رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

الفاضل على ما في المتن بما نصّ على فعلهما عنده أو خلفه.

وعن الشهيد أنه قال : وأمّا تعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فمجاز تسميةً لما حول المقام باسمه ؛ إذ القطع حاصل بأن الصخرة التي فيها أثر قدم إبراهيم عليه‌السلام لا يصلّي عليها (١).

والأحوط أن لا يصلّي إلاّ خلفها ، كما عن الصدوقين والإسكافي والشيخ في المصباح ومختصره والقاضي في المهذّب (٢) ؛ للأخبار الدالة عليه (٣) ، وعدم تعارض بينها وبين الأخبار المتضمنة للصلاة عنده إلاّ تعارض العموم والخصوص المطلق فيجب التقييد.

وعن الشهيد أنه قال : لا خلاف في عدم جواز التقدم على الصخرة والمنع عن استدبارها ، والتعبير ب « في » للدلالة على وجوب الاتصال والقرب منه بحيث يتجوّز عنه بالصلاة فيه ، لظاهر الآية (٤). انتهى.

وهو حسن ، ومقتضاه وجوب إيقاعهما في البناء الذي فيه الصخرة.

ولا ينافيه إطلاق الأخبار بالصلاة خلف المقام أو عنده ، الصادق على الخارج عن البناء ؛ لانصرافه إلى الداخل فيه لا الخارج.

ولعلّه لذا رتّب الماتن بين الداخل والخارج بقوله بعد ما مرّ : ( فإن منعه زحام ) عن الصلاة في المقام ( صلّى ) على ( حياله ) أي خلفه أو‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٩٧.

(٢) الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٥٣ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٩١ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٩١ ، مصباح المتهجد : ٦٢٤ ، نقله من مختصره في كشف اللثام ١ : ٣٣٨ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٦٤.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٢٢ أبواب الطواف ب ٧١.

(٤) الدروس ١ : ٣٩٧ ، والموجود فيه إلى قوله : استدبارها ، والظاهر أن الباقي من كلام كشف اللثام ( ١ : ٣٣٨ ) الحاكي عن الشهيد.

٢١

أحد جانبيه من خارج البناء ، ويوافقه عبائر كثير (١) وإن اختلفت في التخيير بين الخلف وأحد الجانبين ، أو الترتيب بينهما بتقدم الخلف على الجانب مع الإمكان ، كما هو الأحوط.

وعلى الجملة : يجب تحرّي القرب منه ما أمكن ، فإذا تعذّر لزحام جاز البُعد بقدر الضرورة ؛ للصحيح في الكافي (٢) وإن ضعف في التهذيب (٣) : رأيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد.

وفي التهذيب : « قريباً [ من الظلال (٤) ] لكثرة الناس ». قيل : وللأصل ، وإطلاق الأخبار بالصلاة خلفه ، وللآية باتّخاذ المصلّى منه بمعنى ابتداء المصلّى أو اتّخاذه منه بكونه بحياله. وأما وجوب تحرّي الأقرب منه بقدر الإمكان وعدم جواز البُعد إلاّ بقدر الضرورة فللأخبار الآمرة بفعلها عنده ، واحتمال « مِن » في الآية الاتصالية والابتدائية التي في نحو : اتّخذت الخاتم من الفضّة ، وللاحتياط. وأما جواز الصلاة إلى أحد الجانبين فللأصل ، وإطلاق الآية وأخبار الفعل عنده ، واحتمال هذا الخبر ، والأحوط الخلف. وفي جواز التباعد لمجرد الزحام أيضاً نظر ما لم يتضيق الوقت ؛ لضعف الخبر (٥).

أقول : وفيه نظر ؛ لما عرفت من صحة السند في الكافي وكون الضعف‌

__________________

(١) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ١٧٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٨ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ١٣٨.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٣ أبواب الطواف ب ٧٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٣ أبواب الطواف ب ٧٥ ح ١.

(٤) أضفناه من المصدر.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

٢٢

في التهذيب.

نعم في الدلالة نظر ؛ لعدم التصريح فيه ، بل ولا ظهور بفعله عليه‌السلام الركعتين ثمة في سعة الوقت ، بل هو مجمل ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن.

ثم إنّ هذا الحكم أعني وجوب صلاة ركعتي طواف الفريضة خلف المقام أو إلى أحد الجانبين بحيث لا يتباعد عنه عرفاً ، أو على النهج المتقدم مع الاختيار قول المعظم ، وعليه الأكثر ، وفي عبائر جمع أنه الأشهر. ولعلّه الأظهر ؛ للكتاب ، والسنّة المستفيضة ، وفيها الصحاح والمعتبرة.

خلافاً للخلاف فيستحب ، فإن لم يفعل وفعل في غيره أجزأ (١).

وللحلبي فجعل محلّهما المسجد الحرام مطلقاً (٢) ، كما عن ابني بابويه في ركعتي طواف النساء خاصة (٣) ومستندهم غير واضح ، عدا ما قيل من الأصل ، وعدمِ صراحة الآية فيه ، لأنها إن كانت من قبيل اتّخاذ الخاتم من الفضة ، أو كانت « مِن » فيها بمعنى « في » لزم أن يراد بالمقام : المسجد ، أو الحرم ، وإلاّ وجب فعل الصلاة على الحجر نفسه. وإن أُريد الاتصال والقرب التام ، وبالمقام الحجر ، فالمسجد كلّه بقربه. وإن وجب الأقرب فالأقرب لزم أن يكون الواجب في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكعبة ، لكون المقام عنده ، وكذا كلّما نقل إلى‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٢٧.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٨.

(٣) الصدوق في المقنع : ٩٢ ، ونقله عن والده في المختلف : ٢٩١.

٢٣

مكان وجبت الصلاة فيه ، لعلّه لا قائل به ؛ وإطلاقِ بعض الأخبار (١) لمن نسيهما في فعلهما في مكانه (٢).

وفي الجميع نظر ؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مرّ.

وظهورِ الآية فيه بظهور الاحتمال الأول على ما اعترف به القائل ، ومنع ما أُورد على تقديره من لزوم أن يراد بالمقام المسجد أو الحرم ، باحتمال أن يراد به ما جاوره ممّا يقرب منه ، بل لعلّه المتعين ، لأنه أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذرة ، ومرجعه إلى وجوب مراعاة الأقرب إلى المقام فالأقرب ، كما هو مقتضى الاحتمال الأخير أيضاً. ومنعه بعدم قائل بما يلزمه ممنوع بعدم بلوغ مثله إجماعاً سيّما مع عدم تعرض أحد له.

وحمل غير الناسي على الناسي قياس.

مع أن هذه الوجوه لو صحّت لثبت بها القول الأوّل (٣) ، وأما الآخران فلم أقف لهما على مستند عدا الأخير فله الرضوي (٤) ، وفي مقاومته لأدلة الأكثر نظر ، فضلاً من أن يقوّي عليها ويترجّح.

وأمّا ما عن الخلاف من أنه لا خلاف في أن الصلاة في غيره يعني فيما عدا خلف المقام تجزئه ولا تحب عليه الإعادة (٥). فعلى تقدير سلامته من تطرّق الوهن إليه بوجود الخلاف سيّما من الأكثر ، معارض بالنصوص الآمرة بالإعادة المترجّحة عليه من وجوه لا تخفى على من تدبّر.

ثم إن هذا الخلاف إنما هو في ركعتي طواف الفريضة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٣٨ / ٤٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٤ / ٨١٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١١.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٣٣٨.

(٣) أي قول الشيخ في الخلاف.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٣ ، المستدرك ٩ : ٤١٤ أبواب الطواف ب ٤٨ ح ١.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٢٨.

٢٤

( ويصلّي ) ركعتي طواف ( النافلة حيث شاء من المسجد ) بلا خلاف فيه فتوًى وروايةً ، وهي مستفيضة (١) ، بل في بعضها المروي في قرب الإسناد : عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلّي الركعتين خارج المسجد ، قال : « يصلّي بمكة لا يخرج منها إلاّ أن ينسى فيصلّي إذا رجع في المسجد أيّ ساعة أحبّ ركعتي ذلك الطواف » (٢).

وظاهره جواز صلاة الركعتين خارج المسجد بمكة على الإطلاق ، ولم أر مفتياً به ، فالعمل به مشكل ولو صحّ سنده.

( ولو نسيهما رجع فأتى بهما فيه ) أي في المقام ؛ تحصيلاً للامتثال ، والتفاتاً إلى ظاهر الأمر به في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٣).

ولا تعارضها الأخبار الأُخر المرخِّصة لفعلهما حيث ذكره من غير اشتراط للتعذر فيها أو المشقّة ؛ لقصورها جملةً عن الصحة ، بل ضعف بعضها سنداً ، وجميعها دلالةً ، فإنّ غايتها الإطلاق ، ويمكن تقييدها بصورة المشقة جمعاً بين الأدلة.

وهو أولى من الجمع بينهما بحمل الأخبار الأوّلة على الاستحباب ، وإبقاء الأخيرة على إطلاقها ، كما احتمله في الاستبصار (٤) ، وربما يعلم (٥) من الصدوق في الفقيه أيضاً (٦) ؛ لما تقرّر في الأُصول من أولوية التخصيص‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٤٢٦ أبواب الطواف ب ٧٣.

(٢) قرب الإسناد : ٢١٢ / ٨٣٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٧٣ ح ٤.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٧٤.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٣٦.

(٥) في « ق » : يفهم.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٥٤.

٢٥

من المجاز.

مع اعتضادها هنا بالشهرة العظيمة بين الأصحاب حتى كادت تكون إجماعاً ، كما صرّح به بعض الأصحاب (١) وبكثرة الأخبار الأوّلة وصحّتها واستفاضتها ، وتضمّن جملة منها تعليل الأمر بالرجوع بقوله تعالى ( وَاتَّخِذُوا ) والأمر فيه للوجوب قطعاً.

مضافاً إلى إشعار بعضها بالتفصيل ، فيكون شاهداً على هذا الجمع ، وهو الصحيح : عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالى ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) حتى ارتحل ، فقال : « إن كان ارتحل فإني لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع ، ولكن يصلّي حيث يذكر » (٢).

وبالجملة : لا ريب في هذا الحكم وإن مال عنه إلى محتمل الشيخين بعض معاصري الأصحاب ، قال : لصراحة بعض الأخبار في جواز الصلاة حيث ذكر هنا أيضا (٣) ، فإن فيه : نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى ، فرجعت إلى مكة فصلّيتهما ثم عدت إلى منى ، فذكرنا ذلك له عليه‌السلام ، فقال : « أفلا صلاّهما حيث ذكر؟! » (٤). وفيه بعد الإغماض عن قصور سنده أو ضعفه ـ : منع صراحته ؛ إذ ليس إلاّ من جهة دلالته على رخصته عليه‌السلام له مع عوده ، وهو حسن إن اعتبرنا التعذر في جواز الصلاة في محل الذكر. وأما إذا اكتفينا بالمشقة ولو من غير تعذّر كما يأتي فلا صراحة فيه ؛ لإمكان كون عود الراوي معها‌

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٣٧٢.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٥ / ٨١٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٠.

(٣) الحدائق ١٦ : ١٤٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٩ / ٤٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٥ / ٨١٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٩ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٩ ؛ بتفاوت يسير.

٢٦

ولأجلها رخّص فيه.

( ولو ) تعذّر الرجوع أو ( شقّ صلاّهما حيث ذكر ) ولو خارج المسجد أو الحرم وتمكّن من الرجوع إليهما ، على الأشهر الأقوى ، بل كاد أن يكون إجماعاً.

خلافاً للدروس فقال : رجع إلى المقام ، فإن تعذّر فحيث شاء من الحرم ، فإن تعذّر فحيث أمكن من البقاع (١).

وهو أحوط ، وأحوط منه الرجوع إلى المسجد إن أمكن ولم يمكن إلى المقام وإن كان في تعيّنه نظر ؛ لإطلاق الأخبار بالصلاة موضع الذكر ، بحيث يشمل خارج الحرم والمسجد ولو مع التمكن منهما ، وصورة المشقة من غير تعذر في العود إلى المقام ، بل ظهور الصحيحة المتقدمة أو صراحتها فيها ، وصراحة الرواية المتقدمة بعدها قطعاً ، مضافاً إلى انتفاء العسر والحرج واعتبار الوسع في التكليف.

ولا معارض لها يوجب الرجوع إلى الحرم أو المسجد مع الإمكان ويقيّد المشقة بالتعذر.

وللتحرير فجوّز الاستنابة فيهما إن خرج وشقّ عليه الرجوع (٢).

وكذا عن التذكرة إن صلاّهما في غير المقام ناسياً ثم لم يتمكن من الرجوع (٣).

قيل : لجواز الاستنابة تبعاً للطواف ، فكذا وحدها ؛ وللصحيح فيمن نسيهما حتى ارتحل من مكة ، قال : « إن كان مضى قليلاً فليرجع فليصلّهما ،

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٩٦.

(٢) التحرير ١ : ٩٨.

(٣) التذكرة ١ : ٣٦٢.

٢٧

أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه » (١).

والصحيح : « من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة ، فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من المسلمين » (٢).

والخبر : عمّن نسي أن يصلّي الركعتين ، قال : « يصلّى عنه » (٣).

والمرسل : عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج ، قال : « يوكّل » (٤) انتهى (٥).

وفي هذه الأدلة أجمع نظر ؛ لأن الأول قياس فاسد.

والصحيح الأول مخالف للإجماع ؛ لدلالته على جواز الاستنابة مع التمكّن من الرجوع ، ولم نر قائلاً به.

والصحيح الثاني يحتمل التقييد بما إذا مات فإن الحكم فيه ذلك كما يأتي.

والخبر الأول يحتمل التقييد به أيضاً ، مضافاً إلى ما في سنده.

نعم الرواية الأخيرة صريحة في ذلك ، إلاّ أنّ ضعف سندها من وجوه وقصورها عن المقاومة للأخبار الآمرة للناسي بفعله لهما بنفسه يمنع عن العمل بها.

قيل : وظاهر المبسوط الاستنابة إذا خرج مع تعمّد الترك (٦). ولم نقف على مستنده ، مع أنه غير مرتبط بما نحن فيه.

ولم يتعرّض المصنف لحكم الجاهل والعامد.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٤ / ١٢٢٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٣ / ٤٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٧١ / ١٦٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٤ / ٨١٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٣٩.

٢٨

أمّا الجاهل فالظاهر أنه بحكم الناسي ، وفاقاً لجماعة (١) ؛ للصحيح : « إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي » (٢).

وأمّا العامد فقيل : إنّ مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان ، وإنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر ، أو بقائهما إلى أن يحصل التمكن من الإتيان بهما في محلّهما ، وكذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما ، من صدق الإتيان بها ، ومن عدم وقوعها على الوجه المأمور به (٣). انتهى. وهو جيّد.

( ولو مات ) الناسي لهما ولم يصلّهما ( قضاهما عنه الوليّ ) كما في كلام جماعة (٤) ، من غير خلاف فيه بينهم أجده ؛ للعموم ، وللصحيحة المتقدمة قريباً ، وهي وإن كانت عامة لصورتي الموت والحياة لكن الثانية خرجت بما عرفته من الأدلة ، و « أو » فيها ليست ناصّة في التخيير ، فيحتمل غيره ، وهو تعيّن الوليّ مع وجوده ، وجواز غيره له مطلقاً ، أو مع عدمه.

وإن فاتتاه مع الطواف فهل الولي قضاء الجميع بنفسه أو بالاستنابة؟

الأقوى الوجوب ، أما الصلاة فلما (٥) مرّ.

وأما الطواف فللصحيح : فيمن نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : « لا يحلّ له النساء حتى يزور البيت » وقال : « يأمر من يقضي عنه إن‌

__________________

(١) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٦٣٠ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٣٧٣ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ١٤٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٤ / ١٢٣٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٣.

(٣) المدارك ٨ : ١٣٦.

(٤) منهم : السبزواري في الذخيرة : ٦٣٠ ، والفاضل الهندي كشف اللثام ١ : ٣٣٩ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ١٤٧.

(٥) في « ك‍ » و « ح » : فلبعض ما مرّ.

٢٩

لم يحجّ ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره » (١).

وهو إن كان مخصوصاً بطواف النساء لكن يشمل طواف العمرة والزيارة بطريق أولى.

( والقِران ) بين الطوافين فصاعداً بأن لا يصلّي ركعتي كلّ طواف بعده بل تأتي بهن أجمع ثم بصلاتهن كذلك حرام عند الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في المنتهى (٢).

و ( مبطل ) أيضاً.

كلّ ذلك ( على الأشهر ) على ما هنا وفي التنقيح (٣).

وفيه : إن لم يكن إجماع نظر ؛ فإنّا لم نقف على نصّ ولا فتوًى يتضمّن الحكم بالإبطال ، وإنما غايتهما النهي عن القران.

ففي الصحيح : عن الرجل يطوف الأسابيع جميعاً فيقرن ، فقال : « لا ، إلاّ أُسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن عليه‌السلام لأنه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال التقيّة » (٤).

وفي (٥) آخر مروي في السرائر عن كتاب حريز : « لا قِران بين أُسبوعين في فريضة ونافلة » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٧ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٦.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٩٩.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٥٠٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١١٦ / ٣٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٢١ / ٧٦١ ، الوسائل ١٣ : ٣٧١ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٧.

(٥) في « ح » زيادة : خبر.

(٦) مستطرفات السرائر : ٧٣ / ١٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٣ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ١٤.

٣٠

وفي الخبر : عن الرجل يطوف بين أُسبوعين ، فقال : « إن شئت رويت لك عن أهل مكة » فقال : قلت له : والله مالي في ذلك حاجة جعلت فداك ، ولكن اروِ لي ما أدين الله عز وجل به ، فقال لي : « لا تقرن بين أُسبوعين ، كلّما طفت أُسبوعاً فصلِّ ركعتين ، وأما أنا فربما قرنت الثلاثة والأربعة » فنظرت إليه فقال : « إنّي مع هؤلاء » (١).

وغاية هذه الأخبار الدلالة على تحريم القرآن ، وهو لا يستلزم بطلان الطواف الأول إذا كان فريضة ، أو بطلانهما معاً كما هو ظاهر العبارة وغيرها ؛ لتعلق النهي بخارج العبادة ، لعدم صدق القران إلاّ بالإتيان بالطواف الثاني ، فهو المنهي عنه ، لا هما معاً أو الأول كما هو ظاهر القوم.

نعم ، لو أُريد بالباطل الطواف الثاني اتّجه ؛ لتعلّق النهي بنفس العبادة حينئذ.

ويدلُّ على البطلان حينئذ زيادةً على ذلك الأخبار الدالة على فورية صلاة الطواف وأنها تجب ساعة الفراغ منه لا تؤخَّر (٢) ، بناءً على ما قررناه في الأُصول من استحالة الأمر بشيئين متضادين في وقت مضيّق ولو لأحدهما.

وبالجملة : ظاهر الأدلة تحريم القرآن في طواف الفريضة ، وأما بطلانه فلم نقف له على حجة إلاّ أن يكون إجماعاً كما ربما يفهم من التنقيح وغيره (٣).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٥ / ٣٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٠ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٣.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٧٦.

(٣) التنقيح ١ : ٥٠٢ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٣٦٥.

٣١

ومقابل الأشهر قول الحلّي بعدم البطلان والتحريم ، بل الكراهة (١) ؛ للأصل ، والأخبار الكثيرة الدالة على أنهم عليهم‌السلام قرنوا (٢) ، وللصحيح (٣) وغيره (٤) : « إنما يكره أن يجمع الرجل بين أُسبوعين والطوافين في الفريضة ، وأما في النافلة فلا بأس ». وفي الجميع نظر ؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما مرّ ، وضعف دلالة الأخبار أجمع :

أما أخبار الفعل فلعلّ الفعل كان في النافلة ، أو الفريضة لحال التقية ، فإنّ الجواز مذهب العامة كما في المنتهى وغيره (٥) ، وصرّح به جملة من الأخبار السابقة.

وأما الخبران الأخيران فلأعمية الكراهة فيهما من الكراهة بالمعنى المصطلح ، فلعلّ المراد بها الحرمة ، كما ربما يشير إليه المقابلة لها بنفي البأس في النافلة ، بناءً على الإجماع على الكراهة فيها ، بل جعلها في التنقيح على إرادة الحرمة من لفظ الكراهة أمارة صريحة (٦).

ومن هنا يتّضح المستند في قوله : ( و ) القِران ( مكروه في ) طواف ( النافلة ) مضافاً إلى الشبهة الناشئة من عموم الأخبار الناهية للنافلة ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٧٢.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٣٦٩ أبواب الطواف ب ٣٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥١ / ١٢٠٧ ، التهذيب ٥ : ١١٥ / ٣٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٩ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١١٥ / ٣٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٠ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٤.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٠٠ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٣٦٥ ، والتنقيح الرائع ١ : ٥٠٢.

(٦) التنقيح ١ : ٥٠٢.

٣٢

وخصوص صحيحة حريز المتقدمة ، وإن قيل في تضعيف دلالتها على المنع في النافلة احتمال أن يكون المراد أنه لا يجوز أن يقرن طواف النافلة بطواف الفريضة ، بل يجب أن يصلّي بركعتين للفريضة ثم يطوف للنافلة ؛ لبُعده غايته.

ولو لا نفي الخلاف عن الجواز فيها مع الكراهة الظاهر المصرَّح به في التنقيح (١) ، لكان القول بالمنع فيها أيضاً في غاية القوة ؛ لما عرفته (٢) ، مع قصور الخبرين المتقدمين بأنه إنما يكره في الفريضة ، وأمّا النافلة فلا بأس عن صَرف الأخبار المانعة بتقييد وشبهه ، بقوة احتمال ورودهما للتقية ، مع أن ظاهرهما نفي البأس في النافلة بالكلّية ، ولا قائل به منّا كما عرفته ، فتدبّر.

واعلم أن تفسير القِران بما قدّمناه من أنه الجمع بين أُسبوعين فصاعداً هو ظاهر النصوص والفتاوي ، وبه صرّح في التنقيح أيضاً (٣).

ولكن يحتمل تفسيره بما يعمّه والجمع بين طواف وما زاد ولو شوطاً أو بعضه ، فيكون إشارةً إلى تحريم الزيادة على الطواف مطلقاً. وقد فرضها الأصحاب مسألة أُخرى ، وظاهرهم الاتفاق على الحكم المذكور فيها إلاّ نادراً ، وأطلقوا الحكم في ذلك فلم يفصّلوا بين صور المسألة وشقوقها ، فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فالمتّجه التفصيل على ما ذكره بعض أصحابنا ، حيث قال بعد ذكر الحكم على إطلاقه مبيّناً لدليله :

أما إذا نوى الزيادة من أول الطواف أو في أثنائه على أن يكون من‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٥٠٢.

(٢) من عموم المنع.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٥٠٢.

٣٣

الطواف فهو ظاهر ؛ لأنه نوى ما لم يأمر به الشارع ، كما لو نوى صوم يوم وليلة أو وبعضها ، فإن نواها من أوّل الأمر لم يشرع إلاّ في طواف غير مشروع بنيّة غير صحيحة ، وإن نواها في الأثناء فلم يستدم النية الصحيحة ولا حكمها.

وأما إن لم يكن شي‌ء من ذلك وإنما تجدّد له تعمّد الزيادة بعد الإتمام ، فإن تعمّد فعلها لا من هذا الطواف فعدم البطلان ظاهر ؛ لأنها حينئذ فعل خارج وقع لغواً أو جزءاً من طواف آخر.

وإنما الكلام إذا تعمّدها حينئذ من هذا الطواف ، فظاهر الأكثر البطلان ؛ لأنه كزيادة ركعة في الصلاة ، كما في الخبز : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة » (١).

ولخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع وجوب التأسّي ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خذوا عنّي مناسككم » (٢).

وللخبر : عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط ، قال : « يعيد حتى يستتمّه » (٣).

وفي الكل نظر ؛ لأن الخبرين إن سلما يحتملان نية الزيادة أول الطواف أو أثناءه.

والخروج عن الهيئة المأثورة ممنوع ، فإنّ ما قبلها كان على الهيئة ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢١٧ / ٧٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٦ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١١.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٣٤ / ١١٨ ، المستدرك ٩ : ٤٢٠ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١١١ / ٣٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢١٧ / ٧٤٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٣ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١.

٣٤

والزيادة إنما لحقتها من بعد.

وكذا كونها كزيادة ركعة ، بل إنما هي كفعل ركعة بعد الفراغ من الصلاة ، ولذا لم يجزم المحقّق بالحرمة فضلاً عن الإبطال.

وقد يؤيّد الصحة مع الأصل إطلاق نحو الصحيح : عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط ، قال : « يضيف إليها ستّاً » (١) وهو كثير ، إلاّ أنه لا بدّ أن يكون المراد السهو ، أو نية الطواف الثاني ، أو تعمّد الشوط من طوافه .. إلى آخر ما ذكره (٢).

ولنعم ما ذكره ، وإنما ذكرناه بطوله لحسن مفاده وجودة محصوله.

وإلى ما ذكره يميل جماعة (٣) ، لكن ما اختاره الأكثر لعلّه أظهر ؛ للخبر الذي مرّ ، وضعفه إن كان بعملهم منجبر. مع أنه قريب من الصحيح ، لكون الراوي عن موجِب الضعف (٤) مَن نُقِل إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، مع أن الضعف بالاشتراك بين الثقة وغيره (٥) ، وقيل : أنه الثقة ، ولذا وصفه بعض العلماء بالصحة (٦).

وكيف كان ، فالتأمل في السند لا وجه له ، وكذا في الدلالة ؛ لإطلاق ما فيها من الزيادة الشاملة لمفروض المسألة. وتقييده بخصوص ما ذكره من غير مقيّد لا وجه له.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١١ / ٣٦٢ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٤٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٨.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٣٥.

(٣) انظر الذخيرة : ٦٣٦.

(٤) هو : صفوان بن يحيى عن عبد الله بن محمّد.

(٥) انظر الحدائق ١٦ : ٢٠٤.

(٦) المختلف : ٢٨٩.

٣٥

ثم إنّ هذا إذا زاد عمداً.

( ولو زاد سهواً أكمل أُسبوعين ) على الأشهر الأظهر ، كما في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (١).

وأكثرها وإن عمّت صورة العمد لكنها مخصَّصة بالسهو ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى الصحيح : « من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن ، فليتمّ أربعة عشر شوطاً ثم ليصلّ ركعتين » (٢).

وبه يقيّد الخبران المتقدّمان قريباً المطلقان للإعادة بالزيادة ، بحملهما على العمد أيضاً وإن بعد في أحدهما.

خلافاً للصدوق ، فجمد على ما ظاهرهما من الإطلاق (٣) ، ومال إليه بعض المعاصرين (٤) ؛ لذلك ، وللخبر : قلت : رجل طاف وهو متطوّع ثمان مرات وهو ناسٍ ، قال : « فليتمّ طوافين ثم يصلّي أربع ركعات ، فأما الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط » (٥).

مضافاً إلى الصحيح المتقدم الآمر بصلاة ركعتين خاصة.

ونحوه بل وأظهر منه آخر : كان علي عليه‌السلام يقول : « إذا طاف [ ثمانية ] فليتمّ أربعة عشر » قلت : يصلّي أربع ركعات؟ قال : « يصلّي ركعتين » (٦).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٣٦٤ أبواب الطواف ب ٣٤.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٢ / ٣٦٤ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٥٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٤ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٥.

(٣) المقنع : ٨٥.

(٤) انظر الحدائق ١٦ : ٢٠٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١١٤ / ٣٧١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٤ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٢.

(٦) التهذيب ١١٢ / ٣٦٣ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٤٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٩. وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

٣٦

قال : والتقريب فيهما أن الأول صار باطلاً باعتبار الزيادة وإن كانت سهواً ، وأن الشوط الثامن قد اعتدّ به من الطواف الواجب المأمور به بعد بطلان الأول ، وهاتان الركعتان له.

وفي الجميع نظر ؛ لضعف الخبرين بما مرّ ، والثالث بضعف السند ، وشذوذ الصحيحين وعدم قائل بهما في البين ، لانحصار القول في المسألة في اثنين ، أحدهما : استحباب إكمال أُسبوعين وصلاة أربع ركعات ، أشار إليه الماتن بقوله :

( وصلّى ركعتي ) الطواف ( الواجب منهما قبل السعي وركعتي الزيادة بعده ) ودلّ عليه الصحيح : « إنّ علياً عليه‌السلام طاف طوافه الفريضة ثمانية ، فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليها ستة ، ثمّ صلّى ركعتين خلف المقام ، ثم خرج إلى الصفا والمروة ، فلمّا فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللذين ترك في المقام الأول » (١).

ونحوه كثير من الصحاح وغيرها (٢) ، لكن من غير بيان للركعات أنها مفصولة أو موصولة.

وثانيهما : ما عليه الصدوق من بطلان ما فعل ووجوب الإعادة ، ومقتضاه وجوب إعادة سبعة أشواط لا ستّة ، فيصير المجموع خمسة عشر شوطاً ، وهو خلاف نصّ الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة من الاكتفاء بأربعة عشر شوطاً ، مع أن [ ثانيهما (٣) ] الدالّ على قول الأمير عليه‌السلام : ذلك‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٢ / ٣٠٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٧.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٣٦٣ أبواب الطواف ب ٣٤.

(٣) في النسخ : أولهما. وهو سهو.

٣٧

معارض بصريح الصحيح الأخير المتضمن لفعله عليه‌السلام خلافه. ووهنه بعدم إمكان حمله على العمد ولا النسيان لعصمته عليه‌السلام عنهما ، مضعّف في كلام جماعة (١) بإمكان كون فعله عليه‌السلام تقيةً ، فتأمّل.

فطرحهما ، أو حملهما على أن يراد بالركعتين صلاتان ، أو صلاة ركعتين لكل طواف ، أو يراد قبل السعي ، متعيّن.

وبالجملة : فالأخبار المتقدمة ما بين ضعيفة سنداً ودلالةً ، وشاذّة ، ومع ذلك فغير مكافئة لأخبار الأكثر من وجوه عديدة من حيث الصحة والاستفاضة والاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، وبغيرها من المعتبرة كالرضوي الذي عليه اعتماد الصدوق وأبيه وكثير : « فإن سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط ، فزد عليها ستة أشواط وصلِّ عند مقام إبراهيم ركعتي الطواف ، ثم اسعَ بين الصفا والمروة ، ثم تأتي المقام فصلِّ خلفه ركعتي الطواف ، واعلم أن الفريضة هو الطواف الثاني ، والركعتين الأوّلتين لطواف الفريضة ، والركعتين الأخيرتين للطواف الأول ، والطواف الأول تطوّع » (٢).

وصريح هذه الرواية وظاهر بعض الصحاح المتقدمة كون الطواف الثاني الفريضة والأول الناقلة ، كما عن والد الصدوق والإسكافي (٣) ، وهو ظاهر العبارة وأخبار المسألة ؛ للأمر فيها أجمع بإكمال أُسبوعين ، وهو حقيقة في الوجوب ، فلا يجوز قطع الطواف الثاني.

__________________

(١) منهم : المحدّثان الحرّ العاملي في الوسائل ١٣ : ٣٦٥ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٢٠٩.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٠ ، المستدرك ٩ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٢٤ ح ٢.

(٣) نقله عنهما في المختلف : ٢٨٩.

٣٨

خلافاً للفاضل والشهيدين (١) ، فجعلوا الثاني في النافلة وجوّزوا قطعها.

وهو مشكل ؛ لما عرفته ، مع سلامته عن المعارضة بالكلّية ، سوى أصالة بقاء الطواف الأول على كونه فريضة بحسب ما اقتضته النية ، ولا قائل بوجوب الطوافين معاً ، بل نقل الإجماع على عدمه ، وأنه إنما يجب الثاني إن قلنا ببطلان الأوّل (٢) ، ولم نقل به كما مرّ والكلام على تقديره ، وفي بعض الأخبار التصريح بأن أحدهما فريضة والآخر نافلة (٣).

وفيه مناقشة واضحة ؛ لوجوب الخروج عن الأصل بما عرفته.

إلاّ أن يجاب بأن الناصّ منه في بلوغها درجة الحجيّة مناقشة ، والصحيح ظهوره ليس بذلك الظهور المعتدّ به حتى يكون حجة يخصَّص بها الأصل ، مضافاً إلى قوة احتمال عدم كونه من أخبار المسألة كما أشار إليه بعض الأفاضل ، فقال في تضعيف الاستناد إليه بعده : لكن لمّا امتنع السهو عليه لم يطف ثمانية إلاّ لعدوله في الأول عن نية فرضه لموجب له ، فليس من المسألة (٤).

والأخبار الآمرة وإن كانت ظاهرة في ذلك إلاّ أنه ربما يفهم منها من جهة أُخرى كون الثاني هو النافلة ، ولذا أن الصدوق في الفقيه بعد نقل بعضها قال : وفي خبر آخر أن الفريضة هي الطواف الثاني ، ثم ساق متن الرضوي إلى آخر ، ولعلّه هو المراد بالرواية المشار إليها في كلامه.

__________________

(١) العلامة في المنتهى ٢ : ٧٠٠ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٠٧ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢.

(٢) كما في كشف اللثام ١ : ٣٣٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٩٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٥.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٣٥.

٣٩

وهو كالصريح فيما ذكرنا من فهمه من الأخبار الآمرة بالإكمال أُسبوعين ما ذكرناه ، من أن الثاني هي النافلة ، وكذلك الأصحاب ، وإلاّ فلم نجد لما ذكروه حجة سوى الأصل المخصَّص بما مرّ.

والجمع بينه وبين الأمر بالإكمال وإن أمكن بحمله على الاستحباب إلاّ أن الجمع بينهما بالتخصيص أرجح كما في الأُصول قد تقرّر.

وكيف كان ، فالأحوط ما عليه الإسكافي ، بل لا يبعد أن يكون أظهر.

ثم إنّ إطلاق العبارة بالإكمال أُسبوعين يقتضي عدم الفرق فيه بين إكمال الشوط الثامن ببلوغ الركن وعدمه. وهو ظاهر بعض الصحاح المتقدمة المتضمنة لقوله : « فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً » حيث جعل المناط في الأمر بالإتمام أربعة عشر شوطاً الدخول في الثامن ، ولا ريب في صدقه بالزيادة ولو مع عدم بلوغ الركن.

خلافاً للأكثر ، ففصّلوا بين البلوغ فيتمّ ، وعدمه فيلغي الزائد ؛ لصريح الخبر : « إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطاً وليصلِّ أربع ركعات » (١).

ولعلّه أظهر وإن ضعف السند ؛ لانجباره بعمل الأكثر ، فيترجّح على الصحيح ، لعدم صراحته ، واحتماله الحمل على أن المراد بالدخول في الثامن إتمامه ، كما هو ظاهر مورد الأخبار الباقية ، ولذا أنّ الشيخ بعد نقلهما قال : إنّ هذا الخبر وأشار به إلى الصحيح مجمل ، ورواية أبي كهمش وأشار به إلى الخبر مفصّلة ، والحكم بالمفصّل أولى منه بالمجمل (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ١١٣ / ٣٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢١٩ / ٧٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٤ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٣.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢١٩.

٤٠