رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٧

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-109-5
الصفحات: ٤٨٤

مع أنه قيل : لا مخالفة بينه وبين الأدلة ، ولا بين القولين كما يظهر من المختلف ، وفاقاً للتذكرة والمنتهى وغيرهما ؛ إذ لا فرق بين الجزور والبدنة ، غير أن البدنة ما يحرز للهدي والجزور أعم ، وهما يعمّان الذكر والأُنثى ، كما في العين والنهاية الأثيرية وتهذيب الأسماء للنووي وفي التحرير له والمعرب والمغرب في البدنة.

وخصّت في الصحاح والديوان والمحيط وشمس العلوم بالناقة والبقرة.

لكن عبارة العين كذا : البدنة ناقة أو بقرة ، الذكر والأُنثى فيه سواء ، يهدى إلى مكة. فهو مع تفسيره بالناقة والبقرة نصّ على التعميم للذكر والأُنثى ، فقد يكون أُولئك لا يخصّونها بالأُنثى ، وإنما اقتصروا على الناقة والبقرة تمثيلاً ، وإنما أرادوا تعميمها للجنسين ردّاً على من يخصّها بالإبل ، وهو الوجه عندنا.

ويدلّ عليه قوله تعالى ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (١) قال الزمخشري : وهي الإبل خاصة ؛ ولأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألحق البقرة بالإبل حين قال : البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ، فجعل البقرة في حكم الإبل ، صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه ، وإلاّ فالبدن هي الإبل ، وعليه تدل الآية (٢). انتهى.

أقول : وجملة ما ذكر حسن ، إلاّ أن ما ادّعاه من ظهور الاتحاد وعدم المخالفة بين الروايات والقولين من المختلف محل نظر ، بل الذي وقفنا‌

__________________

(١) الحج : ٣٧.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٩١.

٢٨١

عليه من عبارته يفيد العكس (١).

ويدلُّ على ما ادّعاه من كون التخصيص بالإبل هو الوجه عندنا مضافاً إلى ما ذكره مقابلة البقر للبدنة في أخبارنا ، ففي الصحيح : في قول الله عز وجل( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٢) قال : « في النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، وفي الظبي شاة ، وفي البقر بقرة » (٣).

هذا ، ويؤيِّد عموم البدنة للذكر والأُنثى كما ذكره ما في المصباح المنير من أنه قالوا : وإذا أُطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ، الذكر كان أو الأُنثى (٤).

وربما أشعرت هذه العبارة بأن هذا الإطلاق ليس من جهة الوضع اللغوي وإنما هو اصطلاح المتشرعة.

لكن في مجمع البحرين بعد ذكر البدنة : وإنما سمّيت بذلك لعظم بدنها وسمنها ، وتقع على الجمل والناقة عند جمهور أهل اللغة وبعض الفقهاء (٥).

أقول : ويعضده ما تقدّم.

وكيف كان ، فلا ريب أن اختيار الأُنثى مع الإمكان أحوط وأولى وإن كان إجزاء الذكر أيضاً أقوى.

ثم لمّا كانت البدنة اسماً لما تهدى اعتبر في مفهومها السنّ المعتبر في الهدي.

__________________

(١) انظر المختلف : ٢٧١.

(٢) المائدة : ٩٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١ ، الوسائل ١٣ : ٥ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ١.

(٤) المصباح المنير : ٤٠.

(٥) مجمع البحرين ٦ : ٢١٢.

٢٨٢

ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوي إجزاء البدنة مطلقاً ، سواء وافقت النعامة وماثلتها في الصغر والكبر وغيرهما ، أم لا.

خلافاً للمنقول عن التذكرة ، فاعتبر المماثلة بين الصيد وفدائه ، ففي الصغير إبل في سنّه ، وفي الكبير كذلك ، وفي الذكر ذكر ، وفي الأُنثى أُنثى (١).

ولم نقف على دليله ، سوى إطلاق الآية باعتبار المماثلة ، ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر.

( فإن لم يجد ) البدنة وعجز عنها ( فضّ ثمن البدنة ) بعد تقويمها قيمة عادلة ( على البُرّ ) كما في عبائر جمع (٢) ، أو الطعام المطلق ، كما في عبائر آخرين (٣) والنصوص (٤). وهو الأظهر وإن كان الأول أحوط ؛ أخذاً بالمتيقن.

( وأطعم ستين مسكيناً كلّ مسكين مدّين ) على الأشهر ، كما في كلام جمع (٥) والصحيح (٦) ، أو مدّاً ، كما في كلام آخرين (٧) وكثير من‌

__________________

(١) حكاه عنه في المسالك ١ : ١٣٤ ، وهو في التذكرة ١ : ٣٤٧.

(٢) منهم : الحلبي في الكافي : ٢٠٥ ، والشهيد الأول في اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٣٣٤ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣٢٢.

(٣) كانت حمزة في الوسيلة : ١٦٧ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٨٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٤.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢.

(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٤ ؛ وفي مرآة العقول ١٧ : ٣٧١ أنه المشهور.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ / ١٦٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفارات الإحرام ب ٢ ح ١.

(٧) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٤ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣٢٣.

٢٨٣

النصوص (١) ، وفيها الصحيح وغيره. وهو أظهر ؛ حملاً للظاهر على النص.

وعليه يحمل أيضاً ما أُطلق فيه الإطعام من الفتاوي والنصوص وإن كان فيهما الصحيح وغيره ، حملَ المطلق على المقيّد.

( ولا يلزمه ) إنفاق ( ما زاد ) من قيمتها ( عن ستين ) مسكيناً ، بل له الزائد ( ولا ما زاد عن قيمتها ) إن نقصت عن الوفاء بالستين بلا خلاف ، إلاّ ممن أطلق إطعام الستين ، تبعاً لإطلاق ما مرّ من النصوص.

وفيه : أنه يجب تقييده بنحو الصحيح : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لم يزد على إطعام ستين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من إطعام ستين مسكيناً لم يكن عليه إلاّ قيمة البدنة » (٢).

وعن الخلاف الإجماع على نفي وجوب الزائد (٣).

ومن الحلبيين ، فأطلقا أنّ من لم يجد البدنة تصدّق بقيمتها (٤) ؛ للصحيح : « عِدل الهدي ما بلغ يتصدّق به » (٥) ويجوز تنزيله على الأول كما في كلام جمع (٦).

وأما الموثق فيمن عليه بدنة واجبة في فداء : « إذا لم يجد بدنة فسبع شياه » (٧) فشاذّ لم أر قائلاً به ، وبه صرّح بعض الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ، ح ٣ ، ١٣ ، ١٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١١٠ ، الوسائل ١٣ : ١١ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٤٢٢.

(٤) أبو الصلاح في الكافي : ٢٠٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤ ، الوسائل ١٣ : ١١ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٠.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٩١.

(٧) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١١١ ، التهذيب ٥ : ٤٨١ / ١٧١١ ، الوسائل ١٣ : ٩ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٤.

٢٨٤

( فإن لم يجد ) ثمنها ليطعم ( صام عن كل مدّين ) أو مدّ ( يوماً ) على الأظهر الأشهر ، بل في صريح الغنية (١) ، وظاهر التبيان وكنز العرفان وغيرهما (٢) : الإجماع عليه ؛ للصحيحين وغيرهما : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » (٣) كما في أحدهما.

وفي الثاني : « فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكل طعام مسكين يوماً » (٤).

خلافاً للعماني والصدوق (٥) ، فثمانية عشر يوماً مطلقاً (٦) ؛ للصحاح وغيرها (٧) : فإن لم يقدر على أن يتصدّق فليصم ثمانية عشر يوماً.

وهو حسن لولا الأخبار الأوّلة المصرِّحة بصوم الستين بعد العجز عن الصدقة ، المعتضدة زيادةً على الشهرة بالإجماعات المنقولة والاحتياط اللازم في الشريعة ، بناءً على أن الجمع بين الأخبار يمكن بأحد وجهين : حمل الأخبار السابقة على الفضيلة والأخيرة على الإجزاء ، أو تقييد هذه بما إذا عجز عن صوم الستين والسابقة على ما إذا قدر عليه ، وبعد تعارض الحملين وتساويهما يجب الأخذ بما يحصل به البراءة اليقينية ، للإجماع على ثبوت اشتغال الذمة بشي‌ء من الصوم في الجملة بعد العجز عن‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٢) التبيان ٤ : ٢٧ ، كنز العرفان : ٣٢٥ ؛ ونسبه في الكفاية : ٦٢ إلى كثير من الأصحاب.

(٣) تقدم مصدره في ص : ٣٣٨١ الهامش (٢).

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤ ، الوسائل ١٣ : ١١ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٠.

(٥) حكاه عن العماني في المختلف : ٢٧٢ ، الصدوق في المقنع : ٧٧.

(٦) أي : سواء قدر على صوم الستّين أم عجز عنه. ( منه رحمه‌الله ).

(٧) انظر الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢.

٢٨٥

الصدقة.

هذا على تقدير القول بتساوي الحملين ، وإلاّ فالظاهر رجحان الثاني ، لأنه من قبيل التقييد والأول من قبيل المجاز ، وإذا تعارضا فالأول أولى ، وبالترجيح أحرى ، على الأشهر الأقوى ، سيّما مع اعتضاده هنا بالشهرة وغيرها.

ومن هنا يتّضح المستند لقوله : ( فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً ) ومحصّله الجمع بين النصوص ، مضافاً إلى أن في صريح الغنية وظاهر الكنز الإجماع (١).

واعلم أنه لو انكسر البُرّ عن القدر الذي يجب دفعه إلى كل مسكين دفع ذلك إليه وصام عن الناقص يوماً ، بلا خلاف يعلم ، كما في التذكرة والمنتهى (٢) ، مشعرين بدعوى الإجماع.

وهو الحجة إن تمّ ، لا ما قيل من أن صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمة ، فيجب كمال اليوم (٣). فإنه مع ما فيه من النظر يدفعه أن مقتضى النصوص أن صيام اليوم إنما يجب بدلاً عن نصف الصاع ، وهو غير متحقق هنا.

ولا يصام عن الزائد على الشهرين لو كان ؛ للأصل ، والنص : « فإذا زادت الأمداد على الشهرين فليس عليه أكثر منه » (٤).

وفي الغنية الإجماع (٥).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، كنز العرفان : ٣٢٥.

(٢) التذكرة ١ : ٣٤٥ ، المنتهى ٢ : ٨٢١.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٢١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٠ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٥.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

٢٨٦

ولا الناقص عنهما إن نقص البدل ، وفاقاً لظاهر الأكثر وصريح جمع (١) ؛ للأصل ، وظاهر الأخبار.

خلافاً لآخرين (٢) ، فيصوم الستين مطلقاً. وهو أحوط وأولى وإن كان الأول أقوى.

ولو عجز عن الستين فهل يجب الثمانية عشر ويكفي مطلقاً ، أم بشرط العجز عن الزائد عنها وإلاّ فيجب الزائد أيضاً؟ وجهان ، ولعلّ الأول أقوى وإن كان الثاني أحوط وأولى.

ولو عجز بعد صيام شهر عن الشهر الآخر فأقوى الاحتمالات السقوط وإن كان الأحوط وجوب ما قدر ولو زائداً عن التسعة ، وبين الاحتمالين صومها خاصة ، وجعله في القواعد أقواها (٣)

( الثاني : في بقرة الوحش بقرة أهلية ) بلا خلاف فتوًى وروايةً ، وهي صحاح مستفيضة معتضدة بعد ظاهر الكتاب بأخبار أُخر معتبرة (٤).

( فإن لم يجد ) ها فضّ ثمنها على الطعام و ( أطعم ثلاثين مسكيناً ، كل مسكين مدّين ) كما في الصحاح ، وإن اختلفت كالفتاوي في التقدير بمدّ كما في الصحيح (٥) ، أو مدّين كما في الصحيحين (٦). والأول أقرب ،

__________________

(١) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٥ ، والعلامة في التحرير ١ : ١١٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٦٢ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٩٢.

(٢) منهم : المفيد في المقنعة : ٤٣٥ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٩٤.

(٣) القواعد ١ : ٩٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٥ أبواب كفارات الصيد ب ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٦) أحدهما : صحيح أبي عبيدة وقد تقدم مصدره في ص : ٣٣٨١ الهامش (٢) ؛ ولم نعثر على الصحيح الآخر.

٢٨٧

ويحمل الثاني على الفضل كما مرّ.

( وإن كانت قيمة البقرة أقلّ ) من ذلك ( اقتصر على قيمتها ) كما يستفاد من الصحيح. وكذا لو زادت عنه لم يجب عليه الزيادة ، كما يستفاد من غيره من الصحاح (١).

ولا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده إلاّ فيما عرفته.

( فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوماً ) للصحيحين وغيرهما الآمرة بالصيام عن كل مسكين يوماً بعد العجز عن الصدقة :

ففي أحدهما (٢) والمرسل كالموثق (٣) : عن قول الله تعالى ( أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٤) قال : « عدل الهدي ما بلغ يتصدق به ، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوماً ». وفي الثاني : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوماً » (٥).

( فإن عجز ) عن الصيام كذلك ( صام تسعة أيام ) للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٦) ، لكن فيها الأمر بذلك بعد العجز عن الصدقة ، كما عليه جماعة (٧) ، ولكنها محمولة على ما ذكرناه من التفصيل ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٢ ، ٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤ ، الوسائل ١٣ : ١١ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٠ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٥ مع تفاوت في متنه.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ / ١٦٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

(٦) الوسائل ١٣ : أبواب كفارات الصيد ب ٢ الأحاديث ٣ ، ٧ ، ١٢ ، ١٣.

(٧) منهم : القاضي في المهذّب ١ : ٢٧٧ ، والحلّي في السرائر ١ : ٥٥٦ ، وابن سعيد في الجامع : ١٨٩.

٢٨٨

وفاقاً للأكثر ، وفي الغنية الإجماع (١) ، جمعاً بين الأدلة ، وإن أمكن الجمع بينها بحمل الأخبار الأوّلة على الفضيلة ، ولكن ما اخترناه من الجمع أولى ، لما عرفته في النعامة. ويأتي في هذه المسألة ما قد عرفته ثمة من الفروعات المناسبة.

( وكذا الحكم في حمار الوحش ) فيلزم فيه البقرة ، ومع العجز عنها فإطعام ثلاثين مسكيناً ، ومع العجز عنه فالصوم كذلك ، ومع العجز عنه فصوم تسعة أيام ( على ) الأظهر ( الأشهر ) بل في الغنية الإجماع (٢) ؛ للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح وغيره (٣).

خلافاً للمقنع فبدنة (٤) ؛ للصحاح (٥).

وللإسكافي فخيّر بينهما (٦) ، ووافقه جماعة من متأخري المتأخرين جمعاً (٧).

وفيه : أنه فرع التكافؤ ، وليس ؛ لرجحان الأوّلة بكثرة العدد والاعتضاد بالشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة ؛ مضافاً إلى ضعف دلالة الأخيرة باحتمال البدنة فيها الحمل على البقرة ، لما عرفته من عموم البدنة للبقرة‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ١٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٢ ، ١٣ ، وب ٣ ح ١ ؛ والمستدرك ٩ : ٢٤٩ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ١ ، وب ٢ ح ٥ ، ٧.

(٤) المقنع : ٧٧.

(٥) الوسائل ١٣ : ٥ أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٢ ، ٤.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢٧٢.

(٧) منهم : صاحب المدارك ٨ : ٣٢٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٥ ، والمجلسي في ملاذ الأخيار ٨ : ٢٧٢.

٢٨٩

عند جماعة من اللغويين والحنفية (١) ، كذا قيل (٢). وفيه مناقشة.

( الثالث : الظبي ، وفيه شاة ) بالكتاب (٣) والسنّة (٤) والإجماع.

( فإن لم يجد ) ها ( فضّ ثمن الشاة على البُرّ ) بل مطلق الطعام ( وأطعم عشرة ) مساكين ( كل مسكين مدّين ) على الأشهر ، ومدّاً على الأظهر.

( ولو قصرت قيمتها ) عن إطعامهم ( اقتصر عليها ) ولو زادت عنه لم يجب عليه الزائد.

( فإن لم يجد صام عن كل مسكين يوماً ، فإن عجز صام ثلاثة أيام ) كلّ ذلك لعين ما مرّ من الأدلة ، فإنّ الكلام في هذه المسألة كالكلام فيما تقدمها فتوًى ودليلاً وخلافاً.

( والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير ) عند جماعة ومنهم الحلّي (٥) ، عازياً له كغيره ـ (٦) إلى الشيخ في الجمل والعقود والخلاف (٧) ، وتبعهما كثير من متأخري الأصحاب ومنهم الفاضل المقداد (٨) ؛ لظاهر « أو » ‌

__________________

(١) راجع ص ٣٣٧٨.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٩٢.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) الوسائل ١٣ : ٥ أبواب كفارات الصيد ب ١.

(٥) السرائر ١ : ٥٥٧.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٩٢.

(٧) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٦ ، الخلاف ٢ : ٣٩٧.

(٨) التنقيح الرائع ١ : ٥٣٥.

٢٩٠

في الآية المفيدة للتخيير ، بناءً على وضعها له لغةً ، كما صرّح به هو وغيره (١) ، مبالغاً في ظهورها فيه ، حتى ادّعى أنها نصّ فيه ، فقال في الجواب عن جواب المرتضى عنها بأنه يجوز العدول عن ظاهر القرآن للدلالة كما عدلنا في قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٢) عن مدلول الواو وهو الجمعية إلى التخيير ما صورته :

وفيه نظر ؛ لأنا نمنع أنه عدول عن الظاهر ، بل عدول عن النص ، وهو غير جائز ، لأن لفظ « أو » لا يحتمل أمرين أحدهما أظهر ، وهو التخيير ، بل هو نصّ في التخيير كما قال علماء العربية.

ثم قال : سلّمنا ، لكن نمنع وجود الدلالة الموجبة للعدول عن الظاهر ؛ لجواز أن يراد بالترتيب في الرواية الأفضلية ، لا الوجوب ، والتخيير في الآية لا ينافي أفضلية الترتيب.

وفيما ذكره من الجوابين نظر :

أمّا الثاني فلأن جواز إرادة الأفضلية من الترتيب الوارد في الروايات لا ينافي ظهورها فيه ، نعم هو محتمل خلاف الظاهر.

وأما الأول فلأن وضعها للتخيير لا يستلزم نصّيّته ، إلاّ بعد ثبوت صحة ما ذكره من عدم احتمالها أمرين أحدهما أظهر وهو التخيير ، ولم يثبت ، بل الثابت خلافه ، لظهور شيوع استعمالها فيما عدا التخيير من التنويع ، ولذا أن عامة متأخري الأصحاب بل كافّتهم عداه لم يدّعوا سوى ظهورها في التخيير ، لا صراحتها فيه ، بل زاد بعض متأخريهم فادّعى إجمالها وعدم ظهورها فيه ، وإنما استدل على هذا القول بالأصل فقال‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ٣٣١ ؛ الذخيرة : ٦٠٤.

(٢) النساء : ٣.

٢٩١

للأصل ، مع احتمال « أو » للتخيير أو التقسيم ، ثم قال : وضعفه ظاهر ، وأضعف منه ما يقال أن ظاهر « أو » للتخيير (١).

أقول : وفيه أيضاً نظر ، بل الحقّ فيها هو الظهور المطلق ، كما هو ظاهر من عداهما من الأصحاب.

وعليه ، فيشكل الجمع بين ظاهر الآية وهو التخيير ، والأخبار الكثيرة القريبة من التواتر (٢) ، وهو الترتيب.

( و ) لأجلها ( قيل ) في المسألة بأنها ( على الترتيب ) والقائل : الأكثر ، ومنهم السيّدان (٣) ، مدّعياً ثانيهما في ظاهر الغنية الإجماع ، والشيخان (٤) ، عازياً ثانيهما له في المبسوط إلى الأصحاب ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، كما قيل (٥).

( وهو ) إن لم نقل بكونه ( أظهر ) فلا ريب في كونه أحوط ، خروجاً عن شبهة الخلاف فتوًى ودليلاً ، كتاباً وسنّةً ؛ فإنّ الجمع بينهما وإن أمكن بحمل الروايات على الأفضلية ، إلاّ أنه ليس بأولى من حمل « أو » في الآية على ما عدا التخيير ، والتكافؤ من جميع الوجوه حاصل ، فيدور الأمر بين التجوز في ظاهر الكتاب والتجوز في ظاهر الروايات ، كلّ محتمل.

وترجيح الثاني بالصحيح : « كل شي‌ء في القرآن( أَو ) فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) فعليه كذا‌

__________________

(١) انظر كشف اللثام ١ : ٣٩٢.

(٢) في « ق » زيادة : بل المتواترة.

(٣) المرتضى في الانتصار : ١٠١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٤) المفيد في المقنعة : ٤٣٥ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٣٤٠.

(٥) الحدائق ١٥ : ١٩٠.

٢٩٢

فالأول بالخيار » (١) ليس بأولى من ترجيح الأول بظاهر دعوى الإجماع المتقدمة في كلام ابن زهرة وشيخ الطائفة ، سيّما مع اعترافه بكون التخيير ظاهر الآية.

وحيث دار الأمر بين مجازين لا مرجّح لأحدهما على الآخر ، صار المكلَّف به من قبيل المجمل ، فيجب الأخذ فيه بالمتيقن وإن احتمل على بُعدٍ التخيير.

ثم ظاهر العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة ثبوت التخيير على القول به في جميع الإبدال الثلاثة.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني وسبطه (٢) فقالا : موضع الخلاف من الثلاثة ، الثلاثة الأُول ، أعني الفرد من النعم ، وفضّ ثمنه على المساكين ، وصيام قدرهم أياماً.

وأمّا الصوم الأخير في الثلاثة ، وهو الثمانية عشر والتسعة والثلاثة فلا خلاف في أنها مترتبة على المتقدم.

( وفي الثعلب والأرنب شاة ) بلا خلاف ، كما استفاض نقله في عبائر جماعة من الأصحاب (٣) ، مشعرين بدعوى الإجماع ، كما في ظاهر الغنية فيهما (٤) ، وعن التذكرة في الأرنب وكذا عن المنتهى (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦ ، الوسائل ١٣ : ١٦٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٢) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٤ ، وسبطه في المدارك ٨ : ٣٣٠.

(٣) منهم : صاحبا المدارك ٨ : ٣٢٨ ، والحدائق ١٥ : ١٩٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٥.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥.

(٥) التذكرة ١ : ٣٤٥ ، المنتهى ٢ : ٨٢٣.

٢٩٣

للصحاح (١) في [ الثاني (٢) ] وبعض المعتبرة المنجبرة بفتوى الجماعة وحكايات الإجماع المتقدمة في [ الأول (٣) ].

وفيه : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قال : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب » (٤).

ويؤيده ما قيل من أن الشاة مثله من النعم ، وهو أولى بذلك من الأرنب (٥).

قيل : فإن عجز عن الشاة استغفر الله تعالى ، ولا بدل لها ، وفاقاً للمحقّق والصدوقين وابني الجنيد وأبي عقيل ؛ للأصل من غير معارض (٦).

وفيه نظر ؛ لوجود المعارض ؛ وهو الصحاح المتقدمة المتضمنة بعضها لقوله عليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه صيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم » (٧) فإنّ الجزاء متناول للجميع.

وآخر منها قوله : « من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام » (٨) فإنه متناول أيضاً للجميع.

ونحوهما قوله عليه‌السلام في آخر منها : « عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به ،

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٧ أبواب كفارات الصيد ب ٤.

(٢ و ٣) بدلهما في النسخ : الأول والثاني ، وهو سهو ظاهراً.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨ ، الوسائل ١٣ : ١٧ أبواب كفارات الصيد ب ٤ ح ٤.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٩٢.

(٦) كشف اللثام ١ : ٣٩٢.

(٧) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ / ١٦٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٨ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

٢٩٤

فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكل إطعام مسكين [ يوماً ] » (١).

( و ) لذا ( قيل : ) إن ( البدل فيهما كالظبي ) والقائل به الأكثر كالشيخين والسيّدين والحلّي وغيرهم (٢) ، وفي ظاهر الغنية الإجماع.

وهنا قول آخر ذهب إليه شيخنا في المسالك والروضة وغيره (٣) ، وهو العمل بإطلاق الصحيح الثاني ، قال : والفرق بينه وبين إلحاقهما بالظبي يعني القول الثاني يظهر فيما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين ، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة ، وعلى الرواية يجب إطعام العشرة.

واعترضه سبطه بأنه يتوجه عليه بأن الصحيح الأول المتضمن للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناول للجميع ، فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي ومنعه هنا ، مع أن اللازم مما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي ، وهو بعيد جدّاً (٤). انتهى. وهو حسن.

( الرابع : في ) كسر ( بيض النعام إذا تحرّك الفرخ ) فيها وكان حياً فتلف بالكسر :

( لكل بيضة بَكرة ) من الإبل ، والمعروف في اللغة أنها أُنثى البَكر ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤ ، الوسائل ١٣ : ١١ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٠. بدل ما بين المعقوفين في النسخ : مدّاً ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المفيد في المقنعة : ٤٣٥ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٣٤٠ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ١١٣ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٥٧ ؛ وانظر المدارك ٨ : ٣٢٩.

(٣) المسالك ١ : ١٣٤ ، الروضة البهية ٢ : ٣٣٦ ؛ وانظر جامع المقاصد ٣ : ٣٠٧.

(٤) المدارك ٨ : ٣٣٠.

٢٩٥

وهو الفَتيّ (١) ، وكأنهم أرادوا الواحدة ، كما عن الحلّي وفي الشرائع وغيره (٢).

والمستند الصحيح (٣) : « إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل » (٤).

وحمل عليه إطلاق البعير في الصحيح الآخر : عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك ، فقال : « لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر » (٥).

كما قيّد إطلاق البيض في الأول بالمتحرك فيه الفرخ لهذا الصحيح ، مضافاً إلى الإجماع عليه ، كما في صريح المختلف والمدارك وظاهر الغنية (٦).

وبهما يقيّد إطلاق ما سيأتي من الأخبار بالإرسال وإن أفتى بظاهرها جماعة من القدماء ، كالإسكافي والصدوق في بعض كتبه والمفيد والمرتضى والديلمي (٧) ، جمعاً ، مع ضعف إطلاقها بظهور سياق جملة منها في المجهول حاله ، وهو الفرد المتبادر والغالب الذي ينصرف إليه إطلاق‌

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٥٩٥ ، لسان العرب ٤ : ٧٩ ، مجمع البحرين ٣ : ٢٢٩.

(٢) الحلّي في السرائر ١ : ٥٦١ ، الشرائع ١ : ٢٨٥ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٣٩٩.

(٣) في « ق » : الصحيحان.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٥ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٥٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ١.

(٦) المختلف : ٢٧٥ ، المدارك ٨ : ٣٣٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦.

(٧) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٧٥ ، الصدوق في المقنع : ٧٨ ، المفيد في المقنعة : ٤٣٦ ، المرتضى في الانتصار : ١٠٠ ، الديلمي في المراسم : ١١٩.

٢٩٦

البواقي وعبارات هؤلاء القدماء ، ويؤيده ما مرّ من تعدّد نقلة الإجماع على التقييد.

نعم ، عن الصدوقين التصريح بالإرسال إذا تحرّك ، وأنه إذا لم يتحرك فعن كل بيضة شاة (١).

قيل : وكأنهما استندا إلى الجمع بين أخبار الإرسال وبعض الأخبار (٢) بأن في بيض النعامة شاة (٣).

وفيه : أنه فرع الشاهد عليه ، وليس ؛ مضافاً إلى ما مرّ من انصراف الإطلاق إلى صورة الجهل ، دون العلم.

نعم في بعض الأخبار (٤) والرضوي (٥) : « وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها فراخ تتحرك ، فعليه أن يرسل فحولة من البدن على الإناث بقدر عدد البيض فما لقح وسلم حتى ينتج فهو هدي لبيت الله الحرام ، وإن لم ينتج شيئاً فليس عليه شي‌ء ». لكنهما غير مكافئين لما مضى سنداً وعملاً واشتهاراً ، فالعمل به أولى.

مضافاً إلى أن ظاهر هذين الخبرين الفرق بين الكسر بالوطء فما‌

__________________

(١) الصدوق في المقنعة ٢ : ٢٣٤ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٧٥.

(٢) كخبر أبي بصير في الوسائل ١٣ : ٥٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٣ ، وخبر أبي عبيدة في الوسائل ١٣ : ٥٦ أبواب كفارات الصيد ب ٢٤ ح ٥.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٤ / ذيل الحديث ١١١٧ ؛ ولعلّه من كلام الصدوق ولذا لم ينقله في الوسائل.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٧ ، المستدرك ٩ : ٢٧٢ أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٣ ؛ بتفاوت يسير.

٢٩٧

مرّ ، وبالإصابة والأكل فشاة كما في صدرهما ، وهو معارض للأخبار بل والفتاوي جملةً ، إلاّ من الصدوق في المقنع فأفتى بمضمونهما (١) ، وأما أبوه فصرّح بالتسوية بينهما (٢) كظاهر سائر الأصحاب ، فهو شاذّ ، وما في المتن هو المشهور والمختار.

( وإن لم يتحرك ) قطعاً أو احتمالاً ( أرسل فحولة الإبل في إناث بعدد البيض فما نتج كان هدياً لبيت الله تعالى ) الحرام ، بل خلاف إلاّ ممن مرّ. وهو مع ضعف مستنده كما عرفت نادر ، بل على خلافه الإجماع في ظاهر الغنية وصريح المدارك (٣) ؛ وهو الحجة.

مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها ، منها : « من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل ، فإنه ربما فسد كلّه ، وربما خلق كلّه ، وربما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما نتجت الإبل فهدياً بالغ الكعبة » (٤).

ونحوه في ظهور السياق في المجهول الخبران ، أحدهما المرسل (٥).

ومنها : في رجل وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم ، قال : « قضى‌

__________________

(١) المقنع : ٧٨.

(٢) كما نقله عنه في المختلف : ٢٧٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٦ ، المدارك ٨ : ٣٣٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٥٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ١.

(٥) أحدهما : المقنعة : ٤٣٦ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١ ، الوسائل ١٣ : ٥٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٤. والآخر : الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٥.

٢٩٨

فيه عليّ عليه‌السلام أن يرسل الفحل على [ مثل (١) ] عدد البيض من الإبل ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان [ النتاج (٢) ] هدياً بالغ الكعبة » (٣).

ونحوه في الإطلاق آخر (٤).

وظاهر إطلاقها كفاية الفحل الواحد وعدم اعتبار تعدّده ، كما صرّح به جماعة (٥) ، معربين عن عدم خلاف فيه وإن أوهمته ظاهر العبارة.

وظاهرها اعتبار تعدد الأُنثى ، وأنه لا يكفي مجرّد الإرسال ، بل يشترط مشاهدة كل واحد منها قد طرقت بالفحل.

ثم قد عرفت أن ظاهرها جهالة البيض ، فلو علم بأن فرخها ميت لم يلزمه شي‌ء ؛ للأصل السالم عن المعارض.

وكذا لو كانت فاسدة ، أو كسرها فخرج منها فرخ فعاش ، وصرّح بذلك أيضاً أجمع جمع (٦).

وليس فيها ولا في كلام أكثر الأصحاب تعيين مصرف هذا الهدي ، وقيل : إنه مساكين الحرم كما في مطلق جزاء الصيد (٧) ، وقيل بالتخيير بين‌

__________________

(١) أضفناه من المصدر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : الناتج ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٢ ، الوسائل ١٣ : ٥٤ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦ ، الوسائل ١٣ : ٥٢ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٢.

(٥) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٨٢٣ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣٣٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٠٨ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٢١٠.

(٦) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٨٢٣ ، وصاحب المدارك ٨ : ٣٣٢ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٢٠٩.

(٧) المدارك ٨ : ٣٣٤.

٢٩٩

صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاج كغيره من أموال الكعبة (١) ، والاحتياط لا يترك.

( فإن عجز فعن كل بيضة شاة ، فإن عجز فإطعام عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام ) وفاقاً للأكثر ؛ للخبر المنجبر بالعمل : « فمن لم يجد إبلاً فعليه لكل بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام » (٢).

وفي الصحيح : « من كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام » (٣).

وعكس الصدوق في المقنع والفقيه كما قيل (٤) ، فجعل على من لم يجد شاة صيام ثلاثة أيام ، فإن لم يقدر أطعم عشرة مساكين ؛ للخبرين (٥).

وفيهما ضعف عن المقاومة لما مرّ سنداً واشتهاراً ، حتى أن في صريح المدارك الاتفاق عليه (٦).

ثم إن صريح الخبر أنّ لكل مسكين مدّاً ، وهو نصّ التحرير والتذكرة والمنتهى والمختلف والدروس وغيرهم (٧). وهو الأقوى ، وللأصل.

__________________

(١) الروضة ٢ : ٣٣٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢٣ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧ ، الوسائل ١٣ : ١٣ أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٤) المقنع : ٧٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٤ ، والحاكي عنهما الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٩٣.

(٥) الأول : خبر أبي بصير المتقدم مصدره في ص ٣٣٩٢ الهامش (٥). وأما الثاني فالظاهر أن مراده ما ورد في ذيل خبر محمّد بن الفضيل المرويّ في الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٧ ، وقد أشرنا في ص ٣٣٩٣ أنه من كلام الصدوق.

(٦) المدارك ٨ : ٣٣٤.

(٧) التحرير ١ : ١١٦ ، التذكرة ١ : ٣٤٦ ، المنتهى ٢ : ٨٢٣ ، المختلف : ٢٧٥ ، الدروس ١ : ٣٥٥ ، وانظر مجمع الفائدة ٦ : ٣٧١ ، والروضة ٢ : ٣٣٨.

٣٠٠