دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأكرمهم

محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

وبعد

هذا هو الجزء الثاني من كتابنا دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري ، أسأله تعالى ان ينفع به اخواننا الاعزاء طلاب الحوزات العلمية وان يجعله بذرة لبرمجة كتبنا الدراسية تنضح بجهود بقية اخواني الافاضل الاعزاء.

فشكرا لك اللهم على نعمك وآلائك وحمدا لك على توفيقك وعنايتك فكم يا ربّ من صعب ذل بلطفك ، وكم من عسير تيسر بجودك ، انك جواد كريم رءوف رحيم ، وما توفيقي الا بك عليك توكلت وإليك انيب.

باقر الايرواني

١٨ / ربيع الاول / ١٤١٩ ه‍

قم المشرّفة‌

٧
٨

العقود‌

١ ـ البيع‌

٢ ـ الاجارة‌

٣ ـ المزارعة‌

٤ ـ المساقاة‌

٥ ـ الشركة‌

٦ ـ الضمان‌

٧ ـ الحوالة والكفالة‌

٨ ـ الصلح‌

٩ ـ الوكالة‌

١٠ ـ المضاربة‌

١١ ـ القرض‌

١٢ ـ الرهن‌

١٣ ـ الهبة‌

١٤ ـ الوديعة‌

١٥ ـ العارية‌

١٦ ـ السبق والرماية‌

١٧ ـ النكاح‌

٩
١٠

كتاب البيع‌

١ ـ شروط عقد البيع‌

٢ ـ شروط المتعاقدين‌

٣ ـ شروط العوضين‌

٤ ـ الخيارات‌

٥ ـ الربا‌

٦ ـ بيع الصرف‌

٧ ـ بيع السلف‌

٨ ـ محرمات في الشريعة‌

١١
١٢

١ ـ شروط عقد البيع‌

يعتبر في البيع الإيجاب والقبول بكلّ ما يدلّ عليهما ولو لم يكن صريحا أو كان ملحونا أو ليس بعربي ولا بماض.

ويعتبر التطابق بين الايجاب والقبول دون الموالاة بينهما أو تأخّر القبول.

وذهب المشهور إلى اعتبار التنجيز.

ولا يعتبر اللفظ في تحقّق البيع وتكفي المعاطاة. والملك الحاصل بها لازم.

ويعتبر فيها ما يعتبر في العقد اللفظي من شروط العقد والعوضين والمتعاقدين.

وتثبت فيها الخيارات كما تثبت فيه.

وهي تجري في جميع المعاملات إلاّ ما خرج بالدليل كالنكاح والطلاق والنذر واليمين.

والمستند في ذلك :

١ ـ امّا البيع‌ ففي تحديد حقيقته خلاف بالرغم من بداهتها إجمالا‌

١٣

وعدم ثبوت حقيقة شرعية أو متشرعية له.

وقد نقل الشيخ الأعظم عدّة آراء في ذلك لعلّ أجودها ما اختاره هو قدس‌سره من انّه تمليك عين بعوض (١).

والإشكال عليه بشموله للشراء والاستيجار ـ حيث ان المشتري بقبوله يملّك ماله بعوض ومستأجر العين يملّك الاجرة بعوض ـ مدفوع بما ذكره الشيخ نفسه من ان ذلك مدلول تضمني وإلاّ فالشراء والاستيجار يدلان مباشرة على التملّك بعوض.

وبعد هذا التحديد لا تبقى حاجة لما ذكره غير واحد من المتأخّرين من ان البيع «نقل المال بعوض بما ان العوض مال لا لخصوصية فيه ، والاشتراء هو إعطاء الثمن بإزاء ما للمشتري غرض فيه بخصوصه في شخص المعاملة» (٢).

ان إضافة التقييد المذكور وجيهة لو لم نتمكّن من دفع الإشكال السابق بما تقدّم وإلاّ فلا حاجة إليها.

على ان ذكر المال يستلزم اعتبار مالية المبيع في صدق البيع لغة وهو بلا ملزم. إضافة إلى شمول التعريف للإجارة وعدم اختصاصه بالبيع.

٢ ـ واما اعتبار الايجاب والقبول في البيع‌ فلأنّه عقد وليس إيقاعا ، وهو متقوّم بهما.

٣ ـ وامّا الاكتفاء بكل ما يدلّ عليهما ولو لم يكن صريحا‌ فلأنّه بعد ظهور اللفظ في البيع وصدق عنوانه ـ ولو كان الاستعمال بنحو‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٣٩ ، انتشارات اسماعيليان.

(٢) منهاج الصالحين للسيّد الخوئي ٢ : ١٣ الطبعة ٢٨ وتعليقة الشهيد الصدر على منهاج الصالحين ٢ : ٢٠.

١٤

المجاز أو الكناية ـ يشمله إطلاق أدلّة الامضاء كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١).

ومع الأصل اللفظي المذكور لا تصل النوبة إلى الأصل العملي المقتضي للاقتصار على القدر المتيقّن لاستصحاب عدم ترتّب الأثر عند الانشاء بغيره.

لا يقال : ان الأصل العملي يقتضي ـ كالأصل اللفظي ـ نفي شرطية ما يشك في شرطيّته ، فإنّ حديث البراءة يعمّ الأحكام الوضعية أيضا حيث طبّقه الامام عليه‌السلام لنفي الصحّة عن الحلف المكره عليه ، كما في صحيحة صفوان والبزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢). وبارتفاع الشرطية المشكوكة بالبراءة لا يبقى مجال للتمسّك بأصالة عدم ترتّب الأثر لأنّ الشك فيه مسبب عن الشك في الشرطية.

فإنّه يقال : إنّ الشك في الشرطية يرجع في روحه إلى الشكّ في ترتّب الأثر على الفاقد للقيد المحتمل اعتباره ، والأصل في مثله لا يقتضي البراءة بل عدم ترتّب الأثر.

وبكلمة اخرى : ان مرجع الشك في الشرطية إلى علم وشك ، أي إلى علم بأن الواجد للقيد يترتّب عليه الأثر جزما ، وشك في ترتّبه على الفاقد ، وعند الشك في ترتّب الأثر لا معنى للبراءة.

وبهذا يتّضح الفارق بين المقام ومسألة الشك بين الأقل والأكثر الارتباطيين حيث يتمسّك فيها بالبراءة.

والفارق : انّه في تلك المسألة يرجع الشك إلى العلم بتعلّق التكليف‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٦٤ الباب ١٢ من كتاب الإيمان الحديث ١٢.

١٥

بتسعة أجزاء مثلا والشك في تعلّقه بما زاد ، والبراءة تقتضي نفي ذلك لأنّ لازمه ثبوت الكلفة الزائدة ، وحيث إنّها مشكوكة فيمكن نفيها بالبراءة. وهذا بخلافه في المقام فإنّ مرجع الشك إلى العلم بترتّب الأثر والامضاء على الواجد للقيد والشك في ترتّب ذلك على الفاقد ، والأصل عدمه.

٤ ـ وامّا الجواز بالملحون وغير الماضي أو العربي‌ فلإطلاق أدلّة الامضاء المتقدّمة.

ودعوى اعتبار العربية من باب وجوب التأسي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان يعقد بها ، مدفوعة بأنّ التأسي يراد به الإتيان بالفعل على النحو الذي كان يأتي به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحيث نحتمل ان اجراءه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العقد بالعربية كان من باب اجراء العقد بأحد أساليبه وطرقه فلا يمكن إثبات اللزوم من خلال ذلك ويبقى إطلاق أدلّة الامضاء بلا مقيّد.

ودعوى اعتبار الماضوية من جهة صراحة الماضي في الانشاء بخلاف المضارع والأمر فانّهما أشبه بالوعد والاستدعاء مدفوعة بأنّ الدلالة العرفية على البيع إذا كانت متحقّقة فلا محذور في التمسّك بإطلاق أدلّة الامضاء.

٥ ـ واما اعتبار المطابقة‌ فلتوقّف صدق عنوان العقد والبيع والتجارة عن تراض على ذلك.

٦ ـ وامّا الموالاة‌ فقد قال جماعة ـ منهم الشهيد الأوّل في قواعده (١) ـ باعتبارها.

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٢٣٤.

١٦

ووجّه الشيخ الأعظم ذلك بأن الايجاب والقبول بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض ، ومع الفاصل الطويل لا يصدق عنوان العقد (١).

واستدلّ الشيخ النائيني بأنّ حقيقة العقد خلع ولبس ، فالموجب يخلع ثوب سلطانه على المال ويلبسه القابل ، ومع تحقّق الفصل يتحقّق الخلع بلا لبس ، ومن ثمّ لا يتحقّق العقد لأنّه عبارة عن مجموع الخلع واللبس دون الخلع وحده (٢).

وكلا الوجهين كما ترى.

امّا الأوّل فلصدق عنوان المعاقدة ما دام الموجب لم يعرض عن إيجابه حتّى مع تخلّل الفصل الطويل.

وامّا الثاني فلأنّ اللبس إذا تحقّق ولو بعد فاصل طويل يصدق آنذاك تحقّق اللبس والخلع ومن ثمّ يصدق في ذلك الوقت تحقّق العقد.

على ان اللبس والخلع في اعتبار الموجب متحقّقان بمجرّد قوله بعت ولو لم ينضم القبول ، وفي اعتبار الشرع والعقلاء لم يتحقّق خلع قبل القبول بل يتحقّق هو واللبس بعد القبول ، فالانفكاك غير متصوّر في كلا الاعتبارين.

وعليه فالمناسب صحّة القبول حتّى مع الفصل الطويل ما دام الموجب لم يتراجع عن إيجابه.

٧ ـ وامّا جواز تأخّر الايجاب‌ فلأنّ عنوان البيع والعقد صادقان مع التأخّر أيضا ، ومعه يتمسّك بإطلاق دليل إمضائهما.

هذا ولكن الشيخ الأعظم فصّل بين ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٩٢ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) منية الطالب ١ : ١١١.

١٧

لفظ قبلت فلا يجوز وبين ما إذا كان بمثل لفظ اشتريت فيجوز بتقريب انّه يعتبر في القبول دلالته على أمرين : الرضا بالايجاب وإنشاء القابل نقل ماله في الحال إلى الموجب على وجه العوضية ، ومع تقدّم لفظ قبلت لا تكون الدلالة على الأمر الثاني ثابتة ، وهذا بخلاف ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل لفظ اشتريت فإنّ دلالته على كلا الأمرين ثابتة بالرغم من تقدّمه (١).

وفيه : ان المهم صدق عنوان العقد والبيع ، وهو متحقّق حالة تقدّم القبول مطلقا ، ومع تحقّقه يتمسّك بإطلاق دليل الامضاء.

٨ ـ وامّا اعتبار التنجيز وعدم صحّة العقد مع التعليق‌ فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع ، واستدلّ عليه بعدّة وجوه ضعيفة نذكر منها :

أ ـ ما افيد في الجواهر‌ من ان ظاهر دليل وجوب الوفاء بالعقد هو ترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّقه ، فإذا لم يشمله من حين تحقّقه ولم يجب الوفاء به من حين حدوثه ـ لفرض التعليق ـ فلا دليل على ترتّب الأثر ووجوب الوفاء بعد ذلك (٢).

وفيه : انّنا نلتزم بترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّق العقد ، بيد ان وجوب الوفاء يعني الالتزام بمدلول العقد ، ومدلوله قد يكون هو النقل من حين تحقّق العقد فيلزم الحكم بتحقّق النقل من ذلك الحين ، وقد يكون هو النقل بعد حصول المعلّق عليه فيلزم الحكم بتحقّق النقل عند تحقّق المعلّق عليه.

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٨٦ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) جواهر الكلام ٢٣ : ١٩٨.

١٨

ب ـ ما أشار إليه السيّد العاملي‌ من ان الأسباب الشرعية لمّا كانت توقيفية فيلزم الاقتصار فيها على القدر المتيقّن وهو العقد العاري من التعليق (١).

وفيه : ان العمل بإطلاق أدلّة الامضاء كاف في تحقّق التوقيف.

ج ـ ما أفاده الشيخ النائيني‌ من ان العقود المتعارفة هي المنجزة ، والمعلّقة ليست متداولة إلاّ لدى الملوك والدول أحيانا ، وأدلّة الامضاء منصرفة إلى العقود المتعارفة (٢).

وفيه : ان صغرى الدعوى المذكورة لم تثبت تماميتها.

د ـ التمسّك بالإجماع المدّعى في المسألة.

وفيه : ان الاتفاق لو تمّ واقعا فهو ليس حجّة لعدم كاشفيته عن رأي المعصوم عليه‌السلام بعد كونه محتمل الاستناد إلى المدارك السابقة.

وعليه فالحكم باعتبار التنجيز غير ممكن إلاّ على سبيل الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور والإجماع المدعى.

٩ ـ وامّا المعاطاة فقد وقعت موردا للاختلاف. وقد نقل الشيخ الأعظم قدس‌سره ستّة أقوال فيها ، أهمّها : إفادتها الملك اللاّزم ، وإفادتها الملك الجائز ، وإفادتها لإباحة التصرّف لا غير (٣).

والمختار لدى المتأخّرين إفادتها الملك كالعقد اللفظي لوجوه :

أ ـ التمسّك بإطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٤) بتقريب ان‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٦.

(٢) منية الطالب ١ : ١١٣.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٢٤٧ ، انتشارات إسماعيليان.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

١٩

المراد من حليّة البيع امّا الحليّة الوضعيّة ـ كما تقتضيها نسبة الحل إلى الأمر الاعتباري دون الفعل الخارجي ـ وبذلك يثبت المطلوب ، لأنّها عبارة عن النفوذ والامضاء ، أو الحلية التكليفية ـ التي تقتضيها وحدة السياق حيث يراد من تحريم الربا تحريمه تكليفا بل ويقتضيها ظهور الحلّ نفسه في ذلك ـ وبذلك يثبت المطلوب أيضا ، لأنّ الحل التكليفي ليس منسوبا إلى البيع نفسه لعدم احتمال حرمته تكليفا ليدفع بإثبات جوازه بل هو منسوب إلى التصرّفات المترتّبة عليه ، ولازم إباحة جميع التصرّفات المترتّبة عليه صحّته وإفادته للملك.

وقد اختار الشيخ الأعظم قدس‌سره الثاني ـ إرادة الحل التكليفي ـ وقرّب الدلالة بما ذكرناه (١).

ب ـ التمسّك بإطلاق المستثنى في قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(٢) بتقريب ان الأكل كناية عن التملّك والاستيلاء ، فكل تملّك بالأسباب الباطلة منهيّ عنه إلاّ ان تكون تجارة عن تراض ، وحيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض فتثبت صحّتها بالبيانين السابقين.

ج ـ التمسّك بإطلاق قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٣) ، فإنّ المعاطاة عقد ، غايته عقد فعلي لا قولي ، والوفاء بالعقد عبارة اخرى عن إتمامه وعدم نقضه فيثبت وجوب الوفاء بالمعاطاة وعدم جواز نقضها ومن ثمّ تثبت إفادة المعاطاة للملك بل اللزوم بخلاف الآيتين السابقتين‌

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٢٤٨ ، انتشارات إسماعيليان.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) المائدة : ١.

٢٠