رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

للمسجد ، فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس » (١).

وفيه نظر ؛ إذ الظاهر أن ما تضمّنه صورة أُخرى غير مفروض العبارة والنصوص والفتاوي ، لعدم تضمّنه ما تضمّنته من المواعدة لإشعار الهدي ، ولا اجتناب ما يجتنبه المحرم.

والظاهر أن المراد بالثياب التي أُمر فيه بلبسها يوم عرفة إنما هو ثياب الزينة ، كما ورد به في الخروج ليوم العيد والجمعة (٢) ، وتقييده بذلك فرع اتحاد الموضوع ، وهو مختلف ، ففيها الهدي ، وفي هذا الثمن ، وأحدهما غير الآخر ، ولذا أفرد الحكم فيه جماعة ممن تأخر عنه (٣) ، وأفتوا به زيادةً على الأول. ولا بأس به وإن ضعف السند ؛ لما مرّ من جواز التسامح في أدلة السنن ، مضافاً إلى موافقته العمومات ، كما صرّح به جمع (٤).

ولذا أفتوا به من غير توقف فيه من جهة السند مع أن ديدنهم المناقشة في الحكم المخالف للأصل إذا لم يصحّ السند.

( الثاني : في ) بيان ( الصيد ) المحرّم على المحرم والمحلّل له ، وجملة ما يتعلق به من أحكام الكفّارات.

( وهو ) على ما عرّفه الماتن هنا ، وفاقاً للمحكي عن المبسوط وغيرهما (٥) ، بل قيل : إنه مذهب الأكثر (٦) ( الحيوان المحلَّل الممتنع ).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٦ / ١٥١٨ ، الوسائل ١٣ : ١٩٢ أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٦.

(٢) انظر الوسائل ٧ : ٣٩٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٤٧ ، وص ٤٤٦ أبواب صلاة العيد ب ١٤.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣١٢ ، والحدائق ١٦ : ٦٩ ؛ وانظر الذخيرة : ٧٠٤.

(٤) المدارك ٨ : ٣١٢ ، الحدائق ١٦ : ٦٩.

(٥) المبسوط ١ : ٣٣٨ ؛ وانظر الدروس ١ : ٣٥١.

(٦) مفاتيح الشرائع ١ : ٣١٩.

٢٦١

واعترض عليه (١) أوّلاً : بأن التقييد بالمحلَّل يفيد عدم تحريم المحرَّم عليه ، وهو خلاف ما ذكره من تحريم نحو الثعلب والأرنب والضبّ مما يأتي ، بل خلاف ما قال غيره ، فإنّ الحلبي حرّم قتل جميع الحيوان ما لم يكن حيةً أو عقرباً أو فأرة أو غراباً ، ولم يذكر له فداءً.

وثانياً : أن إطلاق الممتنع يشمل الممتنع بالعرض ، فيحرم النعم والخيل المتوحشة ، وليس كذلك إجماعاً ، فكان ينبغي تقييده بالأصالة لئلاّ يلزم ذلك ، ولا يخرج منه ما استأنس من الحيوان البرّي كالظبي مع تحريم قتله إجماعاً. وهو حسن.

إلاّ أنه يمكن الجواب عن الأول بأن حرمة المعدودات لا تنافي تقييد الصيد بالمحلّل ، إلاّ على فرض أخذ تحريمها من عموم أدلة الصيد. وليس بواضح ؛ لاحتمال أخذه من الأدلة المخصوصة بها كما يأتي إن لم نقل بأنه الظاهر.

نعم ، يتوجه عليه أن الصيد لغةً بل وعرفاً حقيقة في الأعم من المحلّل والمحرّم ، فلا وجه لتقييده بالأول ، فإطلاقه عن القيد كما في الشرائع وجملة من كتب الفاضل (٢) أسدّ.

إلاّ أن يوجّه التقييد بأن الإطلاق يقتضي دخول نحو الذئب والنمر والفهد من الحيوانات الممتنعة بالأصالة مع أن قتلها غير محرّم اتفاقاً ، كما عن المبسوط والتذكرة (٣).

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٥٣١ ، والمدارك ٨ : ٣١٢.

(٢) الشرائع ١ : ٢٨٣ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٨٠٠ ، والتذكرة ١ : ٣٢٨.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣٨ ، التذكرة ١ : ٣٣٠.

٢٦٢

أو يقال : إن المتبادر من قوله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (١) حرمة أكله ، ولا اختصاص لحرمة المحرّم منه بالمحرم.

وكذا قوله : ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٢) فإن المحرّمات ليست كذلك مع أصل الحلّ والبراءة.

وفي الوجهين نظر :

أما الأول فلأن خروج تلك الأفراد المعدودة من المحرّم بالإجماع المنقول المتقدم غايته خروجها خاصة ، لا كلّ ما ليس بمحلَّل ، ولا التجوز بلفظ الصيد في خصوص المحلّل ، فإنّ التخصيص خير من المجاز ، ولا موجب لإخراج ما ليس لإخراجه دليل من نص أو إجماع ، لاختصاصهما فيما وصل إلينا بما مرّ من تلك الأفراد ، هذا.

مع أن الإجماع المنقول عن المبسوط فيما وصل إلينا من عبارته إنما هو على نفي الكفارة والجزاء في تلك الأفراد ، لا انتفاء التحريم ، وأحدهما غير الآخر ، ولا دليل على التلازم بينهما ، كما لا تلازم بين لزوم الكفارة بقتل حيوان وكون وجهه كونه صيداً.

ومنه يظهر ما في تعريف بعضهم الصيد هنا بما في المتن ، وزيادة قوله : ومن المحرّم الثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والقمل والزنبور والقطاة (٣). فإن حرمة قتل هذه المحرّمات عليه لم يبيّن كونه من عموم أدلة حرمة الصيد ، ولا موجب لتوهم ذلك غير لزوم الكفارة على قتلها ، وقد عرفت أنه أعم من جهة الصيد.

__________________

(١) المائدة : ٩٦.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) المسالك ١ : ١٣٣ ، الروضة ٢ : ٢٣٦.

٢٦٣

وأما الثاني فلمنع التبادر أوّلاً ، وإلاّ لاختصت الآية بإثبات تحريم أكل الصيد ، لا قتله ، وهو بعيد جدّاً ، بل مخالف لفهم الكل قطعاً.

وثانياً بأن غاية ذلك اختصاص تلك الآية بالمحلَّل ، وهو لا يوجب تقييد إطلاق الآية الأُخرى ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (١) وما ضاهاها من إطلاق الأخبار وغيرها.

وبالجملة : فترك التقييد بالمحلَّل وفاقاً لمن مرّ أسدّ.

ويؤيده الخبر في تفسير الآية الأخيرة عند قوله( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) قال : « إنّ رجلاً انطلق وهو محرم ، فأخذ ثعلباً ، فجعل يقرب النار إلى وجهه وجعل الثعلب يصيح ويحدث من استه ، وجعل أصحابه ينهونه عما يصنع ، ثم أرسله بعد ذلك ، فبينما الرجل نائم إذ جاءته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ، ثم خلّت » (٢).

وهو كالنص في عموم الآية للثعلب ، ولا قائل بالفرق.

وأما قول الحلبي فلا دخل له بأحد التعريفين كإخباره ـ (٣) إن ابقي على ظاهره من تحريم مطلق الحيوان ، بل هو قول شاذ مخالف للنص والإجماع ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب (٤). وإن قيّد بإرادته الحيوان البرّي كالأخبار رجع إلى ما قلناه من عموم الصيد للمحرّم فيؤيده ، مع أنه حكي عن الراوندي أنه مذهبنا (٥) ، معرباً عن دعوى الإجماع ، هذا.

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٧ / ٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٠ أبواب تروك الإحرام ب ٨ ح ١.

(٣) ليست في « ق ».

(٤) منهم : الشهيد في الدروس ١ : ٣٥٣ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣١٣ والحدائق ١٥ : ١٣٨.

(٥) فقه القرآن ١ : ٣٠٦.

٢٦٤

والإنصاف أن ظاهر سياق الآية الأخيرة يفيد التلازم بين حرمة قتل الصيد ولزوم الكفارة ، وأنه مسبّب عنها ، وكذلك ظاهر الأخبار الكثيرة المعتبرة ، كالصحيح : « لا تستحلنّ شيئاً من الصيد وأنت حرام [ ولا وأنت حلال في الحرم ] ولا تدلّنّ عليه محلاًّ ولا محرماً فيصطاده ، ولا تُشر إليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه الفداء لمن تعمّده » (١).

والصحيح : « المحرم لا يدلّ على الصيد ، فإن دلّ فعليه الفداء » (٢).

وهذا التلازم لا يتم إلاّ على تقدير تخصيص الصيد بالمحلّل منه ، فإنه الذي وقع الإجماع نصّاً وفتوى على التلازم فيه كلياً دون غيره ، فلم يثبت فيه التلازم كذلك ، بل صرّح الشيخ في المبسوط بأنه لا خلاف يعني بين العلماء في عدم وجوب الجزاء في مثل الحيّة والعقرب والفأرة والغراب والحدأة والذئب والكلب ، وأنه لا يجب الجزاء عندنا في الجوارح من الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك ، والسباع من البهائم كالأسد والنمر والفهد وغير ذلك.

وقال في مثل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه وما لا يجب فيه ذلك كالسبع ، وهو المتولد بين الضبع والذئب ، والمتولد بين الحمار الأهلي وحمار الوحش : يجب الجزاء فيه عند من خالفنا ، ولا نصّ لأصحابنا فيه. والأولى أن نقول لا جزاء فيه ؛ لأنه لا دليل عليه ، والأصل براءة الذمة (٣).

انتهى.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨١ / ١ ، الوسائل ١٢ : ٤١٥ أبواب الإحرام ب ١ ح ١ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٤١٦ أبواب الإحرام ب ١ ح ٣.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣٨.

٢٦٥

فلو كان صيد هذه الأنواع المحرّمة محرّماً للزم فيه الفداء بمقتضى ما مرّ من التلازم الظاهر من الآية والأخبار ، والتالي باطل ، لما عرفت من الإجماع ، فتعيّن أن المراد بالصيد المحرَّم عليه إنما هو المحلَّل منه ، دون المحرَّم ، وإلاّ للزم إما الفداء فيه مطلقاً ، وهو خلاف الإجماع كما مضى ، أو رفع اليد عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية والأخبار كما قدّمنا ، ولا سبيل إليه أيضاً ، فإنّ تخصيص الصيد فيهما بالمحلَّل أولى من رفع اليد عن التلازم المستفاد منهما ، سيّما وأنّ التخصيص ولو في الجملة لو عمّم الصيد للمحرّم لازم أيضاً قطعاً.

فما ذكره الماتن من التعريف هنا أقوى ، ولا يحتاج إلى إدخال نحو الثعلب والأرنب في الصيد ، ولا إلى استثنائها من القصر المستفاد من التعريف وإن وقع في الدروس (١) ، لابتنائهما على كون تحريم قتلها لكونها صيداً ، وفيه ما مضى.

بقي الكلام في الخبر الذي مرّ في تفسير الآية وتضمنه الثعلب ، وإشعار عبارة الراوندي بدعوى الإجماع على عموم الصيد للمحرَّم.

ويمكن الجواب عنهما : فالأول بضعف السند (٢). والثاني بالوهن بمعارضته بدعوى كون التخصيص مذهب الأكثر ، وبعد التعارض يبقى العموم في الصيد للمحرَّم بعد ما قدّمناه بلا مستند.

فإذاً التخصيص بالمحلَّل هو المعتمد.

( و ) إذا تمهّد ذلك فاعلم أنه ( لا يحرم صيد البحر ) بالكتاب والسنّة المستفيضة والإجماع ( وهو ما يبيض ويفرخ ) بضم حرف‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٥١.

(٢) فإنّ فيه أبا جميلة ، مضافاً إلى الإرسال قبله. ( منه رحمه‌الله ).

٢٦٦

المضارعة وكسر العين ، أو فتح الفاء وتشديد الراء ( في الماء ) معاً ، بالإجماع والصحاح.

منها : « السمك لا بأس بأكله طريّه ومالحة ويتزود ، قال الله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ ) (١) » قال : « فليختر الذين يأكلون » وقال : « فصّل ما بينهما : كلّ طير يكون في الآجام يبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ ، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر » (٢).

وفي حكم البيض والإفراخ التوالد.

ثم الاعتبار بذلك إنما يفتقر إليه فيما يعيش في البرّ والبحر معاً ، وإلاّ فما يعيش في الأول منه البتة ، كما في الصحيح : « مرّ عليّ عليه‌السلام على قوم يأكلون جراداً ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون؟! فقالوا : إنما هو من صيد البحر ، فقال : ارموه في الماء إذاً » (٣).

وما لا يعيش فيه من الثاني البتة.

والمراد بالبحر ما يعمّ النهر بلا خلاف كما عن التبيان ، فقال : لأن العرب يسمّي النهر بحراً ، ومنه قوله تعالى ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (٤). والأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحاً ، لكن إذا أُطلق‌

__________________

(١) المائدة : ٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ / ١١١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٣ / ١٢٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٨ أبواب تروك الإحرام ب ٧ ح ١.

(٤) الروم : ٤١.

٢٦٧

دخل فيه الأنهار بلا خلاف (١).

( ولا الدجاج الحبشي ) ويسمّى السندي والغِرغِر ، بإجماعنا الظاهر ، المصرَّح به في عبائر جماعة (٢) ؛ للصحاح المستفيضة :

منها : إنه : « ليس من الصيد ، إنما الطير ما طار بين الأرض والسماء وصفّ » (٣). وفي بعضها : « لأنها لا تستقلّ بالطيران » (٤).

قيل : وحرّمه الشافعي لأنه وحشي يمتنع بالطيران وإن كان يألف البيوت ، وهو الدجاج البرّي ، قريب من الأهلي في الشكل واللون ، يسكن في الغالب سواحل البحر ، وهو كثير ببلاد المغرب يأوي مواضع الطرفاء ويبيض فيها ، ويخرج فراخه كيّسة كاسبة تلقط الحبّ من ساعتها كفراخ الأهلي. وقال الزهري : كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة من أعتى الناس على الله تعالى ، فقالوا قولاً لم يقله أحد ، فعاقبهم الله تعالى بعقوبة ترونها الآن بأعينكم ، جعل رجالهم القردة ، وبُرّهم الذرّة ، وكلابهم الأسود ، ورمّانهم الحنظل (٥) ، وعنبهم الأراك ، وجوزهم السرو (٦) ، ودجاجهم الغرغر وهو دجاج الحبش لا ينتفع بلحمه لرائحته ، وقال في التهذيب : لاغتذائه بالعذرة (٧).

( ولا بأس بقتل الحية ) بأقسامها ( والعقرب والفأرة ) إذا خاف منها‌

__________________

(١) التبيان ٤ : ٢٨.

(٢) منهم : صاحب المدارك ١ : ٣١٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٢٢.

(٣) الكافي ٤ : ٢٣٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٥٦ ، الوسائل ١٣ : ٨٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٠ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٥٧ ، الوسائل ١٣ : ٨٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٠ ح ٢.

(٥) كذا في كشف اللثام ، وفي الفائق ٣ : ٣٧٢ عن الزهري : المظّ ، وهو رمّان البرّ.

(٦) كذا في كشف اللثام ، وفي الفائق ٣ : ٣٧٢ عن الزهري : الضَّبِر ، وهو جوز البرّ.

(٧) كشف اللثام ١ : ٣٢٢.

٢٦٨

على نفسه ، وكذا كل ما يخاف منه عليها ، إجماعاً فتوًى ، ونصّاً مستفيضاً :

ففي الصحيح : « كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله ، وإن لم يردك فلا ترده » (١).

ونحوه غيره : « يقتل المحرم كلّ ما خشيه على نفسه » (٢).

وفي آخر : « كل شي‌ء أرادك فاقتله » (٣).

وكذا إذا لم يخف منها على الأظهر الأشهر فتوًى ، بل عن المبسوط اتفاق الأُمة (٤) ، وعن الغنية إجماع الطائفة (٥) ؛ للأصل ، بناءً على اختصاص الصيد المحرَّم عليه بالمحلَّل كما هو المختار ، وإطلاق نحو الصحيح : « يقتل في المحرم والإحرام الأفعى ، والأسود العذر ، وكل حية [ سوء ] والعقرب ، والفأرة وهو الفويسقة ، ويرجم الغراب والحدأة رجماً » (٦).

وأظهر منه الخبر : عن المحرم وما يقتل من الدواب ، فقال : « يقتل الأسود والأفعى والفأرة والعقرب وكلّ حية ، وإن أرادك السبع فاقتله ، وإن لم يردك فلا تقتله ، والكلب العقور إذا أرادك فاقتله ، ولا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة ، وإن عرض له اللصوص امتنع منهم » (٧). وقريب منه آخر (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ١٠ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٩.

(٤) المبسوط ١ : ٣٣٨.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٦ وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١٠.

(٨) المقنع : ٧٧ ، المستدرك ٩ : ٢٤١ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٥.

٢٦٩

وضعف سندهما منجبر بعمل الأكثر. وهما كالنص في الإطلاق ، وإلاّ لما خصّ فيهما المنع عن القتل مع عدم الإرادة بالسبع ونحوه ويطلق فيما عداه.

خلافاً للمحكي عن السرائر ، فلم يجوّز قتلها حينئذ (١) ؛ ولعلّه للصحيح الأول ، حيث جعل فيه الحيّات كالسباع في المنع عن قتلها إذا لم ترده.

ونحوه الصحيح الآخر : « اتّق قتل الدواب كلّها إلاّ الأفعى والعقرب والفأرة ، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء وتضرم على أهل البيت ، وأما العقرب فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدّ يده إلى الحجر فلسعته فقال : لعنك الله لا برّاً تدعينه ولا فاجراً ، والحية إن أرادتك فاقتلها وإن لم تردك فلا تردها ، والأسود العذر فاقتله على كل حال ، وارم الغراب والحدأة رمياً على ظهر بعيرك » (٢).

وفيه نظر ؛ لعدم مقاومتهما لما تقدم من وجوه شتّى ، فليطرحها ، أو يؤوّلا بإرجاع الضمير في قوله في الصحيح الأول : « وإن لم يردك فلا ترده » إلى خصوص السباع دون الحيّات ، أو يحمل النهي على مطلق المرجوحية الشاملة للكراهة.

وكذلك الصحيحة الأخيرة. وهذا الحمل فيها أقرب من تقييد إطلاق قتل هذه الأفراد في صدرها بما إذا إرادته ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى أنها صريحة في جواز قتل العذر الأسود على كل حال ، وحيث إنه لم يقل بهذا التفصيل‌

__________________

(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٩٠ ، وهو في السرائر ١ : ٥٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٣ ، علل الشرائع : ٤٥٨ / ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

٢٧٠

في الحيّات أحد يلزم إما اطراحها رأساً ، وليس بجائز مع إمكان الحمل على الصحيح وأقرب المجازات ، فتعيّن حمل النهي فيما عدا الأسود العذر على الكراهة ، ولا ريب فيها فتوًى ونصاً.

فهذا الصحيح أقوى دليل على الجواز ولو مع الكراهة كما قلنا.

( و ) يستفاد منه ومن الصحيح السابق جواز ( رمي الغراب ) بأقسامه ( والحدأة ) مطلقاً في الحرم وغيره ، مع الإحرام ولا معه ، وعن ظهر البعير وغيره ، كما هو مقتضى إطلاق الصحيح السابق والعبارة هنا وفي الشرائع وعن النهاية والجامع (١).

ولكن الصحيح الأخير مختصّ بالرمي عن ظهر البعير ، كما عن المقنع (٢) ، فإن أراد تخصيص الجواز به فلا وجه له ؛ لإطلاق الصحيح السابق ، وعدم إفادة غيره التخصيص ليجمع بينهما به. وإلاّ فلا بأس به.

ثم إن مقتضى الروايتين عدم جواز قتلهما إلاّ أن يُفضي الرمي إليه.

خلافاً للمحكي عن المبسوط فجوّزه مطلقاً (٣) ، وهو ضعيف.

وجواز رمي الغراب مطلقاً. خلافاً للمحقّق الثاني ، فقيّده بالمحرَّم منه الذي هو من الفواسق الخمس ، دون المحلَّل ؛ لأنه محترم لا يعدّ من الفواسق (٤).

ولا بأس به إن لم نقل بحرمته مطلقاً ؛ لإطلاق ما دلّ على حرمة الصيد من الكتاب والسنّة المتواترة الشامل لما حلّ من الغراب ، وتقييده بما‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٨٤ ، النهاية : ٢٢٩ ، الجامع للشرائع : ١٨٦.

(٢) المقنع : ٧٧.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣٨.

(٤) جامع المقاصد ٣ : ٣٠٣.

٢٧١

عدا الغراب بهذين الصحيحين وإن أمكن ، لكنه ليس بأولى من تقييد إطلاقهما بما عدا المحلَّل.

وذلك فإن التعارض بينهما وبين نحو الكتاب تعارض العموم والخصوص من وجه ؛ لأن نحو الكتاب وإن كان عاما للغراب المحلَّل وغيره ، إلاّ أنه خاص بالإضافة إلى تحريم الصيد المحلَّل ، بناءً على فرض اختصاصه بالمحلَّل كما هو المختار وقد تقدم. والروايتين وإن كانتا خاصتين بالغراب ، لكنه فيهما أعم من المحلّل منه والمحرّم.

فكما يمكن تقييد إطلاق الصيد بما عدا الغراب مطلقاً حتى المحلَّل ، كذا يمكن تقييد الغراب في الصحيحين بالمحرَّم منه. والترجيح لهذا ؛ لقطعيّة الكتاب ونحوه ، مضافاً إلى إشعار التعليلين في الصحيحة الأخيرة لإباحة القتل وفي غيرها بالتقييد أيضاً ، فتدبر.

والجمع السابق فرع عدم القول بتحريم الغراب مطلقاً ، ولكنه كما سيأتي خلاف التحقيق ، وأن الأصح تحريمه مطلقاً. وعليه فالأظهر إباحة رمي الغراب مطلقاً ؛ لعدم التعارض بين الأدلة السابقة ، لأن النسبة بينهما التباين الكلّي ، فلا موجب لتقييد أحدهما بالآخر.

هذا مضافاً إلى إمكان التأمل في دعوى كون التعارض بين الكتاب والصحيحين من تعارض العموم والخصوص من وجه ، بل النسبة بينهما إما التباين الكلي ، أو العموم والخصوص مطلقاً ، الأول في الكتاب ، والثاني فيهما ، فتدبر وتأمل.

( ولا كفارة ) واجبة ( في قتل ) شي‌ء من ( السباع ) عدا الأسد ،

٢٧٢

مطلقاً بلا خلاف ، وكذا فيه إذا أراده ، وعن المنتهى والشيخ (١) عليه الإجماع ، وفيما إذا لم يرده خلاف. والأصح العدم ، وفاقاً للأكثر على الظاهر ، المصرَّح به في كلام بعض من تأخر (٢) ؛ للأصل ، مضافاً إلى الإجماع المنقول عن صريح الخلاف وظاهر المبسوط والتذكرة (٣) ، السليم جميع ذلك عما يصلح للمعارضة حتى الكتاب والسنة المتواترة الدالة على حرمة قتل الصيد وإيجابه الكفارة ، بناءً على المختار من اختصاصه بالمحلّل ، فلا يشمل محلّ الفرض ، ولا معارض له آخر غير ما أشار إليه بقوله :

( وروى في ) قتل ( الأسد كبش إذا لم يرده ) وهذه الرواية مع شهادته عليها بأنه ( فيها ضعف ) لم نقف عليها في شي‌ء من كتب الأخبار ، ولا نقله ناقل في شي‌ء ممّا وقفت عليه من كتب الاستدلال.

نعم ، روى الكليني والشيخ عن أبي سعيد المكاري : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل قتل أسداً في الحرم ، فقال عليه‌السلام : « عليه كبش يذبحه » (٤).

وهو مع اختصاصه بالقتل بالحرم فيه ضعف أيضاً سنداً بمن ترى ، فليطرح ، أو يحمل على الاستحباب ، ومع ذلك فهو مطلق لا تقييد فيه بعدم الإرادة ، ولا موجب لتقييده بها عدا ما مرّ من الصحاح المفصّلة بين صورة الإرادة فجوّز القتل ، وعدمها فنهى ، لكنه مع عدم اختصاصه بالأسد‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٠ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٣٣٨.

(٢) المهذب البارع ٢ : ٢٣٥.

(٣) الخلاف ٢ : ٤١٧ ، المبسوط ١ : ٣٣٨ ، التذكرة ١ : ٣٣٠.

(٤) الكافي ٤ : ٢٣٧ / ٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ / ١٢٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١٢ ، الوسائل ١٣ : ٧٩ أبواب كفارات الصيد وتوابعها ب ٣٩ ح ١.

٢٧٣

وعمومه لباقي السباع ولا قائل بحكمه فيها مطلقاً مورده إباحة القتل والنهي ، ولا ملازمة بينه وبين الكفارة هنا ، سيّما خصوص نوع هذه الكفارة.

فالقول بمضمونه كما عن والد الصدوق وابن حمزة (١) لا وجه له ، سيّما وقد تعدّيا عن مورده الذي هو القتل في الحرم إلى مسألتنا هنا ، فتأمل جدّاً.

نعم في الرضوي : « ولا بأس للمحرم أن يقتل الحيّة والعقرب والفأرة ، ولا بأس برمي الحدأة ، وإن كان الصيد أسداً ذبحت

كبشاً » (٢) ولا ريب أنه أحوط.

بقي الكلام في حرمة قتله ، ولا ريب فيها على القول بلزوم الكفارة. ويشكل فيها على القول بالعدم ، من الأصل ، بناءً على المختار من اختصاص الصيد المحرَّم في الكتاب والسنّة بالمحلَّل ، ومن ورود النهي عن قتله إذا لم يرده فيما مرّ من الصحيح وغيره ، لكنه فيهما يعمّ الأسد وغيره ، ولم أعثر بقائله ، مضافاً إلى ورود مثله في الحيّة ، وقد عرفت أنه محمول على الكراهة ، فالقول بها أيضاً هنا لا يخلو عن قوة ، سيّما وأن ظاهر جماعة التلازم هنا بين نفي الكفارة وثبوت إباحة القتل ، وبالعكس ، كالفاضل في المنتهى والمختلف وغيره (٣).

وأما العبارة فمساقها يحتمل القول بالإباحة وبالحرمة ، وكأنه في الأخير أظهر دلالةً كما لا يخفى على من تدبّره. وتحتمل ثالثاً وهو التوقف‌

__________________

(١) نقله عن والد الصدوق في المختلف : ٢٧١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٨ ، المستدرك ٩ : ٢٧٧ أبواب كفارات الصيد ب ٢٨ ح ١.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٠٠ ، المختلف : ٢٧١ ؛ وانظر المسالك ١ : ١٣٣.

٢٧٤

بينهما ، ولا ريب أنه بحسب العمل بل الفتوى لعموم الصحيح السابق الناهي عن قتل الدواب إلاّ ما مضى أحوط وأولى.

( ولا كفارة ) واجبة أيضاً ( في قتل الزنبور ) واحداً أو متعدّداً ولو كثيراً إذا كان ( خطأً ) على الأقوى ، وفاقاً للماتن وجماعة (١) ؛ للأصل ، مع اختصاص الصيد المتساوي عمده وخطاؤه في لزوم الكفارة بالمحلَّل كما مرّ ، ولعلّه لهذا تعرّض الماتن لنفي الكفارة هنا ، تنبيهاً على أن لزومها في العمد ليس لكونه صيداً.

خلافاً لعبائر كثير من القدماء (٢) ، فأطلقوا التكفير في قتله ، بحيث يشمل الخطأ ؛ ولعلّه بناءً على كونه صيداً.

ويضعّفه مضافاً إلى ما مضى خصوص الصحاح هنا : عن محرم قتل زنبوراً ، قال : « إن كان خطأ فليس عليه شي‌ء » قلت : فالعمد؟ قال : « يطعم شيئاً من طعام » (٣).

( و ) يستفاد منها أن ( في قتله عمداً صدقة بشي‌ء من طعام ) كما أفتى به الماتن هنا وجماعة (٤) ، وأطلق الشي‌ء في النهاية (٥).

وبدّله في الشرائع بصدقة ولو بكفّ من طعام (٦) ، وفي القواعد بكفّ‌

__________________

(١) منهم : الشهيد في المسالك ١ : ١٣٣ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣١٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩١.

(٢) منهم : المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، والحلبي في الكافي : ٢٠٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٥ ، الوسائل ١٣ : ٢١ أبواب كفارات الصيد ب ٨ ح ٣.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٣ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣١٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ٣٨٣.

(٥) النهاية : ٢٢٣.

(٦) الشرائع ١ : ٢٨٤.

٢٧٥

من طعام وشبهه (١) ، وعن السرائر والتلخيص (٢) بتمرة.

واكتفي بكفّ من طعام في المحكي عن المقنع والفقيه والغنية والكافي والجامع (٣) ؛ للرضوي (٤). وفي مقاومته لما سبق ضعف.

فالأصح ما في المتن ، مع خلوّ ما عدا الأخير من المستند ، إلاّ ما ربما يقال من أن القول بتمر لكونه من الطعام ، وأنه ليس خيراً من جراد (٥).

وفيهما ضعف ، سيّما في مقابلة النص.

ومورده كالمتن الزنبور الواحد ، فالمتعدد والكثير خالٍ عن النص ، فيجب الرجوع فيهما إلى الأصل ، فيحتمل إلحاقهما بالواحد في كفارته إن لم يثبت بالأصل الزيادة عليها.

وهنا أقوال أُخر ، منها : لزوم صاع في المتعدد كما عن الحلبي (٦) ، وشاة في الكثير منه ، كما عنه وعن الغنية والمهذّب والتلخيص (٧).

أو مدّ من طعام أو تمر أو شبهه كما عن المقنعة وجعل العلم والعمل والتحرير (٨).

__________________

(١) القواعد : ٩٤.

(٢) نقله عنهما في كشف اللثام ١ : ٣٩١.

(٣) المقنع : ٧٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، الكافي : ٢٠٦ ، الجامع للشرائع : ١٩٠.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٨ ، المستدرك ٩ : ٢٥٨ أبواب كفارات الصيد ب ٨ ح ١.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٩١.

(٦) الكافي في الفقه : ٢٠٦.

(٧) الكافي : ٢٠٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، المهذب ١ : ٢٢٦ ، وحكاه عن التلخيص في كشف اللثام ١ : ٣٩١.

(٨) المقنعة : ٤٣٨ ، جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٢ ، التحرير ١ : ١١٦.

٢٧٦

ونحوه عن المراسم (١) ، إلاّ في مدّ من طعام فلم يذكر فيه.

ولا مستند لشي‌ء من هذه الأقوال ، إلاّ ما ربما يقال من أن إيجاب الشاة لكثيره للحمل على الجراد ، وإيجاب المدّ أو الصاع لضمّ فداء بعضه إلى بعض (٢) ، وفيهما كما ترى ضعف.

ثم إن ظاهر وجوب التكفير تحريم تعمّد القتل ، خلافاً للمبسوط ، فصرّح بالجواز ، وأنه يكفّر بعد القتل بما استطاع (٣) ؛ ولعلّه للأصل ، وكونه من المؤذيات ، مضافاً إلى الخبرين.

في أحدهما : « يقتل المحرم الزنبور والنسر والأسود العذر والذئب وما خاف أن يعدو عليه » (٤).

وفي الثاني المروي عن قرب الإسناد للحميري : « يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره ، ويقتل الزنبور والعقرب والنسر والذئب والأسد ، وما خاف أن يعدو عليه من السباع والكلب العقور » (٥).

ولا ينافي الجواز وجوب الكفارة ، كما في وجوبها في قتل الصيد خطأ.

وهو حسن إن نمنع ظهور لزوم الكفارة في الحرمة ، وهو مشكل ، والتخلف في بعض الأفراد لا ينافي الظهور.

وحيث ثبت يمكن دفع الأصل بما مرّ من التكفير الظاهر في المنع‌

__________________

(١) المراسم : ١٢٢.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٩١.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣٩.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٨.

(٥) قرب الإسناد : ١٤٢ / ٥١٠ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١٢.

٢٧٧

كما مرّ.

وعن الخبرين بضعف السند ، مع احتمال تنزيلهما على جواز القتل في صورة الخوف منه وإرادته له ، ولا ريب في الجواز حينئذ كما مرّ ، مضافاً إلى خصوص الصحيح هنا ، وفيه بعد نحو ما مرّ في الصحاح من الأمر بالتكفير بشي‌ء من الطعام في صورة العمد : قلت : إنه أرادني ، قال : « كل شي‌ء أرادك فاقتله » (١).

وبهما يقيّد إطلاق المتن ونحوه وما مرّ من النص بصورة عدم الإرادة وانتفاء الخوف منه.

( ويجوز شراء القَماريّ ) جمع قمرية بالضم : ضرب من الحمام ، والقمرة بالضم : لون إلى الخضرة أو الحمرة فيه كدرة.

( والدباسيّ ) من الدبس بالضم : جمع أدبس من الطير الذي لونه بين السواد والحمرة ، ومنه الدُّبسيّ لطائر أدكن يقرقر ، كما عن القاموس (٢).

( وإخراجها من مكة ) شرّفها الله سبحانه ، على كراهية ( لا ذبحها ) وأكلها.

اتّفاقاً في الحكم الأخير فتوًى ودليلاً ، كتاباً وسنّةً من غير معارض.

ووفاقاً للنهاية والمبسوط (٣) في الأولين ؛ للصحيح : عن شراء القَماريّ تُخرَج من مكة والمدينة ، قال : « ما أُحبّ أن يُخرَج [ منهما (٤) ] شي‌ء » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٩.

(٢) القاموس ٢ : ٢٢١.

(٣) النهاية : ٢٢٤ ، المبسوط ١ : ٣٤١.

(٤) أثبتناه من التهذيب ، وفي النسخ والفقيه : منها.

(٥) الفقيه ٢ : ١٦٨ / ٧٣٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٩ / ١٢١٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٨ أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٣.

٢٧٨

وهو مع اختصاصه بالقماري غير صريح في الجواز ، بل ظاهر جماعة كالشيخ في التهذيب وغيره (١) دلالته على التحريم.

ولعلّه لدوران الأمر فيه بين إبقاء لفظ « لا أُحبّ » على ظاهره من الكراهة ، وتخصيص الشي‌ء المنفي في سياق النفي بخصوص القماري أو الدباسي أيضاً ؛ وبين إبقاء العموم بحاله ، وصرف « لا أُحبّ » عن ظاهره إلى التحريم ، أو الأعم منه ومن الكراهة.

والأول خلاف التحقيق وإن كان التخصيص أولى من المجاز ، بناءً على اختصاص الأولوية بالتخصيص المقبول ، وهو ما بقي من العام بعده أكثر أفراده ، وليس هنا كذلك ، فاختيار الثاني لازم.

هذا إن سلّم ظهور « لا أُحب » في الكراهة ، وإلاّ فهو أعم منها ومن الحرمة لغةً ، لكن مقتضى هذا عدم دلالته على التحريم أيضاً.

والتحقيق : أن هذه الرواية مجملة لا تصلح أن تتخذ لشي‌ء من القولين حجة.

وحينئذ فالأصل في المسألة عدم الجواز ؛ لعمومات حرمة الصيد كتاباً وسنّةً ، كما عليه جماعة (٢) ، تبعاً للحلّي (٣) ، ولكن مورد عبارته المنع عن الإخراج عن الحرم خاصة ، ومورد النص الإخراج من مكة ، وأحدهما غير الآخر فلا تنافي ، كذا قيل (٤).

وفيه نظر ؛ لمنع اختصاص النص بمكة ، فإن مورد السؤال الذي‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٩ ؛ وانظر الفقيه ٢ : ١٦٨.

(٢) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٣٣٢ ، وصاحبا المدارك ٨ : ٣١٩ ، والحدائق ١٥ : ١٦١.

(٣) السرائر ١ : ٥٦.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٩١.

٢٧٩

ينطبق عليه الجواب هو الإخراج منها ومن المدينة بمقتضى الواو المفيدة للجمعية في الحكم ، الذي هو هنا الإخراج ، والإخراج منهما معاً يستلزم الإخراج من الحرم.

ثم لو سلّم نقول : إنه جوّز فيه الإخراج عن مكة من غير تقييد بما إذا لم يخرج عن الحرم بعد عموم السؤال له وانطباق الجواب عليه بقاعدة ترك الاستفصال ، فالرواية وإن لم تكن ناصّة بالجواز في الحرم لكنها ظاهرة فيه أيضاً ، فيتحقق التعارض والتنافي كما فهمه سائر الأصحاب ، حيث ذكروا الحلّي مخالفاً للشيخ هنا وخالفوه ، أو وافقوه وهو الأقوى.

( وأنما يحرم على المحرم صيد البرّ ) دون البحر كما مرّ.

( وينقسم ) باعتبار لزوم الكفارة وبدلها إلى ( قسمين ) :

( الأول : ما لكفارته بدل على الخصوص وهو ) على ما ذكروه (١) ( خمسة : )

( الأول : النعامة ، وفي قتلها بدنة ) بالتحريك ، كما هو المشهور ، وفي صريح التذكرة والمنتهى وظاهر الغنية (٢) الإجماع ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى الصحاح المستفيضة : « وفي النعامة بدنة » (٣).

خلافاً للنهاية والمبسوط والسرائر (٤) فجزور ؛ للخبر (٥). وفي سنده اشتراك ، فإذاً الأول أظهر.

__________________

(١) في « ق » : ذكره.

(٢) التذكرة ١ : ٣٤٤ ، المنتهى ٢ : ٨٢٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ٥ أبواب كفارات الصيد ب ١.

(٤) النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط ١ : ٣٣٩ ، السرائر ١ : ٥٥٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠ ، الوسائل ١٣ : ٦ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٣.

٢٨٠