دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

كتاب السّبق والرّماية‌

١ ـ حقيقة السبق والرماية‌

٢ ـ من أحكام السبق والرماية.

٢٨١
٢٨٢

١ ـ حقيقة السبق والرماية‌

السبق ـ بسكون الباء ـ معاملة تتضمن اجراء الخيل وما شابهها في حلبة السباق لمعرفة الاجود منها.

والرماية معاملة تتضمن رمي السهام نحو الهدف للتعرف على الحاذق من المترامين.

وهما مشروعان دون خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان السبق والرماية عقدان‌ فباعتبار انهما لا يتحققان إلاّ بعد اتفاق شخصين أو أكثر عليهما ، ولا يكفي الايجاب من طرف واحد لتحققهما.

أجل بناء على كونهما جعالة ـ كما هو المنسوب للشيخ والعلاّمة (١) ـ فهما ايقاع ولا حاجة في تحققهما إلى القبول بل يكفي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٨ : ٢٢٣.

٢٨٣

البذل ، كما يكفي في مثل : من ردّ عليّ سيارتي المسروقة فله كذا.

الا ان ذلك جيد لو كان البذل من شخص ثالث أجنبي ، واما إذا كان منهما باتفاق بينهما فكونهما جعالة بعيد.

٢ ـ واما ان العقدين المذكورين يتضمنان ما ذكر‌ فأمر متسالم عليه.

٣ ـ واما شرعية المعاملتين المذكورتين‌ فيمكن استفادتها من عموم قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (١) ، فان الغرض من السبق والرماية تدريب المسلمين على الفنون العسكرية وتهيئتهم لمواجهة الكفار في ساحة القتال ، وذلك مصداق واضح لإعداد القوة المأمور بها في الآية الكريمة.

وقد يقال بامكان استفادة ذلك من قوله تعالى : (إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) (٢) ولكنّه قابل للتأمّل كما هو واضح.

واما الروايات في هذا المجال فكثيرة ، كموثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجرى الخيل وجعل سبقها (٣) أواقي من فضة» (٤) ، وصحيحة حفص بن البحتري عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه كان يحضر الرمي والرهان (٥).

__________________

(١) الأنفال : ٦٠.

(٢) يوسف : ١٧.

(٣) السبق بفتح السين والباء : العوض المجعول للسابق. ويقال له : الخطر ـ بفتح الحاء والطاء ـ أيضا. والسبق بفتح السين وسكون الباء : مصدر بمعنى المعاملة المتقدمة. والأواقي : جمع أوقية.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٥ الباب ١ من أحكام السبق والرماية الحديث ١٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٨ الباب ٢ من أحكام السبق والرماية الحديث ٤.

٢٨٤

٢ ـ من أحكام السبق والرماية‌

يعتبر في تحقق السبق والرماية الايجاب والقبول بكل ما يدل عليهما.

ويصح اجراء هاتين المعاملتين على وسائل القتال الحديثة ولا يختص بما إذا كان على السيف والسهام والخيل والابل وما شاكل ذلك.

ولا يلزم في صحة المسابقة وجود المحلّل ، وهو شخص يدخل في المسابقة من دون ان يبذل عوضا وانما يجري فرسه مع المتراهنين على انه ان سبق كان له العوض وان لم يسبق لم يخسر شيئا (١).

ويجوز في العوض المقرر للسابق ـ السبق ـ ان يكون من أحد الطرفين أو من شخص ثالث أجنبي أو من بيت المال.

والعبرة في تحقق السبق على الصدق العرفي الا اذا تمّ الاتفاق على غيره.

والعقد في السبق والرماية لازم لا يجوز فسخه الا مع اشتراط الخيار.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقق السبق والرماية‌ فلان ذلك مقتضى كونهما عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل المشروعية.

٢ ـ واما ان صحة هاتين المعاملتين لا تنحصر بالوسائل القديمة‌ فباعتبار ان النصوص وان اقتصرت عليها ، كما في صحيحة حفص عن‌

__________________

(١) وانما سمي بالمحلل لان القائل باشتراط وجوده في صحة المسابقة يرى ان وجوده محلل لها وعدمه محرّم لها.

٢٨٥

أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل» (١) الا ان تخصيصها بالذكر هو من جهة كونها الوسائل الحربية المتداولة تلك الفترة ولا ينبغي فهم الخصوصية لها. كيف وهل يحتمل انتهاء فترة تشريع المسابقة والرماية وعدم امتداده لمثل زماننا أو هل يحتمل ان التشريع ممتدّ مع لزوم الاقتصار على الوسائل القديمة؟! كلا ، لا يحتمل هذا ولا ذاك. وبطلان الاحتمالين يساوق الحكم بعموم النتيجة (٢).

٣ ـ واما المحلّل فقد قيل باشتراط وجوده في حلية العقد. ونسب ذلك إلى ابن الجنيد استنادا منه الى خبر لا يوجد في كتبنا (٣).

والمناسب عدم اعتبار وجوده في صحّة العقد تمسّكا باطلاق دليل المشروعية.

٤ ـ واما جواز ان يكون السبق من أجنبي أو بيت المال أو المتراهنين‌ فلإطلاق دليل المشروعية.

٥ ـ واما ان العبرة في تحقق السبق على الصدق العرفي‌ فلكونه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٨ الباب ٣ من أحكام السبق والرماية الحديث ١.

قيل : بان الخف إشارة إلى الابل والفيلة ، والنصل إشارة إلى السهم والسيف والحربة ، والحافر إشارة إلى الفرس والبغل والحمار.

(٢) ولعل المورد المذكور يمكن عدّه مصداقا من مصاديق تأثير عنصر الزمان في عملية الاجتهاد الذي قد يفهم من بعض كلمات المحقق الأردبيلي في مبحث الصلاة من كتابه مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٣٦ ـ حيث قال : «ولا يمكن القول بكلية شي‌ء بل تختلف الاحكام باعتبار الخصوصيات والاحوال والازمان والامكنة والاشخاص ، وهو ظاهر. وباستخراج هذه الاختلافات والانطباق على الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف امتياز اهل العلم والفقهاء شكر الله سعيهم ورفع درجاتهم» ـ واكّده بعض الاعلام من المتأخرين في صحيفة النور ٢١ : ٩٨.

(٣) جواهر الكلام ٢٨ : ٢٢٦.

٢٨٦

المقصود للمتعاقدين حينما تعاقدا على ثبوت العوض للسابق.

٦ ـ واما ان السبق والرماية عقدان لازمان‌ فلكون ذلك مقتضى اصالة اللزوم في مطلق العقود.

أجل بناء على كونهما من مصاديق الجعالة دون العقد ينبغي الحكم بجوازهما لكون الجعالة من المعاملات الجائزة كما يأتي إن شاء الله تعالى.

٢٨٧
٢٨٨

كتاب النّكاح‌

١ ـ النكاح وبعض أحكامه‌

٢ ـ ولاية الأبوين‌

٣ ـ أحكام النظر‌

٤ ـ من يحرم العقد عليها‌

٥ ـ الزواج المؤقت‌

٦ ـ أحكام النفقة‌

٧ ـ أحكام القسمة‌

٢٨٩
٢٩٠

١ ـ النكاح وبعض أحكامه‌

النكاح عقد يتضمن إنشاء علقة الزوجية الخاصة. وهو دائم ومنقطع وملك يمين.

ويتحقق الدائم بقول الزوجة للزوج : زوجتك نفسي على كذا وقول الزوج بعد ذلك : قبلت الزواج على كذا.

والمنقطع بقولها : متعتك نفسي على كذا ولمدة كذا وقول الزوج بعد ذلك : قبلت التمتع على كذا ولمدّة كذا.

ويلزم في الايجاب والقبول ان يكونا لفظيين.

كما يلزم في الايجاب ان يكون بلفظ الزواج أو النكاح.

وفي تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع اشكال.

والمشهور اعتبار العربية والماضوية في اجراء العقد.

ولا يلزم في الايجاب تقدمه على القبول بل يجوز ان يكون الايجاب من الزوج والقبول من الزوجة وان كان الاحتياط أمرا لا ينبغي الحياد عنه.

وليس من اللازم على الزوجين مباشرة العقد بأنفسهما بل يجوز لهما‌

٢٩١

التوكيل في ذلك.

ولا مانع من كون الوكيل واحدا عن الطرفين ، بل يجوز ان يكون الزوج وكيلا عن الزوجة فيجري الايجاب بالوكالة والقبول بالاصالة ، كما يجوز ان تكون هي وكيلة عنه فتوجب بالاصالة وتقبل بالوكالة.

وإذا لم يباشر الزوجان العقد وأوكلاه إلى الغير فلا يجوز لهما الاستمتاع الجنسي بما في ذلك النظر الا بعد الاطمئنان باجراء الوكيل للعقد.

ولا يعتبر في صحة النكاح عندنا الاشهاد.

ويلزم في صحة نكاح البكر مضافا إلى موافقتها موافقة وليها ، وهو أبوها أو جدها لأبيها. واما الثيب فتكفي موافقتها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان النكاح هو العقد المذكور وليس الوطء‌ فهو المشهور. ويشهد له الكتاب العزيز ، فانه لم يعهد فيه استعمال لفظ النكاح في الوطء.

واما انقسامه الى الاقسام الثلاثة فهو من ضروريات المذهب بل الدين. ويأتي بيان الدليل على شرعية النكاح المنقطع فيما بعد إن شاء الله تعالى.

٢ ـ واما تحقق العقد الدائم والمنقطع بالصيغة المتقدمة‌ فهو محل وفاق بل هو القدر المتيقن من الصيغة الصحيحة التي يقع بها العقد.

٣ ـ واما اعتبار الايجاب والقبول اللفظيين وعدم الاكتفاء بالتراضي‌ فقد ادعي في الحدائق اجماع العامة والخاصة عليه (١).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٣ : ١٨.

٢٩٢

وقد يستدل على ذلك بانه :

أ ـ لو لا ذلك لم يبق فارق بين النكاح والسفاح.

والتأمل فيه واضح ، فان الفارق ثابت بقطع النظر عن ذلك ، وهو انه في النكاح يوجد اعتبار للزوجية بخلافه في السفاح.

ب ـ وبما ورد في تعليم صيغة النكاح المنقطع ، فقد روى ابان بن تغلب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما وان شئت كذا وكذا سنة بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الاجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فاذا قالت : نعم فقد رضيت وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها» (١) وغيرها.

وهي وان كانت واردة في النكاح المنقطع الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

ودلالتها واضحة ، فانها ظاهرة في ارتكاز المفروغية من اعتبار الصيغة في ذهن ابان والسؤال وقع بلحاظ بعض الخصوصيات.

على ان قوله عليه‌السلام في الذيل : «فاذا قالت : نعم فقد رضيت وهي امرأتك» يدل بالمفهوم على عدم تحقق الزوجية من دون قول الزوجة نعم بعد قول الزوج لها أتزوجك متعة ...

هذان وجهان لاعتبار الصيغة.

ولعل الأجدر الاستدلال على ذلك بارتكاز اعتبار الصيغة في تحقق النكاح في اذهان جميع المتشرعة الصغير منهم والكبير والرجل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦٦ الباب ١٤ من أبواب المتعة الحديث ١.

٢٩٣

والمرأة والعالم والجاهل ، ولا منشأ لذلك سوى الوصول من المعصوم عليه‌السلام يدا بيد.

٤ ـ واما تحقق عقد النكاح بلفظ الزواج والنكاح‌ فمما لا إشكال فيه.

ويدل على انعقاده بلفظ الزواج قوله تعالى : (فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (١) وحديث ابان المتقدم وغيره.

وعلى انعقاده بلفظ النكاح قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٢) وغيره من الاستعمالات القرآنية المعبرة بلفظ النكاح.

٥ ـ واما الاشكال في تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع‌ فباعتبار انه لم يرد في شي‌ء من النصوص الشرعية التعبير عن الدائم بلفظ التمتع ليحكم بصحة الانشاء به ، ومن الواضح انه لا تصح الاستعانة بكل لفظ بل لا بدّ من الاقتصار على ما تداول التعبير به شرعا أو عرفا.

واذا قيل : يمكن التمسك بالنصوص الدالة على انقلاب العقد المنقطع دائما اذا لم يذكر الاجل نسيانا.

قلنا : لو كان لدينا نص بالمضمون المذكور بحيث يكون ناظرا إلى حالة النسيان لأمكن التمسك به ويثبت المطلوب ولكن ليس لدينا نص كذلك بل الوارد في مثل موثقة عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان سمى الاجل فهو متعة وان لم يسم الاجل فهو نكاح بات» (٣) ، والقدر المتيقن من ذلك هو ان الصيغة اذا كان يمكن ان يقع بها العقد دائما‌

__________________

(١) الاحزاب : ٣٧.

(٢) النساء : ٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٦٩ الباب ٢٠ من ابواب المتعة الحديث ١.

٢٩٤

ومنقطعا ـ كصيغة زوجت وانكحت ـ فبذكر الاجل يقع العقد مؤقتا وبعدمه يقع دائما ولا يمكن ان يستفاد منه ان العقد ينقلب دائما مهما كانت الصيغة ولو مثل متعت ، فانه ليس في مقام البيان من هذه الناحية والا يلزم صحة التمسك به لإثبات تحقق عقد النكاح بأي صيغة كانت حتى مثل صيغة اتخذتك بعلا او فراشا او لباسا.

٦ ـ واما اعتبار العربية في صيغة العقد‌ فقد يستدل له :

تارة بعدم صدق العقد إذا لم يكن بالعربية.

واخرى بان القدر المتيقن من العقد الصحيح هو العقد بالعربية ، وتحققه بغيرها يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود ، والاصل يقتضي عدم ترتب الأثر.

وكلاهما كما ترى.

اما الاول فواضح.

واما الثاني فلعدم احتمال منع الشارع من الزواج إذا لم يتمكن الزوجان من النطق بالعربية.

هذا مضافا إلى ان المستفاد من قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ...) (١) مطلوبية عنوان النكاح من دون قيد زائد ، وحيث ان العقد بغير العربية يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا وممضيا.

ثم ان التفصيل بين امكان توكيلهما شخصا يعقد بالعربية فلا يجوز لهما العقد بغير العربية وبين عدم الامكان فيجوز لهما ذلك ، بعيد لعدم امكان تتميمه بالدليل.

__________________

(١) النور : ٣٢.

٢٩٥

أجل الاحتياط بالاقتصار على حالة عدم امكان التوكيل أمر مناسب بل لازم.

٧ ـ واما اعتبار الماضوية‌ فقد يستدل له :

تارة بكون العقد بالماضي هو القدر المتيقن من العقد الصحيح ، وغيره مشكوك فتجري بلحاظه اصالة عدم ترتب الاثر.

واخرى بأن الماضي صريح في الانشاء بخلاف غيره.

وثالثة بان تجويز غير الماضي يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها عند حدّ معين.

والجواب :

امّا عن الاخير فبان انتشار الصيغة وعدم وقوفها عند حدّ لا يشكّل محذورا.

واما عن الاولين فبما تقدم من ان المستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية كل ما يصدق عليه عنوان النكاح من دون قيد زائد ، وحيث ان الانشاء بغير الماضي يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا.

هذا مضافا إلى ما تقدم في روايات النكاح المنقطع من انه يقول : أتزوجك ...

٨ ـ واما عدم اعتبار تقدم الايجاب‌ فلصدق عنوان النكاح بدون ذلك ، والمستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية عنوان النكاح لا أكثر.

بل جواز ذلك يستفاد بوضوح من روايات المتعة التي تقدمت الاشارة إلى بعضها.

ومن خلال هذا يتضح الوجه في جواز كون الايجاب من الزوج والقبول من الزوجة.

٢٩٦

٩ ـ واما الاكتفاء بالتوكيل‌ فلإطلاق دليل مشروعية الوكالة ـ الذي تقدمت الاشارة إليه عند البحث عن الوكالة ـ والروايات الخاصة ، كصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل يريد ان يزوّج اخته ... فان قالت : زوّجني فلانا زوّجها ممن ترضى» (١) وغيرها.

وعلى هذا يكفي ان يقول وكيل الزوجة لوكيل الزوج : زوجت موكلتي فلانة موكلك فلانا على مهر كذا ، ثم يقول وكيل الزوج : قبلت الزواج عن موكلي على المهر المذكور.

وإذا كانت الزوجة قد وكلت فقط كفى ان يقول وكيلها للزوج : زوجتك موكلتي على مهر كذا ثم يقول الزوج : قبلت الزواج على المهر المذكور.

وإذا كان الزوج قد وكّل فقط كفى ان تقول الزوجة لوكيل الزوج : زوجت نفسي موكلك على مهر كذا ، ثم يقول وكيل الزوج : قبلت الزواج عن موكلي على المهر المذكور.

١٠ ـ واما جواز تولي شخص واحد طرفي العقد‌ فلعدم المانع منه بعد شمول اطلاق ادلة مشروعية الوكالة له.

واتحاد الموجب والقابل لا محذور فيه بعد كفاية المغايرة الاعتبارية.

ومنه يتضح الوجه في جواز تولي الزوج أو الزوجة كلا طرفي العقد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١١ الباب ٧ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

٢٩٧

ان قلت : ان موثقة عمار الساباطي عن أبي الحسن عليه‌السلام : «امرأة تكون في أهل بيت فتكره ان يعلم بها اهل بيتها أيحل لها ان توكّل رجلا يريد ان يتزوجها تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : لا. قلت له : جعلت فداك وان كانت ايّما قال : وان كانت ايّما. قلت : فان وكّلت غيره بتزويجها منه ، قال : نعم» (١) تدل على عدم جواز تولي الزوج كلا طرفي العقد.

قلت : هي أجنبية عن ذلك ، فانها ناظرة إلى ان الزوج إذا كان وكيلا فلا يصلح ان يكون شاهدا بل الشاهد لا بدّ من كونه مغايرا للوكيل في التزويج.

١١ ـ واما عدم جواز الاستمتاع للزوجين إلاّ بعد التأكّد من اجراء الوكيل للعقد‌

فلاستصحاب عدم تحققه.

١٢ ـ واما عدم اعتبار الاشهاد في النكاح‌ فيكفي لإثباته عدم الدليل على اعتباره فيتمسك آنذاك باطلاق ادلة صحة النكاح. على انه قد قام الدليل على عدم اعتبار ذلك حتى اصبح ذلك من معالم مذهبنا.

وفي الحديث ان الامام الكاظم عليه‌السلام قال لأبي يوسف القاضي : «ان الله امر في كتابه بالطلاق وأكّد فيه بشاهدين ولم يرض بهما الا عدلين وأمر في كتابه بالتزويج فاهمله بلا شهود فاثبتم شاهدين فيما اهمل وأبطلتم الشاهدين فيما اكّد» (٢).

١٣ ـ واما توقف صحة نكاح البكر على موافقتها وموافقة وليّها بخلاف الثيب‌ فيأتي بيان الوجه فيه إن شاء الله تعالى في البحث التالي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١٧ الباب ١٠ من أبواب عقد النكاح الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٦٨ الباب ٤٣ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٥.

٢٩٨

٢ ـ ولاية الابوين‌

للأب والجد للأب الولاية على الصغيرين في تزويجهما ، وعلى المجنون البالغ المتصل جنونه ببلوغه. بل قيل بثبوتها عليه في حالة الانفصال أيضا.

وفي ثبوت الولاية لهما على البكر البالغة خلاف ، بخلاف الثيب فانه لا خلاف في استقلالها في أمرها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ثبوت الولاية للأب والجد‌ فلم ينسب فيه خلاف لأحد ـ سوى ابن أبي عقيل حيث نسب له انكار الولاية للجد (١) ـ للروايات الكثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم. قلت : فهل يجوز طلاق الاب؟ قال : لا» (٢) وغيرها.

ولعل انكار ابن ابي عقيل ولاية الجد ناشئ من اقتصار الرواية المذكورة وغيرها على خصوص الاب.

ولكنه يندفع بكون الجد مصداقا للأب ، وبالروايات الاخرى الدالة على ان الجد والاب لو تزاحما في اعمال الولاية قدّم الجد ، كصحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن أحدهما عليهما السّلام : «اذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا ان يزوجها. فقلت : فان هوى ابوها رجلا‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٩ : ١٧١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٢٠ الباب ١٢ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

٢٩٩

وجدها رجلا فقال : الجد أولى بنكاحها» (١) وغيرها.

٢ ـ واما اختصاص الولاية بالجد للأب دون ما لو كان للأمّ‌ فتدل عليه ـ مضافا إلى كفاية القصور في المقتضي ـ صحيحة ابن مسلم المتقدمة ، فانها ظاهرة في اختصاص الولاية بالجد للأب.

٣ ـ واما ولاية الاب والجد على المجنون‌ فلصحيحة أبي خالد القماط : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال : ولم لا يطلق هو؟ قلت : لا يؤمن إن طلّق هو ان يقول غدا : لم أطلق أو لا يحسن ان يطلّق قال : ما أرى وليّه الا بمنزلة السلطان» (٢) وغيرها ، فان القدر المتيقن في المراد من الولي هو الاب والجد. وإذا ثبت كونه بمنزلة السلطان في الطلاق ثبت كونه كذلك في النكاح بالاولوية.

وبقطع النظر عن الصحيحة المذكورة يمكن التمسك باستصحاب الولاية الثابتة قبل البلوغ بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدم معارضة استصحاب بقاء المجعول باستصحاب عدم الجعل الزائد.

٤ ـ واما القول بعموم الولاية لحالة الجنون الطارئ بعد البلوغ الذي ذهب إليه بعض الفقهاء‌ فيمكن الاستدلال له باطلاق الصحيحة السابقة وما هو بمضمونها.

٥ ـ واما ولاية الابوين في زواج البكر‌ فقد وقعت محلا للاختلاف ، فقيل باستقلالهما في ذلك ، وقيل باستقلالها ، وقيل بالتشريك.

ومنشأ ذلك اختلاف الروايات ، فانها على طوائف نذكر من بينها :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢١٧ الباب ١١ من أبواب عقد النكاح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٩ الباب ٣٥ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٣٠٠