رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

المكان الذي كان بينهما ما كان افترقا حتى يحلاّ ، فإذا أحلاّ فقد انقضى عنهما ، إنّ أبي كان يقول ذلك » (١).

ونحوهما في ذلك الرضوي : « وتلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل ، فإن أكرهها لزمه بدنتان ولم يلزم المرأة شي‌ء » (٢).

وفيه أيضاً الحكم بالتفريق بينهما كالخبر المتقدم.

والصحاح به زيادة عليهما مستفيضة (٣) ، وإطلاقها كالفتاوي يشمل صورتي الإكراه والمطاوعة ، وربما يوجد في بعض الفتاوي تقييده بالمطاوعة (٤) ، ولا وجه له.

نعم في الحسن : عن رجل غشي امرأته وهي محرمة ، قال : « جاهلين أو عالمين » قلت أجبني في الوجهين جميعاً ، قال : « إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » (٥).

وهو بمفهومه يدل على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا عالمين ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٦ / ١٠٩٣ ، الوسائل ١٣ : ١١٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٤ ح ٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٧ ، المستدرك ٩ : ٢٨٨ ، ٢٩٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ، ٤ ، ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ١١٠ ، ١١٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ، ٤.

(٤) انظر القواعد ١ : ٩٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢ ، الوسائل ١٣ : ١١٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

٤٠١

سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية ، أو أحدهما عالماً والآخر جاهلاً ، والمكرَه بحكم الجاهل.

لكنه مقطوع السند ، فلا يقيّد به إطلاق الأخبار السابقة ، إلاّ أن يقال : إن الغالب الذي ينصرف إليه الإطلاق إنما هو صورة المطاوعة دون الإكراه ، فليحمل عليها.

وبنحوه يمكن الجواب عن إطلاق الفتاوي ، سيّما نحو العبارة ممّا ذكر فيه الحكم بالتفريق بعد حكم صورة المطاوعة دون المكرهة ، ولا يخلو عن وجه ، إلاّ أن الاحتياط يقتضي التفريق مطلقاً ، سيّما مع عدم وضوح صحة دعوى الغلبة في ذلك.

ثم إن ظاهر النصوص ونحو العبارة وجوب التفريق ، كما عليه الأكثر ، بل المشهور كما قيل (١) ، وفي المدارك الإجماع على الوجوب (٢) ، كما أيضاً في صريح الرضوي (٣).

وربما يحكى عن النهاية والمبسوط والسرائر والمهذّب (٤) التعبير ب « ينبغي » وليس صريحاً في المخالفة ، بل ولا ظاهراً كما في المختلف ، قال : لاستعماله فيهما ، أي في الوجوب والاستحباب كثيراً.

وفيه أيضاً : الروايات تدل على الأمر بالتفريق فإن قلنا الأمر للوجوب كان واجباً وإلاّ فلا (٥).

أقول : وحيث قال : وقلنا بكونه للوجوب تعيّن الفتوى به ، إذ لا‌

__________________

(١) الذخيرة : ٦١٨.

(٢) المدارك ٨ : ٤١٠.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٧.

(٤) النهاية : ٢٣٠ ، المبسوط ١ : ٣٣٦ ، السرائر ١ : ٥٤٨ ، المهذب ١ : ٢٢٩.

(٥) المختلف : ٣٨٢.

٤٠٢

معارض له سوى الأصل ، ويجب الخروج به عنه.

ثم إنّ هذا إن سلكا في القضاء ما سلكاه من الطريق في الأداء ، وإلاّ فلا افتراق كما يستفاد من الشرائع والتذكرة (١) فيما حكي عنه.

قيل : ونصّ عليه الصدوق والشهيد والتحرير والمنتهى ، وهو قريب (٢).

ويعضده الصحيح والموثق الآتيان قريباً ، وأيّده في المنتهى بأنهما إذا بلغا موضع الجماع تذكراه فربما دعاهما إليه ، وليس ذلك في طريق آخر (٣).

واعلم أن ظاهر العبارة اختصاص وجوب التفريق بالقضاء ، وأن غايته قضاء المناسك خاصة. والأصح وفاقاً لجمع ومنهم ابن زهرة مدّعياً عليه الإجماع (٤) عمومه له وللأداء ؛ لذلك ، ولإطلاق جملة من الصحاح المستفيضة وغيرها ، بل ظهورها في الأداء وصريح بعضها فيه ، وآخر منها فيه وفي القضاء.

ففي الصحيح : « ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليه الحج من قابل » (٥).

ومن الأخبار المتقدمة المتضمنةُ للتفريق فيهما.

واختلفت هذه الأخبار وغيرها في غاية التفريق‌ :

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٤ ، التذكرة ١ : ٣٥٦.

(٢) كشف اللثام ١ : ٤٠٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٣٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، ٥٧٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥ ، الوسائل ١٣ : ١١٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢.

٤٠٣

ففي الصحيحين : « حتى يبلغ الهدي محلّه » أحدهما في الأداء (١) ، والآخر في القضاء (٢).

وفي آخرين : « حتى يقضيا الماسك ويعودا إلى موضع الخطيئة » (٣) وموردهما الإطلاق أو الأداء.

ونحوهما الصحيحة المتقدمة أعني المقطوعة في القضاء ، وفي بعض الأخبار المتقدمة : حتى يبلغا مكة ، وموضع الخطيئة.

وفي الصحيح : « يفرّق بينهما حتى ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : أرأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أُخرى يجتمعان؟ قال : « نعم » (٤).

وفي الموثق المروي عن نوادر البزنطي : « يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك وحتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق ، قال : « فليجتمعا إذا قضيا المناسك » (٥).

__________________

(١) الأول : التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١١٠٠ ، الوسائل ١٣ : ١١١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٥. الثاني : الكافي ٤ : ٣٧٣ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١١٣ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١١٣ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٢.

(٣) أحدهما في : التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥ ، الوسائل ١٣ : ١١٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢. والآخر في : الكافي ٤ : ٣٧٥ / ٧ ، الوسائل ١٣ : ١١٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٤ ح ١.

(٤) معاني الأخبار : ٢٩٤ / ١ ، الوسائل ١٣ : ١١٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٤.

(٥) مستطرفات السرائر : ٣١ / ٢٩ ، الوسائل ١٣ : ١١٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٥.

٤٠٤

والذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الأخبار حمل تعدد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل والاستحباب ، فأعلاها الرجوع إلى موضع الخطيئة وإن أحلاّ وقضيا المناسك ، قبله ، ثم قضاء المناسك ، ثم بلوغ الهدي محلّه كما في الصحيحين ، وهو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة.

ولكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة الأعلى ثم الوسطى ، سيّما في الحِجة الأُولى ؛ لكثرة أخبارها وشهرتها ، ولذا قيل : وقد أجاد الإسكافي حيث أفتى بالافتراق في الأداء إلى بلوغهما محل الخطيئة وإن أحلاّ قبله ، وفي القضاء إلى بلوغ الهدي محلّه ، وكذا ابن زهرة وإن لم ينصّ على الإحلال (١).

أقول : وفي الغنية عليه الإجماع (٢).

( ولو كان ذلك ) أي الجماع عامداً عالماً منهما ، أو من أحدهما ( بعد الوقوف بالمشعر لم ) يفسد به الحج ، فلا ( يلزمه الحج من قابل ، و ) لكن ( جبره ببدنة ) بلا خلاف ، بل على الحكمين الإجماع في الغنية والمنتهى وغيرهما (٣) ؛ للأصل ، ومفهوم الصحيح المتقدم (٤) في فساد الحج بالجماع قبل الوقوف بالمشعر في الأول ؛ مضافاً إلى المرسل (٥) والرضوي (٦) فيهما.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠٥.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، المنتهى ٢ : ٨٣٥ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٤١٣ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٢٨.

(٤) في ص : ٣٤٨٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١٣ / ٩٦٩ ، الوسائل ١٣ : ١١٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٦ ح ٢.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٧ ، المستدرك ٩ : ٢٩٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٥ ح ١.

٤٠٥

وخصوص المعتبرة في لزوم البدنة ، ففي الصحيح : عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء ، قال : « عليه جزور » (١).

وفي آخر : قبل أن يزور البيت ، قال : « يهريق دماً » (٢).

وفي الخبر : عن رجل وقع على أهله يوم النحر قبل أن يزور ، قال : « إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة ، وإن كان غير ذلك فبقرة أو شاة » (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الآتية.

( ولو استمنى ) أي طلب المني بالعبث بيده أو بملاعبة زوجته أو غير ذلك ، والفرق بينه وبين الاستمتاع بغير الجماع مما يأتي تجرد الاستمتاع عن قصد الإمناء بخلافه. وقيّده جماعة ومنهم الماتن هنا والفاضل في القواعد وغيرهما (٤) بكونه ( بيده ، لزمته بدنة حسب ) وفاقاً للحلّي وجماعة (٥).

للأصل ، المؤيد بما في الصحيحين من عدم القضاء على المجامع فيما دون الفرج مطلقاً ولو أمنى (٦) ، وعليه الإجماع في الغنية (٧) ، بل وغيرها‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ / ١١٠٩ ، الوسائل ١٣ : ١٢١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ / ١١٠٥ ، الوسائل ١٣ : ١٢٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ / ١١٠٦ ، الوسائل ١٣ : ١٢٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ٣.

(٤) القواعد ١ : ٩٨ ، جامع المقاصد ٣ : ٣٤٦.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ٥٥٢ ، والحلي في الكافي في الفقه : ٢٠٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٤.

(٦) الأول : التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٤ ، الوسائل ١٣ : ١١٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٧ ح ١. الثاني : الكافي ٤ : ٣٧٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٥ ، الوسائل ١٣ : ١١٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٧ ح ٢.

(٧) انظر الخلاف ٢ : ٣٧٠.

٤٠٦

أيضاً (١) ، بل جعل هذا فخر الإسلام دليلاً مستقلا على هذا القول بعد أن اختاره ، فقال : لأن الجماع في غير الفرج أشد من الاستمناء ، لتعلّق أحكام الزنا به ، دونه ، وهو لا يفسد (٢).

( و ) لكن ( في رواية ) موثقة عمل بها الشيخ في النهاية والمبسوط (٣) ، وجماعة كالقاضي وابن حمزة (٤) ، بل الأكثر كما في التنقيح (٥) : في محرم عبث بذكره فأمنى ، قال : « أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم بدنة و ( الحج من قابل ) (٦).

ومال إليها ثاني المحقّقين والشهيدان (٧) ، قالوا : لعدم معارض لها.

ونحوهم الفاضل المقداد في التنقيح ، فقال بعد الكلام في سندها : لكن قال الإسكافي هي في حديث الكليني (٨) عن مسمع بن عبد الملك ، عن الصادق عليه‌السلام ، ومسمع ممدوح مدحه الصادق عليه‌السلام ، ملقّب بكردين بكسر الكاف ، فانجبر ضعف الرواية بهذه ، مع أن القائل بها أكثر والعمل بها أحوط. انتهى. وهو حسن.

فيتعيّن الخروج بها عن الأصل وما بعده المتقدّمين ، سيّما مع تأيدها‌

__________________

(١) انظر الخلاف ٢ : ٣٧٠.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٣٤٥.

(٣) النهاية ، المبسوط ١ : ٣٣٧.

(٤) القاضي في المهذب ١ : ٢٢٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٦.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٥٦٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٦ ، الوسائل ١٣ : ١٣٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٥ ح ١.

(٧) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٤٧ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣٧١ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٥٨.

(٨) في المختلف : ٢٨٣.

٤٠٧

بما في المختلف (١) من أن الاستمناء أقبح من إتيان أهله ، فيكون أولى بالتغليظ.

ومن الصحيح : عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال : « عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي جامع » (٢).

وإن كان في الاستدلال بهما ولا سيّما الثاني نظر.

هذا والإنصاف أن الموثقة التي هي الأصل في الباب لا دلالة لها على حكم الاستمناء على الإطلاق ، بل على الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع للاستمناء تارة والمتخلف عن اخرى ، ولذا اقتصر على موردها الشيخ الذي هو الأصل في القول بها ، فعبّر بمتنها ، وهو الأقوى.

ولا موجب للتعدية هنا حتى رواية المسمع المتقدمة ، فإن متنها كما في المختلف عن الإسكافي هكذا : « إذا أنزل لماء إما بعبث بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي جامع » قال في المختلف بعد نقله : وليس هذا القول صريحاً منه بالإفساد ؛ لاحتمال المساواة في البدنة ، فإن النظر لا يقتضي الإفساد (٣).

أقول : ولعلّه لهذا لم يتعرض أحد سوى التنقيح للاستدلال بهذه الرواية في المسألة ، ومع ذلك فينبغي تقييدها بما إذا وقع ذلك قبل أحد الموقفين مع ما مرّ من الوصفين ، لا مطلقاً اتفاقاً.

__________________

(١) المختلف : ٢٨٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٤ ، الوسائل ١٣ : ١٣١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٤ ح ١.

(٣) المختلف : ٢٨٣ ، ٢٨٣.

٤٠٨

( ولو جامع ) المولى ( أمته المحرمة بإذنه ) حال كونه ( مُحلاًّ ) عامداً عالماً بأنه لا ينبغي له ذلك مختاراً ( لزمه بدنة أو بقرة أو شاة ) مخيراً بينها إن كان قادراً عليها أجمع.

( ولو كان معسراً ) ولم يقدر إلاّ على الشاة ( فشاة أو صيام ) فيما قطع به الأصحاب كما في كلام جماعة (١) ، وفي الروضة بعد نقل نحو العبارة بزيادة ( ثلاثة أيام ) بعد الصيام : هكذا وردت به الرواية وأفتى به الأصحاب (٢).

وظاهرهم كما ترى الإجماع مع أنه لم ينقل في المختلف ولا غيره إلاّ عن أبي العلاّمة والماتن وابن عمّه (٣) ، وسيأتي الخلاف فيه من الشيخ والحلّي.

نعم أفتى به في القواعد والإرشاد والتحرير (٤) ، والشهيدان في كتبهم (٥) ، وغيرهم من المتأخرين (٦) ؛ لما مرّ من الرواية ، وهي موثقة ، بل قيل : صحيحة (٧) ، وفيها : عن رجل مُحلّ وقع على أمة له محرمة ، قال : « موسراً أو معسراً؟ » قلت : أجبني فيهما ، قال : « أمرها بالإحرام أو لم يأمرها وأحرمت من قبل نفسها؟ » قلت : أجبني فيهما ، فقال : « إن كان‌

__________________

(١) منهم : صاحبو المدارك ٨ : ٤١٧ ، والذخيرة : ٦١٩ ، والحدائق ١٥ : ٣٩٦.

(٢) الروضة البهية ٢ : ٣٥٦.

(٣) المختلف : ٢٨٣ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٤٠٥ ، والجامع للشرائع : ١٨٨.

(٤) القواعد ١ : ٩٩ ، الإرشاد ١ : ٣٢٢ ، التحرير ١ : ١٢٠.

(٥) الدروس ١ : ٣٧١ ، المسالك ١ : ١٤٤.

(٦) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٤٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦١٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٥.

(٧) قاله في المختلف : ٢٨٣ ، والحدائق ١٥ : ٣٩٦.

٤٠٩

موسراً وكان عالماً أنه لا ينبغي له وكان هو الذي أمرها بالإحرام فعليه بدنة ، وإن شاء بقرة ، وإن شاء شاة ؛ وإن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شي‌ء عليه موسراً كان أو معسراً ، وإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام » (١).

ورويت المحاسن بزيادة : « أو صدقة » (٢) :

وهي مع اعتبار سندها وحجيتها مشهورة بين الأصحاب ، فلا بأس بالعمل بها.

خلافاً للنهاية فعليه بدنة وإن لم يقدر فشاة أو صيام ثلاثة أيام (٣).

وقريب منه عن المبسوط والسرائر (٤).

قيل : وكأنهما حملا الخبر على الإكراه ؛ للأصل ، مع ضعفه ومعارضته بالصحيح : عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن هو أحرم فغشيها بعد ما أحرمت ، قال : « يأمرها فتغتسل ، ثم تحرم ولا شي‌ء عليه » (٥) وحمله في كتابي الأخبار على أنها لم تكن لبّت ، وأما عدد الثلاثة في الصيام فكأنه لكونها المعروفة بدل الشاة (٦). انتهى.

وفي الحكم بضعف الخبر ما مرّ ، مع أنه على تقديره بفتوى الأصحاب منجبر ، والصحيح بإطلاقه شاذّ.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٠ / ١١٠٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩٠ / ٩٣٦ ، الوسائل ١٣ : ١٢٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٨ ح ٢.

(٢) المحاسن : ٣١٠ / ٢٤.

(٣) النهاية : ٢٣٠.

(٤) المبسوط ١ : ٣٣٧ ، السرائر ١ : ٥٤٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٢٠ / ١١٠٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤٠ ، الوسائل ١٣ : ١٢١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٨ ح ٣.

(٦) كشف اللثام ١ : ٤٠٥.

٤١٠

ثم إن الخبر بإطلاقه شامل لما لو أكرهها أو طاوعته ، لكن ذكر العلاّمة ومن تبعه (١) أن مع المطاوعة تجب عليها الكفارة أيضاً بدنة ، وصامت عوضها ثمانية عشر يوماً ، مع علمها بالتحريم ، وإلاّ فلا شي‌ء عليها ، ولو طاوعته قبل المشعر فسد حجها أيضاً.

ونظرهم في ذلك إلى عموم الأخبار والأدلة المتقدمة في المسائل السابقة في جماع المحرم مع المحرمة ؛ لما تقدم من عموم « الأهل » فيها و « المرأة » فلا وجه لتأمل جماعة من المتأخرين (٢) فيما ذكروه مع اعترافهم بعموم تلك الأخبار للأمة. ولا ينافيه إطلاق الرواية ؛ فإنه بالنسبة إلى المولى خاصة ، وأما بالنسبة إلى حكم الأمة فالرواية مجملة لا تعرّض له فيها بشي‌ء الكلية.

ولم يقيد بالفتوى والرواية الجماع بوقت ، فيشمل سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة إليه ، أما بالنسبة إليها فيختلف الحكم كالسابق ، فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجها مع المطاوعة والعلم كما مرّ.

واحترز بالمحرمة بإذنه عما لو فعلته بغيره ، فإنه يغلي ولا شي‌ء عليهما.

وفي إلحاق الغلام المحرم بإذنه بها وجهان مضى وجههما مراراً.

( ولو جامع ) المحرم عالماً عامداً بعد المشعر ( قبل طواف الزيارة

__________________

(١) العلامة في التذكرة ١ : ٣٥٧ ، والمنتهى ٢ : ٨٤٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٥.

(٢) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٤١٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦١٩ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٣٩٦ ٣٩٧.

٤١١

لزمه بدنة ) لإطلاق ما مرّ من ثبوتها على من جامع بعد المشعر ، وإنما ذكر هنا هذا بالخصوص مع دخوله فيما مرّ للتنبيه على حكم الأبدال المشار إليه بقوله : ( فإن عجز ) عنها ( فبقرة أو شاة ) مخيراً بينهما كما هنا وفي الشرائع والقواعد وغيرها (١) ، أو مرتباً كما في الإرشاد والتحرير (٢) ، وعن النهاية والمبسوط والسرائر والتذكرة والمنتهى والتخليص والمهذّب (٣).

ولم أعثر على نصّ على أصل هذه الأبدال مطلقاً ، وبذلك اعترف جماعة (٤).

وربما استدل لها على التخيير ببعض الصحاح المتقدمة في الوقاع بعد المشعر ، فإن فيه : « إن عليه دماً يهريقه » وهو بإطلاقه يشمل البقرة أيضاً.

وفيه : أنّه في الأخبار ظاهر في الشاة ، ولو سلّم فيشمل البدنة أيضاً ، ومقتضى الإطلاق جواز العدول إلى الآخرين مطلقاً ، وليس كذلك ، فإن الترتيب بينها وبين الآخرين ثابت بلا خلاف ، ولو سلّم فمقتضى الأُصول في الجمع بينه وبين الأدلة المتضمنة للبدنة التقييد بها.

وأما الاستدلال عليه بالخبر المتقدم بعدهما ثمة المتضمن لقوله : « إن وقع عليها بشهوة » إلى آخره فأوضح حالاً في الفساد غنيّ وجهه عن البيان.

وربما استدل على ذلك بالخبر : عن رجل أتى أهله وعليه طواف النساء ، قال : « عليه بدنة » ثم جاءه آخر فسأله عنها فقال : « عليه بقرة » ثم‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٤ ، القواعد ١ : ٩٩ ؛ وانظر المختلف : ٢٨٣.

(٢) الإرشاد ١ : ٣٢٢ ، التحرير ١ : ١١٩.

(٣) النهاية : ٢٣١ ، المبسوط ١ : ٣٣٧ ، السرائر ١ : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٣٥٧ ، المنتهي غ ٢ : ٨٣٩ ، المهذب ١ : ٢٢٤.

(٤) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٥٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٤ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤١٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٢٨.

٤١٢

جاء آخر فقال : « عليك شاة » فقلت بعد ما قاموا : أصلحك الله تعالى كيف قلت عليه بدنة؟ فقال : « أنت موسر عليك بدنة ، وعلى الوسط بقرة ، وعلى الفقير شاة » (١).

وهو بعد الإغماض عن ضعف السند بالجهالة ، وعدم انطباقه على القول بالتخيير بين الشاة والبقر مورده من طاف الزيارة وعليه طواف النساء ، وهو غير مفروض المسألة ، أعني من عليه طواف الزيارة ، وإلحاق أحدهما بالآخر من غير موجب قياس فاسد في الشريعة ، ومع ذلك لزوم الشاة على الفقير مثلاً يتبع الاسم والصفة ، وهو أعم من العجز عن البدنة أو البقرة ، فإن الفقير قد لا يعجز عنها مع فقرة قطعاً.

والأجود الاستدلال بعدم ظهور الخلاف ، وهو حجة على المختار.

بقي الكلام في تعيين الترتيب والتخيير ، ومقتضى الأُصول الأول ، مع أن القائل به أكثر ، والعمل به أحوط.

ولا فرق في وجوب الكفارة بين من لم يطف شيئاً من الأشواط أو طاف أقل من النصف أو أكثر ؛ لعموم الأخبار والفتاوي ، لصدق أنه قبل الطواف ، وأنه لم يزر ، فإنه بمعنى لم يطف.

وخصوصِ الخبر : « فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة فطاف أربعة أشواط فغمزه بطنه فخرج فقضى حاجته فغشي أهله ، أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يرجع فيطوف أُسبوعا » (٢) وكان إفساد الحج بمعنى نقصه ؛

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١١٠٣ ، الوسائل ١٣ : ١٢٣ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٩ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ / ١١٠٧ ، الوسائل ١٣ : ١٢٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١١ ح ٢.

٤١٣

إذ لا قائل بفساده بذلك. أو الحج بمعنى الطواف ؛ تسميةً للجزء باسم الكل كما عن المنتهى (١) ، أو رجوعاً إلى اللغة.

( ولو طاف من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع ) ولو عامداً عالماً ( لم يلزمه الكفارة وأتمّ طوافه ) على الأظهر الأشهر ، بل لا خلاف فيه إلاّ من الحلّي (٢). وهو نادر ، ومستنده مع ذلك غير واضح ، عدا ما ادّعاه من الإجماع على لزومها على من واقع قبل طواف النساء ، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين (٣) ؛ للأخبار المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره (٤) بذلك.

وفيهما نظر ؛ لمنع الإجماع وشموله لمحل النزاع ، فإن القدر المتحقق من الفتاوي المتفقة عليه هو الوقاع قبل مجاوزة النصف ، وكذلك الأخبار ، مع ضعف سند أكثرها ، بل المتبادر من إطلاقها إنما هو الوقاع قبل الشروع ، لا بعده ، وإنما استفيد حكمه من الإجماع الظاهر ، المستفاد من جملة من العبائر (٥) على نفي الكفارة بعد الخمسة الأشواط ، وخصوص الحسن كالصحيح ، بل قيل : صحيح (٦) : عن رجل كان عليه طواف النساء فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته ، قال : « يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه ، ويستغفر ربه ولا يُعد ، وإن كان [ طاف ] طواف النساء‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٨٣٩.

(٢) السرائر ١ : ٥٥٢.

(٣) الحدائق ١٥ : ٣٨٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٢٣ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠.

(٥) انظر المسالك ١ : ١٤٥ ، والمدارك ٨ : ٤٢١ ، والحدائق ١٥ : ٣٨٤.

(٦) قاله العلامة في المختلف : ٢٨٤.

٤١٤

فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ، ثم يعود فيطوف أُسبوعاً » (١). وفحوى الخبر الآتي.

والقدح سنداً بعدم الصحة ، بل الضعف في الثاني ، ودلالةً في الأول بعدم نفيه الكفارة ، بل غايته السكوت عنها ، وهو أعم من نفيها ليس في محلّه.

لكفاية الحسن في الحجية ، ولا سيّما مثله ؛ لرواية المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن موجبه ، وعلى تقدير الضعف فهو مجبور بالشهرة المقطوع بها ونفي الخلاف عن [ عدم (٢) ] لزوم الكفارة هنا في كلام جماعة.

والدلالة واضحة ؛ فإن السكوت عنها في مقام الحاجة دليل على نفيها ، لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، سيّما مع انضمام القرينة إليه وهو إيجاب البدنة في الوقاع إذا طاف ثلاثة أشواط في الذيل ، وتركها في الصدر مع التعرض لها في الذيل أوضح قرينة على النفي ، ولذا لم يعترض أحد من الأصحاب بضعف الدلالة.

نعم تأملوا في السند ، وقد مرّ الجواب عنه أيضاً ، مضافاً إلى الانجبار بموافقة الأصل ، بناءً على ما مرّ من منع العموم على لزوم البدنة بالوقاع قبل طواف النساء بنحو يشمل محل النزاع ، فإذاً لا شبهة في ضعف قول الحلّي ، مع أنه لم يصرّح بلزوم البدنة في المسألة ، وإنما صرّح بلزومها قبل الخمسة الأشواط في مقابلة الشيخ بدليل يعمّ المسألة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٤٥ / ١١٧٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ / ١١١٠ ، الوسائل ١٣ : ١٢٦ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١١ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٢) أضفناه للتصحيح.

٤١٥

ثم المستفاد من ذيل الحسنة عدم لزوم الكفارة بالوقاع بعد الثلاثة الأشواط ، خرج منه ما لم يبلغ النصف بالإجماع ، وبقي الباقي مندرجاً تحت عموم مفهوم الشرط ، ولا يعارضه مفهوم الخمسة في الصدر ، لكونه في كلام الراوي ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم المسئول عنه لا يقتضي نفي الحكم عما عداه ، ( و ) لذا ( قيل : يكفي في البناء ) الأولى : في سقوط الكفارة ، ففي العبارة تسامح ( مجاوزة النصف ) والقائل الشيخ وجماعة (١) ، وهو في غاية القوة ، لما عرفت.

مضافاً إلى تأيده بالخبر : في رجل نسي طواف النساء ، قال : « إذا زاد على النصف وخرج ناسياً أمر من يطوف عنه وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف » (٢) ولا معنى للزوم الكفارة على الفعل المرخص فيه ، وضعف الخبر منجبر بموافقة الأصل ، بناءً على منع العموم المتقدم.

( ولو عقد محرم لمحرم على امرأة ودخل ) بها ( فعلى كل واحد ) منهما ( كفارة ) بدنة فيما قطع به الأصحاب من غير خلاف ، وفي المدارك : إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه (٣). ونحوه غيره (٤). معربين عن دعوى الإجماع عليه ، كما عن صريح ابن زهرة (٥) ، وهو الحجة ، مضافاً إلى فحوى الرواية الآتية.

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٢٣١ ، والحلي في السرائر ١ : ٥٥١ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٨٤٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٦ / ١١٧٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٩ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ١٠.

(٣) المدارك ٨ : ٤٢١.

(٤) كفاية الأحكام : ٦٥ ؛ وانظر ملاذ الأخيار ٨ : ٢٤٩.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

٤١٦

وإطلاق المتن وغيره ، بل الأكثر كما قيل ـ (١) يقتضي تساوي علمهما بالإحرام أو الحرمة والجهل ، ووجوب البدنة على العاقد إن كان دخول المعقود له بعد الإحلال ، فإن تمّ الإجماع عليه وإلاّ فالاقتصار على القدر المقطوع به وهو العلم بالأمرين لازم كما استوجهه بعض الأصحاب (٢) ، ناقلاً له عن غيره.

( وكذا ) عليهما البدنة ( لو كان العاقد محلاًّ على رواية سماعة ) الصحيحة إليه الموثقة به : « لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرماً وهو يعلم أنه لا يحل له » قال سماعة : فإن دخل بها المحرم ، قال : « إن كانا عالمين فإنّ على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة ، وإن لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها إلاّ أن تكون قد علمت أن الذي تزوّجها محرم ، فإن كانت قد علمت ثم تزوجته فعليها بدنة » (٣).

وظاهر المتن التوقف في العمل بها ، ولعلّه لما في المنتهى من أنه في سماعه قول ، وعندي في هذه الرواية توقف (٤). وفي الإيضاح : الأصح خلافه ؛ للأصل ، ولأنه مباح بالنسبة إليه ، وتحمل الرواية على الاستحباب (٥).

وفيه نظر ؛ فإن الراوي ثقة ، وليس يقدح في قبول خبره فساد مذهبه إن قلنا به ، مع أنه قال جماعة بحسن مذهبه ، والموثق حجة ، سيّما وإذا‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠٧.

(٢) نقله في الجواهر ٢٠ : ٣٧٨ عن كشف اللثام ، ولم نعثر عليه فيه.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٣٠ / ١١٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ١٠.

(٤) المنتهى ١ : ٨٤٢.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٣٤٨.

٤١٧

اعتضد بالشهرة العظيمة بين الأصحاب على الظاهر ، المصرَّح به في عبائر (١) ، بل في التنقيح بعد القدح فيه بوقفه : لكن انجبر روايته بعمل الأصحاب (٢) ، وظاهره دعوى الإجماع.

ومقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة إذا كانت [ محلّة (٣) ] عالمة بإحرام الزوج ، وبمضمونها أفتى الشيخ رحمه‌الله وجماعة (٤).

وفي المدارك : وهو أولى من العمل بها في [ أحد (٥) ] الحكمين وإطراحها في الآخر كما فعله في الدروس (٦) ، إلى آخر ما قال. وهو حسن.

( ومن جامع في إحرام العمرة ) مطلقاً ( قبل السعي فعليه بدنة وقضاء العمرة ) للحسن : في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة ، ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : « قد أفسد عمرته ، وعليه بدنة ، وعليه أن يقيم بمكة محلاًّ حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ، ثم يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بلاده فيحرم منه ويعتمر » (٧). ونحوه الصحيح (٨) وغيره (٩) ، لكن في‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٥ ، مجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٣١ ، الحدائق ١٥ : ٣٩٩.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٥٦٢.

(٣) في النسخ : محرمة ، وهو سهو ظاهراً.

(٤) الشيخ في التهذيب ٥ : ٣٣٠ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٣٥٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٧.

(٥) أضفناه من المصدر.

(٦) الدروس ١ : ٣٧٢ ، المدارك ٨ : ٤٢٢.

(٧) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ / ١١١١ ، الوسائل ١٣ : ١٢٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢ ح ٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٢ ، الوسائل ١٣ : ١٢٨ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢ ح ١.

(٩) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ١ ، الوسائل ١٣ : ١٢٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢ ح ٤.

٤١٨

المجامع قبل الطواف والسعي معاً.

وموردها أجمع : العمرة المفردة ، قيل : ولذا خصّه في التهذيب بها (١).

خلافاً للأكثر فعمّموا الحكم للعمرة المتمتع بها أيضاً.

واستشكل فيه في القواعد (٢) ، قيل : من التساوي في الأركان وحرمتهن قبل الأداء ، وإنما الخلاف باستتباع الحج ووجوب طواف النساء وعدمهما ؛ ومن الأصل ، والخروج عن النصوص ، ولزوم أحد الأمرين إذا لم يسع الوقت إنشاء عمرة أُخرى قبل الحج ، أما تأخير الحج إلى قابل ، أو الإتيان به مع فساد عمرته ، وهو يستلزم إما فساده مع الإتيان بجميع أفعاله والتجنب فيه عن المفسد ، أو انتقاله إلى الإفراد ، وإذا انتقل إلى الإفراد سقط الهدي وانتقلت العمرة مفردة فيجب لها طواف النساء ، وفي جميع ذلك إشكال (٣). انتهى.

ولكن ظاهر جماعة كالمحقّق الثاني وفخر الإسلام حاكياً له عن والده (٤) : أنه لا إشكال في فساد العمرة المتمتع بها ، وإنما هو في فساد حجها بفسادها ، من ارتباطه بها ، ومن انفراده بإحرام آخر ، والأصل صحته والبراءة عن القضاء.

وكأنّ عدم إشكالهم في فسادها لعدم الخلاف فيه ، وإلاّ فالنصوص مختصة بالمفردة ، دونها ، كما مضى ، وحينئذ فالتعميم أقوى ، وفاقاً‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ٤٢٢.

(٢) القواعد ١ : ٩٩.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤٠٦.

(٤) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٥٠ ، فخر الإسلام في إيضاح الفوائد ١ : ٣٤٧.

٤١٩

للحلبيّين فيما حكي عنهما (١).

وحيث فسدت العمرة المتمتع بها فالأظهر فساد حجها أيضاً ؛ لما مرّ من الارتباط ، وفساد الوجه الآخر ، لأن حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه.

وليس في المتن وكلام الشيخ والأكثر كما قيل ـ (٢) تعرّض لوجوب إتمام العمرة الفاسدة ، ولا وجوب التفريق.

وقطع الفاضل في القواعد والشهيدان كما قيل ـ (٣) بالوجوب ؛ ومستندهم غير واضح ، لخلو الأخبار عنه ، بل ربما أشعرت بالعدم ، للتصريح فيها بالفساد وعدم التعرض فيها للأمرين بالكلية مع كون المقام مقام الحاجة.

وربما يستدل لهم بأنه لا يجوز إنشاء إحرام آخر قبل إكمال الأول ، كما مرّ.

وفيه نظر ؛ لقوة احتمال اختصاص ذلك بالإحرام الصحيح ، دون الفاسد.

ثم إن ظاهر الأخبار تعيّن القضاء في الشهر الداخل ولزوم الصبر إليه.

ولا ريب أنه أحوط ولو قلنا بجواز توالي العمرتين أو الاكتفاء بالفرق بينهما بعشرة أيام في غير المقام.

خلافاً لجماعة فجعلوه أفضل (٤).

__________________

(١) حكاه عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٦ ، وهو في الكافي في الفقه : ٢٠٣ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٢) المدارك ٨ : ٤٢٣.

(٣) انظر الذخيرة : ٦٢٠ ، المدارك ٨ : ٤٢٣.

(٤) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٢٩٥ ؛ وانظر القواعد ١ : ٩٩ ، والروضة البهية ٢ : ٣٥٩.

٤٢٠