رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

حينئذ عن الإسكافي ووالد الصدوق والشيخ في النهاية والخلاف (١) ، لكن قيّده الأول بالعمد ، دون الأخيرين فأطلقاه.

ولا بأس به لولا ضعف السند وإن مال إلى العمل بمضمونها في موردها بعض متأخري المتأخرين (٢) ، وفاقاً للمحكي عن والد الصدوق ، ولا بأس به لو صحّ السند.

( وكذا ) يجب كفّ من طعام ( في القملة يلقيها من جسده ) وفاقاً لمن مرّ في الجرادة ، غير الديلمي ، فلم يحك هنا عنه شيئاً ، وذكر بدله في الحكاية : المهذّب ، بزيادة قوله : أو يقتلها (٣) ، كما عليه المحقّق الثاني والشهيد الثاني أيضاً ـ (٤) قال : بطريق أولى.

والأصل في المسألة الصحيحان : عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها ، قال : « يطعم مكانها طعاماً » (٥).

وإطلاق الطعام فيهما مقدّر بما في المتن ؛ للحسنين المقدِّرين له بقبضة بيده كما في أحدهما (٦) ، وبكفّ واحد كما في الثاني (٧).

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي ووالد الصدوق في المختلف : ٢٧٤ ، النهاية : ٢٢٨ ، الخلاف ٢ : ٤١٤.

(٢) الحدائق ١٥ : ٢٤٧.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٩٥.

(٤) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣١٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٧.

(٥) الأول : التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩ ، الوسائل ١٣ : ١٦٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ١. الثاني : التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٦٠ ، الوسائل ١٣ : ١٦٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٦١ ، الوسائل ١٣ : ١٦٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦٣ ، الوسائل ١٣ : ١٦٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٤.

٣٢١

وبإزاء هذه الأخبار أخبار أُخر مستفيضة أيضاً نافية للكفارة فيها بقول مطلق (١) ، بل في بعضها الترخيص لإلقائها (٢) ، لكن أكثرها قاصرة السند ضعيفة التكافؤ هي والصحيح (٣) منها لما مضى ، فلتطرح أو تحمل على محامل ذكرها الشيخ في الكتابين (٤).

وأجود منها حمل هذه على التقية كما ذكره بعض المعاصرين رحمه‌الله قال : فإنه مذهب جملة من العامة ، ونقل ذلك في المنتهى والتذكرة عن مالك في إحدى الروايتين ، وسعيد بن جبير وطاوس وأبي ثور وابن المنذر ، و [ عن (٥) ] أصحاب الرأي وقول مالك في الرواية الأُخرى أنه يتصدق بما أمكن من قليل أو كثير ، ولم ينقل القول بكفّ من طعام كما هو المروي في الروايات الأُول إلاّ عن عطاء خاصة. انتهى (٦) وهو حسن.

ومنه يظهر ضعف الجمع بينهما بحمل الأولة على الاستحباب ؛ إذ هو فرع التكافؤ المفقود هنا بوجوه شتّى عرفتها.

( وكذا قيل في قتل العظاية ) كفّ من طعام ، والقائل الصدوق في الفقيه والمقنع والشيخ (٧) ، وتبعهما الفاضل في المختلف والشهيد في الدروس وغيرهما من المتأخرين (٨) ؛ للصحيح : محرم قتل عظاية ، قال‌

__________________

(١) كصحيحي ابن عمار : الوسائل ١٣ : ١٦٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٥ ، ٦.

(٢) كخبر مرة مولى خالد : التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٩٧ / ٦٦٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٦.

(٣) في « ق » : والصحاح.

(٤) الاستبصار ٢ : ١٩٧ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨.

(٥) أضفناه من المصدر.

(٦) الحدائق ١٥ : ٢٥٠.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٣٥ ، المقنع : ٧٩ ، الشيخ في التهذيب ٥ : ٣٤٤.

(٨) انظر المختلف : ٢٧٤ ، والدروس ١ : ٣٥٨ ، والمهذب البارع ٢ : ٢٤٥.

٣٢٢

« عليه كف من طعام » (١).

خلافاً للمحكي في المختلف عن الإسكافي (٢) ، فخيّر بينه وبين كفّ من تمر ، ولا وجه له. كما لا وجه لتمريض المتن القول الأول ؛ لنسبته إلى القيل المشعر بالتمريض ، بعد ورود النص الصحيح ؛ ولا لعدم ذكر كثير من الأصحاب ممن تعرّض لما سبق له بالكلية.

( ولو كان الجراد كثيراً ) فقتلها جملة ( فـ ) عليه ( دم شاة ) بلا خلاف يعتدّ به ، إلاّ عن المفيد في كفارات المقنعة من التكفير فيه بمدّ من تمر (٣). وهو نادر مع قوله فيها هنا بما في المتن (٤).

وعليه الإجماع عن الخلاف (٥) ؛ للصحيح : عن محرم قتل جرادة ، قال : « كفّ من طعام ، وإن كان أكثر فعليه دم شاة » (٦).

وظاهره أن المراد بالكثرة الزيادة على الواحدة ، ولكنه خلاف ظاهر الأصحاب ، بل صريح جملة منهم كشيخنا الشهيد الثاني والمحقق الثاني (٧) فقالا : إن المرجع في الكثرة إلى العرف ، ويحتمل اللغة ، فتكون الثلاثة كثيراً ، ويجب لما دونه في كل واحدة تمرة أو كفّ.

وهو حسن ؛ للأصل ، واختلاف نسخة الصحيح ، فنسخة بذا في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٤ ، الوسائل ١٣ : ٢٠ أبواب كفارات الصيد ب ٧ ح ٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٧٤.

(٣) المقنعة : ٥٧٢.

(٤) المقنعة : ٤٣٨.

(٥) الخلاف ٢ : ٤١٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧٠٨ ، الوسائل ١٣ : ٧٧ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٣.

(٧) الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٤٦ ، والمسالك ١ : ١٣٧ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣١٣.

٣٢٣

كتابي الحديث ، وأُخرى بما يوافق المتن في الكافي (١) ، لكنه مروي فيه بسند فيه سهل ، ألاّ أن ضعفه سهل ، ومع ذلك منجبر بالموافقة للأصل وفتوى الأصحاب.

مع أن في كتابي الحديث نسخة ثالثة تحتمل التوفيق مع ما في المتن في محل البحث ، وهي فيهما بتبديل جرادة ب « جراداً كثيراً » ولا يستلزم الأكثر منه ثبوت الدم فيما زاد على الواحدة ، بل فيما زاد على الكثير.

وكيف كان فالعمدة الإجماع المنقول والصحيح بنسخة الكافي ؛ لأضبطيته وانطباقها بفتوى الأصحاب.

ثم إن هذا مع إمكان التحرز ( ولو لم يمكن التحرز منه ) بأن كان على الطريق بحيث لا يمكن التحرز منه إلاّ بمشقة كثيرة لا تتحمل عادة ، لا الإمكان الحقيقي ( فلا إثم ولا كفارة ) بغير خلاف ظاهر ؛ للصحاح الصراح (٢).

واعلم أن نفي البدل عن هذه الخمس الكفارات إنما هو على الخصوص ، وإلاّ فالعموم ثابت لها أجمع مع العجز عنها ، فما عدا الشاة منها بالتوبة والاستغفار ، وفيها بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

واعلم أن ما لا تقدير لفديته فقيمته بلا خلاف على الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (٣) ، حتى زاد بعضهم فقال : لا خلاف فيه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٣ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٧٨ أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٦.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٧٨ أبواب كفارات الصيد ب ٣٨.

(٣) الذخيرة : ٦٠٩ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٣٢٤ ؛ وانظر الحدائق ١٥ : ٢٥٤.

٣٢٤

بين العلماء (١) ؛ لتحقق الضمان الموجب لذلك عليه ، والصحيح : « في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعام بدنة ، وفيما سوى ذلك قيمته » (٢).

والمعتبر القيمة السوقية بتقويم عدلين عارفين وإن كان الجاني أحدهما إذا كان مخطئاً أو تاب ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب (٣).

وقول الشيخ بأن في البطّة والإوزّة والكَرْكي شاة (٤) شاذ غير واضح المستند ، إلاّ الصحيح في كل طير (٥) ، كما عليه والد الصدوق (٦) ، وتبعه جماعة من الأصحاب فيما لا نصّ فيه بالخصوص (٧). ولا بأس به ، ويخصّ به عموم الصحيح السابق ، مع قوة احتمال اختصاصه بحكم السياق بغير الطير ، إلاّ أنه لا خصوصية له بهذه الثلاثة المذكورة في كلام الشيخ ، فإن أرادها فلا ريب في ضعفه.

( وأسباب الضمان ) ثلاثة :

( إمّا المباشرة ) للإتلاف ، ( وإمّا إمساك ) للصيد وإثبات اليد عليه ،

__________________

(١) المدارك ٨ : ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢ ، الوسائل ١٣ : ٥ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٢.

(٣) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٣٤٧ ، وصاحب المدارك ٨ : ٢٥٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٧.

(٤) المبسوط ١ : ٣٤٦.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٥ / ١٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٩ / ٧٤٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٣ أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٥.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٢٧٤.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٥١ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٩ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٢٥٥.

٣٢٥

( وإمّا تسبيب ) للإتلاف.

وفي جملة من كتب الفاضل أنها أمران : المباشرة والتسبيب (١) ، ونصّ في جملة منها على دخول اليد في التسبيب (٢) ، وفيه توسّع ، فإنه أعم مما يستند إليه التلف.

( أما المباشرة فمن قتل صيداً ضمنه ) بالقيمة أو الفداء على حسب ما مضى.

( ولو ) قتله ثم ( أكله ) جميعاً ( أو شيئاً منه لزمه فداء آخر ) وفاقاً للنهاية والمبسوط والسرائر والإصباح والتذكرة والمنتهى والمختلف (٣) ، وعليه الشهيدان في الدروس والمسالك والمحقق الثاني (٤) ، وبالجملة : الأكثر ؛ لأن كلاًّ منهما سبب له ، أما القتل فبالكتاب والسنّة والإجماع كما مرّ ، وأمّا الأكل فللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

منها : زيادةً على الصحاح والموثقات وغيرها الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الميتة والصيد أنه يأكله ويفديه (٥) ، والصحيح الآتي في مسألة ما لو اشترى محلّ لمحرم بيض نعام فأكله أن على المحرم الفداء ـ (٦) عموم الصحيح : « من أكل طعاماً لا ينبغي أكله وهو محرم متعمداً فعليه دم شاة » (٧).

__________________

(١) انظر التذكرة ١ : ٣٤٧ ، والمنتهى ٢ : ٨٢٧ ، والتحرير ١ : ١١٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٣٠ ، التذكرة ١ : ٣٤٩ ٣٥٠.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط ١ : ٣٤٢ ، السرائر ١ : ٥٦٤ ، التذكرة ١ : ٣٤٧ ، المنتهى ٢ : ٨٢٧ ، المختلف : ٢٧٨.

(٤) الدروس ١ : ٣٦٤ ، المسالك ١ : ١٣٨ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٢١.

(٥) انظر ص ٣٤٥٨.

(٦) انظر ص ٣٤٥٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٦٩ / ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

٣٢٦

وخصوص آخر : عن قوم اشتروا ظبياً فأكلوا منه جميعاً وهم حُرُم ، فقال : « على كلّ من أكل منهم فداء صيد ، على كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً » (١).

والخبر : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : صيد أكله قوم محرمون ، قال : « عليهم شاة شاة (٢) ، وليس على الذابح إلاّ شاة » (٣). وقريب منهما آخر (٤).

والاستدلال بهذه الأخبار ليس من جهة دلالتها على تضاعف الفداء ، بل على لزومه بالأكل ، وإنما التضاعف أتى من قَبل الجمع بينها وبين ما مرّ من الأدلة على استلزام [ القتل (٥) ] الفداء أيضاً ، بناءً على اقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات ، فإن الأصل عدم التداخل.

ويعضده زيادةً على الأصل ما سيأتي من الأخبار في مسألة ما لو ضرب طيراً على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيَم ، بل بعضها ربما يكون دليلاً في المسألة من تضاعف الفداء ، كمرسلة ابن أبي عمير كالصحيحة : قلت له عليه‌السلام : يصيد الصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : « إذاً يكون عليه فداء آخر » قلت : فما يصنع به؟ قال : « يدفنه » (٦).

نعم في الصحيح : عن حُرُم أصابوا فراخ نعام فذبحوها وأكلوها ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥١ / ١٢٢١ ، قرب الإسناد : ٢٤٣ / ٩٦٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٢.

(٢) ليست في « ح » و « ك‍ ».

(٣) الكافي ٤ : ٣٩١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ / ١١٢٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٧ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٨.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٣ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥١ / ١٢٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٥.

(٥) في النسخ : الأكل ، وهو سهو ظاهراً.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٥ / ١١٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٨ / ١٣٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٢١٥ / ٧٤٠ ، المقنع : ٧٩ ، الوسائل ١٣ : ١٠٣ أبواب كفارات الصيد ب ٥٥ ح ٢ ؛ بتفاوت.

٣٢٧

فقال : « عليهم مكان كلّ فرخ أصابوه وأكلوه بدنة » (١).

وظاهره التداخل والاكتفاء بالبدنة ، لكنه شاذّ غير معلوم القائل ، كما صرّح به بعض الأصحاب (٢) ، وظاهر المحكي عن المنتهى الإجماع على خلافه (٣) ، وهو كذلك : فإن الأصحاب ما بين قائلين بما مرّ في المتن ، وبوجوب القيمة بالأكل دون الفداء مع ثبوته بالقتل أيضاً ، كما عن الخلاف وتبعه الماتن في الشرائع والفاضل في القواعد والإرشاد (٤) ؛ استناداً إلى الأصل والموثق : « أيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمة ، فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك » (٥).

وفيهما نظر ؛ لوجوب تخصيص الأول بما مرّ إن كان بينهما عموم وخصوص مطلق ، وإلاّ فقد يوافق المختار الأصل ، بأن يزيد القيمة عن الشاة ، لإمكانه وإن بعُد.

وقصورِ سند الثاني ، وضعفه عن المقاومة لأدلة المختار من وجوه ، منها ضعف الدلالة ، باحتمال أن يكون المراد من القيمة فيه الفداء ، كما أُريد منها في آخره.

ويعضده أنه مروي بطريق صحيح هكذا : « إذا اجتمع قوم محرمون على صيد في صيده ، أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٣ / ١٢٢٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٤.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٣٩٧.

(٣) حكاه عنه في مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ٣٩٤ ، وهو في المنتهى ٢ : ٨٠٦.

(٤) الخلاف ٢ : ٤٠٥ ، الشرائع ١ : ٢٨٨ ، القواعد ١ : ٩٥ ، الإرشاد ١ : ٢٣٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٥ ، أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٣٩١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥١ / ١٢١٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ١.

٣٢٨

والمراد بالقيمة فيه بالإضافة إلى القتل الفداء قطعاً ، فكذا بالإضافة إلى الأكل كما هو واضح.

والفرق بينه وبين الموثق تأدية الجزاء في الصيد والأكل هنا بلفظ الفداء ، ولا كذلك الموثق ، لذكر الفداء في خصوص الصيد بلفظه ، وفي الأكل بالإشارة بلفظه « مثل ذلك » (١) المحتملة لإرادة المماثلة في نفس الجزاء ، لا خصوص الفداء ، فيحتمل حينئذ إرادة القيمة ، وهو وإن بعُد أيضاً ؛ فإن الظاهر من المماثلة ثبوتها في الأمرين ، إلاّ أنها ليست نصّاً فيه ، بخلاف الصحيح فإنه نصّ فيه ، وبعد ضمّه إلى الموثق يجعله كالنص ، فإنّ أخبارهم عليهم‌السلام سيّما مع اتحاد الراوي والمروي عنه كما هنا يكشف بعض عن بعض.

وحينئذ فسبيل هذين الخبرين سبيل الأخبار المتقدمة للمختار بلزوم الفداء بالأكل ، فهي لنا لا علينا.

وكذلك الصحيحة السابقة بالتداخل فهي وإن دلّت عليه بالمتن المتقدم إلاّ أنه مروي في الفقيه كما قيل ـ (٢) بمتن آخر ، وهو هذا : في قوم حجّاج محرمين أصابوا فراخ نعام فأكلوا جميعاً ، فقال : « عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها فيشترونها على عدد الفراخ وعدد الرجال » (٣).

وهو كما ترى ليس فيه ذكر « ذبحوها » وإنما فيه « أكلوها » خاصة ،

__________________

(١) الظاهر وقوع سهو من قلمه الشريف ، لأن المذكور في الموثق بعكس ما قاله ، ففي خصوص الأكل قد ذكر بلفظ الفداء وفي الصيد أُشير بلفظة « مثل ذلك ». وعليه يظهر النظر فيما ترتّبه بعد ذلك على ما أفاده.

(٢) الذخيرة : ٦١١ ، الحدائق ١٥ : ٢٦٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

٣٢٩

فتكون من أخبار المسألة دليلاً للمختار ، كالأخبار السابقة.

وأما الصحيح : اهدي لنا طائر مذبوح بمكة فأكله أهلنا ، فقال : « لا يرى به أهل مكة بأساً » قلت : فأيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : « عليهم ثمنه » (١).

فليس بصريح في محل النزاع من كون الآكل محرماً ، فيحتمل كونه مُحلاًّ ، كما نصّ عليه الصحيح الآخر : عن رجل اهدي إليه حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم مُحلّ ، قال : « إن أصاب منه شيئاً فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه » (٢).

وربما يرشد إليه قوله عليه‌السلام : « لا يرى به أهل مكة بأساً » لما قيل من أنه ظاهر أن أهل مكة لا يرون به بأساً إنّ الآكلين محلّون (٣).

وبما ذكرناه ارتفع التعارض بين الأخبار وتوافقت على المختار ، ولعلّه لهذا لم يستدل للقول الثاني بالأخبار أكثر الأصحاب ، وإنما استندوا له ببعض الاعتبارات الغير المسموعة في مقابلة ما قدّمناه من الروايات ، والحمد لله تعالى.

واعلم أن موضوع المسألة على ما صرّح به بعض الأصحاب ـ (٤) كون القتل والأكل في الحلّ ، لا في الحرم ، وإلاّ فيتضاعف الجزاء لو كان في الحرم وهو محرم. وهو حسن ؛ لما قيل في القتل من هتكه لكلّ من حرمتي الإحرام والحرم فيتضاعف الجزاء.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٩ / ٧٤٠ ، الوسائل ١٣ : ٢٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٨ / ٧٣٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٥ ، الوسائل ١٣ : ٣١ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٣.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٩٦.

(٤) هو الفاضل الصيمري في شرح الشرائع ( منه رحمه‌الله ) ؛ والكتاب مخطوط.

٣٣٠

( وكذا ) يجب الفداء بالأكل على المحرم ( لو أكل ما ) أي صيداً ( ذبح في الحلّ ) مطلقاً ( ولو ذبحه المُحلّ ) لعموم الأدلة المتقدمة ، وعدم اختصاصها بغير هذه الصورة ، ونحوها العبارة ، فلا يحتاج إلى التصريح بحكم هذه الصورة إلاّ على تقدير اختصاص ما سبق بغيرها من وقوع الذبح في الحرم ، أو كون الذابح هو المحرم ، مع أنه ليس فيه ما يشعر بأحد الأمرين.

نعم ، ربما يتبادر منه الأخير خاصة ، فيتوجه تعميم الحكم لما ذبحه المُحلّ ، لكن من غير احتياج إلى ذكر الذبح في الحلّ.

ولعلّ الوجه في تخصيص هذه الصورة بالذكر هو ورود الصحاح المستفيضة بتحريم صيدٍ ذبحه المُحلّ ولو في الحلّ على المحرم (١) ، ولكن لا كلام فيه ، وإنما الكلام في لزوم الفدية بالأكل ، ولا دليل فيه سوى ما مرّ من عموم الأدلة ؛ ولعلّه لذا لم يذكر الماتن في الشرائع ولا غيره من الأصحاب التصريح بالحكم في هذا الفرد ، واكتفوا بعموم الكلام السابق.

والأمر سهل بعد وضوح الدليل على المطلب بعنوان العموم والخصوص.

( ولو ) رمى صيداً و ( أصابه و ) تحقق أنه ( لم يؤثر فيه ) رميته بقتل ولا جرح ولا كسر ( فلا فدية ) فيه وليستغفر الله سبحانه ، بلا خلاف ظاهر ، بل ظاهر جماعة الإجماع (٢) ؛ للأصل ، والنص المنجبر : عن محرم رمى صيداً فأصابت يده فعرج ، فقال : « إن كان مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شي‌ء » (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٨ ، ٤٢٢ أبواب تروك الإحرام ب ٢ ، ٤.

(٢) منهم المجلسي في ملاذ الأخيار ٨ : ٣٠٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٧٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٦٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ٣.

٣٣١

وفي قوله : « وهو ينظر إليه » إشارة إلى التحقق كما ذكرنا ، احترازاً عن صورة الشك ، فإن فيه كما يأتي الفداء كاملاً.

والمتبادر من النص والفتوى انفراد الرامي بالرمي ، فلا ينافيهما ما سيأتي من أنه لو رمى اثنان فأصاب أحدهما ضمن كلّ منهما.

( ولو جرحه أو كسر رجله أو يده ورآه ) بعد ذلك ( سويّاً ) أي صحيحاً بلا عيب ( أو مطلقاً ) (١) ( فـ ) يجب عليه ( ربع الفداء ) كما عن النهاية والمبسوط والمهذّب والسرائر والإصباح والجامع (٢).

قيل : للنصوص (٣) ، منها الصحيح : عن رجل رمى صيداً وهو محرم فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع ، فإن رآه بعد أن كسر يده ورجله وقد رعى وانصلح فعليه ربع قيمته » (٤) وبه عبّر في الشرائع والإرشاد (٥). ونحوه آخر (٦).

ولعلّه المراد من ربع الفداء في المتن وصحيح آخر (٧) ؛ إذ الفداء‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « ق ».

(٢) النهاية : ٢٢٨ ، المبسوط ١ : ٣٤٣ ، المهذب ١ : ٢٢٨ ، السرائر ١ : ٥٦٦ ، الجامع للشرائع : ١٩٢.

(٣) قاله السبزواري في الذخيرة : ٦١١ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٢٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٦ ، قرب الإسناد : ٢٤٣ / ٩٦٥ ، الوسائل ١٣ : ٦١ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ١. والحديث موجود في قرب الإسناد والوسائل إلى « إذا لم يدر ما صنع » وذيله من كلام الشيخ في التهذيب.

(٥) الشرائع ١ : ٢٢٨ ، الإرشاد ١ : ٣٢٠.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٣ ، التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٦٩٩ ، الوسائل ١٣ : ٦١ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٦٩٨ ، قرب الإسناد : ٢٤٣ / ٩٦٦ ، الوسائل ١٣ : ٦٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٨ ح ١.

٣٣٢

بنفسه لا يوجب تربيته ، بل قيمته ، فعلى هذا المراد ربع قيمة الفداء ، لا ربع قيمة الصيد كما ربما يتوهم من نحو الصحيحين ، لأن مرجع الضمير المجرور فيهما إنما هو الفداء المذكور فيهما بعد الصيد قبل الضمير ، لا الصيد وإن احتمله ، لبُعده وقرب المرجع الأول.

لكن ظاهر بعض الأخبار الرجوع إلى الصيد (١) ، لكنه قاصر السند.

خلافاً للمحكي عن والد الصدوق والمفيد والحلبي والديلمي وابن حمزة (٢) ، فيتصدق بشي‌ء ، وهو خيرة المختلف في الإماء ، قال : لأنه جناية لا تقدير فيها (٣).

وفيه نظر ؛ لأن مقتضى الدليل لزوم الأرش إن أوجبنا في أجزاء الصيد الضمان كما في المنتهى ، مدّعياً عليه الوفاق (٤) ، لا التصدق بشي‌ء الذي هو أعم من الأرش ، إلاّ أن يقيّد به ، فيراد به الأرش كما في الشرائع والقواعد وكلام غير واحد من متأخري الأصحاب (٥).

وكلامهم في خصوص الجرح ، ولزوم الأرش فيه مذهب المعظم ، كما في المسالك (٦) ؛ ولعلّه قيّد إطلاق الشي‌ء في كلام المفيد ومن حذا حذوه بالأرش. وفيه نظر ؛ لتصريح المفيد فيما حكي عنه بالتصدق‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٦ ، الوسائل ١٣ : ٦٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ٤.

(٢) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٨٠ ، المفيد في المقنعة : ٤٣٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٦ ، الديلمي في المراسم : ١٢٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٧٠.

(٣) المختلف : ٢٨٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٨.

(٥) الشرائع ١ : ٢٨٨ ، القواعد ١ : ٩٥ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٣٥٧ ، وكشف اللثام ١ : ٣٩٧.

(٦) المسالك ١ : ١٣٨.

٣٣٣

بشي‌ء إذا انتفى العيب ، وإلاّ فالأرش.

وكيف كان ، القول بلزوم الأرش في الإدماء هو حسن ؛ للدليل المتقدم السالم عن المعارض ، سوى الأخبار المتقدمة ، وموردها كسر اليد والرجل ، ونحن نقول بربع الفدية فيهما ، وإلحاق الجرح قياس لا نقول به ، إلاّ أن يقال بعدم فارق بين الكسر والجرح بين القدماء ، بل ولا المتأخرين صريحاً ، فلا بدّ من العمل إمّا بالأصل (١) وطرحه الأخبار ، أو العمل بها وتخصيص الأصل ، وهو الوجه إن تمّ الإجماع المركّب كما ربما يفهم من المسالك وغيره (٢).

وفيه نظر ، بل ظاهر عبائر كثيرة اختصاص إلحاق الجرح بالكسر بالشيخ ، فإذاً الوجه عدم الإلحاق ، ولزوم الأرش في الجرح ، وربع الفداء في الكسر.

ويعضده الرضوي : « فإن رميت ظبياً فكسرت يده أو رجله فذهب على جهة لا تدري ما صنع فعليك فداؤه ، فإن رأيته بعد ذلك يرعى ويمشي فعليك ربع قيمته ، وإن كسرت قرنه أو جرحته تصدّق بشي‌ء من طعام » (٣) ويحمل الشي‌ء فيه على الأرش جمعاً بينه وبين الأصل.

( ولو جهل حاله ) أي الصيد الذي جرحه أو كسر يده أو رجله فلم يدر هلك أم عاش ( ففداء كامل ) بلا خلاف ظاهر ، بل عليه الإجماع في ظاهر المنتهى وصريح الانتصار والخلاف وشرح الجمل للقاضي (٤) كما‌

__________________

(١) أعني دليل المختلف للأرش. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) المسالك ١ : ١٣٨ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٩٧.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٧ ، المستدرك ٩ : ٢٧٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٢ ح ٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٨ ، الانتصار : ١٠٤ ، الخلاف ٢ : ٤٠١ ، شرح جمل العلم والعمل : ٢٣٣.

٣٣٤

حكي ؛ لما مرّ من الأخبار ، ونحوها الموثق (١) وغيره (٢) ، بزيادة التعليل فيهما بقوله : « لأنه لا يدري لعلّه قد هلك » فلا يضرّ اختصاص موردها بالكسر دون الجرح ؛ لجريان التعليل فيهما.

مضافاً إلى التأيد بالقوي الوارد في خصوص الجرح والإدماء بأن : « عليه جزاؤه » (٣) بناءً على أن المتبادر منه جزاء الصيد كاملاً ، وهو المعبّر عنه بالفداء ، فالكسر بتلك الأخبار والإدماء بهذا.

مضافاً إلى عدم القول بالفرق بينهما ، والإجماعات المنقولة مطلقة.

فالمناقشة في الروايات أجمع بالأخصية من المدّعى كما اتّفق لجماعة من متأخري المتأخرين (٤) لا وجه له أصلاً ، ولا وقع له بعد ذلك جدّاً.

( قيل : وكذا ) يجب الفداء كاملاً فيما ( لو ) رماه و ( لم يعلم حاله ) أنه ( أثّر فيه أم لا ) والقائل الشيخ في النهاية ، والحلّي في السرائر ، ويحيى بن سعيد في الجامع (٥).

قيل : ويحتمله كلام الحلبيّين والجواهر ؛ عملاً بالأغلب ، وهو التأثير مع الإصابة ، وإذا بني على التأثير وجهل الحال رجع إلى المسألة الأُولى (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٧٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٦٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٦ ، علل الشرائع : ٤٥٧ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٦٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٣ / ١١ ، الوسائل ١٣ : ٦٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٧ ح ٥.

(٤) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٦١٢ ، والمحدث المجلسي في مرآة العقول ١٧ : ٣٧٣.

(٥) النهاية : ٢٢٨ ، السرائر ١ : ٥٦٦ ، الجامع : ١٩٢.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٩٦.

٣٣٥

وفيه نظر ؛ فإن أغلبية التأثير غايتها إفادة الظن به ، واعتباره في نحو المقام من موضوعات الأحكام يحتاج إلى دليل ، وليس ، وموضوع المسألة الاولى في ظاهر النصوص والفتاوي صورة القطع به ، لا الظن ، فالتعميم يحتاج إلى دليل.

ولعلّه لهذا عزاه الماتن والفاضل في التحرير (١) إلى قول ، مشعرَين بتمريضه ، ومرجعه إلى البناء على أصل عدم التأثير وأصل البراءة ، مع انتفاء نصّ فيه ، ولو لا النصوص في الأوّل لم يتّجه ضمان كمال الفداء فيه أيضاً.

وهو قوي متين إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، كما يفهم من بعض شرّاح الكتاب (٢) ، ويحتمله ما عن الغنية من الإجماع على أنه إذا أصاب فغاب الصيد فلم يعلم له حالاً فداه (٣).

وعن الجواهر الإجماع على وجوب الجزاء (٤).

وبالجملة : فالمسألة محل إشكال ، فلا يترك فيها الاحتياط بحال.

ثم إنّ صور المسألة خمس تعرّض الماتن لحكم أربع منها ، بقي الخامسة ، وهي ما إذا رماه فلم يدر أصابه أم لا ، والحكم فيها البراءة بلا خلاف أجده إلاّ من القاضي فضمّنه الجزاء (٥) ، وهو ضعيف جدّاً.

( و ) علم أنه قد اختلف الأصحاب فيما يجب في أعضاء الصيد : فـ ( قيل : ) إن ( في كسر يد الغزال نصف قيمته ، وفي يديه كمال القيمة ، وكذا في رجليه ) في كل منهما نصف قيمته مطلقاً ، وكذا في عينيه ( وفي

__________________

(١) التحرير ١ : ١١٧.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٢٤٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٤) جواهر الفقه : ٤٦.

(٥) المهذب ١ : ٢٢٨.

٣٣٦

قرنيه ) معاً ( نصف قيمته ، وفي كل واحد ) منهما ( ربع ) قيمته.

والقائل : النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذّب والسرائر والجامع (١) كما حكي ، وتبعهم من المتأخرين الفاضل في المختلف في العين خاصة (٢) ، وفي القواعد والإرشاد والمحقق الثاني (٣) في الجميع ، وظاهر الأخير أنه المشهور ، كالشهيد الثاني فقال : إن عليه المعظم (٤).

ومستندهم رواية سماعة (٥) الضعيفة بأبي جميلة ، ولذا قال الماتن هنا وفي الشرائع (٦) : ( وفي المستند ضعف ) إلاّ أن يجبر بالشهرة المحكية فيما عرفت من كلام ثاني المحقّقين وثاني الشهيدين وعملِ نحو الحلّي ممّن لا يجوّز العمل بأخبار الآحاد سيّما الضعيف منها إلاّ بعد احتفافها بالقرائن القطعية.

وفيهما نظر ؛ لمعارضتهما بالمثل ، فقد ادّعى جماعة (٧) كون ذلك خلاف مذهب الأكثر من تعيّن الأرش ، كما هو مقتضى الأصل ، بناءً على ما ظاهره الاتفاق عليه من ثبوت ضمان أجزاء الصيد كما مرّ.

وقيل : هو ظاهر الخلاف ، وبه قال المفيد والديلمي والحلبيّان في‌

__________________

(١) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط ١ : ٣٤٢ ، الوسيلة : ١٧٠ ، المهذب ١ : ٢٢٦ ، السرائر ١ : ٥٦٤ ، الجامع : ١٩١.

(٢) المختلف : ٢٨٠.

(٣) القواعد ١ : ٩٦ ، الإرشاد ١ : ٣٢٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٢٤.

(٤) الروضة البهية ٢ : ٣٥٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٦٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٨ ح ٣.

(٦) الشرائع ١ : ٢٨٨.

(٧) منهم : صاحبا المدارك ٨ : ٣٥٨ ، والحدائق ١٥ : ٢٧٤.

٣٣٧

الكسر ، وزاد عدا ابن زهرة منهم إن رآه بعد ذلك سليماً تصدّق بشي‌ء (١).

وهؤلاء أيضاً لا يعملون بالآحاد ، والرواية بمرأى منهم ومنظر ، بل رواها في الغنية بعد الفتوى بالأرش ، فهو مما يوهنها زيادة على ما فيها من الضعف ، فالأصح الأرش.

وهنا أخبار نادرة تقبل التأويل والتنزيل على كل من القولين (٢).

( ولو اشترك جماعة في قتله ) أي الصيد مطلقاً ( لزم كل واحد منهم فداء ) كامل بإجماعنا ظاهراً ، ومنقولاً في عبائر جماعة مستفيضاً (٣) ، والصحاح به مضافاً إليه مستفيضة أيضاً (٤).

وموردها وإن كان جماعة محرمين إلاّ أن إطلاق الفتاوي يشملهم وغيرهم من المُحلّين في الحرم والمتفرقين. وبه صرّح جماعة ومنهم الشهيدان في الدروس والمسالك (٥) ، تبعاً للعلاّمة في التحرير والمنتهى (٦) ، وظاهرهم وسيّما الأخير أنه لا خلاف فيه بيننا ، إلاّ من الشيخ في التهذيب في المحلّ والمحرم إذا اشتركا في صيد حرمي ، فأوجب على المحرم الفداء كاملاً ، وعلى المحلّ نصف الفداء (٧).

ومن بعض العامة فيه أيضاً فأوجب فداءً واحداً عليهما (٨).

__________________

(١) قاله الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩٧.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٧١ ، ٧٢ أبواب كفارات الصيد ب ٣٢ ح ١ ، ٢.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٥٩ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٣٢٦ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٢٧٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٨.

(٥) الدروس ١ : ٣٦٠ ، المسالك ١ : ١٣٨.

(٦) التحرير ١ : ١١٧ ، المنتهى ٢ : ٨٢٩.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٥٢.

(٨) المغني لابن قدامة ٣ : ٥٦٣.

٣٣٨

ومستند الشيخ القوي : في محرم ومُحلّ قتلا صيداً ، فقال : « على المحرم الفداء كاملاً ، وعلى المُحلّ نصف الفداء » (١).

وفيه مضافاً إلى قصور السند أنه أعم من المدّعى.

ثم على تقدير العموم للمحلّين في الحرم والمفترقين كما هو مقتضى الفتاوي ينبغي تعميم الفداء فيهما لما يشمل القيمة أيضاً ، كما وقع التصريح بها في عبارة المصرِّحين بالعموم.

اللهم إلاّ أن يقال : إن ذلك مجاز لا يصار إليه إلاّ بقرينة ، وهي مفقودة في كلامهم إلاّ من حيث إطلاق الجماعة ، وتقييده بالمحرمين أولى من حمل الفداء على الأعم ، بناءً على الأصح من تقديم التخصيص على المجاز حيثما تعارضا ، وخصوصاً هنا ، لانصراف الإطلاق في كلامهم المنساق في بيان ما يجب على المحرم من الكفارات إليه ، دون المُحلّ ولو في المحرم ، وإنما ذكر سابقاً تبعاً له.

ولذا توقف في التعميم بعض المتأخرين (٢) ، وهو في محلّه إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

( ولو ضرب طيراً على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيَم ) للخبر : في محرم اصطاد طيراً في الحرم فضرب به الأرض فقتله ، قال : « عليه ثلاث قيمات ، قيمة لإحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إياه » (٣).

وفي سنده ضعف وفي متنه مخالفة للأُصول ؛ لاقتضائها التفصيل بين أفراد الطير ، وإيجاب المنصوص فيما ورد به من بدنة كما في النعامة ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٩ أبواب كفارات الصيد ب ٢١ ح ١.

(٢) المدارك ٨ : ٣٦٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٩٠ ، الوسائل ١٣ : ٩١ أبواب كفارات الصيد ب ٤٥ ح ١.

٣٣٩

وكفّ من طعام كما في العصفور ، وشاة كما في الحمامة ، أو في الطير مطلقاً على حسب ما مرّ ، لا إيجاب القيمة مطلقاً ولو كان منصوصاً بدونها من بدنة أو تمرة أو غيرهما كما في الرواية.

ونفيها (١) الزائد عن القيمة للحرم والجزاء للقتل ولو مع الاستصغار ؛ إذ لا دليل على إيجابه الكفارة ، وإنما غايته الحرمة ، ولا تلازم بينها وبين الكفارة.

فالتعويل على هذه الرواية مشكل ، إلاّ أن تجبر بالاتفاق بالعمل عليها في إيجابها ثلاث كفّارات في الظاهر ؛ إذ لم نر مخالفاً في ذلك من الأصحاب حتى نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد الخالية عن قرينة الصدق ، وإن اختلفوا في الجمود على ظاهرها كما اختاره الماتن هنا ( وقال الشيخ ) في النهاية والمبسوط ، والحلّي في السرائر ، وابن عمّ الماتن في الجامع ، وابن حمزة في الوسيلة ، والقاضي في المهذّب والفاضلان في كتبهما حتى الماتن في الشرائع (٢) ، وغيرهم من المتأخرين (٣) : إنه عليه ( دم وقيمتان ) وزاد من عدا الماتن والوسيلة التعزير ، كما عن المنتهى والتحرير والتذكرة (٤).

والطير فيه وإن كان مطلقاً لكن المتبادر منه المنصرف إليه الإطلاق هو‌

__________________

(١) عطف على : اقتضائها.

(٢) النهاية : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٣٤٢ ، السرائر ١ : ٥٦٢ ، الجامع : ١٩١ ، الوسيلة : ١٦٥ ، المهذب ١ : ٢٢٨ ، العلامة في المنتهى ٢ : ٨٢٩ ، والتحرير ١ : ١١٧ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٨٨.

(٣) منهم : المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٢٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩٧.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٢٩ ، التحرير ١ : ١١٧ ، التذكرة ١ : ٣٤٩.

٣٤٠