دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

لا ينفع بعد ما كان نسخ الاحكام حقا خاصا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عصره لوضوح ان حلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة (١).

ومن الجرأة على الله سبحانه مقالة من اجاب : «ان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع» (٢) ، ان الله سبحانه يقول عن نبيّه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى) (٣) ، (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ) (٤) وفي مقابله يقال : ان النبي مجتهد كبقية أفراد البشر دون أي فرق ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً) (٥).

__________________

«لو لا ان عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى الا شقي».

ونقل في الصفحة نفسها أيضا ان الخليفة الثاني قال في خطبته : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انا انهى عنهما واعاقب عليهما».

وقد روى المضمون المذكور البيهقي في سننه ٧ : ٢٠٦.

وروى أحمد في مسنده ٣ : ٣٢٥ : «تمتعنا متعتين على عهد رسول الله : الحج والنساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا».

وروى احمد في مسنده أيضا ٢ : ٩٥ عن عبد الله بن عمر الذي كان يفتي بجواز التمتع : «كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟ فقال لهم : ويلكم ألا تتقون ... أفرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحق أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر».

(١) ورد المضمون المذكور في صحيحة زرارة التي رواها الشيخ الكليني في الكافي ١ : ٥٨.

(٢) الجواب المذكور نقله القوشجي في شرحه على تجريد الاعتقاد : ٣٧٤ في مقام الدفاع عن الخليفة الثاني ـ الذي صعد المنبر وقال : ايها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله انا انهى عنهن واحرّمهن واعاقب عليهن وهي متعة النساء ومتعة الحج وحيّ على خير العمل ـ من دون تعليق عليه.

(٣) النجم : ٣ ـ ٤.

(٤) يونس : ١٥.

(٥) الكهف : ٥.

٣٦١

وإذا قيل في الرد على مشروعية المتعة : «سمي الزنا سفاحا لانتفاء احكام النكاح عنه من ثبوت النسب ووجوب العدة وبقاء الفراش ، ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا» (١).

قلنا : هذه مناقشة لله سبحانه ولرسوله الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث ثبتت المشروعية عنهما في بداية الشريعة بالاتفاق. على انه سيأتي اعتبار الامور الثلاثة المذكورة في الزواج المؤقت كالدائم.

وإذا قيل : ان ايجار المرأة نفسها كل فترة من الزمن لرجل يتنافى والاحصان المؤكد عليه في الشريعة ويتلاءم مع السفاح.

بل جواز المتعة يتنافى مع قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*) (٢) ، فان المتمتع بها ليست زوجة ولا ملك يمين فيكون الزواج بها من العدوان المحرم.

على ان التحريم الصادر من الخليفة الثاني لم يكن من قبل نفسه بل هو مبيّن ومنفّذ له ، وإذا كان النهي قد نسبه إلى نفسه فهو بهذا المعنى (٣).

قلنا : لا تنافي بين الزواج المؤقت والاحصان إذا ما فهمنا شروطه كما ينبغي. كيف ولو كان يلزم منه ذلك عاد الاشكال الى تشريعه الثابت في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جزما؟!

والمنافاة مع الآية الكريمة لا نعرف لها وجها بعد ما كانت المتعة‌

__________________

(١) القول المذكور هو للجصاص في احكام القرآن ٢ : ١٨٦.

(٢) المعارج : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) القول المذكور هو لمحمد رشيد رضا في تفسير المنار ٥ : ١٣.

٣٦٢

فردا حقيقيا للزواج ، غايته هي زواج مؤقت له تمام خصوصيات الزواج الدائم الا من بعض الجهات.

والدفاع المذكور أخيرا دفاع بما لا يرضى به صاحبه وهو أوهن من بيت العنكبوت.

٢ ـ واما ان الزواج المؤقت لا يتحقق الا بايجاب وقبول لفظيين‌ فباعتبار انه فرد من الزواج فيشمله ما تقدم اعتباره في الزواج الدائم.

بل ان الزواج المؤقت اختص بروايات دلت على اعتبار ذلك فيه ، وقد تقدمت الاشارة إلى بعضها سابقا.

ثم ان الصيغة التي يقع بها الزواج المذكور ان تقول المرأة : متعتك أو أنكحتك أو زوجتك نفسي بمهر كذا إلى أجل كذا ثم يقول الرجل : قبلت.

وكل ما تقدم من ابحاث في الزواج الدائم ـ كاعتبار العربية أو تقدّم الايجاب أو كونه من المرأة أو ... آت هنا لكونه فردا حقيقيا للزواج كالدائم.

٣ ـ واما اعتبار تعيين المهر والاجل في الزواج المؤقت وبطلانه عند عدم ذلك‌ فلصحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تكون متعة الا بأمرين : أجل مسمى واجر مسمى» (١) وغيرها.

٤ ـ واما وجوب الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه‌ فلا اشكال فيه في الجملة ، وانما الاشكال في مقدار العدة ، حيث دلت بعض الروايات على انه حيضتان في من تحيض وخمسة وأربعون يوما في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٦٥ الباب ١٧ من أبواب المتعة الحديث ١.

٣٦٣

من لا تحيض وهي في سن من تحيض ، في حين دلّ بعضها الآخر على كونه حيضة واحدة في من تحيض وخمسة واربعين يوما في من لا تحيض.

مثال الاول : صحيحة اسماعيل بن الفضل الهاشمي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك ابن جريح فسله عنها فان عنده منها علما ، فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها وكان فيما روى لي فيها ... فاذا انقضى الاجل بانت منه بغير طلاق ... وعدتها حيضتان وان كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما قال : فأتيت بالكتاب ابا عبد الله عليه‌السلام فقال : صدق واقرّ به ...» (١).

ومثال الثاني : صحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «عدة المتعة ان كانت تحيض فحيضة ، وان كانت لا تحيض فشهر ونصف» (٢).

والجمع العرفي بينهما بحمل الاولى على الاستحباب متعذر اما لان الاوامر الارشادية لا تقبل ذلك مطلقا او لأنها وان قبلت ذلك ولكن بشرط ان يكون لسانها لسان الامر دون لسان الاخبار كما هو المفروض في المقام.

ومع تعذر الجمع العرفي يكون التعارض مستقرا فيلزم الرجوع إلى المرجحات ـ موافقة الكتاب الكريم ومخالفة التقية ـ وحيث انها غير متوفرة في المقام يتعين التساقط والرجوع إلى الاصل ، وهو يقتضي اعتبار الحيضتين للشك في ترتب الاثر على العقد الثاني قبل مضي ذلك فيستصحب عدمه. ولا مجال للرجوع إلى قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٧ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٣ الباب ٢٢ من أبواب المتعة الحديث ١.

٣٦٤

وَراءَ ذلِكُمْ) (١) لكونه ناظرا الى العموم الافرادي دون الاحوالي.

٥ ـ واما اعتبار كمال الحيضتين بعد انتهاء الاجل او الابراء وعدم كفاية الحيضة التي يقع انتهاء الاجل او الابراء في اثنائها‌ فهو واضح بناء على ترجيح صحيحة الهاشمي لان ظاهر التعبير «وعدتها حيضتان» هو ما ذكر ، واما بناء على التساقط والرجوع إلى الاصل فالامر كذلك أيضا كما هو واضح.

٦ ـ واما عدم لزوم الاعتداد على الصغيرة واليائس والتي لم يدخل بها‌ فتدل عليه رواية عبد الرحمن بن الحجاج : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ثلاث يتزوجن على كل حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض قال : قلت : وما حدّها؟ قال : إذا اتي لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ...» (٢) وغيرها.

وسندها وان اشتمل على سهل بن زياد الا ان الامر فيه سهل إن شاء الله تعالى.

٧ ـ واما ان عدتها من الوفاة اربعة أشهر وعشرة ايام‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة زرارة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها؟ قال : اربعة اشهر وعشرا ، ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ...» (٣) وغيرها.

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٠٦ الباب ٢ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٨٤ الباب ٥٢ من أبواب العدد الحديث ٢.

٣٦٥

بل يمكن التمسك بعموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ...) (١).

وإذا قيل : انه ورد في رواية علي بن يقطين عن ابي الحسن عليه‌السلام : «عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة واربعون يوما» (٢) ، وفي رواية الحلبي عن ابيه عن رجل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما» (٣) وهذا يتنافى مع ما تقدم.

قلنا : لو تمّ سند الروايتين ولم يناقش في الاولى من ناحية احمد بن هلال وفي الثانية من ناحية الارسال تحقق التعارض بينهما من جهة وبين صحيحة زرارة من جهة اخرى وينبغي ترجيح الثانية لموافقتها للكتاب الكريم.

٨ ـ واما ان الولد ملحق بالزوج فهو من واضحات الفقه.

وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام في حديث عن المتعة قلت : «أرأيت إن حبلت فقال : هو ولده» (٤) وغيرها.

بل لا نحتاج إلى رواية خاصة بعد قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٥).

واما ترتب جميع حقوق الولد ـ الثابتة في العقد الدائم ـ عليه‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٨٥ الباب ٥٢ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٠ : ٤٨٥ الباب ٥٢ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٨ الباب ٣٣ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٦٨ الباب ٥٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء الحديث ٤.

٣٦٦

فباعتبار ان ذلك لازم كونه ولده ، إذ يشمله آنذاك اطلاق أدلة احكام الولد الثابتة لعنوانه.

٩ ـ واما عدم استحقاق المتمتع بها للنفقة‌ فقد ادعى صاحب الجواهر الاجماع على ذلك (١). واستدل له الشيخ البحراني بما دلّ على انها لا تطلّق ولا تورث وانما هي مستأجرة ، قال قدس‌سره : «ومن المعلوم ان الاجير لا نفقة له» (٢).

وكان من المناسب له الاستدلال لذلك أيضا برواية هشام بن سالم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اتزوج المرأة متعة مرة مبهمة فقال : ذلك اشد عليك ترثها وترثك ولا يجوز لك ان تطلقها الا على طهر وشاهدين قلت : اصلحك الله فكيف أتزوجها قال : اياما معدودة بشي‌ء مسمّى مقدار ما تراضيتم به فاذا مضت ايامها كان طلاقها في شرطها ولا نفقة ولا عدة لها عليك» (٣).

ولعل دلالتها واضحة الا ان سندها يشتمل على موسى بن سعدان وعبد الله بن القاسم اللذين لم تثبت وثاقتهما ، ولكن ذلك غير مهم على مباني الشيخ البحراني قدس‌سره.

هذان وجهان لإثبات عدم وجوب الانفاق على المتمتع بها. وكلاهما كما ترى.

والأنسب ان يستدل على ذلك بان المسألة عامة البلوى ، وحكمها‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣١ : ٣٠٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٩٨.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ : ٢٦٧ ، ووسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٠ الباب ٢٠ من ابواب المتعة الحديث ٣.

٣٦٧

لا بدّ ان يكون واضحا بين الاصحاب ، وحيث لا يحتمل ان يكون هو وجوب الانفاق ـ والا لانعكس ذلك على الروايات وكلمات الاصحاب ، والحال ان الامر بالعكس تماما ـ فيتعين ان يكون هو عدم الوجوب ، وهو المطلوب.

١٠ ـ واما انه لا توارث في الزواج المؤقت الا مع الاشتراط‌ فهو المشهور. والروايات في هذا المجال على ثلاث طوائف :

الاولى ـ ما دلّ على عدم الارث من دون تفصيل.

الثانية ـ ما دلّ على الارث مع الشرط.

الثالثة ـ ما دلّ على الارث الا مع اشتراط العدم.

مثال الاولى : صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الاجل» (١).

والسند يشتمل على موسى بن بكر ، وهو لم يوثق في كتب الرجال الا انه تقدم في ابحاث سابقة توجيه وثاقته.

ومثال الثانية : صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ، ان اشترطت كان وان لم تشترط لم يكن» (٢).

ومثال الثالثة : موثقة محمد بن مسلم : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة انهما يتوارثان إذا لم يشترطا ، وانما الشرط بعد النكاح (٣)» (٤) ، بناء على ان المقصود : اذا لم يشترطا عدم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٧ ٢ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٥ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٣) لعل المقصود ان الشروط يلزم ان تذكر ضمن عقد النكاح وبعد كلمة «أنكحت».

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٦ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ٢.

٣٦٨

الارث ، واما اذا كان المقصود : إذا لم يشترطا الاجل فهي أجنبية عن المقام ولا بدّ من حذف الطائفة الثالثة من الحساب.

ثم ان المعارضة تنحصر بين الطائفة الثالثة والثانية والا فالاولى ليست طرفا للمعارضة بعد كونها بمنزلة المطلق القابل للتقييد بأي واحدة من الطائفتين الاخيرتين.

وكلتا الطائفتين متفقتان على ثبوت الارث مع الاشتراط وانما التعارض عند فرض عدم الاشتراط ، فالثانية تدل على عدم الارث والثالثة تدل على ثبوته.

وبعد التعارض في هذا المقدار يتساقطان ويلزم الرجوع إلى الطائفة الاولى لأنها بمنزلة العام الفوقاني ، ومن ثمّ تكون النتيجة ثبوت الارث عند اشتراطه لكونه مورد اتفاق الطائفتين الاخيرتين وعدم ثبوته عند عدم اشتراطه تمسكا باطلاق الطائفة الاولى.

وبذلك نصل إلى النتيجة التي صار اليها المشهور.

ومن هذا يتضح التأمل فيما اختاره صاحب الجواهر من الحكم بعدم الارث حتى مع اشتراطه بدعوى ان مقتضى عقد التمتع عدم الارث ، فاشتراطه مخالف لمقتضى العقد بل هو على حد اشتراط ارث غير الوارث المعلوم بطلانه بسبب مخالفته للكتاب والسنة (١).

ووجه التأمل : انه اتضح من خلال ما ذكرناه ان عقد التمتع لا يقتضي الارث في حالة عدم الاشتراط والا فيقتضيه لاتفاق الطائفتين الاخيرتين على ذلك.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٠ : ١٩٥.

٣٦٩

١١ ـ واما انه لا طلاق في عقد التمتع بل تحصل البينونة بانتهاء الاجل‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة الهاشمي المتقدمة وغيرها.

واما انه يصح للزوج هبة ما يبقى من الاجل وتبين بذلك فهو مما لا خلاف فيه أيضا. وتدل عليه صحيحة علي بن رئاب : «كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضى اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك؟ فوقع عليه‌السلام : لا يرجع» (١) وغيرها.

وهي تدل على المفروغية من جواز الابراء وانما السؤال عن جواز التراجع عنه.

واضمارها لا يضر بحجيتها للبيان المتقدم في ابحاث سابقة لإثبات حجية المضمرات بشكل عام.

١٢ ـ واما عدم جواز الزواج المؤقت بالكافرة غير الكتابية‌ فلما تقدم نفسه من الوجه في العقد الدائم.

١٣ ـ واما انه لا يصح تجديد العقد عليها قبل انتهاء الاجل‌ فهو المشهور. واستدل لذلك صاحب الجواهر بوجوه ثلاثة :

أ ـ ان العقد إذا كان يؤثر من حينه يلزم محذور تحصيل الحاصل ، وان كان يؤثر بعد انتهاء الاجل يلزم تأخر الاثر عن المؤثر ، وهو مستحيل.

ب ـ التمسك بمفهوم صحيحة ابي بصير : «لا بأس ان تزيدك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٣ الباب ٢٩ من أبواب المتعة الحديث ١.

٣٧٠

وتزيدها إذا انقطع الاجل فيما بينكما تقول لها استحللتك بأجل آخر برضا منها ولا يحلّ ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها» (١).

ج ـ التمسك برواية ابان بن تغلب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ثم انها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر فهل يجوز ان يزيدها في اجرها ويزداد في الايام قبل ان تنقضي ايامه التي شرط عليها فقال : لا ، لا يجوز شرطان في شرط. قلت : فكيف يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقي من الايام ثم يستأنف شرطا جديدا» (٢). هذا ما افيد في الجواهر (٣).

والكل كما ترى.

اما الاول فلان محذور تحصيل الحاصل يختص بالامور التكوينية دون الامور الاعتبارية ، وما المانع من تأثير العقد تأكيد الحاصل بلحاظ الفترة الباقية والتأسيس بلحاظ ما بعد انتهاء الاجل.

واما الثاني فباعتبار انه لا يبعد نظر صحيحة ابي بصير في مفهومها الى انه يجوز بعد انتهاء الاجل تجديد العقد من دون توقف على انتهاء العدة وليست ناظرة إلى ما هو المقصود في محل الكلام.

واما الثالث فباعتبار ان رواية ابان وان كانت تامة الدلالة الا ان الشيخ الكليني قد رواها بطرق ثلاث تشترك جميعا في ابراهيم بن الفضل الهاشمي الذي لم تثبت وثاقته.

وعليه فالحكم بعدم الجواز لا بدّ من ابتنائه على الاحتياط ـ تحفظا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٥ الباب ٢٣ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٥٨.

(٣) جواهر الكلام ٣٠ : ٢٠٢.

٣٧١

من مخالفة المشهور ـ دون الفتوى.

١٤ ـ واما جواز اشتراط عدم الوطء‌ فالظاهر انه لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عمار بن مروان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : رجل جاء إلى امرأة فسألها ان تزوجه نفسها فقالت : ازوجك نفسي على ان تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من اهله الا ان لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت فاني اخاف الفضيحة ، قال : ليس له الا ما اشترط» (١).

بل بالامكان التمسك باطلاق موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام ان علي بن ابي طالب عليه‌السلام كان يقول : «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (٢).

واما انه يجوز الوطء لو تنازلت عن شرطها فباعتبار ان ما اشترطته كان حقا لها لا عليها ، ومن حق كل صاحب حق التنازل عن حقه.

ومن هذا يتضح التأمل فيما نسب إلى العلامة من عدم جواز الوطء حتى مع التنازل بتقريب ان العقد لم يتشخص الا بذلك الشرط ، وخلافه ليس مندرجا في العقد (٣).

على ان المسألة تشتمل على نص خاص ، وهو ما رواه اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل تزوج بجارية عاتق على ان لا يفتضها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٩١ الباب ٣٦ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٧ الباب ٣٢ من أبواب المتعة الحديث ٩.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٤ : ١٩٨.

٣٧٢

ثم اذنت له بعد ذلك قال : إذا اذنت له فلا بأس» (١).

٦ ـ أحكام النفقة‌

يجب على الزوج الانفاق على زوجته الدائمة بما هو المتعارف من حيث الطعام والسكن والملابس وما شاكل ذلك بشرط ان لا تكون متمردة على القيام بحقوقه الزوجية.

وإذا خرجت من بيت زوجها معلنة للتمرد فلا نفقة لها. واما إذا لم يكن عن تمرد فلا تستحق النفقة الا بعد عودها.

وإذا لم يقم الزوج بالنفقة الواجبة اشتغلت ذمته بها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوب الانفاق على الزوجة‌ فهو في الجملة من ضروريات الفقه. ويدل عليه قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٢) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ... وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) ، فان مقتضى المعاشرة بالمعروف هو الانفاق بالشكل المتعارف من حيث المسكن والطعام وما شاكل ذلك.

واختصاص الآية الاولى بالزوجة المولود لها ليس مضرا بعد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥ الباب ٣٦ من أبواب المهور الحديث ٢.

والعاتق : الجارية اول ما تدرك او الجارية التي لم تتزوج.

(٢) البقرة : ٢٣٣.

(٣) النساء : ١٩.

٣٧٣

عدم احتمال اختصاص الحكم بها.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

واما الروايات فهي كثيرة ، كصحيحة ابي بصير : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام ان يفرّق بينهما» (١) وغيرها.

٢ ـ واما التقييد بالزوجة الدائمة‌ ـ بالرغم من شمول اطلاق ما تقدم للمنقطعة ـ فقد تقدم وجهه عند البحث عن الزواج المؤقت.

٣ ـ واما ان المدار على المتعارف‌ فيمكن ان يقرب ببيانين :

أ ـ التمسك بفكرة الاطلاق المقامي ، بان يقال : ان اثبات وجوب الانفاق من دون تحديده كما وكيفا يدل على احالة الامر في المسألة الى العرف وما هو المتعارف عنده.

ب ـ ان التقييد بكلمة «بالمعروف» في الآيتين الكريمتين يدل بوضوح على المطلوب.

٤ ـ واما تعميم الانفاق الواجب لغير الطعام والملابس‌ فللتمسك باطلاق الامر بالمعاشرة بالمعروف.

ولا يمكن تقييده بمدلول الآية الكريمة الاولى أو بالصحيحة لعدم ثبوت المفهوم لهما ، بل الرزق في الآية يحتمل ان يراد به العموم دون خصوص الرزق للطعام ، والا فالسكن ليس مذكورا فيهما ، وهل يحتمل عدم وجوب النفقة من ناحيته؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٢.

٣٧٤

وهل المدار في النفقة الواجبة على ملاحظة شأن الزوجة أو شأن الزوج أو شأن كليهما؟ لا يبعد أرجحية الأخير ، فان المعاشرة بالمعروف تصدق مع ملاحظة شأن الاثنين دون احدهما.

٥ ـ واما اعتبار ان لا تكون الزوجة متمردة على القيام بالحقوق الزوجية‌ فباعتبار ان المعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية الكريمة لا تقتضي الا لزوم انفاق الزوج على زوجته في حالة قيامها بحقوقه والا فتركه للإنفاق لا يعدّ امرا مخالفا للمعاشرة بالمعروف.

وإذا قيل : ان الآية الكريمة المذكورة وان كانت ضيقة المدلول الا ان هذا لا ينافي التمسك باطلاق الآية الاخرى والصحيحة المقتضي لوجوب الانفاق حتى مع النشوز.

قلنا : بما ان الآية الكريمة واردة مورد التحديد فتدل على المفهوم الصالح لتقييد الاطلاق في غيرها.

٦ ـ واما عدم استحقاق النفقة مع الخروج عن تمرد‌ فلما تقدم من اشتراط وجوب النفقة بعدم التمرد على الحقوق الزوجية.

واما عدم استحقاقها مع الخروج بلا تمرد الا بعد العود فلموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ايّما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع» (١).

والسكوني والنوفلي وان لم يوثقا بشكل خاص الا انه تقدم في ابحاث سابقة امكان توجيه حجية رواياتهما.

٧ ـ واما انشغال ذمة الزوج بالنفقة اذا لم يؤدها‌ فيمكن استفادته‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٣٠ الباب ٦ من أبواب النفقات الحديث ١.

٣٧٥

من قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ) (١) ، فان التعبير بكلمة «على» ظاهر في إرادة الحكم الوضعي دون مجرّد الحكم التكليفي.

٧ ـ احكام القسمة‌

في وجوب القسمة بين الزوجات في مبيت الليالي ابتداء أو بعد الشروع خلاف ، فقيل بعدم الوجوب الا بالشروع ، وقيل بالوجوب ابتداء.

وفي وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت وجه.

والواجب في المبيت هو المضاجعة دون المواقعة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوب القسمة في مبيت الليالي‌ فلا اشكال فيه في الجملة ، فان لكل انسان الحق في الزواج بأربع نساء بالعقد الدائم ، وإذا بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من البقية ليلة الا إذا تنازلت واحدة عن حقها فله ان يضع ليلتها حيث شاء.

وإذا كانت عنده ثلاث زوجات وبات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من الأخيرتين بالمثل ـ الا مع التنازل فكما تقدم ـ وتبقى له ليلة يضعها حيث شاء.

وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند الاخرى ليلة ـ الا مع التنازل ـ وكانت له ليلتان يضعهما حيث شاء.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

٣٧٦

وهذا المقدار لم يقع محلا للخلاف بين الفقهاء وانما الخلاف في لزوم الشروع وعدمه في التقسيم ابتداء ، فهل يلزم من كانت عنده زوجتان مثلا الشروع في المبيت ، بان يبات عند هذه ليلة ثم عند الاخرى ليلة ويضع الليلتين الاخيرتين من الاربع حيث شاء أو لا يلزمه ذلك بل له الحق في ان لا يبات عندهما رأسا؟

قيل بلزوم الشروع في التقسيم ابتداء. وقيل لا يلزم ذلك ولكنه لو شرع بالمبيت عند واحدة لزمه المبيت عند الاخرى أيضا ويعود حرا في الليلتين الاخيرتين ، وإذا تمت الليالي الاربع فلا يلزمه الشروع في المبيت من جديد ولكنه لو شرع لزمه المبيت عند الاخرى بالمثل ، وهكذا.

والخلاف نفسه يسري إلى من كانت عنده زوجة واحدة ، فانه على القول الاول يلزمه المبيت عندها ليلة من كل اربع ليال ، بخلافه على القول الثاني فانه لا يلزمه ذلك.

وليس المنشأ لهذا الاختلاف اختلاف الروايات بل هو القصور في مدلولها عن افادة تعيين احد الاحتمالين بخصوصه ، كما نلاحظ ذلك في صحيحة محمد بن مسلم : «سألته عن الرجل تكون عنده امرأتان واحداهما أحبّ إليه من الاخرى ، قال : له أن يأتيها ثلاث ليال والاخرى ليلة ، فان شاء أن يتزوج اربع نسوة كان لكل امرأة ليلة فلذلك كان له ان يفضّل بعضهن على بعض ما لم يكنّ أربعا» (١) وغيرها.

ولا يضر اضمارها بعد ما كان المضمر مثل محمد بن مسلم الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه‌السلام.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٨١ الباب ١ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣.

٣٧٧

٢ ـ اما القول بعدم وجوب القسمة الا بالشروع‌ فيمكن الاستدلال له بالبيانين التاليين :

أ ـ التمسك باصالة البراءة عن وجوب التقسيم ابتداء بعد قصور الصحيحة المتقدمة وما هو بمضمونها عن افادته.

ب ـ التمسك بموثقة اسحاق بن عمار حيث : «سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن حق المرأة على زوجها قال : يشبع بطنها ويكسو جثتها وان جهلت غفر لها» (١) وما هو بمضمونها ، بتقريب انها بصدد بيان حق الزوجة على زوجها ولم يذكر منه المبيت عندها فيدل ذلك على عدم وجوبه ابتداء.

وكلا الوجهين تامان لو فرض عدم تمامية ما يستدل به على الوجوب ابتداء والا فلا معنى للتمسك بأصل البراءة ويلزم تقييد الموثقة ، فان دلالتها على نفي الوجوب ابتداء بالاطلاق فيقيد.

٣ ـ واما القول بوجوب القسمة ابتداء‌ فقد يستدل له بما يلي :

أ ـ التمسك بموثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يتزوج الامة على الحرة قال : لا يتزوج الامة على الحرة ويتزوج الحرة على الامة. وللحرة ليلتان وللأمة ليلة» (٢) وما هو بمضمونها.

وفيه : ان من المحتمل ان يكون المقصود من ذلك انه لو أراد المبيت فيلزمه تخصيص الحرة بليلتين والأمة بليلة واحدة لا ان ذلك واجب عليه ابتداء.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٨٨ الباب ٨ من أبواب القسم والنشوز الحديث ٣.

٣٧٨

ب ـ التمسك بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم ١ ، حيث ورد فيها «فان شاء ان يتزوج اربعة نسوة كان لكل امرأة ليلة» ، فان مقتضى اطلاقها ان لكل امرأة من الاربع ليلة سواء شرع في القسمة أم لا.

وفيه : ان المقصود من جملة «كان لكل امرأة ليلة» عدم جواز تفضيل بعضهن على بعض لا استحقاق كل واحدة ليلة ، ولا أقل من احتمال ذلك ، ومعه لا يصح التمسك بالاطلاق.

ج ـ التمسك باطلاق قوله تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (١) ، بتقريب انه يدل على وجوب فعل كل ما هو مصداق للمعاشرة بالمعروف ، ومن جملته المبيت عند الزوجة. والاطلاق المذكور حجة ما لم يدل دليل على تقييده ، وحيث لم يدل دليل على نفي وجوب المبيت ابتداء فيكون الاطلاق محكّما.

والظاهر ان الوجه المذكور متين ، وفي ضوئه يمكن الحكم بوجوب القسمة ابتداء.

٤ ـ واما الوجه في وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت‌ فمستنده رواية ابراهيم الكرخي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل له اربع نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسهن ، فاذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسها فهل عليه في هذا اثم؟ قال : انما عليه ان يبيت عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها وليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك» (٢).

__________________

(١) النساء : ١٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٨٤ الباب ٥ من أبواب القسم والنشوز الحديث ١.

٣٧٩

وابراهيم وان لم يوثق بالخصوص الا انه تكفي رواية ابن ابي عمير عنه (١) بناء على تمامية كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة.

٥ ـ واما عدم وجوب المواقعة‌ فلأصل البراءة بعد عدم الدليل على وجوبها.

هذا لو قطعنا النظر عن رواية الكرخي المتقدمة والا كانت هي الدليل.

ثم انه قد يشكك في وجوب المضاجعة ـ وهي النوم مع الزوجة في فراش واحد قريبا منها بحيث لا يعدّ هاجرا لها ـ أيضا باعتبار ان الروايات دلت على وجوب المبيت دون المضاجعة عنده ، ومعه يتمسك لنفي وجوبها بأصل البراءة.

__________________

(١) كما ورد في الكافي ٢ : ٢٩٢ الحديث ١١.

٣٨٠