رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

بالضرورة ، للصحيحة المفصّلة المتقدمة.

ومع ذلك صحاحها مشترطة في الخروج معها الإحرام ، وظاهر أكثرها التحريم من دونه. إلاّ ما تضمّن منها لفظه الكراهة في الخروج من دونه تصرفها عن ظاهرها إلى الجواز مع الكراهة ؛ لأنها صريحة أو كالصريحة في الجواز من غير إحرام لكن مع الكراهة ، وبها تجبر المرسلة المتقدمة المجوّزة للخروج في الضرورة ، فما ذكره الماتن لا بأس به إلاّ أنه ينبغي تقييده بحال الضرورة.

والقول بأن الظاهر أن المنع عن الخروج لارتباط العمرة بالحج واتصالها به من غير تخلّل عمرة أُخرى بينهما إلى آخره ، لا يمنع تقييد الجواز بالضرورة والكراهة بعد ما دلّت عليهما الأخبار المعتبرة ، وربما كان الوجه في اعتبارهما احتمال أن لا يمكنه بعد الخروج العود إلى مكة.

وممّا ذكر يظهر تطرّق النظر أيضاً في إطلاق ما ذكره الماتن بقوله : ( وكذا ) لا حرج ( لو أُحرم بالحج وخرج بحيث إذا أزف ) وقرب ( الوقوف عد إلى عرفات ) بل ينبغي تقييده بحال الضرورة ؛ لما عرفت من اتفاق الأخبار كلّها بعد ضمّ بعضها إلى بعض على اعتبارها.

وبالجملة : فالذي يظهر من الجمع بين الأخبار المنع عن الخروج اختياراً (١) مطلقاً (٢) ، وجوازه إلى ما لا يفوت معه الوقوف بعرفة مع الكراهة من غير إحرام ، وبدونها معه.

وإطلاقها كالعبارة والفتاوي يعمّ صورتي كون العمرة المتمتع بها‌

__________________

(١) ليست في « ك‍ ».

(٢) أي : بسواء كان مع الإحرام أو بدونه ، دخل في الشهر الذي اعتمر فيه أم لا. ( منه رحمه‌الله ).

٢٢١

إلى الحج واجبة أو مندوبة ، ولذا قال جماعة بأن في هذه الأخبار دلالةً على وجوب إتمام المندوب بالشروع فيه (١).

أقول : مضافاً إلى قوله سبحانه( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ) الآية (٢).

( ولو خرج لا كذلك ) بأن خرج غير محرم بالحج ( وعاد في غير الشهر ) الذي اعتمر فيه ( جدّد عمرة ) أُخرى ( وجوباً ) لما مضى من الأخبار ؛ مضافاً إلى الصحيح : فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ، ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل مكة من غير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً » [ قلت : ] فأي الإحرامين والمتعتين متعة ، الأُولى أو الأخيرة؟ قال : « الأخيرة وهي عمرته وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته » (٣).

ومنه يظهر المستند في قوله : ( ويتمتع بالأخيرة دون الاولى ) مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ولا في سابقه وإن اختلفوا في حصول الإثم بالخروج في الجملة ، أو مطلقاً ، أو عدمه مع الكراهة أو بدونها ، والمختار ما قدّمنا.

وفي احتياج العمرة الأُولى حيث صارت مبتولة إلى طواف النساء وعمده وجهان (٤). أحوطهما الأول وإن كان الثاني بظاهر إطلاق النص والفتاوي أوفق ، مضافاً إلى الأصل ، وعدم دليل صالح على وجوبه هنا عدا‌

__________________

(١) منهم : الشهيدان في الدروس ١ : ٣٣٦ ، والمسالك ١ : ٨٧ ، وصاحب المدارك ٧ : ١٧٥.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) تقدم مصدره في ص : ٣٣١١ الرقم (٢).

(٤) في « ح » و « ك‍ » : قولان.

٢٢٢

الإطلاق ، والمتبادر منه العمرة المبتولة ابتداءً ، لا المنقلبة إليها قهراً شرعاً.

وحيث خرج ودخل في الشهر الذي اعتمر فيه فلا ريب في جواز الدخول من غير إحرام ؛ لما عرفت من الأخبار المستفيضة ( بل في أكثرها الأمر بالدخول إلى مكة محلاًّ ) (١) وظاهرها الوجوب ، لكن في الموثق كالصحيح ، المتقدم (٢) بعد ما مرّ : قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال عليه‌السلام : « كان أبي عليه‌السلام مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى بعض هؤلاء ، فلمّا رجع بلغ ذات عرق ، أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج ». وظاهره جواز الإحرام بالحج من غير مكة ، وباستحبابه صرّح جماعة ، منهم الفاضل في المنتهى والتذكرة (٣) ، والشهيد في الدروس كما قيل (٤) ، لكن ظاهره التردد فيه كالمنتهى ، وفيه بعد الفتوى بالاستحباب ونقل الرواية : هذا قول الشيخ واستدلاله ، وفيه إشكال ، إذ قد بيّنّا أنه لا يجوز إحرام الحج للمتمتع إلاّ بمكة.

أقول : مضافاً إلى عدم بلوغه قوة المعارضة للأخبار في المسألة الظاهرة في الوجوب كما عرفته ، مع أنه متضمن نقل فعل عنه عليه‌السلام ، وهو يحتمل وجوهاً منها التقية ، كما ربما يشعر به سياقها ، كما لا يخفى على من تأمّله وتدبّره. فإذاً المتوجه عدم الجواز.

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « ك‍ ».

(٢) في ص : ٣٣١٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٧١١ ، التذكرة ١ : ٣٦٨.

(٤) انظر الحدائق ١٤ : ٣٦٦ ، وهو في الدروس ١ : ٣٣٥.

٢٢٣

( المقصد الثالث : )

( في اللواحق ، وهي ثلاثة : )

الأول : ( في ) أحكام ( الإحصار والصدّ ) قدّم الحصر هنا للنص عليه في القرآن العزيز (١).

قيل : ولعمومه لغةً ، وأخّره بعد لكثرة مسائل الصدّ (٢).

و ( المصدود ) هو ( من منعه العدو ) وما في معناه خاصة ، بلا خلاف عند نافيه ، ولا فيما سيأتي من أن المحصور مَن منعه المرض خاصة ، وبالإجماع منّا صرّح جماعة مستفيضاً (٣) ومنهم شيخنا في المسالك فقال : هو الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم (٤).

أقول : ومنها الصحيح : « المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له النساء » (٥).

ثم قال : وهو مطابق أيضاً للّغة ، قال في الصحاح : أُحصر الرجل على ما لم يسمّ فاعله ، قال ابن السكيت : أحصره المرض ، إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها ، قال الله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) إلى آخر ما قال.

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٣) منهم : الحلّي في السرائر ١ : ٦٣٧ والعلامة في المنتهى ٢ : ٨٤٦.

(٤) المسالك ١ : ١٢٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ / ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧ ، الوسائل ١٣ : ١٧٧ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ١.

٢٢٤

وما نقله عن ابن السكيت قد نقله أيضاً في المصباح المنير عنه وعن ثعلب ، وعن الفراء أن هذا هو كلام العرب وعليه أهل اللغة (١).

أقول : ولكن المحكي عن أكثرهم اتحاد الحصر والصدّ ، وأنهما بمعنى المنع من عدو كان أو مرض ، وهذا هو الذي عامة فقهاء الجمهور (٢).

وكيف كان فلا ريب فيما ذكرنا بعد ورود النص بذلك عن أهل العصمة سلام الله عليهم.

واعلم أنهما مشتركان في ثبوت أصل التحلّل بهما في الجملة ، ويفترقان في عموم التحلّل ، فإنّ المصدود يحلّ له بالمحلّل كلّ ما حرّمه الإحرام ، والمحصَر ما عدا النساء ؛ وفي مكان ذبح هدي التحلل ، فالمصدود يذبحه أو ينحره حيث صدّ ، والمحصَر يبعثه إلى مجلّة بمكة ومنى ؛ وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلل للمحصَر دون الآخر ، لجوازه له بدون الشرط.

وقد يجتمعان على المكلّف بأن يمرض ويصدّه العدو ، فيتخير في أخذ حكم ما شاء منهما ، وأخذ الأخفّ من أحكامهما ؛ لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم ، سواء عرضاً دفعةً أو متعاقبين ، وفاقاً لجماعة (٣).

خلافاً للشهيد في الدروس ، فاستقرب ترجيح السابق إذا كان عرض الصدّ بعد بعث الهدي للحصر ، والإحصار بعد ذبح المصدود ولمّا‌

__________________

(١) المصباح المنير : ١٣٨.

(٢) حكاه عنهم صاحب الحدائق ١٦ : ٣.

(٣) منهم : الشهيد الثاني المسالك ١ : ١٢٩ ، وصاحب المدارك ٨ : ٢٨٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٩٩.

٢٢٥

يقصّر (١).

ولا يخلو عن وجه ، ومع ذلك فلا ريب أنه أحوط.

وإذا قد تمهد هذا ( فإذا تلبّس بالإحرام ) لحج أو عمرة وجب عليه الإكمال إجماعاً ، فتوًى ودليلاً ، كتاباً وسنّة.

( فـ ) إن ( صدّ نحر هديه ) في مكانه ( وأحلّ من كل شي‌ء ) أحرم منه حتى النساء ، على الأشهر الأظهر ، بل لا يكاد يظهر خلاف في شي‌ء من ذلك إلاّ من الحلّي فلم يوجب الهدي (٢) ، وهو محجوج بما يأتي.

ومن الحلبي فأوجب إنفاذ الهدي كالمحصور ، ويبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محلّه (٣).

وقريب منه الإسكافي فيما حكي عنه ، ففصّل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب ، وعدمه فينحرها مكانه (٤).

وتردّهما المعتبرة المستفيضة ، ففي الموثق : « المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث بهديه » (٥).

وفي الصحيح : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنته ورجع إلى المدينة » (٦).

ونحوه الخبر إلاّ أن فيه : « قصّر وأحلّ ونحر ، ثم انصرف منها ، ولم‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٨٣.

(٢) السرائر ١ : ٦٤١.

(٣) الكافي في الفقه : ٢١٨.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٣١٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧١ / ٩ ، الوسائل ١٣ : ١٨٠ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٥.

(٦) الفقيه ٢ : ٣٠٦ / ١٥١٧ ، التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢ ، الوسائل ١٣ : ١٩١ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٥.

٢٢٦

يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك ، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير » (١).

وفي المرسل : « المحصور بالمرض إن كان ساق هدياً أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محلّه ، ثم يحلّ ، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل ، هذا إذا كان حجة الإسلام ، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وحلّ ما كان أحرم منه ، فإن شاء حج من قابل وإن شاء لا يجب عليه الحج ؛ والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه ويقصّر من شعر رأسه ويحلّ ، وليس عليه اجتناب النساء سواء كان حجته فريضة أو سنّة » (٢).

وهل الأمر بذبح الهدي مكان الصدّ للوجوب ، كما هو الأصل فيه ، أم للرخصة ؛ لقوة احتمال وروده مورد توهّم وجوب البعث كالحصر؟ وجهان ، بل قولان.

وظاهر الخبر الأخير كالخبر المتقدم عليه توقف الإحلال على التقصير ، كما في القواعد وعن المراسم (٣) ، وفي الغنية وعن الكافي (٤) ، إلاّ أن فيهما الحلق بدل التقصير ، واختاره الشهيدان (٥) ، لكن مخيّرين بينهما. ولا وجه له ، ولا لما سبقه من اعتبار الحلق ؛ لعدم دليل عليه ، عدا رواية عامية بحلقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية (٦) ، والرواية المتقدمة بتقصيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تردّه ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٨ / ١ ، الوسائل ١٣ : ١٨٦ أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ١.

(٢) المقنعة : ٤٤٦ ، الوسائل ١٣ : ١٨٠ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٦.

(٣) القواعد ١ : ٩٢ ، المراسم : ١١٨.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، الكافي في الفقه : ٢١٨.

(٥) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٧٩ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٧٠ ، والمسالك ١ : ١٢٩.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ٢١٤ ، ٢١٥ ، كنز العمال ٥ : ٢٣٧ / ١٢٧٣٩.

٢٢٧

لكن في سندها كالمرسلة ضعف.

ولا دليل على التقصير بعدهما عدا ما قيل من ثبوته أصالةً ، ولم يظهر أن الصدّ أسقطه ، فالإحرام يستصحب إليه (١).

وفيه نظر ؛ لمنع ثبوته أصالةً هنا ، وإنما هو في محلّ قد فات بالصدّ جزماً ؛ والاستصحاب إنما يتوجه في مقام الشك ، ولا شك هنا بعد إطلاق الأدلة من الكتاب والسنّة بجواز الإحلال بالصدّ من غير اشتراط بالتقصير.

نعم ، هو أحوط وإن كان عدم الوجوب لعلّه أظهر ، وفاقاً لظاهر المتن والأكثر.

ثم إن ظاهر إطلاق النصوص والفتوى جواز الإحلال بالصدّ مطلقاً ولو مع رجاء زوال المانع ، بل قيل : وهو ظاهر الأصحاب ، حيث صرّحوا بجوازه مع ظنّ انكشاف العدوّ قبل الفوات (٢).

فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ كما هو الظاهر فالأظهر اختصاصه بصورة عدم الرجاء قطعاً أو ظنا ، اقتصاراً أو ظنا ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقن من إطلاق النص والفتوى ، وليس بحكم التبادر وغيره إلاّ ما ذكرنا ، دون صورة الرجاء قطعاً.

ثم إن الأمر بالإحلال في النص والفتوى وإن أفاد الوجوب أصلاً ، إلاّ أن الظاهر أن المراد به هنا الإباحة والترخيص دون الوجوب ، فيجوز له في إحرام الحج والعمرة المتمتع بها البقاء على إحرامه إلى أن يتحقق الفوات ، فيحلّل بالعمرة كما هو شأن من فاته الحج ، وعزي أيضاً إلى الأصحاب (٣) ،

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٢) كما في المدارك ٨ : ٢٨٧.

(٣) كما في المدارك ٨ : ٢٨٧ والحدائق ١٦ : ١٦.

٢٢٨

بل زاد بعضهم فقال : إنه أفضل من الإحلال (١). ويجب عليه إكمال أفعال العمرة إن تمكّن ، وإلاّ تحلّل بهدي.

ولو كان إحرامه بعمرة مفردة لم يتحقّق الفوات ، بل يتحلّل منها عند تعذّر الإكمال ، ولو أخّر التحلّل كان جائزاً ، فإن آيس من زوال العذر تحلّل بالهدي حينئذ.

( و ) انما ( يتحقق الصدّ مع عدم التمكن من الوصول إلى مكة ) بل عن مناسكها ، ولو قال « من مكة » تنزّل عليه بلا تكلّف مع الإيجاز إن كان معتمراً ( أو الموقفين ) أو أحدهما مع فوات الآخر إن كان حاجّاً ( بحيث لا طريق ) له ( غير موضع الصدّ ، أو كان ) له طريق آخر ( لكن لا نفقة ) له في سلوكه.

ولا خلاف في حصول الصدّ بذلك ، بل قيل : اتفاقاً (٢).

وكذا إذا صدّ المعتمر عن الطواف أو السعي خاصة ؛ لعموم الآية واستصحاب حكم الإحرام إلى الإتيان بما على المصدود ، وأما حصول الإحلال به فبطريق أولى مع العموم.

ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها ، قيل : إجماعاً كما نقله جماعة من الأصحاب ، بل يحكم بصحة حجه ويستنيب في الرمي إن أمكن ، وإلاّ قضاه في القابل (٣).

وإن منع من مناسك منى يوم النحر واستناب قد تمّ نسكه بمنى بلا خلاف. فإن تعذّر الاستنابة قيل : احتمل البقاء على إحرامه مطلقاً ؛ للأصل (٤).

__________________

(١) انظر المسالك ١ : ١٣٠.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٣) المدارك ٨ : ٢٣٩.

(٤) قال به صاحب المدارك ٨ : ٢٩٣ والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٨٧.

٢٢٩

وكذا لو كان المنع عن مكة ومنى جميعاً ، ولو منع عن مكة خاصة بعد التحلل بمنى يبقى على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد خاصة.

وقيل : إن لم يمكنه الاستنابة في الرمي فهو مصدود ؛ لعموم نصوصه ، وأولوية تحلله من المصدود عن الكل. وفي الذبح فهو لا يستطيع الهدي ، فعليه الصيام بدله إن لم يمكنه إيداع الثمن ممن يذبح بقية ذي الحجة (١).

وهذا القول أظهر ؛ لقوة دليله ، مع ما في الأول من لزوم البقاء إلى القابل العسر والحرج.

ومنه مضافاً إلى الأولوية المتقدم إليها الإشارة يظهر الجواب عمّا قيل على عموم الكتاب والسنة باختصاص إطلاقهما بحكم التبادر وغيره بحيث لا يدانيه شبهة بما إذا صدّ عما يفوت به الحج أو العمرة بالكلّية ، لا بعض أفعالهما المتأخرة ؛ فإنه على تقدير تسليمه ، وربما يمنع بأن منطوقهما وإن اختص بذلك إلاّ أن فحواهما يعمّه وغيره حتى ما يمكن فيه الاستنابة ، إلاّ أنه خرج اتفاقاً فتوًى وروايةً.

ومن ثمرات الصدّ وإن كان قضاء الحج من قابل وجوباً أو استحباباً ، إلاّ أنه في صورة فواته بالصدّ ونحوه ، لا مطلقاً ، فإنه ليس من لوازمه التي لا تنفك منه إجماعاً ، وإنما ثمرته اللازمة له جواز الإحلال من الإحرام ووجوب الهدي. ونحن نقول بهما هنا ، لكن على إشكال في الأخير ؛ لفقد العموم فيه ، وعدم مساعدة الفحوى لإيجابه بعد فرض اختصاصه بصورة الصدّ عن الحج أو العمرة من أصله ، فإنّ غاية الأولوية إفادة جواز الإحلال‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٨٧.

٢٣٠

لا وجوبه ، لاحتمال خصوصية في الصدّ عن كلّ الحج في إيجابه لا توجد في الصدّ عن أبعاضه ، لكن غاية ذلك الشك ، وأصالة البقاء على الإحرام ربما تحكم بإيجابه ، فإيجابه للأصل لا للفحوى وهو كافٍ في ذلك.

وتلخّص ممّا ذكرنا تحقّق الصدّ الموجب والهدي بالمنع عن الحج والعمرة بتمامهما أو أبعاضهما ، وسقوط ما صدّ عنه بعد التحلّل في عامة إلاّ ما تقبل النائبة فيجب ، ولا ثمرة للصد فيه إلاّ إفادة جوازم التحلّل فيما لا تحلّل إلاّ بفعله أو بالصدّ.

( ولا يسقط الحج الواجب ) المستقر في ذمته قبل عام الصد ، ولا المستمر إليه وإلى العام المقبل ( مع الصدّ ) فيقضيه وجوباً في القابل.

( ويسقط المندوب ) أي لا يجب كما أوجبه أو حنيفة وأحمد في رواية (١) للأصل والإجماع ، كما هو ظاهر التذكرة والمنتهى (٢) ، وإنما يقضيه ندباً.

وفي بعض الأخبار المتقدمة والآتية في الحصر دلالة عليه.

( وفي وجوب الهدي على المصدود قولان : أشبههما الوجوب ) وفاقاً للمشهور ، بل ظاهر الغنية والمحكي عن المنتهى وغيرهما (٣) إجماعنا عليه ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى استصحاب بقاء حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول المحلّل ، وخصوص ما مرّ من النصوص ؛ وغيرهما كالمرسل : « المحصور‌

__________________

(١) انظر المغني لابن قدامة ٣ : ٣٧٥.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٦ ، المنتهى ٢ : ٨٤٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، المنتهى ٢ : ٨٤٦ ؛ وانظر التنقيح الرائع ١ : ٥٢٧.

٢٣١

والمضطر يذبحان بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه » (١).

وقصور السند أو ضعفه حيث كان مجبور بالعمل وموافقة الكتاب ، بناءً على أن المراد بالحصر فيه المنع مطلقاً ولو بالعدو ، لموافقته لأهل اللغة كما عرفته ، وإجماع المفسّرين على نزول الآية في حصر الحديبية ، كما صرّح به جماعة كالشافعي والنيسابوري وغيرهما (٢) ، ويظهر أيضاً من الغنية ، وروى تفسيرها بها الشيخ في التبيان والطبرسي في المجمع (٣) عن الأئمة عليهم‌السلام فيما حكي عنهما.

ويشعر بذلك أيضاً ذيل الآية ، وهو قوله سبحانه( فَإِذا أَمِنْتُمْ ) لظهوره في الأمن من العدوّ ، دون المرض والعلّة ؛ ولذا قال بعض العامة باختصاص الآية بالصدّ دون المرض (٤) ، وإن كان المناقشة فيه أيضاً واضحة ، لأن الورود في قضية خاصة لا ينافي عموم اللفظ وكذا تخصيص بعض أفراده بحكم غير ما علّق عليه أوّلاً لا يفيد تخصيص الحكم الأول بذلك الفرد أيضاً.

والقول الثاني للحلّي فلم يوجبه (٥) ؛ للأصل ، ويخصّص بما مرّ ؛ ومنع عموم الآية للمنع بالعدو ، لاختصاصه بالحصر بالمرض ، وفيه ما مرّ.

ولا ينافيه الإجماع فتوًى ونصاً بتخصيص الحصر بالمرض ، والصد بالعدوّ ؛ لاحتمال كونه اصطلاحاً خاصاً لما بعد النزول. ولا بُعد فيه بعد‌

__________________

(١) المقنع : ٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١٧٨ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٢.

(٢) الشافعي في الأُم ٢ : ٢١٨ ، النيشابوري في حاشية تفسير الطبري ٢ : ٢٤٢ ؛ وانظر التفسير الكبير ٥ : ١٦١.

(٣) التبيان ٢ : ١٥٥ ، مجمع البيان ١ : ٢٩٠.

(٤) انظر بداية المجتهد ١ : ٣٥٤.

(٥) السرائر ١ : ٦٤١.

٢٣٢

وجود الدليل كما قيل.

ولو سلّم فغايته اختصاص الآية بالمرض ، لكن لا دلالة فيها ولا في الأخبار على نفي الوجوب في الصدّ ، وإنما الدليل عليه حتى في كلامه إنما هو أصالة البراءة ، وهي معارضة بالاستصحاب المتقدم إليه الإشارة ، ولا حجة لأصالة البراءة في مقابله إلاّ بعد وجود عموم أو إطلاق يمكن رفع الشك بهما ، ولم أر وجوداً لهما هنا كما مضى.

وبالجملة : فأصالة البراءة مخصَّصة بما دلّ على لزوم أحكام الإحرام ، والأصل بقاؤها في موضع الشك إلى أن يثبت الرافع لها ولو عموماً أو إطلاقاً نافعاً ، وقد عرفت فقدهما.

( و ) على المختار فـ ( لا يصح التحلّل ) مطلقاً ( إلاّ بالهدي ) لما مرَّ.

( ونيّةِ التحلّل ) كما صرّح به جماعة (١) ، من غير خلاف بينهم أجده ؛ لأن الذبح يقع على وجوه أحدها التحلل ، فلا ينصرف إليه دون غيره إلاّ بمخصّص وهو النية ، كما في كل عبادة مشتركة.

قيل : لا يقال : نية التحلل غير معتبرة في غير المصدود ، فكيف اعتبرت هنا ، أليس إذا رمى أحلّ من بعض الأشياء وإن لم ينو التحلل؟

لأنا نقول : من أتى بأفعال النسك فقد خرج عن العهدة وأتى بما عليه فيحلّ بإتمام الأفعال ولا يحتاج إلى نية ، خلاف المصدود ؛ لأنا قد بيّنّا أن الذبح لا يتخصص بالتحلل إلاّ بالنية فاحتيج إليها ، دون الرمي الذي لا يكون إلاّ النسك ، فلم يحتج إلى قصد (٢). انتهى.

__________________

(١) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٢٨٠ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٨٤٦ ، والشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٧٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٤٦.

٢٣٣

قيل : وإن قيل : كما أن غير المصدود يخرج عن العهدة بإتمام المناسك فكذا المصدود بإتمام ما عليه.

قلنا : الفرق أن للمصدود أن يبقى على إحرامه وإن ذبح سبعين مرة إذا لم ينو التحلل.

لا يقال : وكذا الرمي يقع على وجوه ، وبيّن أنه إذا نوى اللغو ونحوه لم يفد التحلل.

لأنه مسلّم ، ولكن يكفيه ما عليه من الرمي في الحج ، كسائر المناسك إنما ينوي بها فعل ما عليه منها لوجوبه ، وأما هدي التحلل فلا يتعين إلاّ بنية التحلل ، فإذا لم ينو كان كاللغو من الرمي ، ولذا يشترط وقوعها عند الذبح.

ولا يكفي وجوب الهدي للسياق عن هذه النية ؛ لأن الأصل فيما ساقه الذبح بمنى أو بمكة ، فهذا الذبح قبل مكانه وزمانه (١). انتهى.

وهو حسن ، إلاّ أن قوله : ولا يكفي وجوبه للسياق عن هذه النية ، محل مناقشة ؛ لاحتمال الاكتفاء عنها بقصد القربة وامتثال الأمر ، إذ أمر مشتركاً بذبح الهدي المساق في الواقعة ، بل الأمر به إنما هو للتحلل خاصة ، ونية التعيين إنما يحتاج إليها في الأوامر المتعددة المشتركة ، ولا تعدّد في الأمر هنا كما عرفته. وقوله : لأن الأصل فيما ساقه .. ، لا يفيد الاحتياج إلى هذه النية ، كما لا يخفى على من تدبّره.

( وهل يسقط الهدي لو شرط ) في إحرامه ( حلّه ) من ( حيث حبسه؟ فيه ) أي في السقوط به ( قولان ) مضيا في أواخر بحث أحكام الإحرام ، ومرّ أن الأقوى القول بالسقوط ، وفاقاً للمرتضى والحلّي (٢) ،

__________________

(١) انظر كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٢) راجع ص : ٢٩٠٥.

٢٣٤

مدّعيين الإجماع عليه.

و ( أظهرهما ) عند آخرين ( أنه لا يسقط و ) جعلوا ( فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير توقع ) وتربّص لبلوغ الهدي محلّه.

وفيه : أن هذه الفائدة مختصة بالمحصورة وأما المصدود فلا تظهر فيه ؛ لما مرّ من جواز تحلّله من غير تربّص ، بناءً على جواز ذبح هديه مكان الصدّ كما هو الأظهر الأشهر ، ولذا خصّها الماتن في بحث الإحرام بالمحصور ، لا لما توهّم من اختصاص جواز التحلل من أصله به دون المصدود ، وحينئذ فلا فائدة لهذا الشرط في المصدود.

وأضعف منه سائر ما قيل في توجيه هذا الشرط غير سقوط الهدي ، من أراد تفصيل ذلك فعليه بمراجعة ذلك البحث.

( وفي إجزاء هدي السياق عن هدي التحلل قولان ) بل أقوال ( أشبههما ) عند الماتن هنا وفاقاً للصدوقين (١) ( أنه لا يجزئ ) مطلقاً ، سواء وجب الهدي المسوق ولو بالإشعار أو التقليد أم لا. وفصّل الإسكافي بين الواجب فلا يجزئ ، وغيره فنعم (٢).

واختاره جماعة منهم شيخنا الشهيد الثاني فقال :

والأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجباً ولو بالإشعار أو التقليد ؛ لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدّد المسبّبات ، نعم لو لم يتعين ذبحه كفى ، إلاّ أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز (٣). انتهى.

وربما يظهر من قوله : إلاّ أن إطلاق هدي السياق عليه مجاز ، رجوع‌

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٢ : ٣٠٥ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٣١٧.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٣١٧.

(٣) الروضة البهية ٢ : ٣٦٨.

٢٣٥

قول الإسكافي إلى قول الصدوقين ، كما صرّح به غيره (١).

ولم نقف لهما على دليل سوى ما مرّ ، والرضوي : « فإن قرن الرجل الحج والعمرة فأُحصر بعث هدياً مع هديه ، ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه ، فإذا بلغ الهدي محلّه أحلّ وانصرف إلى منزله ، وعليه الحج من قابل ، ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل » (٢).

وفيهما نظر :

أما الأول : فلأنا لم نقف على دليل يدل على إيجاب الحصر أو الصدّ هدياً مستقلا ، وإنما المستفاد من الأدلة كتاباً وسنّةً إنما هو ما استيسر من الهدي كما في الأول (٣) ، أو هديه كما في الثاني كما عرفت ، ولا ريب في صدقهما على المسوق مطلقاً في محل البحث ، ولعلّه لهذا استدل بالأول في المنتهى على ما اختاره من القول الثاني (٤).

وأما الثاني : فلقصوره عن معارضة ما دلّ على القول الثاني وهو الإجزاء مطلقاً ، كما عليه الأكثر ، بل المشهور على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جمع (٥) ، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه مطلقاً (٦) ، وكذا الحلّي إلاّ من الصدوق (٧) كما حكي عنه.

__________________

(١) كالشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٧٧ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ١٩.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٩ ، المستدرك ٩ : ٣٠٩ أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٣.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٤٧.

(٥) منهم صاحب المدارك ٨ : ٢٩١ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٢٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

(٧) السرائر ١ : ٦٤٠.

٢٣٦

وهو الأظهر ؛ للأصل ، وإطلاق الكتاب والسنّة على ما مرّ ، والإجماع المحكي ، وظاهر الصحيح : القارن يحصر وقد قال : وأشترط فحلّني حيث حبستني ، قال : « يبعث بهديه » قلت : هل يتمتع من قابل؟ قال : « لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » (١).

ونحوه الخبر (٢) ، وضعف سنده بسهل سهل ، ومع ذلك منجبر بالعمل والموافقة لما مرّ.

فليحمل الرضوي على الاستحباب ، مضافاً إلى قصوره في نفسه.

ولكن العمل به أحوط ، سيّما مع إمكان التأمل في أكثر أدلة الأكثر بمعارضة الأصل استصحاب بقاء حكم الإحرام ، وهو أخصّكما مرّ فليقدم ؛ وعدم وضوح نقل الإجماع سيّما من الحلّي ؛ وقصور دلالة الصحيح وغيره عن التصريح بسقوط هدي التحلل ، وعلى تقديره فلعلّه لما فيهما من الاشتراط ، أي قوله : فحلّني من حيث حبستني ، بناءً على المختار من أن فائدته سقوطه كما مرّ.

ونحوهما في قصور الدلالة ما قيل (٣) من الصحيح : « خرج الحسين عليه‌السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا ، فبَرْسمَ (٤) فحلق شعر رأسه ونحرها ، ثم أقبل فجاء فضرب الباب » (٥) لعدم وضوح ظهوره في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٨ ، الوسائل ١٣ : ١٨٤ أبواب الإحصار والصد ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧١ / ٧ ، الوسائل ١٣ : ٨٥! أبواب الإحصار والصد ب ٤ ح ٢.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٤) البِرسام : ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والأمعاء. تاج العروس ٨ : ١٩٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٥ / ١٥١٥ ، الوسائل ١٣ : ١٨٦ أبواب الإحصار الصد ب ٦ ح ٢.

٢٣٧

الاكتفاء بما ساقه ؛ مضافاً إلى ما قيل من احتمال أن لا يكون أحرم (١) ، فتأمل.

وفي الدروس قول بعدم التداخل إن وجب بنذر أو كفارة أو شبههما (٢). يعني لا إن وجب بالإشعار أو التقليد.

ولعلّ الفرق لأنه وجب بالإحرام فاتّحد السبب ، ولظهر فتاوي الأصحاب ببعث هديه أو ذبحه فيه وفيما يجب للصدّ أو الحصر ، لا الواجب بنذر وشبهه.

( والبحث في المعتمر إذا صدّ عن مكة ) أو النسك فيها ( كالبحث في الحاج ) إذا صدّ كما مرّ.

واعلم أنه لم يتقدم في كلامه ما يدل على اختصاص الأحكام المتقدمة بإحرام الحج صريحاً حتى يلحق به إحرام العمرة ، إلاّ أن مقتضى السياق لعلّه ذلك ، وكان الأولى ذكر هذا الحكم عند التعرض لما يتحقق به الصدّ.

( والمحصور ) و ( هو الذي يمنعه المرض ) عن مكة أو الموقفين أو نحو ذلك مما مرّ في الصد كما مرّ ( فهو يبعث هديه ) للتحلّل ( لو لم يكن ساق ، ولو ساق اقتصر على ) بعث ( هدي السياق ) على المختار من الاكتفاء به عن هدي التحلل ، ويأتي على القول الآخر عدم جواز الاقتصار عليه كما مرّ في المصدود.

وظاهر الأصحاب عدم الفرق في جواز الاقتصار وعدمه بين الصدّ والإحصار ، وصرّح به جمع من الأصحاب (٣).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٨٦.

(٢) الدروس ١ : ٤٧٧.

(٣) منهم : الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٨٧ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٢٣.

٢٣٨

إلاّ أن ظاهر الماتن هنا والفاضل في القواعد (١) الفرق ، حيث صرّحا بجواز الاقتصار هنا ، وأظهرا عدمه في الصدّ ، وهو ظاهر الأدلة إن لم نعتبر الأصل الأول والإطلاقات كتاباً وسنّة ، وقلنا باختلاف الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات.

وذلك الاختصاص ما دلّ على جواز الاقتصار على هدي السياق وعدمه من الأخبار بالإحصار ، دون الصدّ ، فيرجع فيه إلى مقتضى الأصل من لزوم تعدّد المسبّبات عند تعدّد الأسباب ، فيتوجّه الفرق.

إلاّ أن شبهة الإجماع المركّب المنقول في عبائر الأصحاب أوجب العدم مطلقاً ، سيّما وأن بعض نسخ الكتاب في الصدّ بدل « لا يجزئ » : « يجزي » كما في نسخ الشرائع (٢) ، واحتمال انسحاب ذلك في عبارة القواعد ؛ فإنها في الصدّ هكذا : وهل يكفي هدى السياق عن هدى التحلل؟ الأقوى ذلك مع ندبه.

والضمير في « ندبه » كما يحتمل الرجوع إلى هدي السياق ، ويكون مفادها حينئذ التفصيل بين السياق المندوب فيجزئ ، والواجب فلا يجزئ.

كذا يحتمل رجوعه إلى هدي التحلّل ، ويكون مفادها حينئذ الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل مطلقاً ولو كان هدي السياق واجباً ، ويكون استحباب هدي التحلّل من باب الاحتياط كما قدّمناه ، خروجاً عن شبهة الخلاف ، فينوي التحلّل عند ذبح كل من الهديين. وحكى عن الإيضاح نقل هذا الاحتمال عن والده (٣).

__________________

(١) القواعد ١ : ٩٢ ٩٣.

(٢) الشرائع ١ : ٢٨٠.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٢.

٢٣٩

وعلى هذا فيكون مختار الفاضلين في الكتابين جواز الاقتصار في المقامين ، فارتفع القائل بالفرق في البين.

وكيف كان فالظاهر هنا الاكتفاء بهدي السياق.

( ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه ، وهو منى إن كان حاجّاً ، ومكة إن كان معتمراً ) على اختلاف فيه بين الأصحاب ، بعد اتّفاقهم كغيرهم على وجوب الهدي هنا للتحلّل وإن اختلفوا فيه في المصدود.

وما في المتن من عدم جواز التحلّل إلاّ ببلوغ الهدي محلّه مطلقاً هو الأظهر الأشهر بين الأصحاب ، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (١) ؛ للأصل ، وظاهر الآية( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٢) والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

ففي الصحيحين : القارن يحصر وقد قال : وأشترط فحلّني حيث حبستني ، قال : « يبعث بهديه » (٣).

وفي الموثق : عن رجل أُحصر في الحج ، قال : « فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه ، ومحلّه منى يوم النحر إذا كان في الحج ، وإن كان بعمرة نحر بمكة » الخبر (٤).

خلافاً للمحكي عن ظاهر المفيد والديلمي (٥) ، ففصّلاً بين الإحرام‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٨ ، الوسائل ١٣ : ١٨٤ أبواب الإحصار والصد ب ٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٧٠ ، الوسائل ١٣ : ١٨٢ أبواب الإحصار والصد ب ٢ ح ٢.

(٥) المفيد في المقنعة : ٤٤٦ ، الديلمي في المراسم : ١١٨.

٢٤٠