رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

القولين (١) ، وظاهره دعوى اتفاقهما عليه تأييد للقول بالحرمة في المسألة المتقدمة وإن توهّمه بعض الأجلة (٢).

هذا ، مع أنه ليس في الموثقة ذكر موت الصيد في الحرم كما ذكره الفاضلان ، بل هي مطلقة كالتهذيب والاستبصار ، فإذاً هي أعم من المدّعى في كلامهما ، ولا يقولان بعمومها.

وبذلك يجاب عما استدل به في الاستبصار لوجوب الفداء ممّا يأتي قريباً من الأخبار الدالة على ضمان الصيد بين البريد والحرم ؛ وذلك لأنه أعم من قصد الصيد الحرم ، بل ومن موته فيه أيضاً ، فلا دخل لتلك الأخبار هنا ، بل هي تناسب مسألة أُخرى اختلف فيها أيضاً أشار إليها بقوله :

( ويكره الصيد بين ) منتهى ( البريد و ) أول ( الحرم ) أي خارج الحرم إلى بريد ، ويسمّى حرم الحرم ، على الأظهر الأشهر ، كما في كلام جمع ممن تأخر (٣) ، وفاقاً للحلّي (٤) ؛ للأصل ، وفحوى الصحيح الذي مرّ ، السالمين عن المعارض ، سوى الخبرين (٥) :

أحدهما الصحيح : « إذا كنت مُحلاًّ في الحلّ فقتلت صيداً فيما بينك وبين البريد إلى الحرم فإن عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٤٢.

(٢) وهو صاحب الحدائق ١٥ : ٣٠٤.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٤٢ ، والسبزواري في كفاية الأحكام : ٦٤ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٣٠٤.

(٤) السرائر ١ : ٥٦٧.

(٥) الأول : الكافي ٤ : ٢٣٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦١ / ١٢٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٥ ، الوسائل ١٣ : ٧١ أبواب كفارات الصيد ب ٣٢ ح ١. الثاني : التهذيب ٥ : ٤٦٧ / ١٦٣٢ ، الوسائل ١٣ : ٧٢ أبواب كفارات الصيد ب ٣٢ ح ٢.

٣٨١

تصدّقت بصدقة » وليس نصّاً في الوجوب ، فليحمل على الاستحباب جمعاً.

خلافاً للشيخين والقاضي وابن حمزة فيما حكي (١) فمنعوا عنه ؛ أخذاً بالخبرين ، وفيه ما عرفته في البين.

والعجب من بعض المتأخرين حيث مال إلى المنع هنا لهذا الصحيح ، قائلاً بعد أن نقل الجواب عنه بالحمل على الاستحباب عن المتأخرين : وهو مشكل ، لانتفاء المعارض (٢).

مع أن المعارض ، وهو الصحيح السابق الصريح في الجواز فحوًى أو إطلاقاً ، وأفتى به سابقاً أيضاً موجود ، وليس بعد ذلك إلاّ غفلته عنه هنا ، وإلاّ فالعمل بالصحيحين هنا وسابقاً ممّا لا يجتمعان ، بل لا بدّ من صرف هذا إلى ذلك بما قدّمنا ، أو بالعكس بنحو ما ذكره الشيخ في كتابي الحديث ، وقد تقدم نقله عنه سابقاً.

ولا ريب أن ما قدّمنا أولى من وجوه شتّى ، سيّما مع اعتضاده بقوله تعالى ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٣) فإن مفهومه عدم حرمة صيد البرّ ما دمتم محلّين ، خرج منه صيد الحَرَم إجماعاً فتوًى ونصاً ، وبقي الباقي ومنه ما نحن فيه تحت العموم مندرجاً ، والعام المخصَّص حجة في الباقي على الأشهر الأقوى ، ولذا استدل به الفاضل في المختلف على الجواز (٤) ، وهو في محلّه.

__________________

(١) حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠١.

(٢) انظر المدارك ٨ : ٣٨١.

(٣) المائدة : ٩٦.

(٤) المختلف : ٢٧٨.

٣٨٢

وعلى المختار يستحب الفداء ، والتصدق بصدقه لو فقأ عينه أو كسر قرنه ؛ للأمر به في الصحيح المحمول على الاستحباب جمعاً كما مضى ، لما مضى ، وإن كان الأحوط الوجوب ، فعن الخلاف الإجماع عليه (١) ، ولكن الأظهر الأشهر الاستحباب ، وهو خيرة الماتن هنا لقوله :

( ويستحب الصدقة بشي‌ء لو كسر قرنه أو فقأ عينه ) وفاقاً للحلّي (٢).

وليس في المتن ونحوه التعرض لغير الجنايتين ؛ لعدم النص ، وأصالة البراءة تقتضي عدم ترتب الكفارة في غيرهما وإن قلنا بحرمة الجناية ، إذ لا تلازم بينها وبين لزوم الكفارة.

( والصيد المربوط في الحلّ يحرم إخراجه لو دخل الحرم ).

لعموم ( مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٣).

والمعتبرة المستفيضة عموماً كالصحيح : عن ظبي دخل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يمسّ ، لأن الله تعالى يقول( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٤).

وخصوصاً كالخبر : عن رجل أصاب صيداً في الحلّ فربطه إلى جانب الحرم ، فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه ، فاجترّه الرجل بحبله حتى أخرجه والرجل في الحلّ من الحرم ، فقال : « ثمنه ولحمه حرام مثل الميتة » (٥).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٤٢٣.

(٢) لم نعثر عليه في السرائر. انظر السرائر ١ : ٥٦٤.

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧٠ / ٧٤٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٨ ، الوسائل ١٣ : ٧٥ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٨ / ٣٠ ، التهذيب ٥ : ٣٦١ / ١٢٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٥ ح ١.

٣٨٣

( ويضمن المحلّ لو رمى الصيد من الحرم فقتله في الحلّ ، وكذا لو رماه من الحلّ فقتله في الحرم ) أو أصابه وبعضه في الحرم.

( و ) كذا ( لو كان الصيد على غصن في الحلّ واصلة في الحرم ضمنه القاتل ) والعكس.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة كما ستعرفه.

أما الأول فلعموم أدلة الجزاء على القاتل في الحرم ؛ ولأن كونه في الحرم هو الذي أفاده الحرمة والأمن ؛ وللإجماع كما في ظاهر المدارك والذخيرة (١) ، وصريح المحكي عن المنتهى والتذكرة (٢).

قيل : وعن أحمد في رواية لا ضمان (٣).

ومنه أن يرميه وهما في الحلّ فدخل الصيد في الحرم ثم أصابه السهم كما في التذكرة (٤).

وأما الثاني فللإجماع ، كما في الكتب المتقدمة ، والحسن ، بل الصحيح في ذلك فقال : « عليه الجزاء ، لأن الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم » (٥).

قيل : ولم يضمن الشافعي والثوري وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في رواية (٦).

__________________

(١) المدارك ٨ : ٣٨٢ ، الذخيرة : ٦١٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٠٦ ، التذكرة ١ : ٣٣١ ، حكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ٤٠١.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤٠١.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣١.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٥ / ١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٦ ، الوسائل ١٣ : ٧٢ أبواب كفارات الصيد ب ٣٣ ح ١.

(٦) كشف اللثام ١ : ٤٠١.

٣٨٤

وأما الثالث فللإجماع كما في الخلاف والجواهر (١) ، وتغليب الحرام.

وأما الباقيان فللإجماع كما عنهما في الأول ، وعن التذكرة والمنتهى (٢) في العكس ؛ وتغليب الحرام ؛ والقوي : عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحلّ على غصن منها طير رماه رجل فصرعه ، قال : « عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم » (٣).

ويرشد إليه الصحيح : عن شجرة أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم ، قال : « حرام أُصلها لمكان فرعها » (٤).

( ومن أدخل صيداً في الحرم وجب عليه إرساله ، ولو تلف في يده ضمنه ، وكذا لو أخرجه ) من الحرم ( فتلف قبل الإرسال ) كل ذلك بالإجماع الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (٥) في الأول ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

ففي الصحيح : عن الصيد يصاد في الحلّ ثم يجاء به إلى الحرم وهو حيّ ، قال : « إذا أخله الحرم فقد حرم عليه أكله وإمساكه ، فلا يشترينّ في الحرم إلاّ مذبوحاً ذبح في الحلّ ثم جي‌ء به إلى الحرم مذبوحاً فلا بأس به للحلال » (٦).

وفيه : عن رجل اهدي له حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم ، فقال :

__________________

(١) الحاكي عنهم جميعاً هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠١ ، وهو في الخلاف ٢ : ٤٤٩ ، وجواهر الفقه : ٤٧.

(٢) الحاكي عنهم جميعاً هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠١ ، وهو في الخلاف ٢ : ٤٤٩ ، وجواهر الفقه : ٤٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٧ ، الوسائل ١٢ : ٥٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٩٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٦٥ / ٧١٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢١ ، الوسائل ١٢ : ٥٥٩ أبواب تروك الإحرام ب ٩٠ ح ١.

(٥) كالمدارك ٨ : ٣٨٣ ، وكشف اللثام ١ : ٤٠١.

(٦) الكافي ٤ : ٢٣٣ / ٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٦.

٣٨٥

« إن هو أصاب منه شيئاً فليتصدق بثمنه نحواً مما كان يسوي في القيمة » (١).

وفي الحسن : عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن أمسكه حتى مات فعليه الفداء » (٢) وهو يعمّ ما لو تلف في يده في الحرم أو خارجه.

وفي الخبر : « إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت ، وإذا أدخلت مكة فليس لك أن تخرجه » (٣).

( ولو كان طائراً مقصوصاً حفظه ) وجوباً ( حتى يكمل ريشه ثم أرسله ) بغير خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٤) ؛ للمعتبر ، وفيها الصحاح وغيرها :

ففي الصحيح : فيمن أصاب طيراً في الحرم : « إن كان مستوي الجناح فليخلّ عنه ، وإن كان غيره مستو نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوى جناحه خلّى عنه » (٥).

وفيه : في رجل اهدي إليه حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم ، فقال : « إن كان مستوياً خلّيت سبيله ، وإن كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله » (٦) ونحوهما آخر (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٢ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣١ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٨ / ٢٧ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٩ ، الوسائل ١٣ : ٧٥ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٩ / ١٢١٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٩ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٥.

(٤) الذخيرة : ٦١٧.

(٥) الفقيه ٢ : ١٦٧ / ٧٣٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١٢.

(٧) الكافي ٤ : ٢٣٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٨ / ٧٣٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٠ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ٢.

٣٨٦

والخبران (١) ، ويستفاد منهما جواز إيداعه من مسلم ولو امرأة كما في أحدهما ، مع التقييد بلا بأس بها ؛ ولذا اعتبر الفاضل العدالة فيه في المنتهى (٢).

وذكر جماعة (٣) أنه لو أرسله قبل ذلك ضمنه مع تلفه أو اشتباه حاله ؛ لأن ذلك بمنزلة الإتلاف.

وهل يلحق بالطائر ما يشاركه كالفرخ؟

قيل : لا ؛ لعدم النص (٤). وقيل : نعم ؛ لأن إرساله في معنى إتلافه (٥).

وهو مشكل فيما إذا كان مأيوساً عن عوذة إلى الصحة ؛ لما في حفظه ومئونته من الحرج البيّن وإن كان أحوط.

( وفي تحريم حمام الحرم ) على المُحلّ ( في الحلّ ) كما عن النهاية والتهذيب وحجّ المبسوط والتحرير والتذكرة والمنتهى (٦) ، وفي المسالك والمدارك وغيرهما (٧) ، أم العدم ، كما عن صيد الخلاف والمبسوط والسرائر (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٧ / ٢٤ ، ٢٣٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ١٦٩ / ٧٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٢ ، ٣٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٢ ح ١٠ ، ١٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٠٦.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٨٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠١ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٣١١.

(٤) قاله في المسالك ١ : ١٤٢.

(٥) قاله في جامع المقاصد ٣ : ٣٣٩.

(٦) النهاية : ٢٢٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٨ ، المبسوط ١ : ٣٤١ ، التحرير ١ : ١١٨ ، التذكرة ١ : ٣٣٢ ، المنتهى ٢ : ٨٠٦.

(٧) المسالك ١ : ١٤٢ ، المدارك ٨ : ٣٨٦ ؛ وانظر المفاتيح ١ : ٣٨٩ ، والحدائق ١٥ : ٣١١.

(٨) الخلاف ٢ : ٥٢٣ ، المبسوط ٦ : ٢٧٥ ، السرائر ٣ : ٨٧ ، وحكاه عن الجميع في كشف اللثام ١ : ٤٠٢.

٣٨٧

( تردّد ) من عموم ما ورد في تحريم صيد الحرم ، وخصوص الصحيح : « لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنه من حمام الحرم » (١).

وقريب منه المروي عن قرب الإسناد وغيره (٢) : عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحلّ فيذبحه فيدخل الحرم فيأكله؟

قال : « لا يصلح أكل حمام الحرم على كل حال ». ومن الأصل ، ومنع عموم حمام الحرم ، إذ المسلّم منه الإطلاق ، والمتبادر منه ما كان في الحرم.

ومعارضةِ الصحيح بالصحيح : عن قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) قال : « من دخل الحرم مستجيراً به كان آمناً من سخط الله تعالى ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم » (٣) فإن مفهومه جواز الإيذاء إذا خرج من الحرم ، وهو الموافق لما تقرّر في الإنسان الملتجئ به أيضاً.

وضعفِ دلالة « لا يصلح » فيما بعد الصحيح على المنع ، واحتمال الكراهة ، بل وظهوره فيها.

وبها يجمع بين الصحيحين بحمل النهي في أوّلهما على الكراهة ، والثاني على الرخصة ، فهو أولى من الجمع بينهما بحمل النهي على الحرمة وتقيد مفهوم الصحيح الثاني بما عدا الحمام ، لتضمنه الطير ، والغالب فيه الحمام ، فيبعد غاية البُعد تخصيصه أو تقييده بغيره.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ٤.

(٢) قرب الإسناد : ٢٧٨ / ١١٠٣ ، مسائل علي بن جعفر : ١٠٨ / ١٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٢ أبواب تروك الإحرام ب ٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٢٢٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٦٣ / ٧٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٤ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ١.

٣٨٨

ولو سلّم فغاية الأمر تعارض الجمعين ، ولا مرجّح في البين ، فيرجع إلى حكم الأصل ، وهو البراءة.

فإذاً ( أشبهه ) الجواز مع ( الكراهة ) أما الأول فلما مرّ ؛ وأما الثاني فللاحتياط ، مع أنه أقلّ مراتب النهي « ولا يصلح » المتقدمين.

( ومن نتف ريشة من حمام الحرم ) بيده ( فعليه صدقة يسلّمها بتلك اليد ) الجانية التي نتفها بها إلى مسكين إن نتف باليد كما في النص (١) ، المقطوع به بين الأصحاب على الظاهر ، المصرَّح به في الذخيرة والمدارك (٢).

وفي التحرير وعن التذكرة والمنتهى (٣) : أنه إن تعدد الريش فلو كان بالتفريق فالوجه تكرر الفدية ، وإلاّ فالأرش.

قيل : لأنه في الأول نتف كل مرة ريشة ، بخلاف الثاني ، لكن الأرش إنما يتم إن نقصت القيمة ، وإلاّ فكالأول ، وخصوصاً الخبر في الكافي والفقيه فيمن نتف حمامة ، لا في من نتف ريشة ، واستظهر الشهيد التكرر مطلقاً.

وعن مالك وأبي حنيفة جميع الجزاء إذا تعدّد الريش.

وفي الدروس : ولو حدث بالنتف عيب ضمن الأرش مع الصدقة ، قال : والأقرب عدم وجوب تسليم الأرش بيد الجانية ، قال : وفي التعدي إلى غيرها يعني الحمام وإلى نتف الوبر نظر ، ويمكن هنا الأرش. قلت : إن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٥ / ١٧ ، الفقيه ٢ : ١٦٩ / ٧٣٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢١٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ٥.

(٢) الذخيرة : ٦١٧ ، المدارك ٨ : ٣٨٦.

(٣) التحرير ١ : ١١٧ ، التذكرة ١ : ٣٤٨ ، المنتهى ٢ : ٨٢٨.

٣٨٩

حصل النقص ، وحينئذ فالحمام كذلك.

وفي المقنعة والمراسم وجمل العلم والعلم : نتف ريش طائر من طيور الحرم ، وفي الجامع : نتف ريشه من طير الحرم.

ولا يسقط الصدقة ولا الأرش بالنبات ، خلافاً لبعض العامة (١).

( وما يذبح من الصيد في الحرم ميتة ) حرم أكله على المحرم والمُحلّ ، سواء ذبحه المحرم أو المُحلّ ، أكلاه في الحرم أو في الحلّ بلا خلاف ، وقد مرّ نقل الإجماع عليه في المحرم ، والمقصود هنا ذبح المُحلّ ، ولا ريب في تحريمه عليهما مطلقاً ، بل في صريح المدارك وظاهر غيره (٢) الإجماع على كونه ميتة.

( ولا بأس بما ) أي بصيد ( يذبح ) ـه ( المُحلّ في الحلّ ) للمُحلّ ، فيحلّ عليه وإن أكله في الحرم ، دون المحرم فيحرم عليه مطلقاً.

والأصل في الأحكام المزبورة الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٣).

ومما يتضمن الأحكام الثلاثة الصحيح : في حمام ذبح في الحلّ ، قال : « لا يأكله محرم ، وإذا ادخل مكة أكله المحلّ بمكة ، وإذا دخل الحرم حياً ثم ذبح في الحرم فلا تأكله ، لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه » (٤).

وتحريم الأكل وإن كان أعم من الحكم بكونه ميتة إلاّ أنه هنا يستلزمه بالإجماع كما مرّ ، مضافاً إلى صريح الخبر : « إذا ذبح المحرم الصيد في غير‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠١.

(٢) المدارك ٨ : ٣٨٨ ؛ مفاتيح الشرائع ١ : ٣٩١ ، وانظر الحدائق ١٥ : ٣١٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٢٣ أبواب تروك الإحرام ب ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٦ / ١٣١٠ ، الإستبصار ٢ : ٢١٣ / ٧٢٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٥ ح ٤.

٣٩٠

الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا محرم ، وإذا ذبح المُحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا محرم » (١) وقصور السند مجبور بالعمل.

( وهل يملك المُحلّ صيداً في الحرم ) أم لا؟ فيه تردّد وقولان للماتن ، اختار الثاني في الشرائع (٢) ، والأول هنا فقال : ( الأشبه أنه يملك ) وهو الأظهر ، بل المشهور ، كما في بعض شروح الشرائع (٣) ، حاكياً له عن أبي العباس فقال : قال أبو العباس (٤) في شرحه أي على الكتاب هذا هو المشهور ، ولا أعرف فيه مخالفاً ، وذهب المصنف في الشرائع إلى أنه لا يملك.

إلى أن قال : أما ثبوت الملك ووجوب الإرسال فهو المشهور كما قاله أبو العباس ؛ إذ لا مانع منه ، ووجوب الإرسال لا ينافي الملك.

وأما وجه اختيار المصنف وهو عدم الملك لأن ثبوت الملك يستلزم التصرف ، فمع وجوب الإرسال وعدم جواز التصرف فلا يظهر للملك فائدة ، فلا يدخل في ملكه. وهو ضعيف ؛ لاجتماع الملك وعدم جواز التصرف ، كما في أُمّ الولد ، والرهن ، وتملّك المحرّمات نسباً وخروجهم عن الملك في ثاني الحال.

وقد يجاب عن المصنف بأن تملّك هذه الأشياء لا يخلو عن الفائدة ، أما الرهن وأُمّ الولد ففائدتهما ظاهرة ، لأن الرهن مملوك ويباع بدينه مع الإعسار ويفكّه مع اليسار ، ففائدته ظاهرة له ، وأما أُمّ الولد فهي مملوكة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ / ٧٣٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٥.

(٢) الشرائع ١ : ٢٩٢.

(٣) الظاهر أن المراد هو غاية المرام في شرح الشرائع للصيمري ، وهو مخطوط.

(٤) هو : ابن فهد الحلّي في المهذب البارع ٢ : ٢٧١.

٣٩١

يتصرف فيها بجميع أنواع التصرف عدا البيع ، ففائدتها ظاهرة أيضاً.

وأما فائدة تملّك المحرّمات مع خروجهم عن الملك في ثاني الحال فهي أعظم الفوائد وأجلّها ، وهي إنقاذ الرحم من الملكية وإخراجه من ذلّ الرق إلى عزّ الحرّية.

وأما تملك الصيد مع وجوب الإرسال فلا يتصور فيه شي‌ء من الفوائد الدينية لا الدنيوية فوجب أن لا يدخل في الملكية.

وقد يجاب عن منع فائدة تملّك الصيد مع وجوب الإرسال بأنه لا يخلو عن الفائدة ولو لم تكن حاضرة ، فهي مقدّرة ، وهي تتقدر بوجوه ، وذكر منها وجوهاً ثلاثة ، وقد قدّمنا سابقاً إلى بعضها الإشارة.

وما ذكره رحمه‌الله في تحقيق المسألة قولاً ودليلاً لا مزيد عليه ولا مزيّة ، فلذا اكتفينا به في شرح العبارة.

ومنه يظهر ما في كلام بعض من نسبة قول الشرائع هنا إلى الأكثر من الضعف ، سيّما ولم نر قائلاً به سوى الماتن في الشرائع ، ولم يحك إلاّ عنه ، وقد رجع عنه.

( و ) أما إنه ( يجب ) عليه ( إرسال ما يكون معه ) من الصيد فلا خلاف فيه نصاً وفتوى على الظاهر ، المصرَّح به في بعض العبائر (١) ، بل في بعضها الإجماع (٢).

وفي قوله : « معه » إيماء إلى اختصاص وجوب الإرسال المتوهم منه عدم الملك بالصيد الحاضر ، دون النائي ، وهو كذلك ، وبه صرّح جماعة (٣) ،

__________________

(١) انظر التنقيح الرائع ١ : ٥٥٥.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٢٧٢ ، كشف اللثام ١ : ٤٠١.

(٣) منهم : الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٢١ ، وصاحبا المدارك ٨ : ٣٩١ ، والحدائق ١٥ : ١٧٠.

٣٩٢

وإن أوهم عبارة الماتن في الشرائع خلافه وعموم القول بالمنع عن الملك للحاضر معه والنائي عنه (١) ، ولكن عبارته تقبل الانطباق لما هنا ، كما صرّح به في المسالك (٢) ، وارتضاه منه سبطه معنىً لا لفظاً (٣) ، وهو كذلك.

( الثالث : في ) بيان ما يترتب على ( باقي المحضورات ) التي يترتب عليها الكفارة‌ ( وهي تسعة : )

الأول : ( الاستمتاع بالنساء ) وما يلحق به ( فـ ) اعلم أن ( من جامع أهله قبل ) إدراك ( أحد الموقفين ) من عرفة ومشعر ( قبلاً أو دبراً ) للجماع ، ذاكراً للإحرام ( عالماً بالتحريم أتمّ حجه ، ولزمه بدنة ، والحج من قابل ، فرضاً كان حجه ) الذي أفسده ( أو نفلاً ) وجوباً في جميع ذلك ، بإجماع العلماء عليه في الجملة ، كما في كلام جماعة (٤) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٥) ، ولكن اختلفوا في أُمور :

منها ما في العبارة من تعميم الحكم للوقاع قبل المشعر بعد الاتفاق على ثبوته له قبل عرفة ، فالأكثر على العموم ، ومنهم السيّدان في الرسيّة والانتصار والغنية ، والقاضي في الجواهر وجمل العلم والعمل (٦) ، مدّعيين‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٢.

(٢) المسالك ١ : ١٣٩.

(٣) المدارك ٨ : ٣٩٠.

(٤) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٨٣٥ ، وصاحب المدارك ٨ : ٤٠٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٢٧ ؛ وانظر التنقيح ١ : ٥٥٦.

(٥) الوسائل ١٣ : ١١٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣.

(٦) المسائل الرسية ( رسائل السيد المرتضى ٢ ) : ٣٣٤ ، الانتصار : ٩٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، جواهر الفقه : ٤٥ ٤٤ ، شرح جمل العلم والعمل : ٢٣٥.

٣٩٣

الإجماع عليه كالشيخ فيما حكي (١).

وهو الأظهر ؛ لاستفاضة نقل الإجماع عليه ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها الدالة عليه عموماً وخصوصاً :

ففي الصحيح : « إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل » (٢).

وفيه : عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ؛ وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحج من قابل » (٣).

خلافاً للمفيد والديلمي والحلبي (٤) ، فخصّوه بمورد الوفاق ؛ لحديث : « إن الحج عرفة » (٥).

وهو ضعيف سنداً ودلالةً ، ومعارض بأجود منه بحسبهما ، فليحمل على أن الراد كونه أعظم الأركان.

قيل : وكذا قوله عليه‌السلام : « من وقف بعرفة فقد تمّ حجه » إن سلم يحتمل أنه يكفي إدراكه ويفيد أنه قارب التمام كقوله عليه‌السلام : « إذا رفع الإمام‌

__________________

(١) حكاه عنهم فاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٩ ، الوسائل ١٣ : ١١٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥ ، الوسائل ١٣ : ١١٠ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢.

(٤) المفيد في المقنعة : ٤٣٣ ، الديلمي في المراسم : ١١٨ ، الحلبي في الكافي : ٢٠٣.

(٥) عوالي اللئلئ ٢ : ٢٣٦ / ٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣.

٣٩٤

رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمّت صلاته » (١).

ويمكن الحمل على التقية ، لما عن التذكرة من قول العامة بفوت الحج عمن فات عرفه مطلقاً ولو وقف بمزدلفة (٢).

ومنها : ما فيها من تعميمه (٣) للوقاع قبلاً ودبراً كما عليه الأكثر إطلاقاً ، وجماعة تصريحاً (٤) ، ومنهم الشيخ في المبسوط (٥) وإن جعله بعضهم هنا مخالفاً ، قال : فأوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة (٦) ، وعبارته المحكية صريحة في الموافقة للعبارة ، وإن الذي فيه البدنة خاصة إنما هو الوقاع فيما دون الفرج يعني القبل والدبر ، ولا القبل خاصة ، كما صرّح به في صدر عبارته المحكية.

نعم حكي عن الخلاف في الخلاف عن بعض الأصحاب محتجاً بأصل البراءة (٧) ، ويعارضه العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب.

وزيد له في المختلف الصحيح (٨) : عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل » (٩) وأُجيب عنه‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٣) أي : في العبارة من تعميم الحكم ..

(٤) منهم : ابن سعيد في الجامع : ١٨٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٥٢ ، وصاحبا المدارك ٨ : ٤٠٧ ، والحدائق ١٥ : ٣٦٣.

(٥) المبسوط ١ : ٣٣٦.

(٦) الدروس ١ : ٣٦٩.

(٧) الخلاف ٢ : ٣٧٠.

(٨) في « ح » و « ك‍ » : الموثق.

(٩) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٤ ، الوسائل ١٣ : ١١٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٧ ح ١.

٣٩٥

بأنا نقول بموجبه ، فإن الدبر يسمى فرجاً ، لأنه مأخوذ من الانفراج ، وهو متحقق فيه (١).

وهو حسن ولو قلنا إن المتبادر من الفرج حيث يطلق هو القبل خاصة ، لا الدبر ، وذلك فإنه تبادر إطلاقي ، فلا يقطع بسببه بنفي إرادة الدبر ، بل غايته الإجمال فيه ، وهو لا يخصّص العمومات الشاملة للدبر.

نعم ، لو كان التبادر تبادراً حقيقياً يكون بسببه غير المتبادر معنىً مجازياً أمكن التخصيص إن جوّز تخصيص العمومات بالخاص مطلقاً ولو كانت مشهورة ، دون الخاص ، وإن خصّصناه بما إذا لم تكن العمومات معتضدة بالشهرة منعنا التخصيص على هذا التقدير أيضاً ، بناءً على ما مرّ من كون التعميم للدبر أشهر ، سيّما ونحو هذه الشهرة التي لا يكاد فيها مخالف يعتد به يظهر ، فإذاً المعتمد ما عليه الأكثر.

ومنها : ما أشار إليه بقوله : ( وهل ) الحَجة ( الثانية عقوبة؟ قيل : نعم والأولى فرضه ) والقائل : اليخ في النهاية (٢) ، وتبعه جماعة (٣).

( وقيل : الأُولى فاسدة والثانية فرضه ) والقائل : الحلّي والشيخ في الخلاف (٤) كما حكي ، وتبعهما الفاضل في كثير من كتبه (٥).

وربما يستفاد من قول : ( والأول هو المروي ) الميل إلى الأول ، وأشار به إلى الصحيح : قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال : « الأُولى التي أحدثا‌

__________________

(١) انظر المختلف : ٢٨٢.

(٢) النهاية : ٢٣٠.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٥٣ ، وصاحبا المدارك ٨ : ٤٠٨ ، والحدائق ١٥ : ٣٦٠.

(٤) الحلي في السرائر ١ : ٥٥٠ ، الخلاف ٢ : ٣٦٧.

(٥) انظر المنتهى ٢ : ٨٣٧ ، والتحرير ١ : ١١٩ ، والتذكرة ١ : ٣٥٥.

٣٩٦

فيها ما أحدثا ، والأُخرى عليهما عقوبة » (١).

وأُيّد باستصحاب الصحة ، وبأن الفرض لو كان القضاء لاشترط فيه من الاستطاعة ما اشترط في الأداء.

ويضعّف الأول بالقطع والإضمار ؛ إذ لم يسنده الراوي إلى إمام ، ومع ذلك معارض بالصحيح الصريح في أن في الرفث فساد الحج (٢) ، ومضمونه مشهور بين الأصحاب حتى استدل به الحلّي والفاضل في جملة من كتبه هنا (٣) ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه ، كما صرّح به الفاضل المقداد في شرح الكتاب ، فقال في دليل القول الثاني : لأن الأُولى فاسدة ، وكل ما كان فاسداً لا يجزئ ولا يبرئ الذمة ، والمقدمتان إجماعيتان (٤).

ولا ينافيه نقله بعد ذلك عن بعض الفضلاء الجواب عن صغرى القياس بالمنع ، معلّلاً بأنَّه لم يرد في حديث فساد حجّه وإن اشتهر في عبارات الأصحاب ، فإن ثبت حمل على نقصان فضله ، لا فساد أصله ، وتجبره الكفارة والحج من قابل عقوبة.

إذ الإجماع عندنا ليس إلاّ وفاق خاص يكشف عن قول الإمام عليه‌السلام ، فلا يقدح فيه خروج بعض الفضلاء.

وبهذا الإجماع يردّ كلام ذلك القائل ، مع خطائه كجماعة من تبعه في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢ ، الوسائل ١٣ : ١١٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٤ ، الوسائل ١٣ : ١١٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٨.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٥٥٠ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٨٣٦ ، والتذكرة ١ : ٣٥٥ ، والتحرير ١ : ١١٩.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٥٥٩.

٣٩٧

الجواب بذلك بوجود ما مرّ من الصحيح بالفساد. وحمل الفساد فيه وفي كلام الأصحاب علي ع ما ذكره من النقص في الفضل دون بطلان الأصل مجاز يحتاج إلى قرينة هي مفقودة ؛ إذ ليس إلاّ الاستصحاب وما بعده ، ويجب الخروج عنهما لهذا الصحيح. وصحيح المتن لا يعارضه ؛ لما عرفت من القطع والإضمار المسقطين للرواية عن الاعتبار.

فإذاً القول الثاني هو المختار ، مع تأيده برجوع الشيخ عن القول الأول إليه في الخلاف. لكن الإنصاف أن المسألة بعد لا تخلو عن شوب الإشكال ، فالاحتياط فيها لا يترك على حال.

وتظهر الفائدة في النية ، فينوي على الأول في الإحرام مثلاً وكذا باقي الأفعال في الحجة الثانية : أفعل هذا الذي وجب عليّ بالإفساد ، وعلي الثاني حجة الإسلام.

وفي الأجير للحج في سنة وفي الناذر له فيها ، فعلى الأول يرجع على الأجير بالأُجرة ، ويجب على الناذر ومن في معناه الكفارة ، دون الثاني ، فلا شي‌ء عليهما بالكلية.

وفي المفسد المصدود إذا تحلّل وجب القضاء. فإن قلنا بالأول لم يكف القضاء الواحد ؛ لوجوب قضاء حجة الإسلام بالتحلل منها ، وبقاء حجة العقوبة في ذمته ، فيقدّم حجة الإسلام في القضاء. وإن قلنا بالثاني كفى القضاء الواحد ؛ لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها.

وفي غير ذلك.

واعلم أن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في المرأة التي وطئها بين الدائم والمتمتع بها.

وفي إلحاق الأمة والأجنبية ووطء الغلام والبهيمة إشكال : من صدق‌

٣٩٨

المرأة بل الأهل الواردين فيهما على الأمة ، وأولوية ثبوت الحكم في البواقي.

ومِن تبادر من عدا الأمة من الإطلاق ، وانثلام الأولوية بأن مبناها أفحشية الفعل ، وربما تسقط معها الكفارة كما مرّ في كفارة الصيد.

ولا ريب أن الإلحاق في الجميع ولا سيّما الأمة أحوط إن لم يكن متعيناً ؛ لضعف دليل المنع بأن في النص ما هو عام ينصرف إلى المتبادر وغيره ، وحجية الأولوية ، وعدم انثلامها في محل البحث برفع اليد عنها في بعض الموارد غيره لدليل مفقود في المقام.

واحترز بالعامد العالم عن الناسي ولو للحكم والجاهل ، فلا شي‌ء عليهما بلا خلاف ظاهر فتوًى ونصاً ، بل قيل : إجماعاً (١) ، وعن الخلاف والغنية (٢) الإجماع عليه في الناسي.

وعن المكره ، فلا شي‌ء عليه بلا خلاف ولا إشكال إلاّ في تحمل المكرِه للزوج أو لهما الكفارة عنه أو عنهما ففيه إشكال. والأجود العدم ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد الفتوى والنص ، وهو ما أشار إليه بقوله :

( ولو أكرهها ) أي المرأة زوجها ( وهي محرمة حمل عنها الكفارة ) وهي البدنة خاصة ، دون الحج من قابل ؛ لعدم فساد حجها بالإكراه.

( و ) لذا ( لا ) يكون ( حج عليها في القابل ) ليتحمله عنها.

( ولو طاوعته لزمها ما يلزمه ) من إتمام الحج والبدنة والحج من‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠٤.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٦٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

٣٩٩

قابل ( ولم يتحمل عنها كفارة ).

( وعليهما ) مطلقاً ( الافتراق ) في القضاء ( إذا وصلا موضع الخطيئة حتى يقضيا المناسك ، ومعناه أن لا يخلوا ) بأنفسهما ( إلاّ مع ثالث ) محترم عندهما ليمنعهما الجماع ، فلا عبرة بأمته وزوجته وغير المميز إذا لم يمتنعا عنه بهم.

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وعن الخلاف الإجماع في الجميع (١) ، والغنية في الأخير (٢) ، وفيه وفي الثاني في المدارك (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح : « وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه ، وإن استكرهها فعليه بدنتان وعليه الحج من قابل » (٤).

ونحوه في تحمّل البدنة عنها الخبر المنجبر بالعمل : في محرم واقع أهله ، قال : « أتى عظيماً » (٥) قال : « استكرهها أو لم يستكرهها؟ » قلت : أفتني فيهما جميعاً ، فقال : « إن استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة ، وعليهما الحج من قابل لا بدّ منه » قلت : فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال : « نعم هي امرأته كما هي ، فإذا انتهيا إلى‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٦٨.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، ٥٧٧.

(٣) المدارك ٨ : ٤١٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٧ ، الوسائل ١٣ : ١١٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٧ ح ١.

(٥) في الكافي والوسائل زيادة : قلت : أفتني ، وفي التهذيب زيادة : قلت : قد ابتلى.

٤٠٠