دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

فإنّه قد يشكك في دلالتهما على اللزوم.

د ـ التمسّك بسيرة العقلاء على ترتيب آثار الملك اللازم على المعاطاة‌ ، فإنّ سيرة المتشرّعة وان أمكن التشكيك في اتصالها بزمن المعصوم عليه‌السلام باعتبار ان الفقهاء قبل زمن المحقّق الثاني كانوا يفتون بعدم إفادتها الملك ، ومعه لا يمكن الجزم بانعقادها بوصف انّهم متشرّعة على إفادتها الملك إلاّ ان سيرة العقلاء لا مجال للتشكيك في انعقادها ، وبعدم ثبوت الردع عنها يثبت الامضاء.

لا يقال : الردع ثابت برواية خالد بن الحجاج : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يجي‌ء فيقول : اشتر هذا الثوب واربحك كذا وكذا ، قال : أليس ان شاء ترك وان شاء أخذ؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس ، انّما يحلّ الكلام ويحرم الكلام» (١) ، فإنّ لازم حصر المحلّل بالكلام عدم انعقاد البيع بالمعاطاة.

فإنّه يقال : هذا مبنيّ على ان المراد : لا يكون الشي‌ء حلالا أو حراما بمجرّد القصد أو الفعل ، وهذا باطل جزما ، فإنّ إباحة التصرّف في المعاطاة ثابتة جزما ولا تحتمل حرمة التصرّف عند افتراض رضا المالك بالتصرّف.

اضافة الى ان هذا المعنى لا يتناسب ومورد الرواية.

والمناسب تفسيرها بأن من طلب من غيره اشتراء شي‌ء له من غيره فمتى ما كان الكلام الدائر بينهما على مستوى المقاولة والمواعدة فهو كلام محلّل ، ومتى ما كان على مستوى إيجاب البيع وإيقاعه قبل الشراء من الغير فهو كلام محرّم. وبناء عليه تكون الرواية أجنبية عن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٦ الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

٢١

المقام ومرتبطة بمسألة من باع ثم ملك.

على ان مثل السيرة المذكورة لاستحكامها القوي لا تكفي في تحقّق الردع عنها رواية واحدة ذات لسان غير صريح.

هكذا ينبغي الجواب.

ولا يمكن ان يضاف إلى ذلك ضعف سند الرواية بخالد بن الحجاج حيث لم تثبت وثاقته.

والوجه في ذلك : ان ضعف سند الرواية لا ينفي احتمال صدورها ومن ثمّ احتمال الردع بها عن السيرة المسقط لها عن الاعتبار.

١٠ ـ وامّا ان الملك الحاصل بها لازم فللسيرة‌ ـ اذ كما هي منعقدة على حصول الملك بها كذلك هي منعقدة على كونه لازما ـ وآية الأمر بالوفاء بالعقود بالبيان المتقدّم.

ومع التنزّل وفرض الشك في كون الملك الحاصل بها لازما أو جائزا فلا بدّ من الحكم باللزوم لأصالة اللزوم التي يمكن الاستدلال لها بعدّة وجوه منها :

أ ـ التمسّك باستصحاب بقاء الملك وعدم زواله بفسخ أحد الطرفين بدون رضا صاحبه.

لا يقال : لا يجري الاستصحاب لأنّ الملك الجائز يجزم بعدم بقائه ، واللاّزم يشك في أصل حدوثه.

فإنّه يقال : نحن نستصحب بقاء ذلك الملك الواحد الذي حدث بالمعاطاة حيث نشك في ارتفاعه وبقائه ويكون من قبيل استصحاب الكلي من القسم الثاني.

والإشكال المذكور سيّال في جميع موارد الاستصحاب المذكور ،

٢٢

وجوابه ما ذكرناه.

أجل جريان الاستصحاب المذكور مبني على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدم معارضة اصالة بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

ب ـ التمسك بعموم الحديث النبوي : «الناس مسلطون على أموالهم» (١) بتقريب ان مقتضى السلطنة عدم زوال الملكية عن المالك بغير اختياره ، ومن المعلوم ان جواز الفسخ والتملّك بدون رضا المالك مناف لسلطنته فلا يكون جائزا.

والوجه المذكور وجيه بناء على تمامية سند الحديث ولكنّه ضعيف لأنّه لم يرو إلاّ في عوالي اللآلي بشكل مرسل.

ج ـ التمسّك بحديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه» (٢) ، فانّ الفسخ وأخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس بحلال بمقتضى الحديث.

د ـ التمسّك بقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٣) ، فإنّ الفسخ وأخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس تجارة عن تراض فيدخل تحت أكل المال بالباطل المنهي عنه.

ه ـ التمسّك بعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) بالبيان‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، ٤٥٧ ، و ٢ : ١٣٨ ، و ٣ : ٢٠٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٣ الباب ١ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٣.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) المائدة : ١.

٢٣

المتقدّم.

١١ ـ وامّا انّه يعتبر في المعاطاة كلّ ما يعتبر في العقد اللفظي من شروط‌ فلأنّه بعد ما كانت مصداقا عرفا للعقد والبيع فيثبت لها كلّ ما يثبت لهما تمسّكا بالإطلاق.

ومنه يتّضح الوجه في ثبوت الخيارات فيها.

١٢ ـ وامّا جريانها في جميع المعاملات‌ فلأنّه بعد ما كانت مصداقا حقيقيّا لكلّ فرد من أفراد المعاملات فيشملها إطلاق دليل إمضاء تلك المعاملة وأحكامها.

١٣ ـ وامّا وجه استثناء ما ذكر‌ فللدليل الخاصّ الدال على اعتبار اللفظ في كل واحد منها حسبما يأتي في محلّه ان شاء الله تعالى.

٢ ـ شروط المتعاقدين‌

يلزم في المتعاقدين : البلوغ إذا لم يكن دورهما دور الآلة ، والقصد ، والعقل والاختيار ، ومالكية التصرّف ـ بأن يكون العاقد مالكا أو وكيلا عنه أو وليّا عليه وليس بممنوع التصرّف لسفه أو فلس ـ وإلاّ كان العقد فضوليّا تتوقّف صحّته على الاجازة.

والقول ببطلانه ضعيف حتى مع فرض منع المالك مسبقا أو فرض بيع الفضولي لنفسه.

وفي كون الاجازة كاشفة أو ناقلة خلاف.

وتظهر الثمرة في موارد.

والمستند في ذلك :

٢٤

١ ـ امّا اعتبار البلوغ‌ فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع ، وقد يستدلّ له بما يلي :

أ ـ التمسّك بقوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)(١) ، فإنّ ظاهره إناطة جواز تصرّف الصبي ببلوغ النكاح الذي هو كناية عن تجاوز فترة الصبا.

وهو وان كان خاصّا باليتيم وبالتصرّف في أموال نفسه دون التصرّف في أموال غيره إلاّ أنّه يمكن التعميم بضم عدم القول بالفصل بل والأولويّة بلحاظ التصرّف في أموال الغير.

وفيه : ان الآية الكريمة ناظرة إلى دفع الأموال إلى الصبي وانّه لا يجوز قبل البلوغ ولا تدلّ على بطلان معاملاته فيما إذا كان الدافع بعد تمامية المعاملة هو الولي.

ب ـ التمسّك برواية حمران‌ عن أبي جعفر عليه‌السلام : «... ان الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ... جاز أمرها في الشراء والبيع ... والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ...» (٢).

وفيه : ان دلالتها وان كانت واضحة إلاّ انّها ضعيفة السند على ما تقدّم في البحث عن شرائط التكليف.

ج ـ التمسّك بحديث رفع القلم‌ الذي رواه ابن ظبيان : «... أما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى‌

__________________

(١) النساء : ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٠ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات الحديث ٢.

٢٥

يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ» (١) بدعوى ان المرفوع ليس خصوص المؤاخذة بل مطلق القلم بما في ذلك قلم الاحكام الوضعية.

وفيه : انّه ضعيف سندا ـ لاشتماله على عدّة مجاهيل ـ ودلالة باعتبار ان وروده مورد الامتنان قرينة على اختصاصه بما يكون في رفعه منة ولا يشمل مثل المقام الذي لا يكون في الرفع منة.

د ـ التمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم‌ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عمد الصبي وخطؤه واحد» (٢) ، فإنّ مقتضاه عدم ترتّب الأثر على العقد الصادر من الصبي لأنّه كالصادر منه خطأ.

وفيه : ان الحديث ناظر إلى خصوص باب الجناية ولا يمكن تعميمه لغيره لأنّه لمّا نزّل العمد منزلة الخطأ يلزم ان نفترض وجود أثرين : أثر موضوعه العمد وأثر موضوعه الخطأ كي يكون مقتضى التنزيل ترتيب أثر الخطأ حالة العمد ، ومن المعلوم ان وجود أثرين من هذا القبيل يختص بباب الجناية ، فالجناية العمدية لها أثر خاص والجناية الخطئية لها أثر خاص ، ولا يتصوّر ذلك في غير باب الجناية ، فمثلا لو أكل الصبي متعمّدا في صومه فلا يمكن تنزيل ذلك منه منزلة الأكل خطأ فإن الأكل خطأ ليس له أثر خاص إذ الكفّارة وان كانت منتفية في الأكل الخطئي ولكن ليس ذلك لكون الخطأ بعنوانه موضوعا لذلك بل لأنّ موضوع وجوب الكفارة هو العمد فعند انتفائه تنتفي الكفارة لانتفاء موضوعها.

أجل لو كان الحديث يقول : عمد الصبي كعدمه أمكن تعميمه لغير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٢ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٠٧ الباب ١١ من أبواب العاقلة الحديث ٢.

٢٦

باب الجناية ولكن المفروض تنزيله العمد منزلة الخطأ.

ه ـ التمسّك بالإجماع المدعى في المسألة‌. قال الشيخ الأعظم : «... فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة وإلاّ فالمسألة محل إشكال» (١).

وفيه : ان الاتفاق لو تمّ يحتمل استناده إلى المدارك السابقة فلا يجزم بكاشفيته عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

و ـ وأحسن ما يمكن التمسّك به صحيحة أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ‌ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سأله أبي ـ وأنا حاضر ـ عن اليتيم متى يجوز أمره؟ ... قال : إذا بلغ وكتب عليه الشي‌ء جاز أمره إلاّ ان يكون سفيها أو ضعيفا» (٢).

والسند صحيح فإنّ أبا الحسين الخادم هو آدم بن المتوكّل الذي وثّقه النجاشي (٣).

٢ ـ وامّا استثناء حالة الآلية‌ فلأنّ البالغين إذا تمّ الاتفاق بينهما وكان الصبي مجرّد وكيل في اجراء العقد لم يصدق ان الأمر أمره ليحكم عليه بعدم النفوذ بل أمر البالغين ، ولا أقل هو منصرف عن ذلك. ومعه يبقى إطلاق أدلّة الامضاء بلا مانع من شموله.

٣ ـ وامّا اعتبار القصد‌ فلتقوّم عنوان العقد والبيع والتجارة عن تراض بذلك.

٤ ـ وامّا اعتبار العقل‌ فواضح إذا فرض فقدان القصد ، وامّا على‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٣٣٨ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٤٣ الباب ٢ من كتاب الحجر الحديث ٥.

(٣) رجال النجاشي : ٧٦ ، منشورات مكتبة الداوري.

٢٧

تقدير وجوده فالحكم ببطلان عقده مشكل.

ودعوى صاحب الجواهر : «عدم اعتبار قصده وكون لفظه كلفظ النائم بل أصوات البهائم» (١) مدفوعة بأن القياس على النائم والبهائم في غير محلّه بعد فقدان القصد فيهما.

والتمسّك بحديث رفع القلم قد تقدّم ما فيه.

ولا يبقى إلاّ الاجماع ، وهو لاحتمال مدركيته لا يصلح مستندا إلاّ للحكم على مستوى الاحتياط.

٥ ـ وامّا اعتبار الاختيار وعدم صحّة بيع المكره فلوجوه :

أ ـ ان المكره فاقد لطيب النفس‌ ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحيحة زيد الشحّام : «... لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه» (٢).

ب ـ ان التجارة مع فقدان الاختيار ليست عن تراض‌ ، ولا يجوز الأكل إلاّ مع التجارة عن تراض كما قال تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٣).

ج ـ التمسّك بحديث رفع التسعة‌ الذي رواه حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضع عن أمّتي تسعة أشياء : السهو والنسيان وما اكرهوا عليه ...» (٤) ، فإنّ مقتضى اطلاق الحديث الشمول لمثل المقام وعدم اختصاصه برفع المؤاخذة أو الاحكام التكليفية.

ويكفي لإثبات التعميم استشهاد الإمام عليه‌السلام به لرفع الحكم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٢ : ٢٦٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٣ الباب ١ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٣.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) وسائل الشيعة ٥ : ٣٤٥ الباب ٣٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٢.

٢٨

الوضعي ، كما في صحيحة صفوان والبزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه‌السلام (١).

٦ ـ وامّا عقد الفضولي‌ فالمشهور صحّته بالاجازة ، وذهب جمع منهم صاحب الحدائق إلى بطلانه مع الاجازة أيضا (٢).

واستدل المشهور بعدّة وجوه نذكر منها :

أ ـ ان الصحّة يمكن تخريجها على طبق القاعدة بلا حاجة إلى دليل خاص ، فان العقد بعد اجازته ينتسب إلى المالك ويصدق انّه عقده فيشمله آنذاك اطلاق خطاب (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٣) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٥) بعد فرض عدم تقيده بما إذا كان الاستناد إلى المالك ثابتا حدوثا وبعد وضوح قابلية الأمر الاعتباري ـ كالعقد ـ على خلاف الأمر التكويني للاستناد إلى غير موجده بالاذن أو بالاجازة.

وهذا الوجه هو ما أشار إليه الشيخ الأعظم بقوله : «لعموم أدلّة البيع والعقود» (٦).

ب ـ التمسّك برواية عروة البارقي قال : «قدم جلب فأعطاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دينارا فقال : اشتر بها شاة ، فاشتريت شاتين بدينار ، فلحقني رجل فبعت احداهما منه بدينار ، ثم أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشاة ودينار فردّه عليّ ، وقال : بارك الله لك في صفقة يمينك. ولقد كنت أقوم بالكناسة أو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٦٤ الباب ١٢ من كتاب الايمان الحديث ١٢.

(٢) الحدائق الناضرة ١٨ : ٣٧٨.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) المائدة : ١.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) كتاب المكاسب ١ : ٣٦٧ ، انتشارات إسماعيليان.

٢٩

قال بالكوفة فأربح في اليوم أربعين ألفا» (١) ، بتقريب ان شراءه الشاتين بدينار وإن أمكن توجيهه بما يخرج به عن الفضولية إلاّ ان بيعه لإحدى الشاتين فضولي جزما ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمضى بيعه المذكور بقوله : «بارك ...».

والسند وان كان ضعيفا ، إلاّ انّه قد يقال ـ كما في الجواهر ـ : «أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده» (٢).

وناقش الشيخ الأعظم الدلالة باحتمال ان بيع عروة وقبضه واقباضه كان مقرونا بعلمه برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، والمعاملة تخرج عن الفضولية باقترانها بذلك وان كان ظاهر المشهور يدل على العدم واعتبار الاذن أو الاجازة في تحقّق الانتساب وانتفاء الفضولية (٣).

ج ـ التمسّك بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ، ثم قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني ، فقال : خذ وليدتك وابنها ، فناشده المشتري ، فقال : خذ ابنه ـ يعني الذي باعه الوليدة ـ حتى ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيّع (٤) الابن قال أبوه : ارسل ابني ، فقال : لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٣ : ٢٤٥ ، ومسند أحمد بن حنبل ٤ : ٣٧٦.

(٢) جواهر الكلام ٢٢ : ٢٧٧.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٣٦٦ ـ ٣٦٨ ، انتشارات إسماعيليان.

(٤) اي المشتري ، فان لفظ البيّع يطلق على البائع والمشتري.

٣٠

بيع ابنه» (١).

ونوقشت دلالتها بعدم عمل الأصحاب بها في موردها ـ وهو الاجازة بعد الردّ التي هي غير مجدية اجماعا ـ فكيف يمكن العمل بها في غيره.

والوجه في تحقّق الردّ قبل الاجازة امور ثلاثة : أخذ الوليدة وابنها ، ورفع الخصومة إلى الإمام عليه‌السلام الذي لا معنى له لو لا الرد ، ومناشدة المشتري الامام عليه‌السلام علاج المشكلة ، ولو لا الردّ لما كان لها وجه.

د ـ التمسّك بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن مملوك تزوّج بغير اذن سيّده ، فقال : ذاك إلى سيّده ، ان شاء أجازه وان شاء فرّق بينهما ، قلت : أصلحك الله ، ان الحكم بن عتيبة وابراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : ان أصل النكاح فاسد ، ولا تحلّ اجازة السيّد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : انّه لم يعص الله وانّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو له جائز» (٢) ، بتقريب ان التعليل يدلّ على ان اجازة من بيده الأمر كافية في تصحيح عقد الفضولي.

والاشكال على ذلك واضح ، إذ المفروض في مورد الرواية صدور العقد ممّن ينبغي صدوره منه ـ وهو العبد الزوج ـ غايته هو فاقد لرضا من يعتبر رضاه ـ وهو المولى ـ فإذا رضي ينبغي وقوع العقد صحيحا ، وهذا بخلافه في سائر الموارد فإنّ العقد لا يفرض فيها صدوره ممّن ينبغي صدوره منه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٩١ الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٢٣ الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣١

وهناك روايات اخرى استدلّ بها على المطلوب ، إلاّ ان الكلّ أو الأغلب قابل للمناقشة ، ويكفينا اقتضاء القاعدة لإثبات المطلوب.

٧ ـ وامّا القول بالبطلان‌ فاستدلّ له بعدّة وجوه ، نذكر منها :

أ ـ التمسّك بقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (١) ، فإنّه يدلّ بمقتضى مفهوم الحصر أو مفهوم الوصف على ان غير التجارة عن تراض أو التجارة لا عن تراض ليس بسبب مبيح لأكل مال الغير ، ومعلوم ان التجارة في الفضولي ليست تجارة عن تراض.

وفيه : ان التجارة انّما تنتسب إلى المالك متى ما أجاز ، وآنذاك يصدق انها تجارة عن تراض.

ب ـ التمسّك بما ورد في صحيحة سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام من ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «... نهى عن بيع ما ليس عندك» (٢).

ونظيره ما ورد في روايات العامّة من نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده (٣) ، فإنّ المقصود من ذلك الكناية وانه لا تبع ما لا تملكه أو لا تبع ما لا تقدر على تسليمه لعدم كونك مالكا له ، وحيث ان النهي في أمثال المقام ظاهر في الارشاد فيكون دالاّ على فساد بيع الفضولي.

وفيه : ان البيع انّما ينتسب إلى المالك حينما يجيزه ، وآنذاك يصدق ان بيعه بيع لما عنده وليس لما ليس عنده.

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٤ الباب ٧ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٣٤.

٣٢

٨ ـ واما تعميم الحكم بالصحة لحالة منع المالك مسبقا‌ فلأنّ ما يتصوّر كونه مانعا هو ان العقد إذا وقع منهيّا عنه فذلك النهي حيث انه مستمر إلى ما بعد العقد آنا ما فيلزم على تقدير اجازة المالك سبقها بالرد ، والاجازة المسبوقة بالرد لا تنفع في تصحيح العقد على ما هو المعروف بين الأصحاب.

وفيه : ان كبرى عدم اجداء الاجازة المسبوقة بالردّ لو كانت مسلّمة وتمّ الاجماع المدعى عليها فصغراها غير محقّقة في المقام لأن الثابت بعد العقد مع النهي المسبق هو الكراهة الباطنية من قبل المالك ، والمانع من اجداء الاجازة هو إنشاء الرد قبلا دون مجرّد الكراهة الباطنية.

٩ ـ واما التعميم لحالة بيع الفضولي لنفسه‌ ـ كما هو الحال في الغاصب عادة ـ فلاقتضاء القاعدة لذلك بالبيان المتقدّم ، والقصد المذكور لا يصلح مانعا إلاّ على بيانات ضعيفة نذكر منها :

أ ـ عدم تحقّق قصد البيع والمعاوضة الحقيقية ، فانه ليس منها ـ المعاوضة الحقيقية ـ قصد دخول الثمن في كيس من لم يخرج منه المثمن ، كما هو الحال في الفضولي الذي يقصد البيع لنفسه ، ومعه فلا تنفع الاجازة.

واجيب بانّ الفضولي يقصد ادخال الثمن في كيس مالك المثمن ، غايته يعتبر نفسه هو الملك للمثمن وينزّل نفسه منزلته ، ومعه فقصد المعاوضة الحقيقية متحقّق بعد تنزيل الفضولي نفسه منزلة المالك وقصده ادخال الثمن في كيس مالك المثمن بعد التنزيل المذكور.

ب ـ ان الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فالاجازة ان تعلّقت بذلك‌

٣٣

فيلزم وقوع المعاملة للفضولي ودخول الثمن في ملكه ، وان تعلّقت بالبيع للمالك فهو لم ينشأ.

وان شئت قلت : يلزم ان ما انشأ لم يجز ، وما اجيز لم ينشأ.

واجيب بانّ جملة «بعت» الصادرة من الفضولي تدلّ على تمليك المبيع للمشتري بازاء الثمن ، وامّا ان الثمن يدخل في كيس من فهو مسكوت عنه ، غايته مقتضى المعاوضة الحقيقية دخوله في كيس مالك المثمن ، وحيث ان الفضولي ينزّل نفسه منزلة المالك للمثمن فيكون قاصدا ادخال الثمن في ملكه بعد التنزيل المذكور.

وباتضاح هذا يقال : ان الاجازة الصادرة من المالك تتعلّق بما تدلّ عليه كلمة «بعت» وما تقتضيه المعاوضة الحقيقية ولا تتعلّق بما قصده الفضولي بعد تنزيل نفسه منزلة المالك للمثمن.

١٠ ـ وامّا ان الاجازة كاشفة أو ناقلة‌ فمحل خلاف.

ووجه النقل واضح ، فانّ السبب الناقل ليس مجرّد العقد بل العقد عن رضا ، وحيث ان الرضا يتحقّق بالاجازة فيلزم تحقّق النقل عند تحقّقها.

ووجه الكشف امور متعدّدة ، نذكر منها :

أ ـ ما ذكره الشهيد والمحقّق الثانيان : «من ان العقد سبب تام في حصول الملك لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وتمامه في الفضولي انّما يعلم بالاجازة ، فإذا أجاز تبيّن كونه تامّا فوجب ترتّب الملك عليه وإلاّ لزم ان لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شي‌ء آخر ، ولا دليل‌

٣٤

يدل عليه» (١).

وفيه : كيف يكون العقد تمام السبب؟! وعلى تقديره لا تبقى حاجة إلى الاجازة.

اللهم إلاّ ان يكون المقصود ان السبب هو العقد المتعقّب بالاجازة ، فمع حصولها يعلم بتحقّق العقد المتعقّب من حين صدوره.

وهو جيّد ثبوتا إلاّ انّه لا دليل اثباتا على مدخلية وصف التعقّب ، بل ظاهر قوله تعالى : (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) مدخلية وصف التراضي نفسه لا التعقّب به.

ب ـ ما جاء عن فخر الدين من انها «لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود لأن العقد حالها عدم» (٢).

وفيه : ان قياس الامور الاعتبارية على الامور التكوينية قياس مع الفارق ، فمن الوجيه اعتبار العقد مؤثّرا من حين تحقّق الاجازة وان كان معدوما آنذاك.

والمناسب ان يقال : ان المالك حيث يجيز العقد من حين صدوره وليس من حين الاجازة فيلزم ان تثبت الملكية بعد الاجازة من حين العقد ، فاعتبارها من حين الاجازة إلاّ ان المعتبر ـ الملكية ـ سابق ومن حين العقد.

وهذا نحو من الكشف قد يصطلح عليه بالكشف الانقلابي ، بمعنى انه قبل الاجازة لا ملكية من حين صدور العقد غير انه بالاجازة ينقلب الواقع إلى حدوث الملكية من حين صدور العقد.

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٧٤ ، وقريب من ذلك عبارة الروضة البهية ١ : ٣١٤.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٣٨٨ ، انتشارات إسماعيليان.

٣٥

ولا يصل الامر بعد امكان الكشف بالنحو المذكور إلى ما تبناه الشيخ الأعظم من الكشف الحكمي ، وهو انه بالاجازة لا تحدث الملكية من حين العقد بل تترتب جميع أحكامها من حين العقد (١).

ان ما ذكره لا وجه له بعد ان كان المجيز يجيز العقد من حين صدوره ، إذ لازم الاجازة بالشكل المذكور تحقّق الملكية بعد الاجازة من حين صدور العقد.

على ان اعتبار ترتّب جميع آثار الملكية من حين العقد دون الملكية نفسها لعلّه لا يخلو من تهافت.

وبهذا يتّضح ان المحتملات في الكشف ثلاثة : الكشف الحقيقي ، والكشف الانقلابي ، والكشف الحكمي.

والمقصود من الأوّل : ان اعتبار الملكية من حين العقد ثابت قبل تحقّق الاجازة ما دامت الاجازة تحصل بعد ذلك في علم الله سبحانه.

والمقصود من الثاني : ان اعتبار الملكية من حين العقد يثبت بعد تحقّق الاجازة لا قبلها.

والمقصود من الثالث : انه بالاجازة تترتّب آثار الملكية من حين العقد دون نفسها.

وبضم هذه المحتملات إلى النقل يصير المجموع أربعة (٢).

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٣٩١ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) ولربما يصطلح على الكشف الانقلابي بالمعنى الذي ذكرناه بالكشف الحكمي ، ويفسّر الكشف الانقلابي بكاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن ، فهي لم تكن قبل الاجازة ويتبدّل الواقع إلى الملكية بسبب الاجازة في مقابل :

أ ـ الكشف الحقيقي الذي تفرض فيه كاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد من ـ

٣٦

١١ ـ واما الثمرة‌ فتظهر في موارد متعدّدة.

وعلى سبيل المثال تظهر الثمرة بين الكشف والنقل في النماء المتخلّل بين العقد والاجازة ، فنماء المبيع للبائع ونماء الثمن للمشتري على النقل ، في حين ان الأمر بالعكس على الكشف.

وتظهر بين أفراد الكشف في من اشترى جارية بالفضولية وأولدها وأجاز المالك بعد ذلك ، فانّه على الكشف الحقيقي يكون الوطء حلالا وتصير بذلك أم ولد ، بينما على الكشف الانقلابي والحكمي يكون الوطء زنا ولا تصير أم ولد ، لأنّ الوطء ليس وطأ في الملك حدوثا بل هو كذلك ـ على الكشف الانقلابي ـ بقاء ، فإذا استظهر من أدلّة أمّ الولد اعتبار كون الوطء في الملك حدوثا لم تصر بذلك أم ولد.

وتظهر الثمرة بين الكشف الانقلابي والحكمي فيما إذا بنينا في المثال السابق على كفاية تحقّق الوطء في الملك بقاء ، فانّه على الكشف الانقلابي تصير الأمة أم ولد بخلافه على الكشف الحكمي ، فانّ الوطء في الملك غير متحقّق حتى بقاء.

٣ ـ شرائط العوضين‌

يلزم في العوضين ملكيتهما ، والقدرة على تسليمهما إلاّ مع الضم لما يمكن تسليمه ، وضبطهما بالكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة ـ وتكفي‌

__________________

ـ دون افتراض انها لم تكن قبل الاجازة.

ب ـ وفي مقابل الكشف الحكمي الذي يفترض فيه اعتبار المالك من حين الاجازة الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن من دون فرض كاشفية الاجازة.

٣٧

المشاهدة فيما ينضبط بها ـ ، ومعرفة جنسهما وصفاتهما التي تختلف باختلافها القيمة.

ويلزم في المبيع ان يكون عينا.

وقيل باشتراط مالية العوضين.

ومع تخلّف الشروط المذكورة يقع البيع باطلا ، بيد انه لا يحرم التصرّف مع رضا الطرفين به حتى على تقدير البطلان ، كما هو المتداول بين عوام الناس.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الملكية وعدم جواز بيع مثل السمك والطير قبل أخذهما من الماء والهواء‌ فقد استدل له ببعض الروايات من قبيل ما كتبه الامام العسكري عليه‌السلام إلى الصفار : «لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» (١).

والمناسب ان يستدل على ذلك بانّ البيع تمليك بعوض فإذا لم يكن الشخص مالكا فكيف يملّك غيره. وهذا من دون فرق بين البائع والمشتري.

وامّا الرواية المذكورة وما شاكلها فهي ضعيفة الدلالة لأنّها ناظرة في جملة «لا يجوز بيع ما ليس يملك» إلى ان من باع ما هو مملوك لغيره فلا يمضي بيعه ، وهذا من الواضح أجنبي عن المطلوب اثباته ، وقد تقدم الحديث عنه في شرائط المتعاقدين.

٢ ـ واما القدرة على التسليم‌ فلم يعرف خلاف في اعتبارها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٥٢ الباب ٢ من أبواب عقد البيع الحديث ١.

٣٨

واستدلّ على ذلك بعدّة وجوه نذكر منها :

أ ـ التمسّك بالنبوي المعروف : «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر» (١) بعد تفسير الغرر بالمخاطرة المتحقّقة بشراء ما لا يقدر على تسليمه.

وفيه : انّه ضعيف سندا ـ للإرسال ـ ودلالة لإمكان اندفاع الغرر باشتراط الخيار على تقدير عدم تحقّق التسليم خلال مدّة مضبوطة.

وأيضا يمكن تصوّر اندفاع الغرر فيما إذا أمكنت الاستفادة من المبيع بالرغم من عدم القدرة على تسلمه ، كما في العبد الآبق حيث يمكن عتقه في كفارة والدار المغصوبة حيث يمكن وقفها على من هي بيدهم وذريتهم ما تناسلوا.

ب ـ ما تمسّك به الشيخ النائيني من زوال المالية عمّا لا يقدر على تسليمه (٢).

وفيه : انه لو سلم باعتبار شرطية المالية في العوضين ـ وسيأتي التأمّل في ذلك ـ لا نسلم بزوال المالية بعدم القدرة فانّه مخالف للوجدان.

ج ـ ان الاقدام على المعاملة التي لا قدرة فيها على التسليم سفهي.

وفيه : ان السفاهة منتفية في حالة امكان الانتفاع كما في المثالين السابقين.

ومع غضّ النظر عن ذلك يمكن أن يقال : لا دليل على بطلان المعاملة السفهية بل مقتضى اطلاق مثل «أحل الله البيع» امضاؤها وعدم اشتراط ان لا تكون كذلك. أجل تصرّف السفيه في أمواله باطل لا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٣٠ الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٢) منية الطالب ١ : ٣٧٨.

٣٩

ان المعاملة السفهية باطلة.

د ـ ان أكل المال بازاء ما لا يقدر على تسليمه أكل له بالباطل ، وهو منهي عنه بمقتضى قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*) (١).

وفيه : ان من المحتمل أن يكون المقصود : لا تأكلوا أموالكم بالأسباب الباطلة وليس لا تأكلوها بلا مقابل. ويكفي الاحتمال في المقام حيث تعود المطلقات بلا مانع يمنع من التمسّك باطلاقها.

ه ـ التمسّك بالنبوي المتقدّم في الفضولي : «لا تبع ما ليس عندك».

وفيه : انه لو تمّ سنده فمن المحتمل ان يكون المقصود الكناية عن عدم الملكية وليس عن عدم القدرة على التسليم ، ويكفي الاحتمال لما تقدّم.

و ـ وأحسن ما يمكن التمسّك به الروايات الناهية عن بيع الآبق بلا ضميمة ، كما في موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله ، قال : لا يصلح إلاّ ان يشتري معه شيئا آخر ويقول : اشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فان لم يقدر على العبد كان الذي نقّده فيما اشتري منه» (٢).

وإذا لم يحتمل اختصاص مثل الرواية المذكورة بموردها أمكنت الفتوى باعتبار الشرط المذكور وإلاّ فلا بدّ من التنزل إلى الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور والاجماع المدعى على الشرطية.

٣ ـ واما وجه الاستثناء‌ فواضح من خلال الموثقة المتقدّمة بعد فهم العرف عدم الخصوصية لموردها.

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٦٣ الباب ١١ من أبواب عقد البيع وشروط الحديث ٢.

٤٠