رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

( المقصد الثاني : )

( في ) بيان حقيقة ( العمرة ) وحكمها.

وهي لغةً : الزيارة ، وشرعاً : المناسك المخصوصة الواقعة في الميقات ومكة.

( وهي واجبة في العمر ) بأصل الشرع مرة كالحج ( على كلّ مكلّف ، بالشرائط المعتبرة في الحج ) بالكتاب والسّنة والإجماع.

ففي الصحيح : « العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، لأن الله تعالى يقول( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (١) وإنما نزلت العمرة بالمدينة » (٢).

ونحوه آخر بزيادة قوله : قلت( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) أيجزئ عنه؟ قال : « نعم » (٣).

وفيه : عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٤) يعني به الحج دون العمرة؟ قال : « لا ، ولكنه يعني الحج والعمرة جميعاً ، لأنهما مفروضان » (٥).

وربما ظهر من إطلاقها كالعبارة ونحوها أنه لا يشترط في وجوبها الاستطاعة للحج معها ، بل لو استطاع لها خاصة وجبت ، كما أنه لو استطاع‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٣ / ١٥٠٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٥ أبواب العمرة ب ١ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٥ / ٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٦ أبواب العمرة ب ١ ح ٣.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) علل الشرائع : ٤٥٣ / ٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٩٧ أبواب العمرة ب ١ ح ٧.

٢٠١

للحج خاصة وجب دون العمرة.

وهو أصح الأقوال في المسألة وأشهرها ؛ إذ لم نجد من الأدلة ما يدلّ على ارتباط أحدهما بالآخر في الوجوب وإن حكي قولاً (١) ، ولا على ارتباط العمرة بالحج خاصة فلا تجب إلاّ بوجوبه ، دون الحج ، وإن اختاره في الدروس (٢).

هذا في العمرة المفردة كما هو المفروض من المقصد في العبارة. أما عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها وللحج ؛ لدخولها فيه ، وارتباطها به ، وكونها بمنزلة الجزء منه ، وهو موضع وفاق.

وتجب فوراً كالحج بلا خلاف كما عن السرائر (٣) ، بل عن التذكرة الإجماع عليه (٤).

( وقد تجب ) كالحج ( بنذر وشبهه ) من العهد واليمين ( والاستئجار ، والإفساد ) لها على ما قطع به الأصحاب.

( والفوات ) أي فوات الحج ، فإنه يجب التحلل منه بعمرة مفردة ، كما سبق إليه الإشارة في بحث من فاته الحج في أواخر القول في الوقوف بالمشعر.

( وبدخول مكة ) بل الحرم لمن قصدهما كائناً من كان ( عدا من يتكرر ) منه الدخول فيها (٥) ( والمريض ) ومن أحلّ ولمّا يمضي شهر ، فإنه لا تجب على هؤلاء كما سبق في الإحرام مفصّلاً.

__________________

(١) حكاه في المسالك ١ : ١٤٦.

(٢) الدروس ١ : ٣٣٣.

(٣) السرائر ١ : ٥١٥.

(٤) التذكرة ١ : ٢٩٦.

(٥) في « ح » زيادة : كالحطّاب والحشّاش.

٢٠٢

والمراد بالوجوب هنا الوجوب الشرطي لا الشرعي فيترتب الإثم والمؤاخذة على الدخول بغير إحرام لا على تركها كالطهارة لصلاة النافلة.

ولا فرق في ذلك بين ما إذا وجب الدخول شرعاً أم لا ، إلاّ على القول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به ، فتجب العمرة شرعاً في الأول وشرطاً في الثاني.

وإنما يجب الإحرام بها للدخول ، تخييراً بينه وبين إحرام الحج ، لا عيناً ؛ لما مضى.

( وأفعالها ثمانية : النية والإحرام والطواف وركعتاه والسعي ) بعده ( وطواف النساء وركعتاه والتقصير أو الحلق ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك فتوًى ونصّاً ، إلاّ في وجوب طواف النساء ، فقد اختلف في وجوبه فيها ، والأظهر الأشهر الوجوب كما مرّ في آخر بحث الطواف مستوفى.

وممّا يدل على التخيير بين الحلق والتقصير وإن اقتصر في الشرائع على الأخير (١) الصحيح : في الرجل يجي‌ء معتمراً عمرة مبتولة ، قال : « يجزئه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت ، ومن شاء أن يقصّر قصّر » (٢).

( وتصح ) العمرة المفردة ( في جميع أيام السنة ) للإطلاقات ، مضافاً إلى ما سيأتي من الروايات في صحة الاتباع ، وصريح الصحيح : « المعتمر يعتمر في أيّ شهور السنة شاء ، وأفضل العمرة عمرة رجب » (٣).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٠٢.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٦ ، الوسائل ١٤ : ٣١٦ أبواب العمرة ب ٩ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٦ / ٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٣ أبواب العمرة ب ٣ ح ١٣.

٢٠٣

وعن المنتهى : أنه لا يعرف فيه خلافاً (١).

( وأفضلها ) أي أيام السنة ( رجب ) بلا خلاف ؛ لما عرفته من الصحيحة ، مضافاً إلى الصحاح الأُخر المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

ففي الصحيح : أيّ العمرة أفضل ، عمرة رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال : « لا ، بل عمرة في رجب أفضل » (٢).

ويرشد إليه ما مرّ في أحكام المواقيت من جواز الإحرام قبل الميقات للعمرة في رجب.

ويتحقق العمرة فيه بالإهلال فيه وإن أكملها في غيره ؛ للصحيح : إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبية » (٣).

( ومن أحرم بها ) أي بالعمرة المبتولة ( في أشهر الحج ودخل مكة جاز أن ينوي بها ) عمرة ( التمتع ويلزمه الدم ) أي الهدي ؛ للصحيح : « من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثم خرج كان ذلك له ، وإن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة » وقال : « ليس يكون متعة إلاّ في أشهر الحج » (٤).

ومقتضاه جواز التمتع بالعمرة المفردة في أشهر الحج ( بمعنى إيقاع ) (٥) حج التمتع بعدها وإن لم ينوبها التمتع ، وعلى هذا فلا وجه لتقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعيّنة بنذر وما شابهه كما ذكره في المسالك‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٦ / ١٣٤٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٠١ أبواب العمرة ب ٣ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٦ / ١٣٤٩ ، الوسائل ١٤ : ٣٠١ أبواب العمرة ب ٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٥ / ١٥١٣ ، الوسائل ١٤ : ٣١٢ أبواب العمرة ب ٧ ح ٥.

(٥) في « ق » : وإيقاع.

٢٠٤

وغيره (١) ، ونبّه على ما ذكرنا سبطه (٢).

ثم إن مقتضى إطلاق صدره جواز الخروج بعد فعل العمرة إلى حيث شاء ، سواء بقي إلى يوم التروية أم لا. ونحوه في ذلك آخَر صحيحةٌ وغيرها ، ففي الصحيح : « لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله » (٣).

وفيه : عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثم رجع إلى بلده ، قال : « لا بأس ، وإن حج في عامة ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم » (٤).

خلافاً للمحكي عن القاضي ، فأوجب الحج على من أدرك التروية (٥) ؛ للصحيح : « من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلاّ أن يدركه خروج الناس يوم التروية » (٦).

وقريب منه ذيل الصحيحة المتقدمة.

وحملهما الأصحاب على الاستحباب ، جمعاً بينهما وبين ما مرّ من الأخبار المرخّصة للرجوع إلى أهله متى شاء ، وفي بعضها أن الحسين بن علي عليهما‌السلام خرج يوم التروية إلى العراق وكان معتمراً (٧) ، لكنه يحتمل الضرورة.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٧ ؛ وانظر المفاتيح ١ : ٣٠٩.

(٢) المدارك ٨ : ٤٦٤.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٥١٥ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٧ / ١١٥٩ ، الوسائل ١٤ : ٣١٠ أبواب العمرة ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٣٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٥١٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٧ / ١١٦٠ ، الوسائل ١٤ : ٣١٠ أبواب العمرة ب ٧ ح ٢.

(٥) المهذب ١ : ٢٧٢.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٧٤ / ١٣٣٦ ، الوسائل ١٤ : ٣١٣ أبواب العمرة ب ٧ ح ٩.

(٧) تقدم مصدره في الهامش (٤).

٢٠٥

والجمع بتقييد الأخبار المطلقة في الرخصة بما إذا لم يدرك يوم التروية أولى من الجمع بالحمل على الاستحباب كما مرّ غير مرّة.

فقوله في غاية القوّة ، لولا الشذوذ والندرة ؛ وبُعدُ حمل فعل الحسين عليه‌السلام على الضرورة ، نظراً إلى سياق الرواية المتضمنة له ، فتدبّر ؛ واعتضادُ الاستحباب باختلاف أخبار الباب في الرخصةِ على الإطلاق ، أو التقييد بما عرفته في الصحيحة ، أو بما إذا لم يدرك هلاك ذي الحجة وإلاّ فعمرته متعة ، كما في الصحيح : « إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن ، وإن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلاّ الحج » (١).

وأظهر منه الخبر : « من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج من الناس » (٢).

والحكم (٣) بأنها في أشهر الحج متعة على الإطلاق ، كما في الصحيح : عن المعتمر في أشهر الحج ، قال : « هي متعة » (٤).

وأظهر منه المرسل : سأل بعض أصحابنا أبا جعفر عليه‌السلام في عشر من شوال فقال : إني أُريد أُفرد عمرة هذا الشهر ، فقال له : « أنت مرتهن بالحج » (٥).

والجمع بين هذه الأخبار بعد ذلك يتحقق بحمل الاختلاف على تفاوت مراتب الاستحباب ، كما صرّح به بعض الأصحاب.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٣٤ » ٢٧٥ / ، الوسائل ١٤ : ٣١٣ أبواب العمرة ب ٧ ح ١١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٥١٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٧ / ١١٦١ ، الوسائل ١٤ : ٣١٢ أبواب العمرة ب ٧ ح ٦.

(٣) عطف على الرخصة.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٥١٤ ، الوسائل ١٤ : ٣١١ أبواب العمرة ب ٧ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٥١٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٧ / ١١٦٢ ، الوسائل ١٤ : ٣١٢ أبواب العمرة ب ٧ ح ٨.

٢٠٦

فقال : ولو اعتمر مفردة في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج ، ويجعلها متعةً ، خصوصاً إذا أقام إلى هلال ذي الحجة ، ولا سيّما إذا أقام إلى التروية ؛ للأخبار وإن خلت عما قبل هلال ذي الحجة. ولا يجب ؛ للأصل ، والأخبار. لكن الأخبار الأولة تعطي الانتقال إلى المتعة وإن لم ينوه (١). انتهى.

وهو حسن ، إلاّ أن قوله : وإن خلت عمّا قبل هلال ذي الحجة ، المناقشة فيه واضحة ؛ لما عرفت من ورود الروايات به أيضاً ، وهي الصحيح الأخير مع ما بعده.

ويستفاد من مفهوم العبارة أنه لو أحرم في غير أشهر الحج لم يجز له أن ينوي بها المتعة ، وهو كذلك. ووجه واضح.

وفي الخبر : من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : « إنّ المتمتّع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء ، وقد اعتمر الحسين عليه‌السلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى ، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج » (٢).

( ويصح الإتباع ) أي إتباع عمرة بأُخرى ( إذا كان بينهما شهر ) وفاقاً لجماعة ، ومنهم : الشيخ في أحد قوليه وابن حمزة والحلبي وابن زهرة (٣) ، لكنّهما قالا : في كلّ شهر ، أو في كل سنة مرة ، وهو يحتمل التردّد والتوقف في جوازها في كل شهر.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٨٥.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٣٧ / ١٥١٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٨ / ١١٦٣ ، الوسائل ١٤ : ٣١١ أبواب العمرة ب ٧ ح ٣.

(٣) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٠٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٢١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

٢٠٧

ولا ريب في ضعفه ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها بأن لكل شهر عمرة ، كما في جملة منها (١) ، وفي جملة اخرى : إنّ في كل شهر عمرة (٢).

ولا معارض لها سوى الصحيحين بأن العمرة في كل سنة كما في أحدهما (٣) ، ولا تكون عمرتان في سنة كما في ثانيهما (٤).

ولقصورهما عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى ، أعظمها كثرتها عدداً ، واشتهارها فتوًى ، حتى كاد أن يكون الفتوى بها ولو في الجملة إجماعاً ممن عدا العماني على الظاهر ، المصرَّح به في المختلف (٥) ، دونهما ، مع عدم صراحتهما في العمرة المفردة ، وقوةِ احتمال اختصاصهما بالمتمتّع بها ، أُوجب حملهما عليها ، دون المفردة ، جمعاً بين الأدلة وتعادياً من طرحهما بالكلّية.

وعلى هذا الجمع اتفاق من عدا العماني ، كما قيل (٦).

وربما حملا على التقية ؛ لأنه رأى بعض العامة (٧) ، أو على أنّ المراد فيهما إني لا أعتمر في كل سنة إلاّ مرّة ، وفي الأول تأكد استحباب الاعتمار في كل سنة ، ولا بأس بها وإن بعدت غايته.

وبالجملة : لا إشكال في جواز الاعتمار في كل شهر مرّة ، وإنّما هو‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٠٨ ٣١٠ أبواب العمرة ب ٦ الأحاديث ٤ ، ٥ ، ٨ ، ٩ ، ١١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٠٧ أبواب العمرة ب ٦ ح ١ ، ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٣٥ / ١٥١١ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ / ١١٥٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٥ / ١٥١٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ / ١١٥٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٧.

(٥) المختلف : ٣١٩.

(٦) انظر المختلف : ٣٢٠.

(٧) كما في الأُم ٢ : ١٣٣ ، وبداية المجتهد ١ : ٣٣٨.

٢٠٨

في المنع عن الزيادة فيه عنها ، كما هو ظاهر العبارة وباقي الجماعة ؛ لعدم وضوح دليل عليه من الأخبار السابقة ؛ إذ غايتها الدلالة على جواز الاعتمار في كل شهر وأن لكلّ شهر عمرة ، وهو لا يدل على النهي عن الزيادة ، وقد اعترف بذلك من المتأخرين جماعة (١).

ويعضده الخبر : « لكل شهر عمرة » قال : فقلت له : يكون أقلّ من ذلك؟ قال : « لكل عشرة أيام عمرة » (٢).

فإنّه مع التصريح في صدره بأنّ لكل شهر عمرة لم يفهم الراوي المنع عن الزيادة ، بل سأل عنها على حدة ، وهو عليه‌السلام قد قرّره على فهمه ، ومع ذلك فقد أجاب في الذيل بأن لكل عشرة عمرة.

( و ) لأجله ( قيل ) بصحة الإتباع إذا كان بينهما ( عشرة أيام ) والقائل جماعة كالشيخ في قوله الثاني (٣) ، بل جميع كتبه كما قيل (٤) ، والمهذّب والجامع (٥) والإصباح ، وهو خيرة الفاضل في التحرير والتذكرة والمنتهى والإرشاد (٦).

ولا بأس به لو صحّ السند ، لكن ليس فيه دلالة على المنع عن الاعتمار فيما دون العشرة ، بل سبيله سبيل الأخبار السابقة ، إلاّ أن يقال : إنّ سوق السؤال والجواب فيه يقتضيه ، وهو غيره يعيد ، إلاّ أن السند ضعيف.

__________________

(١) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة ٧ : ٣٩٥ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ٨ : ٤٥٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٩٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٨ / ١٣٦٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٩.

(٣) المبسوط ١ : ٣٠٤.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٥) المهذب ١ : ٢١١ ، الجامع للشرائع : ١٧٩.

(٦) التحرير ١ : ١٢٩ ، التذكرة ١ : ٤٠١ ، المنتهى ٢ : ٨٧٧ ، الإرشاد ١ : ٣٣٨.

٢٠٩

( وقيل ) كما عن العماني (١) خاصة أنه ( لا يكون في السنة إلاّ عمرة واحدة ) لما عرفته مع الجواب عنه مفصّلاً ، فلا نعيدهما.

وهنا قول رابع أشار إليه بقوله :

( ولم يقدّر علم الهدى بينهما حدّا ) من الحدود الثلاثة ولا غيرها ، بل جوّز الاعتمار في كل يوم مرة فصاعداً (٢) ، ووافقه الديلمي والحلّي كثير من المتأخرين (٣).

وعزاه في الناصريات إلى أصحابنا (٤) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، واستدل عليه بالنبوي : « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما » (٥) قال : ولم يفصّل عليه‌السلام بين أن يكون ذلك لسنة أو سنتين ، أو شهر أو شهرين.

وفيه : بعد الإغماض عن السند أنه بالنسبة إلى تحديد المدة بينهما مجمل غير واضح الدلالة ، فإن إطلاقه مسوق لبيان الفضيلة ، لا لتحديد المدة ، وبذلك أجاب عنه جماعة (٦) ، وبه يمكن الجواب عن الإطلاقات الأُخر في الندب إليها إن وجدت.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٣٢٠.

(٢) جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضى ٣ ) : ٦٣.

(٣) الديلمي في المراسم : ١٠٤ ، الحلي في السرائر ١ : ٦٣٤ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣٩٠ ، والشهيدان في اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٣٧٥ والمسالك ١ : ١٤٧.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٣ / ٤٣٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٦٤ / ٢٨٨٨ ، الموطأ ١ : ٣٤٦ / ٦٥ ، مسند أحمد ٣ : ٤٤٧.

(٦) قال العلامة في المختلف : ٣٢٠ وقول المرتضى لا حجة فيه ، واستدلاله غير ناهض ، إذ حكمه ـ عليه‌السلام بكون العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، لا دلالة فيه على التقدير ولا على عدمه. وهكذا قال في الحدائق ١٦ : ٣٢٣.

٢١٠

وممّا ذكر ظهر أن المسألة محل إشكال ؛ لعدم وضوح دليل على شي‌ء ممّا فيها من الأقوال ، فلا يترك فيها الاحتياط على حال.

نعم ، ينبغي القطع بجوازها في كل شهر ، ويبقى الكلام في العشر فما دونها ؛ لضعف المستند فيهما ، فتركها فيهما أحوط وأولى. ولا يجوز المسامحة هنا في الفتوى باستحبابها فيهما ؛ لوجود القول بالتحريم والمنع عنهما.

( و ) العمرة ( المتمتع بها تجزئ من المفردة ) المفروضة إجماعاً فتوًى وروايةً ، وهي صحاح مستفيضة وغيرها من المعتبرة (١).

( وتلزم ) أي المتمتع بها مرة كلّ ( مَن ليس من حاضري المسجد الحرام ) وكان نائياً عنه.

( ولا تصحّ إلاّ ) في ( أشهر الحج ) لارتباطها به ، كما مرّ الكلام في جميع ذلك مفصّلاً.

( ويتعيّن فيها التقصير ) وهو إبانة الشعر أو الظفر بحديد ونتف وقرض وغيرها.

ويكفي فيه المسمّى ، وهو ما يصدق عليه أنه أخذ من شعر أو ظفر.

كلّ ذلك للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٢).

وأما ما في الصحيح : « إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك ، وخذ من شاربك ، وقلّم أظفارك ، وأبق منها لحجّك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء يحلّ منه المحرم » (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٠٥ أبواب العمرة ب ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٠٧ أبواب التقصير ب ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٧ ، التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢١ ، الوسائل ١٣ : ٥٠٦ أبواب التقصير ب ١ ح ٤.

٢١١

فمحمول على الاستحباب ، إلاّ قوله عليه‌السلام : « وأبق منها لحجّك » فباق على ظاهره من الوجوب ؛ ولذا تعيّن التقصير على الأظهر (١) الأشهر ، بل لا يكاد فيه خلاف يظهر إلاّ من الخلاف (٢) ، فجعله أفضل من الحلق ، وهو نادر ، ويردّ مضافاً إلى الصحيح السابق الصحيح : « وليس في المتعة إلاّ التقصير » (٣).

وظاهر الأول حرمة الحلق مطلقاً ولو بعد التقصير ، قيل : وصرّح بها الشهيد ، وفاقاً لابني حمزة والبراج ؛ لإيجابهما الكفارة بالحلق قبل الحج ، فيختص الإحلال بغيره ، ولعلّه لأنه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلاً ، لأن أوّله تقصير ، إلاّ أن يلحظ النية ، وإنما حرّم في النافع قبله (٤).

أقول : لقوله : ( ولو حلق قبله لزمه شاة ) لكن ليس فيه نفي التحريم بعده ، وإنما خصّ لزوم الشاة بالحلق قبله اقتصاراً على مورد النص الوارد به ، ففي الخبر : عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق » (٥).

وفيه : أن النص غير منحصر في هذا ، بل استدل على الحكم أيضاً بالصحيح في متمتع حلق رأسه بمكة : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن‌

__________________

(١) ليست في « ق ».

(٢) الخلاف ١ : ٤٢١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٦ / ٥٣٣ ، الوسائل ١٣ : ٥١٠ أبواب التقصير ب ٤ ح ٢.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٤٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٢ / ٨٤٢ ، الوسائل ١٣ : ٥١٠ أبواب التقصير ب ٤ ح ٣.

٢١٢

تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج فإنّ عليه دماً يهريقه » (١).

بل الظاهر انحصار المستند في الدم من الأخبار في هذا الخبر ، دون ما مرّ ؛ إذ هو مع قصور سنده بل ضعفه ظاهر في الجاهل أو الساهي أو الناسي ، دون العامد ، وقد أجمعوا عدا الماتن على اختصاص الحكم بالعامد ، وأنه لا شي‌ء على من عداه ؛ للأصل ، وضعف الخبر ، وخصوص الصحيح الذي مرّ ، والمرسل القريب منه في السند والمتن : « إن كان ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن كان متمتعاً في أول شهور الحج فليس عليه شي‌ء إذا كان قد أعفاه شهراً » (٢).

ولكن في التمسك للحكم بهذا الصحيح أيضاً نظر ؛ لعدم ظهوره في الحلق بعد الإحرام ، واحتمال كون الدم للإخلال بتوفير الشعر قبل الإحرام المستحب عند الأصحاب ، والواجب عند الشيخين (٣) ، وأفتى بوجوب الدم فيه المفيد ، كما مرّ في بحث الإحرام (٤).

وبه استدل له هناك ، ولكن قد مرّ الجواب عنه ثمة.

وبالجملة : فالخبر للاحتمال المزبور مجمل لا يمكن التمسك به في محل البحث ، مضافاً إلى أن ما فيه من التفصيل في صورة العمد لا يوافق فتوى الأصحاب على الإطلاق بلزوم الدم ، وهذا من أكبر الشواهد على تعيين ما مرّ من الاحتمال ، وإلاّ فهو شاذ ، وكذا الخبر الأول ، لما مرّ.

وعليه فيشكل الحكم بوجوب الدم ، إلاّ أن يكون إجماعاً ، ولا ريب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤١ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٧ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ / ٥٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٥١٠ أبواب التقصير ب ٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٧٣ / ١٦٦٥ ، الوسائل ١٣ : ٥٠٩ أبواب التقصير ب ٤ ح ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٣٩١ ، الطوسي في النهاية : ٢٠٦ والاستبصار ٢ : ١٦٠.

(٤) راجع ص : ٢٨٥٢.

٢١٣

أنه أحوط.

وكيف كان ، فينبغي القطع باختصاصه بصورة العمد ، لا كما أطلقه الماتن هنا وفي الشرائع (١).

وبما إذا حلق الرأس أجمع ، فلو حلق جملة منه وأبقى منه بعضاً فلا دم ولا تحريم ، كما قطع به جمع (٢).

وبثبوت تحريم الحلق مطلقاً ولو بعد التقصير ؛ لورود الأمر به في الصحيح الماضي ، وهو يستلزم النهي عن ضده العام إجماعاً ، فلا وجه لتأمل بعض المتأخرين فيه ، ولا لتأمله في إجزائه عن التقصير ولو على القول بتحريمه (٣) ، كما عن المنتهى ، حيث إنه مع قوله بتحريمه قال بالإجزاء ، لتوجيهه بأن أول الحلق تقصير ، فبعد ما بدأ به حصل الامتثال ، وإنما النهي عن الحلق تعلّق بالخارج عنه ، فيأثم بفعله خاصة (٤).

وبهذا وجّه فتوى الشيخ في الخلاف بالجواز (٥) ، فقيل : إنه إذا أحلّ من العمرة حلّ له ما كان حرّمه الإحرام ، ومنه إزالة الشعر بجميع أنواعها ، فيجوز له الحلق بعد التقصير ، وأوّل الحلق تقصير (٦).

ولكن يضعّفه أن النهي عن الحلق في الصحيح المتقدم في قوة تخصيص الإحلال بما عداه ، كما صرّح به بعض المحدّثين ، فقال : إنه‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٠٢.

(٢) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٧١١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٠.

(٣) المدارك ٨ : ٤٦١.

(٤) المنتهى ٢ : ٧١١.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٣١.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٤٩.

٢١٤

يتحلّل بالتقصير كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلا الحلق (١) ، وهو ظاهر الأصحاب أيضاً.

بقي الكلام فيما وجّهنا به الإجزاء ، فإنه على إطلاقه مشكل. نعم لو قصد بأول الحلق التقصير ثم حلق أجزأ وإن أثم ، وإن قصد أوّلاً الحلق دون التقصير أشكل ، بل ظاهر قوله عليه‌السلام في الصحيح المتقدم : « فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء » عدم الإحلال مع الحلق ، لأن المشار إليه بقوله : « ذلك » ما أمر به سابقاً ، ومن جملته قوله : « وأبق منها لحجّك » فيعتبر في الإحلال ، فتأمل.

وكيف كان ، فالأحوط عدم الإجزاء بالحلق مطلقاً.

ثم إن ظاهر قوله عليه‌السلام في الخبر المتقدم : « فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق » الوجوب ، كما صرّح به في السرائر والقواعد (٢).

ولكن الأظهر : الاستحباب ؛ للأصل ، وضعف الخبر سنداً ودلالةً كما مرّ ، مع عدم موجب له ، كيف لا وإنما يجب يوم النحر أحد الأمرين من التقصير والحلق ، والموجود في الخبر ليس إلاّ الأمر بإمرار الموسى حين يريد الحلق ، وقد لا يريده ، فتعيّن حمله على الوجوب التخييري ، إذ لا يخلو غالباً عن شعر يحلقه الموسى ، وإنما تعرّض له بالخصوص لأفضلية الحلق من التقصير كما مرّ.

( وليس فيها طواف النساء ) وإنما هو في الحج مطلقاً ، والعمرة المفردة خاصة على الأشهر الأقوى ، كما مرّ في آخر بحث الطواف مفصّلاً.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٠٥ أبواب التقصير ب ١.

(٢) السرائر ١ : ٥٨٠ ، القواعد ١ : ٨٩.

٢١٥

( وإذا دخل ) المحرم ( مكة متمتعاً ) بالعمرة إلى الحج وفرغ من أفعالها ( كره له الخروج ) منها ( لأنّه ) أي ما أتى به من الإحرام للعُمرة ( مرتبط بالحج ) وجزئه كما مرّ ، مضافاً إلى خصوص الصحيح هنا : « أو ليس مرتبطاً بالحج؟! لا يخرج حتى يقضيه » (١).

ونحوه في النهي عن الخرج قبل القضاء الصحاح : « ليس له أن يخرج من مكة حتى يحجّ » (٢) ، والخبران : « لا يخرج حتى يحرم بالحج » (٣) ، وظاهرها التحريم ، كما عن الوسيلة والمهذّب والإصباح وموضع من النهاية والمبسوط (٤) ، وعزي إلى المشهور (٥).

خلافاً للحلّي والشيخ في التهذيب وموضع آخر من الكتابين (٦) فيكره ، وتبعهما الفاضلان هنا وفي التذكرة والمنتهى وموضع من التحرير (٧).

ولعلّه للأصل ، وظاهر الصحيح في متمتّع يريد الخروج إلى الطائف قال : « يهلّ بالحجّ من مكّة ، وما أُحبّ أن يخرج منها إلاّ محرماً ، ولا يجاوز الطائف إنها قريبة من مكّة » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١ / ٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٥٦ / ٥١٢ ، الوسائل ١١ : ٣٠١ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٢.

(٢) الوسائل : ١١ : ٣٠١ ، ٣٠٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ١ ، ٥.

(٣) قرب الإسناد : ٣٤٢ / ٩٦٢ و ٢٤٣ / ٩٦٢ ، الوسائل ١١ : ٣٠٤ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ١١ و ١٢.

(٤) الوسيلة : ١٧٦ ، المهذب ١ : ٢٧٢ ، النهاية : ٢٨٠ ، المبسوط ١ : ٣٠٤.

(٥) كما في الحدائق الناضرة ١٦ : ٣٠٧.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٦٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٦٣ ، النهاية : ٢٤٦ ، المبسوط ١ : ٣٦٣.

(٧) التذكرة ١ : ٣٦٨ ، المنتهى ٢ : ٧١١ ، التحرير ١ : ١٠١.

(٨) الكافي ٤ : ٤٤٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ / ٥٤٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٣ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٧.

٢١٦

فإنّ « لا أُحبّ » كالصريح في الكراهة ، وأظهر دلالةً عليها مِن « ليس له » على التحريم في الأخبار السابقة ، مع أنه صريح في جواز الخروج بعد الإحرام قبل قضاء الحج.

ونحوه في ذلك صحيحان آخران ، في أحدهما : رجل قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها ، قال : « فليغتسل وليهلّ بالإحرام بالحج وليمض في حاجته في حاجته ، فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات » (١).

وفي الثاني : « من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبّياً ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع إلى مكة رجع محرماً ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى » الخبر (٢).

وتلك الصحاح ظاهرة في المنع إلى أن يقضي الحج ويكمّله ، ومقتضاه عدم الاكتفاء بالخروج محرماً ، فيصرف ظاهرها إلى صريح هذه ، إلاّ أن يجمع بينهما بحمل القضاء في الصحاح على ما يعمّ الدخول في الإحرام ، كما في الخبرين بعدها ، لكنّهما قاصراً السند ، ومع ذلك فيتعيّن تقييد إطلاقهما بحال الضرورة كما فصّلته الصحيحة الأخيرة ، وحمل القضاء في الصحاح على ذلك في غاية البُعد.

بل الأظهر في الجمع بينهما أن يبقى القضاء فيها على حاله ، ويقيد إطلاقها بصورة الاختيار ، ويحمل الاكتفاء بالإحرام في هذه الصحاح على حال الضرورة وحصول الحاجة ، كما هو مورد أكثرها ، والمطلق منها يقبل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ / ٥٤٨ ، الوسائل ١١ : ٣٠٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤١ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٣ / ٥٤٦ ، الوسائل ١١ : ٣٠٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٦.

٢١٧

التقييد بها ، للصحيحة المفصّلة المتقدمة ، وهي أوضح شاهد على هذا الجمع ، حيث اشترط فيها في جواز الخروج ولو محرماً عروض الحاجة ، وصرَّح قبله بالمنع عن الخروج حتى يقضي الحج ويكمّله ، كالصحاح السابقة.

وقريب منها المرسل : « المتمتّع محتبس لا يخرج من مكّة حتّى يخرج إلى الحج ، إلاّ أن يأبق غلامه أو تضلّ راحلته فيخرج محرماً ، ولا يجاوز إلاّ على قدر ما لا يفوته عرفة » (١).

وبالجملة : فمقتضى الجمع بين هذه الأخبار المعتبرة بعد ضمّ بعضها ببعض المنع عن الخروج عن مكّة اختياراً حتّى يقضي الحج ويكمّله ، إلاّ مع الضرورة ، فيخرج محرماً إلى ما يفوت معه عرفة ، كما في المرسلة ، ونحوها الأخبار المرخَّصة للخروج محرماً ، لاختصاصها بالأماكن القريبة منها ، بل اشترط ذلك في الصحيحة الأخيرة.

وكلّ هذه الأخبار متّفقة في المنع مطلقاً أو من غير ضرورة من غير تفصيل فيها بين ما إذا خرج ودخل في الشهر الذي أُحرم فيه للعمرة أو غيره.

فما ذكره الماتن هنا وفي الشرائع (٢) ، وتبعه الفاضل في القواعد وغيره (٣) ، من الجواز في الأول مطلقاً ولو من غير كراهة لقوله : ( ولو خرج وعاد في شهره ) الذي اعتمر فيه ( فلا حرج ) مطلقاً ولو من غير ضرورة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ / ٥ ، الوسائل ١١ : ٣٠٤ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٩.

(٢) الشرائع ١ : ٣٠٣.

(٣) القواعد ١ : ٩٢ ؛ وانظر الإرشاد ١ : ٣٣٨ ، والكفاية : ٧٢.

٢١٨

منظور فيه ؛ لمخالفته الأخبار المتقدّمة أجمع ، مع عدم وضوح شاهد عليه عدا المُرسل : سأل أبا جعفر عليه‌السلام في عشر من شوّال ، فقال : إنّي أُريد أن أُفرد عمرة هذا الشهر ، فقال : « أنت مرتهن بالحج » فقال له الرجل : إنّ المدينة منزلي ، ومكّة منزلي ، ولي بينهما أهل ، وبينهما أموال ، فقال : « أنت مرتهن بالحج » فقال له الرجل : فإنّ لي ضياعاً حول مكّة وأُريد الخروج إليها؟! فقال : « تخرج حلالاً وترجع حلالاً إلى الحج » (١).

وإطلاقه بجواز الدخول حلالاً وإن شمل ما لو دخل في غير الشهر الذي اعتمر فيه ، إلاّ أنّه لمّا علم بالدليل أنّه لا بدّ من الإحرام إذا مضى شهر قيّد بما إذا دخل في الشهر.

وعليه ينص الموثّق كالصحيح : عن المتمتّع يجي‌ء فيقضي متعته ثمّ يبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عِرق وإلى بعض المعادن ، قال : « يرجع إلى مكّة بعُمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه ؛ لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج » (٢).

والمرُسل (٣) والرضوي (٤) : « إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك ؛ لأنّه مرتبط بالحج حتّى يقضيه ، إلاّ أن يعلم أنّه لا يفوته الحج ، وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلاًّ ، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخل محرماً ». ونحوهما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣٦ / ١٥١٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٧ / ١١٦٢ ، الوسائل ١١ : ٣٠١ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٢ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ / ٥٤٩ ، الوسائل ١١ : ٣٠٣ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٩ ، الوسائل ١١ : ٣٠٤ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ١٠.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣٠ ، المستدرك ٨ : ٩٩ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ١.

٢١٩

الصحيح الآتي.

وعلى هذا فيكون قوله عليه‌السلام : « ويرجع حلالاً » كناية عن وجوب الرجوع في الشهر الذي اعتمر فيه ، ونهياً له عن إفراد العمرة وإن سأل الرخصة فيه ، وإنّما خصّ عليه‌السلام الرخصة له في ذلك بمورد السؤال الأخير دون الأول لكونه ممّا يمكن فيه الرجوع إلى مكّة في الشهر الذي اعتمر فيه ، لقربه منها ، وكونه في حواليها ، دون مورد الأول ، لكونه بين مكّة والمدينة ، ويبعد فيه ذلك غايته.

ويؤيّده ما قيل من أنّ الظاهر أنّ المنع عن الخروج لارتباط العمرة بالحج واتصالها به من غير تخلّل عمرة أُخرى بينهما ، فإذا لم يفتقر إليه لم يمنع عنه (١).

وفيه (٢) نظر ، أمّا أوّلاً : فلضعف ( سند ) (٣) المرسل من وجوه.

وأمّا ثانياً : فلاختصاصه كالأخبار بعده على تقدير دلالتها على الرخصة في الخروج من غير إحرام بحال الضرورة أو صُورة العلم بأنّه لا يفوته الحج ، وشي‌ء منهما غير مذكور في العبارة ، بل ظاهرها جواز الخروج في الصورة المفروضة فيها ولو مع الاختيار وعدم العلم بالرجوع إلى مكّة في الشهر الذي أُحرم فيه.

وبالجملة : فهذه الأخبار وما قبلها الواردة بالجواز كلّها مختصة بحال الضرورة ، عدا الرضوي وما طابقه ، فإنهما مطلقان ، لكن ينبغي تقييدهما‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٨١.

(٢) أي : في الدليل الذي أتى به للمصنف من المرسل وما بعده لجواز الخروج في الشهر المعتمر فيه من غير إحرام ولا كراهة. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) ليس في « ح » و « ك‍ ».

٢٢٠