رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

وارتضاه بعض من تأخّر عنه ، إلاّ أنه ردّه باشتراط التكافؤ المفقود في محلّ البحث ؛ لضعف سند الخبر (١). وفيه ما مرّ.

ثم إنّ صريح العبارة وجوب إيقاع ركعتين قبل السعي للفريضة ، والأُخريين بعده للنافلة ، وعزي إلى الأكثر (٢) ، وبه نصّ الرضوي المتقدم ، والصحيح المروي في السرائر عن نوادر البزنطي ، وفيه : عن الركعات كيف يصلّيهن ، أيجمعهن أو ماذا؟ قال : « يصلّي ركعتين للفريضة ، ثم يخرج إلى الصفا والمروة ، فإذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلّي ركعتين للأُسبوع الآخر » (٣).

ونحوه بعض الصحاح المتقدمة وغيره (٤) ، لكن ليس فيهما سوى الأمر بالتفريق بين الركعات كما مرّ ، ولم يتعرض فيهما لكون الأُوليين قبل السعي للفريضة والأُخريين بعده للنافلة.

خلافاً لبضع المتأخرين ، فجعل ذلك على سبيل الأفضلية وجّوز تقديم الأربع كملاً قبل السعي ؛ لإطلاق الأمر بالأربع في الصحيح وغيره (٥).

وفيه نظر ؛ لوجوب حمل المطلق على المقيّد ، وهو أولى من حمل أمر المفصّل على الاستحباب ، لرجحان التخصيص على المجاز كما مرّ في باب.

( ويعيد من طاف في ثوب نجس ) أو على بدنه نجاسة مع العلم بها حينه ، إجماعاً من القائلين باشتراط الطهارة منها في الطواف ؛ للنهي المفسد للعبادة.

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٧٠.

(٢) التذكرة ١ : ٣٦٢.

(٣) مستطرفات السرائر : ٣٢ / ٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٦.

(٤) راجع ص : ٣١٣٤ ؛ وانظر الوسائل ١٣ : ٣٦٣ أبواب الطواف ب ٣٤.

(٥) المدارك ٨ : ١٧١ ، المفاتيح ١ : ٣٧٠.

٤١

ولا فرق فيه بين العالم بالحكم وغيره على الأشهر الأحوط ، خلافاً لجمع فألحقوا الثاني بالجاهل بالنجاسة (١).

( ولا يعيد لو لم يعلم ) بها حينه ولا قبله قطعاً ؛ فإنّ امتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، مضافاً إلى ثبوت هذا الحكم في الصلاة على الأشهر الأقوى كما مضى ، فكذا هنا إن قلنا بالتسوية بينهما ، أو بطريق أولى.

وفيما لو علم بها قبله ونسيها حينه إشكال ، من خبر التسوية (٢) ، ومن الأصل والشك في عموم التسوية وشمولها لهذا الحكم.

ولا ريب أن الإعادة أحوط وأولى إن لم نقل بكونه أقوى.

خلافاً للفاضل وغيره (٣) ، فلم يوجبوها كالجاهل ؛ ولعلّه لما مرّ ، ولإطلاق المرسل كالصحيح : رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله ، فطاف في ثوبه ، فقال : « أجزأه الطواف ثم ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر » (٤).

وهو وإن شمل العامد لكنه خرج بالدليل ، فيبقى الباقي ومنه الجاهل والناسي. ولا بأس به لولا قصور السند وعدم صحته.

( ولو علم ) بها ( في أثناء الطواف أزاله ) أي نزعه أو غسله ( وأتمّ ) الباقي ؛ لأن امتصال الأمر يقتضي الإجزاء ؛ وللخبرين (٥).

وإطلاقهما كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق بين‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٤٥ ، والذخيرة : ٦٣٧.

(٢) هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الطواف بالبيت صلاة انظر سنن البيهقي : ٨٧ ، الجامع الصغير ٢ : ١٤٣ / ٥٣٤٦ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٢٦٧.

(٣) العلامة في المنتهى ٢ : ٧٠١ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٣٧.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطوفان ب ٥٢ ح ٣.

(٥) الأول : الفقيه ٢ : ٢٤٦ / ١١٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٣ ح ١.

الثاني : التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٢.

٤٢

ما لو توقّف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه ، ولا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله ، وهو نصّ القريب من الصحيح ، وفيه : ابتدأت في طواف الفريضة ، فطفت شوطاً ، فإذاً إنسان أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثم جئت فابتدأت الطواف ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أن تبنى على ما طفت ، أما إنه ليس عليك شي‌ء » (١).

خلافاً للشهيدين ، فجزما بوجوب الاستئناف إن توقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف ولمّا يكمل أربعة أشواط (٢).

قيل : نظراً إلى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف ، والحكم في المسألتين واحد (٣). وفيه نظر.

والأجود الاستدلال لهما بعموم ما دلّ على أن قطع الطواف قبل التجاوز يوجب الاستئناف كما يأتي ، ولا معارض له صريحاً سوى الخبر الأخير ، وهو قاصر سنداً يشكل تخصيصه به ، وكذا الخبران الأولان ، مضافاً إلى عدم صراحتهما واحتمالهما التقييد بصورة التجاوز ، كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما.

وبالجملة : فإن التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ منهما بالآخر ، والأقوى تقييد هذين بذلك ، لقصور السند.

لكن يمكن جبر القصور بعد الجبر بعمل المشهور بالموافقة للأصل ؛ فإنّ الأصل بقاء صحة ما فعل وعدم وجوب الاستئناف ، مع تأملٍ ما في ذلك‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٩ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٢.

(٢) الدروس ١ : ٤٠٥ ، المسالك ١ : ١٢٢.

(٣) المدارك ٨ : ١٤٦.

٤٣

العموم وإنما غايته الإطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع ، ولعلّ هذا أظهر ، سيّما مع اعتضاده بصريح ما مرّ من الخبر المعتبر ، فتدبّر.

( ويصلّي ركعتيه ) أي الطواف بقول مطلق كما هنا وفي السرائر (١) حيث لم يقيداه بالواجب ، أو الواجب منه خاصة كما هو الأشهر ( في كل وقت ) حتى الأوقات الخمسة التي تكره فيها ابتداء النافلة ( ما لم يتضيق وقت ) فريضة ( حاضرة ) للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٢).

والصحاح المعارضة لها بالمنع (٣) محمولة إمّا على التقية ، كما صرّح به شيخ الطائفة ، قال : لأنه مذهب العامة (٤).

أقول : ولكن في الموثق كالصحيح : « ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين عليهم‌السلام إلاّ الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة » (٥) وظاهره موافقة العامة لنا في هذه المسألة اقتداءً منهم بهما عليهم‌السلام. لكن يمكن الجواب بالفرق بين فعلهم وفعلنا ؛ فإنّ فعلنا لم يظهر كونه لأجل اختصاص الجواز بركعتي الطواف ، بل يحتمل كونه للجواز على الإطلاق كما هو مذهبنا ، فإذا رأت العامة نفعلهما فربما توهّمت بنا الجواز مطلقاً فآذتنا ، ولا كذلك لو فعلتهما بعد ظهور مذهبهم في المنع مطلقاً.

وربما يشير إلى ما ذكرنا الصحيح : عن صلاة [ طواف ] التطوع بعد العصر ، فقال : « لا » فذكرت له قول بعض آبائه عليهم‌السلام : « إنّ الناس لم يأخذوا‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٧٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٢ ، ٣ ؛ وج ٤ : ٢٤٠ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح. ١‌

(٣) كما في الوسائل ١٣ : ٤٣٥ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٧ ، ٨.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٣٧.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٤٢ / ٤٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٦ / ٨٢١ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٥ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٤.

٤٤

عن الحسن والحسين عليهما‌السلام إلاّ الصلاة بعد العصر بمكة » فقال : « نعم ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شي‌ء فاجتنبه » فقلت : إنّ هؤلاء يفعلون ، فقال : « لستم مثلهم » (١).

أو على النافلة ؛ لكراهة ركعتيها على الأشهر ، للخبر : عن الطواف بعد العصر ، فقال : « طف طوافاً وصلِّ ركعتين قبل صلاة المغرب عند غروب الشمس ، وإن طفت طوافاً آخر فصلِّ الركعتين بعد المغرب » (٢).

ولكن ظاهر الصحيحة المتقدمة عدم الكراهة فيها وإن نهى عنها ؛ لظهور سياقها في أنه كان اتّقاءً ؛ ولعلّه لها أطلق الطواف الماتن هنا والسرائر.

هذا ، مع أن في النفس من كراهية ابتدائية النوافل في هذه الأوقات مطلقاً شي‌ء ، قدّمنا وجهه في كتاب الصلاة ، من أراده راجع هناك.

واحترز بقوله : ما لم يتضيّق وقت فريضة حاضرة ، عمّا لو تضيّق وقتها فإنه يجب تقديمها قطعاً.

وعليه يحمل الصحيح : عن الذي يطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو في وقت الصلاة ، أيصلّي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال : « لا » (٣) فيقيّد وقت الصلاة منه بالضيق منه.

وربما يفهم من الشيخ في الاستبصار العمل به إطلاقه حيث قال بعد‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤٢ / ٤٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٧ / ٨٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٦ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٢ / ٤٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٧ / ٨٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٧ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ١١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٤٢ / ٤٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٧ / ٨٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٧ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ١١.

٤٥

نقله : فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من أنه كان في وقت صلاة فريضة فلم يجز له أن يصلّي ركعتي الطواف إلاّ بعد أن يفرغ من الفريضة الحاضرة.

وهو مشكل ، والأصل يقتضي التخيير بينهما كما صرّح به الفاضل في بعض كتبه (١) ؛ لأنهما واجبان موسّعان فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر.

هذا إن قلنا بسعة وقت صلاة طواف الفريضة.

وإن قلنا بفوريتها كما يظهر من جملة من المعتبرة (٢) فتقديمها حينئذ يكون واجباً ، والصحيح المتقدم غير صريح في الإطلاق فيحتمل التقييد بما ذكرنا عملاً بالأصل ، مضافاً إلى احتماله الحمل على التقية ، لما قدّمنا.

( ولو نقص من طوافه ) شوطاً أو أقلّ أو أزيد أتمه إن كان في المطاف مطلقاً ما لم يفعل المنافي ، ومنه طول الفصل المنافي للموالاة إن أوجبناها كما هو ظاهر الأصحاب.

وإن انصرف وكان طوافه طواف فريضة ( وقد تجاوز النصف ) بأن طاف أربعة أشواط رجع فـ ( أتمّ ) ما أمكن.

( ولو ) لم يمكنه كأن ( رجع إلى أهله استناب ) في الإتمام.

( ولو كان ) ما طافه ( دون ذلك ) أي قبل إتمام الرابع ( استأنف ) إن أمكنه ، وإلاّ استناب.

على الأظهر الأشهر ، بل لا يكاد فيه خلاف يظهر إلاّ من جمع ممن تأخّر (٣) ، حيث قالوا : لم نظفر بمتمسَّك لهذا التفصيل ، وإن ما وقفنا عليه‌

__________________

(١) كالتحرير ١ : ٩٨ ، والمنتهى ٢ : ٦٩٢.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٧٦.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٤٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٦ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٢١٤.

٤٦

من الاخبار لا تساعده :

ففي الصحيح : رحل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر ، قال : « يعيد ذلك الشوط » (١).

وفيه : عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط ، فقال عليه‌السلام : « يطوف شوطا » وفيه : فان فاته ذلك حتى اتى أهله ، قال : « يأمر من يطوف عنه » (٢).

وعلى مورده اقتصر جماعة كالشيخ في التهذيب والنهاية ، والفاضل في التحرير والتذكرة (٣).

أقول وبالله سبحانه التوفيق ـ : ولعلّ الدليل على هذا التفصيل بعده : مفهوم التعليل في بضع الأخبار المتقدمة في بحث أن الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة تعدلان إلى الافراد أو القِران.

ففيه : عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت ، قال : « تتمّ طوافها فليس عليها غيره ومتعتها تامة ، فلها أن تطوف بين الصفا والمروة ، وذلك لأنها زادت على النصف وقد مضت متعتها ، ولتستأنف بعدُ الحج » (٤).

وهو صريح في أن علة الحكم بالإتمام بعد تجاوز النصف وطواف أربعة أشواط إنما هو التجاوز ، وأن من تجاوزه فقد تمّ طوافه.

وقريب منه آخر وارد في المريض بهذا التفصيل ، وفيه : رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف ، قال : « إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه ، وإن كان‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٩/ ١١٩٧ ، التهذيب ٥ : : ١٠٩ / ٣٥٣ ، مستطرفات السرائر : ٣٤ / ٤١ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٦ ابواب الطواف ب ٣١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٨ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٩٤ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٧ أبواب الطواف ب ٣٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٠٩ ، النهاية : ٢٣٧ ، التحرير ١ : ٩٩ ، التذكرة ١ : ٣٦٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤١ / ١١٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٥ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٤.

٤٧

طراف ثلاثة أشواط ولا يقدر على الطواف فلا بأس أن يؤخّر الطواف يوماً أو يومين ، فإن خلته العلّة عاد فطاف أُسبوعاً » (١).

وذلك فإنّ قوله : « فقد تمّ طوافه » في قوة التعليل للحكم بالإتمام ، وهو جارٍ في المقام.

وخصوصية المورد لا تقدح في عموم التعليل على الأقوى كما حقّق في الأُصول مستقصى ، وضعف الأسانيد منجبر بالفتوى.

ولا دليل أبين من هذا سيّما مع اعتضاده بتتبع الموارد الأُخر الثابت فيها ذلك التفصيل بالنصّ والفتوى ، ومن جملتها ما أشار إليه بقوله :

( وكذا ) الحكم في ( من قطع طواف ) (٢) ( الفريضة لحدث ، أو لحاجة ) له أو لغيره ، أو لمرض.

أما الأخير فللنصّ المتقدم المنجبر ضعف سنده بالعمل والموافقة للرضوي ، وفيه بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف وأنها تبنى بعد تجاوز النصف لا قبله :

« وكذلك الرجل إذا أصابته علّة وهو في الطواف لا يقدر على إتمامه أعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه ، فإن جاز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف » (٣).

وعلى ما فصّل فيهما يحمل إطلاق الصحيح بالإعادة بعروض المرض في الأثناء (٤) ، بحمله على ما إذا لم يتجاوز النصف ؛ فإنّ المطلق يحمل على المقيّد بعد التكافؤ المشترط الموجود هنا ولو مع ضعف سند المفصّل ، بناءً على‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢ / ٤٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٦ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ٢.

(٢) في المختصر المطبوع : الطواف.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣١ ، المستدرك ٩ : ٤٠٥ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٤ / ٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٦ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ١.

٤٨

ما مضى من انجباره بالفتوى ، مضافاً إلى موافقته لما فهم من العلّة التي قدّمناها.

وأمّا الأول فللمرسل كالصحيح على الصحيح : في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال : « يخرج فيتوضأ ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه ، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف » (١).

ولا معارض لهذا الخبر ، مع اعتباره في‌نفسه ، واعتضاده بالفتوى وبمفهوم التعليل الذي قدّمناه ، مضافاً إلى الأخبار الواردة في الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما في الأثناء.

وأمّا الثاني فللجمع بين النصوص الواردة فيه المتعارضة أكثرها تعارض العموم والخصوص المطلق ، لدلالة جملة منها معتبرة متضمّنة للصحيح وغيره على البناء مطلقاً (٢) ، وجملة اخرى منها كذلك على أنه يبني على الشوط والشوطين في النافلة ولا يبني في طواف الفريضة (٣) ، باستثناء هذه عن تلك ، ويلحق ما زاد على الشوطين فصاعداً إلى ما لا يتجاوز النصف بهما ، لعدم قائل بالفرق بينهما أصلاً.

وأمّا ما في المرسل كالصحيح المروي في الفقيه من جواز البناء على الأقلّ من النصف (٤) ، فلا يبلغ قوّة المعارضة للأخبار المصرّحة بالإعادة من وجوه عديدة ، مضافاً إلى شذوذه وكونه مرويّاً في التهذيب بنحو يوافق تلك الأخبار (٥) ويضادّ ما في الفقيه ، مع أنه ليس فيه تصريح بالفريضة فيحتمل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤٠ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٣٨٠ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٦ ، ١٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٨٠ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٥ ، ٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٨١ أبواب الطواف ب ٤١ ذيل الحديث ٨.

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٠ / ٣٩٤.

٤٩

النافلة ، والحكم فيها ذلك اتفاقاً وروايةً.

وحيث ثبت هذه الكلّية ، من اعتبار التجاوز عن النصف في عدم الإعادة ، وعدمه في ثبوتها ، ظهر صحّة التفصيل المذكور في العبارة ونحوها ، وما ذكره الأصحاب من ثبوته أيضاً فيمن دخل جوف الكعبة في الأثناء ، مع أنه ورد الصحيح بالإعادة مطلقاً (١) ؛ إذ ينبغي تقييده بما إذا لم يتجاوز النصف ، كما هو مورد كثير من المعتبرة المتضمّنة للصحيح وغيره الواردة بالإعادة في هذه المسألة (٢). والجمع بالعكس بتخصيص الكلّية بهذه الصحيحة وإن أمكن إلاّ أن الجمع الأول أشهر فيتعيّن.

ثم إن إطلاق النصّ والفتوى بالإعادة مع عدم التجاوز عن النصف ، وعدمها معه فيما لو نقص يشمل صور وقوعه عمداً أو جهلاً أو نسياناً ، وحكي التصريح به عن المفيد والديلمي (٣).

خلافاً لآخرين فقيّدوه بصورة النسيان وأوجبوا الاستئناف مع العمد (٤).

قيل : ويؤيّده الأمر بالاستئناف إذا قطعه لدخول البيت من غير تفصيل في الأخبار (٥).

وفيه : أن الأخبار الواردة فيه أكثرها مختصة بما إذا طاف ثلاثة أشواط ، والحكم فيه الإعادة مطلقاً عمداً كان أو جهلاً أو نسياناً اتّفاقاً ، والمطلق منها ليس إلاّ رواية واحدة ، وحملها على ما يوافق ذلك التفصيل بتقييده بما إذا لم يتجاوز النصف كما هو مورد تلك ممكن ، بل متعيّن وإن‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤١ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٣٧٩ أبواب الطواف ب ٤١ الأحاديث ٣ ، ٤ ، ٩.

(٣) المفيد في المقنعة : ٤٤٠ ، الديلمي في المراسم : ١٢٣.

(٤) المدارك ٨ : ١٤٩ ، الذخيرة : ٦٣٧.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٣٦.

٥٠

أمكن العكس لما مرّ.

وهل يجزئ الاستئناف حيث جاز البناء؟ يعطيه بعض الأخبار المتقدّمة فيمن طاف ووجد النجاسة في الأثناء (١). لكن ضعف سنده يمنع عن العمل به هنا ، والاحتياط يقتضي ترك الاستئناف.

وحيثما تعيّن عليه البناء هل يبني من موضع القطع ، أو من الركن؟

الأحوط الأول ؛ حذراً من الزيادة ، وللصحيح وغيره (٢) حيث أُمر فيهما بالحفظ من موضع القطع.

واحتاط في التحرير والمنتهى (٣) بالثاني ، مع اعترافه فيهما وفي التذكرة (٤) كما قيل بدلالة ظاهر الخبر على الأول (٥).

نعم ظاهر ما في بعض الصحاح الوارد فيمن اختصر شوطاً من الإعادة من الحجر إلى الحجر هو الثاني (٦) ، والجمع بالتخيير لا يخلو عن وجه.

وإذا شك في موضع القطع أخذ بالاحتياط كما في الدروس (٧).

( ولو قطعه لصلاة فريضة حاضرة ) جاز مطلقاً وإن لم يتضيّق وقتها بإجماع العلماء ، إلاّ مالكاً ، فإنه قال : يمضي في طوافه ولا يقطعه ، إلاّ أن يخاف أن يضرّ بوقت الصلاة ، كما في المنتهى (٨).

__________________

(١) راجع ص ٣١٤١.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ١ ، ٢.

(٣) التحرير ١ : ٩٩ ، المنتهى ٢ : ٦٩٧.

(٤) التذكرة ١ : ٣٦٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٣٦.

(٦) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٧ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٣.

(٧) الدروس ١ : ٣٩٦.

(٨) المنتهى ٢ : ٦٩٨.

٥١

وإذا قطع ثم ( صلّى ثم ) بعد الفراغ منها ( أتمّ طوافه ) من حيث قطع مطلقاً ( ولو كان ) ما طافه ( دون الأربعة ) أشواط ، كما في صريح الغنية (١) ، والمحكي في الدروس عن الحلبي (٢) ، وفي غيره عن الإصباح والجامع (٣).

وهو ظاهر الشيخ في النهاية والحلّي في السرائر (٤) ، والمحكي عن المهذّب والفاضل في التحرير والمنتهى والتذكرة (٥) ، وفيهما إجماع أهل العلم ، وغيرهم (٦) ، حيث أطلقوا البناء وتركوا التفصيل هنا مع ذكرهم له في المسائل المتقدّمة.

ولعلّه لإطلاق الصحيح : رجل كان في طواف الفريضة فأدركته صلاة فريضة ، قال : « يقطع الطواف ويصلّي الفريضة ، ثم يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه » (٧) ونحوه غيره (٨).

ولا بأس به وإن أمكن تقييد إطلاق الخبرين بمفهوم التعليل المتقدم ، وذلك لإمكان العكس ، فيقيّد المفهوم بإطلاق منطوق الصحيح ، لرجحانه هنا على الأوّل بالشهرة وحكاية الإجماع.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩.

(٢) الدروس ١ : ٩٥ / ٣.

(٣) انظر كشف اللثام ١ : ٣٣٧.

(٤) النهاية : ٢٣٩ ، السرائر ١ : ٥٧٣.

(٥) المهذب ١ : ٢٣٢ ، التحرير ١ : ٩٩ ، المنتهى ٢ : ٦٩٨ ، التذكرة ١ : ٣٦٤.

(٦) انظر المدارك ٨ : ١٥٢.

(٧) الكافي ٤ : ٤١٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٢١ / ٣٩٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٤ أبواب الطواف ب ٤٣ ح ١.

(٨) الكافي ٤ : ٤١٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٤٧ / ١١٨٤ ، التهذيب ٥ : ١٢١ / ٣٩٦ ، الوسائل ١٣ : ١٣ / ٣٨٤ أبواب الطواف ب ٤٣ ح ٢.

٥٢

خلافاً للشهيدين في الدروس واللمعتين (١) ، فاختارا الجمع الأوّل ، وزاد أوّلهما فادّعى نُدور ما في المتن ، مع أنك قد عرفت شهرته ودعوى الإجماع عليه فيما مرّ ، وهو عجيب ولا سيّما من مثله.

وأعجب منه دعواه إضافة الماتن خاصة الوتر بقوله : ( وكذا للوتر ) وأنه نادر ، مع أن الشيخ في النهاية والفاضل في التحرير والمنتهى (٢) ألحقوه أيضاً ؛ للصحيح : عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه ، فطلع الفجر ، فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المساجد إذا كان لم يوتر ، ثمّ يرجع فيتمّ طوافه ، أفترى ذلك أفضل ، أم يتمّ الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الإسفار؟ قال : « ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ، ثم أتمّ الطواف بعد » (٣).

لكن ظاهر من عدا الماتن اشتراط خوف فوات الوتر ، كما هو ظاهر الصحيح أيضاً ، وهو أقوى.

خلافاً للماتن فأطلق. وفيه مخالفة للنصّ والفتوى ، ويشبه أن يكون دعوى النُّدور لهذا لا لما مضى.

وللشهيدين فلم يفرقا بين الفريضة والوتر في جريان التفصيل فيهما (٤).

( ولو دخل في السعي و ) قد ( ذكر أنه لم يطف ) قطّ ( استأنف الطواف ثم استأنف السعي ) لوجوب تقديمه عليه ؛ للمعتبرة ، منها زيادةً على ما يأتي الصحيح : عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٩٦ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٥١.

(٢) النهاية : ٢٣٩ ، التحرير ١ : ٩٩ ، المنتهى ٢ : ٦٩٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٦ ، التهذيب ٥ : ١٢٢ / ٣٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٥ أبواب الطواف ب ٤٤ ح ١.

(٤) الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٣٩٦ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢.

٥٣

بالبيت ، قال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما » (١).

( ولو ذكر أنه طاف ولم ) يكن ( يتمّ ) الطواف ( قطع السعي وأتمّ الطواف ثم تمّم السعي ) للموثّق كالصحيح : رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت ، قال : « يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه ، ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتمّ ما بقي » قلت : فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل أن يبدأ بالبيت ، فقال : « يأتي البيت فيطوف به ، ثم يستأنف طوافه بين الصفا والمروة » قلت : فما فرق بين هذين؟ قال : « لأن هذا قد دخل في شي‌ء من الطواف ، وهذا لم يدخل في شي‌ء منه » (٢).

وظاهره وجوب البناء مطلقاً ولو لم يكن عن النصف متجاوزاً ، كما هو ظاهر المتن والشرائع والنهاية والتهذيب والسرائر والتحرير والمنتهى والتذكرة فيما نقل (٣).

خلافاً لصريح الفاضل في القواعد والشيخ في المبسوط فيما نقل والشهيدين في اللمعتين (٤) ، فقيّدوه بصورة التجاوز عن النصف ، وأوجبوا مع عدمه الاستئناف ، وربما عزي إلى المشهور (٥) ، وفيه نظر.

ووجه القولين واضح مما مرّ ، إلاّ أن ترجيح القول الأوّل لعلّه هنا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٤١٣ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥٢ / ١٢١٧ ، التهذيب ٥ : ١٣٠ / ٣٢٨ ، الوسائل ١٣ : ٤١٣ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ٣.

(٣) نقله الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٧.

(٤) القواعد ١ : ٨٣ ، المبسوط ١ : ٣٥٨ ، اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٢٥٢.

(٥) الحدائق ١٦ : ٢٢٣.

٥٤

أظهر ؛ لكون القائل به على الظاهر أكثر ، وكون النصّ لما في ذيله ( من تعليل كالنصوص ) (١).

والاستئناف بعد البناء أحوط.

( وسننه ) أُمور :

( الوقوف عند الحجر ) الأسود كما في الخبر : « إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود ، فتستقبله وتقول : الحمد لله » الحديث (٢).

( والدعاء ) بعد الحمد والصلاة رافعاً يديه كما في الصحيح : « إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله وأثن عليه وصلِّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واسأل الله تعالى أن يتقبل منك ، ثم استلم الحجر وقبِّله ، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك ، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه وقل : اللهم أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقاً بكتابك وعلى سنّة نبيك ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزّى وعبادة الشيطان وعبادة كلّ ندّ يُدعى من دون الله ، فإن لم تستطع أن تقول هذا كلّه فبعضه ، وقل : اللهم إليك بسطت يدي ، وفيما عندك عظمت رغبتي ، فاقبل سحتي (٣) ، واغفر لي وارحمني ، اللهم إني أعوذ بك من الكفر [ والفقر ] ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة » (٤).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ح » و « ك‍ » : كالنصّ من التعليل.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٠٢ / ٣٣٠ ، الوسائل ١٣ : ٣١٤ أبواب الطواف ب ١٢ ح ٣.

(٣) في الكافي : سيحتي.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٠١ / ٣٢٩ ، الوسائل ١٣ : ٣١٣ أبواب الطواف ب ١٢ ح ١ وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

٥٥

وفي الخبر السابق بعد ما مرّ : « الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر من خلقه ، وأكبر مما أخشى وأحذر ، ولا إله الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي ، بيده الخير ، وهو علي كلّ شي‌ء قدير ؛ وتصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسلّم على المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد ». قيل : وزاد الحلبيّان بعد شهادة الرسالة : وأن الأئمة من ذريّة ويسمّيهم حججه في أرضه وشهداؤه على عباده صلّى الله عليه وعليهم (١). ولا بأس به.

( واستلامه ) قبل الطواف كما في الصحيح المتقدم وغيره.

وفيه ، كما في الخبر : « كنت أطوف مع أبي وكان إذا انتهى إلى الحَجَر مسحه بيده وقبّله » (٢).

وظاهر الحسن أو الصحيح : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستلمه في كل طواف فريضة ونافلة » (٣).

وأخبار مطلقه كثيرة جدّاً (٤).

قيل : بل في كلّ شوط كما في الاقتصاد والجمل والعقود والوسيلة والمهذّب والغنية والجامع والمنتهى والتذكرة وفي الفقيه والهداية يحتملان الوجوب وذلك لثبوت أصل الرجحان بلا مخصّص.

قال الصدوق في الكتابين : إن لم تقدر فافتح به واختم به.

__________________

(١) نقله عنهما في كشف اللثام ١ : ٣٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٨ / ١٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٨ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٤ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣١٦ أبواب ب ١٣ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٣١٦ أبواب الطواف ب ١٣.

٥٦

قلت : يوافقه الخبر : « كنّا نقول : لا بُدّ أن يستفتح بالحجر ويختم به ، وأمّا اليوم فقد كثر الناس » (١).

وما في قرب الإسناد للحميري من خبر سعدان بن مسلم قال : رأيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام استلم الحجر ، ثم طاف حتى إذا كان أُسبوع التزم وسط البيت وترك الملتزم الذي يلتزمه أصحابنا ، وبسط يده على الكعبة ثم مكث ما شاء الله ، ثم مضى إلى الحجر فاستمله وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام ثم استلم الحجر فطاف حتى إذا كان في آخر السبوع استلم وسط البيت ، ثم استلم الحجر ، ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ثم عاد إلى الحجر واستلمه ، ثم مضى حتى إذا بلغ الملتزم في آخر السبوع التزم وسط البيت وبسط يده ، ثم استلم الحجر ، ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ثم عاد إلى الحجر واستلم ما بين الحجر إلى الباب (٢).

واستلام الحجر كما في العين وغيره : تناوله باليد أو القبلة.

قال الجوهري : ولا يهمز ، لأنه مأخوذ من السلام وهو الحجر ، كما تقول : استنوق الجمل ، وبعضهم يهمزه.

وقال الزمخشري : ونظيره : استهم القوم إذا جالوا السهام ، واهتجم الحالب إذا حلب في الهجم ، وهو القدح الضخم.

قلت : وأقرب من ذلك : اكتحلت وادّهنت إذا تناول الكحل والدهن وأصاب منهما.

وكأنّ التمسح بالوجه والصدر والبطن وغيرها أيضاً استلام ، كما يعطيه كلام الفاضل في القواعد.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٤ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٤ أبواب الطواف ب ١٦ ح ١.

(٢) قرب الإسناد ٣١٦ / ١٢٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٨ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ١٠.

٥٧

وفي الخلاص إنه التقبيل.

وقال ابن سيدة : استلم الحجر واستلامه قبّله أو اعتنقه ، وليس أصله الهمزة.

وقال ابن السكيت : همزته العرب على غير قياس لأنه من السلام وهي الحجارة.

وفي السرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى عن تغلب : أنه بالهمزة من اللأمة أي الدرع ، بمعنى اتخاذه جُنّة وسلاحاً.

وقال ابن الأعرابي : إن الأصل الهمز وإنه من الملاءمة أي الاجتماع.

وقال الأزهري : أنه افتعال من السلام وهو التحية ، واستلامه لمسه باليد تحرّياً لقبول السلام منه تبرّكاً به ، قال : وهذا كما يقال : اقترأت منه السلام ، قال : وقد أملى عليّ أعرابي كتاباً إلى بعض أهاليه فقال في آخره : اقترئ مني السلام ، قال : وممّا يدل على صحة هذا القول أن أهل اليمن يسمّون الركن الأسود : المُحيّا ، معناه أن الناس يحيّونه بالسلام. انتهى.

وفي المنتهى والتذكرة : إنه مأخوذ من السلام يعني إنه يحيّي نفسه عن الحجر ، إذ ليس الحجر ممّا يحيّيه ، كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم وإنما خدم نفسه.

وفي الصحيح : عن استلام الركن ، قال : « استلامه أن تلصق بطنك ، والمسح أن تمسحه بيدك » (١) وهو يحتمل الهمز من الالتئام المنبئ عن الاعتناق أو التلبس به كالتلبس بالأمة. ثم الركن غير الحجر وإن كان يطلق عليه توسّعاً ، ويحتمل ركنه وغيره.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٤ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٤ أبواب الطواف ب ١٥ ح ٢.

٥٨

واستحبّ الفاضل في القواعد وفاقاً للمبسوط والخلاف استلامه ببدنه أجمع ؛ لأن أصله مشروع للتبرك والتحبّب إليه ، فالتعميم أولى ، لكن لما يناسب التعظيم والتبرك والتحبب ، وهو المراد بالجميع ، أو المراد به الاعتناق والالتزام فهو تناول له بجميع البدن وتلبس والتئام (١).

( و ) يستحب ( تقبيله ) بخصوصه وإن دخل في الاستلام ؛ للنصوص بالخصوص (٢).

قيل : ولم يذكر الحلبي سواه. وأوجبه سلاّر ؛ ولعلّه لأن الأخبار بين آمر به أو بالاستلام ، ومقيِّد لتركه بالعذر ، وآمر للمعذور بالاستلام باليد أو بالإشارة والإيماء ، ولا يعارض ذلك أصل البراءة (٣).

أقول : سيّما إذا اعتضد بالمعتبرة الناصّة باستثناء المرأة وأنه ليس عليها استلام (٤) ؛ فإنها كالصريحة في الوجوب على الرجل.

لكن يضعّفها وسائر ما ورد الأمر فيه بالاستلام كونه أعمّ من التقبيل ، ولا قائل بوجوبه ، وخلوّها أجمع عن الأمر بالتقبيل ربما كان قرينة على كون الأمر به حيثما ورد للاستحباب ، سيّما مع اقترانه في مواضع بكثير من الأوامر التي هي له بإجماع الأصحاب ، هذا ، مع أن الظاهر انعقاد الإجماع على الاستحباب كما صرّح به في المنتهى (٥) ، ولا يضرّ خروج الديلمي ، لمعروفيّة نسبه ، فيكون شاذّاً.

__________________

(١) إلى هنا تمام محكي القول في « قيل : بل في كلّ شوط » المتقدم في ص : ٣١٥٥ ، والقائل به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٤٠.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٣١٦ أبواب الطواف ب ١٣.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٤٠.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٣٢٩ أبواب الطواف ب ١٨.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٩٣.

٥٩

ولكن مراعاته أحوط وأولى.

ثم في القواعد : فإن تعذّر يعني الاستلام لجميع البدن فيعضه ، أي بما تيسّر منه (١).

قيل : كما في المبسوط والخلاف ، وفيه الإجماع عليه وأن الشافعي لم يجتزئ به (٢).

ثم فيه : فإن تعذّر فبيده.

قيل : كما في الصحيح (٣) وغيره (٤) ، وفي الفقيه والمقنع والمقنعة والاقتصاد والكافي والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى والدروس أنه يقبّل يده ، ويؤيّده أنه المناسب للتبرك والتعظيم والتحبب ، وأنه روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستلم بالمحجن وقبّل المحجن (٥) (٦).

( فإن لم يقدر ) من الاستلام باليد ( أشار ) إلى الحجر ( بيده ).

قيل : كما نصّ عليه الأصحاب ، والخبر : عن الحجر ومقاتلة الناس عليه ، فقال : « إذا كان كذلك فأوم إليه إيماءً بيدك » (٧) وفي الفقيه والمقنع والجامع : ويقبّل اليد (٨).

__________________

(١) القواعد ١ : ٨٣.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٠١ / ٣٢٩ ، الوسائل ١٣ : ٣١٦ أبواب الطواف ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠٦ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٣ أبواب الطواف ب ١٥ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ١٣ : ٤٤١ أبواب الطواف ب ٨١.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٤٠.

(٧) الكافي ٤ : ٤٠٥ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٦ أبواب الطواف ب ١٦ ح ٥.

(٨) كشف اللثام ١ : ٣٤١.

٦٠