دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

هو القمار كما دلت عليه الروايات (١) وكلمات اهل اللغة (٢).

ومن السنة الشريفة روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر ، كصحيحة زيد الشحام : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (٣) قال : الرجس من الاوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء» (٤).

وموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اللعب بالشطرنج والنرد» (٥).

وصحيحة معمر بن خلاد عن ابي الحسن عليه‌السلام : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكل ما قومر عليه فهو ميسر» (٦).

٣ ـ واما تحريم ما كان اللعب فيه مع الرهن وبالآلات الخاصة‌ فلانه القدر المتيقن من ادلة التحريم السابقة.

٤ ـ واما ما كان بآلات القمار المتداولة بدون رهن‌ فقد يستدل على حرمته بوجوه نذكر منها :

أ ـ التمسك باطلاق الآية الكريمة حيث لم يؤخذ في وجوب‌

__________________

(١) روى الوشاء عن ابي الحسن عليه‌السلام : «الميسر هو القمار» وسائل الشيعة ١٢ : ١١٩ الباب ٣٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٢) ففي لسان العرب ، مادة «يسر» : الياسر من الميسر وهو القمار.

وفي مجمع البحرين : الميسر : القمار ... ويقال سمّي ميسرا لتيسر اخذ مال الغير فيه من غير تعب ومشقة.

(٣) الحج : ٣٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٣٧ الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٣٨ الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

(٦) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٤٢ الباب ١٠٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

١٠١

الاجتناب عن الميسر فيها وجود الرهن.

وفيه : ان المفروض الشك في صدق عنوان «القمار» بدون الرهن ، والتمسك بالاطلاق فرع احراز صدق عنوان المطلق على المشكوك.

ب ـ التمسك بما دلّ على ان المؤمن مشغول عن اللعب ، كما في رواية عبد الواحد بن المختار : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام ... عن اللعب بالشطرنج فقال : ان المؤمن لمشغول عن اللعب» (١).

وقد تمسك الشيخ الأعظم بهذا الوجه في جملة ما تمسك به لإثبات التحريم في محل الكلام (٢).

وفيه : ان ما ذكر لو تمّ سندا لا دلالة له على التحريم كما هو واضح.

ج ـ التمسك بما دلّ على حرمة اللعب بالنرد والشطرنج ـ كموثقة السكوني المتقدمة ـ بتقريب ان اللعب بما ذكر يصدق ولو بلا مراهنة. وفرق بين ذلك وبين القمار ، فان صدق الثاني وان كان من المحتمل توقفه على المراهنة الا ان الاول لا يتوقف على ذلك جزما.

ودعوى الشيخ الاعظم : انصراف اطلاق النهي عن اللعب بما ذكر إلى الحالة المتعارفة وهي حالة ثبوت الرهن (٣) ، قابلة للتأمل ، فان غلبة الوجود لا توجب الانصراف ، وعلى تقدير التنزل يمكن التأمل في دعوى الغلبة المذكورة.

والمناسب في مناقشة الوجه المذكور ان يقال : ان النهي المذكور‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٣٩ الباب ١٠٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١١.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٣٢٢ ، منشورات دار الحكمة.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٣٢٠.

١٠٢

خاص بالنرد والشطرنج ولا يعم اللعب بغيرهما من آلات القمار.

ودعوى عدم الفصل او الحمل على المثالية غير واضحة.

د ـ التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة حيث ورد فيها : «وكل ما قومر عليه فهو ميسر».

وفيه : ما تقدم من الشك في صدق عنوان «ما قومر عليه» عند عدم وجود الرهن.

وعليه فالمناسب في هذه الصورة الحكم بالتحريم إذا كان اللعب بآلات النرد والشطرنج ويكون الحكم بالحرمة في غير ذلك مبنيا على الاحتياط.

٥ ـ واما إذا كان اللعب بغير آلات القمار مع افتراض وجود الرهن‌ ـ كالمراهنة في باب المصارعة او حمل الاثقال او سائر المسابقات ـ فقد استدل على تحريمه بعدة وجوه نذكر منها :

أ ـ التمسك برواية العلاء بن سيابة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان الملائكة تحضر الرهان في الخف والحافر والريش. وما سوى ذلك فهو قمار حرام» (١).

وفيه : ان السند ضعيف بالعلاء نفسه حيث لم يوثق الا بناء على كفاية رواية ابن ابي عمير ـ الذي هو احد الثلاثة ـ عنه.

ب ـ التمسك بمرسلة الصدوق : «قال الصادق عليه‌السلام : ان الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخف والريش والنصل. وقد سابق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسامة بن زيد واجرى الخيل» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٩ الباب ٣ من السبق والرماية الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٧ الباب ١ من السبق والرماية الحديث ٦.

١٠٣

والجواب عنها واضح لضعف سندها بالارسال.

الا انه قد يحكم بحجية مراسيل الشيخ الصدوق لأحد البيانات الثلاثة التالية :

الاول : انه قدس‌سره ذكر في مقدمة كتابه : «ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدّس ذكره» (١) ، وذلك يدل على انه لا يذكر في كتابه الا الاخبار الصحيحة.

وفيه : ان الصحيح في مصطلح المتقدمين عبارة عن كل خبر يجب العمل به ولو لاحتفافه ببعض القرائن الموجبة للاطمئنان بصدوره ـ دون ما كان رواته عدولا امامية ، فانه مصطلح متأخر ـ ولعل بعض تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

الثاني : انه ذكر في مقدمة كتابه أيضا ان «جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعول واليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي وكتب علي بن مهزيار الاهوازي ...» (٢) ، ومع استخراج الأحاديث من كتب مشهورة عليها اعتماد الاصحاب لا تبقى حاجة إلى وجود طريق صحيح.

وفيه : ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يعني صحة جميع احاديثه وانما يعني ان التعويل عليه هو طابعه العام ، فكتاب الكافي مثلا يصدق عليه انه كتاب مشهور وعليه معول الشيعة مع عدم الحكم بصحة جميع احاديثه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣.

(٢) المصدر نفسه.

١٠٤

الثالث : التمسك بالرأي المفصّل في مراسيل الصدوق بين ما إذا عبّر ب «روي عن الصادق عليه‌السلام» فلا تكون حجة ، وبين ما إذا عبّر ب «قال الصادق عليه‌السلام» فتكون حجة لان ذلك يدل على جزمه بصدور الحديث والا لما جازت له النسبة بنحو الجزم ، وكيف ينسب الامامي إلى امامه قولا لا يجزم بصدوره عنه.

وفيه : ان تعبيره ب «قال» وان دلّ على جزمه بصدور الرواية الا ان ذلك لا يعني شهادته بوثاقة جميع رجال سندها ، بل قد يكون ذلك لاحتفافها بنظره بقرائن أوجبت اطمئنانه بصدورها ، ولعل تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

ج ـ التمسك برواية العياشي في تفسيره عن ياسر الخادم عن الرضا عليه‌السلام : «سألته عن الميسر ، قال : الثقل من كل شي‌ء. قال : والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم» (١).

وفيه : ان على تقدير تمامية سندها ـ وعدم المناقشة من ناحية ياسر الخادم لجهالته بل وجهالة طريق العياشي إليه ـ قد تناقش دلالتها بان مفادها حرمة العوض لا حرمة اللعب نفسه.

د ـ التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة ، حيث ورد فيها : «وكل ما تقومر عليه فهو ميسر».

وفيه : ان المفروض الشك في صدق عنوان «تقومر عليه» على اللعب بغير الآلات المتداولة. مضافا إلى انها ناظرة إلى تحريم العوض دون اللعب نفسه.

ه ـ دعوى الجزم بعدم مدخلية اللعب بالآلات المتداولة في صدق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٤٣ الباب ١٠٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

١٠٥

عنوان القمار ـ ولذا لو فرض انعدام الآلات القديمة وتبدلها إلى آلات جديدة فهل يحتمل انتفاء الحرمة؟! ـ بل المناط صدق اللعب مع الرهان ولو لم يكن اللعب بالآلات المتعارفة.

ولا يشكل على ذلك بلزوم صدق القمار إذا فرض التسابق مع الرهان في حفظ سورة او بناء عمارة او كتابة كتاب وما شاكل ذلك ، والحال ان الالتزام بذلك بعيد جدا.

إذ يجاب بان عنوان اللعب في مثل ذلك غير صادق.

٦ ـ واما عدم التحريم في الصورة الاخيرة‌ فلأصل البراءة بعد عدم الدليل على التحريم ، إذ الموجب له اما التمسك بما دلّ على حرمة القمار ، أو التمسك بما تقدم من «ان المؤمن لمشغول عن اللعب» ، أو التمسك بمثل صحيحة حفص عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل» (١).

والكل كما ترى.

اما الاول فللشك في صدق القمار.

واما الثاني فلانه لا يدل على الحرمة ، بل لا يمكن الالتزام بها ، كيف وهل يحتمل ان اللهو واللعب باللحية أو بالمشي في الازقة والاسواق عبثا أو بنقض الغزل من بعد قوة انكاثا وما شاكل ذلك محرم؟

واما الثالث فلاحتمال كون السبق بفتح السين والباء معا ـ بمعنى المال المجعول رهنا ـ وليس بفتح السين وسكون الباء.

٧ ـ واما تعميم آلات القمار‌ لما تداول في عصرنا الحاضر فلعدم احتمال الخصوصية لتلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٤٨ الباب ٣ من السبق والرماية الحديث ١.

١٠٦

كتاب الاجارة‌

١ ـ حقيقة الاجارة‌

٢ ـ من خصوصيات عقد الاجارة‌

٣ ـ شرائط العوضين‌

٤ ـ الضمان في باب الاجارة‌

٥ ـ احكام عامة للإجارة‌

١٠٧
١٠٨

١ ـ حقيقة الاجارة‌

الاجارة عقد يتضمن تمليك المنفعة ـ التي هي عمل أو غيره ـ بعوض.

وهي مشروعة بالضرورة.

ولها شرائط يرتبط بعضها بالمتعاقدين ـ هي شرائط المتعاقدين نفسها في باب البيع ـ وبعضها بالعوضين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حقيقة الاجارة ما ذكر‌ فهو ما جاء في كلمات غير واحد من الأصحاب. وهو مبني على كون الاجارة فعل المؤجر ، كتعريف البيع بانه تمليك عين بعوض. واما بناء على كونها فعل الطرفين ـ كما في النكاح ـ فالمناسب تعريفها بانها عقد يتضمن المعاوضة على المنفعة.

٢ ـ واما ان المنفعة قد تكون عملا او غيره‌ فواضح. وقد تكون الاجارة على العمل ـ كإيجار الشخص للبناء او الخياطة ونحوهما ـ وقد تكون للعين ، كإيجار الدار للسكن.

ويطلق على مستحق المنفعة بالاجارة عنوان المستأجر ، وعلى‌

١٠٩

مستحق الاجرة في اجارة الاعيان عنوان المؤجر وفي الاجارة على العمل عنوان الاجير.

٣ ـ واما شرعية الاجارة‌ فثابتة بقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٢) ، وبالروايات الواردة لبيان احكامها التي تأتي الاشارة إلى بعضها ، بل بالضرورة التي لا يحتاج معها إلى دليل.

٤ ـ واما شرائط المتعاقدين فبما انها لا تختلف عن شرائط المتعاقدين في باب البيع عددا ومدركا‌ فلا حاجة إلى التكرار.

٢ ـ من خصوصيات عقد الاجارة‌

يعتبر في الاجارة الايجاب والقبول ، ففي اجارة الدار مثلا يصح الايجاب من صاحب الدار بلفظ آجرتك الدار والقبول من الآخر بلفظ قبلت ونحوه ، كما يصح العكس فيقول الآخر : استأجرت دارك ويقول صاحب الدار : قبلت.

وتتحقق الاجارة بالمعاطاة.

وهي من العقود اللازمة التي لا تنفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط.

والمشهور جواز الاجارة المعاطاتية الا اذا تصرف احدهما فيما انتقل إليه. والمستند في ذلك :

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

١١٠

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في الاجارة‌ فلأنها من العقود.

واما صحة الايجاب والقبول بكلا الشكلين فلإطلاق الامر بالوفاء بالعقد الصادق فيهما.

٢ ـ واما صحة الاجارة بالمعاطاة‌ فلان ذلك هو مقتضى القاعدة ، فانه بعد صدق العقد بالمعاطاة وعدم انحصار تحققه باللفظ يشمله اطلاق قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ويكون الخروج عن ذلك والحكم باعتبار اللفظ فقط هو المحتاج إلى الدليل. وقد قام الدليل في بعض الموارد ـ كالنكاح والطلاق والنذر واليمين ـ ويبقى غيرها مشمولا لمقتضى القاعدة.

هذا وقد فصّل الشيخ النائيني بين الاجارة في الاعيان فتصح فيها المعاطاة والاجارة في الاعمال فلا تصح فيها ، بتقريب ان التعاطي يمكن تحققه خارجا في اجارة الاعيان ولا يمكن تحققه في اجارة الاعمال ، فان أحد الطرفين إذا دفع اجرة الخياطة فلا يتحقق من الآخر تسليم العمل حين دفع الاجرة بل يتحقق بعد ذلك من باب كونه وفاء بالعقد وليس من باب كونه محققا وإنشاء له (٢).

وفيه : انه بدفع الاجرة يمكن تحقق الايجاب والقبول الفعليين ، فبالدفع من احد الطرفين يتحقق الايجاب وبأخذ الطرف الثاني يتحقق القبول ولا يتوقف تحقق العقد الفعلي على صدور دفع من الثاني عند دفع الاول.

بل يمكن تحقق العقد الفعلي بلا دفع الاجرة أيضا ، كما إذا دفع‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التعليقة الشريفة للشيخ النائيني على العروة الوثقى ، الفصل ١ من كتاب الاجارة.

١١١

المستأجر قطعة القماش إلى الخياط وتسلمها الخياط منه بقصد تحقق العقد بذلك.

٣ ـ واما ان الاجارة من العقود اللازمة‌ فلان ذلك مقتضى الاصل في كل عقد على ما هو المستفاد من قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ـ فان مقتضى وجوب الوفاء بالعقد عدم جواز نقضه من دون رضا الطرف الآخر ـ ومن استصحاب بقاء الملك الثابت قبل فسخ احدهما ، ومن الوجوه الاخرى لإثبات اللزوم التي تقدمت الاشارة إليها في كتاب البيع.

ويمكن ان تضاف هنا الروايات الواردة في خصوص المقام ، كصحيحة علي بن يقطين : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يتكارى من الرجل البيت او السفينة سنة او اكثر من ذلك او أقلّ ، قال : الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكارى إليه. والخيار في أخذ الكراء إلى ربها ان شاء أخذ وان شاء ترك» (٢) وغيرها.

٤ ـ واما تحقق الانفساخ بالتقايل‌ فلان الحق لا يعدو المتعاقدين بعد وضوح ان اللزوم حقي لا حكمي.

واما جواز الفسخ بالخيار الثابت لأحدهما او كليهما فواضح لأنه مقتضى اشتراط الخيار النافذ بقوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٣).

واما جوازه عند تخلف الشرط فلان مرجع الاشتراط عرفا الى تعليق الالتزام بالعقد على تحقق الشرط خارجا ، فعند عدم تحققه لا‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٤٩ الباب ٧ من احكام الاجارة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

١١٢

التزام بالعقد الذي هو عبارة اخرى عن جعل الشارط لنفسه الخيار عند تخلف الشرط.

٥ ـ واما ان الاجارة المعاطاتية جائزة لدى المشهور الا عند التصرف‌ فذلك للإجماع المدعى على عدم لزوم المعاطاة بشكل عام الا عند التصرف.

والمناسب هو الحكم باللزوم تمسكا باطلاق قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) وغيره من الوجوه المذكورة لإثبات لزوم المعاطاة في باب البيع فراجع.

واما الاجماع المدعى فغير ثابت خصوصا مع مدركيته المحتملة.

٣ ـ شرائط العوضين‌

يلزم في العوضين : المعلومية ، والقدرة على التسليم ، والملكية ، وامكان الانتفاع بالعين مع بقائها فلا تصح اجارة الخبز للأكل مثلا ، وان تكون المنفعة مباحة فلا تصح الاجارة لفعل المحرم ، وان تكون العين صالحة لاستيفاء المنفعة منها فلا تصح اجارة الارض للزراعة إذا لم تمكن زراعتها ، وتمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة فلا تصح اجارة الحائض لكنس المسجد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار معلومية العوضين‌ فقد يستدل له :

__________________

(١) المائدة : ١.

١١٣

تارة بلزوم الغرر على تقدير عدم المعلومية ، وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر (١).

واخرى بالنبوي : «من استأجر أجيرا فليعلمه اجره» (٢).

وثالثة بما دل على لزوم اعتبار ضبط الكيل والوزن والعدد في باب البيع (٣) ، بعد وضوح عدم الخصوصية له.

ورابعة بما أفاده بعض الاعلام من ان المعاملات لدى العقلاء مبنية على حفظ التساوي في مقدار مالية العوضين. ولعلهم يستغنون عن التصريح بذلك لوضوحه. ومن هنا يثبت الخيار عندهم في حالات الغبن. وعليه فالمعاملة على المجهول المتضمنة للغرر خارجة عن المعاملات العقلائية وينصرف عنها دليل الامضاء لاختصاص نظره بالمعاملات العقلائية (٤).

وخامسة بتسالم الاصحاب على ذلك.

والكل كما ترى.

اما الاول فلان الثابت في كتب الحديث : «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر» (٥) ، وليس : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر.

هذا بقطع النظر عن السند والا فالاشكال أوضح.

وإذا قيل : ان ذلك يستفاد من رواية الشيخ الصدوق في معاني‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، كتاب الاجارة ، المسألة ٢ من الركن ٣ في الفصل ٢.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٣ من أبواب الاجارة الحديث ١.

(٣) راجع الرقم ٤ من بحث شرائط العوضين في كتاب البيع.

(٤) مستند العروة الوثقى ، كتاب الاجارة : ٣٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٣٠ الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

١١٤

الاخبار ، حيث ورد فيها : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نهى عن المنابذة والملامسة وبيع الحصاة ... وهذه بيوع كان اهل الجاهلية يتبايعونها فنهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها لأنها غرر كلها» (١) ، فان التعليل يدل على المنع من الغرر بدون اختصاص بالبيع.

قلنا : ان التعليل المذكور هو من الشيخ الصدوق قدس‌سره دون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فراجع. على ان السند ضعيف بعدة مجاهيل.

واما الثاني فلضعف الحديث سندا. ومع التنزل يمكن فرض العلم بالمشاهدة فيما إذا كانت الاجرة من المكيل او الموزون.

واما الثالث فباعتبار ان الغاء الخصوصية للبيع لا يمكن الجزم به ، ولذا يقال في ردّ الاستدلال بحديث النهي عن الغرر : ان الثابت هو النهي عن بيع الغرر ، فلو فرض عدم الخصوصية للبيع كفى ورود النهي عن بيع الغرر.

واما الرابع فباعتبار ان التساوي في المالية وان كان معتبرا لدى العقلاء الا ان الطريق إليه لا ينحصر لديهم بالكيل والوزن والعد بل يكتفون بالتخمين الحاصل من المشاهدة أيضا.

واما الخامس فالتسالم مع احتمال المدرك لا حجية له كما هو واضح.

وعليه فالحكم باعتبار معلومية العوضين ينبغي ابتناؤه على الاحتياط.

٢ ـ واما اعتبار القدرة على التسليم‌ فقد تقدمت الاشارة في باب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٦٦ الباب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١٣.

١١٥

البيع إلى مستندات ذلك وكانت كلها ضعيفة ما عدا الاخير ، وهو روايات جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة ، والتعدي منه إلى الاجارة مبني على الغاء خصوصية البيع.

ويمكن الاستدلال في خصوص الاجارة بان مثل منفعة الدار مع عدم القدرة على التسليم تتصرم شيئا فشيئا ، ومن ثمّ لا تكون مملوكة في اعتبار العقلاء لصاحب الدار ليمكنه نقلها.

وهذا الوجه ـ كما نرى ـ يختص بحالة تعذر التسليم واقعا ، اما مع الشك وفرض عدم التعذر واقعا فلا مانع من الحكم بالصحة.

٣ ـ واما اعتبار الملكية‌ فواضح ، إذ غير المالك لا يمكنه تمليك الغير ، فان فاقد الشي‌ء لا يعطيه. بل تحقق النقل من دون رضا المالك خلاف قاعدة السلطنة الثابتة له وقاعدة لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفس منه.

هذا كله مضافا إلى ان الخطاب بالوفاء بالعقود منصرف الى الملاّك الذين هم أصحاب العقد حقيقة دون غيرهم.

اجل لا يقع النقل من غير المالك باطلا رأسا بل موقوفا على الاجازة ، كما هو شأن كل عقد فضولي.

٤ ـ واما اعتبار امكان الانتفاع بالعين مع بقائها‌ فلتقوّم حقيقة الاجارة بذلك ، فان تمليك منفعة العين دونها يستبطن ذلك.

٥ ـ واما اعتبار اباحة المنفعة‌ فاستدل له بما يلي :

أ ـ ما أفاده الشيخ النائيني من ان المنفعة المحرمة ليست مملوكة ليمكن تمليكها. قال قدس‌سره : «ان اشتراط مملوكية المنفعة يغني عن هذا‌

١١٦

الشرط ، فان المنفعة المحرمة غير مملوكة» (١).

ب ـ ان المنفعة إذا كانت محرمة فلا يمكن تسليمها شرعا ، والممتنع شرعا كالممتنع عقلا ، وقد تقدم ان القدرة على التسليم شرط في صحة الاجارة.

ج ـ التمسك برواية جابر أو صابر : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال : حرام اجره» (٢) ، بتقريب ان حرمة الاجر يكشف عن بطلان المعاملة.

الا ان الرواية المذكورة لو تمت سندا ولم تحتمل لموردها ـ وهو الخمر ـ خصوصية معارضة بصحيحة عمر بن اذينة : «كتبت إلى ابي عبد الله عليه‌السلام اسأله عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممن يحمل فيها او عليها الخمر والخنازير ، قال : لا بأس» (٣).

د ـ ان المنفعة ما دامت محرمة فتسليمها والوفاء بالعقد يكون محرما ، وإذا لم يجب الوفاء بالعقد لم يمكن اثبات صحته ، فان صحة العقد تستكشف من وجوب الوفاء ، فاذا فرض عدمه فلا يمكن استكشافها.

٦ ـ واما اعتبار قابلية العين لاستيفاء المنفعة منها‌ فباعتبار ان المنفعة إذا لم تكن قابلة للاستيفاء فهي ليست ملكا لصاحب العين ليمكنه تمليكها.

__________________

(١) راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني على العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الشرط ٥ من شرائط العوضين.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ١٢٥ الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ١٢٦ الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

١١٧

٧ ـ واما اعتبار تمكن المستأجر من الانتفاع بالعين‌ فقد يوجّه بما ذكره الشيخ النائيني من «ان هذا المثال (١) قد خرج باشتراط مملوكية المنفعة واباحتها» (٢).

وفيه : ان المنفعة ـ كنس المسجد ـ مباحة لعدم حرمة كنس الحائض للمسجد بما هو كنس للمسجد ، وانما المحرم هو مكث الحائض في المسجد الموقوف عليه الكنس ، وحرمة هذا لا تستلزم حرمة مقارناته والا فهل يحتمل استلزام حرمة المكث لحرمة تحريك اليد؟

والانسب ان يعلل اعتبار الشرط المذكور بان استيفاء المنفعة ما دام مستلزما لارتكاب محرم شرعي فلا يجب الوفاء بالاجارة ، ومن ثمّ لا يمكن استكشاف الصحة لأنها لازم لوجوب الوفاء فاذا لم يثبت لم يمكن استكشاف لازمه.

٤ ـ الضمان في باب الاجارة‌

مستأجر العين امين عليها لا يضمن تلفها او تعيبها الا إذا تعدّى أو فرّط.

وهكذا الحال في الاجير إذا دفع له المستأجر العين ليعمل فيها.

واذا باشر الطبيب من خلال عملية جراحية علاج المريض وتضرر بذلك كان ضامنا الا اذا اخذ البراءة مسبقا ولم يكن مقصرا في اعمال اجتهاده.

__________________

(١) أي مثال اجارة الحائض لكنس المسجد الذي ذكره السيد الطباطبائي.

(٢) راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني على العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الشرط ٧ من شرائط العوضين.

١١٨

وإذا وصف الدواء من دون ان يباشر العلاج وتضرر المريض بذلك فقد قيل : بعدم الضمان أيضا.

وإذا أفسد الخيّاط أو البنّاء أو النّجار أو الختّان أو أي عامل آخر كان ضامنا كالطبيب المباشر ما دام قد تجاوز الحدّ المأذون فيه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم ضمان المستأجر للعين‌ فللقصور في المقتضي ، فان الضمان لو كان ثابتا فليس له مدرك سوى قاعدة على اليد ، وهي لا تشمل مثل يد المستأجر ، لان مستند القاعدة المذكورة ليس الا السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع ، وهي لا تشمل مثل يد المستأجر ، ولا أقلّ من الشك فيقتصر على القدر المتيقن.

ومع التنزل وفرض تمامية المقتضي يكفينا للحكم بعدم الضمان وجود المانع ، وهو الروايات الواردة في عدم ضمان الامين ، كصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته» (١).

بل والروايات الواردة في خصوص باب الاجارة ، كصحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم فنفقت الدابة ، فقال : ان كان جاز الشرط فهو ضامن. وان كان دخل واديا لم يوثقها فهو ضامن. وان وقعت في بئر فهو ضامن لأنه لم يستوثق منها» (٢).

٢ ـ واما الضمان مع التعدي أو التفريط‌ فلقاعدة على اليد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٢٩ الباب ٤ من أحكام الوديعة الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨١ الباب ٣٢ من الاجارة الحديث ٢.

١١٩

والصحيحتين المتقدمتين.

٣ ـ واما عدم ضمان الاجير للعين التي يعمل فيها‌ فلما تقدم نفسه في عدم ضمان المستأجر.

٤ ـ واما ضمان الطبيب عند مباشرته للعلاج وتضرر المريض‌ فلقاعدة من اتلف ، وموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه والا فهو له ضامن» (١).

بل يمكن التمسك أيضا بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده ، فقال : كل عامل أعطيته أجرا على ان يصلح فأفسد فهو ضامن» (٢).

وإذا قيل : مع اذن المريض للطبيب في مباشرة علاجه لا يبقى موجب للضمان.

قلنا : ان الاذن كان في العلاج دون الافساد.

٥ ـ واما استثناء حالة أخذ البراءة‌ فلموثقة السكوني المتقدمة.

وإذا قيل : لا تصح البراءة لأنها من قبيل اسقاط ما لم يجب.

قلنا : هذا يتم لو اريد تخريج الحكم على طبق القاعدة ، اما بعد وجود النص فلا مجال لمثل الاشكال المذكور.

٦ ـ واما القول بعدم الضمان عند وصف الدواء من دون مباشرة العلاج‌ فلان المستند للضمان اما موثقة السكوني المتقدمة أو قاعدة الاتلاف أو قاعدة الغرور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٩٥ الباب ٢٤ من أبواب موجبات الضمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧٥ الباب ٢٩ من أحكام الاجارة الحديث ١٩.

١٢٠