروس ففسّره به حتماً (٤) ، وفي اللمعة مردّداً بينه وبين التفسير الأول فقال : وفي الحمامة وهي المطوقة أو ما تعبّ الماء (٥).

وكذا الفاضل في القواعد (٦).

قيل : وأو هنا يمكن كونه للتقسيم بمعنى كون كل واحد من النوعين حماماً ، وكونه للترديد ؛ لاختلاف الفقهاء وأهل اللغة في اختيار كل منهما ، والظاهر أن التفاوت بينهما قليل أو منتف ، وهو يصلح لجعل المردِّد كلاًّ منهما معرِّفا (٧).

__________________

(١) تهذيب اللغة ٤ : ١٦.

(٢) الصحاح ٥ : ١٩٠٦.

(٣) حياة الحيوان ١ : ٣٦٦.

(٤) الدروس ١ : ٣٥٦.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٣٤١.

(٦) القواعد ١ : ٩٤.

(٧) الروضة ٢ : ٣٤٢.

٣٠٩

أقول : ويحتمل أن يكون الترديد إشارةً إلى ثبوت الحكم الآتي للحمامة بأيهما فسّرت ، وذلك لعدم انحصار ما دلّ عليه من الأخبار فيما تضمّنت لفظها خاصة ، بل فيها ما تضمّن لفظ الطير بقول مطلق ، أو الفرخ ، أو البيض كذلك ، وجميع هذه يعمّ الحمامة بالتفسيرين ، فلا يحتاج هنا إلى الدقة في تعيين أحدهما ، ولا تعارض بين الأخبار ليحتاج إلى حمل مطلقها على مقيّدها ، والحمد لله.

وعلى كلّ تقدير فلا بدّ من إخراج القطاة قيل : والحجل ـ (١) من التعريف ؛ لأن لهما كفارة معيّنة غير كفارة الحمام مع مشاركتهما له في التعريف ، كما صرّح به جماعة (٢).

( ويلزم المحرم ) ولو في الحلّ ( في قتل ) الحمامة ( الواحدة شاة ) بلا خلاف إلاّ من نادر (٣) ، وفي المنتهى وعن الخلاف والتذكرة (٤) الإجماع.

( وفي فرخها حَمَل ) بالتحريك من أولاد الضأن ، ماله أربعة أشهر فصاعداً ، على ما ذكره جماعة من الفقهاء (٥).

ولكن الموجود في كلام بعض أهل اللغة أنه الخروف إذا بلغ ستة أشهر (٦) ، والأخذ به أحوط.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٣٦.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٧.

(٣) انظر المراسم : ١٢٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٤ ، الخلاف ٢ : ٤١١ ، التذكرة ١ : ٣٤٦.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٣٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٧ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٢٢٢.

(٦) انظر مجمع البحرين ٥ : ٣٥٧.

٣١٠

( وفي بيضها درهم ) إذا لم يتحرك فيه الفرخ ، وإلاّ فحَمَل ؛ لما مرّ.

وللصحيح : عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرك ، قال : « عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرّك بشاة ، ويتصدق بلحومها إن كان محرماً ، وإن كان الفراخ لم يتحرك تصدّق بقيمته ورقاً يشتري به علفاً يطرحه لحمام الحرم » (١).

وعليه ينزل إطلاق الصحيح الآخر : عن غلام كسر بيضتين في الحرم ، فقال : « جديين أو حَمَلين » (٢) من جهتي شموله المحرم وغيره ، والمتحرك من البيض وغيره ، بتقييد إطلاقيه بالأولين من القسمين جمعاً بينه وبين سابقه وغيره. كما يقيّد إطلاق الشاة في سابقه على الحَمَل ، جمعاً.

وظاهر الأخير جواز الجدي بدله ، وهو الأصح ، وفاقاً لجمع (٣) ؛ لذلك.

مضافاً إلى الصحيح الآخر : في محرم ذبح طيراً « إن عليه دم شاة يهريقه ، فإن كان فرخاً فجدي أو حَمَل صغير من الضأن » (٤).

( وعلى المحلّ ) في الحرم ( فيها ) أي في قتل الواحدة من الحمام ( درهم ، وفي فرخها نصف درهم ، وفي بيضها ) إذا لم يتحرك ( ربع

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٤ ، قرب الاسناد : ٢٣٦ / ٩٢٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٩ أبواب كفارات الصيد ب ٢٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٤ / ٦٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٥٩ أبواب كفارات الصيد ب ٢٦ ح ٢.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٢٤ ، والسبزواري في الكفاية : ٦٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٣ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٦.

٣١١

درهم ) وإلاّ فنصفه.

( ولو كان ) الجاني على أحد هذه الثلاثة ( محرماً في الحرم اجتمع عليه الأمران ) فيجب عليه شاة ودرهم في الأول ، وحَمَل ونصف درهم في الثاني ، ودرهم وربعه في الثالث.

كلّ ذلك على المشهور لا سيّما بين المتأخرين.

والأصل فيها زيادةً على ما مرّ الصحيح : في « المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وإن قتل فِراخها ففيها حمل ، وإن وطئ البيض فعليه درهم » (١).

والصحيح : « في الحمام درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم » (٢). ونحوه غيره (٣).

ويقيّدان بنحو الصحيح : « من أصاب طيراً في الحرم وهو مُحلّ فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشتري علفاً لحمام الحرم » (٤).

والصحيح : عن فرخين مُسَرْوَلَيْن (٥) ذبحتهما وأنا بمكة مُحلّ إلى أن قال : فقال : « تصدّق بثمنهما » فقلت : فكم ثمنهما؟ فقال : « درهم خير من ثمنهما » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٢ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٥.

(٣) الفقيه ٢ : ١٧١ / ٧٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٢٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٢٣٣ / ٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٣.

(٥) حمامة مُسَرْوَلَة : في رجليها ريش. الصحاح ٥ : ١٧٢٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١ ، الوسائل ١٣ : ٢٧ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٧.

٣١٢

وظاهرهما كغيرهما ـ (١) وجوب التصدق بالقيمة ، سواء زادت عن الدرهم أو نقصت ، وأن سبب التنصيص على الدرهم كونه قيمة وقت السؤال.

ويؤيده الأخبار الكثيرة الآمرة بالقيمة على الإطلاق كما في بعضها (٢) ، وبالثمن كما في آخر (٣) ، وبمثله في ثالث (٤) ، وبأفضل منه في رابع (٥) ، وبدرهم وشبهه في خامس (٦).

والأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم ومن القيمة السوقية ، وفاقاً للمنتهى والتذكرة (٧) وإن كان في تعيّنه في وجوب الزائد نظر ، لإطلاق الأصحاب وجوب الدرهم من غير التفات إلى القيمة السوقية.

ولعلّه لظهور أن تقويم الحمامة فيما مرّ من الأخبار ليس لأنه قيمتها السوقية يومئذ ؛ لبُعد اتّفاق تقويم الحمامة بجميع أنواعها وأصنافها وأفرادها به عند جميع المقوّمين لها ولو بمكة خاصة ، وفي جميع أعصار الأئمة عليهم‌السلام التي صدرت عنهم الأخبار. بل الظاهر أن تقويمها بذلك إنما هو تقويم شرعي ليضبط المدار ، ويشهد لذلك سؤال بعض الرواة عن قيمة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١١٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٧ / ٢١ ، الفقيه ٢ : ١٧١ / ٧٤٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٧ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ذيل حديث ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٢٣٢ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣١ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١٦٧ / ٧٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٩ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٥ / ١٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٩ / ٧٤٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٣ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٥.

(٦) الكافي ٤ : ٣٩٥ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٢٩ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٣.

(٧) المنتهى ٢ : ٨٢٥ ، التذكرة ١ : ٣٤٦.

٣١٣

الحمامة وقدرها عنهم ، وجوابهم عليهم‌السلام له بذلك المقدار ، ولو كان المراد القيمة السوقية لما كان للسؤال عنهم عليهم‌السلام وجه ، ولا لجوابهم ، فتأمل.

وأما اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم فلأصالة عدم تداخل الأسباب ؛ مضافاً إلى خصوص المعتبرة المستفيضة ، منها الصحيح : « إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعم حمام مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (١).

وسيأتي تتمة الكلام في المسألة.

( ويستوي فيه ) أي فيما على المحلّ من الدرهم ونصفه وربعه إذا جنى في الحرم ، كما صرّح به في الشرائع والفاضل في التحرير والقواعد وغيرهما (٢) ( الأهلي ) أي المملوك من الحمام ( إن صحّ فرضه ) (٣) ( وحمام الحرم ) الغير المملوكة في حرمة الجناية عليهما ولزوم القيمة بها ومقدارها ، بغير خلاف على الظاهر ، المصرَّح به في عبائر (٤) ، وفي المنتهى : لا نعرف فيه خلافا إلاّ من داود حيث قال : لا جزاء في صيد الحرم (٥).

والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٦) ، فلا شبهة في الاستواء المزبور.

( غير أن حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامة ) ويتصدق بقيمة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٩ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٣.

(٢) الشرائع ١ : ٢٨٦ ، التحرير ١ : ١١٦ ، القواعد ١ : ٩٥ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٣٧ ، والمدارك ٨ : ٣٤٢.

(٣) ما بين القوسين ليست في « ك‍ ».

(٤) انظر الذخيرة : ٦٠٨ والحدائق ١٥ : ٢٣٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٨٢٥.

(٦) انظر الوسائل ١٣ : ٢٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٠.

٣١٤

غيره ، كما في الصحيح (١) وغيره (٢). وفيه الأمر بشراء القَمح أي الحنطة ، وظاهره الوجوب.

إلاّ أنه محمول على الفضل ؛ للأصل ، وضعف السند.

بل الأصح وفاقاً لجمع (٣) جواز التصدق بقيمة حمام الحرم أيضاً ، مخيّراً بينه وبين العلف ؛ لجملة من النصوص ، منها الصحيح : « إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعمه حمام مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (٤).

ثم إنه لا ريب في الاستواء في ذلك مع إذن المالك في الإتلاف ، أو كان المتلف هو المالك. أما لو كان غيرهما ففي ثبوت الاستواء أيضاً فلا تجب إلاّ الفداء ، أو الفرق بوجوبه مع ضمان القيمة للمالك كما أفتى به شيخنا في المسالك ـ (٥) إشكال : من الأُصول ، وإطلاق الفتاوي والنصوص بخصوص الفداء دون غيره. والاحتياط واضح.

وهل يختص الاستواء المزبور بالمُحلّ ، أم يعمّه والمحرم ، حتى لو قتل المحرم الحمام الأهلي في الحرم لم يكن عليه غير القيمة على الثاني ، ومع الفداء على الأول؟ إشكال‌ :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٣ / ٧ ، الوسائل ١٣ : ٥١ أبواب كفارات الصيد ب ٢٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٥٣ / ١٢٢٨ ، الوسائل ١٣ : ٥١ أبواب كفارات الصيد ب ٢٢ ح ٦.

(٣) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٨٢٥ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣٤٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٨.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٩ أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٣.

(٥) المسالك ١ : ١٣٧.

٣١٥

من إطلاق النص والفتوى باجتماع الأمرين إذا جنى على الحمامة في الحرم من غير فرق بين الأهلي منها والحرمي.

ومن ظاهر تعليلهم الاجتماع المزبور بهتكه حرمة الحرم والإحرام ، فيلزمه الأمران كلّ بسببه ، وهذا إنما يتوجه في الحرمي خاصة ، لكونه صيداً مُنع عنه المحرم ، وأما الأهلي منها فلا منع فيها إلاّ من جهة الحرم ، لأنه من دخله كان آمناً.

ولم أر من الأصحاب من تعرّض لهذا الفرض ، فضلاً عن الحكم فيه بأحد الطرفين أو التوقف فيه والإشكال.

والأقرب من وجهي الإشكال : الأول ؛ لقوة دليله ، مضافاً إلى التصريح : في حمام [ مكة ] الطير الأهلي من غير حمام الحرم : « من ذبح طيراً منه وهو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه ، فإن كان محرماً فشاة عن كل طير » (١).

وهو كما ترى صريح في الفرق بين المحرم والمحلّ في الحمام الأهلي إذا قتلاه في الحرم ؛ لإيجابه الشاة فيه على الأول ، والقيمة على الثاني.

نعم ظاهره عدم وجوب القيمة على المحرم ، إلاّ أن سبيله سبيل كثير من الأخبار الواردة بلزوم الشاة عليه إذا قتلها في الحرم (٢) من غير ذكر القيمة ، وذكر الأصحاب أن إيجاب الشاة لهتك حرمة الإحرام ، ولا ينافيه وجوب القيمة أيضاً لهتك حرمة الحرم. وهو حسن.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٥ / ١٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٩ / ٧٤٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٣ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٥.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٢٢ أبواب كفارات الصيد ب ٩.

٣١٦

وبالجملة : فما ذكرناه أظهر ، ومع ذلك أحوط ، ويمكن استفادته من العبارة ، بجعل الضمير المجرور في « فيه » الأحكام المذكورة بقوله « على المُحلّ » إلى آخره ، ومنها اجتماع الأمرين على المحرم في الحرم ، فإن مقتضاه حينئذ أنه يستوي في هذا الحكم أيضاً الأهلي والحرمي ، فأيّهما قتل المحرم اجتمع عليه الأمران.

( وفي ) قتل ( القطاة حَمَل قد فطم ) من اللبن ( ورعى ) من ( الشجر ) كما في الصحيح (١) وغيره (٢).

( وكذا في ) قتل ( الدرّاج وشبهها ) من الحجل وغيره ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك على الظاهر ، المصرَّح به في عبائر (٣) ؛ وهو الحجة فيها ، لا الخبران ، لاختصاصهما بالأول ( و ) لا ما ( في رواية ) أُخرى ثالثة (٤) وإن تضمّنت الثلاثة ونظيرهن ؛ لأن المذكور فيها ( دم ) وهو أعم من المدّعى ، إلاّ أن يقيّد به أو يحمل على الاستحباب.

واعلم أن الحَمَل قريب من صغير الغنم في فرخها كما اخترناه ثَمّ (٥) ، ولا بُعد في تساوي الصغير والكبير في الفداء. ويشكل على القول بوجوب المخاض هناك ، إلاّ أن يدفع بابتناء شرعنا على اختلاف المتّفقات واتّفاق المختلفات ، فجاز أن يثبت في الصغير زيادة على الكبير ، ولا مانع من المصير إليه بعد الثبوت كما هو الفرض.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٠ ، الوسائل ١٣ : ١٨ أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٩ أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ٣.

(٣) كالمدارك ٨ : ٣٤٥ ، والذخيرة : ٦٠٨ ، والحدائق ١٥ : ٢٣٩.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩١ ، الوسائل ١٣ : ١٨ أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ٢.

(٥) راجع ص ٣٣٩٦.

٣١٧

وهذا أولى من دفعه بحمل المخاض ثَمّ على بنت المخاض ، أو على أن فيها هنا مخاضاً بطريق أولى ؛ لمخالفتهما الإجماع على الظاهر ، المصرَّح به في الروضة والمسالك (١).

( وفي ) قتل ( الضبّ جَدْي ، وكذا في القنفذ واليربوع ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ؛ للحسن ، وفيه : « والجَدي خير منه ، وإنما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد » (٢).

خلافاً للمحكي عن الحلبيّين ، فأوجبوا حَمَلاً (٣) ، وعن الغنية الإجماع. والأول أظهر.

ومورد المتن والأكثر الثلاثة خاصة تبعاً لمورد النص ، وألحق بها المرتضى والشيخان وبنو إدريس وحمزة [ وسعيد ] وغيرهم كما حكي ـ (٤) أشباهها ، ومستندهم غير واضح.

وربما نظروا إلى التعليل في النص ، وأنه إذا ثبت به أن في مثل هذه الثلاثة جَدْياً ، بل هو خير منه ، ثبت ذلك فيما أشبهه.

ولا يخلو من وجه ، ولذا مال إليه من المتأخرين المحقّق الثاني في شرح القواعد ، بل أفتى به صريحاً (٥).

__________________

(١) الروضة ٢ : ٣٤٥ ، المسالك ١ : ١٣٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٢ ، الوسائل ١٣ : ١٩ أبواب كفارات الصيد ب ٦ ح ١.

(٣) أبو الصلاح في الكافي : ٢٠٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، علاء الدين الحلبي في إشارة السبق : ١٢٨.

(٤) حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩٤ ؛ وهو في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٧١ ، والمقنعة : ٤٣٥ ، والنهاية : ٢٢٣ ، والسرائر ١ : ٥٥٨ ، والوسيلة : ١٦٨ ، والجامع : ١٩٠.

(٥) جامع المقاصد ٣ : ٣١٢.

٣١٨
( وفي العصفور مدّ من طعام ، وكذا في القبّرة ) بضم القاف ثم الباء المشددة من غير نون بينهما ( والصعوة ) قيل : هو عصفور له ذنب طويل يرمح به (١). وفاقاً للأكثر ؛ للمرسل كالصحيح (٢).

خلافاً للصدوقين ، فأوجبا في كل طائر عدا النعامة شاة (٣) ؛ للصحيح : في محرم ذبح طيراً : « إنّ عليه دم شاة يهريقه ، وإن كان فرخاً فجَدي أو حَمَل صغير من الضأن » (٤).

وفيه : أنه لا عموم فيه لغةً ، وإنما غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل البحث. ولو سلّم فغايته العموم ، وما مرّ خاص ، فليقدّم عليه ؛ لاعتبار سنده ؛ مضافاً إلى اعتضاده أو (٥) انجباره بعمل الأصحاب.

وللإسكافي ، فأوجب القيمة وفي الحرم قيمتين (٦) ؛ للمرسل (٧). وضعف سنده يمنع عن العمل به ، سيّما في مقابلة ما مرّ من الخبر المنجبر بعمل الأكثر ، مع اعتباره في نفسه كما مرّ.

( وفي ) قتل ( الجرادة ) الواحدة ( كفّ من طعام ) كما في‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ٣٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ / ١٦٢٩ ، الوسائل ١٣ : ٢٠ أبواب كفارات الصيد ب ٧ ح ١.

(٣) الصدوق في المقنع : ٧٨ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٧٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٣ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٦.

(٥) في « ك‍ » : و.

(٦) كما حكاه عنه في المختلف : ٢٧٣.

(٧) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧١ / ١٢٩٣ ، الوسائل ١٣ : ٩٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٧.

٣١٩

الصحيح (١) وغيره (٢) ، وفاقاً للمحكي عن المقنعة والغنية وجمل العلم والعمل والمراسم(٣).

وفي الصحاح : « عليه تمرة ، وتمرة خير من جرادة » (٤) كما عن الفقيه (٥) والمقنع والنهاية والخلاف والمهذّب والنزهة والجامع ووالد الصدوق والسرائر وكفّارات المقنعة (٦).

وللتخيير بينهما وجه ، كما عليه الشهيدان وغيرهما من المتأخرين (٧) ، وفاقاً للمحكي عن المبسوط والتهذيب والتحرير والتذكرة والمنتهى (٨).

إلاّ أن الأوجه : الثاني ، وأحوط منه الجمع بين الأمرين.

وفي رواية دم (٩) ، لكن موردها الإصابة والأكل ، وحكي القول به‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧٠٨ ، الوسائل ١٣ : ٧٧ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٣ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٧٨ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٦.

(٣) المقنعة : ٤٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضى ٣ ) : ٧٢ ، المراسم : ١٢٢.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٧٧ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٢ ، ٧.

(٥) في « ق » زيادة : والشرائع.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٥ ، المقنع : ٧٩ ، النهاية : ٢٢٨ ، الخلاف ٢ : ٤١٤ ، المهذب ١ : ٢٢٧ ، النزهة : ٦٥ ، الجامع للشرائع : ١٩٣ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٧٤ ، السرائر ١ : ٥٦٦ ، المقنعة : ٥٧٢.

(٧) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٥٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٤٦ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٣٤٨ ، والذخيرة : ٦٠٩ ، والحدائق ١٥ : ٢٤٦.

(٨) المبسوط ١ : ٣٤٨ ، التهذيب ٥ : ٣٦٣ ، التحرير ١ : ١١٦ ، التذكرة ١ : ٣٤٧ ، المنتهى ٢ : ٨٢٦.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٧ ، الوسائل ١٣ : ٧٧ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٥.

٣٢٠