دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

معين من الناتج نفسه بعد التخمين ، ولا يضر لو اتضحت بعد ذلك الزيادة أو النقيصة.

ويجوز للعامل ما دام لم تشترط عليه مباشرة الزرع بنفسه ان يؤجر الغير او يزارعه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان المزارعة عقد لازم لا ينفسخ الا بما ذكر‌ فلما تقدم في مبحث الاجارة تحت عنوان «من أحكام عقد الاجارة».

٢ ـ واما البذر‌ فقد يقال بلزوم كونه على العامل تمسكا بصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... وسألته عن المزارعة فقال : النفقة منك والارض لصاحبها ، فما اخرج الله من شي‌ء قسّم على الشطر وكذلك اعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر حين أتوه فأعطاهم إيّاها على ان يعمروها ولهم النصف مما اخرجت» (١).

الا انه يلزم حملها على المتعارف في تلك الفترة ـ خصوصا بعد ملاحظة الاستشهاد بسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لصراحة بقية الروايات في جواز عدم كونه على العامل ، كما في موثقة سماعة : «سألته عن مزارعة المسلم المشرك فيكون من عند المسلم البذر والبقر وتكون الارض والماء والخراج والعمل على العلج ، قال : لا بأس به» (٢) وغيرها.

على ان الحكم متسالم عليه بين الاصحاب. بل قد يدعى ان سيرة المزارعين المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام هي على ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٣ الباب ١٠ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٤ الباب ١٢ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ١.

والعلج هو الرجل الضخم من الكفار او مطلق الكافر.

١٤١

٣ ـ واما جواز كون الارض من العامل‌ فلموثقة سماعة المتقدمة.

٤ ـ واما وجه القول بجواز الاشتراك في الامور الاربعة بأي شكل‌ فقد علّله الشيخ البحراني بقوله : «لإطلاق الاذن في المزارعة من غير تقييد بكون بعض بخصوصه من احدهما» (١).

وهذا الاطلاق ان كان ثابتا فيه والا فبالامكان التعويض عنه بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) بناء على رأي المشهور.

٥ ـ واما جواز تقبل حصة الآخر بمقدار من الناتج نفسه بعد التخمين‌ فوجهه :

أ ـ التمسك بمقتضى القاعدة ، فان الناتج بعد اشتراكه بين الطرفين فمن حقهما تقسيمه بالشكل الذي يتفقان عليه ، فان الحق لا يعدوهما. وهو واضح. ويأتي إن شاء الله تعالى توضيح أكثر للوجه في مشروعية القسمة في مبحث القسمة من كتاب القضاء.

ب ـ ما أفاده السيد الطباطبائي من امكان ارجاع ذلك إلى الصلح غير المعاوض ، فكأنهما يتسالمان على ان تكون حصة احدهما من المال المشترك كذا مقدار والبقية للآخر. وعلى ذلك يصح ايقاع عملية التقبيل هذه بلفظ الصلح (٣).

ج ـ التمسك بالروايات الخاصة ، كصحيحة يعقوب بن شعيب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول احدهما لصاحبه : اختر اما ان تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢١ : ٣٢٣.

(٢) المائدة : ١.

(٣) العروة الوثقى ، كتاب المزارعة ، المسألة ٢٠.

١٤٢

نصف هذا الكيل اما زاد أو نقص ، واما ان آخذه انا بذلك ، قال : نعم لا بأس به» (١) وغيرها.

٦ ـ واما تقييد ذلك بما بعد ظهور الناتج‌ فلانه قبل ذلك لا حنطة وشعير مثلا ليمكن تقسيمه ، وهل يمكن تقسيم المعدوم.

٧ ـ واما انه لا يضر اتضاح الزيادة او النقيصة بعد ذلك‌ فلإقدام كل منهما على اجراء عقد القسمة او الصلح بالشكل المذكور فيلزم بمقتضى لزوم كل عقد.

هذا بناء على كون المدرك الوجهين الاولين.

واما بناء على الوجه الثالث فلظهور الصحيحة في ذلك.

٨ ـ واما جواز ايجار العامل شخصا لمباشرة الزرع‌ فواضح بعد عدم اشتراط المباشرة بنفسه واشتغال ذمته بذلك.

واما جواز مزارعته للغير فلعدم اشتراط صحة المزارعة بملك المزارع للأرض بل يكفي كونه مالكا للتصرف فيها فتشمله ادلة صحة المزارعة بل مثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) أيضا ، بناء على رأي المشهور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨ الباب ١٠ من أبواب بيع الثمار الحديث ١.

(٢) المائدة : ١.

١٤٣
١٤٤

كتاب المساقاة‌

١ ـ حقيقة المساقاة‌

٢ ـ شرائط المساقاة‌

٣ ـ أحكام عامة في باب المساقاة‌

١٤٥
١٤٦

١ ـ حقيقة المساقاة‌

المساقاة عقد يتضمن الاتفاق على سقي شخص اشجار شخص ثان أو غيرها واصلاح شئونها إلى مدة معينة بحصة من حاصلها. وهي مشروعة جزما.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تحديد المساقاة بما ذكر‌ فهو من واضحات الفقه. ويمكن استفادته من صحيحة يعقوب الآتية.

وفرقها عن المزارعة ان العامل في الثانية يقوم بزرع الارض بحصة من الناتج بعد فرض انها غير مزروعة ، بخلافه في المساقاة ، فان المفروض ثبوت الاشجار وغرسها في الارض قبل العقد ، ودور العامل السقي واصلاح شئون ما هو مغروس بحصة من الناتج.

٢ ـ واما شرعيتها‌ فقد قال في الجواهر : «هي جائزة بالإجماع من علمائنا وأكثر العامة خلافا لأبي حنيفة وزفر فانكراها‌

١٤٧

للجهالة والغرر» (١).

وتدل على ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... سألته عن رجل يعطي الرجل ارضه وفيها ماء او نخل او فاكهة ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما اخرج الله عز وجل منه ، قال : لا بأس» (٢) وغيرها.

والخلاف السابق بين المشهور وغيره في امكان تصحيح المزارعة على طبق القاعدة وبقطع النظر عن الروايات الخاصة وعدمه آت هنا أيضا لوحدة النكتة.

٢ ـ شرائط المساقاة‌

يلزم في المساقاة توفر :

١ ـ الايجاب والقبول بالشكل المتقدم في المزارعة.

٢ ـ البلوغ والعقل في المالك والعامل وعدم الحجر بالنحو المتقدّم في المزارعة.

٣ ـ ان يكون المغروس مملوكا ولو منفعة فقط أو يكون التصرف فيه نافذا بوكالة أو ولاية.

٤ ـ معلومية الاشجار في مقابل التردّد.

٥ ـ ان تكون الاصول ذات جذور ثابتة في الارض ، كما في النخل وأشجار الفواكه ، فلا تصح على ما لا ثبوت لعروقه في الارض ، كالبطّيخ والباذنجان‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٧ : ٥٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٢ الباب ٩ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٢.

١٤٨

وغيرهما من الخضر.

٦ ـ تحديد المدة بداية ونهاية ، وان تكون بمقدار تصلح لبلوغ الثمرة.

ويكفي بلوغ الثمرة تحديدا للنهاية.

٧ ـ ان يكون العقد قبل بلوغ الثمرة أو بعدها مع افتراض الحاجة إلى السقي أو غيره. اما مع فرض الحاجة إلى مجرد الحفظ والقطف فالصحة محل خلاف.

٨ ـ تعيين حصة كل من المالك والعامل بنحو الكسر المشاع.

٩ ـ تعيين ما على كل واحد منهما من اعمال إذا لم يكن هناك انصراف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة إلى الشرطين الاولين‌ فلما تقدم في المزارعة.

٢ ـ واما اعتبار ملك المنفعة او التصرف‌ فلانه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

٣ ـ واما اعتبار معلومية الاشجار ـ بمعنى عدم ترددها ـ فلان تعلق وجوب الوفاء بهذا المعين او بذاك المعين ترجيح بلا مرجح ، وتعلقه بكليهما امر على خلاف مقصودهما. والمردد لا تحقق له ليمكن تعلق ذلك به.

واما المعلومية في مقابل الجهل فقد يقال باعتبارها لا لحديث نفي الغرر ـ لعدم ثبوت كونه رواية على ما تقدم في مبحث الاجارة. اضافة إلى امكان القول بان مثل المساقاة مبنية على الغرر والجهل من الاساس فلا معنى للتمسك بلحاظها بالحديث المذكور ـ ولا للإجماع لاحتمال مدركيته بل لان مورد صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة قد فرضت فيه المعلومية لدى الطرفين فلا يبقى ما يدل على صحتها مع‌

١٤٩

عدم المعلومية بناء على عدم امكان تصحيح المساقاة بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١). واما بناء على امكان ذلك ـ كما عليه المشهور ـ فاعتبار ذلك قابل للتأمل ، ولا بدّ من التنزل الى الاحتياط في الفتوى تحفظا من مخالفة المشهور.

٤ ـ واما اعتبار كون الاصول ثابتة‌ فلا يتم الا بناء على عدم امكان تصحيح مثل المساقاة بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ـ حيث يقال : ان مورد صحيحة يعقوب خاص بما كان له اصل ثابت ، وتصحيح المساقاة في غير ذلك لا دليل عليه ـ واما بناء على الرأي الآخر فلا وجه للاشتراط المذكور.

بل قد يقال : لا وجه له حتى على الرأي الاول ، لان مورد الصحيحة وان كان مختصا بما له اصل ثابت الا ان تخصيص ذلك بالذكر لم يجئ في كلام الامام عليه‌السلام بل في كلام السائل ، وحيث لا يحتمل ثبوت خصوصية لذلك عرفا فيمكن تعميم الحكم إلى غيره.

٥ ـ واما اعتبار تحديد المدة‌ فلانه بدون ذلك لا تعيّن للعقد في الواقع ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

واما اعتبار ان تكون المدة بمقدار تبلغ فيه الثمرة فلانه بدون ذلك لا يمكن ثبوت حصة العامل ، ومن ثمّ يكون العقد لغوا ولا معنى لتعلق وجوب الوفاء به.

واما كفاية بلوغ الثمرة حدا للنهاية فلأن ذلك نحو من التحديد. ولعله هو المتعارف الذي يبعد عدم شمول دليل الامضاء له.

__________________

(١) المائدة : ١.

١٥٠

٦ ـ واما عدم تقييد صحة المساقاة بما قبل بلوغ الثمرة‌ فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

واما عدم اعتبار الحاجة إلى خصوص السقي فلان عطف الاعمار على السقي في الصحيحة : «اسق هذا من الماء واعمره» هو من عطف العام على الخاص ، وهو يدل على كفاية الاعمار بأي شكل كان ولو لم يكن بالسقي. والتعبير بالمساقاة تعبير فقهي لوحظ فيه أهم افراد الاعمار وهو السقي والا فالرواية لم تعبّر بذلك لتفهم الخصوصية للسقي.

ولو قيل باعتبار الخصوصية للسقي باعتبار انه منصوص عليه في الصحيحة يلزم ان يقال باعتبار الخصوصية أيضا للأعمار غير السقي لأنه مذكور في الصحيحة أيضا ، وهو غير محتمل.

واما الخلاف في الاكتفاء بالحاجة إلى الحفظ والقطف فلأنهما ليسا نحوا من الاعمار ليكونا مشمولين للصحيحة.

اجل بناء على صحة التمسك بالعمومات يتوجه الحكم بالصحة ولو لم يكن ذلك بعنوان المساقاة.

٧ ـ واما اعتبار تعيين الحصة وكون ذلك بالكسر المشاع‌ فواضح بناء على عدم جواز التمسك بالعمومات والا فالتعيين يكون معتبرا دون كونه بالكسر المشاع ، إذ مع تردد الحصة لا يمكن ثبوت وجوب الوفاء لان تعلقه بلحاظ أحد الاحتمالين دون الآخر بلا مرجح ، والمردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

ثم انه بناء على جواز التمسك بالعمومات لا يعتبر تعيين الحصة بالكسر المشاع في باب المساقاة ولكن يلزم ذلك في باب المزارعة.

١٥١

ووجه الفرق : انه في المزارعة فهم من مثل صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تقبل الارض بحنطة مسماة ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به» (١) اعتبار تعيين الحصة بالكسر المشاع ويكون ذلك بمنزلة المقيّد للعمومات ، وهذا بخلافه في المساقاة ، فان صحيحة يعقوب لا يفهم منها عدم الصحة عند عدم تعيين الحصة بنحو الكسر المشاع وانما ذلك موردها لا أكثر.

٨ ـ واما اعتبار تعيين الاعمال‌ فلما تقدم في المزارعة.

٣ ـ احكام عامة في باب المساقاة‌

المساقاة عقد لازم لا ينفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ بالخيار إذا فرض اشتراطه او تخلف بعض الشروط.

وفي جواز المساقاة على الاشجار التي لا ثمر لها وانما ينتفع بورقها ـ كالحناء ـ خلاف.

ويجوز اجراء عقد المساقاة على الاشجار التي لا تحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء المطر ونحو ذلك ما دامت بحاجة إلى الاعمار من جهات اخرى.

ولا يلزم على العامل مباشرة العمل بنفسه بل يجوز له استيجار غيره لذلك ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

وإذا كان البستان يشتمل على أنواع مختلفة من الاشجار فتجوز المساقاة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٩٩ الباب ٨ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٣.

١٥٢

على النصف مثلا في النخيل والربع في شجر التفاح ، وهكذا.

ويجوز ان يشترط احدهما على الآخر مضافا إلى حصته شيئا آخر ، كبناء بيت له أو دفع مبلغ من النقود وما شاكل ذلك.

ولو قال المالك للعامل : ساقيتك بالنصف ان سقي بالناضح وبالثلث ان سقي بالسيح لم تقع المساقاة صحيحة.

والمغارسة ـ وهي ان يدفع شخص أرضه لغيره للغرس فيها مع الاشتراك في المغروس ـ باطلة على المشهور. اجل مع فرض الاشتراك في الشجر من حين العقد وقبل الغرس صحيحة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان المساقاة لازمة لا تنفسخ الا بما ذكر‌ فقد تقدم ذلك في مبحث الاجارة فلاحظ.

٢ ـ واما الخلاف في جواز المساقاة على الاشجار التي لا ثمر لها‌ فباعتبار ان مورد صحيحة يعقوب هو الشجر المثمر.

الا ان المناسب هو الحكم بالتعميم لان مورد الصحيحة وان كان ما ذكر لكنه قد وقع في سؤال السائل ولا يفهم العرف له خصوصية فبتنقيح المناط ينبغي التعدي.

هذا لو لم نقل بجواز التمسك بالعمومات والا فالأمر أوضح.

٣ ـ واما عدم توقف صحة عقد المساقاة على الحاجة إلى السقي‌ فلما تقدم من ان عطف الاعمار على السقي في صحيحة يعقوب هو من عطف العام على الخاص ، وذلك يدل على ان المدار في صحة المساقاة على الحاجة إلى الاعمار بأي شكل كان من دون خصوصية للسقي.

هذا بناء على عدم امكان التمسك بالعمومات والا فالحكم‌

١٥٣

بالصحة أوضح.

٤ ـ واما ان العامل يجوز له استيجار غيره إذا لم تشترط عليه المباشرة بنفسه‌ فواضح لان الذمة تكون مشغولة بالاعمار الكلي ، وهو مما يمكن تحققه باستيجار الغير له.

٥ ـ واما جواز المساقاة بحصص مختلفة باختلاف الاشجار‌ فلانحلال العقد إلى عقود متعددة بعدد أنواع الاشجار.

٦ ـ واما جواز اشتراط شي‌ء آخر اضافة إلى الحصة‌ فلانه بعد عدم مخالفته لمقتضى العقد ولا للكتاب والسنة الشريفين يكون اشتراطه صحيحا وواجب الوفاء بمقتضى قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

٧ ـ واما عدم وقوع المساقاة صحيحة في فرض كون الحصة هي النصف ان سقي بالناضح والثلث ان سقي سيحا‌ فلما تقدم من ان التردد مانع من الصحة ، إذ تعلق وجوب الوفاء بأحدهما بخصوصه ترجيح بلا مرجح ، وتعلقه بكليهما أمر على خلاف مقصودهما ، والمردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

٨ ـ واما بطلان المغارسة‌ فقد علل :

تارة باقتضاء الاصل لذلك بعد عدم الدليل على صحتها ، فان عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ناظر إلى اثبات اللزوم للعقد الصحيح وليس لإثبات صحة مشكوك الصحة كما هو رأي صاحب الجواهر (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) المائدة : ١.

(٣) جواهر الكلام ٢٧ : ٥٩.

١٥٤

واخرى بان الاثر للإنشاء لا بدّ وان يكون مقارنا له ـ كما هو المستفاد من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث يجب الوفاء بالعقد بمجرّد تحققه ـ ولذا لا يمكن الانشاء من الآن للبيع او الطلاق بعد يوم. وحيث انه في باب المغارسة يصير صاحب الارض مالكا للأشجار بعد الغرس لا من حين العقد فيلزم ما ذكر من الانفكاك الذي لا دليل على صحة العقد معه.

١٥٥
١٥٦

كتاب الشّركة‌

١ ـ حقيقة الشركة‌

٢ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الأوّل‌

٣ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الثاني‌

١٥٧
١٥٨

١ ـ حقيقة الشركة‌

تطلق الشركة على معنيين :

أ ـ كون شي‌ء واحد لاثنين أو أزيد بنحو الاشاعة.

ب ـ الاتفاق بين طرفين أو أزيد على الاتجار بمالهم مع الاشتراك في الربح والخسارة.

وهي بالمعنى الثاني عقد ، ولأجله صحّ ادراجها في العقود بخلافه بالمعنى الاول فانها ليست عقدا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تحقق الشركة بالمعنى الاول‌ فهو من الامور الواضحة.

فالاخوة مثلا إذا ورثوا مالا او حقا كانت الشركة فيه فيما بينهم بالمعنى المذكور.

وهكذا تتحقق بالمعنى المذكور إذا افترض اشتراك شخصين في حيازة المباحات ، كاصطياد مجموعة من الاسماك بواسطة شبكة.

او افترض امتزاج مالين لشخصين باختيار او بغيره من دون‌

١٥٩

تميز لأحدهما من الآخر بنحو عدّا عرفا موجودا واحدا ، كامتزاج حنطة بحنطة او دقيق حنطة بدقيق حنطة او شعير. واما إذا كان المزج بنحو لا يعدّان موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة وان لم يمكن التمييز ، كما إذا اختلطت دنانير شخص بدنانير غيره ، أو عباءة شخص بعباءة غيره ، أو حنطة شخص بشعير غيره ، فانه حيث لا يعدّ الخليط موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة بل يلزم الفرز ان امكن ، وان لم يمكن الا بكلفة بالغة فمع اتفاقهما على الصلح فلا مشكلة والا اجبرهما الحاكم عليه.

وقيل بالمصير إلى القرعة مع عدم اتفاقهما على الصلح. وهو جيد في مثال العباءة والدنانير حيث لا يعرف المالك فيشخص بالقرعة لان «كل مجهول ففيه القرعة» (١) ، بخلافه في مثال اختلاط الحنطة بالشعير ، فانه لا معنى للمصير إلى القرعة بعد تشخص مالك الحنطة عن مالك الشعير بل يتعيّن المصير إلى الصلح ان اتفقا عليه والا اجبرهما الحاكم عليه.

وقد يفترض تحقق الشركة بالمعنى الاول أيضا فيما إذا امتلك شخصان أو أزيد شيئا واحدا بشراء أو صلح أو هبة ونحوها.

كما تتحقق أيضا بعملية التشريك المنصوص عليها في الاخبار ، كمن كان عنده شي‌ء وطلب منه غيره تشريكه فيه ، بان قال له : شرّكني في نصفه بكذا مقدار ، فانه إذا قبل تحققت فيه الشركة بالمعنى المذكور ، فاذا حصل ربح أو نقصان اشتركا في ذلك.

والوجه فيه ـ مضافا إلى امكان دعوى انعقاد السيرة العقلائية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٩ الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١١.

١٦٠