رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

وهذه الأخبار صريحة الدلالة وإن لم يتضمن ما عدا الأخير منها التصريح بالتعمد ، إلاّ أن قوله فيها : « فينتقم الله تعالى منه » صريح في الاختصاص به ، وهي مع ذلك مخالفة لما عليه العامة إلاّ النادر منهم (١) ، كما صرّح به جماعة (٢) ، موافقة لظاهر الكتاب ؛ فإنه جعل سبحانه جزاء العود الانتقام ، بعد أن جعل جزاء ابتدائه الفدية بمقتضى المقابلة ، والتفصيل قاطع للشركة ، ولذا تمسك به في الرواية الأخيرة ، بل الروايات المزبورة كلّها لنفي الكفارة عن متعمد العود ، فتكون مفسرة للآية.

ومع ذلك معتضدة بالأصل ، وسليمة عن المعارض بالكلّية ، عدا ما قيل (٣) من الآية ، وفيها ما عرفته ؛ ومن الاحتياط ، وليس بدليل شرعي ؛ وإطلاقات الأخبار بالكفارات ، لشمولها المرة الثانية ولو عمداً ، وفيها منع ، لاختصاصها بحكم التبادر بالمرة الأُولى وما عدا العمد خاصة ، فهي إذاً بالنسبة إلى التكرار والعمد مجملة لا حجة فيها بالكلية.

والرواية الثانية وهي أيضاً مستفيضة ، ففي الصحيح : « عليه الكفارة في كل ما أصاب » (٤).

وفي آخر : « كلّما عاد عليه كفارة » (٥).

وفي جملة من الأخبار الصحيحة أنه لا فرق في لزوم الكفارة بين‌

__________________

(١) المجموع ٧ : ٣٢٣.

(٢) منهم : الشيخ في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، والعلامة في المختلف : ٢٧٧.

(٣) انظر المختلف : ٢٧٧ ، والتنقيح ١ : ٥٤٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ / ٧١٨ ، الوسائل ١٣ : ٩٢ أبواب كفارات الصيد ب ٤٧ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ / ٧١٩ ، الوسائل ١٣ : ٩٣ أبواب كفارات الصيد ب ٤٧ ح ٣.

٣٦١

العمد والخطأ والجهل ، وإنما الفارق بين العمد وغيره هو خصوص المؤاخذة :

ففي الصحيح : عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمد ، أهم فيه سواء؟ قال : « لا » قلت : جعلت فداك ، ما تقول في رجل أصاب الصيد بجهالة وهو محرم؟ قال : « عليه الكفارة » [ قلت : ] فإن أصابه خطأً؟

قال : « عليه الكفارة » [ قلت : ] فإن أخذ ظبياً متعمداً فذبحه ، قال : « عليه الكفارة » قال ، قلت : جعلت فداك ، قلتَ : إن الخطأ والجهالة والعمد ليس سواء ، فبأي شي‌ء يفضل المتعمدُ الخاطئَ؟! قال : « بأنه أثم ولعب بدينه » (١) ولو انفصل العامد عن غيره بشي‌ء غير ذلك لوجب ذكره وبيانه في مقام الحاجة.

وهذه الأخبار ليس شي‌ء منها صريحاً ، وإنما غايتها الإطلاق كالروايات الأخيرة وقد عرفت عدم انصرافه إلى المرّة الثانية ، أو العموم كالصحيحين إن كان لفظه « ما » في أوّلهما مصدرية ، ويقبل التخصيص بما عرفته ، لحصول التكافؤ في الخاص ، وقوة الدلالة من وجوه عديدة.

مع أن لفظه « ما » في الرواية الأُولى كما تحتمل المصدرية فتتعلق بموضوع المسألة ؛ كذا يحتمل كونها موصولة فتخرج عنه ، وتصير بالنسبة إليه مجملة ، إذ الكلام فيها ليس في أفراد الصيد من حيث الفردية ، بل الإجماع منعقد على العموم في الأفراد من هذه الحيثية ، ولا يلحظ في هذه خصوص المرة الأُولى أو الثانية ، وإنما الكلام فيها من حيث الأحوال من حيث التكرار والمرة ، وليس في الرواية على تقدير الموصولية إشارة إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٦٩ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٣ بتفاوت ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : قال ، وما أثبتناه من المصدر.

٣٦٢

العموم من هذه الجهة ، بل هي بالنسبة إليها مجملة ، فلا يمكن التمسك بها حينئذ لإثبات العموم من هذه الجهة.

وأما تأييد هذه الأخبار بالأولوية وجملة من الأُمور الاعتبارية فلا وجه له بعد ضعف أصل الأخبار دلالةً ، ومعارضتها بأقوى منها من وجوه شتّى.

فإذاً القول الأول أقوى ، وفاقاً للصدوق في الفقيه والمقنع والتهذيبين والمهذّب والجامع كما حكي (١) ، والشهيدين في النكت والمسالك وسبط الثاني في المدارك (٢) ، وكثير ممن تأخر عنه (٣) ، بل قد عرفت دعوى شهرته في المتن وغيره ، بل أنه ظاهر الأصحاب.

خلافاً للحلّي والسيّدين والحلبي ، والفاضل في جملة من كتبه ، والفاضل المقداد في الكنز والشرح (٤) ، وغيرهم (٥).

واعلم أن ظاهر الكتاب والروايات النافية للتكرار مع العمد إنما هو في صيد الإحرام مطلقاً دون الحرم للمُحلّ والعمد بعد العمد ، وفي الإحرام الواحد ، دون المتعدد.

فتتكرر الكفارة في صيد الحرم ولو للمُحلّ مطلقاً عمداً على الأقوى ،

__________________

(١) حكاه في كشف اللثام ١ : ٤٠٣.

(٢) المسالك ١ : ١٤٢ ، المدارك ٨ : ٣٩٣.

(٣) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٦١٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٢٤ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٣١٦.

(٤) الحلي في السرائر ١ : ٥٦٣ ، والمرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل السيد ٣ ) : ٧٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، الحلبي في الكافي : ٢٠٥ ، الفاضل في التحرير ١ : ١١٥ ، والتذكرة ٣٥١ ، والمنتهى ٢ : ٨١٩ ، كنز العرفان ١ : ٣٢٨ ، التنقيح الرائع ١ : ٥٤٧.

(٥) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٣.

٣٦٣

وفاقاً للشهيد الثاني وغيره (١).

وفي العمد بعد الخطأ أو النسيان ، والعكس بلا خلاف ، كما قيل (٢).

وفي الإحرامين مطلقاً لعامين مطلقاً ولو قرب الجنايتان فيهما زماناً ، أو عام واحد لم يرتبط أحدهما بالآخر ، أو ارتبطا كإحرام العمرة المتمتع بها مع حجها ، على إشكال في الأخيرة ، ولكن الأحوط بل الأقوى التكرار فيه أيضاً.

( الثالثة : لو اشترى مُحلّ بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ضمن ) المحرم ( كل بيضة ) أكلها ( بشاة ، وضمن المُحلّ عن كل بيضة درهماً ) كما في الصحيح (٣) ، ولا خلاف فيه أجده ، وفي المسالك الاتفاق عليه (٤).

ولم يفرّق فيه ولا في الفتاوي بين كون المشتري أو الآكل في الحلّ أو الحرم ، وفي المسالك إنه في الحلّ ، فعلى الآكل في الحرم المضاعفة ، وعلى المشتري فيه أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة.

ولا بأس بالأخير احتياطاً ، وبالأول فتوًى ؛ جمعاً بين الصحيح وما دلّ على المضاعفة على المحرم في الحرم (٥) ، لعدم التعارض بينهما.

ومنه يتوجه ما قيل من أن الشاة فداء الأكل خاصة ، فلو انضم إليه الكسر لزم أيضاً الإرسال إن لم يتحرك الفرخ (٦).

__________________

(١) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٥٤٨.

(٢) التنقيح ١ : ٥٤٨.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٨ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٥ ، الوسائل ١٣ : ٥٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ٥.

(٤) المسالك ١ : ١٤٣.

(٥) انظر الوسائل ١٣ : ١٤ أبواب كفارات الصيد ب ٣ ح ١ و ٢.

(٦) المسالك ١ : ١٤٣.

٣٦٤

وهل الأخذ بغير شراء كالشراء؟ احتمال قريب.

وإن كان المشتري أيضاً محرماً وكان مكسوراً أو مطبوخاً أو فاسداً لم يكن عليه إلاّ درهم ؛ لإعانته المحرم على أكله ؛ وفحوى ما دلّ على ثبوته على المُحلّ.

وإن كان صحيحاً فدفعه إلى المحرم كذلك ، كان مسبِّباً للكسره ، فعليه ما عليه إن باشره ، وإن كسره بنفسه فعليه فداء الكسر قيل : وكان الطبخ مثله (١) ثم عليه لدفعه إلى الآكل الدرهم.

وإن اشتراه المحرم لنفسه لم يكن عليه للشراء شي‌ء ، كما لا شي‌ء على من اشترى غير البيض من صيد أو غيره وإن أساء وأثم ، للأصل ، وبطلان القياس ، ومنع الأولوية.

( الرابعة : لا يملك المحرم صيداً ) باصطياد ولا ابتياع ولا اتّهاب ولا غير ذلك من ميراث ووصية وصلح ووقف وشبهها ، إن كان ( معه ) في الحلّ أو الحرم ، على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع والقواعد ونحوها (٢).

قيل : لعموم الآية وما عرفت من زوال ملكه عنه بالإحرام ، فعدم التملك أولى. وضعفهما ممّا مضى ، نعم ، إن ثبت الإجماع على زوال الملك قوي العدم (٣).

( ويملك ما ليس معه ) كما لا يزول ملكه عمّا ليس معه. ولا يجب إرساله ؛ للأصل من غير معارض. لكن عموم الآية معارض إن استند إليه‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠٣.

(٢) الشرائع ١ : ٢٩٢ ، القواعد ١ : ٩٧ ؛ والمفاتيح ١ : ٣٢١.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

٣٦٥

فيما معه.

قيل : وفي التحرير والتذكرة والمنتهى : إن ذلك في الحرم ، أما في الحلّ فالوجه التملك ؛ لأن له استدامة الملك فيه ، فكذا ابتداؤه ، مع قطعه فيها بزوال ملكه عند بالإحرام واحتجاجه له بأن استدامة الإمساك كابتدائه ، وهو يعمّ المحرم في الحرم وفي الحلّ.

وقيل : في المبسوط : إنه لا يدخل بالاتّهاب في ملكه وأطلق ، ولا يجوز له شي‌ء من الابتياع وغيره من أنواع التملك ، وإن الأقوى أنه يملك بالميراث ، ولكن إن كان معه وجب عليه إرساله ، وإلاّ بقي على ملكه ولم يجب إرساله. وهو قوي ؛ لأن الملك هنا ليس بالاختيار ليدخل في عموم الآية بالتحريم ، فيرثه بعموم أدلة الإرث ، وإنما الذي اختاره الاستدامة ، فلذا وجب الإرسال إن كان معه ، وهو مقرّب التذكرة ، وفيها وفي المنتهى : إن الشيخ قائل به في الجميع ، والذي في المبسوط يختص بالإرث ، وهو المنقول في المختلف (١).

( الخامسة : لو اضطر ) المحرم ( إلى أكل ) ال ( صيد ) في مخمصة جاز له أكله بقدر ما يمسك به الرمق ، وضمن الفداء ؛ بالإجماع الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (٢) ؛ وبالنصوص ، ومنها الأخبار الآتية المرخصة لأكلها مع الميتة فبدونها أولى.

( و ) لو كان عنده مع الصيد ( ميتة ) فـ ( فيه روايتان ) باختلافهما اختلف الأصحاب على أقوال.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

(٢) انظر المنتهى ٢ : ٨٠٥ ، والمدارك ٨ : ٣٩٩.

٣٦٦

ولكن أصحّهما و ( أشهرهما ) كما هنا وفي التنقيح (١) أنه ( يأكل الصيد ويفديه ) وهي مع ذلك صحاح مستفيضة (٢) ، مؤيدة بغيرها من المعتبرة ، وباختصاص الميتة بالحرمة الأصلية وبالخبث وفساد المزاج وإفساده المزاج ، وبالمخالفة لما عليه أكثر العامة ورؤساؤهم ، ومنهم أصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة ، على ما حكاه عنهم جماعة (٣) ، وعمل بها المفيد والديلمي والمرتضى (٤) ، مدّعياً عليه في الانتصار الإجماع.

وظاهر إطلاقها كالمتن ونحوه توقف الأكل على الفداء ، ولا ريب فيه مع إمكان الفداء ، ويشكل مع عدم إمكانه ، إذ لم يذكروا كأكثر النصوص حكمه حينئذ.

وظاهر المتن عدم جواز أكل الميتة هنا أيضاً لمقابلته هذا القول الذي اختاره بقوله :

( وقيل : إن لم يمكن الفداء أكل الميتة ) ومفهومه أنه أكل الصيد مع الفداء إن أمكنه.

ووجه الفرق بين القولين حينئذ أنه يأكل الميتة مع عدم التمكن من الفداء على القول الثاني ، ولا على القول الأول ، بل يرجع فيه إلى القواعد المقررة ، كما في المهذّب شرح الكتاب قال : وهي ان الصيد إن كان نعامة‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٥٥٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٨٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣.

(٣) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٨٠٣ ، وصاحبا المدارك ٨ : ٤٠٢ ، والحدائق ١٥ : ١٦٩.

(٤) المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، الديلمي في المراسم : ١٢١ ، المرتضى في الانتصار : ١٠٠.

٣٦٧

انتقل إلى إبدالها ، حتى ينتهي إلى ما يلزم العاجز ، وهو الصوم ، وكذا إن كان ظبياً أو غيرهما ، فهذا فرق ما بينهما فاعرفه (١).

وفي التنقيح : إن الفارق بينهما هو أن الأكل في القول الأول رخصة ، وفي الثاني عزيمة (٢).

وظاهرهما بل وغيرهما أن المعتبر من التمكن وعدمه إنما هو وقت الاضطرار إلى الأكل ، كما عن الإسكافي الذي هو أحد القائلين بالقول الثاني (٣). وفيه نظر ، بل الأظهر أنه مع عدم التمكن من الفداء وقت الاضطرار يأكل الصيد ويقضي الفداء إذا رجع إلى ماله ، كما في الموثق (٤) ، ونحوه الصحيح المروي عن المحاسن (٥).

والرواية تضمن الأمر بأكل الميتة مطلقاً ، وهي روايتان قاصرتا السند ، بل ضعيفتان (٦) ، فلا يعترض بهما الأخبار السابقة ، مع ما هي عليه من المرجحات المزبورة وإن رجّحت هذه أيضاً بأُمور اعتبارية ، لكنها مع ضعفها في نفسها ومعارضتها بمثلها بمثلها لا تقابل المرجحات المزبورة ، مع أنه لا قائل بإطلاقها كما يستفاد من العبارة ، بل وغيرها ، فهي إذا شاذة.

__________________

(١) المهذب ١ : ٢٣٠.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٥٢٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٧٩.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ / ٧١٦ ، الوسائل ١٣ : ٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٢.

(٥) المحاسن : ٣١٧ / ٤٠ ، الوسائل ١٣ : ٨٧ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١٠.

(٦) وهما رواية إسحاق : التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٩ / ٧١٥ ، الوسائل ١٣ : ٨٧ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١١. ورواية عبد الغفار الجازي : التهذيب ٥ : ٣٩ / ١٢٨٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ / ٧١٧ الوسائل ١٣ : ٨٧ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١٢.

٣٦٨

والجمع بينهما وبين الأخبار الأولة بحملها على صورة التمكن من الفداء ، وهاتين على العدم ، كما ذهب إليه إليه أرباب القول الثاني ، وهم الشيخ في النهاية والمبسوط ، والقاضي في المهذّب ، والفاضلان في الشرائع والقواعد وغيرهما (١) ، لا وجه له.

كما لا وجه للجمع بينهما بالتخيير ، كما عن الصدوق (٢) ؛ إذ هو فرغ التكافؤ المفقود في المقام كما مرّ ؛ مضافاً إلى عدم الشاهد عليهما.

وبالجملة : فما اختاره الماتن هنا أقوى.

( السادسة : إذا كان الصيد ) الذي جنى عليه المحرم ( مملوكاً ففداؤه ) الذي لزمه بجنايته ( للمالك ) دون الله سبحانه ، كما هنا وفي الشرائع والإرشاد والقواعد (٣).

وفي المسالك : هكذا أطلق الأكثر ، والمفهوم من الفداء ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال ، وهو شامل أيضاً لما إذا زاد قيمة الصيد المملوك أو نقص ، ولما إذا كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال كالدلالة على الصيد مع المباشر ، ولما كان للمالك فيه نفع وغيره كالإرسال إذا لم ينتج شيئاً والصوم ، ولما إذا كانت الجناية من المحرم في الحلّ أو من المحلّ في الحرم ، فيشمل ما يجتمع فيه القيمة والجزاء ، ومقتضاه أنه لا يجب لله تعالى سوى ما يجب للمالك ، مع أن القواعد المستقرة ضمان الأموال بالمثل أو القيمة كيف كان.

__________________

(١) النهاية : ٢٣٠ ، المبسوط ١ : ٣٤٩ ، المهذب ١ : ٢٣٠ ، الشرائع ١ : ٢٩٣ ، القواعد ١ : ٩٦ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٩٧.

(٢) المقنع : ٧٩.

(٣) الشرائع ١ : ٢٩٣ ، الإرشاد ١ : ٣٢١ ، القواعد ١ : ٩٨.

٣٦٩

وكما يقتضي الحال في هذه المسألة ضمان ما هو أزيد من ذلك كما إذا زاد الجزاء عن القيمة أو اجتمع عليه الأمران ، قد يقتضي ضمان ما هو أقل ، بل ما لا ينتفع به المالك ، فلا يكون الإحرام موجباً للتغليظ عليه زيادةً على الإحلال.

فيتحصل في هذه المسألة مخالفة في أُمور ثمّ عدّها وأنهاها إلى اثنى عشر أمراً ثم قال : إلى غير ذلك من المخالفات للأصل المتّفق عليه من غير موجب يقتضي المصير إليه ، وقد ذهب جماعة من المحقّقين منهم العلاّمة في التذكرة والتحرير ، والشهيد في الدروس ، والمحقق الشيخ علي إلى أن فداء المملوك لله تعالى ، وعليه القيمة لمالكه ، وهذا هو الأقوى ، لأنه قد اجتمع في الصيد المملوك حقان : لله تعالى باعتبار الإحرام والحرم ، وللآدمي باعتبار الملك ، والأصل عدم التداخل ، فحينئذ ينزّل الجاني منزلة الغاصب والقابض بالسوم ، ففي كل موضع يلزمه الضمان يلزمه هنا كيفيةً وكميةً ، فيضمن القيمي بقيمته ، والمثلي بمثله ، والأرش في موضع يوجبه للمالك ، ويجب عليه ما نصّ الشارع عليه هنا لله تعالى ، ولو كان دالاًّ ضمن الفداء لله تعالى خاصة (١) انتهى.

وهو حسن ، وما اختاره خيرة الشيخ في الخلاف والمبسوط (٢) أيضاً ، كما حكاه عنه جماعة مختارين له أيضاً (٣) ، بل زاد بعضهم فقال : إنه مذهب المتأخرين كافة (٤) ، بل ذكروا أن ظاهر المنتهى دعوى الاتفاق عليه منّا (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٤١١ ، المبسوط ١ : ٣٤٦.

(٣) منهم : ابن فهد في المهذب ٢ : ٢٦٥ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٠٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٦١٥.

(٤) انظر المدارك ٨ : ٤٠٣.

(٥) انظر الذخيرة : ٦١٥.

٣٧٠

( ولو لم يكن ) الصيد الذي جنى عليه ( مملوكاً ) لأحد ( تصدّق به ) إن لم يكن حيواناً ، كما لو كان الواجب الأرش أو القيمة أو كفّ من طعام.

فلو كان حيواناً كالبدنة والبقرة وجب ذبحه أوّلاً بنية الكفارة ، ثم التصدق به على الفقراء والمساكين بالحرم ، ولا يجب التعدد ، ويجب التصدق بجميع أجزائه مع اللحم ، والنية عند الصدقة أيضاً ، ولا يجوز الأكل منه ، فلو أكل ضمن قيمة ما أُكل على الأقوى ، كما في المسالك (١) ، كل ذلك للنصوص (٢) والأُصول.

( وحمام الحرم ) إذا جني عليه ( يشتري بقيمته علف لحمامه ) للأمر به فيما مرّ من الصحيح وغيره (٣) ، ولكن مرّ أن الأصح جواز التصدق بقيمته أيضاً مخيّراً بينهما وإن كان الأول أفضل وأحوط وأولى.

( السابعة : ) كل ( ما يلزم المحرم ) من فداء ( يذبحه أو ينحره بمنى ) إن كان حاجّاً ( وإن كان معتمراً فبمكة ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد (٤) ، وعن الخلاف والمراسم والإصباح والإشارة والفقيه والمقنع والغنية (٥) ، قيل : وفيه التنصيص على تساوي العمرة المبتولة والمتمتع بها (٦).

لقول مولانا الجواد عليه‌السلام للمأمون ، فيما رواه المفيد في الإرشاد عن‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٤.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٨٨ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤.

(٣) راجع ص : ٣٤٠٩.

(٤) الشرائع ١ : ٢٩٣ ، القواعد ١ : ٨٩.

(٥) الخلاف ٢ : ٤٣٨ ، المراسم : ١٢١ ، إشارة السبق : ١٣٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ ، المقنع : ٧٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، وحكاه عنهم في كشف اللثام ١ : ٣٧٢.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٧٢.

٣٧١

الريّان بن شبيب عنه : « وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى ، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة » (١).

وفيما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عون النصيبي ، وفيما أرسله الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : « والمحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس ، والمحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة » (٢).

وفي جمل العلم والعمل والمقنعة والكافي والمهذّب وروض الجنان والنهاية والمبسوط والوسيلة والجامع (٣) : إن جزاء الصيد يذبحه الحاج بمنى ، والمعتمر بمكة.

ونُصّ في الأربعة الأخيرة على أن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمنى ؛ وفي المهذب على جوازه في العمرة المبتولة ؛ وفي روض الجنان على جوازه وأطلق ؛ وفي الكافي على أن العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة.

وفي السرائر والوسيلة وفقه القرآن للراوندي وظاهر الخلاف (٤) : أنها كالحج في ذبحه بمنى.

ويدلُّ على الحكم في جزاء الصيد مع ما سمعت الصحيح : « من‌

__________________

(١) إرشاد المفيد ٢ : ٢٨٣ ، الوسائل ١٣ : ١٤ أبواب كفارات الصيد ب ٣ ح ١.

(٢) تفسير القمي ١ : ١٨٤ ، تحف العقول : ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥ أبواب كفارات الصيد ب ٣ ح ٢.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضى ٣ ) : ٧٢ ، المقنعة : ٤٣٨ ، الكافي في الفقه : ٢٠٦ ، المهذب ١ : ٢٣٠ ، تفسير روض الجنان ١ : ٣١٦ ، النهاية : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٣٤٥ ، الوسيلة : ١٧١ ، الجامع للشرائع : ١٩٥.

(٤) السرائر ١ : ٥٦٤ ، الوسيلة : ١٧١ ، فقه القرآن ١ : ٣٠٩ ، الخلاف ٢ : ٤٣٨.

٣٧٢

وجب عليه فداء صيد أصابه محرماً فإن كان حاجّاً نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وإن كان معتمراً نحره بمكة قبالة الكعبة » (١).

والخبر : في المحرم إذا أصاب صيداً فوجب عليه الهدي : « فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس ، وإن كان في عمرة نحر بمكة ، وإن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه فإنه يجزئ عنه » (٢).

يعني وهو أعلم ما ذكره الشيخ من أنه لا يجب الشراء من حيث صاد والسياق إلى مكة أو منى وإن كان أفضل (٣).

وأوجبه الحلبيّان (٤) ؛ للصحيح المقطوع : « يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد » (٥).

وفي كفارة غير الصيد الصحيح : عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ قال : « بمكة إلاّ أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى ، ويجعلها بمكة أحبّ إليّ » (٦).

ودليل اختصاصه بغير الصيد الآية (٧) والمرسل : « من وجب عليه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٧٣ / ١٢٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢٢ ، الوسائل ١٣ : ٩٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٩ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٤ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٧٣ / ١٣٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٢١٢ / ٧٢٣ ، الوسائل ١٣ : ٩٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٣.

(٤) أبو الصلاح في الكافي : ٢٠٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٧٣ / ١٣٠١ ، الإستبصار ٢ : ٢١٢ / ٧٢٤ ، الوسائل ١٣ : ٩٨ أبواب كفارات الصيد ب ٥١ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٧٤ / ١٣٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢١٢ / ٧٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ٤٩ ح ٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٣٧٣

هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلاّ فداء الصيد ، فإن الله تعالى يقول : ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١).

وفي المختلف : وليس في هذه الروايات تصريح بالعمرة المتمتع بها ، والأولى إلحاق حكمها بالعمرة المبتولة كما قاله الحلبي ، لا بالحج كما قاله ابن حمزة والحلّي ، لنا : صدق عموم العمرة عليها (٢). انتهى.

وعن والد الصدوق جواز ذبح فداء الصيد في عمرة التمتع [ بمنى (٣) ]. أقول : قيل (٤) : للرضوي (٥). وفي مقاومته لما مرّ ضعف ظاهر ، فإذا المتجه إلحاقها بالمفردة ، وفاقاً لمن مرّ.

ويتحصّل من جملة ما سبق من الأقوال والأخبار أنه لا إشكال بل ولا خلاف فتوًى في تعين منى لفداء الحاج مطلقاً ، في جزاء الصيد أو غيره ، والأخبار متفقة عليه أيضاً ، إلاّ المرسلة المتقدمة ، فإنها شاملة لفدائه أيضاً في غير جزاء الصيد ، ولكنها لضعفها وإرسالها وعدم مقاومتها لشي‌ء مما قابلها غير صالحةً للحجية ، فضلاً عن المعارضة ، فلتكن مصرحة ، أو مقيدة بالمعتمر ، كما في الصحيحة السابقة عليها ، وإن عمّت جزاء الصيد ، لوجوب تخصيصها بغيره ، لما عرفت من الآية ، مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة المسندة والرواية التي بعدها ، والجمع بينهما بذلك أولى من حمل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٧٤ / ١٣٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٢١٢ / ٧٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ٤٩ ح ٣.

(٢) المختلف : ٢٨٨.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) الحدائق ١٥ : ٣٣٠.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢١.

٣٧٤

الروايتين على الاستحباب لهذه الصحيحة ، فلا إشكال أيضاً في تعيّن مكة للمعتمر في فداء الصيد.

وفي تعيّنها له في غيره أيضاً ، كما هو ظاهر إطلاق المتن ومن مرّ ، أم لا ، إشكال واختلاف. والأحوط الأول وإن كان في تعيّنه نظر ؛ لاستلزامه طرح الصحيحة المجوّزة لمنى من أفضلية مكة ، ولا كذلك لو لم يتعيّن ، فإنه يجتمع بذلك الأخبار بعضها مع بعض ، بحمل إطلاق الأخبار الأولة بأن محل فداء المعتمر مكة على فداء الصيد لا غيره ، جمعاً بينها وبين صريح هذه الصحيحة ، بل ربما كان سياق بعضها ظاهراً فيه دون غيره ، كما صرّح به بعض الأصحاب.

( الثامنة : من أصاب صيداً فداؤه شاة فلم يجدها أطعم عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج ).

كما في الصحيح (١) ، وأفتى به الماتن هنا ، والفاضل في صريح التحرير وظاهر التذكرة والمنتهى كما قيل (٢) ، وشيخنا في المسالك والقاضي فيما حكاه عنه الصيمري (٣).

وهو متوجّه ؛ لصحة الرواية ، وصراحتها ، وعدم هور مخالفتها للأُصول المقطوع بها حتى تردّ أو يتردّد فيها ، كما هو ظاهر الماتن في الشرائع والفاضل في القواعد (٤) ، ولذا عدل الماتن عنه إلى الفتوى بها هنا ، وهو أولى.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٢) المسالك ١ : ١٤٤ ، المهذب ١ : ٢٧٧.

(٣) الشرائع ١ : ٢٩٣ ، القواعد ١ : ٩٨.

(٤) الشرائع ١ : ٢٩٣ ، القواعد ١ : ٩٨.

٣٧٥

إلاّ أنه ليس فيها أن صام الثلاثة أيام في الحج في نسخ التهذيب المروية عنه ، ولا ظفرنا بخبر آخر فيه ذلك ، وبذلك صرّح جماعة (١) ، ولكن ذكره الماتن في الكتابين والفاضل في القواعد والتذكرة كما قيل (٢) ، وفي المنتهى والمختلف (٣).

فالحكم بذلك مشكل ، بل المتّجه الإطلاق كما في التحرير (٤) ، ولكن ما هنا من التقييد بالحج أحوط.

ثم إنه ليس في الرواية أيضاً إضافة الكفارة إلى الصيد ، بل هي مطلقة ، لكن سياقها ظاهر في كفارته خاصة ، فإنّ فيها : « كل من أصاب شيئاً فداؤه بدنة إن عجز عنها أطعم ستين مسكيناً ، كل مسكين مدّاً ، فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً ، ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة فعجز عنها أطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن عجز صام تسعة أيام ، ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ».

وبشهادة السياق بذلك صرّح جماعة (٥) ، قال بعضهم : للنص على الصيد في الأخيرين (٦) ، وهو كما ترى.

ويمكن أن يمنع الشهادة ، بناءً على المختار من العبرة بعموم اللفظ والجواب ، لا خصوص المحلّ والسؤال ، وعليه فيدخل في عمومها الشاة‌

__________________

(١) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٣ ، وانظر المدارك ٨ : ٤٠٦.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٤٠٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٣٣ ، المختلف : ٢٧٢.

(٤) التحرير ١ : ١١٩.

(٥) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٤ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٠٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٣.

(٦) كشف اللثام ١ : ٤٠٣.

٣٧٦

الواجبة بغيره من المحظورات ، فتأمل (١).

( ويلحق بهذا الباب ) مسائل :

الاولى : في بيان ( صيد الحرم ، وهو ) أي الحرم ( بريد ) أربعة فراسخ ( في بريد ) مثلها ، بلا خلاف فيه بين المسلمين على الظاهر ، كما في الذخيرة (٢) ، وفيها أنه محدود بعلامات هناك ، وقد مرّ في بحث القبلة ما يدل عليه.

ورواه الشيخ في الموثق : « حرّم الله تعالى حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويعضد شجره » (٣) وقد مرّ في بحث شجر الإحرام.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ( من قتل فيه صيداً ضمنه ) بقيمته مطلقاً ( ولو كان مُحلاًّ ) ويزيد عليه الفداء على التفصيل الذي مضى لو كان محرماً.

والمقصود بالبحث هنا المُحلّ خاصة ، وقد مرّ من الأخبار ما يدل عليه ، وهي صريحة في أن اللازم عليه إنما هو القيمة ، كما ذكرنا ، وفاقاً للأكثر ، بل قيل : إنه إجماع ، كما في المدارك (٤).

خلافاً للمحكي فيه وفي غيره (٥) عن الشيخ ، فقال : عليه دم. وهو ضعيف.

__________________

(١) وجهه : منع العموم ، لأنّ « مَن » الموصولية إنما تفيد العموم إذا لم يتقدّمها معهود ، وقد تقدّمها هنا. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الذخيرة : ٦١٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٥٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٤.

(٤) المدارك ٨ : ٣٧٧ ، وهو في التذكرة ١ : ٣٣٠.

(٥) المختلف : ٢٧٨.

٣٧٧

ولو اشترك جماعة محلّون في قتله ففي وجوب القيمة على واحد منهم ، أو على جميعهم قيمة واحدة ، وجهان. أجودهما الثاني ، وفاقاً للمحكي وغيره (١) ؛ لأصالة البراءة ، وحرمة القياس على المحرمين.

خلافاً لشيخنا في المسالك فالأول (٢) ، ولا ريب أنه أحوط.

ثم في المسالك : وكما يحرم على المُحلّ قتل الصيد في الحرم يحرم عليه أسبابه من الدلالة والإعانة وغيرهما (٣).

( وهل يحرم ) على المُحلّ رمي الصيد ( وهو ) أي الصيد ( يؤمّ الحرم ) ويقصده؟ قولان للشيخ ، في التهذيب والنهاية والمبسوط (٤) فالتحريم ، وفي الاستبصار (٥) فالكراهة ، وحكي عن الحلّي والصدوق في الفقيه (٦) ، وهو خيرة أكثر المتأخرين ، بل عامّتهم.

وفي قوله : ( الأشهر : الكراهة ) ونحوه قول الفاضل المقداد في الشرح (٧) دلالة على شهرته بين القدماء أيضاً ، وبذلك يوهن الإجماع المنقول عن الخلاف على التحريم (٨).

فالكراهة أقوى ؛ عملاً بالأصل السليم عما يصلح للمعارضة ؛ إذ ليس سوى الإجماع المنقول ، وقد عرفت جوابه ؛ وما استدل به في التهذيب على‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٤٦ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٣٧٨ ، والمفاتيح ١ : ٣٨٩.

(٢) المسالك ١ : ١٣٨.

(٣) المسالك ١ : ١٤١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٩ ، النهاية : ٢٢٨ ، المبسوط ١ : ٣٤٣.

(٥) الاستبصار ٢ : ٢٠٧.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٥٦٦ ، الفقيه ٢ : ١٦٨.

(٧) التنقيح الرائع ١ : ٥٥٣.

(٨) الخلاف ٢ : ٤٢٣.

٣٧٨

التحريم من المرسل كالصحيح : « يكره أن يرمى الصيد وهو يؤمّ الحرم » (١).

والموثق : عمن استقبله صيد قريباً من الحرم وهو متوجه إلى الحرم ، فرماه فقتله ، ما عليه في ذلك؟ قال : « يفديه على نحوه » (٢).

وهما مع قصور سندهما ودلالتهما ؛ إذ لفظ الكراهة في الأول إن لم نقل بظهوره في الجواز فلا ريب أنه أعم من التحريم ، فحمله عليه يحتاج إلى دليل ، وليس ، بل الأصل يقتضي الحمل على الكراهة ؛ ووجوب الفداء في الثاني على تقدير تسليمه لا يدل على تحريم رميه ، ولذا قال به بعض من قال بكراهة رميه (٣) معارضان بأجود منهما سنداً ودلالةً ، وهو الصحيح الآتي المتضمن لنفي الجزاء ، معلّلاً بأنه يصب حيث نصب وهو له حلال ورمى حيث رمى وهو له حلال.

( ولو أصابه ) المُحلّ في الحلّ ( فدخل الحرم ومات ) فيه ( لم يضمن على أشهر الروايتين ) وأصحّهما وأظهرهما ، وفاقاً للحلّي والفاضل في المختلف وأكثر المتأخرين (٤) ، وهو الصحيح المروي في الكتب الثلاثة والعلل كذلك باختلافٍ ما يسير ، وفيه : عن رجل رمى صيداً في الحلّ وهو يؤمّ الحرم فيما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحلّ فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ فقال : « ليس عليه جزاء ، إنما مثل ذلك مثل من نصب شركاً في الحلّ إلى جانب الحرم ، فوقع فيه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٦ / ٧٠١ ، الوسائل ١٣ : ٦٥ أبواب كفارات الإحرام ب ٢٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥١ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٦ / ٧٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٦٣ أبواب كفارات الصيد ب ٣٠ ح ١.

(٣) وهو الشيخ في الاستبصار ٢ : ٢٠٧.

(٤) الحلي في السرائر ١ : ٥٦٦ ، المختلف : ٢٧٨ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣٨٠ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٣٣٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠١.

٣٧٩

صيد ، فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فليس عليه جزاء ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شي‌ء » (١).

والرواية الثانية الموثقة المتقدمة ، وعمل بها الشيخ في الكتب المتقدمة ، وكذا المهذّب والإصباح والجامع فيما حكي عنهم (٢) ، والفاضلان في الشرائع والقواعد (٣) ، لكن على تردّد. ولا وجه له ؛ لفقد التكافؤ بين الروايتين سنداً ودلالةً ، لاحتمال الموثقة الحمل على الاستحباب.

وهو أولى من حمل الصحيحة على نفي المؤاخذة كما في الاستبصار ، قال : لأنه مكروه (٤). أو أنه ليس عليه عقاب لكونه ناسياً أو جاهلاً ، وذلك لأن الموجود فيها على رواية الفقيه والكافي نفي الجزاء صريحاً ، ولا يجري فيه شي‌ء من ذلك ، نعم الموجود في التهذيب : « ليس عليه شي‌ء » وهو وإن قبل الحمل بذلك إلاّ أن رواية الشيخين السابقين لها كما مضى من التصريح بلفظ الجزاء يعيّنان كونه المراد بالشي‌ء هنا.

وليس في تحريم لحمه كما في الحسن (٥) ، وعن الشيخ في الكتب المتقدمة والقاضي وابن سعيد (٦) ، بل في المسالك إنه ميتة على‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٢ ، الفقيه ٢ : ١٦٨ / ٧٣٧ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥٢ ، علل الشرائع : ٤٥٤ / ٨ ، الوسائل ١٣ : ٦٦ أبواب كفارات الصيد ب ٣٠ ح ٢ ، ٣ ، ٤.

(٢) حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠١.

(٣) الشرائع ١ : ٢٩١ ، القواعد ١ : ٩٧.

(٤) الإستبصار ٢ : ٢٠٧.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٥ / ١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٦ / ٧٠٢ ، الوسائل ١٣ : ٦٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢٩ ح ٢.

(٦) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٤٣ ، والنهاية : ٢٢٨ ، والتهذيب ٥ : ٣٥٩ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٢٨ ، ابن سعيد في الجامع : ١٩٢.

٣٨٠