رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

( ولو كانت ) اليد ( مقطوعة فـ ) ليستلم ( بموضع القطع ) كما في الخبر : « انّ علياً عليه‌السلام سئل : كيف يستلم الأقطع؟ يستلم الحجر من حيث القطع ، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله » (١).

( ولو لم يكن له يد ) أصلاً ( أشار ) إليه بوجهه ، كما في القواعد (٢).

قيل : ونصّ عليه المحقّق ، ويشمله إطلاق الأكثر ، والصحيح : « فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه » (٣) بل والصحيح : « إن وجدته خالياً وإلاّ فسلّم من بعيد » (٤) (٥).

( وأن يقتصد في مشيه ) بأن لا يسرع ولا يبطئ مطلقاً ، وفاقاً للقديمين والشيخ في النهاية والحلبي والحلّي وغيرهم (٦).

وبالجملة : الأكثر على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جمع (٧) ؛ للنصوص :

منها : عن الطواف أُسرع وأُكثر أو أمشي وأُبطئ؟ فقال : « مشي بين المشيين » (٨) وقريب منه ما سيأتي.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٠ / ١٨ ، التهذيب ٥ : ١٠٦ / ٣٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٣ أبواب الطواف ب ٢٤ ح ١.

(٢) القواعد ١ : ٨٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٠١ / ٣٢٩ ، الوسائل ١٣ : ٣١٦ أبواب الطواف ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٥ أبواب الطواف ب ١٦ ح ٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٤١.

(٦) نقله عن القديمين في المختلف : ٢٨٨ ، النهاية : ٢٣٧ ، الحلبي في الكافي : ١٩٤ ، الحلي في السرائر : ٥٧٢ ؛ وانظر الشرائع ١ : ٢٦٩.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٦١ ، والحدائق ١٦ : ١٢٥.

(٨) الكافي ٤ : ٤١٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٢ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ٤.

٦١

خلافاً للشيخ في المبسوط ، فقال : يرمل ثلاثاً ويمشي أربعاً في طواف القدوم خاصة (١) (٢). وتبعه الفاضل في التحرير والإرشاد (٣).

ولابن حمزة ، فاستحب الرَّمَل (٤) في الثلاثة الأشواط الاولى ، والمشي في الباقي بين السرع والإبطاء ، وخاصة في طواف الزيارة (٥).

وحجتهما غير واضحة ، عدا ما في المبسوط من قوله : اقتداءً بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّه كذلك فعل ، رواه جعفر بن محمّد [ عن أبيه ] عن جابر (٦).

وفيه أوّلاً : أن الرواية مرسلة غير مسندة.

وثانياً : أن الذي يظهر من جملة من الروايات أن فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك وكذلك أصحابه كان لمصلحة سَنَحَت لهم يومئذ ، ولذا أنهم عليهم‌السلام بعد‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٥٦.

(٢) قيل : والظاهر من طواف القدوم هو الذي يفعل أوّل ما يقدم مكّة واجباً أو ندباً ، في نسك أولا ، كان عقبه سعي أو لا. فلا رمل في طواف النساء والوداع وطواف الحج إن كان قدم مكة قبل الوقوف ، إلاّ أن يقدمه عليه ، وإلاّ فهو القادم الآن ، ولا على المكي ، خلافاً للمنتهى فاحتمله عليه ، وهو ظاهر التذكرة. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) التحرير ١ : ١٩٨ ، الإرشاد ١ : ٣٢٥.

(٤) الظاهر في المفصّل : أنه العدو ، وفي الديوان : أنه ضرب من العدو ، وفي العين والصحاح وغيرهما : أنه بين المشي والعدو ، وقال الأزهري : يقال : رمل الرجل يرمل رملاناً إذا أسرع في مشيه وهو في ذلك ينزو ، وقال النووي في تحريره : الرمل بفتح الراء والميم : إسراع المشي مع تقارب الخُطى ولا يثب وثوباً ، ونحوه قول الشهيد : هو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطى دون الوثوب والعدو ويسمّى الخبب. أقول : قوله : ويسمّى الخبب ، الظاهر أنه راجع إلى الوثوب والعدو ، فلا يتوهّم رجوعه إلى الرمل ، فقد نقل عن المصباح المنير أنه قال : خبّ في الأمر خبباً : أسرع الأخذ فيه ، ومنه الخبب لضرب من العدو وهو خطو فسيح دون العَنَق. ( رحمه‌الله ).

(٥) الوسيلة : ١٧٢.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٦٢

نقلهم ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أظهروا له المخالفة :

فمنها مروي الصدوق في العلل : عن الطواف أيرمل فيه الرجل؟

فقال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أن قدم مكة وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم أمر الناس أن يتجلّدوا ، وقال : أخرجوا أعضادكم ، وأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم رمل بالبيت ليريهم أنه لم يصبهم جهد ، فمن أجل ذلك يرمل الناس ، وإني لأمشي مشياً وكان علي بن الحسين عليه‌السلام يمشي مشياً » (١).

ونحوه مرويّة الآخر صحيحاً في الكتاب المسطور (٢) ، غير أنّه لم يتضمّن لنقل فعله ولا فعله علي بن الحسين عليه‌السلام. وهما صريحان في أن فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خصوص ذلك اليوم كان لإظهار التجلّد والقوة لمشركي قريش ، والمفهوم من الخبر الأوّل أن العامّة اتّخذوا ذلك سنّةً على الإطلاق بسبب هذه القضية وأنّهم عليهم‌السلام كانوا يمشون مشياً ، وهو ظاهر في قصر الرمل على ذلك اليوم للغرض المشار إليه ، ومع ذلك فلا تخصيص فيه بالثلاثة الأُول.

ويؤكد ذلك وإن دلّ على تخصيص الرمل بالثلاث الأُول ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره ، عن أبيه ، قال : سئل ابن عباس فقيل له : إنّ قوماً يروون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بالرمل حول الكعبة ، فقال : كذبوا وصدقوا ، فقلت : وكيف ذلك؟ فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها مشركون فبلغهم أنّ أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجهودون ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رحم الله امرءاً أراهم من نفسه جلداً » فأمرهم‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٤١٢ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٥١ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ٢.

(٢) علل الشرائع : ٤١٢ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٢ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ٣.

٦٣

فحسروا عن أعضادهم ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته ، وعبد الله بن رواحة أخذ بزمامها والمشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم ، ثم حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك فلم يرمل ولم يأمرهم بذلك ، فصدقوا في ذلك وكذبوا في هذا (١).

وعن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه قال : رأيت علي بن الحسين عليه‌السلام يمشي ولا يرمل (٢).

وممّا ذكر يظهر أن الرمل مذهب العامة ، وبه صرّح العماني من قدماء الطائفة (٣).

ولا يجب شي‌ء من الطريقين بغير خلاف ظاهر ، مصرّح به في بعض العبائر (٤) ؛ للأصل ، والنصّ : عن المسرع والمبطئ في الطواف ، فقال : « كلّ واسع ما لم يؤذ أحداً » (٥).

( و ) أن ( يذكر الله سبحانه ) ويدعوه بالمأثور وغيره ويقرأ القرآن ( في ) حال ( طوافه ) كلّ ذلك للنصوص بالعموم والخصوص :

وفي المرسل كالصحيح : « ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس ، حاسراً عن رأسه ، حافياً ، يقارب خطاه ، ويغضّ بصره ، ويستلم الحجر الأسود في كلّ طواف من غير أن يؤذي أحداً ، فلا يقطع ذكر الله‌

__________________

(١) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ( فقه الرضا الطبع القديم ) : ٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٢ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ٥.

(٢) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ( فقه الرضا الطبع القديم ) : ٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٣ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ٦.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٨٨.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٤١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٥١ أبواب الطواف ب ٢٩ ح ١.

٦٤

تعالى عن لسانه ، إلاّ كتب الله له بكل خطوة سبعين ألف حسنة ، ومَحا عنه سبعين ألف سيئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة ، ثمن كلّ رقبة عشرة آلاف درهم ، وشفّع في سبعين من أهل بيته ، وقضيت له سبعون ألف حاجة ، إن شاء فعاجلة وإن شاء فآجلة » (١).

وفي الخبر : دخلت الطواف فلم يفتح لي شي‌ء من الدعاء إلاّ الصلاة على محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسعيت فكان ذلك ، فقال عليه‌السلام : « ما اعطي أحد ممّن سأل أفضل ممّا أُعطيت » (٢).

وفي ثالث : القراءة وأنا أطوف أفضل أو أذكر الله تبارك وتعالى؟ قال : « القراءة أفضل » (٣).

قيل : والقراءة مكروهة عند مالك (٤).

( و ) أن ( يلتزم المستجار ، وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة ) دون الركن اليماني بقليل ، قيل : وقد يطلق على الباب (٥) ، كما في الصحيح : « إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني فابسط يديك » الخبر (٦).

( ويبسط يديه وخدّه على حائطه ويلصق بطنه به ويذكر ذنوبه )

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٢ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٣٤ / ٥٦٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٠٦ أبواب الطواف ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٧ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٦ أبواب الطواف ب ٢١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٧ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٣ أبواب الطواف ب ٥٥ ح ١.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٤١.

(٥) كما في كشف اللثام ١ : ٣٤١.

(٦) الكافي ٤ : ٤١١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ / ٣٤٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٥ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ٤.

٦٥

ويعدّدها عنده مفصّلة ، فليس من مؤمن يقرّ لربه بذنوبه فيه إلاّ غفر له إن شاء الله ، كما في الصحيح (١) ، ويدعو حينئذٍ بالمغفرة والإعاذة من النار وغيرهما بالمأثور.

كلّ ذلك للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : « إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوّذ ، وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل : اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، اللهم من قِبَلك الروح والفرج. ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر فاختم به » (٢).

وفي تتمة الصحيح المتقدم : « فابسط يديك على البيت ، وألصق بطنك ويديك وخدّك بالبيت وقل : اللهم البيت بيتك » إلى آخر ما مرّ.

ثمّ وفيه بعده : « ثم أقرّ لربك بما عملت ، فإنه ليس من عبد مؤمن » إلى آخر ما قدّمنا.

ثم قال : « وتقول : [ اللهم (٣) ] من قِبَلك الروح والفرج والعافية ، اللهم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي ، واغفر لي ما اطّلعت عليه منّي وخفي على خلقك ، ثم تستجير بالله من النار ، وتخيّر لنفسك من الدعاء. ثم استلم الركن اليماني ، ثم استلم الحجر الأسود ».

وهما كغيرهما نصّان في اختصاص استحباب الالتزام بالمستجار وما بعده بالشوط السابع ، كما قيّده به الأصحاب. فما أطلقه العبارة لا وجه له‌

__________________

(١) المتقدم في الهامش (٤).

(٢) الكافي ٤ : ٤١٠ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ / ٣٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ١.

(٣) أضفناه من المصدر.

٦٦

عدا إطلاق بعض الأخبار (١) ، وينبغي تقييده به ، حملاً للمطلق على المقيّد.

( ولو ) نسي الالتزام حتى ( جاوز المستجار رجع والتزم )

قيل : لعموم جملة من النصوص ، ومنها الصحيحان المتقدمان. ولا يلزم زيادة في الطواف ؛ لأنه لا ينوي بما بعد ذلك إلى موضع الرجوع طوافاً ، وإنما الأعمال بالنيات ، ولذا لم ينه عنه الأصحاب وإنما ذكروا أنه ليس عليه (٢). انتهى.

وفيه نظر ؛ لمنع العموم ، لفقد اللفظ الدال عليه ، وإنما غاية ما في النصوص الإطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع.

قوله : ولا يلزم زيادة في الطواف.

قلنا : ممنوع ؛ لتوقف ذلك على اعتبار النية في البطلان بالزيادة ، وليس كذلك ، فإنّ النص والفتوى بالبطلان بها مطلقة لا تقييد في شي‌ء منهما بالنية.

بل صرّح الشهيدان في الدروس والروضة (٣) في المسألة بما يعرب عن الإطلاق ؛ فإنهما قالا : ومتى استلم أو التزم حفظ موضعه بأن يثبت رجليه فيه ولا يتقدم بهما حالته ، حذراً من الزيادة في الطواف والنقصان. ولو اختصّ البطلان بالزيادة بصورة نية كونها من الطواف لما كان لكلامهما ذلك مزيد فائدة ، بل كان الأولى الأمر بالاحتياط وترك نية كون الزيادة من الطواف لو كانت موجودة.

ونحو كلامهما النصوص الآمرة بحفظ موضع القطع حيث يجوز‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٣٤٧ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ٨.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٤١.

(٣) الدروس ١ : ٤٠٢ الروضة ٢ : ٢٥٥.

٦٧

الخروج من الطواف والبناء.

قوله : ولذا لم ينه عنه الأصحاب.

قلنا : ممنوع ، فقد نهى عنه الماتن في الشرائع (١) ، وحكاه الشهيد في الدروس فقال : وقيل : لا يرجع مطلقاً (٢). وهو نهي أو نفي راجع إليه.

وإنما الذي قال : ليس عليه ، هو الشيخ في النهاية والفاضل في التحرير (٣) خاصّة ، ولو سلّم فغايته عدم النهي عنه هنا ، وهو لا يستلزم عدم النهي عنه مطلقاً ، فقد يكون إطلاق نهيهم عن الزيادة جارياً هنا.

وممّا ذكر ظهر أنه لا دليل على الرجوع مطلقاً ، بل وجود الدليل على المنع كذلك ، وهو نهيهم عن الزيادة في الطواف على الإطلاق ؛ مضافاً إلى الصحيح : عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني ، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر ، أو يدع ذلك؟ قال : « يترك اللزوم ويمضي » (٤).

قوله : « ويمضي » أمر بالمضي فيكون واجباً ، والرجوع له مضادّ قطعاً فيكون منهياً عنه ، مع أنه لو كان الرجوع إلى المستجار مستحباً لأمر به ولو كان المسئول عنه غيره ، وهو صلوح الالتزام بين الركن اليماني وبين الحجر ، فإنّ المقام كان يقتضيه لو كان مستحباً.

وبالجملة : فهذا الصحيح صريح في المنع عن الرجوع إذا جاز الركن اليماني ، ولذا خصّ الشهيد استحباب الرجوع بما إذا لم يبلغه (٥).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٦٩.

(٢) الدروس ١ : ٤٠٢.

(٣) النهاية : ٢٣٦ ، التحرير ١ : ٩٨.

(٤) التهذيب ٥ : ١٠٨ / ٣٥٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٩ أبواب الطواف ب ٢٧ ح ١.

(٥) الدروس ١ : ٤٠٢.

٦٨

وهو حسن ، ولكن لا دليل على استحباب الرجوع مع عدم البلوغ ، إلاّ أن يكون ما مرّ ، ولكن جوابه قد ظهر.

فإذاً القول بالمنع عن الرجوع مطلقاً كما عليه الماتن في الشرائع أظهر ، ومع ذلك فهو أولى وأحوط.

( وكذا ) يستحب أن ( يستلم الأركان ) الأربعة كلّها ؛ للصحيح الفعلي الآتي ، وفي آخر : يستلم اليماني والشامي والغربي؟ قال : « نعم » (١).

وهما نصّان على من منع عن استلام ما عدا الركن العراقي واليماني كالإسكافي (٢) ؛ مضافاً إلى الأصل والإجماع المحكي عن الخلاف والمنتهى (٣) ؛ مع عدم وضوح دليل على المنع أصلاً سوى النصوص بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استلمهما ولم يستلم غيرهما (٤).

وهي محمولة على كون ذلك لتأكده فيهما ، دون غيرهما ، كما أفتى به الأصحاب أيضاً ، ومنهم الماتن هنا ، لقوله : ( وآكدها ) استحباباً ( ركن الحجر ) يعني العراقي ( واليماني ).

وبهذا الجمع صرّح في الاستبصار ، حيث قال بعد نقل الصحيح الثاني ومعارضه من الموثّق : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستلم إلاّ الركن الأسود واليماني ويقبّلهما ويضع خدّه عليهما ، ورأيت أبي يفعله » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٠٦ / ٣٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٥ ح ٢.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٩٠.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٢٠ ، المنتهى ٢ : ٦٩٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٣٧ أبواب الطواف ب ٢٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٠٨ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٠٥ / ٣٤١ ، الإستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٤ ، الوسائل ١٣ : أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٢.

٦٩

والصحيح : « كنت أطوف بالبيت وإذاً رجل يقول : ما بال هذين الركنين يستلمان ولا يستلم هذان؟! فقلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استلم هذين ولم يتعرّض لهذين ، فلا تتعرّض لهما إذا لم يتعرّض لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » قال جميل : ورأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يستلم الأركان كلّها (١).

ولا تنافي بين هذين الخبرين والخبر الأوّل ؛ لأنهما حكاية ما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويجوز أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستلمهما لأنّه ليس في استلامهما من الفضل والترغيب في الثواب ما في استلام الركن العراقي واليماني ، ولم يقل إنّ استلامهما محظور أو مكروه ، ولأجل ما قلناه قال جميل إنه رأى أبا عبد الله عليه‌السلام يستلم الأركان كلّها ، فلو لم يكن جائزاً لما فعله عليه‌السلام (٢) انتهى.

وبالجملة : فالقول بالمنع نادر ضعيف لا دليل عليه ، بل الأدلة حجة عليه.

ومثله في الضعف والشذوذ قول الديلمي بوجوب استلام الركن اليماني لا استحبابه (٣) ؛ للأصل ، وعدم دليل عليه ، سوى ما قيل من الأمر به في الأخبار من غير معارض (٤).

وهو كما ترى ؛ إذ لم نر من الأخبار المعتبرة ما يتضمّن الأمر به أصلاً ، وإنما غايتها بيان فعلهم عليهم‌السلام ، وهو أعمّ من الوجوب ، بل هو بالنسبة إلى العراقي الذي تضمنته أيضاً للاستحباب إجماعاً ، فليكن بالنسبة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٨ / ٩ ، التهذيب ٥ : ١٠٦ / ٣٤٢ ، الإستبصار ٢ : ٢١٧ / ٧٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٧ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ١.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢١٦.

(٣) المراسم : ١١٠.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٤١.

٧٠

إلى اليماني كذلك أيضاً ، فتأمّل.

ثم إنّ الموجود في العبارة وغيرها والنصوص المتقدمة وغيرها إنما هو الاستلام ، ولكن في الصحيح : عن استلام الركن ، فقال : « استلامه أن تلصق بطنك به ، والمسح أن تمسحه بيدك » (١).

وفي المرفوع : « كنت أطوف مع أبي وكان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبّله ، وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه ، فقلت : جعلت فداك ، تمسح الحجر بيدك وتلتزم اليماني؟! فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أتيت الركن اليماني إلاّ وجدت جبرئيل عليه‌السلام قد سبقني إليه يلتزمه » (٢).

وظاهرهما أن المستحب الالتزام ، بل ظاهر الأوّل أنه المراد من الاستلام للركن حيث يطلق في الأخبار ، ولعلّه لذا بدّل الاستلام في الشرائع والقواعد بالالتزام (٣). ولا بأس به.

( و ) أن ( يتطوّع بثلاثمائة وستّين طوافاً ) كلّ طواف سبعة أشواط ، فيكون مجموعها ألفين وخمسمائة وعشرين شوطاً ، بلا خلاف ؛ للصحيح : « يستحب أن يطوف ثلاثمائة وستّين أُسبوعاً عدد أيام السنة ، فإن لم يستطع فثلاثمائة وستّين شوطاً ، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف » (٤).

وهو كعبارات الأصحاب مطلق ، لكن في الرضوي : « ويستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة وستّين أُسبوعاً بعدد أيام السنة ، فإن لم‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٤ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٤ أبواب الطواف ب ١٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٨ / ١٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٨ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٣.

(٣) الشرائع ١ : ٢٦٩ ، القواعد ١ : ٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ / ٤٤٥ ، الخصال : ٦٠٢ / ٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٠٨ أبواب الطواف ب ٧ ح ١.

٧١

يقدر عليه طاف ثلاثمائة وستّين شوطاً » (١).

وظاهره التقييد بمدة مقامه بمكة ، ولعلّه المتبادر من إطلاق الرواية السابقة.

قيل : والظاهر استحبابها لمن أراد الخروج في عامة أو في كلّ عام ، وما في الأخبار من كونها بعدد أيام السنة قرينة عليه (٢).

ومن الخبرين يظهر المستند في قوله كباقي الأصحاب : ( فإن لم يتمكّن جعل العدّة أشواطاً ) فيكون جميع الأشواط أحداً وخمسين طوافاً وثلاثة أشواط ، وينوي بكل سبعة أشواط طوافاً ، فإذا طاف خمسين طوافاً حصل ثلاثمائة وخمسين شوطاً يبقى عليه عشرة.

وظاهر الأصحاب إلاّ النادر أنه يجعلها كلّها طوافاً واحداً فينوي : أطوف بالبيت عشرة أشواط لندبه قربةً إلى الله تعالى ، قالوا : وهو مستثنى من ( كراهة ) (٣) القِران في النافلة ؛ للنصوص المزبورة.

خلافاً لابن زهرة فلم يستثن ، وقال : يجعل السبعة من العشرة طوافاً ، ويضمّ إلى الثلاثة الباقية أربعة أُخرى ليصير طوافاً آخر ، والمجموع على هذا اثنان وخمسون طوافاً ، وجعله رواية (٤).

قال الشهيد في الدروس : رواه البزنطي (٥).

قال في حاشية الكتاب : إنّ في جامعه إشارة إليه ؛ لأنه ذكر في سياق أحاديثه عن الصادق عليه‌السلام أنّها اثنان وخمسون طوافاً. وزاد الشهيد أنها‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٠ ، المستدرك ٩ : ٣٧٧ أبواب الطواف ب ٦ ح ١.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٤١.

(٣) ليست في « ك‍ ».

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

(٥) الدروس ١ : ٤٠٢.

٧٢

يوافق أيام السنة الشمسية (١).

أقول : روى هذه الرواية الشيخ في التهذيب في الصحيح عن البزنطي ، عن علي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة ، كلّ أُسبوع لسبعة أيام ، فذلك اثنان وخمسون أُسبوعاً » (٢).

وضعف السند بالبطائني مجبور في المشهور بكونه ممن روى عنه البزنطي الذي نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه من أحاديثه.

ويدفع التدافع بين صدر الخبر بأنه يطاف عدد أيام السنة وذيله المتضمن لأن ذلك اثنان وخمسون أُسبوعاً ، مع أنه بمقتضى الصدر أحد وخمسون وثلاثة أشواط كما مرّ بأن المراد عدد السنة الشمسية كما ذكره الشهيد رحمه‌الله. ويجاب عن الرايات السابقة بأن استحباب ما فيها من العدد لا ينفي الزيادة ، فيزاد على الثلاثة أربعة ؛ ولعلّه لذا نفى عن هذا القول البأس في المختلف (٣) ، واستحسنه شيخنا في الروضة ، لكن لم يأب عمّا عليه الأصحاب فجعله مستحباً أيضاً (٤).

( و ) أن ( يقرأ في ركعتي الطواف بالحمد والصمد في ) الركعة ( الأُولى ، وبالحمد والجحد في الثانية ) على الأظهر الأشهر ؛ لصريح الصحيح وغيره (٥) ، ويعضده الترتيب الذكري في كثير من الأخبار المرغبة‌

__________________

(١) الظاهر أن الشارح رحمه‌الله قد نقل هذه العبارة عن كشف اللثام ١ : ٣٤٢ ، فيكون المراد بحاشية الكتاب حاشية القواعد وهو جامع المقاصد ٣ : ٢٠٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٧١ / ١٦٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٠٩ أبواب الطواف ب ٧ ذيل الحديث ٢.

(٣) المختلف : ٢٩٢.

(٤) الروضة البهية ٢ : ٢٦١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٦ / ٤٥٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٣ أبواب الطواف ب ٧١ ح ٣.

٧٣

في قراءة السورتين هنا (١) وفي باقي المواضع السبعة المشهورة (٢).

خلافاً للشيخ (٣) في كتاب الصلاة ، فقال بالجحد في الأُولى والتوحيد في الثانية ، وجعله الشهيد وجماعة (٤) رواية ، ولم أقف عليها ، مع أن الشيخ قد رجع عنها في النهاية في المسألة فأتى بعين ما في العبارة (٥) ، ومع ذلك فقد نفى البأس عنه أيضاً في كتاب الصلاة من النهاية (٦).

( ويكره الكلام فيه بغير ) الذكر و ( الدعاء والقراءة ) للخبر : « طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلاّ بالدعاء وذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ، والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلّم عليه ويحدّثه بالشي‌ء من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به » (٧).

و « لا ينبغي » ليس فيه للتحريم ؛ للإجماع على الجواز على الظاهر ، المصرَّح به في التحرير والمنتهى (٨) ؛ مضافاً إلى الصحيح : عن الكلام في الطواف وإنشاد الشعر والضحك ، في الفريضة أو في غير الفريضة ، أيستقيم‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٤٢٢ أبواب الطواف ب ٧١.

(٢) الوسائل ٦ : ٥٦ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٥.

(٣) في « ح » و « ق » زيادة : في النهاية ، والموجود فيها في كتاب الصلاة : ٧٩ : ويستحب قراءة قل يا أيها الكافرون في سبعة مواضع : في أوّل ركعة من ركعتي الزوال ، وفي أول ركعة من نوافل المغرب ، وفي أوّل ركعة من صلاة الليل ، وفي أول ركعة من ركعتي الفجر ، وفي ركعتي الغداة إذا أصبحت بها ، وفي ركعتي الطواف ..

(٤) الشهيد في الدروس ١ : ٤٠٢ ، وانظر نهاية الإحكام ١ : ٤٧٨.

(٥) النهاية : ٢٤٢.

(٦) النهاية : ٧٩.

(٧) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٧ / ٧٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٣ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ٢.

(٨) التحرير ١ : ٩٩ ، المنتهى ٢ : ٧٠٢.

٧٤

ذلك؟ قال : « لا بأس به ، والشعر ما كان لا بأس به منه » (١).

ونفي البأس فيه محمول على نفي التحريم جمعاً ، فلا ينافي المرجوحية المستفادة من صريح الرواية السابقة ، لكن ظاهرها اختصاصها بالفريضة.

لكن قيل في توجيه فتوى الأصحاب بالكراهة على الإطلاق : إنّ الخبر وإن اختص بالفريضة لكن العقل يحكم بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة وإن كان أخفّ ، بل والنهي عن كلام الدنيا في المسجد معروف (٢). وهو كما ترى.

قال الشهيد ـ رحمه‌الله تتأكد الكراهة في الشعر (٣).

ولعلّه لورود النهي عن إنشاده في المسجد مطلقاً (٤) ، ففي الطواف أولى ، إلاّ ما كان منه دعاءً أو حمداً أو مدحاً لنبي أو إمام أو موعظة.

وزاد الشهيد كراهية الأكل ، والشرب ، والتثاؤب ، والتمطي ، والفرقعة ، والعبث ، ومدافعة الأخبثين ، وكلّ ما يكره في الصلاة غالباً.

ولعلّه للنبوي المشهور : « الطواف بالبيت صلاة » (٥) ولعلّه المستند في فتوى الأصحاب بكراهية الكلام في الطواف على الإطلاق كما يفهم من المنتهى (٦) ، لا التوجيه المتقدم عن بعض الأصحاب.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٧ / ٧٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٢ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ١.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٤٢.

(٣) الدروس ١ : ٤٠٢.

(٤) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، أمالي الصدوق : ٣٤٤ / ١ ، الوسائل ٥ : ٢٣٥ أبواب الطواف ب ٢٨ ح ٣.

(٥) سنن البيهقي ٥ : ٨٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، عوالي اللئلئ ١ : ٢١٤ / ٧٠.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٠٢.

٧٥

( وأما أحكامه فثمانية ) :

( الأول : الطواف ركن ، فلو تركه عامداً ) عالماً بأن لا يأتي به في وقته ، وهو في طواف الحج قبل انقضاء ذي الحجة ، وفي طواف عمرة التمتع قبل أن يضيق الوقت عنها وعن الحج ، وفي طواف العمرة الجامعة لحجّ الإفراد والقِران قبل خروج السنة بناءً على وجوب إيقاعها فيها ، وفي المجرّدة قبل الخروج عن مكة بنية الإعراض عن فعله على إشكال.

( بطل حجه ) أو عمرته بلا خلاف ولا إشكال ؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة التكليف ، ولفحوى الرواية الآتية في تركه على وجه الجهالة ، لكن فيها وجوب البدنة.

قال الشهيد رحمه‌الله : وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر ، من الأولوية (١).

قلت : ومن عدم النص ، وجواز منع الأولوية كمن عاد إلى تعمد الصيد.

وقيل : يجوز كون الكفارة للتقصير بعدم التعلم (٢).

ثم إن هذا في غير طواف النساء ، فإنه ليس بركن يبطل بتركه النسك من غير خلاف ، كما في السرائر (٣) ، معرباً عن الإجماع ، كما في صريح المسالك وغيره (٤) ؛ وهو الحجّة.

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٠٣.

(٢) المدارك ٨ : ١٧٤.

(٣) السرائر ١ : ٦١٧.

(٤) المسالك ١ : ١٢٣ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

٧٦

مضافاً إلى أصالة خروجه عن حقيقة النسك والصحاح الظاهرة في ذلك ، منها : « على المفرد طواف بالبيت ، وصلاة ركعتين ، وسعى واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج وهو طواف النساء » (١) كما في الصحيح الآخر الوارد بهذا النهج في القارن (٢).

ومنها : إنّ معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء ويأبى الجمّال أن يقيم عليها ، قال : فأطرق وهو يقول : « لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمّالها » ثم رفع رأسه إليه فقال : « تمضي فقد تمّ حجّها » (٣).

وقوله : « فقد تمّ حجّها » ظاهر في خروجه عن النساء مطلقاً ولو في حال الاختيار ولا يختصّ بحال الاضطرار وإن كانت مورده ؛ فإن العبرة بعموم الجواب ، لا خصوص المحلّ.

( ولو كان ) تركه ( ناسياً أتى به ) مع القدرة ، وقضاه متى ذكره ، ولا يبطل النسك ولو كان طواف الركن وذكره بعد المناسك وانقضاء الوقت ، بلا خلاف في كل من الحكم بالصحة ، ووجوب القضاء عليه بنفسه مع إمكان المباشرة.

إلاّ من الشيخ في كتابي الحديث في الأوّل ، فأبطل الحج بنسيان طوافه (٤) ، ومثله الحلبي (٥).

وهما نادران ، بل على خلافهما الإجماع في صريح الغنية‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢ / ١٢٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٨ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٦ / ٢ ، الوسائل ١١ : ٢٢١ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٥١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٤٥ / ١١٧٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٢ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١٣.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٢٨ ، التهذيب ٥ : ١٢٨.

(٥) الكافي في الفقه : ١٩٥.

٧٧

والخلاف (١) ، وظاهر غيرهما (٢) ، مع أن الشيخ رجع عنه في كتبه المتأخرة كالخلاف والمبسوط والنهاية (٣) ، فلا ريب في ضعفه ، للإجماع على خلافه ، مضافاً إلى لزومه الحرج المنفي.

ويدفعه عموم رفع الخطأ أو النسيان في النبوي (٤) وغيره (٥) ، والصحيح : عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع إلى أهله ، فقال : « لا يضره إذا كان قد تقضى مناسكه » (٦).

والصحيح الآتي في الحكم الآتي.

وحمل الطواف في الأوّل على طواف الوداع ، وفي الثاني على طواف النساء لا وجه له بعد عمومهما لهما ولغيرهما ممّا نحن فيه ، سوى الأصل المتقدم في العامد ، وما سيأتي من الخبرين في الجاهل.

ولا دخل له بما نحن فيه ؛ إذ الجاهل غير الناسي ، ولذا يقابل أحدهما بالآخر عرفاً ولغةً ، والأصل مخصَّص بما عرفته من الأدلة في المسألة.

ومن بعض المتأخرين في الثاني ، فجوّز الاستنابة مطلقاً ولو مع القدرة على المباشرة ؛ لإطلاق الصحيحة الآتية في الاستنابة (٧).

وفيه : أنه محمول على صورة التعذر والمشقة كما هو الغالب من‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨ ، الخلاف ٢ : ٣٩٥.

(٢) انظر المدارك ٨ : ١٧٥ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٥ ، والذخيرة : ٦٢٥.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٩٥ ، المبسوط ١ : ٣٥٩ ، النهاية : ٢٤٠.

(٤) سنن ابن ماجه ١ : ٦٥٩ / ٢٠٤٥ ، سنن الدارقطني ٤ : ١٧٠ / ٣٣ ، مستدرك الحاكم ٢ : ١٩٨.

(٥) انظر الوسائل ١٥ : ٣٦٩ أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب ٥٦.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٤٥ / ١١٧٣ ، التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦١ ، الوسائل ١٤ : ٢٩١ أبواب العود إلى منى ب ١٩ ح ١.

(٧) المفاتيح ١ : ٣٦٥.

٧٨

أفراده إجماعاً ، كما في الغنية (١) وشرح الشرائع للصيمري ؛ لفحوى ما دلّ على وجوب المباشرة مع القدرة في نسيان طواف النساء إن قلنا به فهنا أولى.

وقريب منها فحوى ما مرّ من الأدلّة على وجوب قضاء ركعتي الطواف بنفسه مع القدرة لو نسيهما ، فهنا أولى ، لكونهما فرع الطواف ومن توابعه جدّاً كما مضى.

( ولو تعذّر العود استناب فيه ) بلا خلاف من القائل بصحة الحج وعدم بطلانه ، وعليه الإجماع في الغنية (٢) ؛ وللحرج ، وللصحيح : عن رجل نسي طواف الفريضة حتى يقدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : « يبعث بهدي ، إن كان تركه في حج يبعث به في حج ، وإن كان تركه في عمرة يبعث به في عمرة ، ويوكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه » (٣).

وهو نصّ في تساوي الحج والعمرة ، كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي كلام جماعة (٤) ، ولكن عن الأكثر الاقتصار عليه في طواف الحج (٥) ، ولا وجه له بعد عموم الحجّة.

والمراد بتعذر العود امتناعه واشتماله على مشقة لا تتحمل عادة.

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢١ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٨ ، قرب الإسناد : ٢٤٤ / ٩٦٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٥ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ١ ، في النسخ : ما تركه من طواف الحج ، وما أثبتناه من المصادر.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٨ : ١٧٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٤٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٥٢.

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ٣٤٢.

٧٩

قيل : ويحتمل أن يراد بالقدرة استطاعة الحج المعهودة (١). وهو ضعيف في الغاية.

قيل : والصحيح يعطي أن العود إلى بلاده يكفيه عذراً ، ولكن الأصحاب اعتبروا العذر احتياطاً (٢).

أقول : ولعلّه لكون صورة العذر هو الغالب المتيقن من إطلاق الصحيح ، فلا يسلّم إعطاؤه أن العود إلى بلاده يكفيه عذراً مطلقاً ، بل يعطي ذلك في الفرد الغالب المتيقن منه خاصة.

ومتى وجب قضاء طواف العمرة أو الحج فالأقرب وجوب إعادة السعي أيضاً ، كما عليه الشيخ وجمع (٣) ؛ للصحيح : عن رجل طاف بين الصفا والمرة قبل أن يطوف بالبيت ، فقال : « يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما » (٤).

ويحتمل العدم ؛ للسكوت عنه في خبر الاستنابة المتقدم ، واحتمال اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت كما يفهم من خبر آخر لراوي الصحيح المتقدم ، وفيه : عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة ، قال : « يرجع فيطوف بالبيت أُسبوعاً ثم يستأنف السعي » قلت : إنه فاته ، قال : « عليه دم ، ألا ترى إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك » (٥).

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٠٤.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٤٢.

(٣) الشيخ في الخلاف ٢ : ٣٩٥ ، والشهيد في الدروس ١ : ٤٠٥ ، وصاحب المدارك ٨ : ١٧٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٦٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٤١٣ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٧ ، الوسائل ١٣ : ٤١٣ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ١.

٨٠