دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

اسماعيل بن سعد الاشعري : «سألت الرضا عليه‌السلام عن المسترابة من المحيض كيف تطلّق؟ قال : تطلق بالشهور» (١).

واذا كان في المراد من كلمة «الشهور» اجمال لعدم تشخص عدد الاشهر فيمكن من خلال مراجعة روايات عدة المرأة المسترابة (٢) تحصيل الاطمئان بارادة ثلاثة أشهر.

على انه ورد في مرسلة داود بن ابي يزيد العطار عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها كيف يطلقها اذا اراد طلاقها؟ قال : ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها» (٣) التصريح بذلك. وهي وان كانت مرسلة الا ان ضمها الى تلك يوجب الاطمئنان بارادة ذلك.

هذا ويمكن ان يقال : ان كلمة «الشهور» جمع يصدق على الثلاثة ، وارادة الاقل غير محتملة ، وارادة ما زاد تحتاج الى دليل ، ومقتضى الاطلاق الاكتفاء بالثلاثة.

٢١ ـ واما انه لا طلاق في عقد التمتع‌ فامر متسالم عليه. واستدل له في الحدائق بما دلّ على حصول الفرقة بانتهاء المدة بلا حاجة إلى طلاق ، كصحيح محمد بن اسماعيل عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «قلت له الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر ، قال : اذا كان شيئا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٤ الباب ٤ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٠ الباب ٤ من أبواب العدد.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٣٥ الباب ٤٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٤٠١

معلوما الى أجل معلوم قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم» (١).

وفيه : ان هذا المضمون تكرر في الروايات الا انه لا ينفي امكان وجود سبب ثان لتحقق الفرقة ـ أثناء المدة ـ وهو الطلاق.

ومن هنا قال في الجواهر : «لم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمتمتع بها. نعم فيها ما يدل على حصوله بانقضاء المدة وبهبتها ولكن ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها لا مكان تعدد الاسباب» (٢).

هذا وبالامكان تحصيل بعض الروايات على ذلك من قبيل رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «المتعة ليست من الاربع لأنها لا تطلق ولا ترث وانما هي مستأجرة» (٣) ، ورواية الحسن الصيقل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : رجل طلّق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول؟ قال : لا ، لان الله يقول : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها) (٤) والمتعة ليس فيها طلاق» (٥).

وهاتان الروايتان ان تمّ سندهما ـ ولم يناقش في الاولى بالقاسم بن عروة وفي الثانية بالصيقل ـ كانتا هما المستند والا انحصر المدرك بالتسالم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٨ الباب ٢٥ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٩٥ الباب ٤٣ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٤) البقرة : ٢٣٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ الباب ٩ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

٤٠٢

٢٢ ـ واما تحقق الفرقة بهبة ما تبقى من المدة‌ فأمر متسالم عليه. وتدل عليه صحيحة علي بن رئاب : «كتبت اليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضى اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك؟ فوقع عليه‌السلام : لا يرجع» (١) وغيرها.

٢٣ ـ واما اعتبار الاشهاد في الطلاق‌ فهو من شعار الامامية. وقد تقدم في بداية البحث عن النكاح حوار الامام الكاظم عليه‌السلام مع ابي يوسف القاضي فراجع.

ويدل على ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ... * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢).

واحتمال رجوع الامر بالاشهاد الى الامساك والرجعة بعيد لتخلل الفاصل المانع من ذلك.

والروايات في المسألة كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر ، كصحيحة الفضلاء عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «... وان طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه اياها بطلاق» (٣) وغيرها.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يوهم بعدم اعتبار العدالة في الشاهدين ، كما في صحيحة عبد الله بن المغيرة : «قلت لأبي الحسن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٨٣ الباب ٢٩ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الطلاق : ١ ـ ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٢ الباب ١٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

٤٠٣

الرضا عليه‌السلام : رجل طلّق امرأته واشهد شاهدين ناصبيين ، قال : كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» (١) وعلى منوالها صحيحة البزنطي (٢).

وهما ان أمكن توجيههما ـ بدلالتهما على سعة معنى العدالة لما يشمل حسن الظاهر والمعروفية بالصلاح ـ والا يلزم طرحهما لمخالفتهما لصريح القرآن الكريم.

٢٤ ـ واما عدم اعتبار تشخيص المطلقة بنحو تصح الشهادة عليها‌ فهو المشهور. وخالف في ذلك صاحب المدارك قائلا : «... فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق وان لم يعلما المطلق والمطلقة بوجه بعيد جدا بل الظاهر انه لا أصل له في المذهب ، فان النص والفتوى متطابقان على اعتبار الاشهاد. ومجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمى اشهادا قطعا» (٣).

وما أفاده قابل للتأمل ، فان اعتبار المعرفة التفصيلية لا دليل عليه بل الدليل على عدمه ، وهو اطلاق أدلة اعتبار الشهادة.

ودعوى عدم صدق الاشهاد بدون المعرفة التفصيلية مدفوعة بان الاشهاد بمرتبته العالية وان لم يكن صادقا ولكنه بمرتبة ما صادق ، وهو كاف ، لعدم الدليل على اعتبار الاكثر.

ويظهر من صاحب الجواهر عدم اعتبار المعرفة الاجمالية أيضا ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٠ الباب ٤١ من أبواب الشهادات الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٢ الباب ١٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٢٤٧. ولصاحب المدارك شرح على المختصر النافع من كتاب النكاح إلى آخر النذر باسم نهاية المرام في شرح مختصر شرايع الإسلام. وهو لم يطبع بعد.

٤٠٤

فلو كان لشخص عدة زوجات وقال : زوجتي طالق قاصدا لمعينة لا يعرفها الشاهدان كفى ذلك تمسكا باطلاق الادلة (١).

هذا ويمكن أن يضاف الى التمسك بالاطلاق النصوص الخاصة ، كصحيحة صفوان عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «سئل عن رجل طهرت امرأته من حيضها فقال : فلانة طالق وقوم يسمعون كلامه ولم يقل لهم اشهدوا أيقع الطلاق عليها؟ قال : نعم هذه شهادة» (٢) ، وصحيحة ابي بصير : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد ومهورهن مختلفة قال : جائز له ولهن. قلت : أرأيت ان هو خرج الى بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع واشهد على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسّم ميراثه؟ قال : ان كان له ولد ...» (٣) وغيرهما.

ومما يؤكد عدم اعتبار المعرفة التفصيلية سيرة المتشرعة. قال صاحب الحدائق معلقا على مختار صاحب المدارك : «ما ذكرنا من الاكتفاء بالمعرفة الاجمالية هو الذي جرى عليه مشايخنا الذين عاصرناهم وحضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه. واما ما ادّعاه رحمه‌الله فلم أقف له على موافق» (٤).

٢٥ ـ واما ان صيغة الطلاق ما تقدم‌ فلصحيحة محمد بن مسلم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٢ : ١٠٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٢ الباب ٢١ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٣ الباب ٢٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٤) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٢٥١.

٤٠٥

حيث «سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : انت عليّ حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية قال : هذا كله ليس بشي‌ء انما الطلاق ان يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل ان يجامعها : أنت طالق أو اعتدي يريد بذلك الطلاق ويشهد على ذلك رجلين عدلين» (١) وغيرها.

والمذكور فيها جملة : «انت طالق» ولكنه يتعدّى إلى غيرها مما اشتمل على كلمة «طالق» من جهة انه في الطلاق لا يلزم ان يواجه الزوج به زوجته ويخاطبها به بل يجوز ايقاعه عند غيبتها التي لا يتأتى معها الخطاب بضمير «أنت».

وهل يتحقق الطلاق بجملة «اعتدي»؟ المناسب ذلك ـ لو لم يثبت تسالم على الخلاف ـ تمسكا بالصحيحة المذكورة وغيرها. ونسب القول بذلك إلى ابن الجنيد (٢).

الا انه اذا ثبت تسالم الاصحاب على عدم القول بذلك فالمتعين الاقتصار على الصيغة المتقدمة ولا أقل من كون ذلك هو مقتضى الاحتياط اللازم.

٢٦ ـ واما إجزاء الترجمة عند تعذر النطق بالعربية‌ فلان الطلاق لم يشرّع لخصوص العرب.

وهل يلزم توكيل العربي ان أمكن؟ المناسب هو العدم لعدم الدليل على ذلك. أجل الاحتياط بالتوكيل أمر لا ينبغي تركه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٩٥ الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٩٩.

٤٠٦

٣ ـ أقسام الطلاق‌

ينقسم الطلاق إلى القسمين التاليين :

الأول : بدعي. وهو ما كان فاقدا للشرائط المتقدمة. وحكمه البطلان.

ويلحق بالقسم المذكور الطلاق ثلاثا من دون تخلل رجعة في البين ـ بان يقول المطلق : انت طالق ثلاثا أو يقول : انت طالق انت طالق انت طالق قاصدا بذلك تعدد الطلاق ـ الا انه لا يبطل رأسا بل تقع لدى المشهور طلقة واحدة دون ما زاد.

الثاني : سني. وهو الطلاق الجامع للشرائط المتقدمة ، وهو على نحوين :

١ ـ بائن. وهو ما لا يحق للزوج الرجوع فيه الى المطلقة سواء كان لها عدة أم لا ، ومصاديقه ستة :

أ ـ طلاق الصغيرة التي لم تبلغ سن المحيض حتى مع فرض الدخول بها عمدا أو اشتباها.

ب ـ طلاق اليائس.

ج ـ الطلاق قبل الدخول.

والمرأة في هذه الانحاء الثلاثة للطلاق ليست لها عدة.

د ـ المطلقة بالطلاق الثالث المسبوق بطلاقين قد تعقبتهما عودة برجوع أو عقد جديد فانها تحرم على زوجها حتى ينكحها رجل آخر ويفارقها بموت أو طلاق. فيجوز آنذاك للأول العقد عليها بعد انتهاء العدة.

ه ـ طلاق الخلع والمباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت.

و ـ طلاق الحاكم الشرعي لزوجة الممتنع من الانفاق والطلاق.

٤٠٧

٢ ـ رجعي. وهو ما يحق للزوج الرجوع فيه في العدة سواء رجع بالفعل أم لا ، ومصداقه كل ما عدا الأفراد الستة المتقدمة.

ثم ان الرجعي ينقسم بدوره إلى عدي وغيره.

ويراد من العدي ان يطلّق الزوج زوجته على الشرائط ثم يراجع قبل الخروج من العدة ويواقع ثم يطلقها في غير طهر المواقعة ثم يراجعها ويواقعها ثم يطلقها في طهر آخر. وبذلك تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ، فاذا طلقها او مات جاز للأول الزواج بها بعد انتهاء العدة.

هذا هو الطلاق العدي. واذا تكرر حرمت في السادس أيضا حتى تنكح آخر بالشكل المتقدم ، وفي التاسع تحرم مؤبدا.

والطلاق العدي بالمعنى المذكور متقوم بأمرين :

أولهما : تخلل رجعتين. ولا يكفي وقوع عقدين جديدين أو عقد ورجعة.

ثانيهما : تحقق المواقعة بعد كل رجعة.

فطلاق العدة على هذا مركب من ثلاث طلقات : ثنتان منها رجعية وواحدة ـ وهي الثالثة ـ بائنة.

ولا خلاف في تحقق الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع في الطلاق العدي بالتفسير المذكور. كما لا خلاف ـ من غير ابن بكير ـ في تحقق الحرمة في كل طلاق ثالث بأي شكل اتفق. وانما الخلاف في تحقق الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع فيما اذا لم يكن عديا بالمعنى المتقدم والمشهور صار الى العدم.

ثم ان الطلاق السني له ثلاثة اطلاقات :

أ ـ سني بالمعنى الأعم. وهو كل طلاق جامع للشرائط مقابل الطلاق البدعي الفاقد لبعضها. وهذا الاطلاق هو ما تقدمت الاشارة إليه.

٤٠٨

ب ـ سني مقابل العدي. وهو ما تتحقق به الرجعة في العدة من دون مواقعة.

ج ـ سني بالمعنى الأخص. وهو ما لا تتحقق فيه الرجعة في العدة بل تنقضي ثم يتزوجها الزوج بعقد جديد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما التقسيم الى البدعي والسني‌ فهو ـ كما تقدم ـ باعتبار الواجدية للشرائط المتقدمة وعدمها ، فما كان فاقدا لها هو بدعي نسبة إلى البدعة بمعنى المحرم ، أي غير المشروع ، وما كان واجدا لها هو سني نسبة الى السنة بمعنى المشروع.

والمعروف في كلمات بعض الاصحاب ـ كالمحقق وغيره ـ اصطلاح البدعي على أقسام ثلاثة من الطلاق غير المشروع ـ وليس على جميع مصاديقه وان كانت كلها باطلة ـ هي : طلاق الحائض والنفساء في غير موارد الاستثناء ، والطلاق في طهر المقاربة ، وطلاق الثلاث من غير تخلل رجعة (١).

والأمر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح.

٢ ـ واما ان البدعي باطل‌ فلان المشروط عدم عند عدم شرطه. هذا في مذهبنا. واما الجمهور فقد اتفقت كلمتهم على الصحة مع الاثم (٢).

__________________

(١) شرايع الإسلام ٣ : ٥٥٨ انتشارات استقلال.

(٢) قال الجزيري : «اذا طلّق الزوج امرأته طلاقا بدعيا فانه تسن له رجعتها ... ويحسب عليه الطلاق البدعي سواء كان واحدا أو أكثر باتفاق الائمة الاربعة. وخالفهم بعض الشواذ الذين‌

٤٠٩

هذا كله في غير الطلاق ثلاثا بلا تخلل رجعة ، واما هو فيقع واحدا عندنا كما سيتضح وجهه.

٣ ـ واما الطلاق ثلاثا بدون تخلل رجعة‌ فقد اتفقت كلمة أصحابنا على بطلانه ، بمعنى عدم وقوعه ثلاثا خلافا للجمهور (١). واتفقت أيضا على وقوعه واحدا في حالة الولاء ، أي تكرار جملة «انت طالق» ثلاث مرات ، واختلفت في حالة الارسال وعدم التكرار ، بان قيل : «انت طالق ثلاثا».

ولو لا حظنا مقتضى القاعدة فالمناسب هو التفصيل ، ففي حالة الولاء يقع واحدا لان جملة «انت طالق» الاولى تقتضي تحقق الطلاق‌

__________________

لا يعوّل على آرائهم. راجع الفقه على المذاهب الأربعة ٤ : ٢٧٤ مبحث ما يترتب على الطلاق البدعي من الاحكام.

(١) قال الجزيري : «يملك الرجل الحرّ ثلاث طلقات ولو كان زوجا لأمة ويملك العبد طلقتين ولو كان زوجا لحرة ، فاذا طلّق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة ، بان قال لها : انت طالق ثلاثا لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الاربعة. وهو رأي الجمهور. وخالفهم في ذلك بعض المجتهدين ، كطاوس وعكرمة وابن اسحاق ، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهم ، فقالوا : انه يقع به واحدة لا ثلاث ، ودليل ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر : الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه اناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» الفقه على المذاهب الأربعة ٤ : ٣٠٣ مبحث تعدد الطلاق.

هذا وقد جاءت روايات أهل البيت عليهم‌السلام ترد بشدة على الطلاق ثلاثا وانه لا يقع الا واحدة أو ليس بشي‌ء وانه مخالف لكتاب الله عزّ وجلّ.

نعم هو مخالف لكتاب الله الناطق بان (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) البقرة : ٢٢٩.

ان تعريف الطلاق بالألف واللام يدل على ان الطلاق المشروع هو المرتان لا غير ، وواضح ان عنوان المرتين لا يصدق الا مع التفرقة بين الطلاقين.

٤١٠

وتشملها العمومات الدالة على تحقق الطلاق بصيغة «انت طالق» (١). ومجرد تكرارها ثانية وثالثة لا يمنع من صحتها ووقوع الطلاق الواحد.

واما في حالة الارسال فمع قصد ايقاع الطلاق بجملة «انت طالق» ثم اعتبار كونه ثلاثا عند التلفظ بلفظ «ثلاثا» فالمناسب وقوع واحد لما تقدم ، ومع قصد ايقاع الثلاث بمجموع الجملة لا بخصوص قيد «ثلاثا» فالمناسب البطلان رأسا لان ما قصد لا يمكن ان يقع وما يمكن ان يقع لم يقصد.

هذا بمقتضى القاعدة.

ولو رجعنا الى الروايات وجدناها على طائفتين :

الاولى : ما دلت على وقوع طلاق واحد من دون تفصيل بين حالة الولاء وحالة الارسال. وهي متعددة ، كصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثا في مجلس واحد وهي طاهر قال : هي واحدة» (٢) ، وصحيحة الاسدي والحلبي وابن حنظلة جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الطلاق ثلاثا في غير عدة (٣) ان كانت على طهر فواحدة وان لم تكن على طهر فليس بشي‌ء» (٤).

الثانية : ما دلت على البطلان رأسا ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «من طلّق ثلاثا في مجلس فليس بشي‌ء. من خالف كتاب الله‌

__________________

(١) كصحيحة محمد بن مسلم المشار اليها في الرقم ٢٥ من مبحث شرائط صحة الطلاق.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١١ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) يراد من الطلاق في غير عدة الطلاق الذي لا يتعقبه رجوع في العدة.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١١ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٤١١

عز وجل ردّ الى كتاب الله عز وجل وذكر طلاق ابن عمر» (١) وغيرها.

وقد جمع في الحدائق بحمل الاولى على حالة الولاء والثانية على حالة الارسال مستندا في ذلك الى ان روايات الطائفة الاولى قد اشتملت على تعبير «الطلاق ثلاثا» ، وهو لا يصدق الا مع تكرار جملة «انت طالق» ثلاثا نظير ما لو قيل : سبّح الله عشرا فانه لا يصدق على قول : «سبحان الله عشرا» (٢).

وفيه : ان التعبير ب «طلّق ثلاثا في مجلس واحد» وارد في كلتا الطائفتين لا في خصوص الاولى.

ولعل الانسب حمل الطائفة الثانية على نفي وقوعه ثلاثا لان النفي في جملة «فليس بشي‌ء» مطلق فيقيد بالثلاث بقرينة الطائفة الاولى. هكذا يقال أو يقال بحمل الطائفة الثانية على من طلّق ثلاثا في حالة عدم الطهر بقرينة صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «من طلّق امرأته ثلاثا في مجلس وهي حائض فليس بشي‌ء. وقد ردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلاق ابن عمر اذ طلق امرأته ثلاثا وهي حائض فأبطل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك الطلاق وقال : كل شي‌ء خالف كتاب الله والسنة ردّ الى كتاب الله» (٣) ، فان صحيحة ابي بصير بقرينة استشهادها بطلاق ابن عمر واضحة في النظر الى حالة الطلاق بدون طهر.

وعلى كلا التوجيهين تبقى الطائفة الاولى بلا معارض فيتمسك باطلاقها لإثبات تحقق طلقة واحدة عند الطلاق ثلاثا سواء كان بنحو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٣ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٢٣٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٣ الباب ٢٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٩.

٤١٢

الولاء أم بنحو الارسال.

اللهمّ الا ان يقال بعدم صدق عنوان الطلاق ثلاثا في حالة الارسال ـ كما هو ليس ببعيد ـ فينحصر نظر الطائفة الاولى بحالة الولاء ويلزمنا في حالة الارسال الرجوع الى مقتضى القاعدة بالبيان المتقدم.

٤ ـ واما ان طلاق الصغيرة واليائس وغير المدخول بها بائن‌ فباعتبار انه لا عدة لها ، ومعه فلا يتمكن المطلّق من الرجوع اليها. ويأتي ان شاء الله تعالى في مبحث أحكام العدة الوجه في عدم وجوب العدة على الثلاث المذكورة.

٥ ـ واما ان المطلقة بالطلاق الثالث تحرم على زوجها حتى ينكحها آخر‌ فهو من ضرورات الفقه بل الدين. ويدل عليه قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ... * فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (١). وهي باطلاقها تشمل حالة العودة بعد كل طلقة بالرجوع أو بعقد جديد.

والروايات في المسألة كثيرة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها» (٢) وغيرها. وهي مطلقة كالآية الكريمة.

٦ ـ واما تعميم مفارقة المحلل لما اذا كانت بالموت‌ ـ بالرغم من‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٥٣ الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٠.

والعسيلة : الجماع أو اللذة ، فان العرب تسمي كل شي‌ء تستلذه عسلا.

٤١٣

التقييد في الآية الكريمة بالطلاق ـ باعتبار ان المفهوم من الروايات ان المهم في حصول التحليل ذوق المحلل لعسيلة المطلقة دون تطليقه لها بعنوانه. هذا مضافا الى التصريح بالتعميم في موثقة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... فاذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فاذا تزوجها غيره ولم يدخل بها وطلقها او مات عنها لم تحل لزوجها الاول حتى يذوق الآخر عسيلتها» (١) وغيرها.

٧ ـ واما ان الطلاق في الخلع والمباراة بائن ما دام لم ترجع الزوجة في البذل‌ فمما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب» (٢).

واما التقييد بعدم رجوع الزوجة في البذل فلانه مع رجوعها يحق للزوج الرجوع أيضا ، وهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة البقباق عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المختلعة ان رجعت في شي‌ء من الصلح يقول لا رجعن في بضعك» (٣).

٨ ـ واما ان طلاق الممتنع من الانفاق والطلاق بائن‌ فلان النصوص وان لم تدل على ذلك بل دلت على ثبوت الولاية في الطلاق ، كما في صحيحة ابي بصير : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعم ما يقيم صلبها كان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٦ الباب ٧ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤١٧ الباب ٨ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٩ الباب ٧ من أبواب الخلع والمباراة الحديث ٣.

٤١٤

حقا على الامام ان يفرّق بينهما» (١) وغيرها ، الا انه لا بدّ من كونه بائنا والا يلزم نقض الغرض وعدم الفائدة في طلاق الحاكم.

٩ ـ واما ان الطلاق الرجعي هو ما جاز للزوج الرجوع فيه سواء رجع بالفعل أم لا‌ فهو من واضحات الفقه ، ويدل عليه قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) (٢).

١٠ ـ واما تفسير الطلاق العدي بما ذكر‌ فهو متسالم عليه. وتدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... واما طلاق العدة الذي قال الله عز وجل : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) (٣) فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ويراجعها من يومه ذلك ان احبّ او بعد ذلك بأيام قبل ان تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها حتى تحيض ، فاذا حاضت وخرجت من حيضها طلّقها تطليقة اخرى من غير جماع يشهد على ذلك ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل ان تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها وتكون معه الى ان تحيض الحيضة الثالثة فاذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع ويشهد على ذلك فاذا فعل ذلك فقد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٢.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) الطلاق : ١.

٤١٥

بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره» (١) وغيرها.

ويستفاد من الصحيحة اضافة بعض القيود الاخرى للطلاق العدي أكثر مما نقلناه في تفسير الفقهاء ، من قبيل ان يكون الرجوع قبل ان تحيض الحيض الاول ولا يكفي الرجوع اثناء العدة متى ما تحقق.

ثم انه ذكر الشهيد الثاني في الروضة ان اطلاق الطلاق العدي على مجموع الطلقات الثلاث المتقدمة يشتمل على المسامحة ، فان الطلاق العدي هو الاول والثاني دون الثالث ، فانه ليس عديّا حيث لا يمكن الرجوع فيه (٢).

والامر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح فيمكن افتراض وضع مصطلح الطلاق العدي للطلقات الثلاث بالشكل المتقدم.

١١ ـ واما الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع العدي‌ فمتسالم عليها. وتدل على ذلك رواية زرارة وداود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات وتزوج ثلاث مرات لا تحل له ابدا» (٣) وغيرها.

وليس في السند من يتأمل فيه سوى المثنى ـ فانه مشترك بين جماعة لم تثبت وثاقة بعضهم ـ والامر فيه سهل بعد رواية البزنطي عنه بناء على تمامية كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة.

هذا من حيث السند.

واما الدلالة فالقدر المتيقن منها هو الطلاق العدي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٨ الباب ٢ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الروضة البهية ٢ : ١٣١.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٥٨ الباب ٤ من أقسام الطلاق الحديث ٤.

٤١٦

١٢ ـ واما الحرمة في كل طلاق ثالث ـ بأي شكل اتفق ـ حتى تنكح زوجا آخر‌ فلم ينسب الخلاف فيها الا الى عبد الله بن بكير الذي هو من الفطحية. ويدل على ذلك الكتاب الكريم والروايات المتقدمة في الرقم ٥.

والمنسوب الى ابن بكير (١) ان المطلقة بالطلاق الثالث لا تحرم على زوجها بل اذا انتهت عدة الطلاق الثالث جاز لزوجها العقد عليها بلا توقف على نكاح شخص آخر فيما اذا لم يكن الطلاق عديا ، واما العدي فلا خلاف فيه حتى منه.

ومستنده في ذلك غير واضح فتارة يستند الى رواية رفاعة واخرى الى ان ذلك امر رزقه الله اياه.

روى الشيخ الكليني عن حميد بن زياد عن ابن سماعة عن محمد بن زياد وصفوان عن رفاعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل طلّق امرأته حتى بانت منه وانقضت عدتها ثم تزوجت زوجا آخر فطلقها أيضا ثم تزوجت زوجها الاول أيهدم ذلك الطلاق الاول؟ قال : نعم. قال ابن سماعة : وكان ابن بكير يقول : المطلقة اذا طلقها زوجها ثم تركها حتى تبين ثم تزوجها فانما هي على طلاق مستأنف. قال : وذكر الحسين بن هاشم انه سأل ابن بكير عنها فأجابه بهذا الجواب فقال : سمعت في هذا شيئا؟ قال : رواية رفاعة. قال : ان رفاعة روى اذا دخل بينهما زوج فقال : زوج وغير زوج عندي سواء. فقلت : سمعت في هذا شيئا؟ قال : لا ، هذا مما رزق الله من الرأي. قال ابن سماعة : وليس نأخذ‌

__________________

(١) ولربما يظهر ذلك من الشيخ الصدوق أيضا في كتاب من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٢٠.

والرأي المذكور لابن بكير قد أشارت اليه الرواية الآتية ونقل في جواهر الكلام ٣٢ : ١٢٩ والروضة البهية ٢ : ١٣١ وغيرهما.

٤١٧

بقول ابن بكير ، فان الرواية اذا كان بينهما زوج» (١).

ومناقشة رأي ابن بكير واضحة ، فان مقتضى اطلاق الآية الكريمة والرواية المتقدمتين في الرقم ٥ عدم الفرق بين الطلاق العدي وغيره في تحقق الحرمة بالطلاق الثالث حتى تنكح زوجا غيره. ولا مقيد للإطلاق المذكور سوى صحيحة رفاعة ، ولكنها خاصة بما اذا تزوج رجل آخر بالمطلقة بعد الطلاق ، ومحل الكلام فيما اذا لم يتخلل الزواج بآخر بين الطلقات.

١٣ ـ واما الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع اذا لم يكن عديّا‌ فالمشهور عدمها.

والمناسب عدم الفرق بين العدي وغيره ، ففي كليهما تثبت الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع لإطلاق رواية زرارة وداود بن سرحان المتقدمة في الرقم ١١. ولا وجه لتخصيصها بالطلاق العدي الا اذا تمّ اجماع تعبدي على ذلك.

قال في الجواهر ـ بعد ذكر رواية زرارة وداود وغيرها من الروايات الاخرى ـ ما نصه : «الا ان الجميع كما ترى لا صراحة فيه في اشتراط التحريم بالتسع في الطلاق العدي على الوجه المزبور بل ظاهره الاطلاق. فالعمدة حينئذ الاجماع» (٢).

والمناسب تحفظا من مخالفة المشهور والاجماع المدعى التنزل من الفتوى بالتعميم الى الاحتياط.

١٤ ـ واما الاطلاقات الثلاثة للطلاق السني‌ فالوجه فيها :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٥٣ الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١.

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ١٢٢.

٤١٨

اما بالنسبة الى الاطلاق الاول فواضح لان كل طلاق جمع الشرائط فهو سني ، بمعنى انه مشروع.

واما بالنسبة الى الاطلاق الثاني فلان ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في الرقم ١٠ اختصاص الطلاق العدي بما تحقق فيه الرجوع بعد الطلاق والمواقعة ، ومعه فالطلاق الذي يتحقق الرجوع بعده بلا مواقعة هو سني بالمعنى المقابل للعدي.

واما بالنسبة الى الاطلاق الثالث فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضي اقراؤها فاذا مضت اقراؤها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب ان شاءت نكحته وان شاءت فلا ...» (١).

٤ ـ أحكام العدة‌

تجب العدة ـ بمعنى وجوب التربص على المرأة فترة معينة بترك الزواج فيها اما مع ثبوت الحق لزوجها في الرجوع اليها أو بدونه ـ على :

١ ـ المطلقة فيما اذا كانت مدخولا بها ولم تكن صغيرة ولا يائسا والا فلا عدة عليها. ومقدارها ثلاثة قروء ، أي ثلاثة اطهار.

ويكفي في الطهر الاول مسماه فاذا طلقت وقد بقيت من طهرها فترة قليلة ثم مرّ بها طهران تامان آخران فبمجرد رؤية دم الحيضة الثالثة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٤ الباب ١ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

٤١٩

تخرج من العدة.

هذا في غير المسترابة. واما هي ـ بان كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض ـ فعدتها ثلاثة أشهر.

كما ان هذا كله في غير الحامل. واما الحامل فتنتهي عدتها بوضع الحمل.

٢ ـ المتوفى عنها زوجها. ومقدارها أربعة أشهر وعشرة أيام. من دون فرق بين حالات الزوج من كونه كبيرا أو صغيرا. ومن دون فرق بين حالات الزوجة من كونها صغيرة أو كبيرة ، يائسا او لا ، مدخولا بها او لا ، دائمة أو متمتعا بها.

هذا في غير الحامل.

واما الحامل فعدتها أبعد الأجلين من المدة المذكورة ووضع الحمل.

ويلزم على الزوجة اذا كانت كبيرة عاقلة الحداد خلال عدة الوفاة ، وذلك بترك كل ما يعدّ زينة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه ، فيلزم ترك التزين بالكحل والطيب والخضاب والحمرة والملابس التي تعدّ زينة عرفا وما شاكل ذلك.

ويجوز مثل تنظيف البدن وتمشيط الشعر وما شاكل ذلك مما لا يعدّ زينة.

٣ ـ الموطوءة شبهة. وعدتها عدة المطلقة.

٤ ـ المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ لعيب ونحوه او بانفساخ لارتداد أو رضاع ونحوهما. وعدتها كعدة المطلقة.

أجل اذا ارتدّ الزوج عن فطرة فالعدة عدة الوفاة.

٥ ـ المتمتع بها. وعدتها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الأجل أو هبة المقدار المتبقى.

٤٢٠