رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

عندها.

كلّ ذلك خلا الاستدبار للصحيح : « وابدأ بالجمرة الأُولى ، فارمها عن يسارها من بطن المسيل ، وقل كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله تعالى وأثن عليه وصلِّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم تقدّم قليلاً فتدعو وتسأله أن يتقبّل منك ، ثم تقدم أيضاً ، ثم أفعل ذلك عند الثانية واصنع كما صنعت بالأُولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها » (١).

الصحاح وغيرها بعدم الوقوف عند الثالثة مستفيضة جدّاً (٢).

وأما الاستدبار للقبلة في رمي جمرة العقبة فقد مضى الكلام فيه في بحثها مستوفى (٣).

( ولو نسي ) بل ترك ( الرمي ) كلاًّ أو بعضاً مطلقاً ( حتى دخل مكة ) شرّفها الله سبحانه وجب عليه أن ( يرجع فيها ) أي منى ( ويتدارك ) ما ترك وجوباً ؛ للصحاح وغيرها.

ففي الصحيح : في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة ، قال : « [ فلترجع ] فلترم الجمار كما كانت ترمي ، والرجل كذلك » (٤).

وفيه : قلت له : رجل نسي أن يرمي الجمار حتى أتى مكة ، قال‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الوسائل ١٤ : ١٦٥ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٦٤ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٠.

(٣) راجع ص ٣٠١٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٤٠١ ، التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٦١ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

١٦١

يرجع فيرميها ، يفصل بين كلّ رميتين بساعة » قلت : فإنه فاته ذلك وخرج ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (١).

ونحوه آخر ، لكن فيه بدل « ليس عليه شي‌ء » : « ليس عليه أن يعيد » (٢).

وهي كما ترى كالعبارة ونحوها مطلقة شاملة لصورتي بقاء أيام التشريق وعدمه ، لكن قيّدها الأكثر بالأُولى. ولعلّه الأظهر ؛ جمعاً بينها وبين الخبر : « من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فإن لم يحج رمي عنه وليّه ، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه ، وأنه لا يكون رمي الجمار إلاّ أيام التشريق » (٣).

وفي سنده وإن كان ضعف بالجهالة ، إلاّ أنه مجبور بالشهرة الظاهرة ، والمحكية (٤) ، بل عليه الإجماع في الغنية (٥).

مضافاً إلى ضعف الإطلاق في الأخبار السابقة ، وعدم معلومية انصرافه إلى الصورة الثانية ، فإنّ المتبادر منها الأُولى خاصة.

( ولو خرج ) من مكة ولما يتدارك الرامي ( فلا حرج ) عليه ولا شي‌ء كما مرّ في الصحيحين إن مضت أيام التشريق ، كما هو الغالب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٤ / ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٦١ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٤ / ٨٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٧ / ١٠٥٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٢ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٤ / ٩٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٧ / ١٠٦٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٢ أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٤.

(٤) ادّعاها المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٧ : ٣٥٧.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

١٦٢

في الخروج ، وعليه يحمل إطلاقهما والعبارة ، مضافاً إلى مفهوم الرواية السابقة كما عرفته.

ولا ريب في الحكم إن أُريد من الحرج والشي‌ء المنفي الكفارة ؛ لانتفائها بالأصل.

قيل : هذا عندنا ، وأوجب الشافعية عليه هدياً ، ولا يختلّ بذلك إحلاله عندنا وإن كان في ترك الرمي عامدا (١).

وأما ما مر من بعض الأخبار بأنه من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء وعليه الحج من قابل (٢) فمع ضعف سنده وشذوذه وإن حكي نحوه عن الإسكافي (٣) وأشعر عبارة التهذيب بقبوله (٤) غير صريح ؛ لاحتماله الحمل على تعمّد الترك لزعمه عند ما أحرم أو بعده أنه لغو لا عبرة به ، فإنه حينئذ كافر لا عبرة بحجّه وإحلاله ؛ أو على أن يكون المراد إيجاب الحج من قابل لقضاء الرمي فيه ، فيكون بمعنى ما في الخبر المتقدم كما قيل (٥) ؛ أو على الاستحباب ، كما في الاستبصار والمختلف والدروس (٦) ، وفيه : أنه لم نقف على قائل به.

وكذا إن أُريد منه وجوب العود لتدارك الرمي في عامه ؛ لاتفاق الأخبار المتقدمة عليه.

ويشكل لو أُريد منه ذلك مطلقاً ، كما هو ظاهره في الشرائع (٧) وصريحه هنا ؛ لقوله :

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٧٩.

(٢) راجع ص : ١٥١.

(٣) نقله عنه في كشف اللثام ١ : ٣٧٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٤.

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ٣٧٩.

(٦) الاستبصار ٢ : ٢٩٧ ، المختلف : ٣٠٢ ، الدروس ١ : ٤٣٥.

(٧) الشرائع ١ : ٢٧٦.

١٦٣

( ولو حج في القابل استحب له القضاء ، ولو استناب ) ولم يباشره ( جاز ) لعدم وضوح دليل عليه ، سوى الأصل وعموم الصحيحين المتقدمين بنفي الشي‌ء والإعادة السالمين عمّا يصلح للمعارضة ، سوى الرواية المتقدمة ، وهي ضعيفة السند كما عرفته ، وقد عرفت الجواب عن ضعف السند بالشهرة العظيمة ، إذ لم نر مصرِّحاً بالاستحباب عدا الماتن والفاضل فيما حكي عنه من التبصرة (١).

وأما باقي الأصحاب فهم بين مصرِّح بالوجوب كالشيخ في التهذيبين والخلاف ، والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة (٢) ، وباللزوم كالحلبي فيما حكي (٣) ، أو آمرٍ به كالشيخ في النهاية ، والحلّي في السرائر ، والفاضل في التحرير والقواعد ، وابن زهرة في الغنية (٤) ، مدعياً عليه إجماع الطائفة ، وحينئذ فتكون الرواية حجة.

ويقيّد بها الأصل والصحيحان ، بحمل الشي‌ء والإعادة فيهما على ما يجامع الرواية ، بأن يراد بالشي‌ء نحو الكفارة ، أو الإعادة في هذه السنة ، وعليها يحمل الإعادة المنفية في الرواية الثانية ، مضافاً إلى احتمالها الحمل على ما ذكره بعض الأجلة فقال : ويحتمل أن يكون إنما أراد السائل أنه نسي التفريق ، ويؤيده لفظ « يعيد » قال : مع أن في طريقها النخعي فإنما يكون صحيحاً إن كان أيوب بن نوح ، ولا يقطع به (٥).

( وتستحب الإقامة بمنى أيام التشريق ) للصحيح : عن رجل يأتي‌

__________________

(١) التبصرة : ٧٦.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٩٧ ، التهذيب ٥ : ٢٦٤ ، الخلاف ٢ : ٣٥٢ ، الدروس ١ : ٤٣٥ ، المسالك ١ : ١٢٦ ، الروضة ٢ : ٣٢٥.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٧٩ ، والموجود في الكافي : ١٩٩ : فليرمه من قابل.

(٤) النهاية : ٢٦٧ ، السرائر ١ : ٦٠٩ ، التحرير ١ : ١١٠ ، القواعد ١ : ٩٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٧٩.

١٦٤

مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوعاً ، فقال : « المقام بمنى أفضل وأحبّ إلىّ » (١).

ولا يجب ؛ للأصل ، ونحو الصحيحين (٢) : « لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف في أيام منى ولا يبيت بها ». وفي الموثق : رجل زار فقضى طواف حجه كلّه ، أيطوف بالبيت أحبّ إليك أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : « أيّ ذلك شاء فعل ما لم يَبِت » (٣).

( ويجوز ) للحاج إذا فرغ من رميه الجمار في اليومين الأوّلين من أيام التشريق ( النفر في الأول ، وهو الثاني عشر من ذي الحجة لمن اتّقى الصيد ) بأن ترك قتله وأخذه ( والنساء ) بأن ترك وطأهنّ ، وربما قيل : الاستمتاع بهنّ مطلقاً (٤). وهو أحوط وأولى في إحرامه في الحج ، وربما الحق به عمرة التمتع ، لارتباطها به (٥) ، وهو أحوط.

ويسقط عنه رمي الجمار في اليوم الثالث حينئذ بلا خلاف ، كما عن المنتهى (٦).

( وإن شاء ) نفر ( في الثاني وهو الثالث عشر ) من الشهر.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ / ١٤١٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٠ / ٨٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٥ / ١٠٥٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٠ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٧ / ١٤١٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٠ / ٨٨٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٩٥ / ١٠٥٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٥٩ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ١ وذيله.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٩ / ١٧٥٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٦٠ أبواب العود إلى منى ب ٢ ح ٤.

(٤) الروضة ٢ : ٣٢٣.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٧٥ ٧٧٧.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٧٥ ٧٧٧.

١٦٥

بالكتاب (١) والسنّة (٢) ، والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (٣) ، وعن المنتهى إنه مذهب العلماء كافة (٤).

ولكن اختلف الفتاوي والنصوص في المراد بالمتّقي : أهو من الصيد والنساء خاصة ، كما هو الأشهر ، أو سائر ما يوجب الكفارة كذلك ، كما عن الحلّي وغيره (٥) ، أو كلّ ما حرم عليه في إحرامه ، كما عن ابن سعيد (٦)؟

والأظهر : الأول ؛ للخبرين في أحدهما : « إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول ، ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ، وهو قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ .... لِمَنِ اتَّقى ) (٧) اتّقى الصيد » (٨).

ومفهومه وإن دلّ على جواز نفر المتّقي للصيد في النفر الأول مطلقاً ولو لم يتّق النساء ، لكنه مقيّد بما إذا اتّقاهن أيضاً بالإجماع.

وفي الثاني : « ومن أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول » (٩).

__________________

(١) البقرة : ٢٠٣.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٢٧٤ أبواب العود إلى منى ب ٩.

(٣) انظر المدارك ٨ : ٢٤٩ ، والمفاتيح ١ : ٣٨٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٧٦.

(٥) الحلي في السرائر ١ : ٦٠٥ ؛ وحكاه في كشف اللثام ١ : ٣٧٧ عن ابن أبي المجد.

(٦) الجامع للشرائع : ٢١٨.

(٧) البقرة : ٢٠٣.

(٨) التهذيب ٥ : ٤٩٠ / ١٧٥٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٩ أبواب العبود إلى منى ب ١١ ح ٣.

(٩) الكافي ٤ : ٥٢٢ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٩ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ١.

١٦٦

وضعف سندهما منجبر بالعمل.

ولا دليل على الأخيرين عدا الخبر للأخير ، وفيه : « لمن اتّقى الرَّفَث والفسوق والجدال ، وما حرّم الله تعالى في إحرامه » (١).

وفي سنده ضعف ، مضافاً إلى عدم مقاومته لما مرّ من وجوه. وهو وإن وافقه ظاهر إطلاق الآية ، إلاّ أنها كما قيل (٢) مجملة محتملة لمعان متعددة رويت في تفسيرها. وفيه نظر.

وكيف كان ، فلا ريب أن هذا القول أحوط ، فلا يترك العمل به مهما أمكن.

( ولو لم يتّقِ تعيّن عليه الإقامة إلى النفر الأخير ) إجماعاً ؛ لما مرّ قريباً.

( وكذا ) يتعيّن عليه الإقامة إلى النفر الأخير ( لو غربت الشمس ) وهو بمنى ( ليلة الثالث عشر ) وإن اتّقى ، بالإجماع والمعتبرة المستفيضة :

ففي الصحيح : « إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبِت بمنى ، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح » (٣).

وفيه : « فإن أدركه المساء بات ولم ينفر » (٤).

( ومن نفر في الأوّل لا ) يجوز أن ( ينفر إلاّ بعد الزوال ) إلاّ لضرورة.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٠ أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٧.

(٢) انظر المفاتيح ١ : ٣٨٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ / ٩٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٧ أبواب العود إلى منى ب ١٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ / ٩٢٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٧ أبواب العود إلى منى ب ١٠ ح ١.

١٦٧

( و ) من نفر ( في الأخير يجوز ) له ( قبله ) بلا خلاف هنا حتى من القائل بأن وقت الرمي بعد الزوال ، بل في الغنية والتذكرة عليه الإجماع (١) ، وعن المنتهى بلا خلاف (٢).

ولا في الأول ؛ إلاّ ما يحكى عن التذكرة ، فقرّب فيها أن التأخير مستحب (٣).

ووجّهه بعض بأن الواجب إنما هو الرمي والبيتوتة ، والإقامة في اليوم مستحبة كما مرّ ، فإذا رمى جاز النفر متى شاء. قال : ويمكن حمل كثير من العبارات عليه ، ويؤيده الخبر : « لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال » (٤) وإن حمل على الضرورة والحاجة (٥). انتهى.

وفيه : أنه اجتهاد صِرف في مقابلة الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

ففي الصحيح : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، وإن أخّرت إلى آخر أيام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت ، من قبل الزوال أو بعده » (٦).

وفيه : « أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس ، فأما اليوم الثالث‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ ، التذكرة ١ : ٣٩٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٧٦.

(٣) التذكرة ١ : ٣٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٧٢ / ٩٢٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٧ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ١١.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٨٠.

(٦) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ / ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٤ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٣.

١٦٨

فإذا ابيضّت الشمس فانفر على كتاب الله تعالى » الخبر (١).

وفيه : عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس ، فقال : « لا ، ولكن يخرج ثقله ، ولا يخرج هو حتى تزول الشمس » (٢).

مع أن الخبر الذي ذكره ضعيف السند بالجهالة والدلالة ؛ باحتماله التقييد بما ذكره ، وهو أقوى من حمل الصحاح على الاستحباب أو الكراهة من وجوه عديدة.

ودعوى انحصار الواجب في الرمي والبيتوتة أوّل النزاع والمشاجرة ، واستحباب الإقامة في اليوم كلّه لا يستلزم استحبابها في أجزائه ، وبعبارة اخرى : الموصوف بالاستحباب إنما هو الإقامة بعد الزوال إلى الليل ، لا الإقامة إلى الزوال ، وأحدهما غير الآخر ، والمؤيد هو الثاني دون الأوّل.

ثم اعلم أن إطلاق الأدلة كالعبارة ونحوها بجواز النفر في الثاني قبل الزوال أو بعده مخيراً بينهما يعمّ الإمام وغيره.

خلافاً للمحكي عن النهاية والمبسوط والمهذّب والسرائر والغنية (٣) والإصباح ، فخصّوه بغير الإمام ، وقالوا : عليه أن يصلّي الظهر بمكة.

وعن المنتهى والتحرير والتذكرة استحباب ذلك له (٤). ولا بأس به ؛ للصحيح : « يصلّي الإمام الظهر يوم النفر بمكة » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٥ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤٢٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٧٦ أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٦.

(٣) النهاية : ٢٦٩ ، المبسوط ١ : ٣٨٠ ، المهذب ١ : ٢٦٣ ، السرائر ١ : ٦١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٧٧ ، التحرير ١ : ١١١ ، التذكرة ١ : ٣٩٤.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٨١ أبواب العود إلى منى ب ١٢ ح ١.

١٦٩

وفي الخبر : إنّ أصحابنا قد اختلفوا علينا ، فقال بعضهم : إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل ، وقال بعضهم : قبل الزوال ، فكتب : « أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر والعصر بمكة؟ فلا يكون ذلك إلاّ وقد نفر قبل الزوال » (١).

وربما يفهم منه رجحانه لغير الإمام أيضاً.

( ويستحب للإمام ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد (٢) ( أن يخطب ) الناس بعد صلاة الظهر كما في التحرير (٣) ، وعن المنتهى بدل الظهر : العصر من اليوم الثاني من أيام التشريق (٤).

( ويعلمهم ذلك ) أي وقت النفر الأول والثاني.

وفي الدروس وغيره (٥) : ينبغي أن يعلمهم أيضاً كيفية النفر والتوديع وبحثّهم على طاعة الله تعالى ، وعلى أن يختموا حجّتهم بالاستقامة والثبات على طاعة الله تعالى ، وأن يكونوا بعد الحج خيراً منهم قبله ، وأن يذكروا ما عاهدوا الله تعالى عليه من خير.

وفي الدروس حكم بالوجوب. ولم أعرف مستنده ، وله وجه إن علم الإمام جهلهم بما يجب عليهم.

وفي التحرير عبّر بالجواز ، ولا بأس به ، بل ولا بالاستحباب.

( والتكبير بمنى ) عقيب خمس عشرة صلاة أوّلها ظهر النحر ، وفي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٢ أبواب العود إلى منى ب ١٢ ح ٢.

(٢) الشرائع ١ : ٢٧٦ ، القواعد ١ : ٩١.

(٣) الشرائع ١ : ٢٧٦ ، القواعد ١ : ٩١.

(٤) حكاه عنه في المدارك ٨ : ٢٥٣.

(٥) الدروس ١ : ٤٦١ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٢٥٣.

١٧٠

البلدان عقيب عشر صلوات أوّلها ظهره أيضاً ( مستحب ).

( وقيل : يجب ) (١) وقد مرّ التحقيق فيه وفي كيفيته في بحث صلاة العيد فلا نعيده.

( ومن قضى ) أي أدّى ( مناسكه ) بمنى فإن كان بقي عليه شي‌ء من مناسك مكة كطواف أو بعضه أو سعي عاد إليها لفعله وجوباً ، وإلاّ ( فله الخيرة في العود إلى مكة ) وغيرها ؛ لعدم وجوبه عليه عندنا كما في الروضة وغيرها (٢) ؛ للأصل ، والنصوص :

منها : ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينفر الناس؟ فقال : « إذا كان قد قضى مناسكه فليقم ما شاء وليذهب حيث شاء » (٣).

ومنها : « لو كان لي طريق إلى منزلي من منى ما دخلت مكة » (٤).

( و ) لكن ( الأفضل العود ) إليها ( لوداع البيت ودخول الكعبة خصوصاً للصرورة ) لاستحبابهما بالإجماع والنصوص المستفيضة :

ففي الصحيح : « إذا أردت أن تخرج من مكة وتأتي أهلك فودّع البيت وطف أُسبوعاً » الخبر (٥).

وفي الموثق : عن الدخول في الكعبة ، فقال : « الدخول فيها دخول‌

__________________

(١) كما قال به الشيخ في الجمل والعقود : ٢٣٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٨٩.

(٢) الروضة ٢ : ٣٢٥ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٨٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥٤١ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٢ أبواب العود إلى منى ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ / ٩٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٢ أبواب العود إلى منى ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ / ٩٥٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٧ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ١.

١٧١

في رحمة الله تعالى ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور له ما سلف من ذنوبه » (١).

ولا ينافيه الصحيح : عن دخول البيت ، فقال : « أما الصرورة فيدخله ، وأما من قد حجّ فلا » (٢) لأنه محمول على أن المنفي تأكد الاستحباب الثابت للصرورة ، كما في الصحيح : « لا بدّ للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع » (٣) وظاهره وإن كان وجوبه على الصرورة ، كما وقع التصريح بلفظة في غيره (٤) ، لكن وقع التصريح بالاستحباب في جملة من المعتبرة :

منها : « أُحبّ للصرورة أن يدخل الكعبة وأن يطأ المشعر الحرام » (٥).

ومنها : كيف صار الصرورة يستحب له دخول الكعبة دون من قد حجّ؟ قال : « لأن الصرورة قاضٍ فرضَ مدعوّ إلى حج بيت الله تعالى ، فيجب أن يدخل البيت الذي دعي إليه ليكرم فيه » (٦).

ويستحب أن يكون الدخول بلا حذاء وبعد الغسل كما مرّ في بحثه ، والدعاء إذا دخل بالمأثور على سكينة ووقار ، وأن لا يبزق ولا يمتخط فيها.

( ومع عوده ) إلى مكة ودخوله في الكعبة ( استحب ) له ( الصلاة في زوايا الكعبة ) الأربع في كل زاوية ركعتين ، يبدأ في بالزاوية التي فيها‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٧ / ٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٥ أبواب العود إلى منى ب ١٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٧ / ٩٤٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٩ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٧ / ٩٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٨ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ٦.

(٤) قرب الإسناد : ٢٣٤ / ٩١٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٥.

(٥) المقنعة : ٤٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٤ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٦.

(٦) الفقيه ٢ : ١٥٤ / ٦٦٨ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٣ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٥ ح ٤.

١٧٢

الدرجة ، ثم الغربية ، ثم التي فيها الركن اليماني ، ثم التي فيها الحجر الأسود ، كما عن القاضي (١) ، داعياً بالمأثور.

( وعلى الرخامة الحمراء ) التي بين الأُسطوانتين اللتين تليان الباب ، وهي مولد مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام كما قيل (٢) ركعتين ، يقرأ في الأُولى بعد الحمد حم السجدة ويسجد لها ثم يقوم فيقرأ الباقي ، وفي الثانية بقدرها من الآيات ، لا الحروف والكلمات.

( والطواف بالبيت ) للوداع ، وهو كغيره سبعة أشواط.

( واستلام الأركان ) كلّها وخصوصاً اليماني والذي فيه الحجر في كل شوط ، وأقلّه أن يفتتح به ويختم.

( و ) إتيان ( المستجار ) والدعاء عنده في الشوط السابع أو بعد الفراغ منه ومن صلاته.

( والشرب من زمزم ، والخروج من باب الحنّاطين ) قيل : وهو باب بني جمح ، وهي قبيلة من قبائل قريش ، وهو بإزاء الركن الشامي على التقريب (٣).

( والدعاء ) عند الخروج بالمأثور ( والسجود ) عند الباب هو ( مستقبل القبلة ، والدعاء ) بقوله : اللهم إني انقلب على لا إله إلاّ الله.

قيل : وزاد القاضي قبله الحمد والصلاة ، وفي المقنعة مكان ذلك : اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام (٤).

__________________

(١) المهذب ١ : ٢٦٣.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٨١.

(٣) السرائر ١ : ٦١٦.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٣٨٢.

١٧٣

( والصدقة بتمر يشتريه بدرهم ) كفارة لما لعلّه فعله في الإحرام أو الحرم ، وعن الجعفي يتصدّق بدرهم (١) ، وفي الدروس : لو تصدّق ثم ظهر له موجب يتأدّى بالصدقة أجزأ على الأقرب (٢).

كلّ ذا للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

ففي الصحيح : « إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ، ولا تدخلها بحذاء ، وتقول إذا دخلت : اللهم إنك قلت( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) فآمنّي من عذاب النار ، ثم تصلّي ركعتين بين الأُسطوانتين على الرخامة الحمراء ، تقرأ في الركعة الأُولى حم السجدة ، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ، وتصلّي في زواياه وتقول : اللهم من تهيّأ أو تعبأ أو أعدّ واستعدّ لوفادة إلى مخلوقٍ رجاءَ رده وجائزته ونوافله وفواضله ، فإليك يا سيدي تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ونوافلك وجائزتك ، فلا تخيّب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم لعمل صالح قدّمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولكني أتيتك مقرّاً بالظلم والإساءة على نفسي ، فإنه لا حجّة لي ولا عذر ، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلّي على محمّد وتعطيني مسألتي وتقيلني عثرتي ولا تردّني مجبوهاً ممنوعاً ولا خائباً ، يا عظيم ثلاثا أرجوك للعظيم ، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم ، لا إله إلاّ أنت » قال : « ولا تدخلها بحذاء ، ولا تبزق فيها ولا تمتخط فيها » الحديث (٣).

وفيه : « إذا دخلته فادخل بسكينة ووقار » (٤).

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٦٩.

(٢) الدروس ١ : ٤٦٩‌

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٧٦ / ٩٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٢٧٥ أبواب مقدمات الطواف ب ٣٦ ح ١.

(٤) تقدم مصدره في ص ٣٢٦٧ الهامش (٢).

١٧٤

وفيه : « إذا أردت أن تخرج من مكة وتأتي أهلك فودِّع البيت وطف أُسبوعاً ، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كلّ شوط فافعل ، وإلاّ فافتتح به واختم ، وإن لم تستطع ذلك فموسّع عليك ، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده ما صنعت يوم قدمت مكة ، ثم تخيّر لنفسك من الدعاء » إلى أن قال : « ثم ائت زمزم واشرب من مائها ثم اخرج وقل : آئبون تائبون عابدون ، لربّنا حامدون ، إلى ربنا منقلبون راغبون ، إلى الله تعالى راجعون إن شاء الله تعالى » قال : وإن أبا عبد الله عليه‌السلام لمّا ودّعها وأراد أن يخرج من المسجد خرّ ساجداً عند باب المسجد طويلاً ، ثم قام وخرج (١).

وفيه : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام في سنة خمس عشرة ومائتين (٢) [ ودّع البيت ] بعد ارتفاع الشمس وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط ، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده ، ثم أتى المقام فصلّى خلفه ركعتين ، ثم خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ، ثم وقف عليه طويلاً يدعو ، ثم خرج من باب الحنّاطين وتوجّه ، قال : فرأيته في سنة تسع عشرة (٣) ومائتين ودّع البيت ليلاً يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في‌

__________________

(١) تقدم مصدره في ص ٣٢٦٦ الهامش (٥).

(٢) في الكافي : « خمس وعشرين ومأتين ». وقال العلامة المجلسي في مرآة العقول ١٨ : ٢٢٩ : روى الشيخ في التهذيب هذا الخبر من الكافي وفي أكثر نسخه : سنة خمس عشرة ومائتين ، وفي بعضها كما هنا ، وفي تلك النسخ زيادة بعد نقل الخبر وهي هذه : قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب : هذا غلط لأنّ أبا جعفر عليه‌السلام مات سنة عشرين ومائتين ..

(٣) في الكافي : سبع عشرة.

١٧٥

كل شوط ، فلمّا كان الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل ، وكشف الثوب عن بطنه ، ثم أتى الحجر فقبّله ومسحه ، وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ، ثم مضى ولم يعد إلى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية (١) (٢). وفيه : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام ودّع البيت فلمّا أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجداً ، ثم قام فاستقبل القبلة فقال : « اللهم إني أنقلب على [ أن ] لا إله إلاّ الله » (٣).

وفيه : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو خارج من الكعبة وهو يقول : « الله أكبر » حتى قالها ثلاثاً ، ثم قال : « اللهم لا تجهد بلاءنا ، ربّنا ولا تشمت بنا أعداءنا ، فإنك أنت الضارّ النافع » (٤).

وفيه : « ينبغي للحاج إذا قضى مناسكه وأراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمراً يتصدّق به ، فيكون كفارة لما لعلّه دخل عليه [ في حجّه ] من حكّ أو قمّلة سقطت أو نحو ذلك » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٢ / ٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٩ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ٣ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) في « ك‍ » زيادة : وفي الخبر : تأتي المستجار بين الحجر والباب فتودّعه ، ثم تخرج فتشرب من زمزم ، ثم تمضي ، فقلت : أصبّ على رأسي؟ فقال : لا تقرب [ الصبّ ]. الكافي ٤ : ٥٣٢ / ٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٠ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٨١ / ٩٥٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٨ أبواب العود إلى منى ب ١٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٩ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٦ ، قرب الإسناد : ٤ / ١٠ الوسائل ١٣ : ٢٨٢ أبواب مقدمات الطواف ب ٤٠ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٢ أبواب العود إلى منى ب ٢٠ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

١٧٦

( ومن المستحب التحصيب ) للنافر في الأخير ، إجماعاً كما عن التذكرة والمنتهى وفي المدارك وغيره (١) ؛ للصحيح : « إذا نفرت وانتهيت الى الحصباء وهي البطحاء فشئت أن تنزل قليلاً » فإنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال : « كان أبي ينزلها ثم يحمل فيدخل مكة من غير أن ينام بها » (٢).

والموثق كالصحيح : عن الحصبة ، فقال : « كان أبي ينزل الأبطح قليلاً ، ثم يجي‌ء فيدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح » الخبر (٣).

وظاهره أنه النزول بالأبطح من غير أن ينام ، وقيل في تفسيره غير ذلك (٤).

وظاهر إطلاق العبارة استحبابه استحبابه مطلقاً ولو في النفر الأول ، وهو خلاف الإجماع الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٥) ، وفي ذيل الموثق السابق : أرأيت من يعجل في يومين عليه أن يحصب؟ قال : « لا ».

( والنزول بالمعرَّس ) معرَّس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( على طريق المدينة ) بذي الحليفة ( وصلاة ركعتين فيه ) وهو بضمّ الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة ، ويقال بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء ، مسجد يقرب مسجد الشجرة وبإزائه ممّا يلي القبلة ، كما في كلام جماعة (٦).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٩٦ ، المنتهى ٢ : ٧٧٧ ، المدارك ٨ : ٢٦٣ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٨٠.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٤ أبواب العود إلى منى ب ١٥ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٩ / ١٤٢٨ ، التهذيب ٥ : ٢٧٥ / ٩٤٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٨٥ أبواب العود إلى منى ب ١٥ ح ٣.

(٤) انظر الوافي ١٤ : ١٢٨٢.

(٥) كالتذكرة ١ : ٣٩٦.

(٦) منهم : الشهيدان في الدروس ٢ : ١٩ ، والمسالك ١ : ١٢٨ ، وصاحبا المدارك ٨ : ٢٧٣ ، والحدائق ١٧ : ٤٠٦.

١٧٧

واستحباب نزوله والصلاة فيه مجمع عليه كما في كلام جماعة (١) ؛ للصحاح والموثقات :

ففي الصحيح : « إذا انصرفت من مكة إلى المدينة فانتهيت إلى ذي الحليفة وأنت راجع من مكة فائت مكة فائت معرَّس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصلِّ فيه ، وإن كان في غير وقت صلاة فانزل فيه قليلاً ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان يعرّس فيه ويصلّي فيه » (٢).

وفيه : « التعريس هو أن تصلّي فيه وتضطجع ، ليلاً مرَّ به أو نهاراً » (٣).

ويستفاد منه أنه لا فرق في استحباب التعريس والنزول به بين أن يحصل المرور به ليلاً أو نهاراً ، وبه صرّح جماعة (٤).

وأظهر منه الموثق : إن مررت به ليلاً أو نهاراً فعرّس فيه؟ وإنما التعريس في الليل؟ فقال : « نعم إن مررت به ليلاً أو نهاراً فعرِّس فيه ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعل ذلك » (٥).

وقوله : إنما التعريس في الليل ، إشارة إلى معناه اللغوي ، أو ما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وهو كذلك ، كما يظهر من المحكي عن القاموس والجوهري.

ففي الأول : أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة ، كعرّسوا ،

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٢٧٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٩٥ ، وصاحب الحدائق ١٧ : ٤٠٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٣٥ / ١٥٥٩ ، الوسائل ١٤ : ٣٧٠ أبواب المزار وما يناسبه ب ١٩ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٣٣٦ / ١٥٦١ ، الوسائل ١٤ : ٣٧٠ أبواب المزار وما يناسبه ب ١٩ ح ٢.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٢٧٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٩٥ ، وصاحب الحدائق ١٧ : ٤٠٦.

(٥) التهذيب ٦ : ١٦ / ٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٧١ أبواب المزار وما يناسبه ب ١٩ ح ٤.

١٧٨

وليلة التعرّس الليلة التي نام فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وعن الثاني : المعرس محل نزول القوم في السفر آخر الليل (٢).

ويستفاد من الصحيح الأول أن التعريس إنما يستحب في العود من مكة إلى المدينة ، لا في المضي إلى مكة ، وهو صريح الموثق : « وإنما المعرس إذا رجعت إلى المدينة ، ليس إذا بدأت » (٣).

ويستفاد من جملة من المعتبرة وفيها الصحيح والموثق تأكّد استحباب التعريس حتى لو تجاوز المعرس بلا تعريس رجع فعرَّس (٤).

( والعزم على العود ) فإنّ العزم على الطاعات من قضايا الإيمان ، وأخبار الدعاء بأن لا يجعله آخر العهد ناطقة به ، مضافاً إلى خصوص النصوص :

منها : « من خرج من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد في عمره » (٥).

ومنها : « من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه » (٦).

وفي ثالث : كنّا مع أبي عبد الله عليه‌السلام وقد نزلنا الطريق فقال : « ترون هذا الجبل نافلاً؟ إنّ يزيد بن معاوية عليهما اللعنة لمّا رجع من الحج‌

__________________

(١) القاموس ٢ : ٢٣٨.

(٢) الصحاح ٣ : ٩٤٨.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣٧٢ أبواب المزار وما يناسبه ب ٢٠.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٧٢ أبواب المزار وما يناسبه ب ٢٠.

(٥) الكافي ٤ : ٢٨١ / ٣ ، الوسائل ١١ : ١٥٠ أبواب وجوب الحج ب ٥٧ ح ١ وفيهما : من رجع ..

(٦) الكافي ٤ : ٢٧٠ / ١ ، الوسائل ١١ : ١٥١ أبواب وجوب الحج ب ٥٧ ح ٢.

١٧٩

مرتحلاً إلى الشام ثم أنشأ يقول : إذا تركنا ثافلاً يميناً ، فلن نعود بعده سنيناً ،

للحج والعمرة ما بقينا

فأماته الله قل أجله » (١)

( ومن المكروهات : المجاورة بمكة ) بلا خلاف وإن اختلفت العبارات بالإطلاق كما هنا وفي الشرائع والمنتهى وغيرها من عبائر كثير (٢) ، وفي الدروس وغيره (٣) : إنه المشهور ، وجعله المدارك هو المعروف بين الأصحاب (٤) ، مشعراً بالإجماع.

أو التقييد بسنة كاملة ، سواء وثق من نفسه بعدم المحذورات الآتية أم لا ، كما في الجامع وغيره (٥).

أو التقييد بما إذا وثق من نفسه عدمها مطلقاً كما في الدروس (٦).

أو التقييد بهما معاً كما في المدارك وغيره (٧).

ومنشأ الاختلافات اختلاف الأنظار في الجمع بين الأخبار المختلفة.

فممّا يدل على المشهور النصوص المستفيضة ، وفيها التعليل بأنّ كلّ ظلم فيه إلحاد (٨) ، وفي المقام خوف ظلم منه وممن معه كما في الصحاح ، وفي جملة منها فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة كما في أحدها (٩) ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٤٢ / ٦١٥ ، التهذيب ٥ : ٤٦٢ / ١٦١٢ ، الوسائل ١١ : ١٥٢ أبواب وجوب الحج ب ٥٧ ح ٦.

(٢) الشرائع ١ : ٢٧٨ ، المنتهى ٢ : ٨٨٢ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٤٠٣ ، وجامع المقاصد ٣ : ٢٧٨.

(٣) الدروس ١ : ٤٧١ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٢٨ ومجمع الفائدة ٧ : ٣٧٩.

(٤) المدارك ٨ : ٢٧١.

(٥) الجامع للشرائع : ٢٣٠ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٨٤.

(٦) الدروس ١ : ٤٧١.

(٧) المدارك ٨ : ٢٧٢ ؛ وانظر الذخيرة : ٦٩٦.

(٨) انظر الوسائل ١٣ : ٢٣١ أبواب مقدمات الطواف ب ١٦.

(٩) التهذيب ٥ : ٤٢٠ / ١٤٥٧ ، الوسائل ١٣ : ٢٣١ أبواب مقدمات الطواف ب ١٦ ح ١.

١٨٠