رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

ففي الصحيح : « من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم » (١).

وفيه عن أبي الحسن عليه‌السلام : « سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة ، فقلت : لا أدري » قال صفوان : فقلت له : جعلت فداك ، ما تقول فيها؟ قال : « عليه دم إذا بات » (٢).

وفيه : عن رجل بات مكة ليالي منى حتى أصبح ، فقال : « إن كان أتاها نهاراً فبات حتى أصبح فعليه دم يهريقه » (٣).

وفيه : « لا تبت ليالي التشريق إلاّ بمنى ، فإن بتّ في غيرها فعليك دم » (٤).

والاستدلال بهذين إنما هو لأن إطلاقهما يفيد شاة لليلة فلليلتين شاتان ، كذا قيل (٥) ، ولا يخلو عن إشكال.

نعم لا بأس به ، جمعاً بينهما وبين الأخبار المتقدمة الصريح بعضها في وجوب الدم بترك المبيت ليلةً ؛ مضافاً إلى الإجماعات المنقولة ، وصراحة الرواية الآتية بثلاثة لثلاث (٦) ، وظاهر غيرهما ممّا سيأتي إليه الإشارة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٤ / ٣ مرسلاً ، التهذيب ٥ : ٢٥٩ / ٨٨١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٤ / ١٠٤٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٦ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٥٧ / ٨٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٢ / ١٠٣٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٢ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٧ / ٨٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٢ / ١٠٤٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٥١ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٥٨ / ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ / ١٠٤٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٤ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٨.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٧٧.

(٦) انظر ص ٣٢٤٢.

١٤١

فلا إشكال في المسألة وإن حكي التعبير بأنّ من بات ليالي منى بغيرها وما بلفظ الجمع عن المقنعة والهداية والمراسم والكافي وجعل العلم والعمل ؛ لما قيل من احتماله الوفاق لما عليه الأصحاب وإن احتمل الخلاف ، أمّا بالتسوية بين ليلة وليلتين وثلاث ، أو بأن لا يجب الدم إلاّ لثلاث ، لإجماله واحتماله كلاًّ من الاحتمالات على السواء ، بل قيل : الأول أظهرها (١).

وإطلاق النصوص والفتاوي يشمل الجاهل والمضطر والناسي ، فيكون جبراناً ، لا كفارة.

خلافاً للمحكي عن الشهيد في بعض الحواشي ، فاستثنى الجاهل (٢).

ووجهه غير واضح.

وفي الصحيح : عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى ، قال : « ليس عليه شي‌ء وقد أساء » (٣).

وهو يحتمل الجهل ، والليلة الثالثة ، وما في التهذيبين من الخروج بعد انتصاف الليل ، أو الاشتغال بالطاعة في مكة (٤).

وفي آخر : فاتتني ليلة المبيت بمعنى في شغل ، فقال : « لا بأس » (٥).

وهو يحتمل ما فيهما ، والنسيان ، والصرورة ، والليلة الثالثة.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٧٧ ، والمراد بالأول احتمال الوفاق.

(٢) حكاه عنه في جامع المقاصد ٣ : ٢٦٣ والمدارك ٨ : ٢٢٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٧ / ٨٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٢ / ١٠٤١ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٣ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٧.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٩٣ ، التهذيب ٥ : ٢٥٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٥٧ / ٨٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ / ١٠٤٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٥ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٢.

١٤٢

ويحتملان أيضاً الحمل على التقية ، كما ربما يفهم من الصحيحة المتقدمة المروية عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وقيل : إنه مذهب أبي حنيفة (١).

أو على أن يكون غلبه عينه بمكة أو في الطريق بعد ما خرج منها إلى منى ، كالمروي في قرب الإسناد : في رجل أفاض إلى المبيت ، فغلبته عيناه حتى أصبح ، قال : « لا بأس عليه ، ويستغفر الله تعالى ، ولا يعود » (٢). وهو ضعيف.

نعم ، هنا أخبار صحيحة بجواز النوم في الطريق اختياراً :

منها : « من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم ، وإن خرج منها فليس عليه شي‌ء وإن أصبح دون منى » (٣).

ومنها : « إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شي‌ء عليه » (٤).

ومنها : « إذا جاز عقبة المدنيّين فلا بأس أن ينام » (٥).

قيل : وبه أفتى الإسكافي والشيخ في التهذيبين (٦).

أقول : ولا يخلو عن قوة إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ؛ لوضوح‌

__________________

(١) قال به صاحب الحدائق ١٧ : ٢٩٨.

(٢) قرب الإسناد : ١٣٩ / ٤٩٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٨ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٢٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٤ / ٣ مرسلاً ، التهذيب ٥ : ٢٥٩ / ٨٨١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٤ / ١٠٤٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٦ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٦.

(٤) الكافي ٤ : ٥١٥ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ / ١٤١١ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٧.

(٥) الكافي ٤ : ٥١٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٥٩ / ٨٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٤ / ١٠٤٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٦ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٥.

(٦) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٧٧.

١٤٣

دلالتها ، مضافاً إلى صحتها وكثرتها وموافقتها الأصل ، مع عدم وضوح معارض لها إلاّ إطلاق بعض الصحاح المتقدمة ، ويقبل التقييد بها ، والخبر : عن رجل زار البيت فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم رجع ، فغلبته عينه في الطريق فنام حتى أصبح ، قال : « عليه شاة » (١).

وفي سنده ضعف ، ويحتمل تقييد الطريق فيه بطريق في حدود مكة لا خارجها. ولا بُعد فيه ، سيّما بعد ملاحظة الصحيحة الأُولى المتقدمة في صدر المسألة.

هذا ، ولكن الأحوط ما عليه الأصحاب.

والحكم بوجوب الدم لترك المبيت مطلق ( إلاّ أن يبيت بمكة متشاغلاً بالعبادة ) فلا يجب على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ؛ للصحيحين (٢) ، في أحدهما : عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر ، فقال : « ليس عليه شي‌ء ، كان في طاعة الله عزّ وجلّ ». وهو يفيد العموم لكل عبادة واجبة أو مندوبة.

ومورده استيعاب الليل بها ، فينبغي الاقتصار فيما خالف الأصل الدالّ على لزوم الدم بترك المبيت عليه.

نعم ، يستثنى منه ما يضطر إليه من غذاء وشراب كما ذكره الشهيدان (٣) ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٥٩ / ٨٧٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٤ / ١٠٤٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٤ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٠.

(٢) الأول : الكافي ٤ : ٥١٤ / ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٤ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٩. الثاني : التهذيب ٥ : ٢٥٨ / ٨٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ / ١٠٤٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٥ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٣.

(٣) الدروس ١ : ٤٥٩ ، المسالك ١ : ١٢٥.

١٤٤

ولكن زادا : ونوم يغلب عليه. وفيه نظر ؛ إذ ليس في الخبر ما يرشد إليه ، بل ولا إلى الأولين ، وإنما استثنيا حملاً لإطلاق النص على الغالب ، وليس في الخبر ما يخالف في النوم ، لظهوره في عدمه.

قيل : ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى ، وهو أن يتجاوز نصف الليل (١). وهو ضعيف.

نعم ، له المضي إلى منى ؛ لإطلاق الصحاح المتقدمة في النوم في الطريق ، وبل ظهورها فيه ، بل تظافرت الصحاح بالأمر به :

منها : « إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلاّ بمنى » (٢).

ومنها : « إذا زار بالنهار أو عشاءً فلا ينفجر الصبح إلاّ وهو بمنى » (٣).

ومنها : « إن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ وأنت بمنى ، إلاّ أن يكون شغلك نسكك ، أو قد خرجت من مكة » (٤).

إلى غير ذلك من الصحيح وغيره (٥).

وخالف الحلّي في أصل الاستثناء ، فاستظهر أن عليه الدم وإن بات بمكة مشتغلاً بالعبادة ؛ عملاً بالعمومات ، والتفاتاً إلى أن الصحيح من الآحاد (٦). وهو مع وهو أصله شاذّ.

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٥٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٥٦ / ٨٦٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٢ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٥٦ / ٨٧٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٢ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٥٨ / ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ / ١٠٤٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٥١ أبواب العود إلى منى ب ١.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٥١ أبواب العود إلى منى ب ١.

(٦) السرائر ١ : ٦٠٤.

١٤٥

( ولو كان ممن يجب عليه المبيت ) في ( الليالي الثلاث ) مطلقاً (١) وترك المبيت بها أجمع ( لزمه ثلاث شياه ) لكل ليلة شاة إجماعاً كما في الغنية (٢) ؛ لإطلاق بعض الروايات المتقدمة ؛ مضافاً إلى رواية أُخرى ضعف سندها بالشهرة منجبر : عمن بات ليالي منى بمكة ، قال : « ثلاثة من الغنم يذبحهن » (٣).

والمراد بمن يجب عليه المبيت في الليالي الثلاث هو : من لم يتّق في إحرامه الصيد والنساء ، أو موجبات الكفارة ، أو مطلق المحرّمات ، على اختلاف الأقوال الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

فإن قلنا بالأخيرين كان على من أخلّ بالمبيت في الثلاث ثلاث من الشياه كما في النهاية والسرائر (٤) وإن اتّقى عن سائر المحرّمات ، وإلاّ فشاتان كما عن المبسوط والجواهر (٥).

( وحدّ المبيت ) بها أي القدر الواجب منه ( أن يكون بها ليلاً حتى يتجاوز نصف الليل ) فله الخروج منها بعد الانتصاف ولو إلى مكة شرّفها الله تعالى ؛ للمعتبرة المستفيضة :

ففي الصحيح : « فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ وأنت في منى ، إلاّ أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة ، وإن خرجت‌

__________________

(١) ليست في « ق ».

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٦ ، التهذيب ٥ : ٢٥٧ / ٨٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٢ / ١٠٣٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٣ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٦.

(٤) النهاية : ٢٦٦ ، السرائر ١ : ٦٠٤.

(٥) المبسوط ١ : ٣٧٨ ، جواهر الفقه : ٤٨.

١٤٦

بعد نصد الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها » (١).

وفيه : « إن زار بالنهار أو عشاءً فلا ينفجر الصبح إلاّ وهو بمنى ، وإن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح وهو بمكة » (٢).

وفي الخبر : « فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضرّه شي‌ء » (٣).

وفي آخر : « إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلاّ وهو بمنى ، وإذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها » (٤).

ويستفاد منه ومن الصحيح الثاني تساوي نصفي الليل في تحصيل الامتثال ، كما عن الحلبي (٥) ، إلاّ أن ظاهر الأصحاب انحصاره في النصف الأول فأوجبوا عليه الكون بها قبل الغروب إلى النصف الثاني ، وصريح شيخنا في المسالك والروضة (٦) ذلك ، وزاد فأوجب مقارنة النية لأول الليل.

فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فاستفادة ذلك من الأخبار بعدم ضم بعضها إلى بعض مشكل ؛ ولذا صرح سبطه بأن أقصى ما يستفاد منها ترتب الدم على مبيت الليالي المذكورة في غير منى بحيث يكون خارجاً عنها من أول الليل إلى آخره (٧).

وهو حسن وإن كان ما ذكره شيخنا في المسالك أحوط أخذاً‌

__________________

(١) تقدّم مصدرهما في ص ٣٢٤١.

(٢) تقدّم مصدرهما في ص ٣٢٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٨ / ٨٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٣ / ١٠٤٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٦ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٧ / ١٤٠٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٧ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٢٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١٩٨.

(٦) المسالك ١ : ١٢٥ ، الروضة البهية ٢ : ٣١٥.

(٧) المدارك ٨ : ٢٢٤.

١٤٧

بالمتيقن.

والكون بها إلى الفجر أفضل كما في النهاية والسرائر (١) ، وعن المبسوط والكافي والجامع (٢) ؛ للصحيح : عن الدُّلجة إلى مكة أيام منى هو يريد أن يزور ، قال : « لا حتى ينشق الفجر ، كراهية أن يبيت الرجل بغير منى » (٣).

ويستفاد منه كراهية الخروج كما عن ابن حمزة (٤) ، وعن المختلف إن خبر الجازي وأشار به إلى ما قدّمناه من الخبر الثالث بعد الصحيحين ينفيها وإن كان الأفضل المبيت بها إلى الفجر (٥).

وفيه نظر ؛ فإن الموجود فيه نفي الضرر ، وهو يجامع الكراهة ، فإنها ليست بضرر قطعاً.

ثم إن ظاهر جملة من الأخبار المتقدمة وصريح بعضها ما قدّمنا : من جواز الخروج بعد الانتصاف ولو إلى مكة شرّفها الله تعالى ، وعليه الأكثر.

( وقيل : لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر ) والقائل الشيخ في النهاية والحلّي في السرائر (٦) ، وحكي أيضاً عن المبسوط والوسيلة والجامع (٧) ، وفي الدروس : إنه لم يقف على مأخذه (٨).

__________________

(١) النهاية : ٢٦٥ و ٢٦٦ ، السرائر ١ : ٦٠٤.

(٢) المبسوط ١ : ٣٧٨ ، الكافي : ١٩٨ ، الجامع للشرائع : ٢١٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٩ / ٨٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٤ / ١٠٤٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٥ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١١. الدلجة هو سير الليل يقال أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل مجمع البحرين ٢ : ٣٠٠ ، ٣٠١.

(٤) الوسيلة : ١٨٧ ، ١٨٨.

(٥) المختلف : ٣١٠.

(٦) النهاية : ٢٦٥ ، السرائر ١ : ٦٠٤.

(٧) المبسوط ١ : ٣٧٨ ، الوسيلة : ١٨٨ ، الجامع للشرائع : ٢١٧.

(٨) الدروس ١ : ٤٥٩.

١٤٨

قيل : ولعلّهم استندوا إلى ما مرّ من الأخبار الناطقة بأن الخارج من مكة ليلاً إلى منى يجوز له النوم في الطريق إذا جاز بيوت مكة ؛ لدلالتها على أن الطريق في حكم منى ، فيجوز أن يريد والفضل ، لما مرّ من أن الأفضل الكون إلى الفجر ، والوجوب ، اقتصاراً على اليقين ، وهو جواز الخروج من منى بعد الانتصاف لا من حكمه (١).

وهو كما ترى مع ضعفه كما لا يخفى اجتهاد في مقابلة النص الصحيح المتقدم ، المعتضد زيادةً على الأصل والإطلاقات بصريح الخبر المروي عن قرب الإسناد ، ففيه : « وإن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شي‌ء » (٢).

وضعف السند ينجبر بفتوى الأكثر ، فما اختاروه أقوى وإن كان ما قاله الشيخ أحوط.

واعلم أنه يجوز لذوي الأعذار [ ترك (٣) ] المبيت حيث يضطرون إليه ؛ إذ لا حرج في الدين. وفي وجوب الدم نظر ، من التردد في كونه كفارةً أو جبراناً ، وظاهر الغنية العدم (٤) ، كما هو مقتضى الأصل.

قيل : ومنه الرعاة وأهل السقاية ، فروى العامة ترخيصهم ، ونفى عنه الخلاف في الخلاف والمنتهى ، وخصّص مالك وأبو حنيفة الرخصة للسقاية بأولاد عباس.

وفي التذكرة والمنتهى : إنه قيل للرعاة ترك المبيت ما لم تغرب‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٧٨.

(٢) قرب الإسناد : ٢٤٢ / ٩٥٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٨ أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٢٣.

(٣) أضفناه لاقتضاء المعنى.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

١٤٩

الشمس عليهم بمنى ، فإن غربت وجب عليهم ، بخلاف السقاة ، لاختصاص شغل الرعاة بالنهار ، بخلاف السقاية ، وأفتى بهذا الفرق في التحرير والدروس. وهو حسن.

وفي الخلاف : وأما من له مريض يخاف عليه ، أو مال يخاف ضياعه فعندنا يجوز له ذلك ؛ لقوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) وإلزام المبيت والحال ما وصفناه حرج ، وللشافعي فيه وجهان.

ونحوه المنتهى ، وهو فتوى التحرير والدروس ، ومقرَّب التذكرة.

وفي الدروس : وكذا لو منع من المبيت منعاً خاصاً أو عاما كنفر الحجيج ليلاً ، قال : ولا إثم في هذه المواضع ، وتسقط الفدية عن أهل السقاية والراعاة ، وفي سقوطها عن الباقين نظر.

قلت : وجّه الفرق بعض العامة بأن شغل الأوّلين ينفع الحجيج عامة ، وشغل الباقين يخصّهم (٢).

( ويجب رمي الجمار ) الثلاث ( في الأيام التي يقيم بها ، كلّ جمرة بسبع حصيات ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك حتى الوجوب ، كما في السرائر وغيره (٣) ، وعن التذكرة والمنتهى أنه لا نعلم فيه خلافاً (٤).

وعن الخلاف الإجماع على وجوب الترتيب بين رمي الثلاث ووجوب القضاء (٥).

قيل : وعدّ في التبيان من المسنونات ، ولعلّ المراد ما ثبت وجوبه‌

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٧٨.

(٣) السرائر ١ : ٦٠٧ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٢٢٩ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٥٠.

(٤) التذكرة ١ : ٣٩٢ ، المنتهى ٢ : ٧٧١.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٥١.

١٥٠

بالسنّة ، وفي الجمل والعقود في الكلام في رمي جمرة العقبة يوم النحر : إنّ الرمي مسنون. فيحتمله ، والاختصاص برمي جمرة العقبة ، وحمل على الأول في السرائر والمنتهى (١).

أقول : وظاهر التهذيبين أيضاً الاستحباب (٢) ، ولكنه شاذّ على خلافه الآن قطعاً الإجماع ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، بل المتواترة كما في السرائر (٣).

وفي الصحيح : « (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) الوقوف بعرفة ورمي الجمار » (٤).

وفي الخبر : « من ترك رمي الجمار متعمداً لم تحلّ له النساء وعليه الحج من قابل » (٥).

ولكنه شاذّ لم يعمل به أحد من الأصحاب ؛ كما في الذخيرة (٦).

ويزيد هنا على ما مضى من شرائط الرمي أن يكون ( مرتباً يبدأ بالأُولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ) بالإجماع الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً ، كالخلاف والغنية وغيرهما (٧) صريحاً ، وفي التذكرة والمنتهى وغيرهما (٨) ظاهراً ، وللتأسي ، والصحاح المستفيضة.

( و ) فـ ( لو نكس أعاد الوسطى وجمرة العقبة ) بلا خلاف ،

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٧٨.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٩٧ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦.

(٣) السرائر ٢ : ٦٠٧.

(٤) الكافي ٤ : ٢٦٤ / ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٣ أبواب العود إلى منى ب ٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٦٤ / ٩٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٧ / ١٠٦١ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٤ أبواب العود إلى منى ب ٤ ح ٥.

(٦) الذخيرة : ٦٨٩.

(٧) الخلاف ٢ : ٣٥١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ ؛ وانظر المفاتيح ١ : ٣٧٨.

(٨) التذكرة ١ : ٣٧٧ ، المنتهى ٢ : ٧٧٢ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٢٣٠.

١٥١

وللصحاح المستفيضة :

منها : قلت له : الرجل يرمي الجمار منكوسة ، قال : « يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة » (١).

( ويحصل الترتيب بأربع حصيات ) فلو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات على السابقة حصل الرمي بالترتيب ، وإلاّ فلا ، بلا خلاف ، بل عن صريح الخلاف وظاهر التذكرة والمنتهى (٢) الإجماع.

للمعتبرين (٣) أحدهما الصحيح : في رجل رمي الجمرة الأُولى بثلاث والثانية بسبع [ والثالثة بسبع ] ، قال : « يعيد رميهن بسبع سبع » قلت : فإن رمى الاولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع ، قال : « يرمي الجمرة الأُولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع » قلت : فإنه رمي الجمرة الأُولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد فيرمي الأُولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة ». وإطلاقه كغيره يقتضي البناء على الأربع مع العمد والجهل والنسيان ، وهو أيضاً ظاهر المتن والشرائع والمحكي عن المبسوط والخلاف والسرائر والجامع والتحرير والتلخيص واللمعة (٤).

خلافاً للفاضل في القواعد والتذكرة والمنتهى ، والشهيدين في‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٥ أبواب العود إلى منى ب ٥ ح ١.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٥١ ، التذكرة ١ : ٣٩٣ ، المنتهى ٢ : ٧٧٢.

(٣) الأول : التهذيب ٥ : ٢٦٥ / ٩٠٤ ، الوسائل ١٤ : ٢‌

(٤) الشرائع ١ : ٢٧٥ ، المبسوط ١ : ٣٧٩ ، الخلاف ٢ : ٣٥١ ، السرائر ١ : ٦١٠ ، الجامع للشرائع : ٢١٨ ، التحرير ١ : ١١٠ ، التلخيص ١ : ٤٠٩ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٣١٩.

١٥٢

الدروس والروضة (١) ، وربما عزي إلى الشيخ والأكثر (٢) ، وربما جعل أشهر (٣) ، فقيّدوه بالناسي ، وألحق الشهيدان به الجاهل.

ومستندهم غير واضح ، عدا ما عن الفاضل في الكتابين من أن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان. وهو إعادة للمدّعى.

وفي الروضة بأنه منهي عن رمي الجمرة اللاحقة قبل إكمال السابقة فيفسد.

ويضعّف بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل أربع لا مطلقاً ، ولو سلّم فهو اجتهاد في مقابلة إطلاق النص ، إلاّ أن يمنع شموله للعامد ، لندرته ، فلا ينصرف إليه السؤال المعلّق عليه الجواب ؛ مضافاً إلى حمل فعل المسلم على الصحة كما مرّ غير مرّة.

ثم النص صريح في وجوب استئناف الناقصة عن الأربع وما بعدها مطلقاً ولو كانت الثانية أو الأُولى.

خلافاً للحلّي فاكتفى بإكمالها وأوجب استئناف ما بعدها خاصة (٤).

قيل : لعدم وجوب الموالاة في الرمي ؛ للأصل. ويدفع بالنص (٥).

( ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ) على الأشهر الأقوى ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : « رمي‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٩٠ ، التذكرة ١ : ٣٩٣ ، المنتهى ٢ : ٧٧٢ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٣٠ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٢٠.

(٢) انظر المدارك ٨ : ٢٣٤ ، وملاذ الأخبار ٨ : ١٣٠.

(٣) نسبه في المفاتيح ١ : ٣٧٨ إلى المشهور ، وفي الحدائق ١٧ : ٣١١ إلى الأصحاب.

(٤) السرائر ١ : ٦١٠.

(٥) المدارك ٨ : ٢٣٥.

١٥٣

الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها » (١).

ونحوه آخر مؤكّداً بالقسم (٢).

خلافاً للمحكي عن الوسيلة والإشارة ووالد الصدوق (٣) في مبدئه ، فجعلوه أول النهار.

ويردّه صريحاً ( الصحيح ) (٤) : « لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس » (٥).

ويحتمل أن يريدوا به طلوع الشمس ، كما عن بعض كتب اللغة (٦).

وللغنية والإصباح والجواهر والخلاف (٧) كما حكي فيه أيضاً ، فجعلوه بعد الزوال ، مدّعين عليه الإجماع عدا الإصباح.

وفي المختلف : إنه شاذّ لم يعمل به أحد من علمائنا ، حتى أن الشيخ المخالف وافق أصحابه ، فيكون إجماعاً ، لأن الخلاف إن وقع منه قبل الوفاق فقد حصل الإجماع ، وإن وقع بعده لم يعتدّ به ، إذ لا اعتبار بخلاف من يخالف الإجماع (٨).

قلت : وعلى تقدير عدم شذوذه فغايته أنه إجماع منقول لا يعارض ما قدّمناه من الصحاح المعتضدة بعمل الأصحاب.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨١ / ٤ ، الوسائل ١٤ : ٧٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩١ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٥ ، الوسائل ١٤ : ٦٩ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ٤.

(٣) الوسيلة : ١٨٨ ، الإشارة : ١٣٨ ، ونقله عن والد الصدوق في المختلف : ٣١٠.

(٤) ليست في « ك‍ ».

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٢ / ٧ ، الوسائل ١٤ : ٧٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ٧.

(٦) كالمصباح المنير : ٦٢٧ ، والقاموس ٢ : ١٥٦.

(٧) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ ، جواهر الفقه : ٤٣ ، الخلاف ٢ : ٣٥١.

(٨) المختلف : ٣١١.

١٥٤

وأما الصحيح : « ارم في كل يوم عند الزوال » (١) فمحمول على الاستحباب ؛ لعدم قائل به إن أُريد به قبل الزوال ، وكذا إن أُريد به بعده ، جمعاً بين الأدلة ، مع احتماله حينئذ الحمل على التقية ، فقد حكاه في الخلاف عن الشافعي وأبي حنيفة (٢).

وللصدوقين في آخره ، فوقّتاه إلى الزوال (٣) ، إلاّ أنّ في الرسالة : وقد روي من أول النهار إلى آخره.

وفي الفقيه : وقد رويت رخصة من أوّل النهار إلى آخره (٤).

( ولو نسي ) بل ترك مطلقاً ( رمي يوم قضاه من الغد ) وجوباً بلا خلاف ، بل قيل : بالإجماع كما في الغنية (٥) وللشافعي قول بالسقوط ، وآخر بأنه في الغد أيضاً أداء ، وكذا أن فاته رمي يومين قضاهما في الثالث ، وإن فاته يوم النحر قضاه بعده ، ولا شي‌ء عليه غير القضاء عندنا في شي‌ء من الصور ، للأصل (٦).

أقول : ولظاهر الصحاح الواردة في المسألة حيث لم يؤمر في شي‌ء منها بغير القضاء :

فمنها : زيادةً على ما يأتي في رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة ، قال : « يرجع فيرمي متفرقاً ، ويفصل بين كلّ رميتين بساعة » الخبر (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٧ ، الوسائل ١٤ : ٦٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٢ ح ١.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٥١.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٣١٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٣١.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٦) انظر كشف اللثام ١ : ٣٧٩.

(٧) الكافي ٤ : ٤٨٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦٤ / ٨٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٧ / ١٠٥٩ ،

١٥٥

وفي آخر : قلت : الرجل ينكس في رمي الجمار ، فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى ، قال : « يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن كان من الغد » (١).

ويجب أن يكون ( مرتباً ) بينه وبين الأداء ، فيؤخره عن القضاء ، بل لو فاته رمي يومين قدّم الأول على الثاني وختم بالأداء ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع عن الخلاف (٢).

وهو الحجّة عليه ، دون ما قيل من تقدم السبب والأخبار والاحتياط (٣).

إذ لا دليل على أن تقديم السبب يقتضي وجوب تقديم المسبّب.

والأخبار المفيدة لوجوب التقديم لم نجدها ، لأنها بين مطلقة للأمر بالقضاء ، وهي ما قدّمناه قريباً ، وبين مصرّحة بالأمر بالتقديم مقيداً بقيد هو للاستحباب. ويفصح عنه قوله : ( ويستحب أن يكون ما لأمسه غدوة ) أي بعد طلوع الشمس ( وما ليومه بعد الزوال ).

ففي الصحيح : رجل أفاض من جَمْع حتى انتهى إلى منى ، فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : إحداهما بكرة وهي للأمس ، والأُخرى عند زوال الشمس » (٤).

__________________

الوسائل ١٤ : ٢٦١ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٢ ، ٣.

(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ذيل الحديث ٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٦ أبواب العود إلى منى ب ٥ ح ٤.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٥٦.

(٣) كما في كشف اللثام ١ : ٣٧٩.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٤ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٤٠٢ ، الوسائل ١٤ : ٧٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٥ ح ٢.

١٥٦

وظاهرهم عدم الخلاف في الاستحباب وإن أشعر بوجوده عبارة الدروس حيث جعله أظهر (١). وهو كذلك ، جمعاً بينه وبين الصحيح المتقدم الآمر بالفصل بينهما بساعةٍ المنافي لما في هذا الصحيح قطعاً ، والجمع بالحمل على تفاوت مراتب الاستحباب ، فأدناها ما سبق وأعلاها ما هنا.

لكن ظاهر الأصحاب الإعراض عن الحديث السابق فليلحق بالشواذ ، ويتوجه حينئذ وجوب ما في هذا الصحيح إن لم ينعقد الإجماع على جواز الإتيان بهما في وقت واحد ، وإن انعقد كما صرّح به بعض الأصحاب حيث قال بعد الحكم بجوازه : بلا خلاف بشرط الترتيب (٢) فالوجه الاستحباب.

وممّا ذكرنا ظهر أنه لا مستند لوجوب الترتيب سوى الإجماع.

وأما الاحتياط فليس بدليل شرعي بعد وجود ما قدّمنا من الإطلاق بلا خلاف.

وهل يجوز القضاء قبل طلوع الشمس ، أم يتعيّن بعده كالأداء؟

وجهان ، بل قولان. أحوطهما الثاني ؛ لعموم ما دلّ على أن وقت الرمي بعد طلوع الشمس ، مع النهي عنه قبله في بعض ما مرّ من الصحاح وإن أمكن الذبّ عنه بالمعارضة بإطلاق أخبار المسألة ، ويرجّحها على السابقة أصالة البراءة وضعف إطلاقها بعدم تبادر القضاء منه بل الأداء خاصة.

ويجب نية القضاء فيه دون الأداء فيه دون الأداء وإن كانت فيه أيضاً أولى. والفرق وقوع ما في ذمته أوّلاً على وجهين فيحتاج إلى نية التعيين‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٣٤.

(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٧٩.

١٥٧

إجماعاً ، دون الثاني حيث لم يكن مشغول الذمة بالقضاء ، وإنما كانت مع ذلك أولى تفصّياً عن خلاف من أوجبها مطلقاً.

( ولا يجوز الرمي ليلاً ) لما مضى من توقيته بما بين طلوع الشمس إلى غروبها ( إلاّ لعذر كالخائف والرعاة والعبيد ) ونحوهم ، فيجوز لهم ليلاً أداءً وقضاءً بلا خلاف على الظاهر ، المصرح به في بعض العبائر (١).

للحرج وللمعتبرة المستفيضة (٢) ، وفيها الصحيحان والموثقان ، وفيها التنصيص على خصوص من ذُكر ، وزيد في بعضها : الحاطبة والمدين والمريض (٣).

ولا فرق في الليل بين المتقدم والمتأخر ؛ لعموم النصوص والفتاوي.

قيل : والظاهر أن المراد بالرمي ليلاً رمي جمرات كل يوم في ليلته ، ولو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة ؛ لأنه أولى من الترك أو التأخير (٤). انتهى. ولا بأس به.

( و ) يجوز أن ( يرمى عن المعذور كالمريض ) وإن لم يكن مأيوساً من برئه ، وعن الصبي الغير المميّز والمغمى عليه ، بلا خلاف أعرفه ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٥).

وفي الموثق : « إن المريض يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه » قال : لا يطيق ذلك ، قال : « يترك في منزله ويرمى عنه » (٦) وحمل الحمل فيه على‌

__________________

(١) انظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٧٩.

(٢) الوسائل ١٤ : ٧٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٣ ، الوسائل ١٤ : ٧٢ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ح ٧.

(٤) قال به صاحب المدارك ٨ : ٢٣٣.

(٥) الوسائل ١٤ : ٧٤ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٩ ، الوسائل ١٤ : ٧٥ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٢.

١٥٨

الاستحباب (١).

قيل : وفي المبسوط لا بدّ من إذنه إذا كان عقله ثابتاً.

وعن المنتهي والتحرير استحباب استئذان النائب عن غير المغمى عليه ، قال في المنتهى : إن زال عقله قبل الإذن جاز له أن يرمي عنه عندنا ، عملاً بالعمومات.

وفي الدروس : لو أُغمي عليه قبل الاستنابة وخيف فوت الرمي فالأقرب رمي الولي عنه ، فإن تعذّر فبعض المؤمنى ؛ لرواية رفاعة عن الصادق عليه‌السلام : يومي عمّن أُغمي عليه (٢).

قلت : فقه المسألة أن المعذور تجب عليه الاستنابة ، وهو واضح ، لكن إن رمي عنه بدون إذنه فالظاهر الإجزاء ، لإطلاق الأخبار والفتاوي ، وعدم اعتباره في المغمى عليه ، وإجزاء الحج عن الميت تبرعاً من غير استنابة ؛ ويستحب الاستئذان إغناءً له عن الاستنابة الواجبة عليه وإبراء الذمة عنها (٣). انتهى. وهو حسن.

ولو زال العذر والوقت باق لم يجب عليه فعله ؛ لسقوطه عنه بفعل النائب بمقتضى إطلاق النص والفتوى ، لأن امتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

ولو استناب المعذور ثم أُغمي عليه قبل الرمي لم ينعزل نائبه كما ينعزل الوكيل ، وفاقاً للأكثر ؛ لأنه إنما جازت النيابة لعجزه ، لا للتوكيل ، ولذا جازت بدون إذنه ، والإغماء زيادة في العجز.

__________________

(١) كما في مجمع الفائدة ٧ : ٣٥٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٦ ، الوسائل ١٤ : ٧٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٥.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٧٩.

١٥٩

( ولو نسي ) من حصى ( جمرة ) حصاة فصاعداً إلى الثلاث ( وجهل موضعها ) من الجمرات الثلاث ( رمي على كل جمرة حصاة ) مخيراً بين الابتداء بكل منها.

ولا يجب الترتيب ؛ لأن الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدمة.

ولإطلاق الصحيح : رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها ، فزادت واحدة ، فلم يدر أيّهن نقص ، قال : « فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة » الخبر (١).

وعن الجواهر الإجماع (٢).

ولو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتباً بينها ؛ لإمكان كونها الاولى فيبطل الأخيرتان بعدها. وكذا لو فاته أربع حصيات فصاعداً وجهلها.

ولو فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب ؛ لتعدّد الفائت بالأصالة.

ولو فاته ثلاث وشك في كونها من واحدة أو أكثر رماها عن كل واحدة مرتباً ؛ لجواز التعدّد. ولو كان الفائت أربعاً استأنف.

( ويستحب الوقوف عند كل جمرة ورميها عن يسارها ) من بطن المسيل حال كونه ( مستقبل القبلة ، ويقف ) عندها ( داعياً ) بالمأثور ( عدا جمرة العقبة فإنه يستدبر القبلة ويرميها عن يمينها ولا يقف )

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٨ أبواب العود إلى منى ب ٧ ح ١.

(٢) جواهر الفقه : ٤٤.

١٦٠