رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

وأوجهها الثالث ، لإطلاق النص في المفتي الأول لدخوله فيه بيقين ، بخلاف الثاني ، لعدم وضوح دخوله فيه بعد اختصاصه بحكم التبادر بالمفتي الأول. هذا إن قلنا بعدم اعتبار الاجتهاد في المفتي أو كان الأول مجتهداً ، ولو انعكس واعتبرنا الاجتهاد فيه انعكس الأمر ، فتجب الشاة على الثاني ، دون الأول.

( و ) الرابع : لبس ( المخيط يلزم به دم ) مطلقاً ( ولو اضطر ) إليه بالإجماع والنصوص (١) ، وينتفي التحريم في حق المضطر خاصة ، بل قد يجب.

قيل : واستثنى السراويل في الخلاف والمنتهى والتذكرة ، فنفى الفدية فيه عند الضرورة ، واستدل له الشيخ بأصل البراءة مع خلو الأخبار والفتاوي عن ذكر فدائه ، وفيه أنه روى في التهذيب في الصحيح : « من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة » (٢) إلاّ أن يقول : إنه عند الضرورة ينبغي له لبسه ، ويضعفه قوله : « ففعل ذلك ناسياً ».

وفي الصحيح : عن المحرم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها ، فقال عليه‌السلام : « لكل صنف منها فداء » (٣) لكن ظاهر التذكرة الإجماع عليه ، فإن تم كان هو الدليل (٤). انتهى. وهو حسن.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ، ٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٩ / ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٥ ، التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٠ ، الوسائل ١٣ : ١٥٩ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٩ ح ١.

(٤) انظر كشف اللثام ١ : ٤٠٧.

٤٤١

قيل : وكذا لو لبس الخفّين أو الشُّمِشك كان عليه شاة وإن كان مضطراً لكن ينتفي التحريم في حقه لأن الأصل في تروك الإحرام الفداء إلى أن يظهر السقوط ، ولا دليل على سقوطه هنا ؛ ولعموم الخبرين المتقدمين (١).

وفي الدليلين نظر ؛ لعدم دليل على الأصل له ، ولا على ثبوته في مطلق المخيط ، كما صرّح به جمع (٢) ؛ والخبران في الثوب ، ويمنع عمومه للخفين والشمشك.

وعن التهذيب والخلاف والتذكرة لا فدية إذا اضطر ؛ لأصل البراءة ؛ وتجويز اللبس في الصحيح (٣) من غير إيجاب فداء (٤).

قيل : وجعلهما ابن حمزة مما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيماً للشاة والبقرة والبدنة إذا لبسهما مختاراً (٥). ولم أقف له على دليل أيضاً.

واعلم أن قوله : ( ولو لبس عدّة ) ثياب مثلاً ( في مكان ) واحد يتعلق بالسابق ، أي ويلزم الدم باللبس اختياراً واضطراراً مطلقاً ولو لبس عدّة في مكان.

بلا خلاف إذا كان بلبس واحد وفي وقت واحد وإن اختلف أصناف الثياب ، إلاّ من الفاضل في المنتهى فيما إذا اختلف الأصناف ، فجعل لكل صنف فداءً (٦) ، وتبعه جماعة (٧) ؛ للصحيح المتقدم ، ولا ريب أنه أحوط‌

__________________

(١) انظر كشف اللثام ١ : ٤٠٧.

(٢) منهم : الشهيد في الدروس ١ : ٤٨٥ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٢٩ ، وصاحب الذخيرة : ٦٢٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤١ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٢.

(٤) انظر كشف اللثام ١ : ٤٠٧.

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ٤٠٧.

(٦) المنتهى ٢ : ٨١٣.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٤٥٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢٢ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٤٣٧.

٤٤٢

وإن كان في تعيّنه نظر ؛ لقوة احتماله كعبارة الفاضل الاختصاص بصورة تعدد اللبس ، كما هو الغالب ، وعبارته المحكية كالنص في ذلك.

ومحل خلاف إذا تعدد اللبس وتعدد الوقت ، فعن الشيخ وجماعة (١) ، بل الأكثر كما في المسالك (٢) ، تعدد الفداء بتعدد الوقت.

خلافاً للماتن هنا وفي الشرائع (٣) ، فجعل المناط في سقوط الكفارة بلبس المتعدد اتحاد المجلس ، فتسقط معه وإن تعدد اللبس والوقت. ولا ريب في ضعفه ؛ لعدم وضوح دليل عليه ، بل مقتضى النص تعددها بتعدد اللبس ، سواء اتّحد المجلس أو تعدد ، اختلف الملبوس صنفاً أو اتّحد ، كما نقله في المسالك عن التذكرة واختاره (٤). ولا فرق في ذلك بين أن يكون كفّر على الأول أم لا ، وهو الأقوى ، وسيأتي الكلام في المسألة مرة أُخرى.

( و ) الخامس : ( حلق الشعر ) و ( فيه شاة ، أو إطعام ستة مساكين ، لكل مسكين مدّان ، أو عشرة لكل مسكين مدّ ، أو صيام ثلاثة أيام ، مختاراً ) كان في الحلق ( أو مضطراً )٠

قيل : شعر الرأس كان أو غيره بإجماع أهل العلم ، خلا أهل الظاهر ، على ما في المنتهى والتذكرة ، لكن من قبل الفاضلين إنما ذكروا حلق الرأس ، وعلى العموم فإمّا أقلّ مسمّى الحلق حلق نحو شعر الإبطين جميعاً كما في المنتهى ، أو نتف الإبطين مستثنى من هذا العموم كما في الروضة‌

__________________

(١) حكاه عنهم في المدارك ٨ : ٤٥٣ ، وانظر النهاية : ٢٣٤ ، والخلاف ٢ : ٢٩٩ ، والمهذب ١ : ٢٢٥ ، والوسيلة : ١٦٦.

(٢) المسالك ١ : ١٤٦.

(٣) الشرائع ١ : ٢٩٨.

(٤) المسالك ١ : ١٤٦ ، التذكرة ١ : ٣٥٣.

٤٤٣

البهية ، فإن المراد من الحلق هنا والنتف في الإبطين مطلق الإزالة كما في التذكرة وغيرها.

وأما التكفير فللكتاب (١) والسنّة والإجماع ، إلاّ في الصدقة ، فالأشهر في الرواية والفتوى أنها على ستة مساكين ، لكل منهم مدّان (٢).

أقول : وهو الأقوى ؛ لتعدد الرواية به (٣) ، مع صحة بعضها وصراحتها ، وفي الغنية نفى الخلاف عنه (٤) ، لكنه لم يصرّح بمدّ ولا مدّين.

خلافاً للفاضلين في الشرائع والقواعد وغيرهما (٥) فقالوا إطعام عشرة لكل مداً ، وفاقاً لابن حمزة (٦) ؛ للخبر (٧).

وفيه ضعف سنداً ، ومتناً ، لتضمّنه ما لا يقول به أحد ، ودلالةً ، لعدم تصريح فيه بالمدّ ، وإنما غايته الإشباع وهو أعم منه ، ولكنه الغالب ، فليحمل عليه ، وضعف السند لعلّه عندهم مجبور بالشهرة ، كما حكاها شيخنا في المسالك ، فقال : الأول مشيراً إليه هو المشهور ، والثاني وأشار به إلى المختار مروي في الصحيح ، ولا يبعد القول بالتخيير (٨).

أقول : كما هو خيرة الماتن هنا والشهيد في الدروس والشيخ في‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) كشف اللثام ١ : ٤٠٩.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ١٦٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

(٥) الشرائع ١ : ٢٩٦ ، القواعد ١ : ٩٩ ؛ وانظر المنتهى ٢ : ٨١٥ ، والدروس ١ : ٣٨٢.

(٦) الوسيلة : ١٦٨.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٧ ، الوسائل ١٣ : ١٦٦ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ٢.

(٨) المسالك ١ : ١٤٥.

٤٤٤

التهذيبين ويحيى بن السعيد في الجامع (١) ، ولكنهما لم يذكرا المدّ ، بل الإشباع ، لكن المرجع بناءً على ما عرفت من الغالب واحد.

وفي الشهرة الجابرة نظر ، والمنقولة معارضة بالمثل ، بل وأكثر ، فقد ادّعاها على المختار جماعة ، منهم زيادةً على من مرّ السيّد في المدارك (٢) ، هذا مضافاً إلى التعدد والصراحة ، ولذا احتاط به الفاضل في المختلف (٣) ، ومنه يظهر ضعف ما عن النهاية والمبسوط (٤) من الاحتياط بالعشر.

وهنا قول آخر عن الشيخين في المقنعة والمبسوط والسرائر (٥) من ستة أمداد لستة ، ولم أعرف مستنده ، إلاّ مرسل الفقيه : « الصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين صاع من تمر » وروى : « مدّ من تمر » (٦).

وهو معارض بمثله ، بل وأصحّ وأكثر ، هذا والمحكي عن المقنعة في التهذيب : لكل مسكين مدّان (٧).

قيل : واقتصر سلاّر على قوله : من حلق رأسه من أذى فعليه دم ، وفي النزهة : إن التخيير إنما هو لمن حلق رأسه من أذى ، وإن حلقه من غير أذى متعمداً وجب عليه شاة من غير تخييره وهو قوي ؛ لاختصاص‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٨٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ، التهذيب ٥ : ٣٣٤ ، الجامع للشرائع : ١٩٥.

(٢) المدارك ٨ : ٤٣٩.

(٣) المختلف : ٢٨٥.

(٤) النهاية : ٢٣٣ ، المبسوط ١ : ٣٤٩.

(٥) المقنعة : ٤٣٤ ، المبسوط ١ : ٣٤٩ ، السرائر ١ : ٥٥٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٨٣ ، ١٠٨٤ ، الوسائل ١٣ : ١٦٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ٤ ، ٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٣.

٤٤٥

نصوصه بذلك ، مع الصحيح : « ومن نتف إبطه أو قلم أظفاره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة » (١) انتهى (٢).

وإلى ما قوّاه مال في المدارك ، معلّلاً بما ذكره ، إلاّ أن فيه : لكن قال في المنتهى : إن التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا أجمع (٣).

أقول : وظاهره الإجماع ، فيكفي في التعدي ، ويصرف إليه الصحيح الآمر بالشاة مع العمد بحمله على الوجوب المطلق الجامع للوجوب المخيّر.

( وفي نتف الإبطين ) معاً وهو السادس ( شاة ، وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين ).

للصحيح في الأول : « إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم شاة » (٤).

وللخبر في الثاني : في محرم نتف إبطه ، قال : « يطعم ثلاثة مساكين » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٩ / ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) كشف اللثام ١ : ٤٠٩.

(٣) المدارك ٨ : ٤٤٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٥ ، الوسائل ١٣ : ١٦١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١١ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١٦١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١١ ح ٢.

٤٤٦

ولا خلاف فيهما أجده ، إلاّ من بعض المتأخرين في الثاني (١) ؛ لضعف الخبر سنداً ، ومعارضته ببعض الصحاح المتقدمة : « إنّ من نتف إبطه متعمداً فعليه دم شاة » (٢).

وفيه نظر ؛ فإن الضعف منجبر بالعمل ، سيّما من نحو ابن زهرة والحلّي (٣) ممن لا يعمل بأخبار الآحاد الصحيحة ، فضلاً عن الضعيفة ، إلاّ بعد احتفافها بالقرائن القطعية ، فيترجح الرواية على الصحيحة ، سيّما مع اعتضادها بمفهوم الصحيحة الأُولى المشترطة في لزوم الشاة نتف الإبطين معاً ، ومقتضاه عدم لزومها بنتف أحدهما.

فلا وجه لإيجابها له أيضاً إلاّ ما في الذخيرة من عدم العبرة بهذا المفهوم ؛ لورود الشرط مورد الغالب ، إذ الغالب في نتف الإبط نتفهما معاً (٤). وهو حسن ، إلاّ أن الغلبة كما تدفع أثر المفهوم كذا تدفع أثر الإطلاق وتمنع رجوعه إلى العموم لغير الغالب.

ولا ريب أن الموجود في الصحيح الموجب للشاة بنتف الإبط ليس إلاّ نتف الإبط ، وهو وإن كان مطلقاً يصدق على نتف الإبط الواحدة ، إلاّ أنه لمّا كان الغالب من أفراده كما هو الفرض نتفهما معاً ، تعيّن الحمل عليه ، دون نتف الإبط الواحدة ، فلا داعي لإيجاب الشاة فيه من جهة الرواية ولا من غيرها.

وهذا الوجه وإن جرى في الرواية الضعيفة أيضاً فتخالف الإجماع‌

__________________

(١) كصاحب المدارك ٨ : ٤٤٢.

(٢) راجع الهامش (١) من نفس الصفحة.

(٣) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٥٤.

(٤) الذخيرة : ٦٢٣.

٤٤٧

والصحيحين الصريحين في إيجاب الشاة بنتف الإبطين ، إلاّ أنه لا ضير في ذلك بعد الإجماع على لزوم شي‌ء في نتف الإبط الواحدة أمّا الإطعام أو الشاة ، ولا دليل على الثاني مع مخالفته لأصالة البراءة ، فتعيّن الأول ، ويمكن جعل هذا الإجماع قرينة على رجوع الإطلاق في الرواية إلى خصوص غير الغالب تخصيصاً أو تجوّزاً ، وهما شائعان ، ولا بأس في المصير إليهما بعد تعذّر الحقيقة.

وألحق جماعة بنتف الإبطين حلقهما ، وكذا نتف الإبط الواحدة (١) ، وعلى هذا فيكون الحكم هنا مستثنى ممّا قدّمنا من أن في إزالة الشعر الشاة أو الإطعام أو الصيام كما قدّمناه.

والأقرب أن بعض الإبط ليس ككلّه ؛ للأصل ، وإرشاد الفرق بين الواحدة منهما والاثنتين.

( ولو مسّ لحيته أو رأسه فسقط من شعره ) شي‌ء ( تصدّق بكفّ من طعام ) أو كفّ من سويق ، كما في الصحيح (٢) ، وعليه الأكثر ، بل عن ظاهر المنتهى والتذكرة (٣) الإجماع.

والشي‌ء يعمّ شعرة وأكثر.

قيل : وأطلق المرتضى والديلمي سقوط شي‌ء من شعره بفعله من غير تخصيص بشعر اللحية والرأس (٤).

__________________

(١) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٦١ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٤٠ ، والسبزواري في الكفاية : ٦٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٧١ ، الإستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٦٩ ، الوسائل ١٣ : ١٧١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٨١٦ ، التذكرة ١ : ٣٥٤.

(٤) كشف اللثام ١ : ٤٠٩.

٤٤٨

أقول : وهذا الوجه لعموم بعض ما سيأتي من الصحيح.

وفي النهاية والمبسوط (١) : كفّ أو كفّان ؛ للخبر : إذا مسّ لحيته فوقع منها شعر ، قال : « يطعم كفاً من طعام أو كفين » (٢).

وفي الوسيلة والمهذّب (٣) : كفّان أخذاً بالأكثر احتياطاً.

وفي المقنع : إذا عبث المحرم بلحيته فسقط منها شعرة أو ثنتان فعليه أن يتصدق بكف أو كفين من طعام (٤). وهو كما ترى يحتمل معنيين.

وفي الجامع : صدقة (٥) ؛ للصحيح : « يطعم شيئاً » (٦).

وقريب منه آخر : « إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده » (٧).

والخبر : سأله أنه مولع بلحيته وهو محرم فتسقط الشعرات ، قال : « إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمراً وتصدّق به ، فإن تمرةً خير من شعرة » (٨).

أقول : وأصحّ هذه الأقوال هو الأول الذي عليه الأكثر ؛ إذ لا دليل على‌

__________________

(١) النهاية : ٢٣٣ ، المبسوط ١ : ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٦٩ ، الإستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٦٧ ، الوسائل ١٣ : ١٧٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ١ ، وفيه وفي التهذيب كما في نسخة « ق » : فوقع منها شعرة ..

(٣) الوسيلة : ١٧١ ، المهذب ١ : ٢٢٦.

(٤) المقنع : ٧٥.

(٥) الجامع : ١٩٤.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٧ ، التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٦٨ ، الوسائل ١٣ : ١٧١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦١ / ٩ ، الوسائل ١٣ : ١٧٣ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٩.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٦ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٤ ، الوسائل ١٣ : ١٧١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٤.

٤٤٩

الأقوال الأُخر سوى ما ذكر من الأخبار ، وإرجاعها إلى الصحيح ممكن بحمل صحاحها وغيرها المطلقة على المقيد ، وما تضمّن منها الكفّين على الاستحباب لتصريحه أيضاً بجواز الكف ، والتزام الكفين بعد ذلك لا وجه له ، إلاّ احتمال كون الترديد من الراوي فيجمل فيجب الأخذ بالمتيقن ، وفيه نظر ، لمخالفة الاحتمال الظاهر ، مع أن الصحيح المتقدم للأكثر يرفع الإجمال ، فلا وجه للاحتياط.

وهنا أخبار أُخر دالة على أنه لا شي‌ء (١) ، لكنها مع ضعفها وشذوذها محمولة على نفي المؤاخذة ، دون الكفارة.

( ولو كان ) سقوط الشعر ( بسبب ) المسّ لـ ( الوضوء للصلاة ) أو غيرها ( فلا كفارة ) واجبة ، وفاقاً للأكثر ؛ للصحيح : عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة والشعرتان ، فقال : « ليس بشي‌ء ما جعل عليكم في الدين من حرج » (٢).

وليس فيه تقييد الوضوء بكونه للصلاة كما في المتن ، بل هو مطلق يعمّ الوضوء لها ولغيرها ، بل التعليل فيه يقتضي عموم الحكم له وللغسل ، كما في الدروس (٣) ، تبعاً لجملة من القدماء كالخلاف والمبسوط والغنية والسرائر وغيرها (٤). ولا بأس به ، بل ولا بالتيمم وإزالة النجاسة كما في‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ١٧٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٧ ، ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٩ / ١١٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٧٠ ، الوسائل ١٣ : ١٧٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٦.

(٣) الدروس ١ : ٣٨٢.

(٤) الخلاف ٢ : ٣١٣ ، المبسوط ١ : ٣٥٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، السرائر ١ : ٥٥٤ ؛ وانظر المهذب ١ : ٢٢٦.

٤٥٠

المسالك وغيره (١).

قيل : وأطلق الصدوق والمرتضى والديلمي التكفير من غير استثناء ، ونصّ المفيد على أن من أسبغ الوضوء فسقط شي‌ء من شعره فعليه كفّ من طعام ، ولم يتعرّض لغيره ، قال : فإن كان الساقط من شعره كثيراً فعليه دم شاة ، وكذا قال الديلمي ، وكأنهما ألحقاه بالحلق (٢).

أقول : ولا ريب في ضعفه.

( و ) السابع : ( التظليل سائراً ) و ( فيه شاة ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد وغيرها (٣) ، وعن الكافي والغنية والمهذّب والجامع (٤) لكن في الأولين تظليل المحمل ، وأن على المختار لكل يوم شاة ، وعلى المضطر لجملة الأيام.

وعن المقنعة وجمل العلم والعمل والمراسم والنهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر (٥) دم.

والأخبار بكل من الدم والشاة كثيرة ، ولكن أكثرها تضمن الشاة وهي صحاح (٦) ، وبها يقيد الدم المطلق في الصحيح وغيره (٧) ، حملَ المطلق على‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٥ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٤٠٩.

(٢) كشف اللثام ١ : ٤٠٩.

(٣) الشرائع ١ : ٢٩٦ ، القواعد ١ : ١٠٠ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٤١٠.

(٤) الكافي في الفقه : ٢٠٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، المهذّب ١ : ٢٢٤ ، الجامع للشرائع : ١٩٤.

(٥) المقنعة : ٤٣٤ ، جمل العلم والعمل ( رسائل السيد المرتضى ٣ ) : ٧٠ ، المراسم : ١٢١ ، النهاية : ٢٣٣ ، المبسوط ١ : ٣٥٠ ، الوسيلة : ١٦٨ ، السرائر ١ : ٥٥٣.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٥ ، ٦.

(٧) الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ، وص ١٥٦ ب ٧ ح ١ ، ٢.

٤٥١

المقيد ، سيّما وأنها الظاهر منه عند الإطلاق.

وعلى جميع ذلك يقيد ما أُطلق فيه الفداء كالصحاح (١) ، أو الكفارة كما في صحيح علي بن جعفر : سألت أخي عليه‌السلام أُظلّل وأنا محرم ، فقال : « نعم وعليك الكفارة » قال : أي الراوي عن علي بن جعفر عليه‌السلام فرأيت علياً أي علي بن جعفر كما فهمه الأكثر إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل (٢).

لكن فعل علي بن جعفر ربما يكشف عن فهمه من الكفارة البدنة أو ما يعمّها وغيرها ، وحمله جماعة من الأصحاب على الاستحباب (٣). والأحوط الشاة ؛ للأمر بها في الصحاح ، مع تفسير الفداء بها في الصحيح (٤) ، وفعل علي بن جعفر فضية في واقعة لا حجة فيها ، سيّما وأن فعل مثله وكذا فهمه ليس بحجة ، سيّما في مقابلة الأخبار المعتبرة.

ثم الأخبار جملة مختصة بحال الضرورة كعبائر جملة من القدماء المحكية ، فلا يمكن التعدية إلى الاختيار بالإجماع ، ولا بالأولوية ؛ لما مرّ في بحث الصيد وقد عرفته.

وظاهرها عدم تكرر الكفارة بتكرر التظليل في النسك الواحد من الحج أو العمرة ، وبه صرّح جماعة (٥).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٤ ، ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١١٥٠ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٢.

(٣) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٤٨ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٦٢٣ ، والعلامة المجلسي في ملاذ الأخيار ٨ : ٢٥٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٩ ، التهذيب ٥ : ١١ / ١٠٦٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٦ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٥.

(٥) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٥ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٤٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢٣ ، والمحقق الفيض في المفاتيح ١ : ٣٣٥.

٤٥٢

وأصرح منها على ذلك دلالةً الصحيح : جعلت فداك إنه يشتد عليّ كشف الظلال في الإحرام لأني محرور يشتد عليّ حرّ الشمس ، فقال : « ظلّل وأرق دماً » فقلت له : دماً أو دمين؟ قال : « للعمرة؟ » قلت : إنا نحرم فندخل مكة فنحلّ ونحرم بالحج ، قال : « فأرق دمين » (١).

وموردها أجمع كما ترى المعذور. وألحق به جماعة المختار فلم يكرّروا عليه بتكرير التظليل في النسك الواحد الكفارة كالمضطر (٢) ، ولا ريب فيه ؛ للأصل ، بل مقتضاه عدم لزوم التكفير في حقه من أصله ، لكن ظاهر الأصحاب عدم القول بالفرق بينهما في ذلك ، بل مرّ عن الحلبيّين أنهما زادا عليه الكفارة ، فجعلا عليه لكل يوم شاة (٣) ، ولكن لم نجد مستنداً لهما في ذلك ، مع ندرته ، كالمحكي عن المقنع من أن لكل يوم مدّاً من طعام (٤) ؛ للخبر (٥).

وعن العماني إلحاق التظليل بالحلق لأذى ، فلا يتعين الشاة ، بل يتخير بينها وبين أخويها (٦) ؛ لآخر (٧).

وفي الخبرين ضعف سنداً ومكافأةً لما قدّمناه من الأدلة من وجوه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١١ / ١٠٦٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٦ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٧ ح ١.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢٣ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٤٨٢.

(٣) أبو الصلاح في الكافي : ٢٠٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

(٤) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٤١٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٢ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٨.

(٦) كما نقله عنه في المختلف : ٢٨٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٧ ، الوسائل ١٣ : ١٦٦ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ٢.

٤٥٣

شتّى.

( وكذا ) يجب شاة ( في تغطية الرأس ) للرجل ( ولو بالطين أو الاغتماس ) يعني الارتماس في الماء ( أو حمل ما يستره ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد والإرشاد وغيرها (١) ، وفي المدارك والذخيرة (٢) : إنه مقطوع به بين الأصحاب ، وفيهما وفي غيرهما عن المنتهى أنه لا خلاف فيه ، ونقل عن المبسوط والتذكرة أيضاً (٣) ، وفي الغنية الإجماع صريحاً (٤) ؛ وهو الحجة المعتضدة بعموم ما مرّ من الصحيح : « من لبس ما لا ينبغي له لبسه متعمداً فعليه شاة » (٥) لشموله للثوب الساتر للرأس ، ويلحق به غيره لعدم القائل بالفرق.

وعن الخلاف ما يدل على وجود رواية بذلك ، فإنه قال : إذا حمل على أسه مِكتلاً أو غيره لزمه الفداء ، دليلنا : ما روي فيمن غطّى رأسه أن عليه الفدية (٦).

لكن لم نجد الرواية ، وبه صرّح جماعة (٧) ، فهي إذاً مرسلة ، ومع‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٦ ، القواعد ١ : ٩٩ ، الإرشاد ١ : ٣٢٣ ؛ وانظر التحرير ١ : ١١٤.

(٢) المدارك ٨ : ٤٤٤ ، الذخيرة : ٦٢٣.

(٣) نقله عنهم في كشف اللثام ١ : ٤٠٩ ، وانظر المنتهى ٢ : ٨١٤ ، والمبسوط ١ : ٣٥١ ، والتذكرة ١ : ٣٣٦.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٩ / ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٩٩.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٤٤٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢٣ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٤٩٢.

٤٥٤

ذلك فلا دلالة فيها على الشاة ، فإذاً العمدة في الدلالة هو الإجماع كما عرفته في عبائر الجماعة ، مع عدم ظهور مخالف فيه لنا أيضاً بالكلية.

وفي الغنية ذكر تغطية رأس الرجل ووجه المرأة جميعاً ، وذكر أن على المختار لكل يوم شاة ، مدّعياً الإجماع. ونحوه عن الحلبي (١).

فإن تمّ الإجماع ، وإلاّ فالأصل يقتضي العدم ، والظاهر عدم الإجماع على التكرر لكل يوم وإن ادّعاه ، إذ لم نره إلاّ في عبارته ، والحلبي فيما حكي.

وفي الدروس : الأقرب عدم التكرر بتكرر تغطيته ، نعم لو فعل ذلك مختاراً تعدّدت ، ولا تتعدد بتعدد الغطاء مطلقاً (٢).

ووافقه الشهيد الثاني في جميع ذلك ، إلاّ أنه حكم بعدم التكرر لو اتّحد المجلس (٣).

ولا ريب أن ما ذكراه من التكرر أحوط وإن كان في تعيّنه نظر ؛ للأصل ، وفقد الإجماع على ما ذكراه وكذا النص ، وإلى هذا يميل جمع (٤) ، وهذا هو الثامن.

( و ) التاسع : ( الجدال ، ولا كفارة فيما دون الثلاث ) مرّات منه إذا كان فيه ( صادقاً ، وفي الثلاث ) منه كذلك ( شاة ) على المشهور ، بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف يعتدّ به ؛ للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٠٤.

(٢) الدروس ١ : ٣٧٦.

(٣) المسالك ١ : ١٤٥.

(٤) منهم : الأردبيلي مجمع الفائدة ٧ : ٥١ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٤٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٩.

٤٥٥

الدالة على الحكمين (١) ، منطوقاً في أحدهما ومفهوماً في الآخر ، لكنها مختلفة في تقييد الثلاث بالمتتابعات في مقام واحد كما في أكثرها ، أو إطلاقها وخلوّها عنه كما في الصحيح وغيره.

ومقتضى الأُصول في الجمع بينها وجوب حمل مطلقها على مقيدها ، كما يميل إليه بعض المتأخرين حاكياً له عن العماني (٢). ولا بأس به إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، ولكن الظاهر انعقاده ؛ لشذوذ قول العماني وندوره ، مع أن إطلاق كلامه المحكي يعمّ الصادق والكاذب ، والنصوص المزبورة مصرّحة بخلافه واختصاصه بالأول دون الثاني وإن اختلفت في بيان ما يجب فيه.

فالنصوص المقيدة على هذا التقدير لا قائل بها ، وقول العماني لم نجد له دليلاً على إطلاقه ، فإذاً المتجه ما عليه الأكثر ويتعين القول به.

وأما ما ورد بأن « من جادل وهو صادق فلا شي‌ء عليه » (٣) فمحمول على ما دون الثلاث ، حملاً للمطلق على المقيد ، مع أنه المتبادر من المطلق.

أو على ما لو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل ، ففي الدروس إن الأقرب جوازه وانتفاء الكفارة فيه (٤) ، وتبعه جماعة من المتأخرين (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٤٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١.

(٢) المدارك ٨ : ٤٤٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٦ ، الإستبصار ٢ : ١٩٧ / ٦٦٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٨.

(٤) الدروس ١ : ٣٨٧.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٤٤٦ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٤٢ ، وانظر الذخيرة : ٦٢٤.

٤٥٦

أو على ما إذا كان في طاعة الله تعالى وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك كما عن الإسكافي والفاضل (١).

ولا دليل يعتدّ به على شي‌ء من هذين القولين ، فيتعين الأول عملاً بإطلاق الأدلة والفتاوي.

ثم إن إطلاقهما بنفي الشي‌ء والكفارة فيما دون الثلاث يعمّ الدم وغيره حتى الاستغفار ، خلافاً للمحكي عن الشيخين وغيرهما (٢) فأوجبوا الاستغفار ، قيل : لعموم الكتاب والسنّة (٣).

وهو حسن ، لولا ظهور بعض الأخبار بأنه لا جدال بالواحدة الصادمة أو بالثنتين :

ففي الصحيح : « إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد وهو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه ويتصدق به ، وإذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ويتصدق به » الخبر (٤). ونحوه غيره (٥).

ولكن الاستغفار أحوط إن لم نقل بكونه المتعين ، بناءً على أن الظاهر أنه لا خلاف في صدق الجدال بالمرة مثلاً حقيقةً ، كما هو ظاهر كثير من الأخبار أيضاً ، فيتحقق به الذنب وكفارته الاستغفار بلا خلاف. ولا ينافيه إطلاقهم نفي الكفارة فيما دون الثلاث هنا ؛ لأن الظاهر أن مرادهم من الكفارة في أمثال المقام ما عدا الاستغفار‌

__________________

(١) المختلف : ٢٧١ وقد حكاه فيه عن الإسكافي أيضاً.

(٢) حكاه عنهم : في كشف اللثام ١ : ٤١٠ ، وانظر المقنعة : ٤٣٥ ، والنهاية : ٢٣٣ ، والسرائر ١ : ٥٥٣.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤١١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٤٦ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٤ ، الوسائل ١٣ : ١٤٦ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٤.

٤٥٧

( وفي المرّة ) من الجدال ( كذباً شاة ، وفي المرّتين بقرة ، وفي الثلاث بدنة ) على الأشهر ، بل لا خلاف فيه يعتدّ به يظهر ولا إشكال في الأول ؛ لما مرّ من الصحيح ونحوه الموثق وغيره ، فإنها صريحة فيه.

وأما الأخيران فيشكل الحكم فيهما ؛ لعدم وضوح دليلهما ؛ مع أن في الصحيح : « إذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة ، وعلى المخطئ بقرة » (١) ومقتضاه وجوب البقرة في الزائد على المرتين.

ونحوه آخر (٢).

ومال إلى العمل بهما في المدارك فقال : وينبغي العمل بهما ؛ لصحة سندهما ووضوح دلالتهما (٣).

وهو حسن إن وجد القائل بهما ، وإلاّ فشاذان يجب طرحهما ؛ مع أنه يمكن الاستدلال للمشهور في البقرة بما رواه العيّاشي في تفسيره كما في الوسائل ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « من جادل في الحج فعليه إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع إن كان صادقاً أو كاذباً ، فإن عاد مرّتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة » الحديث (٤).

وخروج صدره عن الحجية بالإجماع من وجهين لا يوجب خروج‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨ ، الوسائل ١٣ : ١٤٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٣ ، الوسائل ١٣ : ١٤٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٦.

(٣) المدارك ٨ : ٤٤٥.

(٤) تفسير العياشي ١ : ٩٥ / ٢٥٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ١٠ وفيهما : فعليه إطعام ستة مساكين.

٤٥٨

الباقي عنها كما قرّر في محله ، وهو صريح في وجوب البقرة في المرتين من الجدال كذباً.

وفي البدنة بالصحيح أو الموثق : « إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمداً فعليه جزور » (١).

وهو وإن كان مطلقاً يشمل المرة الأولى والثانية ، لكنهما مخرجتان عنه بالأخبار المتقدمة ، فيتعين تقييده بالمرة الثالثة ، وهو أولى من حمله على الاستحباب كما مرّ غير مرة.

هذا ، مع تأيد الحكم فيهما ، بل في جملة الأحكام المتقدمة في الجدال بأقسامه ، بالرضوي فيما حكي ، وفيه : « واتّق في إحرامك الكذب [ و ] اليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال الذي نهى الله سبحانه » إلى أن قال : « فإن جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شي‌ء عليك ، وإن جادلت ثلاثاً وأنت صادق فعليك دم شاة ، وإن جادلت مرة وأنت كاذب فعليك دم شاة ، وإن جادلت مرتين كاذباً فعليك دم بقرة ، وإن جادلت ثلاثاً وأنت كاذب فعليك بدنة » (٢).

فإذاً المشهور في غاية القوة ، وعليه فإنما تجب البقرة بالمرتين والبدنة بالثلاث إذا لم يكن كفّر عن السابق ، فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة ، أو اثنتين فالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداءً أو بعد التكفير ، فللمرة شاة ، وللمرتين بقرة ، وللثلاث بدنة ، وبذلك أيضاً صرّح جماعة (٣) ، من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٩.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٧ ، المستدرك ٩ : ٢١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٢٣ ح ٥.

(٣) منهم : صاحبو المدارك ٨ : ٤٤٦ ، والذخيرة : ٦٢٣ ، والحدائق ١٥ : ٤٦٩ ؛ وانظر جامع المقاصد ٣ : ٣٥٩ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٥٧.

٤٥٩

غير خلاف بينهم أجده.

واعلم أن ظاهر المتن هنا عدم وجوب الكفارة في غير ما مرّ لقوله : ( وقيل : في ) استعمال ( الدهن الطيّب ) أي الذي فيه طيب ( شاة ) والقائل الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (١) ، نافياً عنه الخلاف كما مرّ في كفارة الطيب ، والسرائر والفاضل (٢) ، مدعياً عليه في المنتهى على لزوم الفدية فيه الإجماع ، وتبعهم جماعة (٣) من غير خلاف فيه بينهم بل مطلقاً أجده ، إلاّ من الماتن هنا في الشرائع (٤) والكتاب ، مع أنه أوجبها في بحث كفارة الطيب (٥).

وهو الوجه ؛ للإجماع المنقول الذي هو العمدة في إيجابها في الطيب مطلقا ، فإنه شامل لما نحن فيه ، بل إجماع الخلاف صريح فيه.

مضافاً إلى تأيده بالصحيح المقطوع : في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، فقال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه » (٦).

وإن كان في الاستدلال به نظر ، لأنه مقطوع ، لا مضمر كما قيل ـ (٧)

__________________

(١) النهاية : ٢٣٥ ، المبسوط ١ : ٣٥٠ ، الخلاف ٢ : ٣٠٣.

(٢) السرائر ١ : ٥٥٥ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٧٨٧.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٦ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٣٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٢١ ، والكفاية : ٦٥.

(٤) الشرائع ١ : ٢٩٧.

(٥) الشرائع ١ : ٢٩٥ ، المختصر النافع : ١٠٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨ ، الوسائل ١٣ : ١٥١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٥.

(٧) كشف اللثام ١ : ٤١٠.

٤٦٠