رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

خصوص ما عدا النعامة والعصفور والجرادة ، وهو الحمامة ، فلا عموم فيه قطعياً يحتاج إلى التفصيل توفيقاً بينه وبين الأُصول.

ولو سلّم فقوله في التعليل : « قيمة لإحرامه » كالصريح ، بل صريح في أنها موجَبة عن الجناية من حيث الإحرام ، وأنها كفارته ، وحينئذ فيجعل المراد من القيمة ما يرادف الجزاء على حسبه ، ولا ريب في شيوع إطلاق القيمة على الفداء مثلاً أو الجزاء ، ولذا حكي التعبير بلفظ الجزاء دون الدم عن الوسيلة والمهذّب ، وذكر الدم في عبائر الأكثر إما مثال أو مقصور على الحمامة التي فيها الدم ، وهي المتبادر من إطلاق الطير كما مرّ.

وبالجملة : التعليل المزبور أوضح قرينة على أن المراد بالقيمة الجزاء كما في عبائر هؤلاء.

وحينئذ فاندفع الإشكال عن الرواية بحذافيره ، وتبيّن أن الأقرب ما في عبارة الوسيلة والمهذّب ، بل من عدا الماتن ، وأن ما اختاره من إطلاق القيمة جموداً على ظاهر لفظ الرواية محل مناقشة.

ففي الحقيقة مختاره خالٍ عن الدليل ، لا ما ذكره الشيخ والجماعة ؛ فإنّ مستندهم الرواية على حسب ما فيها من التعليل وإن عكس جماعة.

وحيث كان الداعي إلى العمل بالرواية ومخالفة الأصل هو الإجماع أو الشهرة فيجب الاقتصار على موردها ، وليس إلاّ الطير المضروب به الأرض في الحرم ، وضاربه المحرم ، وقاتله الضرب وإن عمّت العبارة بعض ما ليس فيها ، فإنه ليس بمعتمد ، بل اللازم في غير المنصوص المصير إلى حكم الأُصول.

( ولو شرب لبن ظبية ) في الحرم ( فعليه دم وقيمة اللبن ) كما عن‌

٣٤١

النهاية والمبسوط والمهذّب والجامع وفي الشرائع والقواعد والإرشاد (١) ، لكن بدون لفظ « في الحرم » كما هنا ، وعن الوسيلة (٢).

للخبر : في رجل مرّ وهو محرم في الحرم ، فأخذ عنز ظبية فاحتلبها وشرب لبنها ، قال : « عليه دم وجزاء للحرم عن اللبن » (٣).

وهو مع الضعف اشترط فيه الإحرام والحرم جميعاً وأخذ الشارب واحتلابه ، ولقد أغفلها الأصحاب جملةً أو بعضاً.

ولضعفه أو وحدته قال الحلّي بعد الفتوى به : على ما روي في بعض الأخبار (٤). وهو حسن على أصله ، بل على أصلنا أيضاً إن لم ينجبر الضعف بعمل الأصحاب. والظاهر فيه الجبر ؛ لعدم خلاف فيه بينهم يعتدّ به وإن اختلفوا في التعبير عنه بقيوده كلاًّ أو بعضاً.

والمتّجه العمل به بقيوده جملةً ؛ لحصول الجبر فيه حينئذ قطعاً ؛ مضافاً إلى التأيد بما عن التذكرة والمنتهى (٥) من الاستدلال زيادةً على الخبر بأنه شرب ما لا يحلّ شربه ، إذ اللبن كالجزء من الصيد ، فكان ممنوعاً منه ، فيكون كآكل ما لا يحلّ أكله ، فيدخل في عموم قوله عليه‌السلام : « من أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، ومن فعل متعمداً فعليه دم شاة » (٦) إذ لا فرق بين الأكل‌

__________________

(١) النهاية : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٣٤٢ ، المهذب ١ : ٢٣٠ ، الجامع : ١٩١ ، الشرائع ١ : ٢٨٨ ، القواعد ١ : ٩٦ ، الإرشاد ١ : ٣٢٠.

(٢) الوسيلة : ١٦٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧١ / ١٢٩٢ ، الوسائل ١٣ : ٩٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٦.

(٤) السرائر ١ : ٥٦٢.

(٥) التذكرة ١ : ٣٤٩ ، المنتهى ٢ : ٨٢٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٩ / ١٢٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٥٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

٣٤٢

والشرب.

قال : وأما وجوب القيمة فلأنه جزء صيد فكان عليه قيمته.

ولا يخلو عن نظر ، ولكن لا بأس به للتأييد ، سيّما بعد عمل الأصحاب.

قيل : واحتمل الشهيد رحمه‌الله وجوب القيمة على المُحلّ في الحرم ، والدم على المحرم في الحلّ (١).

( وأما الإمساك : فإذا أحرم ومعه صيد ) مملوك له قبل الإحرام بأحد الأسباب المملّكة ( زال ملكه عنه ) فيما قطع به الأصحاب على الظاهر ، المصرَّح به في كلام جماعة (٢) ، مؤذنين بدعوى إجماعنا عليه ، كما عن ظاهر المنتهى وصريح الخلاف والجواهر (٣).

فإن تمّ الإجماع وإلاّ فمقتضى الأصل بقاء الملك وإن حرم بعض التصرفات.

ولا مخرج عنه واضحاً ، سوى ما قيل من أنه لا يملكه ابتداءً فكذا استدامةً (٤) ؛ ولعموم الآية (٥) ، بناءً على أن صيد البرّ فيها ليس مصدراً ( و ) لأنه ( وجب ) عليه ( إرساله ) بعد الإحرام إجماعاً كما في ظاهر الغنية.

وللخبر : « لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه ، فإن لم يفعل حتى يدخل‌

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٩٧.

(٢) منهم : صاحبا المدارك ٨ : ٣٦٢ ، والحدائق ١٥ : ٢٨٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٣٠ ، الخلاف ٢ : ٤١٣ ، جواهر الفقه : ٤٧.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٣١ ، كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

(٥) المائدة : ٩٦.

٣٤٣

ومات لزم الفداء » (١).

ولو كان بقي على ملكه كان له تصرّف المُلاّك في أملاكهم (٢).

وفي الجميع نظر : فالأول بمنع الأصل وإن اشتهر ، ثم الفرع ، إذ لا دليل عليه سوى القياس ، مع أن ظاهر جملة من النصوص الآتية في مسألة اضطرار المحرم إلى الصيد والميتة الآمرة بأكل الصيد تملّك المحرم الصيد ولو في الضرورة ، لتعليلها بأنه يأكل من ماله ، فلولا أنه يملكه لما صحّ التعليل بالكلية.

ومنع الثاني أوّلاً : بمنع كون الصيد فيه اسماً ؛ لعدم وضوح دليل عليه.

وثانياً : بأن المتبادر منه على تقدير الاسمية غير التملك من سائر التصرفات ، كالاصطياد والذبح والأكل ونحوها.

وثالثاً : بأنه إن تمّ فإن مفاده حرمة التملك والاستبقاء ، فلا يفيد فساداً إلاّ إذا اقتضى النهي الفساد وكان ذاكراً ، ويمنع الاقتضاء ، ولو سلّم فالدليل أخص من المدّعى فإنه قد ينسى.

والثالث : بمنع الإجماع ؛ لعدم ظهوره من الكتاب ظهوراً يعتدّ به يعتمد عليه.

والخبر ضعيف السند ، ومع ذلك فمفاده وجوب الإرسال بعد دخول الحرم ، ولا بعد الإحرام ، قيل : وعليه اقتصر في النهاية (٣).

ومع ذلك فكلّ من الملازمة وبطلان اللازم ممنوع.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٧ ، الوسائل ١٣ : ٧٤ أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ٣.

(٢) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

٣٤٤

فانحصر الدليل في الإجماع المنقول ، المعتضد بالشهرة العظيمة ، ولعلّه كاف في المسألة ، ولولاه لكان القول ببقاء الملك وإن وجب الإرسال كما عن الإسكافي والشيخ (١) ، وقوّاه جماعة من المتأخرين ـ (٢) في غاية القوة.

وتظهر الفائدة بين القولين فيما لو أخذه آخذ ، أو جنى عليه جانٍ ، فإنّ له انتزاعه في الأول ، والمطالبة بالعوض في الثاني.

( ولو ) أهمل في الإرسال فـ ( تلف قبل الإرسال ضمنه ) ولو حتف أنفه ، إجماعاً منّا ومن القائلين بوجوب الإرسال ، كما عن المنتهى ، قال : لأنه تلف تحت اليد العادية فلزمه الضمان ، كمال الآدمي (٣).

وظاهر إطلاقه كالمتن ونحوه يشمل صورتي وقوع التلف قبل دخول الحرم وبعده ، فإن تمّ إجماعاً كما نقله ، وإلاّ فالمستفاد من النصوص ليس إلاّ الحكم في الصورة الثانية :

ففي الحسن : عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الضبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله الحرم خلّى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن أمسكه حتى مات فعليه الفداء » (٤).

بل المستفاد من الرواية المتقدمة اختصاصه بها ، لكنها ضعيفة السند.

فالعمدة في الإطلاق هو ما مرّ من الإجماع في المنتهى.

ثم فيه بعد ما مرّ : أما لو [ لم ] (٥) يمكنه الإرسال وتلف قبل إمكانه‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي في المفاتيح ١ : ٣٢١ ، المبسوط ١ : ٣٤٣.

(٢) منهم صاحب المدارك ٨ : ٣٦٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٣٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٩ ، الوسائل ١٣ : ٧٥ أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٣.

(٥) أضفناه من المصدر.

٣٤٥

فالوجه عدم الضمان ؛ لأنه ليس بمفرِّط ولا متعدٍّ.

أقول : وهو الأظهر ، وفاقاً لجمع ممن تأخر (١) ، من غير خلاف بينهم يظهر. وليس فيه منافاة لما مرّ من إطلاق النص ، لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى محل الفرض.

ثم قالوا : لو لم يرسله حتى أحلّ فلا شي‌ء عليه سوى الإثم.

وفي وجوب إرساله بعد إحلاله وجهان (٢) ، أظهرهما العدم ، ولا بأس بالأول.

وأما الثاني فمشكل على إطلاقه ، سيّما على القول بخروجه بالإحرام عن ملكه وحجية الاستصحاب ؛ فإن مقتضاه وجوب الإرسال إذا وجب عليه حال الإحرام ، بأن كان متذكراً وأهمل ولم يرسل مع إمكانه ، فالأحوط الإرسال في هذه الصورة ، بل مطلقاً.

ثم إنّ كلّ ذا إذا كان الصيد معه.

( ولو كان نائياً عنه لم يخرج عن ملكه ) بلا خلاف يعرف كما في كلام جماعة (٣) ؛ للأصل ، والصحيحين (٤).

والظاهر تحقق النائي بأن لا يكون مصاحباً له في الإحرام.

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٦٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦١٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

(٢) في « ق » : قولان.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٦٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦١٢ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ٨ : ٣١٦.

(٤) الأول : الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٦٠ ، الوسائل ١٣ : ٧٣ أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ١. الثاني : الفقيه ٢ : ١٦٧ / ٧٣١ ، الوسائل ١٣ : ٧٤ أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ٤.

٣٤٦

وكما لا يمنع الإحرام استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتداءه ، فلو اشترى المحرم صيداً نائياً عنه أو اتّهبه انتقل إلى ملكه ؛ للأصل السليم عما يصلح للمعارضة ، وحيث لا يزول ملكه عنه فله بيعه وهبته وغيرهما ، كما عن التحرير والمنتهى (١).

قيل : وقيل بالمنع (٢).

وفي الخبر : عن رجل خرج إلى مكة وله في منزله حمام طيّارة فألفها طير من الصيد وكان مع حمامه ، قال : « فلينظر أهله في المقدار ، أي الوقت الذي يظنون أنه يحرم فيه ولا يعرّضون لذلك الطير ولا يفزعونه ويطعمونه حتى يوم النحر ويحلّ صاحبهم من إحرامه » (٣).

ولقصور سنده حمله جماعة على الاستحباب (٤) ، ولا بأس.

( ولو أمسكه محرم في الحلّ وذبحه ) محرم آخر ( مثله ) فيه ( لزم كلاًّ منهما فداء ) أما الذابح فلما مرّ ، وأما الممسك فلفحوى ما سيأتي من لزومه على الدالّ والمشارك في الرمي من غير إصابة ، فهنا أولى.

ولا خلاف فيه أيضاً ظاهراً ، وحكي عن الخلاف والتذكرة صريحاً (٥).

قيل : وللشافعية وجهان ، أحدهما أن الفداء على القاتل ، والآخر أنه بينهما (٦).

__________________

(١) التحرير ١ : ١١٧ ، المنتهى ٢ : ٨٣٠.

(٢) كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٤ / ١٦١٩ ، الوسائل ١٣ : ٧٣ أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ٢.

(٤) منهم : صاحب الوسائل ١٣ : ٧٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

(٥) الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، التذكرة ١ : ٣٤٩.

(٦) كشف اللثام ١ : ٤٠٠.

٣٤٧

( ولو كان أحدهما ) أي الذابح والممسك ( مُحلاًّ ) والآخر محرماً ( ضمنه المحرم ) خاصة ؛ لما مرّ. دون المحلّ ؛ للأصل ، مع عدم هتكه حرمه الإحرام والحرم.

( وما يصيده المحرم في الحلّ لا يحرم على المُحلّ ) إذا ذبحه هو أو مُحلّ آخر ؛ للأصل ، والصحاح المستفيضة (١). بل يستفاد منها إباحته له مطلقاً وإن ذبحه محرم في الحلّ ، ولكن الأظهر الأشهر تحريمه حينئذ عليه ، كما مرّ في أول بحث التروك.

( وأما التسبيب : فإذا أغلق ) باباً ( على حمام ) الحرم ( وفراخ وبيض ضمن بالإغلاق الحمامة بشاة ، والفرخ بحَمَل ، والبيضة بدرهم ) هذا إن أغلق وهو محرم.

( وإن أغلق قبل إحرامه ضمن الحمامة بدرهم ، والفرخ بنصف ) درهم ( والبيضة بربع ) درهم ، كما في الخبر (٢) ، بل قيل : الموثق (٣) ، وزيد فيه أنه إن لم يتحرك الفرخ ففيه على المحرم درهم.

ونحوه في الحَمام الصحيح : في رجل أُغلق بابه على طائر ، فقال : « إن أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة ، وإن كان أغلق الباب قبل أن يحرم فعليه ثمنه » (٤).

وعليه ينزل إطلاق الصحيحين في أحدهما : عن رجل أغلق باب بيت‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٢ أبواب كفارات الصيد ب ١٦ ح ٣.

(٣) انظر الذخيرة : ٦١٣ ، والحدائق ١٥ : ٢٨٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٥ ، الوسائل ١٣ : ٤١ أبواب كفارات الصيد ب ١٦ ح ٢.

٣٤٨

على طير من حمام الحرم فمات ، قال : « يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم » (١).

وفي الثاني : عن قوم قفلوا الباب على حمام الحرم ، فقال : « عليهم قيمة كل طائر درهم يشتري به علفاً لحمام الحرم » (٢).

بحملهما على المُحلّ دون المحرم ، مضافاً إلى الإجماع.

وإطلاق الرواية الأُولى والأخيرة ، بل الثانية على رواية الشيخ في التهذيب دون الفقيه (٣) ، فإنها كالثالثة مختصة بصورة الهلاك يقتضي عدم الفرق بينها وبين صورتي السلامة وجهل الحال. وهو ظاهر المتن هنا وخيرة الفاضل في التلخيص كما حكي (٤) ، ونقلاه في الشرائع والمختلف وجماعة (٥) قولاً ، ولكن لم نعرف له قائلاً.

( وشرط الشيخ ) والحلّي ومن تأخر عنهما من الأصحاب حتى الفاضلين فيما عدا الكتابين (٦) في ثبوت الضمان ( الهلاك ) وزاد المتأخرون الجهل بالحال. وهو الأقوى ، حملاً للإطلاق على صورة الجهل بالحال ؛ لفحوى ما دلّ على نفي الضمان برمي الصيد وإصابته مع عدم التأثير فيه ، فعدم الضمان هنا أولى ، إذ ليس الإغلاق مع عدم الهلاك أولى‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٧ / ٧٢٨ ، الوسائل ١٣ : ٤١ أبواب كفارات الصيد ب ١٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٢ أبواب كفارات الصيد ب ١٦ ح ٤ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٣) الفقيه ٢ : ١٦٧ / ٧٢٧.

(٤) حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٥) الشرائع ١ : ٢٩٠ ، المختلف : ٢٨١ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ٤٠٨ ، والمسالك ١ : ١٤٠ ، والمدارك ٨ : ٣٦٧.

(٦) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٤١ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٦٠ ، المحقق في الشرائع ١ : ٢٩٠ ، العلامة في المنتهى ٢ : ٨٣١.

٣٤٩

من الأخذ ثم الإرسال ، بل هو أولى ، وعلى هذا فإن أرسله سليماً فلا ضمان.

نعم ، ربما يؤيد الإطلاق أنه عند الهلاك يجتمع على المحرم في الحرم الأمران ، كما في السرائر والتحرير والمنتهى (١) فيما حكي ، وظاهر الخبرين والفتاوي أنه ليس عليه إلاّ شاة أو حَمَل أو درهم ، إلاّ أن يراد الإغلاق على حمام الحرم في الحلّ ، وفيه بُعد ، أو يقال : إن إيجاب الشاة فيهما إنما هو لأجل الإحرام ، فلا ينافي ثبوت درهم لأجل الحرم ، كما قيل في نظائرهما من الأخبار الواردة في الجناية على الحمامة وفرخها وبيضها كما مضى.

هذا ، ولكن الأحوط العمل بالإطلاق جدّاً.

( وقيل : إذا نفّر حمام الحرم ولم تَعُد فعن كل طير شاة ، ولو عاد فعن الجميع شاة ) والقائل الشيخان ووالد الصدوق والقاضي والديلمي والحلّي وابن حمزة فيما حكاه عنهم جماعة (٢) ، وتبعهم الفاضل في جملة من كتبه وغيره (٣).

وقيل : ذكره أكثر الأصحاب ، وفي التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثاً مسنداً (٤).

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٦٠ ، التحرير ١ : ١١٨ ، المنتهى ٢ : ٨٣١.

(٢) منهم العلامة في المختلف : ٢٨٠ ، وابن فهد في المهذب البارع ٢ : ٢٥٢ ؛ وهو في المقنعة : ٤٣٦ ، والنهاية : ٢٢٤ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٨٠ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٢٣ ، الديلمي في المراسم : ١٢٠ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٦٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٧.

(٣) التحرير ١ : ١١٨ ، والتذكرة ١ : ٣٤٩ ، والقواعد ١ : ٩٦ ؛ وانظر اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٣٤٧.

(٤) كشف اللثام ١ : ٣٩٩ ، وانظر التهذيب ٥ : ٣٥٠.

٣٥٠

أقول : ولعلّه لذا عزاه الماتن إلى القيل مشعراً بتمريضه.

أقول : ولكن يفهم من عبارة التهذيب المزبورة وجود رواية مرسلة به ، فهي تكفي بعد الانجبار بفتوى الأكثر ، ولا سيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد إلاّ بعد احتفافها بالقرائن القطعية ، هذا.

مضافاً إلى صريح الرضوي فيما حكي ، وفيه : « وإن نفّرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلّها شاة ، وإن لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة » (١).

قيل : وفي المنتهى لا بأس به ؛ لأن التنفير حرام ، لأنه سبب للإتلاف غالباً ولعدم العود ، فكان عليه مع الرجوع دم ، لفعل المحرّم ، ومع عدم الرجوع شاة ، لما تقدم من أن من أخرج طيراً من الحرم وجب عليه أن يعيده ، فإن لم يفعل ضمنه ، ونحوه التذكرة.

وفي المختلف عن الإسكافي من نفّر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته ، قال : والظاهر أن مقصوده ذلك إذا رجعت ، إذ مع عدم الرجوع يكون كالمتلف ، فيجب عليه عن كل واحد شاة.

والتنفير والعود يحتملان عن الحرم وإليه ، وعن الوكر وإليه ، وعن كل مكان يكون فيه وإليه.

والشاك في العدد يبني على الأقل ، وفي العود على العدم.

وهل يختص الحكم بالمُحلّ كما قيل فإن كان محرماً كان عليه جزاءان؟ وجهان ، أقواهما التساوي ، للأصل من غير معارض.

والأقرب أنه لا شي‌ء في الواحدة مع الرجوع ؛ للأصل ، واختصاص‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٩ ، المستدرك ٩ : ٢٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٠ ح ٢.

٣٥١

الفتاوي بحكم التبادر والسياق بالجمع ، قلنا إن الحمام جمع أم لا ؛ ولأنه لو وجب فيها شاة لم يكن فرق بين عودها وعدمه ، بل ولا تلفها.

ويحتمل المساواة للكثير ، كما يتساوى ثلاثة منها وألف ، وكما يتساوى حمامة وجزؤها في الفداء عند الأكل ؛ لتحصيل يقين البراءة ، ومنع اختصاص الفتاوي بالجمع ، وإنما يعطيه ظاهر قولهم : فعن كل حمامة شاة ، وهو لا يعيّنه ، وأما بحسب اللغة فالمحقّقون على أنه اسم جنس ، ولا بُعد في تساوي التنفير والإتلاف (١).

( ولو أوقد جماعة ناراً فاحترق فيها حمامة أو شبهها ) من الصيد ( لزمهم فداء ) واحد إذا لم يقصدوا بالإيقاد وقوعها فيها واصطيادها ، ( ولو قصدوا ) به ( ذلك لزم كل واحد ) منهم ( فداء ) كامل بغير خلاف ظاهر.

للصحيح (٢) ، [ ومورده ] (٣) الإيقاد حال الإحرام قبل دخول الحرم. وألحق جماعة (٤) بذلك المُحلّ في الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة أعني الدرهم ، وصرّحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم. وهو جيّد مع القصد إلى الاصطياد ، ومشكل مع العدم ؛ لانتفاء النص.

ولو اختلفوا في القصد وعدمه ، بأن قصد بعض دون بعض اختصّ كلّ بحكمه ، فيجب على كل من القاصدين فداء ، وعلى من لم يقصد فداء واحد.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٨ أبواب كفارات الصيد ب ١٩ ح ١.

(٣) أضفناه لتصحيح العبارة.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٧١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩٣ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٢٩١.

٣٥٢

ولو كان غير القاصد واحداً فإشكال ، ينشأ من مساواته القاصد مع أنه أخفّ منه حكماً.

واحتمل جماعة وفاقاً للدروس (١) مع اختلافهم أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة وعلى الآخر نصفها ، وهكذا ، لو كان الواقع الحمامة. ولا بأس به.

( ولو دلّ ) محرم ( على صيد ) في الحلّ أو الحرم محلاًّ أو محرماً ( أو أغرى كلبه ) وأرسله إليه كذلك ( فقُتل ، ضمنه ) للتسبيب فيهما ؛ مضافاً إلى الإجماع المحكي عن الخلاف والغنية (٢) ، والصحيحين في الأول :

ففي أحدهما : « لا تستحلّنّ شيئاً من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلّنّ عليه مُحلاًّ ولا مُحرماً فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه فداءً لمن تعمّده » (٣).

واحتمال كون الفداء فيه على المستحل ، لا الدالّ ، بعيد عن ظاهر سياقه ، ولذا لم يحتمله أحد من الأصحاب ، واستدلوا به هنا.

وفي الثاني : « المحرم لا يدلّ على الصيد ، فإن دلّ [ فقتل ] فعليه الفداء » (٤).

قيل : أما الإجماع إنما هو إذا قُتل بالدلالة ، فلا شي‌ء عليه إذا لم يأخذه‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٦٠ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٣٧١ ، وكشف اللثام ١ : ٣٩٩.

(٢) الخلاف ٢ : ٤٠٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨١ / ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٧ / ١٦٣٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٧ ح ٢. وما بين المعقوفين من المصادر.

٣٥٣

المدلول ، أو أخذه ثم أرسله وإن أثم ؛ للأصل ، وأطلق الفداء جماعة من الأصحاب ، وفي المختلف : إنهم إن قصدوا الإطلاق فهو ممنوع ، ثم استدل لهم بالصحيح الثاني بحذف قوله : « فقُتل » وأجاب بحمله على القيد ، وهو موجود في نسخ الكافي والتهذيب (١) ، وكأنّ القيد مراد لهم.

ولا ضمان إن رآه المدلول قبل الدلالة ؛ التسبيب والدلالة حقيقةً ، مع الأصل. وكذا إن فعل ما فطن به غيره ولم يكن قصد به ذلك ؛ لخروجه عن الدلالة.

ثم الدالّ إنما يضمن إذا كان محرماً دلّ محرماً أو مُحلاًّ على صيد في الحرم أو في الحلّ. وإن كان مُحلاًّ دلّ محرماً أو مُحلاًّ على صيد في الحرم ، ففي المنتهى والتحرير : إنّ في ضمانه نظراً ، والصحيح الأول يفيد الضمان.

وإن دلّ مُحلّ محرماً على الصيد في الحلّ لم يضمن ، وفاقاً للتذكرة ؛ لأنه لم يضمن بالمباشرة فبالتسبيب أولى ، وتردّد في المنتهى ، لأنه أعان على محرم فكان كالمشارك ، وضعفه ظاهر (٢).

أقول : لأنه غاية الإعانة إفادة الإثم ، لا الكفارة.

( ومن أحكام الصيد مسائل ) ثمانية :

( الاولى : ما يلزم المحرم في الحلّ ) من الفداء أو بدله في المنصوص ، والقيمة في غيره ( والمُحلّ في الحرم ) كذلك ( يجتمعان على المحرم في الحرم ) بلا خلاف أجده ولا حكي ، إلاّ عن العماني ، فلم‌

__________________

(١) رواه في موضع آخر من التهذيب وفي الاستبصار بحذف قوله : « فقتل » انظر التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ / ٦٢٩.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٩٨.

٣٥٤

يوجب على المحرم إذا قتل حمامة في الحرم إلاّ شاة (١) ، وهو نادر ، بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر ، كالإنتصار والغنية وشرح الجمل للقاضي (٢) كما حكي ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة عموماً وخصوصاً فيما ذكره.

وقد مرّ من الثاني الصحيح في قتل الحمامة (٣) ، والأخبار بمعناه في قتلها وفرخها وبيضها مستفيضة (٤).

ومن العموم الصحيح : « إن أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحلّ فإنما عليك فداء واحد » (٥).

والظاهر أن المراد من الفداء في قوله : « فالفداء مضاعف » ما يعمّ القيمة ، كما ربما يشعر به سياقه ورواية اخرى موثقة لراوي هذه الصحيحة ، فإن فيها : « ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً في حجك أو عمرتك ؛ إلاّ الصيد ، فإن عليك الفداء بجهل كان أو عمد ، ولأن الله تعالى قد أوجبه عليك فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحلّ فعليك القيمة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفاً » (٦).

__________________

(١) كما نقله عنه في المختلف : ٢٧٨.

(٢) الانتصار : ٩٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، شرح جمل العلم والعمل : ٢٣٩.

(٣) راجع ص : ٣٤٠٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ٢٥ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ، ١١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩٥ / ٤ ، الوسائل ١٣ : ٨٩ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٧٠ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٥.

٣٥٥

هذا ، مضافاً إلى النصوص الواردة في الحمامة ، فإنها صريحة في أن المجتمع على المحرم في الحرم الفداء والقيمة ، لا الفداء مضاعفاً ، فتكون صارفة للفداء في هذه الصحيحة إلى ما يعمّ القيمة.

وارتكاب التجوّز فيها بذلك جميعاً أولى من الجمع بتخصيصها بما عدا الحمامة ؛ لما عرفت ، مضافاً إلى عدم قائل بهذا التخصيص ، إذ الأصحاب ما بين قائل بما ذكرناه ، وهم الأكثرون (١) ، وقائلٍ بتضاعف الفداء مطلقاً كما حكي عن الإسكافي والمقنع وأحد قولي المرتضى (٢) ، ومخيّرٍ أو مردّدٍ بينهما كما عن المفيد والديلمي وابن زهرة (٣) ، والتخصيص المزبور لا يوافق شيئاً من هذه الأقوال كما ترى.

فتعيّن ما ذكرنا دليلاً وفتوى ؛ لعدم ما يدل على شي‌ء من هذه الأقوال ، مع إمكان إرجاعها إلى ما ذكرنا ، كما احتمله جماعة من أصحابنا (٤).

وأما الخبر : ما في القُمري والدبسي [ والسماني ] والعصفور والبلبل؟

قال : « قيمته ، فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان ليس عليه دم » (٥)

__________________

(١) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٨٢٥ ، والمختلف : ٢٧٨ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣٩٢ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ٨ : ٣٣٢.

(٢) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٧٧ ، المقنع : ٧٨ ، المرتضى في الانتصار : ٩٩.

(٣) المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، الديلمي في المراسم : ١٢١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٩٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٨ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ٨ : ٣٣٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧١ / ١٢٩٣ ، الوسائل ١٣ : ٩٠ أبواب كفارات الصيد ب ٤٤ ح ٧ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ والوسائل والتهذيب : السمان ، وما أثبتناه من الكافي هو الصحيح ظاهراً.

٣٥٦

فلعلّه لأنه ليس لها مثل من النعم ، كما عن التذكرة والمنتهى (١).

نعم ، في بعض الأخبار عن مولانا الجواد في مسألة يحيى بن أكثم القاضي : « إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير وكان الطير من كبارها فعليه شاة ، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً ، وإذا قتل فرخاً [ في الحلّ ] فعليه حَمَل فطم من اللبن ، وإذا قتله في الحرم فعليه الحَمَل وقيمة الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة ، وإن كان نعامة فعليه بدنة ، وإن كان ظبياً فعليه شاة ، وإن كان قتل [ شيئاً ] من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة » (٢).

وفيه مخالفة لما ذكرنا ؛ لأن قوله عليه‌السلام ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) نصّ على معنى مضاعفة الجزاء.

قيل : ويجوز أن لا يكون حينئذ فرق بين الفداء والقيمة إلاّ في الفرخ ، فلذا فرّق بينهما فيه دون غيره (٣).

وفيه أنه بعد الإغماض عن السند ، وعدم المكافأة لما مرّ فرع وجود قائل بما فيه ، ولم نجده.

وهذه الرواية نصّ في المضاعفة ولو بلغ الفداء بدنة كما عليه الأكثر ، وعزاه الحلّي بعد اختياره إلى من عدا الشيخ من باقي الأصحاب (٤) ،

__________________

(١) انظر التذكرة ١ : ٣٥٢ ، المنتهى ٢ : ٨٢٥ ، حكاه عنهما في كشف اللثام ١ : ٤٠٢.

(٢) الاحتجاج : ٤٤٤ ، تحف العقول : ٣٣٥ ، ٣٣٦ ، الوسائل ١٣ : ١٥ أبواب كفارات الصيد ب ٣ ح ٢ ، ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤٠٢.

(٤) السرائر ١ : ٥٦٣.

٣٥٧

مؤذناً باتفاقهم عليه. وهو الأظهر ؛ لإطلاق ما مرّ في المسألة من النص ، مؤيداً بصريح هذا الخبر. خلافاً للماتن هنا وفي الشرائع (١) فقيّدها ب ( ما ) إذا ( لم يبلغ بدنة ) وفاقاً للشيخ وابن حمزة والقاضي (٢) كما حكي ، وتبعهم الفاضل في جملة من كتبه (٣) ؛ للأصل ، ويخصَّص بما مرّ.

والخبر : « إنما يكون الجزاء مضاعفاً فيما دون البدنة حتى يبلغ البدنة ، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف » (٤) وهو مع ضعفه بالإرسال معارض بمثله الصريح (٥) ، المعتضد بإطلاق الصحيح وغيره.

ودعوى المسالك شهرة هذا القول (٦) موهونة ، فلا يمكن أن يجبر بها ضعف سند الرواية ، مع أنها بدعوى الحلّي المتقدمة معارضة ، سيّما إذا اعتضدت بالشهرة المتحققة ، ومع ذلك فما اخترناه أحوط أيضاً في المسألة.

( الثانية : يضمن الصيد بقتله عمداً ) بأن يعلم أنه صيد فقتله ذاكراً لإحرامه ، كان عالماً بالحكم أم لا ، مختاراً أو مضطراً ، إلاّ في نحو ما مرّ من الجراد ممّا يشقّ التحرز عنه.

( وسهواً ) بأن يكون غافلاً عن الإحرام ( أو عن الحرمة ) (٧) أو كونه صيداً.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٨٩.

(٢) الشيخ في النهاية : ٢٢٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٣٠.

(٣) راجع التذكرة ١ : ٣٥٢ ، والتحرير ١ : ١١٨ ، والتبصرة : ٦٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٥ / ٥ ، الوسائل ١٣ : ٩٢ أبواب كفارات الصيد ب ٤٦ ح ١.

(٥) انظر الوسائل ١٣ : ١٤ أبواب كفارات الصيد ب ٣ ح ١ و ٢.

(٦) المسالك ١ : ١٤٢.

(٧) ليس في « ح » و « ك‍ ».

٣٥٨

( وجهلاً ) بالحكم.

وخطأً ، بأن قصد شيئاً فأخطأ إلى الصيد ، ويمكن إدخاله في الجهل.

كلّ ذلك بالإجماع المستفيض النقل (١) ، كالصحاح وغيرها (٢).

وظاهرها كالفتاوي ، بل صريح جملة منهما تساوي العمد ونحو الخطأ في وحدة الكفارة وعدم تضاعفها ولو في العمد. خلافاً للمرتضى في الناصريات والانتصار (٣) ، فقال بالتضاعف في العمد ، إما مطلقاً كما في الأخير ، أو مع قصد نقض الإحرام كما في الأول ، مستدلاً عليه بالإجماع والاحتياط ، وبأن عليه مع النسيان جزاء والعمد أغلظ ، فيجب له المضاعفة.

وفي الأول وهن ؛ إذ لم أر قائلاً به سواه. والثاني ليس بدليل شرعي.

والثالث بأنه اجتهاد في مقابلة النص المصرح بأن الفارق بين العمد وغيره ليس إلاّ الإثم (٤) ، الموجب للعقاب ، وبه تثبت الأغلظية ، فلا يحتاج إلى تعدّد الكفارة.

( وإذا تكرّر ) الجنابة ( خطأً ) والمراد به ما عدا العمد ( دائماً ضمن ) الكفارة بكلّ مرة إجماعاً مستفيض النقل (٥) ، كالصحاح وغيرها ، وستعرف جملة منها إن شاء الله تعالى.

( ولو تكرّر عمداً ) عالماً ( ففي ضمانه ) الكفارة ( في ) المرة‌

__________________

(١) كما في التذكرة ١ : ٣٥١ ، والمدارك ٨ : ٣٩٥ ، وملاذ الأخيار ٨ : ٣٣٦ ، وكشف اللثام ١ : ٤٠٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٦٨ أبواب كفارات الصيد ب ٣١.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٩ ، الانتصار : ٩٩.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٦٩ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٢ ، ٣.

(٥) التذكرة ١ : ٣٥١ ، المدارك ٨ : ٣٩٣ ، كشف اللثام ١ : ٤٠٣.

٣٥٩

( الثانية ) والثالثة وهكذا ( روايتان ) وقولان ( أشهرهما ) كما هنا وفي الشرائع (١) ( أنه لا يضمن ) وكان ممن ينتقم الله تعالى منه ، وعزاه في كنز العرفان إلى أكثر الأصحاب (٢) ، وعن التبيان أنه ظاهر مذهب الأصحاب (٣) ، وعن المجمع أنه الظاهر في رواياتنا (٤) ، وعن الخلاف أنه في كثير من الأخبار (٥).

أقول : وهي مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : « فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله تعالى منه ، والنقمة في الآخرة » (٦).

وفي آخر : « إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، وهو ممن قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (٧) » (٨). ونحوهما الخبر (٩).

وأصرح منها المرسل كالصحيح على الصحيح لابن أبي عمير المجمع على قبول مراسيله كما قيل : « فإن أصابه ثانية متعمداً فهو ممن ينتقم الله تعالى ، والنقمة في الآخرة ، ولم يكن عليه الكفارة » (١٠).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٢.

(٢) كنز العرفان ١ : ٣٢٧.

(٣) التبيان ٤ : ٢٧.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٢٤٥.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٩٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٩٣ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ١.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) الكافي ٤ : ٣٩٤ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٩٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٥.

(٩) الكافي ٤ : ٣٩٤ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٩٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٥.

(١٠) التهذيب ٥ : ٣٧٢ / ١٢٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢١١ / ٧٢١ ، الوسائل ١٣ : ٩٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٢.

٣٦٠